القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

منها حدّثنا محمد بن يحيى ، ثمّ قال : قال ابن أبي حاتم : ثقة صدوق امام (١).

وقال النسائي : ثقة مأمون إلى غير ذلك مما ذكروه في حقه من جلائل الأوصاف.

وثانياً : ان هذه المعاندة ، والمباغضة ، واللّداد ، والحسد ، سيما على العلم والحديث الذي هو من رزق الله تعالى يعطيه من يشاء على ما نصّ عليه البخاري ، مما يوجب الفسق والفجور ، والضلال سيما بملاحظة منشئه ، وهو حب الرئاسة ، والشهرة ، والتفرد بالأمر الذي نسبوه إلى الذّهلي.

ومع ذلك كيف روى عنه البخاري في صحيحه واحتجّ بحديثه مع شهادته عليه بما سمعت!؟ وقد بلغ من احتياطه! أنه والعياذ بالله ، لم يحتج بخبر الإمام الصادق صلوات الله عليه ، كما سمعت لما بلغه عن يحيى بن سعيد.

ثمّ انه دلّس في كتابه بأن لم يفصح باسم الذهلي (٢) مع أنه معتمداً ، ثقة ، في الحديث عند البخاري ، فلا وجه لإخفاء اسمه إلّا الحسد والبغض ، كما ذكر الذهبي أن منشأه ما كان بينهما ، وان لم يكن ثقة فاخفاء اسمه تدليس وخيانة صريحة ، حتى يظن أنه غير الذهلي وأنه رجل موثوق به مسكون إلى قوله (٣).

وثالثاً : بعد تسليم أن ما وقع من الذهلي وقع حسداً وبغضاً للبخاري ، وكذا ما وقع من البخاري نقول : يثبت بذلك سقوط أخبارهما جميعاً عن درجة

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٧٩ ، رجال صحيح البخاري ٢ : ١١٢٢ ، تاريخ الإسلام سنوات ٢٥١ ـ ٢٦٠ ص ٣٤٢.

(٢). إكمال مبهمات البخاري لابن حجر : ٧٦ ، طبقات المدلسين له أيضاً : ٢٤ رقم ٢٣ ، تبيين أسماء المدلّسين لابن العجمي : ٧٧ رقم ٦٤.

(٣). وقد فصّلنا البحث في ذلك في كتابنا : «الامام البخارى وصحيحه الجامع».

٨١

الاعتبار بناءً على ما ذكره الكابلي في الصواقع حيث قال في بيان الأدلة العقلية على بطلان مذهب الإمامية.

ورابعاً : أن قدماءهم وقدوتهم ورواة الأخبار من الأئمة من الثقات الذين أخذوا عنهم الأصول والفروع يكذب بعضهم بعضاً كهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وصاحب الطاق فان كلاً منهم ادعى الرواية عن علي بن الحسين وابنه محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق وأخذ المذهب عنهم وضلّل بعضهم بعضاً.

وقد صنّف هشام بن الحكم كتاباً في الرد على الجواليقي وصاحب الطاق كما ذكره النجاشي ، فلا يثبت بخبرهم حكم انتهى.

مع أنه من المعلوم أن مجرد ردّ أحد لا يوجب قدحاً ولا جرحاً في من ردّ عليه ولا في الرادّ.

فكيف بالتضليل والحكم الابتداع والتكذيب؟

فنقول : ان قدماء العامة وقدوتهم ومن أخذوا عنهم الأحاديث والأصول والفروع يضلّل بعضهم بعضاً ويحكم بأنه مبتدع يحرم مجالسته والتكلم معه والحضور عنده كما صدر من الذهلي بالنسبة البخاري كما عرفت ومن أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين أيضاً بالنسبة إليه كما ستعرف فلا يثبت بخبرهم حكم.

وأما الثالث : ففيه ما لا يخفى بعد ما حكي من البخاري من الاهتمام في اثبات خلق اللفظ بالقرآن والاستدلال عليه بالشكل الأول من الأشكال

٨٢

المنطقية ، لا سيما وقد اعترف السبكي بأنه أفصح بذلك ، يعني بكلتا المقدمتين في رواية صحيحة عنه.

وحكى هو أيضاً كغيره عن البخاري أنه استدل على المقدمة الاولى أعني قوله : أفعال العباد مخلوقة ، وبما رواه عن حذيفة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الله يصنع كلّ صانع وصنعته.

والمقدمة الأخرى أعني قوله : ألفاظنا من جملة أفعالنا بديهية باعتراف السبكي.

والذي نقلنا عنه من قوله : بخلق القرآن والايمان ، فهو أيضاً ثابت عنه بلا مرية ، وذهب كثير من سلف العامة إلى كفر من قال بهذا القول ، وممن نصّ على كفره زين الدين عبد الرحيم صاحب الفصول العمادية ، سبط صاحب الهداية ، والشيخ أبو بكر بن حامد ، والشيخ أبو حفص الزاهد ، والشيخ أبو بكر الاسماعيلي ، ولنقل عبارة صاحب الفصول العمادية وهي هذه : من قال بخلق القرآن فهو كافر ، وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ، وروى عن بعض السلف أنه روى عن أبي حنيفة رحمه‌الله أن الإيمان غير مخلوق ، وسئل الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه‌الله عن الصلاة خلف من يقول بخلق الايمان؟ قال : لا تصلّوا خلفه.

وذكر أبو سهل بن عبد الله وهو أبو سهل الكبير عن كثير من السلف رحمهم‌الله ان من قال : القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن قال : الإيمان مخلوق فهو كافر ، وحكي أنه وقعت هذه المسألة بفرغانة فأتي بمحضر منها إلى ائمة بخارى ، فكتب فيه الشيخ الامام أبو بكر بن حامد والشيخ الامام أبو حفص

٨٣

الزاهد والشيخ الامام أبو بكر الاسماعيلي رحمهم‌الله أن الايمان غير مخلوق ، ومن قال بخلقه فهو كافر.

وقد خرج كثير من الناس من بخارى منهم محمد بن اسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الايمان مخلوق ، انتهى.

وهذا الرجل يعني صاحب الفصول من أعيان العامة وترجمته موجودة في كتاب «كتائب الاعلام الأخيار» من مذهب النعمان المختار (١).

وأما ما حكينا عنه من كونه متروكاً عند الرازيين فلأنّ الذهبي وهو الامام الحافظ المتقن المقدم في علم الرجال والحديث ذكر البخاري في كتاب الضعفاء والمتروكين ، وقال ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ ، تركه لأجلها الرازيان (٢).

ويظهر من الذهبي أيضاً في الميزان أن الرازيين تركا البخاري كما أن مسلماً ترك علي بن المديني شيخ البخاري ، قال ما لفظه : علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن الحافظ أحد الاعلام الأثبات وحافظ العصر ، ذكره العُقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلى ابن أبي داود والجهمية وحديثه مستقيم ان شاء الله.

قال لي عبد الله بن أحمد : كان أبي حدّثنا عنه ، ثمّ امسك عن اسمه ، وكان يقول : حدّثنا رجل ، ثمّ ترك حديثه بعد ذلك.

__________________

(١). من مصنّفات الكفوي محمود بن سليمان الحنفي الرومي المتوفى ٩٩٠ ه‍ وذلك في تراجم رجال الحنفية.

(٢). الجرح والتعديل ٧ : ١٩١ رقم ١٠٨٦ ، المغني في الضعفاء ٢ : ٢٦٨ رقم ٥٣١٢.

٨٤

قلت : بل حديثه عنه في مسنده ، وقد تركه ابراهيم الحربي ، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي داود ؛ فقد كان محسناً اليه ، وكذا امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى ، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه محمد (١) لأجل مسألة اللفظ ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما كان منه في المحنة انتهى (٢). وجلالة الرازيين مما لا يخفى على ناظر كتب القوم ، م ، ت ، س ، ق ، فلنذكر شطراً منها :

أما أبو زرعة : (٣) فهو شيخ النسائي ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجة ، قال الذهبي في الكاشف : عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأعلام ، روى عن أبي نعيم والفضل ، وقبيصة ، وطبقتهم في الآفاق ، وعنه م ، ت ، س ، ق ، وأبو زرعة ، ومحمد بن الحسين القطان ، وأمم (٤).

قال ابن راهويه : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل (٥) ، مناقبه تطول.

وفي حاشية الكاشف : أنه أحد الأئمة المشهورين والأعلام المذكورين ، الجوّالين ، المكثرين ، والحافظين ، والمتقنين.

__________________

(١). محمد بن اسماعيل البخاري.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ : ١٣٨.

(٣). الجرح والتعديل ١ : ٣٢٨ ـ ٣٤٩ و ٥ : ٣٢٤ ـ ٣٢٦ ، تاريخ بغداد ١٠ : ٣٢٦ ، طبقات الحنابلة ١ : ١٩٩ ، المنتظم ٥ : ٤٧ ، تذكرة الحفاظ ٢ : ٥٥٧ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٦٥ رقم ٤٨ ، العبر ٢ : ٢٨ ، البداية والنهاية ١١ : ٣٧ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٠ ، طبقات الحفاظ : ٢٤٩ ، شذرات الذهب ٢ : ١٤٨.

(٤). الكاشف ٢ : ٢٠١ رقم ٣٦١٩.

(٥). تاريخ بغداد ١٠ : ٣٣٢ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٧١ ، العبر ١ : ٣٧٩ سنة ٢٦٤.

٨٥

روى عنه أبو زرعة الدمشقي الرازي وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، وهو من شيوخه وابن أخيه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي ، وأبو حاتم محمد بن ادريس الرازي ، وهو من اقرانه.

قال النسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم : امام (١).

وقال أبو مصعب : رأيت مالكاً وغيره ، فما رأت عيناي مثله ، وقال فضلك الصائغ : دخلت على الربيع بمصر فقال لي من اين أنت؟ قلت : من الري من بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ، ان أبا زرعة آية وليس له ثان (٢).

وقال عبد الواحد بن غياث ما رأى أبا زرعة مثل نفسه أحداً (٣).

وقال أبو زرعة : أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات ، وقال أيضاً : كتبت عن ابراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث (٤).

وقال محمد بن جعفر بن حمكويه : سئل أبو زرعة الرازي ، عن رجل حلف بالطلاق ان أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ قال : لا. وقال :

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ : ٢٨ رقم ٦٣.

(٢). وفي سير أعلام النبلاء : ابن عدي : سمعت محمد بن ابراهيم المقرئ ، سمعت فَضْلَكَ الصَّائغ يقول : دخلت المدينة فصرت إلى باب أبي مصعب ، فخرج إليّ شيخ مخضوب ، وكنت ناعساً ، فحرّكني وقال : يا مردريك! من أين أنت؟ أي شيء تنام؟ قلت : أصلحك الله من الري ، من بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني؟ لقيت مالكاً وغيره ، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة. ١٣ : ٧٣ ـ ٧٤.

(٣). مقدمة الجرح والتعديل ٣٤١ ، و : ٥ : ٣٢٥ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٧٤.

(٤). المصدر السابق ١٣ : ٦٨.

٨٦

أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد ، وفي المذاكرة : ثلاث مائة ألف حديث (١).

وقال أبو بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ : لم يكن في هذه الأمة أحفظ من أبي زرعة ، كان يحفظ مائة وأربعين ألفاً في القراءات والتفسير وحفظ كتب الامام أبي حنيفة في أربعين يوماً ، وكان يسريها مثل الماء.

وذكره ابن حجر العسقلاني في التقريب وقال : أنه امام حافظ ، ثقة مشهور من الحادية عشر (٢).

ذكره اليافعي في مرآة الجنان في وقائع سنة أربع وستين ومائتين وأثنى عليه ، وذكره ابن جزلة الحكيم في مختصر تاريخ بغداد وفيه أنه قال : أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد (٣).

وأما أبو حاتم الرازي : (٤) فمناقبه مذكورة في تهذيب الكمال ، والكاشف ، وتذكرة الحفاظ ، وتذهيب التهذيب ، وتهذيب التهذيب ، وتقريب العسقلاني ،

__________________

(١). المصدر السابق ١٣ : ٦٨.

(٢). تقريب التهذيب ٢ : ٤١٠ رقم ٤٣١٦.

(٣). تاريخ بغداد ١٠ : ٣٢٦ ـ ٣٣٧ ، أنظر ترجمته : تاريخ الطبري ٥ : ٤٧٦ ، الجرح والتعديل ٥ : ٣٢٤ رقم ١٥٤٣ ، الثقات لابن حبان ٨ : ٤٠٧ ، رجال صحيح مسلم لابن منجويه ٢ : ١٤ رقم ١٠٢٩ ، طبقات الحنابلة ١ : ١٩٩ رقم ٢٧١ ، صفة الصفوة ٤ : ٨٨ رقم ٦٧٣ ، المنتظم ٥ : ٤٧ رقم ١٠٩ ، تذكرة الحفاظ ٢ : ٥٥٧ ، تاريخ الاسلام ، سنوات ٢٧١ ـ ٢٨٠ ص : ١٢٤ رقم ١٠٠ ، البداية والنهاية ١١ ، ٣٧ ، مرآة الجنان ٢ : ١٧٦ ، طبقات الحفاظ : ٢٤٩ ، شذرات الذهب ٢ : ١٤٨ ، المغني في معرفة رجال الصحيحين : ١٦٤ رقم ١٤٠٦.

(٤). الجرح والتعديل ١ : ٣٤٩ و ٧ : ٢٠٤ ، تاريخ بغداد ٢ : ٧٣ ، تذكرة الحفاظ ٢ : ٥٦٧ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٤٧ رقم ١٢٩ ، الوافي بالوفيات ٢ : ١٨٣ ، طبقات السبكي ٢ : ٢٠٧ ، البداية والنهاية ١١ : ٥٩ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٣١ ، طبقات الحفاظ : ٢٥٥ ، شذرات الذهب ٢ : ١٧١.

٨٧

وأنساب السمعاني ، وتراجم الحفاظ والتبيان لابن ناصر الدين ، وطبقات الفقهاء الشافعية للسبكي ، وغيرها (١).

ولنقصر على شطر يسير منها :

قال السمعاني في الأنساب في نسبة الحنظلي ما لفظه : وبالري درب مشهور يقال له درب حنظلة منها أبو حاتم محمد بن ادريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي الحنظلي امام عصره والمرجوع اليه في مشكلات الحديث ، وهو من هذا الدرب ، وكان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ، وسمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا زيد النحوي وعبيد الله بن موسى ، وهوذة بن خليفة ، وأبا مسهر الدمشقي ، وعثمان بن الهيثم المؤذن وسعيد بن أبي مريم المصري ، وأبا اليمان الحمصي في أمثالهم.

وكان أول كتبه الحديث في سنة تسع ومائتين ، روى عنه الأعلام الأئمة مثل يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المصريان وهما أكبر منه سنّاً وأقدم سماعاً ، وأبو زرعة الرازي والدمشقي ومحمد بن عوف الحمصي وهؤلاء من أقرانه ، وعلم لا يحصون ، وذكر أبو حاتم وقال : أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ماشياً على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى مما زاد على ألف فرسخ تركته.

وقال أبو حاتم : قلت على باب أبي الوليد الطيالسي ، من أغرب عليّ

__________________

(١). الجرح والتعديل ٧ : ٢٠٤ رقم ١١٣٣ ، الثقات لابن حبّان ٩ : ١٣٩ ، تاريخ بغداد ٢ : ٧٣ رقم ٤٥٥ ، طبقات الحنابلة ١ : ٢٨٤ ، تذكرة الحفاظ ٢ : ٢٦٧ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٤٧ رقم ١٢٩ ، طبقات الشافعية ١ : ٢٩٩ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٢٨ رقم ٤٠ ، تقريب التهذيب ٢ : ٢١٠ رقم ٥٧١٨ ، العبر ١ : ٣٩٨ سنة ٢٧٧ ، طبقات الحفاظ : ٢٥٥ ، شذرات الذهب ٢ : ١٧١ ، الأعلام ٦ : ٢٥٠ ، معجم المؤلفين ٩ : ٣٥.

٨٨

حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله عليّ درهم يتصدّق به ، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه ، وانما كان مرادي أن يلقي عليَّ ما لم أسمع به فيقولون : هو عند فلان ، فاذهب واسمع وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي فما تهيّأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثاً (١).

الأمر الرابع : التعريف بالبخاري

من وجوه الطعن في البخاري ما يدل على عدم ديانته ووثاقته وتدليسه ، وأنه تصرف في مال الغير بغير اذنه مع العلم بكراهته وعدم رضاه ، وارتكب الكذب الصريح وأقدم على أمر قبيح ، كما يظهر كلّه مما قاله مسلمة بن قاسم في تاريخه على ما نقل عنه

قال : وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح أن علي بن المديني ألّف كتاب العلل وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد ولا يحدّث به لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته ، فغاب علي بن المديني في بعض حوائجه فأتى البخاري إلى بعض بنيه فبذل له مائة دينار على أن يخرج له كتاب العلل ليراه ويكون عنده ثلاثة أيام ففتنه المال وأخذ منه مائة دينار ثمّ تلطف مع أمه فاخرجت الكتاب فدفعه اليه ، وأخذ عليه العهود والمواثيق أن لا يحبسه عنده أكثر من الامد الذي ذكر.

فأخذ البخاري الكتاب وكان مائة جزء فدفعه إلى مائة من الوراقين

__________________

(١). الجرح والتعديل ١ : ٣٥٥ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٥٥.

٨٩

وأعطى كل رجل منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يوم وليلة ، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة وقوبل ثمّ صرفه إلى ولد علي بن المديني ، وقال : انّما نظرت إلى شيء فيه.

وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر ، ثمّ ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظ ، وكان كثير الملازمة لابن المديني ، وكان ابن المديني يقعد يوماً لأصحاب الحديث يتكلم في علله وطرقه ، فلما أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما جلسك عنّا؟ قال شغل عرض لي ثمّ جعل علي يلقى الأحاديث ويسألهم عن عللها ، فيبدر البخاري بالجواب بنصّ كلام علي في كتابه فعجب لذلك ، ثمّ قال له من اين علمت هذا؟! هذا قول منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العلم غيري ، فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال حتى أباحوا له الكتاب.

ولم يزل مغموماً بذلك ولم يثبت الّا يسيراً حتى مات ، واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه عنده بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان وتفقّه بالكتاب ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أول من وضع في الاسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تباع بكتابه واشتهر لدى العلماء في تأليف الصحيح انتهى (١).

ووجوه الطعن في البخاري من هذا الكلام ظاهرة الوجه.

الوجه الرابع : ما يدل على بلادته وبُعده عن الفقه ذكر صاحب الكفاية في شرح الهداية في فقه الحنفية ، ما لفظه :

__________________

(١). نقله ابن حجر بالاختصار في : تهذيب التهذيب ٩ : ٤٦.

٩٠

واذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لا حرمة بين الآدمي والبهائم ، لأن الحرمة لا تكون الّا بعد الأُميّة والبهيمة لا يتصور أن تكون أُمّاً للآدمي ولاداً وكذا رضاعاً ، وكان محمد بن اسماعيل صاحب الحديث يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، وانه دخل في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص الكبير وجعل يفتي فقال له الشيخ لا تفعل فلست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتى استفتي عن هذه المسألة اذا رضع صبيان بلبن شاة فافتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى (١).

__________________

(١). المبسوط للسرخسي ٣٠ : ٢٩٧ ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ٢ : ٦٤١ ، وفي المبسوط : قال السرخسي : ولو أن الصبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع لأن الرضاع معتبر بالنسب وكما لا يتحقق النسب بين الآدمي وبين البهائم فلذلك لا يثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم ، وكان محمد بن اسماعيل البخاري صاحب التاريخ يقول يثبت الحرمة ، وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارى فإنه قدم بخارى في زمن أبي حفص الكبير وجعل يفتي ، فنهاه أبو حفص وقال : لست بأهل له ، فلم ينته حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة فاجتمع الناس وأخرجوه.

وقال الإِسكندراني في «المتواري في تراجم أَبواب البخاري» : «وبلغني عن الإِمام أَبي الوليد الباجي أَنّه كان يقول : «يسلم البخاري في علم الحديث ، ولا يسلم في علم الفقه».

ويعلّل ذلك بأنَّ أَدلته عن تراجمه متقاطعة ، ويحمل الأَمر على أَنّ ذلك لقصور في فكرته وتجاوز عن حدّ فطرته ، وربما يجدون الترجمة ومعها حديث يتكلّف في مطابقته لها جدّاً ، ويجدون حديثاً في غيرها هو بالمطابقة أَولى وأَجدى ، فيحملون الأَمر على أَنّه كان يضع الترجمة ويفكر في حديث يطابقها ، فلا يعن له ذكر الجليّ فيعدل إِلى الخفي ... إِلى غير ذلك من التقادير التي فرضوها في التراجم التي انتقدوها فاعترضوها».

نعم! ومما اعترضوا على البخاري عدم معرفته بعلم الفقه ، ويذكرون لذلك أَمثلة :

منها : ما ذكره أَبو البركات في «كشف الأَسرار» من كتب الاصولية للحنفية ، أَنَّه قال : المحدِّثُ غير الفقيه يغلط كثيراً ، فقد روي عن محمد بن إِسماعيل صاحب «الصحيح» أَنَّه استفتي في صبيَّين شربا من لبن شاة ، فأَفتى بثبوت الحرمة بينهما. واخرج به من بخارى ، إِذ الاختيَّة تتبع الامِّيَّة ،

٩١

ويعلم حمقه اجمالاً من المكاتبة الجارية بين الفاضل التفتازاني وأبي مسعود البخاري حيث كتب البخاري إلى ذلك الفاضل شيئان لا يجتمعان : «الإنسانية والخراسانية» فكتب في جوابه : شيئان لا يفترقان : الحمارية والبخارية ، وكذا يعلم من شعر الذي نسبه مؤلف كتاب «روح الرواح» إلى أبي الكاتب في ذم بخارى وهو :

لو الفرس العتيق أتى بخارى

لصار بطبعها منها حمارا

فلم تر مثلها عيني كنيفاً

تبوأها أمير الشرق دارا

ومن أغلاطه الفاضحة التي يترتب عليه ما لا يحصى من المفاسد ما ذكر في باب الأنساب ، من الغاية للسخاوي الشافعي في شرح الهداية المنظومة للشيخ محمد الجزري الشافعي : أن أبا مسعود عقبة بن عمرو البدري لم ينسب كذلك لشهوده بدراً في قول الجمهور ، وان عدّه البخاري في صحيحه ممن شهدها! وانّما كان نازلاً يعني ساكناً بها ، فقد وقع لكبار أهل الحديث من ذلك أوهام انتهى.

ولا يخفى ان مثل هذا الغلط مع أنه باطل في نفسه يقود إلى غيره من الباطل العظيم فان البخاري اذا توهم أن أبا مسعود شهد بدراً وقد تقرّر عند القوم

__________________

والبهيمة لا تصلح امّاً للآدمي!.

وقد أَجابوا في ذلك عند الدفاع عن البخاري ، بأنَّ هذه النسبة إِلى البخاري لَمُختلقة ، وسببها الحسد من ناحية أَتباع أَبي حنيفة نصرة لإمامهم.

وقال في ذلك جمال الدين القاسمي في كتابه «حياة البخاري» : «إِنَّ المفتري لهذه الحكاية أَراد أَن يثأر لأبي حنيفة». حياة البخاري للقاسمي : ٤٨. وأَبو البركات هو عبد الله بن أَحمد بن محمود النسفي الحنفي المتوفى ٧١٠ ه‍.

٩٢

أن أهل بدر كلهم كانوا عادلين فيعد جميع رواياته من الصحيح وهذا بلاء عظيم.

الوجه الخامس : ما يدل على خيانته الصريحة وضلالته القبيحة وان عادته أن يبتر الأحاديث النبوية الواردة في حقّ أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين مما صحّت وثبتت عند أكابرهم المحققين وأعاظمهم المنقّدين ، بل بتر في غير موضع من كتابه ما أورده من الحديث المتعلق بهذا المقام كما نبه عليه بعض أكابرهم الاعلام.

قال العلامة ذو النسبين ابن دحية الكلبي وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من كتاب ابن خلّكان وبغية الوعاة ، وحسن المحاضرة ، وغيرها في كتب شرح أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لفظه : ترجم البخاري في وسط المغازي ما هذا نصه :

بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع ، حدّثني أحمد بن عثمان ، قال : حدّثنا شريح بن مسلمة ، قال : حدّثنا ابراهيم بن يوسف بن اسحاق بن أبي اسحاق ، حدّثني أبي عن أبي اسحاق سمعت البراء بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع خالد بن الوليد الى اليمن ، قال : ثمّ بعث علياً بعد ذلك مكانه فقال : مُر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقّب ، ومن شاء فليقبل فكنت ممن عقّب معه ، قال : فغنمت اواق ذوات عدد (١).

حدثني محمد بن بشار ، قال : حدّثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا علي بن سويد ابن منجوف ، عن عبد الله بن بريده ، عن أبيه ، قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت له ذلك فقال : يا بريدة أتبغض علياً؟

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب ... رقم ٤٣٤٩.

٩٣

فقلت : نعم ، قال : لا تبغضه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك (١).

قال ذو النسبين : أورده البخاري ناقصاً مبتراً كما ترى ، وهي عادته في ايراد الأحاديث التي من هذا القبيل ، وما ذاك الّا لسوء رأيه في التنكب عن هذا السبيل ، وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملاً محققاً وإلى طريق الصحة فيه موفقاً ، فقال فيما حدّثني القاضي العدل بقية مشايخ العراق تاج الدين أبو الفتح محمد بن أحمد المنداني قراءة عليه بواسط العراق بحق سماعه ، على الثقة الرئيس أبي القاسم بن الحصين بحق سماعه على الثقة الواعظ أبي علي الحسين بن المذهب بحق سماعه على الثقة أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان الفطسي بحق سماعه من الامام أبي عبد الرحمن بن عبد الله بحق سماعه على امام أهل السنة أبي عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدّثنا عبد الجليل قال : انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجاز وابنا بريدة ، فقال عبد الله بن بريدة : قال أبي أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط ، قال : واحببت رجلاً لم أحبه إلّا على بغضه علياً ، قال : فبعث ذلك الرجل على خيل فصحّبه ما اصحبه إلّا على بغضه علياً ، قال : فأصبنا سبياً ، فكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابعث علينا من تخميسه.

قال : فبعث الينا علياً في السبي وصيفة هي أفضل من السبي ، قال : فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟ قال : ألم ترد إلى الوصيفة التي كانت في السبي ، فانى قسمت وخمست فصارت في الخمس ، ثمّ صارت في أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ صارت في آل علي ووقعت بها.

__________________

(١). المصدر السابق : رقم ٤٣٥٠

٩٤

قال : فكتب الرجل إلى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت ابعثني فبعثني مصدّقاً ، قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق صدق فامسك يدي والكتاب ، قال : أتبغض علياً؟ قال : قلت : نعم ، قال : فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمد بيده نصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ، قال : فما كان من الناس أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب الي من علي ، قال عبد الله فوالذي لا اله الّا هو ما بيني وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (١).

__________________

(١). والرواية قد جاءت في المتون الأُخرى أَكثر فائدة ، وأَوضح دلالة ، من رواية البخاري ، وقد يصح أَن يستدل على المحذوف منها في الوصاية والخلافة في مناقب علي بن أَبي طالب عليه‌السلام.

وفي رواية النسائي : أَخبرنا محمد بن العلاء ، قال : أَنا معاويد ، قال : أَنا الأَعمش ، عن سعيد ، عن بريدة ، عن أَبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كنت وليه ، فعلي وليه».

وله أَيضاً : أَخبرنا أَبو داود سليمان بن سيف ، قال : حدثنا أَبو نعيم ، قال : أَنا عبد الملك بن أَبي غنيَّة ، قال : حدثنا الحكم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن بريدة ، قال : خرجت مع علي إِلى اليمن ، فرأَيت منه جفوة ، فقدمت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت علياً فتنقّصته ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير وجهه ، قال : «يا بريدة ، أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟

قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «من كنت مولاه ، فعلي مولاه»

وله أَيضاً : أَخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : أَنا جعفر ، وهو ابن سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إِنَّ علياً مني ، وأَنا منه ، وهو وليُّ كل مؤمن من بعدي». السنن الكبرى ٥ : ٤٥ رقم ٨٨٤٤ / ٨.

وقال الحافظ الذهبي : أَخبرنا اسحاق الصفار ، أَخبرنا يوسف الآدمي ، أَخبرنا أَبو المكارم اللبان ، أَخبرنا أَبو علي الحداد ، أَخبرنا أَبو نعيم ، حدَّثنا سليمان بن أَحمد ، حدَّثنا معاذ بن المثنى ، حدَّثنا مسدد ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، عن مطرّف ، عن عمران بن حصين ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريَّة ، واستعمل عليهم علياً ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، قال : فتعقد أَربعة من الصحابة ، فقالوا : إِذا لقينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَخبرناه ، وكان المسلمون إِذا قدموا من سفر ، بدءوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلموا عليه ، فلما قدمت السريَّة سلموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام أَحد الأَربعة ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَنَّ علياً صنع كذا وكذا؟

٩٥

__________________

فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف الغضب في وجهه ، فقال : «ما تريدون من عليٍّ ، ما تريدون من عليٍّ ، ما تريدون من عليٍّ ، إِنَّ علياً منِّي ، وأَنا منه ، وهو وليُّ كُلِّ مُؤمنٍ بعدي»

تابعه قتيبة ، وبشر بن هلال ، عفان ، وهو من أَفراد جعفر أَخرجه الترمذي وحسَّنه النسائي. سير أعلام النبلاء ٨ : ١٩٩ ، أخرجه الترمذي رقم ٣٧١٢ ، والمسند ٤ : ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

وفي رواية الطبراني في «الأَوسط» : ... عن بريدة عن أَبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً أَميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إِن اجتمعتما فعليٌّ على الناس ، فالتقوا وأَصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأَخذ علي جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنع ، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزله وناس من أَصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة؟ فقلت : خيرٌ ، فتح الله على المسلمين فقالوا : ما أَقدمك؟ قال : جارية أَخذها علي من الخمس فجئت لأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قالوا فاخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع الكلام ، فخرج مغضباً وقال : ما بالُ أَقوام ينتقصون علياً ، من ينتقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فارقني ، إِنَّ علياً مني وأَنا منه ، خلق من طينتي وخُلقت من طينة إِبراهيم ، وأَنا أَفضل من إِبراهيم ، ذريةً بعضها من بعضٍ ، والله سميع عليم وذلك يا بريدة أَما علمت أَنَّ لعلي أَكثر من الجارية التي أَخذ ، وإِنَّه وليكم من بعدي ، فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصحبة أَلا بسطت يدك حتى أَبايعك على الإِسلام جديداً؟ قال : فما فارقته حتى بايعته على الإِسلام. المعجم الأوسط للطبراني ٧ : ٤٩ رقم ٦٠٨١.

وفي المستدرك للحاكم : ... قال بريدة : فقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت علياً فتنقصته فرأَيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير فقال : يا بريدة أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : من كنت مولاه وذكر حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وفيه أَيضاً : ... قال : فقام أَحد الأَربعة فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَن علياً صنع كذا وكذا فأعرض عنه ، ثمّ قام الثاني فقال : مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثمّ قام الثالث فقال : مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَلم تر أَن علياً صنع كذا وكذا فاقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والغضب في وجهه فقال : ما تريدون من علي إِنَّ علياً مني وأَنا منه وولي كل

٩٦

ولا يخفى أن صريح هذا الكلام ، أن هذا الحذف والاسقاط والتصرف والاختباط والتبديل ، والتغيير ، والتنقيص ، والتبتير ، ليس مما يختص بهذا الحديث ، بل هذه عادته في كل ما كان من هذا القبيل كما صرح به ابن دحية وصرح أيضاً في بتنكبه عن صراط الله القويم.

وقال : أيضاً في موضع آخر بعد أن أورد من حديث مسلم حديثاً ، ثمّ أورده عن البخاري ما لفظه : بدأنا بما أورده بكماله وقطعه البخاري واسقط منه على عادته كما ترى وهو مما عيب عليه في تصنيفه على ما جرى ولا سيما اسقاطه لذكر علي رضي الله عنه.

وناهيك بهذا القول شاهداً على انحراف البخاري عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وكفاك به دليلاً على سوء رأيه وقبح عقيدته وشناعة سريرته وانهماكه في التعصب المخزي بين الانام ، وأي خزي أعظم من أن يبتر الانسان أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحض هواه وسوء رأيه الجالب للهوان والملام وقد ظهر لك انهم في ردّ الحق هائمون ، حائرون ، «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» (١).

__________________

مؤمن. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. المستدرك للحاكم ٣ : ١١٠ ـ ١١١

والذهبي في تلخيصه للمستدرك : ... فرأَيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير فقال : يا بريدة أَلست أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وله أَيضاً : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرية واستعمل عليهم علي بن أَبي طالب ، الحديث بطوله ، وفيه : «ما تريدون من علي إِنَّ علياً مني وأَنا منه وولي كل مؤمن. تلخيص المستدرك ، ذيل المستدرك ٣ : ١١٠ ـ ١١١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٤ باب ١٨ رقم ٥٨.

(١). الصف : ٨.

٩٧

ثمّ ان جلالة ابن دحية مما لا يخفى على من راجع كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان ، و «بغية الوعاة» وغيرها.

قال الاول (١) : أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميل بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال ابن ملّال بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلبي المعروف بذي النسبين الاندلسي البلنسي الحافظ ، إلى أن قال : كان يذكر أن أمّه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله ابن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فلهذا كان يكتب بخطه ذو النسبين بين دحية والحسين رضي الله عنهما ، وكان يكتب أيضاً : «سبط أبي البسام» اشارة إلى ذلك وكان أبو الخطاب المذكور ، من أعيان العلماء ، ومشاهير الفضلاء ، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به ، عارفاً بالنحو واللغة ، وأيام العرب ، وأشعارها ، واشتغل بطلب الحديث ، في أكثر بلاد الاندلس الإسلامية ، ولقى بها علمائها ومشايخها ، ثمّ رحل منها إلى برّ العدوة ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ، ثمّ ارتحل إلى افريقية ، ومنها إلى الديار المصرية ، ثمّ إلى الشام والشرق والعراق.

وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين ، وسمع بواسط من أبي الفتح محمد بن أحمد ابن الميداني ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ، ومازندران ، وكل ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم ، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ، ويستفاد منه ؛ وسمع باصبهان من أبي

__________________

(١). ابن خلّكان.

٩٨

جعفر الصيدلاني ، وبنيسابور من منصور بن عبد المنعم الفراوي (١).

وأثنى عليه في بغية الوعاة وحسن المحاضرة بنظير ما ذكر وقال مات سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

الوجه السادس : ما يدل على جهله وجحوده وتعصبه حيث أنه طعن في حديث الغدير وضعّفه على ما حكاه ابن تيمية عنه في المنهاج.

وذكر الفاضل البدخشاني وهو من عظماء أهل السنة في كتابه المسمى بنزل الأبرار بعد ذكر حديث الغدير : هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلّم في صحته الّا متعصّب جاحد لا اعتبار بقوله.

فإن الحديث كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة ، ورواه من الصحابة عدد كثير.

وقد نص كثير من اعاظمهم المنقّدين وأفاضلهم المحققين على تواتر هذا الحديث فضلاً عن صحته كما لا يخفى على من راجع «الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» للعلامة السيوطي مجدّد دينهم في المائة التاسعة ، «والفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة» له أيضاً ، أو راجع «أسنى المطالب» لابن الجزري او شرح «الجامع الصغير» لنور الدين العزيري ، او «شرح الجامع الصغير» للمناوي ، او «المرقاة (٢)» لعلي القاري او «الاربعين» لجلال الدين المحدّث وغيرها ، وقال العلامة التستري رحمه‌الله بعد ذكر الحديث : وكيف لا يكون الحديث من الصحاح وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده بأكثر من خمس

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ : ١٢٢ رقم ٤٦٩.

(٢). مرقاة المفاتيح شرح المشكاة كتاب المناقب رقم ٦٠٩١.

٩٩

عشرة طريقاً ، وابن عقدة في مائة وخمس طرق ، وابن المغازلي في اثني عشر طريقاً؟

وقال بعد روايته هذا الحديث ، صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كذا رواه الثعلبي في تفسيره وقد صنّف الشيخ الفاضل ختم المحدّثين محمد الجزري الشافعي في ذلك رسالة ، وقد أثبت فيها تواتر هذا الحديث من سبعين طريقاً ، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية.

ولنذكر بعض ما قيل في حقّ ابن الجزري المذكور :

قال السخاوي في الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : بعد أن ذكر ترجمة مبسوطة وذكر مصنّفاته ومشايخه وشطراً من حالاته ما لفظه :

وقد ذكر الطاوسي في مشيخته وقال : أنه تفرّد بعلوّ الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل ومعرفة الرواية من المتقدمين والمتأخرين إلى آخر ما ذكره.

وقال في مفتاح كنز الدراية : قال العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي الدين بن فهد : هو الامام العلامة أستاذ الأقراء أبو الخيرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن محمد علي بن يوسف العمري الدمشقي ثمّ الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري بفتح الجيم والزاء وكسر الراء نسبة الى جزيرة ابن عمر ببلاد بكر قرب الموصل.

كان والده تاجراً وبقي مدّة من العمر لم يرزق ولداً فلما حجّ شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولداً عالماً ، فولد له شيخنا هذا بعد صلاة الترويح من ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة احدى وخمسين

١٠٠