القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

أقول : لا منافاة فان المقتضى الجمع بينها ، ان الثلاثة اشتركوا في هذا الفعل القبيح ، والصنيع الشنيع ، واقامة شهود الزور.

وذكر أيضاً حكاية طويلة محصلها أنه طلب أمير المؤمنين صلوات الله عليه الزبير ووعظه وزجره وذكره قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للزبير لتقابلن علياً وأنت ظالم له.

فقال الزبير : لو ذكرت هذا ما خرجت من المدينة وو الله لا أقاتلك.

وفي رواية : فما الذي أصنع وقد التقيا حلقتا البطان ورجوعي على عار ، فقال علي عليه‌السلام له : ارجع بالعار ولا تجمع بين العار والنار فأنشد الزبير في ذلك الاشعار ، وعاد إلى عائشة وقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت عقلي الّا وأنا أعرف أمري الّا هذا.

قالت له : فما تريد أن تصنع؟ قال : أذهب وادعهم ، فقال له عبد الله ولده : جمعت هذين الفريقين حتى اذا حدّ بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟

أحسست برايات ابن أبي طالب فرأيت الموت الأحمر منها ومن تحتها ، تحملها فئة انجاد سيوفهم حداد؟!

فغضب الزبير وقال : ويحك قد حلفت أن لا أقاتله.

فقال : كفِّر عن يمينك ، فدعا غلاماً له يقال له مكحول فاعتقه.

وفي رواية أن الزبير لما قال له ابنه ذلك غضب وقال له : ابنه والله لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رءوسنا أبداً ، فحمل الزبير حملة منكرة.

٢٠١

باختصار فلينظر العاقل إلى هذا الشقي المنهمك في الضلالة كيف كان يغري عائشة وأباه إلى مقاتلة نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه وابن عمه ومن كان معصيته معصيته وطاعته طاعته ، وكيف كان بعد ترك مقاتلته فضيحة باقية في أعقابهم.

وفي الروايات المعتبرة أنه افتخر عند معاوية بأنه وقف في الصف بازاء علي بن أبي طالب.

فقال له معاوية : لا جرم قتلك وأباك بيده اليسرى وبقيت اليمنى فارغة.

ومن نتائج بغضه انه كان يحبّ خروج سيّد الشهداء صلوات الله عليه من مكة إلى العراق وكان عليه‌السلام أثقل خلق الله عليه لما علم أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام هو عليه‌السلام بالبلد وقد ينافق فيظهر كراهته لخروجه.

وقال صلوات الله عليه : ان ابن الزبير ليس شيء من الدنيا أحب اليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس ما يعدلونه بي فودّ اني خرجت حتى يخلو له.

وقال ابن عباس له عليه‌السلام وقد رآه عارفاً جازماً على الخروج لقد أقررت عين ابن الزبير بالخروج من الحجاز ، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك ومرّ ابن عباس بابن الزبير فقال : قرّت عينك يا ابن الزبير ، ثمّ قال :

يا لكِ من قُبَّرةٍ بمعمر

خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري

وَنَقِّرِي ما شئتِ ان تُنَقِّرِي

هذا حسين سائرٌ فابشري

هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز ، ذكر هذا كلّه جماعة ، منهم علّامتهم المحدّث عمر بن فهد المكي في «اتحاف الورى» في

٢٠٢

ضمن حكاية طويلة ومجدد دينهم في المائة التاسعة السيوطي : في «تاريخ الخلفاء» وغيرهما في غيرهما.

ولعمري لو لم يكن لابن الزبير الّا فرحته وسروره بمفارقة مثل أبي عبد الله عليه‌السلام وخروجه من الحجاز لكفاه خزياً وخسارة وشقاراً وضلالة ، ولو كان له أدنى حظ من الايمان وأقل قسط من الايقان لما صار قرير العين بمسير الحسين صلوات الله وسلامه عليه بل بكى وذاب ألماً ، وصار قلبه لذلك مجروحاً وعينه مقروحاً وأطال الحزن والكآبة ، ويعنى بالشجن والسامة وهل يسرّ بالفراق الّا الشامت الكاشح والمبغض الغير الناصح.

عبد لله بن الزبير ومحاصرته لبني هاشم

ومن شنائع أطواره وقبائح أفعاله ما صدر منه بالنسبة إلى سيدنا محمد بن الحنفية وابن عباس من التشديد عليهما وايذائهما وحصرهما في الشعب واحضار الحطب لاحراقهما لامتناعهما من مبايعته مع عدم صلاحيته للخلافة بنص علماء القوم.

قال في الاستيعاب : قال علي بن زيد الجدعاني : كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة شديد البأس كريم الجدات ، والامّهات ، والخالات الّا انه كان فيه خلال لا تصلح للخلافة ، لانه كان بخيلاً ضيّق العطن سيّئ الخلق ، حسوداً ، كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية ، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف (١).

وبعد ملاحظة ما تقدم من تصريحهم بأن من رضي بامام باطل فانه يكفر

__________________

(١). الاستيعاب ٣ : ٩٠٦ رقم ١٥٣٥.

٢٠٣

يتّضح غاية الوضوح كفر نفس الامام الباطل الذي لا يصلح للامامة.

وفي تاريخ ابن خلكان في ترجمة سيدنا ابن الحنفية : ولما دعى ابن الزبير إلى نفسه وتابعه أهل الحجاز بالخلافة دعى عبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما إلى البيعة فأبيا ذلك ، وقالا له : لا نبايعك حتى يجتمع لك البلاد ويتفق الناس فأساء جوابهم وحصرهم وآذاهم وقال لهما والله لئن لم تبايعا أحرقتكما بالنار.

وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب التفسير : كان ابن عباس وابن الحنفية بالمدينة ثمّ سكنا مكة فطلب منهما ابن الزبير البيعة فابيا حتى يجتمع الناس على رجل فضيّق عليهما فبعثا رسولاً إلى العراق فخرج اليهما جيش في أربعة آلاف ، فوجدوهما محصورين وقد احضر الحطب على الباب يخوّفهما بذلك فاخرجوهما إلى الطائف.

وقال عمر بن فهد المكي في «اتحاف الورى» في وقائع سنة ستّ وستين : فيها دعى عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي ليبايعوه فامتنعوا وقالوا : لا نبايع حتى تجتمع الأمّة فاكثر ابن الزبير الوقيعة في ابن الحنفية ، وذمه فاغلظ له عبد الله بن هاني الكندي وقال : لئن لم يضرك الّا تركنا بيعتك لا يضرك شيء ، وان صاحبنا يقول لو بايعني الأمّة كلّها غير سعد مولى معاوية ما قتلته وانما عرّض بذكر سعد لأن ابن الزبير أرسل إليه فقتله فسبّ عبد الله ، وسبّ أصحابه ، وأخرجهم من عنده ، فاخبروا ابن الحنفية بما كان منهم ولم يلحّ عليهم ابن الزبير.

٢٠٤

فلما استولى المختار على الكوفة ، وصارت الشيعة تدعوا لابن الحنفية ، خاف ابن الزبير ان يتداعى الناس إلى الرماية فحينئذ ألح على ابن الحنفية وعلى أصحابه في البيعة له ، فجلسهم بزمزم وتوعّدهم بالقتل والاحراق ، وأعطى إليه عهداً ان لم يبايعوه ينفذ فيهم ما توعّدهم به وضرب لهم على ذلك أجلاً ، فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث الى المختار وإلى من بالكوفة رسولاً يعلمهم حالهم وحال من معهم وما كان توعدهم به ابن الزبير.

فوجد ثلاثة نفر من أهل الكوفة حين نام الحرس على باب زمزم ، وكتب معهم إلى المختار وإلى أهل الكوفة يعلمهم حاله وحال من معه وما توعدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ويطلب منهم النصرة ، ويسألهم ان لا يخذلوه كما خذلوا الحسين عليه‌السلام وأهل بيته.

فقدموا على المختار فدفعوا اليه الكتاب فنادى في الناس فقرأ عليهم الكتاب إلى أن قال : فوجّه المختار أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكباً من أهل القوة ، ووجّه ظبيان بن عمّارة أخا بني تميم ، ومعه أربعمائة ، وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة درهم وسيّر أبا معتمر في مائة وهاني بن قيس في مائة وعمير ابن طارق في أربعين ويونس ابن عمران في أربعين وكتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجند اليه وخرج الناس أثرهم في أثر بعض.

وجاء أبو عبد الله الجدلي ، حتى نزل ذات عرق في سبعين راكباً فأقام بها حتى أتاه عمير ويونس في ثمانين راكباً فبلغوا مائة وخمسين رجلاً ، فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام ، ومعهم الكافر كوبات ، (١) وهم ينادون يا لثارات

__________________

(١). هذه كلمة مركبة من كافر وكوبات وهي آلة الحرب نضرب بها الكفار ، والكوبات فارسية.

٢٠٥

الحسين عليه‌السلام حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعدّ ابن الزبير الحطب ليحرقهم ، وكان قد بقي من الأجل يومان فطردوا الحرس ، وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية ، فقالوا : خلّ بيننا وبين عدوّ الله ابن الزبير.

فقال لهم : اني لا أستحل القتال في حرم الله ، فقال ابن الزبير وا عجباً لهذه الخشبية ينعون حسيناً ، ثمّ كأني قتلته ، والله لو قدّرت على قتلته لقتلتهم ، وانّما قيل لهم خشبية لانهم وصلوا إلى مكة وبايديهم الخشب كراهة اشهار السيوف في الحرم وقيل لانهم أخذوا الحطب الذي أعدّه ابن الزبير وقال ابن الزبير : أيحسبون أني أخلى سبيلهم دون أن أبايع ويبايعون؟!

فقال أبو عبد الله الجدلي : أي وربّ الكعبة والمقام وربّ الحلّ والحرام لتخلّ سبيلهم أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب فيه المبطلون.

فقال ابن الزبير : هل أنتم والله الّا أكلة رأس لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تعطف رءوسهم.

فقال له قيس بن مالك : أما والله اني لأرجو اذا رمت ذلك ان يرسل إليك قبل أن ترى ما تحب.

فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة ، ثمّ قدم أبو المعتمر في مائة وهاني بن قيس في مائة وظبيان ابن عمّارة في مائتين ، ومعه المال حتى دخلوا المسجد الحرام فكبروا وقالوا : «يا لثارات الحسين عليه‌السلام» رآهم ابن الزبير وخافهم.

فخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب علي وهم يسبون ابن الزبير ويستأذنون ابن الحنفية فيه ، فيأبى عليهم واجتمع مع محمد في الشعب أربعة

٢٠٦

آلاف رجل ، فقسّم بينهم ذلك المال ثمّ ذكر مما يتعلق بهذه القصة أشياء كثيرة لم ننقلها اختصاراً (١).

قال ابن أبي الحديد : قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول انما أراد بذلك أن ألّا تنتشر الكلمة ، ولا يختلف المسلمون ، وأن يدخلوا في الطاعة ، فتكون الكلمة واحدة ، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر ، فانه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار. (٢)

ولا ينبغي أن يفعل عما يفهم من هذا الاعتذار فانه يدل على ان احضار عمر الحطب لاحراق بيت سيّدة النساء وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه عند قدمائهم فلا يجدي انكار متأخريهم طائلاً.

ويدل على أن جسارة ذلك الشقي على أهل البيت أوجبت هذه الامور وأثمرت هذه العظائم ، وأنه لو لم يجرأ أولاً ذاك الملعون على ما فعل لما جرى على أهل البيت ما جرى.

اللهم العن أول من أسس أساس الظلم والجور عليهم ، وآخر تابع له على ذلك.

ومما عيّب على ابن الزبير أنه قال : لتنتهن عائشة عن بيع رباعها او لأحجرنّ عليها ، وكانت لا تمسك شيئاً مما يأتي في يدها بل تتصدّق به. فنذرت عائشة ان لا يكلمه.

__________________

(١). فتح الباري ٨ : ٢٦٢.

(٢). مروج الذهب ٣ : ٨٥ ، شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ١٤٧.

٢٠٧

قال السيد السمهودي في «جواهر العقدين» : فان في قوله ذلك جرأة عليها وتنقيصاً لقدرها بنسبتها إلى ارتكاب التبذير الموجب لمنعها من التصرف مع كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته ، فرأت ذلك منه نوع عقوق فجعلت مجازاته ترك مكالمته.

وقال ابن حزم في المحلى في «كتاب الحجر» : وأما الرواية عن ابن الزبير فطامة الأبد لا وما ندري كيف استحل مسلم أن يحتجّ بخطيئة ووهلة وزلة كانت من ابن الزبير ، والله تعالى يغفر له اذ أراد مثله في كونه من أصاغر الصحابة أن يحجر على مثل أم المؤمنين التي أثنى الله عليها أعظم الثناء في بعض القرآن ، وهو لا يكاد ليجزي منها في الفضل عند الله تعالى ثمّ قال : ومعاذ الله من هذا ومن أن تكون ام المؤمنين توصف بسفه وتستحق ان يحجر عليها نعوذ بالله من هذا القول. (١)

وأصل الرواية على ما ذكرها البخاري في كتاب البرّ والصلة : أن عائشة حدّثت أن عبد الله بن الزبير قال : في بيع أو عطاء أعطته عائشة : والله لتنتهين عائشة أو لاحجّرن عليها ، قالت : أهو قال هذا؟ قالوا : نعم قالت ، : هو لله علي نذر أن لا أكلّم ابن الزبير أبداً فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت : لا والله لا أشفع فيه أحداً ولا أتحنّث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلّم المسور بن المخرمة وعبد الرحمن بن الاسود ابن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فانها لا تحل لها أن تنذر قطيعتي فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بارديتهما حتى استأذنا على

__________________

(١). المحلى ٨ : ٢٩٢ و ٢٩٣ كتاب الحجر.

٢٠٨

عائشة فقالا : السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ فقالت عائشة : أدخلوا ، قالوا كلّنا؟ قالت : نعم أدخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير ، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعشق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلّا ما كلّمت وقبلت منه ، ويقولان ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نهى عما عملت من الهجرة وانه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتجريح ، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول اني نذرت والنذر شديد فلم يزالا حتى كلّمت ابن الزبير واعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبلّ دموعها خمارها (١).

ولابن الزبير شنائع كثيرة غير ما قدمنا وفيما ذكرناه كفاية.

عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري

وهو وان بالغ القوم في ثنائه ومدحه وتوثيقه والاطراء عليه ، لكن يعلم بأدنى تتبع أنه أيضاً من المنافقين (٢) ، الأشرار والملعونين بلسان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيه

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب الادب باب الهجرة رقم ٦٠٧٣ ، ٦٠٧٤ ، ٦٠٧٥ ، كتاب المناقب باب مناقب قريش رقم ٣٥٠٥.

(٢). روى الذهبي بسنده ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنّا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد فقال : أحدهما منافق ، ثمّ قال : إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله. سير أعلام النبلاء ٢ : ٣٩٣ و ٣٩٤ ، المعرفة والتاريخ ٢ : ٧٧١ تاريخ مدينة دمشق ٣٢ : ٩٣.

وروى أيضاً : عن الشعبي قال : كتب عمر في وصيته : ألَّا يَقِرَّ لي عامل أكثر من سنة ، وأقِرِّوا الأشعري أربع سنين.

وأيضاً : الزهري ، عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ، ربما قال له ، ذكِّرنا يا أبا موسى فيقرأ. سير أعلام النبلاء ٢ : ٣٩١.

٢٠٩

سيد الابرار ، ومن المبغوضين ، المنحرفين عن أهل البيت الأطهار صلى الله عليه وعليهم ، ما تعاقبت الادوار ، ونصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضلالته واضلاله ، ذكر محدثهم النحرير ابن عساكر الذي اثنى عليه ابن خلكان ، واليافعي في تاريخه عن أبي يحيى حكيم ، قال : كنت جالساً مع عمّار فجاءه أبو موسى فقال : ما لي ولك ألست أخاك؟ قال : ما أدري ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعنك ليلة الجمل قاله : انه قد استغفر لي قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (١).

وهذا الحديث وان حكم ابن عدي وابن الجوزي بوضعه ونسبا الوضع إلى بعض رواته لكن ردّ عليهم علّامتهم المحض السيوطي في اللآلي المصنوعة قال :

قال ابن عدي : حدّثنا أحمد بن الحسين الصوفي ، حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، حدثنا حسين الاشقر ، عن قيس بن الربيع عن ، عمران بن ظبيان ، عن حكيم بن يحيى قال : كنت جالساً مع عمّار ... الخ ، قال : قال ابن عدي : والبلاء من العطار لا من حسين ، قلت : العطار وثقه الخطيب في تاريخه (٢).

وفي لسان الميزان قال الخطيب : قال محمد بن منصور : كان ـ يعني العطار ـ ثقة ، مأموناً حسن العقل (٣).

ثمّ لا يخفى ان كثيراً من علماء العامة صرحوا ، بان لعن الكافر أيضاً غير

__________________

(١). تاريخ مدينة دمشق ٣٢ : ٩٣.

(٢). اللآلي المصنوعة ١ : ٣٩١.

(٣). تاريخ بغداد ٣ : ٥٧ ، لسان الميزان ٥ : ٣٢٨ رقم ٩٨٨ / ٧٧٧٣.

٢١٠

جائز ، حتى يثبت موته على الكفر ، فيتضح حينئذٍ حال أبي موسى غاية الوضوح ، وذكر ابن أبي الحديد في مواضع من شرحه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام يلعن أبا موسى في قنوت صلاته وفي كنز العمال ، وهو من الكتب التي عليها غاية اعتمادهم واستنادهم :

عن عبد الرحمن ابن معقل قال : صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال : في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه وعمرو بن العاص وأشياعه وعبد الله بن قيس وأشياعه. (١)

وروى جماعة منهم البيهقي عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلّا وأضلّا ، وأن هذه الامة مختلفة فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلّا وضلّ من اتبعهما.

وقال سبط ابن الجوزي : قال الشعبي : لما فصّل الحكمان من دومة الجندل عزم علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه على قتالهم ، فقام خطيباً وقال : أيها الناس قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة فخالفتموني وعصيتموني ، ولعمري ان المعصية تورث الندم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد الّا ضحى الغد

إلا ان هذين الحكمين ، قد نبذا كتاب الله وراء ظهورهما ، فأماتا ما أحيا القرآن ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله ،

__________________

(١). كنز العمّال ٨ : ٨٢ رقم : ٢١٩٨٩.

٢١١

فحكما بغير بينة ولا سنة ماضية ، وكلاهما لم يرشدا فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدوا الجهاد (١).

وذكر هذه الخطبة أيضاً ابن الصباغ من علماء القوم في «الفصول المهمة» وقال محدّثهم الحاوي للمحاسن والمفاخر ابن عبد البر في «الاستيعاب» ، في ترجمة أبي موسى الاشعري في الكنى :

ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ، ثمّ لما دفع أهل الكوفة حتى قتل عثمان ثمّ كان منه بصفّين.

وفي التحكيم ما كان ، وكان منحرفاً عن علي لانه عزله ولم يستعمله ، وغلبه أهل اليمن في إرساله التحكيم.

وقال في باب الأسماء في ترجمة عبد الله بن قيس : وولّاه عمر على البصرة في حين عزل المغيرة عنها ، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان ، فعزله عثمان عنها وولاه عبد الله بن عامر بن كريز ، فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها ، فلمّا رفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ، ولّوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقرّه عثمان على الكوفة ، إلى أن مات.

وعزله علي عنها ، فلم يزل واجداً على علي عليه‌السلام ، حتى جاء منه ما قال حذيفة ، فقد روى فيه الحذيفة كلام كرهت ذكره ، والله يغفر له ثمّ كان من أمره يوم الحكمين ما كان (٢).

والذي طوى ذكره من كلام حذيفة ، فقد ذكره غيره ، وهو أنه وصف

__________________

(١). تذكرة الخواص : ١٠٣.

(٢). الاستيعاب ٣ : ٩٧٩.

٢١٢

بعض الناس عند حذيفة أبا موسى بالدين ، فقال حذيفة : أما أنتم فتقولون ذلك ، وأما أنا فاشهد أنه عدوّ لله ولرسوله ، وحرب لهما في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.

وهذا الكلام وان أخفاه وستره وتأنف عن ذكره صاحب الاستيعاب ، الّا أنه يكفي في المقام ما صرّح به من انحراف أبي موسى عن علي عليه‌السلام ، وحديث ما كنا نعرف المنافقين الّا ببغضهم علي بن ابي طالب ، في غاية الاشتهار ، وقد أورده في ترجمته عليه‌السلام.

وذكر ابن حجر في فتح الباري ، في شرح ما رواه البخاري من أن علياً بعث عماراً والحسن الى الكوفة ليستنفروا ويستنهضا الناس.

وان أبا موسى أخذ في تخذيل الناس عن النهوض ناقلاً عن عمر ابن شبه ، والطبراني ، بسندهما إلى ابن أبي ليلى ، وذكر عبد الله ابن مسلم ابن قتيبة الدينوري في كتاب الامامة والسياسة ما لفظه :

وذكروا أن علياً لما نزل قريباً من الكوفة بعث عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الاشعري ، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة فبعثهما علي إليه وإلى أهل الكوفة يستنصرهم.

فلما قدما عليه قام عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر ، فدعوا الناس إلى نصرة علي عليه‌السلام فلما أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى ، فقالوا : ترى الخروج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا؟

قال أبو موسى : أما سبيل الآخرة ففي ان تلزموا بيوتكم ؛ وأما سبيل

٢١٣

الدنيا وسبيل النار فالخروج مع من أتاكم فاطاعوه ؛ فتباطأ الناس على علي عليه‌السلام ، وبلغ عمّاراً ومحمداً ما أشار به أبو موسى على أولئك فأتياه فأغلظا له في القول.

فقال أبو موسى : والله ان تبعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما ؛ ولئن أرادنا للقتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل حتى نفرغ من قتلة عثمان ، ثمّ خرج أبو موسى وصعد المنبر ثمّ قال : أيها الناس ان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممن لم يصحبه ، وان لكم حقّاً عليَّ أؤدّيه إليكم ، ان هذه الفتنة ، النائم فيها خير من اليقظان ، والقائم فيها خير من الساعي والساعي خير من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتى تخلى هذه الفتنة.

أبو موسى كان مخالفاً لعلي بن أبي طالب

وروى الحاكم في المستدرك عن الشعبي قال : لما قتل عثمان وبويع لعلي رضي الله عنه ، خطب أبو موسى وهو على الكوفة : فنهى الناس عن القتال والدخول في الفتنة.

فعزله علي عن الكوفة من ذي قار وبعث إليه عمّار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه (١).

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة : قال سيف بن عمر : لما خرج علي من المدينة ، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ستّ وثلاثين ، كتب إلى أهل الكوفة يستنفرهم وكان أبو موسى الاشعري والياً عليها.

فجاء الناس يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى : ان أردتم الدنيا فاخرجوا وان أردتم الآخرة فاقيموا.

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين : باب ، معرفة الصحابة ٣ : ١٢٦ رقم ٢٠٠.

٢١٤

وبلغ علياً قوله فكتب إليه : اعتزل عن عملنا مذموماً مدحوراً يا ابن الحائك فهذا أول يومنا منك.

قال : وذكر المسعودي في مروج الذهب أن علياً كتب إلى أبي موسى انعزل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً فان لم تفعل فقد أمرت من يقطعك ارباً ارباً يا ابن الحائك ما هذا أول هناتك وان لك لهنات وهنات ، ثمّ بعث علي الحسن وعمّاراً إلى الكوفة فالتقاهما أبو موسى ، فقال له الحسن لم ثبطت القوم عنّا فو الله ما أردنا الّا الاصلاح.

فقال : صدّقت ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ستكون فتنة يكون القاعد فيها خيراً من القائم والماشي خيراً من الراكب فغضب عمّار وسبّه.

وروى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي وائل قال : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم ، فقالا : ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من اسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت.

فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من ابطائكما عن هذا الأمر ، وكساهما حلّة ، حلّة ، ثمّ راحوا إلى المسجد (١). وروى أيضاً بسند آخر عن شقيق ابن سلمة قال : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمّار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد الّا لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر ، فقال عمّار : يا أبا مسعود! وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيب عندي من أبطائكم في هذا الأمر ، فقال أبو مسعود : وكان

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب الفتن باب ١٨ ، رقم ٧١٠٢ و ٧١٠٣ و ٧١٠٤ و ٧١٠٥ و ٧١٠٦ و ٧١٠٧.

٢١٥

مؤسراً يا غلام هات حلّتين ، فاعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمّاراً ، وقال روحا فيه إلى الجمعة (١).

وبالجملة فقد تواتر عن أبي موسى انحرافه عن أمير المؤمنين وبغضه له وتخذيل الناس عنه ، والحكم بان القتال معه دخول في الفتنة المنهية ، وذمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام له وبغض ما ذكر كاف في الدلالة على شقاوته وضلالته عن النهج القويم وانحرافه عن الصراط المستقيم سيّما اذا لوحظت الأخبار الواردة من طرقهم في فضائله عليه‌السلام ، وأنه مع الحق والحق معه ، وان مواليه موالي الله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله ، وما ورد في خصوص محارباته من الأحاديث النبوية.

ومن طريف الأمر ان أبا موسى كان يعلم ذلك كله ويشهد به ووقع منه ما وقع ، فقد روى ابن مردويه على ما في مفتاح النجاة عن أبي موسى أنه قال : أشهد أن الحق مع علي ، ولكن مالت الدنيا باهلها ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له : «يا علي أنت مع الحق والحق بعدي معك».

وروى الحاكم في المستدرك عن عتاب بن ثعلبة ، قال حدثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، بالطرافات والنهروانات وبالسعفات قلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع من نقاتل من هؤلاء الأقوام؟ قال : مع علي بن أبي طالب (٢).

__________________

(١). نفس المصدر السابق.

(٢). المستدرك ٣ : ١٥٠ رقم ٤٦٧٤.

٢١٦

وفي كنز العمال عن ابن مسعود ، قال خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاتى منزل أم سلمة فجاء علي عليه‌السلام فقال رسول الله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أم سلمة هذا والله قاتل القاسطين ، والناكثين ، والمارقين ، من بعدي (١).

وروى أيضاً ، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال عساكر الناكثين ، والمارقين ، والقاسطين.

ثمّ ان حديث خاصف النعل من الأحاديث المستفيضة التي أوردها جماعة لا تحصى في كتبهم ، كالحاكم في المستدرك ، والنسائي في الخصائص وابن أبي شيبة في المصنّف ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وأبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه ، وأبو نعيم في الحلية ، والضياء المقدسي في المختارة والذهبي في المعجم المختصر ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، وذخائر العقبى وابن مندة في كتاب الصحابة ، وابن الاثير في أسد الغابة ، والسيوطي في جمع الجوامع ، وعلي المتقي في كنز العمال ، وغيرهم في غيرها ، ولنكتف بعبارة بعضهم :

روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانقطعت نعله فتخلّف علي يصلحها فمشى قليلاً ثمّ قال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر قال أبو بكر : أنا هو؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو؟ قال : لا ، ولكن خاصف

__________________

(١). شرح السنة ٦ : ١٦٨ رقم ٢٥٥٩ ، تاريخ بغداد ٨ : ٣٤٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤٧٠ ، مطالب السئول : ١١٧.

٢١٧

النعل يعني علياً فاتياه فبشراه فلم يرفع رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

وفي كنز العمال ومسند أبي يعلى : كنا جلوساً في المسجد فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس الينا وكأن على رءوسنا الطير لا يتكلّم منّا أحد ، فقال : ان منكم رجلاً يقاتل على تأويل القرآن كما قوتلتم على تنزيله فقام أبو بكر فقال : أنا هو يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة ، فخرج علينا علي عليه‌السلام ومعه نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلح منها ، ش ، حم ، ع ، حب ، ك ، حل ، ض (٢).

وبالجملة فالمطلب من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى اكثار الشواهد عليه.

واذا لم يعتد أبو موسى بمدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحروبه وغزواته عليه‌السلام بل أمره به فيا ليته اعتد واعتنى بما صدر عن شيخيه من التمني والشعف والغرام على أن يكون مصدرين لهذه الحروب.

ومن عجيب الامر أن رواية الفتنة التي قرئها على المنبر وخذل الناس بها عن النهوض انما وردت في حقه ، وقد صرف الكلام عن موضعه على ما يظهر من كنز العمال ، حيث روى عن أبي مريم.

قال : سمعت عمّار بن ياسر يقول : يا أبا موسى أنشدك الله ألم تسمع

__________________

(١). مسند أحمد ٣ : ٣١ و ٣٣ و ٨٢ ، المصنّف ١٢ : ٦٤ رقم ١٢١٣١ ، المستدرك ٣ : ١٢٢ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٣٤١ رقم ١٠٨٦ ، دلائل النبوة ٦ : ٤٣٥ ، تاريخ بغداد ١ : ٢١٧ ، شرح السنة ٦ : ١٦٧ رقم ٢٥٥٧.

(٢). ش ، ابن أبي شيبة ، حم ، أحمد بن حنبل ، ع ، مسند أبي يعلى ، حب ، صحيح ابن حبان ، ك ، المستدرك للحاكم ، وحل ، حلية الاولياء لابي نعيم ، وض ، الضياء المقدسي في المختارة.

٢١٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من كذّب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار» ، وأنا سائلك عن حديث فان صدقت والّا بعثت عليك من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يقررك به! أنشدك الله أليس انما عناك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنت نفسك؟

فقال أنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيها ، نائماً خير منك قاعداً وقاعداً خير منك ماشياً ، فخصّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعم الناس ، فخرج أبو موسى ولم يرد فيها شيئاً (١).

ومن أعظم الشواهد وأقوى الدلائل على ضلاله ونفاقه وعناده وشقاقه ما صدر منه في قضية التحكيم حيث رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي مرّ شطر من فضائحه وقبائحه أهلاً للخلافة وخلع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الامامة وبلغ الغاية القصوى من الضلالة والجهالة والخباثة والعداوة والشقاوة والخسارة والجسارة ، وتفصيل القضية مذكور في كثير من كتبهم ، منها كتاب سبط ابن الجوزي والفصول المهمة وروضة الاحباب وشرح النهج وغيرها فراجع.

ومن طريف الامر أن عمرو بن العاص الداعي إلى النار شبّه أبا موسى بالحمار الحامل للاسفار فاعقب الحمار بذلك العار والشنار.

وقال عبد الله بن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة : ثمّ قام عمرو فقال : أيها الناس هذا أبو موسى شيخ المسلمين وحكم أهل العراق ، ومن لا يبيع الدين بالدينار ، وقد خلع علياً وأثبت معاوية ، فقال أبو موسى : ما لك عليك لعنة الله ما أنت الّا كمثل الكلب تلهث ، قال عمرو : لكنك مثل الحمار يحمل الاسفار واختلط الناس وهذه القضية بعينها مذكورة في الفصول المهمة وروضة

__________________

(١). تاريخ مدينة دمشق ٣٢ : ٩٢.

٢١٩

الاحباب وتذكرة سبط ابن الجوزي ، ورسالة رفع الالتباس في ضرب المثل من القرآن ، والاقتباس للسيوطي فراجع.

ويظهر من هذه الترجمة شطر من فضائح عمرو بن العاص أيضاً ، وقد سبق في تضاعيف الكتاب بعضها ، ولذا أطوي عن التعرض له بترجمة مستقلة ، وان كان ببالي سابقاً.

وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي أيضاً ، أنه كان علي اذا صلى الغداة ، قنت ودعى ولعن معاوية ، وعمراً ، وأبا الاعور السلمي ، وحبيباً ، وعبد الرحمن بن الخالد ، والضحاك ابن قيس ، والوليد بن عقبة (١).

وفيها أيضاً : أن علياً عليه‌السلام قال له يا ابن النابغة : متى لم تكن للفاسقين ولياً وللمسلمين عدواً هل تشبه الا أمك التي دفعت بك؟

فقام عمرو وقال : لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم ، فقال علي : ان الله قد طهر مجلسي منك ومن أشباهك (٢).

وفيها أيضاً : ان ابن عباس قال لأبي موسى : قبحك الله يا ابن قيس ، لقد حذّرتك غدرة الفاسق الخبيث فابيت؟

فقال أبو موسى : ظننت انه ينصح الأُمة ، وما ظننت أنه يبيع الآخرة بالدنيا (٣) ، وقد ثبت ضلالته واضلاله بنص النبوي المتقدم آنفاً حيث قال في وصف الحكمين أنهما ضلّا وأضلّا.

__________________

(١). تذكرة الخواص : ١٠٢.

(٢). المصدر السابق : ٩٧.

(٣) ٢. المصدر السابق : ١٠٢.

٢٢٠