القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

وأمّا شقاء ابن تيمية وضلالته فممّا لا يحتاج إلى بيان ، حيث لا يرضى بمساواة الصادق صلوات الله عليه لسائر من روى عنهم البخاري ، بل ادعى أولاً : ترجيح الزهري (١) عليه عليه‌السلام.

وثانياً : امتناع أن يكون عليه‌السلام مثل من يحتج بهم البخاري ، وستعرف أن البخاري احتج بجماعة من الخوارج والنواصب المطعونين بالكذب والوضع عند أئمتهم (٢) ، فالثابت عن البخاري ترجيح غيره عليه صلوات الله عليه.

__________________

وجعفر بن محمد هو الذي اعترف بامامته وجلالته في العلم كبار أئمتهم ، روى الذَّهبي عن عمرو بن أبي مقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين وقد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني.

وعن صالح بن أبي الأسود ، سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فانه لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي.

وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زُرعة ، وسئل عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وسهيل عن أبيه ، والعلاء عن أبيه ، أيها أصح؟ قال :

لا يُقْرَنُ جعفر الى هؤلاء. وسمعت أبا حاتم يقول : جعفر لا يسأل عن مثله سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧.

وقد عاصره أركان الحديث وائمة المذاهب الحنفية والمالكية وكلّهم اعترفوا بجلالته وعلوّ مقامه.

فيا عجباً من البخاري على ما ذكر في ترجمته : يتوضأ ويصلي عند كتابة كل حديث ثمّ يروي عن مروان بن الحكم ، عدوّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قاتل طلحة ، ويروي عن طائفة غير معلومة الإسلام كما قاله يحيى بن سعيد شيخ المشايخ وإمام الأئمة في حديث السُّنة.

وطائفة من الرجال ضعّفهم نفس البخاري في كتابه «الضعفاء» وأورد أسمائهم ، ثمّ خرّج رواياتهم في الصحيح!!!

(١). أنظر كتاب «تدوين الأمويين للحديث النبوي ودور ابن شهاب الزُّهْري» ، فإنّا قد استوفينا البحث في الزهري وبيان خدمته للأمويين مدّة خمس وأربعين سنة في تدوين الحديث ، حيث قالوا فيه : أنه كان جندياً لهم ، ومنديلاً يمسحون به أيديهم المتلطخة ، وأفسد نفسه بصحبتهم ، وقد جعلوه جسراً يعبرون به.

(٢). فمن أراد التفصيل فيما ذكر ، فليراجع كتاب «الامام البخاري وصحيحه الجامع» باب : من روى

٤١

والثابت عن ابن تيمية استمالة ترجيحه على غيره بل امتناع مماثلته ومساواته لغيره في الحفظ وقد علم مما سبق انحراف الذهبي ذهب الله بنوره أيضاً عن أهل البيت عليهم‌السلام حيث أنه بعد أن التزم في كتاب الميزان أن يذكر كلّ من تكلّم فيه أئمة السند بتليين ما وأن لا يشذ عنه أحد مما ذكر في كتاب البخاري وابن عدي في الرجال استثنى منهم الصحابة والأئمة الأربعة ، يعني أبا حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ومالكاً.

وقال : إنهم وإن تكلّموا فيهم لكني لا أذكرهم في كتابي هذا لجلالتهم في الإسلام (١).

ومع هذا تعرض لذكر الصادق صلوات الله عليه في هذا الكتاب ، وأمّا استثناءه فيمن استثنى فيدل على أن الذهبي لم يعتقد مساواته لمالك وأبي حنيفة مثلاً في الجلالة والعظمة.

ويدلك هذا وأمثاله على أن أعاظم قدمائهم وعلمائهم لم يزالوا منحرفين عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وأن ما تصدّى جماعة من متأخريهم لإثباته من أنهم لم يزالوا من أهل الولاء لهم والتمسك بحبلهم والاستناد إلى أخبارهم وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل مودتهم إنّما هو أكاذيب لفّقوها فراراً عن إلزامات الشيعة لهم.

هذا الذهبي على إمامته وجلالته عندهم تأنّف من ذكر الصحابة في كتابه ،

__________________

عنهم في الصحيح وضعّفهم نفسه في ضعفائه ، وكذا النواصب والمرجئة والخوارج ومن ضُعِّف بضرب من الجرح في كلمات أئمتهم وكبار مصنِّفيهم في الجرح والتعديل.

(١). ميزان الاعتدال ١ : ٢.

٤٢

وفيهم ضعفاء ، مجروحون ، مقدوحون ، مطعونون ملعونون ، ومن ذكر أئمتهم في الفروع مع ما هم عليه من الضلال والفساد المذكور على لسان علمائهم النقاد كما ستعرف ، وتعرض لذكره عليه‌السلام في المقدوحين ، والعياذ بالله ، وان مدحه بأنه برّ صادق كبير الشأن ، قال في صدر كتاب الميزان :

«أمّا بعد هدانا الله وسددنا ووفقنا لطاعته ، فهذا كتاب جليل مبسوط في ايضاح نقلة العلم النبوي وحملة الآثار ، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمغني ، وطوّلت العبارة ، وفيه أسماء عدّة من الرواة زائداً على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي ، وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل.

فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته ، يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمر بن علي الفلاس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق من بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ، والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّف مفيد في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي (١) في ذلك ، ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل ، هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والضعفاء للدارقطني ، والضعفاء للحاكم ، وغير ذلك.

__________________

(١). والمراد به كتاب «المجروحين» المطبوع في ثلاثة أجزاء.

٤٣

وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي ، بكتاب لم أره ، وصنّف أبو الفرج بن الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت اختصرته أولاً ، ثمّ ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل.

والساعة فقد استخرت الله عزوجل في عمل هذا المصنّف ورتّبته على حروف المعجم حتى في الآباء ليقرب تناوله ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على اخراج رجل فالرمز «ع» وان اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز «عو».

وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين ، وأقل تجريح ، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح والتعديل ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين ، خوفاً من أن يتعقّب عليّ ، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي ، إلّا ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما ، من الصحابة ، فانّي أُسقطهم لجلالة الصحابة ، ولا أذكرهم في هذا المصنّف ؛ فإن الضعف إنّما جاء من جهة الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً لجلالتهم في الاسلام وعظمتهم في النفوس ؛ فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس» (١).

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ : ١ ـ ٣.

٤٤

مع العترة الطاهرة

ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصّب جحيد ، بأن اعراض البخاري عن الصادق عليه‌السلام وعن روايته ليس لكونه ناصباً منحرفاً ، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد والتنقيح والتورع وصون الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.

قلنا له : هذا والله عين النصب والانحراف ، وللنواصب والخوارج أن يقولوا : ما دعانا إلى ما قلنا في حق علي عليه‌السلام وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا مزيد التحقيق والتنقيد والتورع وصون الشرع المقدس ، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همّنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم عن درجة الاعتبار حتى لا يدخل في الشريعة ما ليس منها ، نعوذ بالله من هذه الهذيانات.

ولنذكر هنا أموراً ، ثمّ نتعرض للوجه الثاني من الوجوه الواردة على البخاري :

الأوّل : في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ مشايخ البخاري : أنه أحب إليّ من جعفر!

قال الذهبي في ميزان الاعتدال : مجالد بن سعيد بن عمير الهَمْداني مشهور ، صاحب حديث ، على لين فيه ، روى عن قيس بن أبي حازم ، والشعبي ، وعنه يحيى القطان ، وأبو أسامة وجماعة ، قال ابن معين وغيره : لا يحتج به (١).

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٨٦.

٤٥

وقال أحمد : يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.

وقال النسائي : ليس بالقوي (١) ، وذكر الأشج : أنه شيعي ؛ وقال الدار قطني : ضعيف ، وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فَعَلَ! (٢)

وقيل لخالد الطحان : دخلت الكوفة فَلِمَ لم تكتب عن مجالد؟ قال : لأنّه كان طويل اللحية!

قلت : مِن أنكر ما له من الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذَّهب والفضة (٣).

فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فنّ الرجال ، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه : ليس بشيء ، ويحيى بن معين قال : لا يحتجّ به ، ويحيى بن سعيد القطان الفتّان يرميه بالوضع ، ويقول : لو شئت أن يجعل مجالد هذه الأحاديث كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فَعَلَ ؛ ومع هذا يقول هذا الفتّان الشقي : أنه أحب إلي من جعفر ، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله.

الثاني : أن جماعة من أعيان العامة ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب العترة العلوية ، وذكروا فيها من الأخبار والآثار المروية بطرقهم ما لا يحصى.

وذكروا أن مودة السادات من أجزاء الإيمان ، ومن الفرائض الأكيدة ،

__________________

(١). المصدر السابق.

(٢). ميزان الاعتدال ٤ : ٤٣٨ و ٤٣٩.

(٣). ميزان الاعتدال ٤ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

٤٦

وقالوا بوجوب تعزير المستخف بهم ، بل بكفره ، وحكموا بحرمة إهانتهم ، والوقيعة فيهم ، وإن أخطئوا في الاعتقاد ، أو فسقوا بالجوارح.

وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان كأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعشرة المبشرة ، فهؤلاء وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلّا أنهم حال الخروج منها يموتون مع كمال الإيمان ، تصديقاً لبشارة ربّ العالمين.

والكلام في هذا المطلب طويل ، من أراده فعليه المراجعة إلى كتبهم ، ونحن لا نذكر منها إلّا أحرفاً وأسطراً يسيرة.

والغرض أنه اذا كان إساءة الأدب والإيذاء بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة ، فكيف يكون حال من استخفّ بسيدهم وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء السادات ، وبشرف الانتساب إليه والانقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران السيئات.

وبالجملة فجماعة منهم ألّفوا الكتب والرسائل في هذا المعنى فراراً عن إلزامات الشيعة ، وإصلاحاً لحال أسلافهم ، ودفعاً لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والانحراف والبغض ، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر.

وعدّ صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع من جملة تعصبات الشيعة ، قال في تعداد التعصبات.

التاسع عشر : أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهرآشوب ، وكثير من علمائهم ، ولقّبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبيّة ظاهرة ، فإنهم يقولون : إن الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع

٤٧

بريته ولا يؤمن أحدكم حتى تكون عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب إليه من نفسه ، ويروون في ذلك أحاديث.

منها : ما رواه البيهقي ، وأبو الشيخ ، والديلمي ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه.

ويكون عترتي أحب إليه من نفسه» (١).

وأخرج الترمذي ، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أحبّوا أهل بيتي بحبّي» (٢) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

ويقولون : من ترك المودّة في أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : «لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ» (٣) ، ومن كره أهل بيته فقد كرهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد أجاد من أفاد :

ولا تعدل بأهل البيت خلقاً

فأهل البيت هم أهل السيادة

وبغضهم لأهل العقل خسر

حقيقي وحبّهم عبادة (٤)

ويوجبون الصلاة عليهم في الصلوات ، قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري رحمه‌الله : من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد ، انتهى كلام صاحب الصواعق.

__________________

(١). مسند أحمد ٣ : ٢٠٧ ، فردوس الأخبار ٥ : ١٥٤.

(٢). سنن الترمذي ٥ : ٦٦٤ رقم ٣٧٨٩ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٥٠ ، المعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٢٨١ رقم ١٠٦٦٤.

(٣). الانفال : ٢٨.

(٤). رشفة الصادي : ٩٩.

٤٨

وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي (١) في رسالة مناقب السادات : هم حجة الله على الورى فيهم نزل ، (هَلْ أَتى) (٢) ، و «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (٣) ، وعليه قول الشاعر :

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

مودّة القربى واجبة على المؤمن والسني بالنص الصريح ومن لم يقبل ولم يتبع فليس بمؤمن موحد بل هو كافر ملحد ملعون مرتد

وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصّه : أخلفوني ، بضمّ الهمزة واللام ، أي : يكونوا خلفائي في أهل بيتي علي وفاطمة وابنيهما ، فاحفظوا حقي فيهم ، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم ، والإحسان إليهم ، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم ، (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤).

قال المجد اللغوي : وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع ، لا ينج فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته.

وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضياً فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها ، فقالت : منع ولدي رزقه.

__________________

(١). شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزاولي الهندي الحنفي المتوفى ٨٤٩ ه‍ مفسر ، نحوي ، عارف بالبلاغة ، تولى القضاء ، ومن تصانيفه : شرح البزدوي في الأصول.

(٢). الدهر : ١.

(٣). الشورى : ٢٣.

(٤). الشورى : ٢٣.

٤٩

فاعتل بأنه يسبّ الشيخين ، فالتفتت فاطمة إليهما وقالت : أتؤاخذان ولدي؟ قالا : لا ، فانتبه مذعوراً في حكاية طويلة.

ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ، ندم وقال : اجعلني في حلّ ، فقال : ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حلّ ، إعظاماً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقرابتك منه.

وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فعاتبه ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاشا لله ما أكرههم وإنّما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال : مسئلة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ قال : نعم ، قال : هذا ولد عاق (١).

أقول : الحكاية التي أجملها في منع بعض العمال هي التي ذكرها مفصلة ، السيد نور الدين علي السمهودي في جواهر العقدين.

وحكاها أيضاً رضي الدين علي الحسيني الشامي في تنضيد العقود ، نقلاً عن السيد عبد الرحيم السمهودي في كتاب الإشراف عن فضل الأشراف ، قال السيد نور الدين المذكور : وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم ، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.

أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن شخصاً من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج ، قال : حضر إليه شخص من أصحاب الثروة مبلغاً

__________________

(١). فيض القدير ١ : ٢١٩ رقم ٣٠٢.

٥٠

أظنّه مائة دينار ، وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون صحيح النسب ، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال : فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر : أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها ، فقيل له : أن نسبهم صحيح غير أنهم من الشيعة ، الذين يسبون ، قال : فكرهت دفع ذلك لأحد منهم.

قال : ثمّ جلس إلي واحد منهم ، أو قال : جلست إليه فسألته عن مذهبه؟ فقال : شيعي.

فقلت له : لو كنت من أهل السنة لدفعت إليك مبلغاً عندي ، قال : فشكى فاقته وشدّة احتياجه ، وسألني شيئاً منه ، فقلت : لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً.

فذهب عني فلمّا نمت تلك الليلة رأيت أن القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن أجوز فأمرتْ فاطمة عليها‌السلام يعني فمنعت ، فصرت استغيث ولا أجد مغيثاً حتى أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستغثت به ، وقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منعتني فاطمة من الجواز على الصراط! فالتفت إلي وقال : قد قالت : انّك منعت ولدها رزقه.

فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله ما منعته إلّا لأنّه يسبّ الشيخين ، قال : فالتفتت فاطمة عليها‌السلام إلى الشيخين وقالت لهما : تؤاخذان ولدي بذلك؟ فقالا : لا ، بل سامحناه بذلك.

قال : فالتفت إلي وقال : ما الذي أدخلك بين ولدي وبين الشيخين؟ فانتبهت فزعاً ، وأخذت المبلغ وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته له ، فتعجب من

٥١

ذلك ، وقال : بالأمس سألتك في يسير منه ، فامتنعت ، والآن كيف جئتني به؟ فقال : فقصصت عليه القصة فبكى ، وقال : أشهدك عليَّ وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبداً ما حييت (١).

وقال في تنضيد العقود : وعدم الانتقال لما يصدر من ذريته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أجلّ القربات وأعظم المثوبات.

ففي توثيق عرى الإيمان للبازري : أنّ من علامات محبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبة ذريته ، واكرامهم والاغضاء عن انتقادهم.

فمن انتقد ذرية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحب محمداً قط ، وان يغضّ الإنسان من انتقاد ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت لأنهم قوم شرّفهم الله تعالى واجلاهم ، فلا تعيب عليهم أفعالهم كما تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم.

وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في كتاب عقد اللآل في فضائل الآل : حكى التقي المقريزي ، عن يعقوب المغربي ، أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فقال له الشيخ العابد الفاسي : وهما بالروضة المكرمة.

إنّي كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين ، لتظاهرهم بالرفض ، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر الشريف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : يا فلان باسمي : ما لي أراك تبغض أولادي؟

فقلت : حاشا لله ما أكرههم ، وإنّما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ فقلت : بلى يا

__________________

(١). جواهر العقدين للسمهودي : ٣٥٣ ـ ٣٥٥ ، فضل آل البيت للمقريزي : ١١١ ، رشفة الصادي للحضرمي : ٢٦٢.

٥٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : هذا ولد عاق فلمّا انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين أحداً إلّا بالغت في اكرامه ، ثمّ قال : قال التقي المقريزي : وعندي عدّة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني حسن ، وبني حسين ، فإياك والوقيعة فيهم وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولدٌ على كلّ حال صلح أو فجر (١).

وأيضاً في ذلك الكتاب ، ورأى الشيخ المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي : فاطمة الزهراء رضي الله عنها كشفاً ، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين : أنفك معك وإن كان أجذع.

وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي الدولت آبادي صاحب «البحر الموّاج في التفسير والإرشاد» في النحو ، و «بديع البيان والمعاني» وغيرها ، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم كما صرّح به بعضهم ، ويعرف أيضاً من كتاب «كشف الظنون» ، و «سبحة المرجان» ، و «تسلية الفؤاد» ، وغيرها ، قال في رسالة «مناقب السادات» ما هذا لفظه ... (٢).

__________________

(١). فضل آل البيت للمقريزي : ١١١ ، رشفة الصادي : ٢٦٣.

(٢). ذكر المؤلف فقرات باللغة الفارسية تعريبها كما يلي : لو أقرّ شخص على نفسه الإسلام وآمن بجميع شرائعه وعمل به ثمّ أهان علوياً وخاطبه بالتصغير «عُليوياً» فقد كفر.

وهكذا حال من أبغض محبوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو تقوّل بقوله استخفافاً : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب اليقطين وأنا لا أحب» فإنه أيضاً كافر.

وعلى ذلك حال من تكبّر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكبّر على أحد من أهله.

فاعلم ، أن التكبر والتحقير والظلم بالنسبة إلى الولد يعود إلى الوالد بحكم العقل والشرع والدّين والحس ، وهو أمر ثابت معلوم على كلّ ذي مسك ، وعند كل من تربى في حجور الأمهات الصالحة بالتربية الصحيحة.

نعم الإهانة إلى العبد وإن كان نسله من الكفار يسري إلى صاحبه ، ولا يخفى ذلك على أحد ، لأنك

٥٣

__________________

لو سألت المبتدءين المشتغلين بعلوم العربية وقرّاء الكافية في تركيب «زيداً ضربت غلامه» كانت في التقدير «أهنت» والإهانة يكون على زيد في ضرب غلامه.

فما تقول ، وما تحتسب!؟ أن الإهانة إلى خف العالم بأنه نجس ، مع أنه يصنع من جلود البقر والحمار ، وذلك أيضاً كفر.

فكيف بإهانة أحد من أولاد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو جزء له ومن صلبه ونسله؟!

حاش لله لا يظنه أحداً.

وفي كتاب «تذكرة الأولياء» يقول : من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يؤمن بأولاده ـ أي يتكبّر بالنسبة إلى أهل بيته ـ فحكمه حكم من لم يؤمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن في كتاب «زاهدي» و «عياني» يقول : «المودّة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي شرط الإيمان».

وهكذا فيه بعد ذكر حديث : «حبّك في شيء يعمي ويصم ويبكم» يقول : ونتيجة الكلام أن المودة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضروري بالنسبة إلى جميع أولاده نسباً من دون خصوصية إلى أخيارهم لأن لفظة «القربى» في الآية المباركة مطلقة ، فلا تنحصر في خواصهم حتى يقول أحد : المقصود بلزوم المودّة لأولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعني ، أخيارهم ، وهكذا الامتثال لأمر الله المنزل في القرآن ، وهذه المودة التي كانت من أصول الطاعة.

فلو نظرت إلى مسيئهم في ارتكاب المعاصي وصار ذلك إلى عدم رعاية حقوقهم وقد شبهت نفسك بمن جنّ عليه ، ترك الصوم والصلاة لما سبّه شخص ولشدّة غضبه عليه يترك الصوم والصلاة ، لأنه يتدارك بذلك من خصومه!!

وكذا فيه : يقول الشيخ أحمد البخاري : من كان له محبة لأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فطرته وقلبه فيشمله العطية والمغفرة من ربه ، ومن لم يكن من فطرته وقلبه بل يكتسب ولم يتعب نفسه ولا يجهد فهو الذي باعد عن رحمة الله وطرد مرجوماً وإن كان يمسح جبينه على الأرض من الصباح إلى المساء ، وعلم علم الأولين والآخرين لا ينفعه ولا يعتمد عليه ، فربّ عالم زاهد لا يتقرب بذلك.

فمن علائم الإيمان مودة أولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن آثار المودة أنه يسرّه رؤيتهم.

وفيه أيضاً : أن ايذاء العلوية ايذاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي الباب أحاديث كثيرة لا نذكرها اقتصاراً.

فإيذاء أولاد الحسين عليه‌السلام ايذاء للنبي ولعلي وفاطمة ، وايذاءهم بنص الأحاديث يوجب الكفر والملعنة اتّفق أهل السّنة والجماعة على كفر واللعن على قاتل الحسين ، وأمره هكذا في السنة

٥٤

وليعلم ، أن مؤلّف هذه الرسالة أعني ملك العلماء عقد فيها باباً في اثبات عدم زوال الإيمان من جميع أولاد رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانهم لا يموتون مصرّين على الكبيرة ، واستدل فيها بالكتاب والأخبار ، وأطال في بيانها واقتصرنا من هذه الرسالة على هذا القدر ، وهو كاف في المرام.

والغرض من هذا كلّه ، انه اذا كان إساءة الأدب والإهانة وعدم المحبة بالنسبة الى العترة العلوية بهذه المثابة فكيف بالنسبة إلى الأئمة الاثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر ، الذين هم أصفياء الله من بين الورى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى مفاخر آل عدنان والمفترض طاعتهم على الإنس والجان ويفتخر هؤلاء العلوية بالانتساب اليهم ، ونطق بشطر يسير من مناقبهم ومقاماتهم وكراماتهم لسان المتعصبين والناصبين الجاحدين.

وذكر نبذة قليلة منها بعض علماء السنة في كتبهم ، كفصل الخطاب ، وشواهد النبوة للجامي ، والفصول المهمة ، ومطالب السئول ، وتذكرة الخواص ، وروضة الأحباب ، وكتاب ابن روزبهان ، وغيرها.

ويعجبني أن أذكر في المقام كلاماً ذكره إمامهم المتعصب المعاند والمشكك الناصب ، الجاحد الذي تمسك في كتبه لانتصار مذهبهم بكل

__________________

والتشريع ، وبعد ذكر الحديث : «يا علي أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا ، وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا» قال : لو سئل : ان تأويل هذا الحديث هو أن المؤمنين أولاد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخلون الجنة خلف أزواج النبي.

نقول في جوابه : يحرم على المقلد تأويل الأحاديث ، لأنه أقصر من القاصر ، ولا يصح هذا التأويل حتى من المجتهدين لأنّه خلاف للبشارة من النبي ، وموجب لإجمال كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسقط بذلك ، لأن البشارة لا يقبل الاحتمال والترديد.

٥٥

حشيش ، وأنكر كثيراً ممّا ثبت بالضرورة ، حماية للباطل وترويجاً للفاسد الكاسد العاطل أعني فخر الدين الرازي ، فكلامه أدخل في الزام النواصب رماهم الله بعذاب واصب ، قال في رسالته الموضوعة لترجيح مذهب الشافعي ، عند ذكر الحجية على ترجيحه :

الحجة السادسة : القول بأن الشافعي أخطأ في مسألة كذا ، اهانة للشافعي القرشي ، واهانة قرشي غير جائز فوجب أن لا يكون القطع بخطائه في شيء من المسائل ، انّما قلنا أن تخطئته اهانته ، لأن اختيار الخطاء ان كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل اهانة ، وان كان مع العلم كانت مخالفة الحق مع العلم بكونه حقاً ، من أعظم أنواع المعاصي ، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة لله ، وإنّما قلنا أن إهانة القرشي غير جائزة ، لما روى الحافظ باسناده عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من يرد هوان قريش أهانه الله» (١).

وروى أيضاً باسناده ، عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الناس يصيحون بي ، ويقولون : انّك ابنة حمالة حطب النار ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مغضب شديد الغضب ، فقال : ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ، فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (٢) ، ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ» (٣).

__________________

(١). مسند أحمد ٣ : ٤٢ ، ٨٩ ، ٩٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٢٥ ، المستدرك ٤ : ٧٤ ، مناقب الشافعي للبيهقي ١ : ٦١.

(٢). رشفة الصادي : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، أسد الغابة ٥ : ٤٧٣ ، الإصابة ٨ : ٧٦.

(٣). الاحزاب : ٥٨.

٥٦

فإذن ظهر وجه الاستدلال ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل ، وكان الحاكم أبو عبد الله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلا يدخل تحت هذا الوعيد (١).

أقول : وقد ظهر أيضاً ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل كفر من خطّأ أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين ، والأئمة الطاهرين وأهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وثبت انهم ملعونون في كتاب الله وعلى لسان نبيه في الدنيا والآخرة ، والأخبار متواترة مسطورة في كتبهم وصحاحهم بمنع أبي بكر وعمر أمير المؤمنين عمّا يدعيه من فدك والخمس وغيرهما.

وقصارى ما ذكروا في تأويلها وتوجيهها لا تخرج عن تخطئتها لهما ومما يقضى منه العجب ، أن الرازي نفسه خطّأ الشافعي في مواضع (من هذه الرسالة) فاستحق اللعن والطرد بمقتضى كلامه واحتجاجه.

بل نسب إليه ما لا يجوز ، وهو أعظم من التخطئة حيث ذكر في عدد الاعتراضات التي أوردها الشافعي على الإمام مالك ، ما هذا لفظه :

ومنها : أخبرنا مالك ، عن أبي الزبير ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو محرم بمنى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبه نأخذ.

وقال مالك : عليه عمرة وحجّة تامة وبدنة.

ورواه عن ربيعة وعن ثور بن زيد عن عكرمة ، فهو سيئ القول في عكرمة ، ولا يرى لأحد أن يقبل حديثه ، وهو يروي بيقين عن عطاء

__________________

(١). مناقب الشافعي للرازي : ١٢٦.

٥٧

عن ابن عباس خلافه ، وعطاء ثقة عنده ، وعند الناس.

قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول ، ثمّ يحتاج إلى شيء من علمه ، يوافق قوله ، فيسميه مرة ، ويسكت عنه أخرى ، ويروي عن ثور بن زيد ، عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن ذكر عكرمة ، وإنّما يحدّثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا فيها.

ثمّ قال الفخر : وأمّا الاعتراض الثاني : وهو أن مالكاً إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره ، واذا لم يحتج اليه تركه ، فهذا إن صح من مالك أورث ذلك طعناً في روايته وفي ديانته ، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز الشافعي أن يتمسك بروايات مالك؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكرت الأئمة فمالك النجم.

ولا يخفى أن مقدم القضية الشرطية ثابت بنص الشافعي الذي لا يجوز لأحد التشكيك في صدقه وأمانته ، وصحة أقواله ، فثبوت التالي واضح بلا مرية ، وأمثال هذا كثير في كلامه.

وقد أبرز هذا الداء الدفين ، والانحراف عن الأئمة الطاهرين جماعة من فضلائهم بل يحتج به الدواني وجعله دليلاً على حقية مذهبه.

قال جلال الدين الدواني في شرحه على العقائد العضدية عند ذكر الحديث المعروف : «ستفرّق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها في النار إلّا واحدة» عند حصر الماتن الفرقة الناجية في الأشاعرة ما هذا لفظه :

فإن قلت : كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة ، وكل فرقة تزعم أنها الناجية؟

٥٨

قلت : سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وذلك إنّما ينطبق على الأشاعرة ، فإنّهم يتمسكون في عقائدهم بالأخبار الصحيحة المروية عنه عليه‌السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لا يتجاوزون عن ظواهرها إلّا بضرورة ، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم ، ولا مع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روى عن أئمتهم لاعتقادهم العصمة فيهم ، انتهى.

وزاد حسين الخلخالي في حاشيته على شرح العقائد ، وأظهر كمال العداوة والنصب الكائن في صدور أعيانهم ، وأتى بما يدل على صدور الكذب والافتراء والعياذ بالله عن أئمتنا الطاهرين حيث قال : قوله المتشبثين بما روى عن أئمتهم من غير استنادهم المروي إلى النبي عليه‌السلام وأصحابه ، وذلك الاتباع منهم لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والافتراء منهم.

وهذه الحاشية معروفة عندهم ، مذكورة في كتاب كشف الظنون ويحتج بقراءتها ابراهيم بن حسن الكردي ، في كتاب «الأمم إلى إيقاظ الهمم» ، ثمّ ان بعض المعاصرين من العامة لكثرة ما شاهد من الزامات الشيعة ، سلك في المقام سبيل الإنصاف واتخذ طريق المداهنة والمساهلة في اظهار مكنون ضمائر اسلافه فقال في كتابه المسمّى ب «حلّ المعاقد» في شرح العقائد ، قوله : كالشيعة الخ.

هاهنا اختلاج فإنه إن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة الذين هم عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونهم مجددي دين ، لا لأنّهم ناقلوه عن ناقل الدين فهو

٥٩

افتراء ، وإن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة لأنّهم نقلوا الدين ، وهم عدول الأمّة حتى أثبتوا العصمة لهم.

فالطعن إما لعدم كون الأئمة عليهم‌السلام عدولاً ، فهو تزلزل الإيمان ، أو لعدم صحة الإتباع بالأئمة ، وان كانوا عدولاً فهو ترجيح بلا مرجح ، فإن معاشر الأشاعرة إنّما يتبعون الأشعري ، والشافعي لأنهما ناقلا الدين ، عادلين فلا فرق فتدبر.

والعجب من كلام الدواني ، ما ذكره محققهم الملقب بشيخ الإسلام ، أعني ابن تيمية حيث نسب اتباع أخبار الأئمة عليهم‌السلام إلى الضلال وشنّع غاية التشنيع على اعتقاد حجية اجماعهم ، واتحاد قولهم مع قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في المنهاج :

وأما الفقه ، فهم يعني الشيعة من أبعد الناس عن الفقه ، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت كعلي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وابنه جعفر بن محمد ، وهؤلاء رضي الله عنهم من أئمة الدين وسادات المسلمين لكن لا ينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت إليهم أم لا فإنه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد.

ثمّ ان الواحد من هؤلاء اذا قال قولاً لا يطلب دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه ، ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول كما أمر الله ورسوله بل قد اصّلوا لهم ثلاثة أصول :

أحدها : أن هؤلاء معصومون.

والثاني : أن كل ما يقولونه فإنه نقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٦٠