القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

عبد الله بن عمرو بن العاص في كلام معاوية

ثمّ ان معاوية الذي عقد البخاري باباً في مناقبه ، وروى في حقه أنه فقيه ، كذّب عبد الله بن عمرو.

وقد رواه البخاري أيضاً ، في صحيحه عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدّث ، انه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش ، ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث ، انه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية فقام ، فاثنى على الله بما هو أهله ، ثمّ قال :

أما بعد فانه بلغني ان رجالاً منكم يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأولئك جهالكم ، فإياكم والأماني التي تضلّ أهلها ، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد الّا كبَّه الله على وجهه ، وما أقاموا الدين (١).

والرواية تدل على ان عبد الله بن عمرو كان عند معاوية من المضلِّين الجهال ولعمري ان هذا هو مصداق المثل المعروف : ويل لمن كفّره نمرود.

عبد الله بن الزبير

أثنى عليه علماء العامة في كثير من كتبهم ووصفوه بمحامد عظيمة ومحاسن فخيمة وعدّه جماعة منهم من مصاديق الخلفاء الاثني عشر الذين ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه يكون الدين بهم عزيزاً.

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب المناقب باب مناقب قريش رقم ٣٥٠٠ وكتاب الاحكام باب الامراء من قريش رقم ٧١٣٩.

١٨١

ونقلوا من كثرة صلاته وعباداته أشياء ، منها : انه قسم الدهر على ثلاث ليال : فليلة هو قائم حتى الصباح ، وليلة هو راكع حتى الصباح ، وليلة هو ساجد حتى الصباح.

ومنها : انه كان يواصل الصوم سبعاً ، يصوم يوم الجمعة فلا يفطر الّا يوم الجمعة الآخر ، ويصوم بالمدينة فلا يفطر الّا بمكة ، ويصوم بمكة فلا يفطر الّا بالمدينة.

قالوا ولقد قام يوماً إلى الصلاة فمرّ حجر من حجارة المنجنيق بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد فمرت بين لحيته وصدره فو الله ما خشع لها بصره ، ولا قراءته ، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع.

ولقد كان اذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء اليها ، ولقد كان يركع في الصلاة فيقع الزحم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح ، إلى غير ذلك كثيرة.

وهو أيضاً لا يقصر في المطاعن عن أخويه المتقدمين بل يربوا عليهما بكثير بل لا يمكن استيفاء جميع ما فيه في هذه الرسالة على بعضها.

وهو على ما نص عليه عمر بن الخطاب الذي يزعم علماء القوم انه كان مسدداً ، يقع في الخارج كلّما ، يجري على لسانه وينزل الوحي على طبق رأيه : كان شيطاناً كاملاً ، ففي محاضرات الراغب الاصبهاني : «مرّ عمر رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فعدا ، ووقف عبد الله بن الزبير ، فقال له عمر : ما لك لا تذهب مع الصبيان؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم أجن اليك فاخافك ، ولم يكن في الطريق ضيق فاوسعه لك ، فقال عمر : اي شيطان يكون هذا» (١).

__________________

(١). محاضرات الراغب ١ : ٥٦.

١٨٢

والراغب هذا من أجلة علماء القوم ، نقل السيوطي في بغية الوعاة عن الزركشي : أن فخر الدين الرازي ، عدّ الراغب من أئمة السنة ، وقرنه بالغزالي ، وقال : هذه فائدة حسنة ، قال : وكنت أظنه معتزلياً فتحقق عندي خلافه بهذا الكلام (١).

ثمّ ان ابن الزبير الحد بمكة وعليه نصف عذاب العالم بمقتضى رواياتهم.

ففي كنز العمال : يلحد رجل من قريش بمكة يقال له عبد الله عليه شطر عذاب العالم.

وعن ابن عمر انه سيلحد في الحرم رجل لو توزع ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت (٢).

وعن ابن عمر : يحلّها وتحلّ به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتا (٣).

وعن ابن عمر أيضاً : يلحد بمكة كبش أي سيّد من قريش اسمه عبد الله عليه مثل أوزار نصف الناس (٤).

وعن عثمان يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم (٥).

وعن عثمان ورجال المحدثين ثقات ، وذكر العلامة محمد بن علي

__________________

(١). بغية الوعاة ٢ : ٢٩٧ رقم ٢٠١٥ وقد اختلفوا في اسم الراغب ، وقد ذكره السيوطي في بغية الوعاة المفضل بن محمد ، والذهبي في السير الحسين بن محمد بن المفضل.

(٢). مسند أحمد ٢ : ٢١٩ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٧٦.

(٣). المصدر السابق.

(٤). المصدر السابق.

(٥). المصدر السابق.

١٨٣

الحكيم الترمذي من أعيان العامة الذي قالوا فيه انه من الاوتاد الاربعة ومدائحه معلومة من فيض القدير للمناوي ، ذكر في كتاب نوادر الاصول :

حدّثنا ابراهيم بن المستمر الهذلي قال : حدّثني عبد الرحمن بن سليمان قال : سمعت أبي يذكر عن أبيه قال : صحبت ابن عمر من مكة إلى المدينة فقال النافع لا تمرّ بي على المصلوب ، يعني ابن الزبير فما فجئه في جوف الليل الّا ان صك محمد جذعه فجلس فمسح عينيه ثمّ قال : يرحمك الله يا أبا خبيب ان كنت وان كنت ، ولقد سمعت أباك الزبير يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يعمل سوء يجز به في الدنيا أو في الآخرة ، فان يك هذا بذاك فهه ، فهه (١).

قال أبو عبد الله : فأما في التنزيل فقد احمله فقال : «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ» (٢) ، دخل فيه البر والفاجر ، والولي والعدو ، والمؤمن والكافر ، ثمّ يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث بين الموطنين ، فقال : يجزيه في الدنيا أو في الآخرة ، وكأنه أخبر بانه يجزي بذلك السوء في أحد الموطنين ، إما في الدنيا وإما في الآخرة.

وليس يجمع عليك الجزاء في الموطنين ، ألا ترى إن ابن عمر قال : فان يك هذا بذاك فهه به ، معناه انه قاتل في حرم الله وأحدث حدثاً عظيماً فيها حتى أحرق البيت ، ورمى الحجر الأسود بالمنجنيق ، فانصدع حتى صبب بالفضة ، فهو إلى يومنا كذلك وسمع للبيت آمين.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة أنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحلّ

__________________

(١). تاريخ مدينة دمشق ٢٨ : ٢٤٠.

(٢). النساء : ١٢٣.

١٨٤

بعدي وانما احلت بي ساعة من نهار ، حرمت يوم خلقت السموات والارض.

ولما رأى ابن عمر فعله ثمّ رآه مقتولاً مصلوباً ، ذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يعمل سوءا يجز به ، ثمّ قال : ان يك هذا القتل بذلك الذي فعله فهه به ، أي ، ان كان جوزي بذلك السوء ، السوء من هذا القتل والصلب.

وروى العلامة السيوطي في جمع الجوامع عن اسحاق بن سعيد عن أبيه قال : أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير ، فقال : يا ابن الزبير ايّاك والالحاد في حرم الله تعالى ، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سيلحد فيه رجل من قريش لو أن ذنوبه توزن بذنوب الثقلين لرجحت عليه فانظر لا يكون.

ومن ظريف الأمر أن البخاري أيضاً أورد في صحيحه ، ما يدل على ان ابن الزبير أحلّ حرم الله ، وهذه ألفاظه في كتاب التفسير :

حدّثني عبد الله بن محمد قال : حدّثني يحيى بن معين ، قال حدّثنا حجاج ، قال ابن جريج ، قال ابن أبي مليكة ، وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت : أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله؟

فقال : معاذ الله ، ان الله كتب ابن الزبير وبني أميّة محلين ، واني والله لا أحلُّه أبداً (١).

وفي فتح الباري للعسقلاني : ان الضمير في قوله : «بينهما» راجع إلى ابن عباس وابن الزبير قال : قوله : «محلّين» أي أنهم كانوا يحلّون القتال في الحرم ، وإنّما نسب ابن الزبير إلى ذلك ، وان كان بنو أمية هم الذين ابتدءوه في القتال وحصروه.

__________________

(١). صحيح البخاري كتاب التفسير باب ، ثاني اثنين إذ هما في الغار ... التوبة : ٤٠ ، رقم ٤٦٦٥.

١٨٥

وإنّما بدأ منه أولاً دفعهم عن نفسه لأنّه بعد أن ردّهم الله عنه ، حصر بني هاشم ليبايعوه فسرّع فيما يؤذن بإباحة القتال ، وكان الناس يسمّون ابن الزبير المحلّ لذلك (١).

ومن عجيب الأمر ما في هذه الرواية من ان ابن عباس يرى ابن الزبير أهلاً للخلافة لشرف نسبه مع أنه قد وقع منه بالنسبة إلى ابن عباس ما وقع كما سيأتي ، ومع انه قد طعن فيه في صدر الرواية بما نقلنا وفي ذيله بكلام آخر لم ننقله.

ومع ان جماعة منهم ذكروا انه قال : كانت في ابن الزبير ضلال لا تصلح معها للخلافة.

ومن اطلع على بعض ما وقع بين ابن عباس وابن الزبير من مشاجرات والمذاكرات جزم بان هذه الجملة التي لم نوردها موضوعة على ابن عباس.

ومن شنائع أحواله انه كان يقاتل على الدنيا وتحمل وزر جميع من قاتل وقتل معه ، والأخبار الواردة في ذم التكالب على الدنيا وطلب الرئاسة الباطلة ومقاتلة الناس عليها مما لا يمكن احصاؤها.

روى البخاري في كتاب الفتن عن أبي المنهال قال : لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة ، فانطلقت مع أبي إلى ابي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل عُلِّيَّةٍ له من قصب ، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فقال : يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلّم به : إني احتسبت عند الله أني أصبحت

__________________

(١). فتح الباري ٨ : ٢٦٢.

١٨٦

ساخطاً على أحياء قريش ، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة ، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بلغ بكم ما ترون ، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم ، ان ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلّا على الدنيا ، وان هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلّا على الدنيا ، وإن ذاك الذي بمكّة والله إن يقاتل إلّا على الدنيا (١).

وفي فتح الباري : في معنى «ان ذاك الذي بمكة» زاد يزيد بن ذريع يعني ابن الزبير.

والحاكم في المستدرك أيضاً أورد هذه الرواية ، وفي فتح الباري في معنى قول أبي برزة : اني احتسبت عند الله ، ان معناه انه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله أجراً على ذلك لان الحب في الله والبغض في الله من الايمان (٢).

فثبت بنص ابن حجر ، ان البغض على ابن الزبير بغض في الله ، وان السخط عليه يوجب الغفران ، وان حبه كما هو شعار السنّية خروج عن الإيمان.

وقال ابن الملقن في شرحه : وأما قول أبي برزة : «واحتسابه سخطه على أخبار قريش عند الله تعالى» فكأنه قال : اللهم لا أرضى ما يصنع قريش من القتال على الخلافة ، فاعلم ذلك من نيتي واني أسخط أفعالهم واستباحتهم للدماء والاموال ، فأراد ان يحتسب ما يعتقده من انكار القتال في الإسلام عند الله وذخراً ، فانّه لم يقدر من التعبير عليهم الّا بالقول والنية التي بها يأجر الله عباده.

__________________

(١). صحيح البخارى كتاب الفتن باب ٢١ ، رقم ٧١١٢.

(٢). فتح الباري ١٣ : ٦٢ كتاب الفتن.

١٨٧

وروى الحاكم في المستدرك باسناده ، عن نافع عن ابن عمر ، انه قال لرجل سأله عن القتال مع الحجاج ، أو مع ابن الزبير ، فقال له ابن عمر : مع أي الفريقين قاتلت فقتلت ففي لظى ، قال وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

ومن قبائحه التي لا تحصى الدفاتر الطوال ، لوازم شناعتها انه كان ينقص أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وجميع بني هاشم ، واغرى أباه الزبير على قتاله ، وأغرى عائشة على وقعة الجمل ، وأهانها ، وخوّفها ، بقوله :

أدركنا علي ؛ وحلف يميناً كاذبة وسنّ سنّة شهادة الزور ، وهي أول شهادة زور وقعت في الاسلام على ما نصّ عليه علماؤهم ، وقاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وسبه وشتمه واسقط ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخطبة في الجمعة وغيرها ، ولا يشك جاهل فضلاً عن عالم في كفر من وُصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن جميعها ، وضلالته وانهماكه في خسارته وشقاوته.

وأدلة الكبرى وان كانت بيّنة مبيّنة مشروحة ومبسوطة ، إلّا ونحن نأتي بجملة من الأخبار الواردة من طرق القوم ثمّ نعطف على بيان الصغرى.

وحقيقة هذا الطعن تنحل إلى مطاعن لا تحصى ، يليق أن يفرد كلّ منها بفصل وباب.

فنقول : يدل عليها مضافاً إلى ما سبق ، مما يدل على أن معصية علي معصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته طاعته ، ومفارقته مفارقته ، وانه باب حطة من خرج عنه كان كافراً.

__________________

(١). المستدرك ٤ : ١٧١.

١٨٨

وما أورده البدخشاني من عظماء أهل السنة في مفتاح النجاة قال : أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زر بن حبيش ، قال : سمعت علياً عليه‌السلام يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأميّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليّ أنه لا يحبني إلّا مؤمن ولا يبغضني الّا منافق (١).

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحب علياً منافق ولا يبغض علياً مؤمن» (٢).

وفي رواية ابن أبي شيبة : لا يبغض علياً الّا مؤمن ولا يحبه منافق (٣) ، وعند الطبراني في الكبير عنها : لا يحب علياً الّا مؤمن ولا يبغض علياً الّا منافق.

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري والبزار والطبراني في الاوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالا : «كنّا نعرف المنافقين ببغضهم علياً» (٤).

وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : «محبك محبي ومبغضك مبغضي» (٥).

قال وأخرج الطبراني في الكبير عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول

__________________

(١). مسند أحمد ٦ : ٢٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٨٦ رقم ٧٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٤٣ رقم ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ : ١١٦ و ١١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ رقم ١١٤ ، المعجم الأوسط ٣ : ٨٩ رقم ٢١٧٧ ، مصابيح السنة ٤ : ١٧١ رقم ٤٧٦٣ ، مسند أبي يعلى ١ : ٢٥٠ رقم ٢٩١ ، تاريخ بغداد ١٤ : ٤٢٦ ، حلية الأولياء ٤ : ١٨٥ ، فتح الباري ٧ : ٥٧ ، عارضة الأحوذي ١٣ : ١٧٧ ، الاستيعاب ٣ : ٣٧ ، صفة الصفوة ١ : ٣١٢.

(٢). مسند أحمد ١ : ٨٤ ، سنن النسائي كتاب الايمان ، ٨ : ١١٧ ، رقم ١٩ و ١٣١ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٦.

(٣). جامع الأصول ٩ : ٤٧٣ ، تيسير الوصول ٣ : ٢٧٢ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٤.

(٤). سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥ رقم ٣٧١٧ ،

(٥). المستدرك ٣ : ١٣٠ ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٣٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٩ ـ ٢٨٠.

١٨٩

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله (١).

قال : وأخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آذى علياً فقد آذاني».

قال : وأخرج ابن عدي عن جابر رضي الله عنه : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : يا علي لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار (٢).

وأخرج الديلمي عن الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو أن عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه ، وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ، ومُدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه ، ثمّ قتل بين الصفاء والمروة مظلوماً ، ثمّ لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها (٣).

وأخرج ابن مردويه عن عطية بن سعد قال : دخلنا على جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو شيخ كبير فقلنا : أخبرنا عن هذا الرجل ـ علي بن أبي طالب ـ فرفع حاجبيه ثمّ قال : ذاك من خير البشر ، فقيل له : ما تقول في رجل يبغض علياً؟ قال : ما يبغض علياً الّا كافر (٤).

__________________

(١). المستدرك ٣ : ١٤١ رقم ٤٦٤٨ ، كشف الأستار ٣ : ٢٠١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٥ ، ذخائر العقبى : ٦٥ ، تاريخ الخلفاء : ١٧٣ ، كنز العمال ١٢ : ٢٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٧١.

(٢). تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٩٨.

(٣). فردوس الأخبار ٣ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ رقم ٥١٤١.

(٤). مسند أحمد ٤ : ٤٣٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥ رقم ٣٧٢٧ ، المعجم الكبير ٢٣ : ٣٨٠ رقم ٩٠١ ، مسند أبي يعلى ١٢ : ٦٩٠٤ ، تحفة الاشراف ١٣ : ٦٤ رقم ١٨٢٩٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٨ ـ ٣٠٠ ، كفاية الطالب : ٦٩ ، مطالب السئول : ٨٧ ،

١٩٠

وأخرج عن سالم بن أبي الجعد ، قال : تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبد الله فقال : وتشكون فيه؟ فقال بعض القوم : انه أحدث ، قال : وما يشك فيه الّا كافر ، أو منافق.

وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي كرم الله وجهه ، قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان فيك مثلاً من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ، ألا وانه يهلك فيَّ اثنان محب مفرط يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان باهتني (١).

وروى البخاري في كتاب الايمان من صحيحه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سباب المسلم فسق وقتاله كفر ، ورواه في كتاب الفتن وفي كتاب الادب أيضاً (٢).

وروى الحاكم في المستدرك عن أبي عبد الله الجدلي ، قال : دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقالت لي أيسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكم؟ فقلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من سبّ علياً فقد سبني (٣). هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (٤).

__________________

(١). مسند أحمد ١ : ١٦٠ ، المستدرك ٣ : ١٢٣ ، الرياض النضرة ٢ : ٢١٧ ، كفاية الطالب : ١٩٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٦.

(٢). صحيح البخاري كتاب الايمان باب : خوف المؤمن من أن يحبط عمله رقم ٤٨ وكتاب الأدب باب ما ينهى عنه من السباب رقم ٦٠٤٤ وكتاب الفتن باب : لا ترجعوا بعدي كفاراً رقم ٧٠٧٦.

(٣). مسند أحمد ١٠ : ٢٢٨ رقم ٢٦٨١٠ ، جامع الصغير ٦ : ١٤٧ رقم ٨٧٣٦ المطبوع على متن فيض القدير للمناوي تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٦٦.

(٤). المستدرك ٣ : ١٢١ وفي طبعة ٣ : ١٣١ رقم ٤٦١٦.

١٩١

وقد رواه أبو بكر بن عثمان البجلي عن أبي اسحاق بزيادة الفاظ ، قال : سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول : حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة واذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعتها يقول : يا شبث (١) بن ربعي فاجابها رجل جلف جاف لبيك يا أمّتاه ، قالت : يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ناديكم؟ قال : وأنى ذلك؟ قالت : فعلي بن أبي طالب ، قال : انا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا ، قالت : فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من سبّ علياً فقد سبني ، ومن سبني فقد سبّ الله تعالى (٢).

وفي المستدرك أيضاً ، عن أبي مليكة قال : جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عباس ، فحصبه ابن عباس فقال : يا عدوّ الله آذيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» (٣) ، لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً لآذيته ، قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (٤).

ولنكتف بهذا المقدار فان الكلام في ذلك يطول جدّاً.

ولنذكر بعض ما صدر من هذا الشقي مما يعلم منه انطباق جميع أخبار الذم واللعن والطرد عليه.

فنقول : ذكر علّامتهم المحدّث ابن عبد البر في الاستيعاب قال علي بن

__________________

(١). وفي المستدرك «شبيب».

(٢). فيض القدير ٦ : ١٤٧ ، المستدرك ٣ : ١٢١.

(٣). الأحزاب : ٥٧.

(٤). المستدرك ٣ : ١٢١ وفي طبعة ٣ : ١٣١ رقم ٤٦١٨.

١٩٢

أبي طالب : ما زال الزبير يعدّ منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله.

وذكر ابن الاثير الجزري في كتاب أسد الغابة : وكان علي رضي الله عنه يقول : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له عبد الله (١)

وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة : وفي رواية ، أن علياً لما التقى بالزبير ، قال له : كنا نعدك في خيار بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك السوء ففرّق بيننا (٢).

قال ابن أبي الحديد في أواخر شرحه : روى المسعودي عن سعيد بن جبير ان ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير : إلام تؤتيني وتعنفي؟ قال ابن عباس : اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : بئس المرء المسلم ليشبع ويجوع جاره ، وأنت ذلك الرجل ، فقال ابن الزبير لاكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة!

وتشاجرا فخرج من مكة فاقام بالطائف حتى مات.

قال وقطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جُمَعاً كثيرة فاستعظم الناس ذلك فقال : اني لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء ، اذا ذكرته اطلعوا أعناقهم فأنا أحب ان اكْبِتهم.

قال : لما كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم وأظهر بغضهم ، وعابهم وهمّ بما همّ به في أمرهم ، ولم يذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته ، لا يوم الجمعة ولا غيرها ، عاتبه على ذلك قوم من خاصّته ، وتشاءموا بذلك منه ، وخافوا عاقبته.

فقال : والله ما تركت ذلك علانية الّا وأنا أقوله سراً وأكثر منه ؛ لكني رأيت

__________________

(١). أسد الغابة ٣ : ٢٤٣ رقم ٢٩٤٧ ، الاستيعاب ٣ : ٩٠٦ رقم ١٥٣٥.

(٢). تذكرة الخواص : ٧١.

١٩٣

بني هاشم اذا سمعوا ذكره اشرأبّوا واحمرّت ألوانهم ، وطالت رقابهم والله ما كنت لآتي لهم سروراً وأنا أقدر عليه ، والله لقد هممت ان أحظر لهم حظيرة ثمّ أضرمها عليهم ناراً!!

فاني لا أقتل منهم إلّا آثماً كفّاراً سحّاراً ، لا أنماهم (١) الله ، ولا بارك عليهم ، بيت سوء ، لا أول لهم ولا آخر ، والله ما ترك نبي الله فيهم خيراً ، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.

فقام اليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال : وفّقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم ، فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي ، فقال : والله ما قلت صواباً ، ولا هممت برشد ، أرهط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعيب ، وإياهم تقتل ، والعرب حولك! والله لو قتلت عدّتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما سوّغه الله لك ، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.

فقال : اجلس أبا صفوان فلست بناموس (٢).

فبلغ الخبر عبد الله بن العباس ، فخرج مغضباً ومعه ابنه حتى أتى المسجد فقصد المنبر فحمد الله فاثنى عليه ، وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : أيها الناس ان ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا آخر ، فيا عجباً كل العجب لافترائه ولكذبه! والله ان أول من أخذ الإيلاف ، وحمى عيرات قريش لهاشم ، وإنّ أول من سقى بمكة عذباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش ، وإن كنا لقالتهم اذا قالوا ، وخطبائهم اذا خطبوا ،

__________________

(١). لا أكثر عددهم.

(٢). الناموس : الحاذق.

١٩٤

وما عُدّ مجد كمجد أولنا ، ولا كان في قريش مجدٌ لغيرنا ؛ لأنّها في كفر ماحق ، ودين فاسق ، وضلّة وضلالة ، في عشواء (١) عمياء ، حتى اختار الله تعالى لها نوراً ، وبعث لها سراجاً فانتجبه طيباً من طيّبين ، لا يسبّه بمسبّة ، ولا يبغي عليه غائلة ، فكان أحدنا وولدنا ، وعمّنا وابن عمنا ، ثمّ ان أسبق السابقين إليه منا وابن عمّنا (٢) ثمّ تلاه في السبق ، ثمّ أهلنا ولحمتنا واحداً بعد واحد.

ثمّ إنّا لخير الناس بعده وأكرمهم أدباً ، أشرفهم حسباً ، وأقربهم منه رحماً.

وا عجباً كل العجب لابن الزبير! يعيب بني هاشم ، وانما شَرُف هو وأبوه وجدّه بمصاهرتهم ؛ أما والله انه لمسلوب قريش ، ومتى كان العوّام بن خويلد يطمع في صفيّة بنت عبد المطلب! قيل للبغل : من أبوك يا بغل؟ فقال : خالي الفرس ، ثمّ نزل.

عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس

قال : خطب ابن الزبير بمكة على المنبر ، وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر ، فقال : ان هاهنا رجلاً أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ، يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ، يفتي في القملة والنملة ، وقد احتمل مال البصرة بالأمس ، وترك المسلمين بها يرتضجون (٣) النوى ، وكيف ألومه في ذلك ، وقد قاتل أُمَّ المؤمنين ، وحواريَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن وقاه بيده.

فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة :

__________________

(١). وهو سوء البصر بالليل والنهار.

(٢). علي بن أبي طالب.

(٣). يكسرونه.

١٩٥

استقبل بي وجه ابن الزبير ، وارفع من صدري ؛ وكان ابن عباس قد كُفّ بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير ، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ، ثمّ قال : يا ابن الزبير :

قد أنصف القارة من راماها

إنّا إذا ما فئةٌ نلقاها

يردّ أولاها على أخراها

حتى تصير حرضاً دعواها

يا ابن الزبير ، أما العمى فان الله تعالى يقول : «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (١) ، وأما فُتياى في القَملة والنَّملة ؛ فان فيها حكمين ، لا تعلمها أنت ولا أصحابك.

وأما حمل المال فانه كان مالاً جبيناه فاعطينا كل ذي حق حقه ، وبقيت بقيَّة وهي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا ، وأما المتعة : فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بُردَي عَوسَجة.

وأما قتالنا أمّ المؤمنين : فبنا سمِّيت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك ؛ فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها ، ثمّ اتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما ، فما أنصفا الله ولا محمداً من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيّه وصانا حلائلهما.

وأما قتالنا إيّاكم : فإنّا لقيناكم زحفاً ، فان كنّا كفّاراً فقد كفرتم بفراركم منّا ، وان كنّا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيّانا ، وايم الله لو لا مكان صفيّة فيكم ، ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزَّى عظماً إلّا كسرته.

__________________

(١). الحج : ٤٦.

١٩٦

فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بُردَي عَوسجة؟ فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس ، وعن بني هاشم! فانهم كُعُمُ (١) الجواب اذا بدهوا ، فقال : بلى وعصيتك ، فقالت : يا بُني احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الإنس والجن ، واعلم أنّ عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها ؛ فإيّاك وإيّاه آخر الدهر.

وهذه القضية تشهد على ابن الزبير بالكفر من وجوه عديدة لا تخفى ، وليت شعري لِمَ لَمْ يوجد هذا التكاذيب والتخاصم سقوط أخبارهما عن درجة الحجية والاعتبار عند العامة ، وأوجب مجرد ردّ هشام بن الحكم على هشام بن سالم مع عدم العلم بحقيقة سقوط أخبارهما جميعاً عن الاعتبار والحجية ، كما ذكره المتعصب الكابلي.

وفيها أيضاً شهادة على ان ابن عباس الملقّب بترجمان القرآن عند القوم ، والذي عقد البخاري باباً في مناقبه وروى في حقه : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا له بان يعلّمه الله الحكمة ، يرى حلّية المتعة.

وأما اقدام ابن الزبير على سبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فيعلم تفصيله من الرجوع إلى تاريخ روضة الاحباب وهو من التواريخ المعتبرة للقوم.

عبد الله بن الزبير وخدعته لعائشة

وأما ما وقع منه في وقعة الجمل : فقد ذكر السمعاني في الانساب في نسبة الحوأبي وورد في حديث عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس ان

__________________

(١). كعم البعير : شدَّ فاه لئلا يعض أو يأكل ؛ والكعام : ما يجعل على فمه ، والجمع : كعم ، والمعنى أنّهم ذوو أجوبة مسكتة مخرسة ، تلجم أفواه مناظريهم.

١٩٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لنسائه : ليت شعري ايتكن صاحبة الجمل الأديب ، وقيل الاحمر ، تنحبها كلاب الحوأب.

وروى اسماعيل بن أبي خالد ، كذلك عن قيس بن أبي حازم ، عن عائشة أنها مرّت بماء فنبحتها كلاب الحوأب فسألت عن الماء؟ فقالوا : هذه ماء الحوأب.

والقصة في ذلك أن طلحة والزبير بعد قتل عثمان وبيعة علي خرجا إلى مكة وكانت عائشة حاجة تلك السنة بسبب اجتماع الفساد والغيث من البلاد بالمدينة بقتل عثمان ، فخرجت عائشة هاربة من الفتنة.

فلما لحقها طلحة والزبير حملاها إلى البصرة في طلب دم عثمان من علي ، وكان معها ابن الزبير عبد الله ابن اختها أسماء ذات النطاقين ، فلما وصلت عائشة معهم إلى هذا الماء نبحت الكلاب عليها فسألت عن الماء واسمه؟ فقيل : لها الحوأب ، فتوقّفت على الرجوع فدخل عليها ابن أختها ابن الزبير وقال : ليس هذا ماء الحوأب حتى قيل انه حلف على ذلك وكفّر عن يمينه ، والله أعلم ، وتممت عائشة إلى البصرة وكانت وقعة الجمل المعروفة (١).

وقال قاضي القضاة ابن الشحنة الحلبي في كتاب روض المناظر :

في سنة ستّ وثلاثين : أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى البلاد عماله فبعث عمّار بن شهاب إلى الكوفة ، وكان من المهاجرين وولي عثمان بن حنيف الانصاري البصرة ، وعبيد الله بن عباس اليمن ، وقيس بن سعد الانصاري مصر ، وسهل بن حنيف الانصاري الشام ، فرجع من الطريق لما سمع بعصيان

__________________

(١). الأنساب ٢ : ٢٨٦.

١٩٨

معاوية وكذلك عمارة لقيه طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة في خلافة أبي بكر فقال : ان أهل الكوفة لا يستدلون بأبي موسى الاشعري ، فرجع ولما وصل عبد الله إلى اليمن خرج الذي كان بها من قتل عثمان وهو يعلى بن منبه بما بها من الاموال الى مكة وصار مع عائشة وطلحة والزبير وجمعوا جمعاً عظيماً وقصدوا البصرة ، ولم يوافقهم عبد الله بن عمر.

وأعطى يعلى بن منبه لعائشة جملاً كان اشتراه بمائة دينار اسمه عسكر ، وقيل بثمانين وركبته ومرّوا بمكان اسمه الحوأب فنبحتهم كلابه فقالت عائشة : أي ماء هذا؟

فقيل لها : هذا ماء الحوأب فصرخت وقالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟ ثمّ ضرب عضد بعيرها فاناخته ، وقالت : دونني فأقاموا يوماً وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير : انه كذب ليس هذا ماء الحوأب.

ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال : النجا النجا فقد أدرككم علي ، فارتحلوا فوصلوا البصرة (١).

وقال ابن قتيبة في «الامامة والسياسة» : فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة تنبحها كلاب الحوأب ، فقالت لمحمد بن طلحة : أي ماء هذا؟

قال : ماء الحوأب.

قالت : ما أراني إلّا راجعة.

__________________

(١). روض المناظر : ١١٣.

١٩٩

قال : لِمَ؟ قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لنسائه : كأني باحداكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإيّاك أن تكون هي أنت يا حميراء!

فقال لها محمد بن طلحة : تقدمي رحمك الله ، ودعي هذا القول.

فأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفته في أول الليل ، وأتاها ببيّنة زور من الاعراب فشهدوا بذلك.

وقال جمال الدين المحدث في «روضة الأخبار» نحو ما ذكروا : إنّه لما امتنعت من الذهاب جاء ابن الزبير بخمسين شاهد شهدوا أنه ليس بماء الحوأب.

وقالوا : هي أول شهادة زور اقيمت في الاسلام.

وأن عائشة ما قنعت بتلك الشهادة وكانت تجزع وتضطرب حتى صاح عبد الله بن الزبير من اخريات الناس أدركنا علي.

فخافت عائشة وطلبت دليلاً فقال لها طلحة : ان الدليل قد فرّ لغلطه وخطائه في تلك التسمية ، وبالجملة هذه القضية متواترة مذكورة في كتب الخاصة والعامة.

وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي : نقلاً عن ابن جرير أن طلحة والزبير قالا لها : ما هذا الحوأب ؛ وأحضرا خمسين رجلاً فشهدوا بذلك وحلفوا ، وأن الشعبي قال : هي أول شهادة زور أقيمت في الاسلام (١).

__________________

(١). تذكرة الخواص : ٦٦ ، ولا يخفى أن أول شهادة زور أُقيمت في الإسلام كما شهدت عليها بعض الروايات هي الشهادة على عدم توريث الأنبياء عند مطالبة فاطمة نحلتها من فدك وغيرها من أبي بكر.

فإنّه جمع أصحابه وشهدوا على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».

٢٠٠