القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

وسبعمائة بدمشق ونشأ بها وتفقه بها على العماد بن كثير ولهج بطلب الحديث والقراءات. فسمع من ابن أميلة والصلاح بن أبي عمرو بن كثير في آخرين.

وذكر له اجازة من الذين هم جماعة ، ورحل إلى القاهرة والاسكندرية واعتنى بالقراءات وبرز فيها وبنى مدرسة سماها دار القرآن ودخل بلاد الروم فنشر بها علم القراءات في البلاد الاسلامية.

وكان شكيلاً حسناً ، فصيحاً ، بليغاً ، وتلقب في بلاد الروم بالإمام الأعظم ، وحجّ مرّات واستقرّ أخيراً بشيراز ، وكان أوقاته بين قراءة قرآن واسماع حديث وغير ذلك ، وبورك له فيها.

وكان مع ازدحام الناس عليه يؤلف قدر ما يكتب الناسخ ، لا ينام عن قيام الليل في سفر ولا حضر ، ولا يترك صوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر.

وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة ، وعدّد جملة منها إلى أن قال : ذكر منها ابن فهد تسعة وثلاثين مؤلفاً ، توفي في يوم الجمعة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ، (١).

ولنكتف بهذا النبذ اليسير فالجرعة تدل على القدير.

ولنشرع في ذكر وجوه القدح في صحيحه السقيم ونوردها في فصلين :

أولهما : في ذكر جملة من رواياته الموضوعة وأحاديثه الباطلة مما يجب الحكم بوضعها وبطلانها ولو بنى على أصول العامة وقواعدهم ، أو حكم

__________________

(١). الضوء اللامع للسخاوي ٩ : ٢٥٥ ـ ٢٥٩ وهذه الترجمة تلخيص لما في الضوء اللامع.

١٠١

علمائهم بوضعها وبطلانها او استشكلوا فيها ، وهي وان كانت كثيرة لا تحصيها هذه العجالة الّا أنا نأتي ببعضها ليستدل به على باقيها.

والثاني : في ذكر جملة من رواته الوضاعين الكذابين والخوارج والنواصب بمقتضى تصريحات علمائهم وناقديهم في الحديث والرجال.

١٠٢

الفصل الثاني :

الروايات المتكلّم فيها

١٠٣
١٠٤

الفصل الأول : في نبذ من الروايات المشار إليها مع قطع النظر عن التعرض لحال رواتها مما يشهد مضامينها بما فيها.

حديث : خِطبة عائشة

فمنها : ما رواه في كتاب النكاح عن عروة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب عائشة ، فقال له أبو بكر : إنّما أنا أخوك ، فقال : «أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال» (١).

واستشكل بعض علماء العامة ، وهو المغلطاي بن قليج الحنفي ، فانه قال : في صحة هذا الحديث نظر ، لأن الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة! فكيف يلتئم قوله : إنّما أنا أخوك؟

وأيضاً : فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن خاطب عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة فقال لها أبو بكر وهي لا تصلح له انّما هي بنت أخيه ، فرجعت ، فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي.

فاتت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : ادعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء فانكحته (٢).

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب النكاح باب تزويج الصغار رقم ٥٠٨١.

(٢). فتح الباري ١١ : ٢٦.

١٠٥

واثنى السيوطي في «حسن المحاضرة» على هذا الرجل ، (١) وقال : الامام الحافظ علاء الدين ، ولد سنة تسع وثمانين وستمائة (٢).

وكان حافظاً عارفاً بفنون الحديث ، علّامة في الأنساب ، وله أكثر من مائة مصنّف كشرح البخاري وشرح ابن ماجة وغير ذلك مات في سنة ٧٦٢ ه‍ (٣).

وأجاب عن هذا الإشكال العسقلاني في فتح الباري بما لفظه ، قلت : اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الاول بوجهين :

أحدهما : أن المذكور في الحديث الأخوة ، وهي أخوة الدّين والّذي اعترض به الخلّة ، وهي أخص من الاخوة ، ثمّ الذي وقع بالمدينة هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت متّخذاً خليلاً ... الحديث. الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات الخلّة إلّا بالقوّة لا بالفعل.

الوجه الثاني : أن في الثاني اثبات ما نفاه في الاول ، والجواب عن اعتراضه بالمباشرة امكان الجمع ، بأنه خاطبه بذلك بعد أن أرسلها (٤).

__________________

(١). المغلطاي.

(٢). وقيل : سنة ٦٩٠ ، وقيل غير ذلك.

(٣). مغلطاي بن قِليج بن عبد الله علاء الدّين ، البَكْجَري : امام وقته وحافظ عصره ، صنّف الكثير ، فمن ذلك «شرح البخاري» نحو عشرين مجلّداً ، و «اكمال تهذيب الكمال» ثلاثة عشر مجلّداً ، وشرح قطعة من سنن ابن ماجة في خمس مجلّدات ، وغير ذلك من التصانيف ، كان من علماء الحنفي المذهب ، مات سنة ٧٦٢ ه‍ وتصانيفه أكثر من مائة ، وكان عارفاً بالأنساب معرفة جيّدة. أنظر : الدرر الكامنة ٤ : ٣٥٢ ، البداية والنهاية ١٤ : ٢٨٢ ، وتاج التراجم : ٢٦٨ رقم ٣٠١ ، ذيل تذكرة الحفاظ : ٣٦٥ ، طبقات الحفاظ : ٥٣٨ ، شذرات الذهب ٦ : ١٩٧ ، هدية العارفين ٢ : ٤٦٧.

(٤). فتح الباري ١١ : ٢٦.

١٠٦

أقول : توضيح ايراد المورد بحيث يظهر منه سقوط هذا الجواب وفساده ، أن مراد أبي بكر بقوله : إنّما أنا أخوك ما ذا؟

فإن أراد الأخوّة الثابتة بمقتضى الاسلام ، حيث أن المؤمنين بعضهم أخوة بعض ، لزم منه اعتقاد بطلان نكاح المسلمين والمسلمات ، وبطلان الأنكحة السابقة الواقعة في هذه الشريعة ، بل في جميع الشرائع ، وانسداد باب التناكح بين المسلمين بالمرّة.

وهذا مما لا يمكن أن ينسب إلى بليد أحمق ، ويتأنف عن احتماله كلّ سفيه أخرق ، فكيف يعتقده الخليفة الذي هو في غاية الدهاء والفراسة؟!

وان أراد منه الاخوّة الثابتة له بالخصوص بتخصيص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فهذا التخصيص قد ثبت في حديث الخلّة بالمدينة ، وهو متأخر عن تزويج عائشة!

فكيف يقوله أبو بكر بمكة؟

وحديث الخلّة ، المشتمل على تخصيصه بالاخوة رواه البخاري في باب المناقب بطرق عديدة :

منها : ما عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كنت متّخذاً خليلاً غير ربي لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوّة الاسلام ومودّته (١).

ومنها : ما عن ابن عباس : لو كنت متّخذاً خليلاً من أمّتي لاتّخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي (٢).

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب ٣ ، رقم ٣٦٥٤.

(٢). المصدر السابق : باب ٥ ، رقم ٣٦٥٦.

١٠٧

وتوضيح الايراد الثاني : ان ظاهر ما رواه البخاري أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باشر الخطبة بنفسه وهو ينافي ما في الرواية الاخرى ، أنه أرسل خولة لخطبتها ، ولا يمكن الجمع أيضاً ، فإنه بعد أن عرف أبو بكر أن أخوّة الاسلام لا تمنع من التزويج بما ذكرت له خولة ، وبلّغت إليه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف شافه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانياً بهذا التوهم الفاسد والاعتقاد الكاسد؟

اذا عرفت هذا ظهر لك فساد ما أجاب به العسقلاني ، فإن قوله المذكور في حديث الاخوّة ، وهي أخوة الدين ، والذي اعترض به الخلة وهي أخصّ من الاخوّة ، في غاية الضعف والبطلان ، وناش من عدم فهم مرام المورد ، حيث أن المورد حمل الاخوّة على الاخوة الخاصة الثابتة لابي بكر لتخصيص لما في الحمل على الاخوّة العامة في الدين من الشناعة.

وذكر أن هذه الاخوّة الخاصة ثابتة في حديث الخلّة ، وهو بالمدينة ولشهرة هذا الحديث اكتفى بقوله : أن الخلة كانت بالمدينة ، ولم يرد أن الخلة هي الاخوة حتى يورد عليه بأنها غيرها ، وأنها أخص منها.

ولما رأى المورد ان رعاية جانب الخليفة أولى من البخاري احتمل أن يكون مراد الخليفة الاخوة في الدين فاستشكل في حديث البخاري وصحته!

فان من ابتلى ببليّتين يختار أهونهما ، والعسقلاني غفل عن ذلك كله وتفوّه بما لا محصّل له.

بل يزيد الامر به شناعة ، من أن المراد الاخوة في الدين ، وأن الخلة غير الاخوة مع أن حديث الخلة مما تعرض هو لشرحه ، وكان حين الجواب بباله حتى أنه أشار اليه بقوله : الحديث الماضي في المناقب عن أبي سعيد ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

١٠٨

وأما جوابه عن الاشكال الثاني : بامكان الجمع ، فقد عرفت ما فيه ، فلا بد له من تكذيب الحديث أو تحميق الخليفة وتضليله ، فإن اختار الأول فقد أجاد ، وان أصرّ على العناد وقدح في الخليفة الغير السالك مسلك السداد ، فهذا هو عين المراد لأهل الرشاد وأشهى إلينا من تكذيب حديث صحيح امامهم العماد.

نسبة الخلاف إلى ابراهيم

ومنها : ما أورده في مواضع عديدة من صحيحه.

منها : ما في كتاب التفسير : قال : حدّثنا اسماعيل ، قال حدّثنا أخي عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يلقى ابراهيم أباه فيقول : يا ربّ إنّك وعدتني ألّا تخزني يوم يبعثون فيقول الله : اني حرمت الجنة على الكافرين ، وفي رواية أخرى : فيقول : يا ربّ انّك وعدتني ألّا تخزني يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ (١).

ولا يخفى ما في هذا الافتراء من غاية الازراء بشأن ابراهيم عليه‌السلام ومخالفته لنصّ الكتاب الكريم.

أما أولاً : فلخطئه في اعتقاد أن تعذيب أبيه خزي له بل خزي أعظم ، وأي خزي أعظم من هذا.

فان ذلك مما لا يتخيّله من له أدنى عقل ودراية فضلاً عن النبي المعصوم المبعوث للهداية.

وثانياً : للجهل بالمراد من وعده تعالى بأن لا يخزيه.

وثالثاً : مخالفته للدلائل العقلية الدالة على المنع من الاستغاثة للمشركين من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء رقم ٣٣٥٠.

١٠٩

قال الرازي في تفسيره : وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله : «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» (١) ، وأيضاً قال : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ» (٢) والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم انه يدخلهم النار وطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده ، وأنه لا يجوز.

وأيضاً ، لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين وذلك يوجب نقصان درجة النبي وحطّ مرتبته.

وأيضاً أنه قال : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (٣) وقال عنهم أنهم اصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب دخول الخلف في أحد هذين النصين وأنه لا يجوز.

ورابعاً : مخالفته لأمر الله تعالى بل إصراره على المخالفة حيث لم ينته بنهي الله تعالى إيّاه في الدنيا عن الاستغفار ، وصرح بممنوعيته عن الاستغفار لابيه الفخر الرازي في تفسيره (٤) في قوله تعالى : «وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ».

وخامساً : بمنافاة هذه الرواية لقوله تعالى «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» ، قال العسقلاني : قد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته ، فقال بعد أن أخرجه :

«هذا حديث في صحته نظر من جهة أن ابراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع علمه بذلك».

__________________

(١). التوبة : ١١٤.

(٢). النساء : ١١٦.

(٣). المؤمن : ٦٣.

(٤). التفسير الكبير ١٦ : ٢١٢.

١١٠

وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : «وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» (١).

قال : والجواب عن ذلك ، أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرّأ ابراهيم فيه من أبيه ، فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات مشركاً ، وهذا الوجه للطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، واسناده صحيح.

وفي الرواية فلمّا ، مات لم يستغفر له ، ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس نحوه ، قال : استغفر له ما كان حيّاً فلمّا مات امسك.

وأورد أيضاً ، من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك ، وقيل إنّما تبرّأ منه يوم القيامة لما آيس منه حين مسخ على ما صرّح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها ، وهذا أخرجه الطبري أيضاً من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول : ان ابراهيم يقول يوم القيامة : ربّ والدي ، فإذا كانت الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ منه.

ومن طريق عبيد بن عمير قال : يقول ابراهيم لأبيه : اني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم ، فخذ بحقوتي فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعاً ، فإذا رآه ابراهيم مسخ تبرّأ منه.

ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرّأ منه لما مات مشركاً ، فترك الاستغفار لكن لما رآه يوم القيامة ادركته الرقة والرأفة فسأل فيه ، فلمّا رآه مسخ يئس منه حينئذٍ وتبرّأ تبرّياً أبديّاً.

__________________

(١). التوبة : ١١٤.

١١١

وقيل أن ابراهيم لم يتيقّن موته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع ابراهيم على ذلك ويكون وقت تبريه منه بعد اكالة التي وقعت في هذا الحديث (١).

هذا غاية ما تشبّثوا به لدفع الطعن عن هذا الخبر وفسادها مما لا يخفى.

أما الأخير : الذي نسب إلى القيل : فيرده جميع رواياتهم التي اذعنوا بصحتها.

منها : ما نقله العسقلاني وقال : اسناده صحيح.

ومنها : ما أورده في الدر المنثور ، قال : أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ» (٢) حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه.

وأخرج الفريابي وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبو بكر الشافعي في فوائده ، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : لم يزل ابراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله فتبرّأ منه ، يقول : لما مات على الكفر.

وأما ما ذكره بقوله : ويمكن الجمع ، فلا معنى محصل له لان مناط الاشكال على أن ابراهيم بعد علمه بأنه كان مشركاً ومات عليه كما سلّمه في هذا الجواب ، كيف استغفر له ويشفع فيه مع علمه بأنه تعالى لا يخلف الميعاد.

فإن أراد العسقلاني من قوله : لمّا رآه أدركته الرقة ، بيان داعي الاستغفار فهو من قبيل أصوات الحيوانات التي تصدر من غير ارتباط ، حيث أن الكلام

__________________

(١). فتح الباري تفسير سورة الشعراء ٨ : ٤٠٥.

(٢). التوبة : ١١٤.

١١٢

والاشكال في عدم جواز الاستغفار ، فالجواب عنه ببيان داعيه كما ترى ، وان أراد أن الرقة والرأفة يجوز ارتكاب المنهي عنه فهو مما لا يتفوّه به عاقل فضلاً عن فاضل.

وكيف لا يلتزم به في تجويز جميع الشنائع والقبائح والفسق والزنا واللواط فلو زنى أحد بامرأة شابّة دعته إلى الزنا من باب الرأفة والرقة لزمه الحكم بالجواز والاباحة؟!

وأما كلامه الاول : فحاصله الاختلاف في أن وقت التبري هل هو في الدنيا بعد موته او في الآخرة بعد مسخه؟

وتخيّل أنه لو كان التبري في القيامة لم يلزم قبح ، ووجوه الفساد في هذا الكلام أيضاً واضحة ، اما أولاً : فلأن صريح كتاب الله وقوع التبري من ابراهيم حيث قال : «تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» (١).

وأتى بصيغة الماضي الفعلين جميعاً وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز.

وثانياً : ان من الواضح تعدد الروايات على وقوع التبري في الدنيا وفيها باعتراف العسقلاني بصحته وهي موافقة لظاهر القرآن والروايات المخالفة أقل عدداً غير موصوفة بالصحة مخالفة لظاهر القرآن.

ومن البيّن ترجيح الاولى فيزيد الاشكال لا أنه يندفع.

ثالثاً : أنه على فرض ترجيح الروايات الثانية يندفع الاشكال الاخير الذي ذكره غير الاسماعيلي.

__________________

(١). التوبة : ١١٤.

١١٣

وأما الاول : فباق مجاله حيث أن مناطه ليس على المخالفة لظاهر الآية ، بل على أن ابراهيم بعد ما علم شرك آزر وعلم ان الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزياً له؟

ورابعاً : أن الاقوال الاخيرة التي نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من التبري في الآية هو التبري في الآخرة ، فإنّهما اقتصرا على ذكر قصة ابراهيم من غير أن يفسر الآية بذلك.

وخامساً : أن هذه الاقوال والروايات بعينها مما يستشكل فيها الاسماعيلي وغيره ، اذ هي مثل ما في البخاري ويرد عليها ما يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها ، وهل هذا الّا مثل أن يجاب عن الاشكال باعادة حديث البخاري.

سادساً : أنه لو حمل حديث التبري يوم القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها ، اذ الغرض منها أن ابراهيم مع كونه أواهاً حليماً موصوفاً بشدّة الرقّة والشفقة لَما تبيّن له كفر أبيه تبرّأ منه ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين ، ولهذا ذكر هذه الآية عقيب قوله : «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى» (١).

قال الرازي في تفسيره : في توصيف ابراهيم عليه‌السلام بالاوّاه والحليم ما لفظه : اعلم أنه تعالى انما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه تعالى وصفه بشدّة الرقّة والشفقة والخوف والوجل ، ومن كان كذلك فإنه لعظيم رقّته على أبيه

__________________

(١). التوبة : ١١٣.

١١٤

وأولاده فبيّن تعالى أنه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لَما ظهر له اصراره على الكفر ، فانتم بهذا المعنى أولى.

ولذلك وصفه أيضاً بأنه حليم ، لان أحد أسباب الحكم رقة القلب وشدّة العطف لان المرء اذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند الغضب (١).

وانت خبير بان هذا الكلام انما يتم لو كان المراد التبري في الدنيا ، اذ لو كان تبريه منه في الآخرة مع استغفاره له في الدنيا حتى بعد موته لم يكن هذا ممّا يوجب امتناع المؤمنين عن الاستغفار لاقربائهم من المشركين بل كان مؤيداً لجوازه إلى غير ذلك من وجوه الفساد في هذا الكلام.

نسبة الخلاف إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ومنها : ما أورده في كتاب التفسير عن ابن عمر قال : لمّا توفي عبد الله بن أبي ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ثمّ سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصلي عليه؟! وقد نهاك ربك أن تصلي عليه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما خيّرني الله ، فقال : «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ» ، وسأزيد على السبعين ، قال : انه منافق ، قال : فصلى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأنزل الله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ» (٢). (٣)

__________________

(١). التفسير الكبير للرازي ١٦ : ٢١٢.

(٢). التوبة : ٨٤.

(٣). صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن سورة التوبة رقم ٤٦٧٠ ، ٤٦٧٢ ، كتاب الجنائز باب الكفن في القميص رقم ١٢٦٩ ، كتاب اللباس باب لبس القميص رقم ٥٧٩٦.

١١٥

حكم الغزالي في المنخول (١) بان هذا الحديث كذب قطعاً.

قال بعد ذكر الاحتجاجات الشافعية على حجية المفهوم وردّها ، ما هذا لفظه : على أن ما نقل في آية الاستغفار ، كذب قطعاً ، اذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة ، فلا يظن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذهول عنه.

وقال العسقلاني في شرح البخاري : وقد استشكل فهم التخيير من الآية على كثير ، وسبق جواب الزمخشري عن ذلك.

وقال صاحب الانصاف : مفهوم الآية ممّا زلّت فيه أقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة الحديث ، وقال : لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله.

وقال امام الحرمين في مختصره : هذا الحديث غير مخرج في الصحيح ، وقال في البرهان : لا يصحّحه أهل الحديث.

وقال الغزالي في المستصفى : الاظهر أن هذا الخبر غير صحيح ، وقال الداوودي الشارح : هذا الحديث غير محفوظ ، وهذا عجيب.

وحكى ابن حجر في فتح الباري أيضاً هذه الاقوال فراجع (٢).

حديث : احراق بيت النملة

ومنها : رواه في كتاب بدء الخلق ، قال : حدّثنا اسماعيل بن أبي أويس ، قال حدّثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فاخرج من تحتها ، ثمّ أمر ببيتها فاحرق بالنّار ، فأوحى الله تعالى إليه : فهلّا نملة واحدة؟ (٣)

__________________

(١). أنظر تخريج المنخول : ٣٩.

(٢). فتح الباري ١٠ : ٢١٨ و ٢١٩.

(٣). صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، باب خمس من الدواب فواسق رقم ٣٣١٩.

١١٦

ويكفي في بطلانه ما ذكره الفخر الرازي تشنيعاً على الشيعة من أنهم في طعنهم على الصحابة أقلّ ادراكاً وشعوراً من نملة سليمان حيث أنها علمت أن أصحاب سليمان بمجرّد ادراكهم صحبته النبي في مدّة قليلة لا يعتمدون اهلاك النمل وحطمها ، واحتملت أن يقع منهم لا عن التفات ، فلذا قيّده بقولها : «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» (١).

واستحسن هذا الكلام بعض أعيان متأخري العامة ، وهو صاحب التحفة الاثني عشرية ، قال في مقام تسفيه من يطعن على الصحابة ما هذا لفظه : ... (٢).

__________________

(١). النمل : ١٨.

(٢). تحفه اثنى عشرية : ١٩٣ ، وقد ذكر عبارته باللغة الفارسية نأتي بتعريبها : وفي هذا المقام للإمام الفخر الرازي كلام في غاية المتانة ، وأوقع في النفوس والأذهان ، فإنه قال : أن الروافض عندي أقل قدراً من النملة التي كانت في قصة سليمان ، من جهة العقل وحسن الاعتقاد بنبيهم ، لأنها قالت عند رؤية الجنود : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي أدخلوا في مساكنكم حتى لا تُقتلوا تحت أقدام جنود سليمان سهواً.

وقد علِمَت النملة أن جنود سليمان لا يتعمّدون ولا يظلمون أحداً ، لأنهم قد تهذبوا وتأدبوا بقليل صحبتهم النبي ، وبذلك لا يظلمون متعمدين النملة الضعيفة ولا يقتلونها.

وأما الروافض ، فإنّهم لا يفهمون ذلك أبداً ، لأنهم يقولون : ان صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تؤثر في نفوس أصحابه بمثل ما تؤثر صحبة سليمان في جنوده ، مع أنه كان أفضل الأنبياء فلا بد أن تكون أكثر تأثيراً في نفوس أصحابه لا سيما في كبارهم الملازمون له ، حتى الذي كان معه في الغار ورفيقه في الشدائد ، ولا تؤثر صحبته فيهم حتى يذهب عنهم الشيطنة والشرارة ، بل أنهم مع ذلك كلّه قد ارتكبوا أكثر من غيرهم الفضائح ، حتى آذوا ابنته وصهره وبني ابنته الذين كانوا من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتامى بلا ناصر ومعين ، فظُلموا وأُوذوا بأيدي خيار أصحابه ، أُحرقوا دارهم وهتكوا قدرهم ، أخذوا ما بأيديهم من الأراضي والضياع وما تكون بها وجوه معائشهم ، ولا يزال في إيذائهم. معاذ الله من ذلك.

يلاحظ عليه : أن الفخر ومؤيده صاحب التحفة وغيرهما لا يفهمون أن في الموارد الكثيرة من

١١٧

فاذا كان حطم النمل التي تقع تحت الاقدام ممتنعاً من جنود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمداً فامتناع اهلاكها واحراقها من نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى ، فلينظر العاقل أن هؤلاء القوم المصحّحين لروايات البخاري الموجبة لاثبات أمثال هذا على الأنبياء عليهم‌السلام أولى بالتسفيه والتحميق أو من يطعن على جماعة من الصحابة بالنصوص الثابتة الصحيحة عند الفريقين المروية في اسفار الفريقين.

حديث : تفضيل الخلفاء وتكذيب رواته

ومنها : ما أورده في باب مناقب عثمان عن ابن عمر قال : كنا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ نترك أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نفاضل بينهم (١).

__________________

الكتاب والسنة ما ينافي ويناقض مدّعاهم ، لأن تمامية التأثير للمقتضي من دون نظر إلى فقد المانع غير معقول.

فإن التزم الفخر وغيره بتمامية التأثير للمقتضي دون فقد الموانع فقد التزموا في الواقع بأمور مستحيلة ، ومثلها ما في امرأة نوح وامرأة لوط اللتين (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) ، التحريم : ١٠ ـ وهكذا في الآية المباركة (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) التحريم : ٤ ـ على ما في تفسير الآية عن عمر بن الخطاب أنهما عائشة وحفصة ، ولا تؤثر فيهما صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهل ذلك لقصور المقتضي أعني وعظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهما ؛ أم لوجود المانع للاتّعاظ فيهما؟

وهكذا قول أبي بكر : إن لي شيطاناً يعتريني ، فإن اعتراه الشيطان وارتكب متعمّداً جناية فالارتكاب معلول قصور المقتضي لوعظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لموانع في نفسه ، حيث قال في أواخر أيّامه : «وَدِدتُ أني لم أكن كشفت بيت فاطمة» المعجم الكبير للطبراني ١ : ٦٢ ، كتاب الأموال لأبي عبيد : ١٧٤ ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٠٨ ، رقم ٥٧٦٣ ، لسان الميزان ٤ : ٧٠٦ رقم ٥٧٥٢.

وما ذكر في التفاسير المعتبرة من النفاق في جماعة أدركوا صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّوا خلفه ، ثمّ تركوه واشتغلوا باللهو والتجارة كما في سورة الجمعة : «وتركوك قائماً».

(١). صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عثمان رقم ٣٦٩٨ وفي فضائل أبي بكر رقم ٣٦٥٥.

١١٨

والدلائل على الكذب والبطلان في هذا الهذيان والبهتان أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى اذ قد ثبت بالادلة الساطعة والبراهين القاطعة ممّا صحت من طرقهم ورويت في صحاحهم أفضلية علي عليه‌السلام عن الشيخين فضلاً عن الثالث.

ثمّ ان هذا الخبر مخالف لإجماعهم حيث أنهم مجمعون على أفضليته عليه‌السلام عن غير الثلاثة من الصحابة ، ولذا بالغ علّامتهم المحدّث ابن عبد البر في الاستيعاب في ابطال هذا الخبر ، قال :

أَخبرنا محمد بن زكريا ويحيى بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أَحمد بن سعيد بن حرم حدثنا أَحمد بن خلد حدثنا مروان بن عبد الملك ، قال سمعت هارون بن اسحاق يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : من قال ابو بكر وعمرو عثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة.

فذكرت له هؤلاء والذين يقولون : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ثمّ يسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ.

وكان يحيى بن معين يقول : أَبو بكر وعمر وعلي وعثمان.

وقال ابو عمرو : من قال بحديث ابن عمر : كنا نقول على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ثمّ نسكت ، يعني فلا نفاضل وهو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أَهل السنة من السلف والخلف من أَهل الفقه والأثر ، بأنّ علياً أفضل الناس بعد عثمان ، هذا مما لم يختلفوا فيه وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان ، واختلف السلف أَيضاً في تفضيل عليّ وأَبي بكر.

١١٩

وفي اجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وَهمٌ وغلط وأنه لا يصح معناه وان كان اسناده صحيحاً (١).

ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث ابن سعيد : كنّا نبيع أمّهات الاولاد على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم لا يقولون بذلك ، فقد ناقضوا وبالله التوفيق.

حديث : ليلة الإسراء

ومنها : قصة الاسراء ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله ، قال : حدّثني سليمان عن شريك بن عبد الله ، أنه قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مسجد الكعبة ، «أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام.

فقال : أولهم : أيهم هو؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم.

فكانت تلك الليلة ، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ولا ينام قلبه.

__________________

(١). الاستيعاب ٣ : ١١١٦. وفي الطعن على عبد الله بن عمر لحديثه هذا ، قال القاضي أَبو يعلى في «طبقات الحنابلة» : قال أَبو يحيى أَيضاً : سمعت أَبا غسان الدوري يقول : كنت عند علي بن الجعد ، فذكروا عنده حديث ابن عمر «كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقول : خير هذه الأَمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فيبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا ينكر»! فقال علي : انظروا إِلى هذا الصبي ، هو لم يحسن يطلق امرأَته ، يقول : كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طبقات الحنابلة ١ : ١٥٨ رقم ٢١٣ ، سير أَعلام النبلاء ١٠ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ .. وقد صنّفت في ذلك رسالة مختصرة وسميته : «حديث التربيع».

١٢٠