القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

شيخ الشريعة الإصبهاني

القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

شيخ الشريعة الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٦

والثالث : أن إجماع العترة حجة ، وهؤلاء هم العترة ، فصاروا لذلك لا ينظرون إلى دليل ولا تعليل.

قال : وإن كانت المسألة ممّا انفردوا بها اعتمدوا على الأصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفى.

وكم لهذا الناصب العنيد من نظائر هذا الكلام لعلك ستطلع على بعضها في تضاعيف المباحث.

والإنصاف أن هذا النصب والعداوة مما توارثوا بينهم ، وورثه خلفهم عن سلفهم ومتأخرهم عن متقدمهم ، فإنّهم لم يزالوا منحرفين عن العترة الطاهرة عليهم‌السلام ومتخلّفين عن سفينة نجاة الأمة.

هذا إمامهم الأعظم ومجتهدهم الأقدم أبو حنيفة مع أنه حكى عنه ملك العلماء في كتاب «هداية السعداء» من شدة اعتقاده بالعترة الطاهرة عليهم‌السلام وانخفاضه لهم ، قد وقع منه مع أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه ما وقع مما يكشف عن بطلان ما نسبوه إليه من المودّة والموالاة.

قال في «هداية السعداء» في شرح «ذخائر العقبى» في مناقب أولى القربى ، قال : القاضي عزّ الحق والدين الزرندي المدني الحنفي : نقل عن أبي حنيفة الكوفي : أنه مرّ يوماً في سكّة من سكك بغداد فرأى بعض أولاد السادات يلعب بالجوز ، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشي أربعين خطوة ثمّ ركب وتوجّه إلى أصحابه فقال : من جال في قلبه ، أو من ظهر على لسانه أنه خير من صبي أو من غلام من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو عندي زنديق.

وهذه الحكاية المرسلة وإن كانت آثار الوضع عليها لائحة لكنها حجة عليه وعلى أتباعه.

٦١

ذكر قاضي القضاة أبو المؤيد محمد الخوارزمي في «جامع مسانيد أبي حنيفة» ما هذا لفظه :

«أبو حنيفة قال : جعفر بن محمد أفقه من رأيت ، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور ، أن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ؛ فهيّأ له مسائل شداداً.

فلخّصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور بالحيرة ، ثمّ أبرد إلي فوافيته على سريره وجعفر بن محمد عن يمينه فوجدت من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور.

فاجلسني ثمّ التفت إلى جعفر قائلاً يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة ، فقال : نعم أعرفه.

ثمّ قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا حنيفة ، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة ، ويفحم حتى أجاب عن أربعين مسألة.

فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء ، فلذلك أحكم أنه أفقه من رأيت ، أخرجه الحافظ طلحة بن محمد في مسنده عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، عن جعفر بن محمد بن الحسين الحازمي ، عن أبي نجيح ابراهيم بن محمد عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة» (١).

وأمثال هذا وان كانت كثيرة في كتب الإمامية أيدهم الله وأخبارهم الصحيحة مفصحة عنها ، إلّا أن العامة يحكمون بوضعها وبطلانها ، وفي هذه الحكاية المسندة المعتبرة وجوه من الدلالة على خبث سريرة الإمام الأعظم.

__________________

(١). جامع المسانيد للخوارزمي ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، المناقب للموفق بن أحمد : ١٧٣ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧.

٦٢

ومنها : أنها تدل على أنه قصد بهذا الأمر الشنيع أن ينصرف وجوه الناس عن أبي عبد الله عليه‌السلام وينفضوا من حوله ويصير عليه‌السلام خفيفاً في أعينهم منحط الشأن عندهم واضح الجهل لديهم.

فإن المنصور لما رأى افتنان الناس به وانهماكهم في حسن الاعتقاد به طلب من أبي حنيفة مسائل مشكلة ليصرف قلوب الناس عنه وبعث إليه أن الناس قد فتنوا بجعفر فهيّأ له كذا فلخّص له تلك المسائل وبعث بها إليه ثمّ شافهه عليه‌السلام بها.

وفيه من الوجوه الدلالة على ضلالته وكفره ما لا يخفى وقد عرفت سابقاً في الجملة حال اهانة الذرية العلوية بل يكفي في المقام أخبارهم المروية المتضمّنة للذم واللوم على معاداة آحاد الناس وحسدهم وترك النصيحة لهم.

ومنها : أنها تدل على أنه اعتقد عجز الإمام عليه‌السلام عن أسئلته ، وأنه يفحم بمسائل أعدّها وهيّأها مع قلة باعه في العلوم وعدم اشتغاله بمقدمات الفقه من العربية والنحو واعراضه عن الحديث ، وغاية بعده عن الروايات وعدم معرفته بما يعرفه أجلاف الأعراب.

مع أن علومهم لدنيّة ومعارفهم ربّانيّة ، وهذه المعارضة نظير معارضة يحيى بن أكثم المأبون قاضي المأمون غير المأمون الذي هو من أفاضل قضاتهم وأعاظم ثقاتهم وأماثل هداتهم مع العسكري عليه‌السلام وقصده الزامه وافحامه كما يعلم من المراجعة إلى كتب الخاصة والعامة ، وممن أوردها منهم ابن حجر المكي المتأخر المتعصب الباهت في الصواعق.

ومنها : أنها تدل على أنه من الصادّين عن سبيل الله ، اذ لا يخلو الأمر في الواقع من أن يكون معتقداً في حق الإمام عليه السلام أنه يدعو الناس والعياذ بالله إلى غير

٦٣

دين الله ويرشدهم إلى غير أحكام الله ، فأراد صرف قلوبهم عنه فهو أشدّ ضلالة من النواصب والخوارج.

ويكفي في شناعة هذا الاعتقاد وضلالته وكفر صاحبه ما ملأت العامة به كتبهم ودساتيرهم وشحنوا به دفاترهم وطواميرهم أو يعتقد أنه يدعوهم إلى الحق المبين ومع ذلك أراد صرفهم عنه فهو من الملحدين بآيات الله والصادّين عن سبيل الله أو يكون شاكاً في ذلك فكذلك وعلى كل حال لا يخرج من كونه صاداً عن دين الله على جميع التقادير الثلاثة ، إذ المدار في الصدّ على نفس الأمر ، دون الاعتقاد فيصير مصداقاً لقوله تعالى «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً» (١).

ولمثل هذا ولظاهره حكم الإمام عليه‌السلام بأنه من الصادِّين ، على ما رواه ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في جامعه الكافي عن سدير ، قال : سمعت أبو جعفر عليه‌السلام وهو داخل ، وأنا خارج وأخذ بيدي ثمّ استقبل القبلة فقال : يا سدير إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار ، فيطوفوا بها ثمّ يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا ، وهو قول الله تعالى «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» (٢).

ثمّ أومئ بيده إلى صدره ، إلى ولايتنا ، ثمّ قال : يا سدير أفأراك الصادّين عن دين الله؟ ثمّ نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان ، وهم حلق في المسجد ، هؤلاء الصادّين عن دين الله بلا هدى من الله أو كتاب مبين (٣).

ومما يقضى منه العجب أن بعضهم ذكر أن أبا حنيفة استشهد في طريق

__________________

(١). ابراهيم : ٤.

(٢). طه : ٨٢.

(٣). أصول الكافي كتاب الحجة ١ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ باب : ان الواجب على الناس بعد ما تفيضون مناسكهم ان يأتوا الامام ، ح ٣.

٦٤

محبة مولانا الصادق عليه‌السلام ، قال محمود القادري في كتاب حياة الذاكرين : قيل أن رجلاً أتى أبا حنيفة رحمة الله عليه وقال : أخي توفي وأوصى بثلث ماله لإمام المسلمين ، إلى من أدفع؟

فقال له أبو حنيفة : أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانيقي وكان يبغض أبا حنيفة كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعي ، فحلف السائل كذباً أنه ما أوفى بهذا السؤال ، فقال : أبو حنيفة : ادفع الثلث إلى جعفر بن محمد الصادق فإنه هو الإمام الحق ، انتهى.

وذكر صاحب كتاب غرّة الراشدين : أن هذه الفتوى صارت سبباً لحبه ، أقول : ولا أدري كيف جمع أبو حنيفة بين هذا التصديق والاعتراف وذاك التخلف والانحراف وبين هذا الاقرار والالتزام وذاك الإعراض في جميع العقائد والأحكام وما قصده من الإفحام والإلزام.

اللهم إلّا أن يقال : لا غرو ، فقد جمع بين الإذعان بنبوة سيد المرسلين والمخالفة في أربعمائة مسألة من مسائل الدين وقد ثبت بحمد الله زندقته وكفره باعترافه.

حيث انه اذا كان من جال في قلبه أنه خير من صبي من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زنديقاً ، بمقتضى صريح ما حكى من كلامه ، فكيف حال من قصد الالزام والإفحام لأئمة الأعلام من أهل البيت عليهم‌السلام ، وبالجملة فشنائعه أكثر من أن تسطر وأشهر من أن تذكر ، وقد [...] (١)

فيها رسالة مفردة حتى أن حجة الإسلام الغزالي مع احترازه عن لعن يزيد

__________________

(١). بياض في الأصل.

٦٥

عليه لعائن الله واحتياطه وتورعه ، حكى في كتاب المنخول (١) : أن أئمة السلف والخلف يلعنون أبا حنيفة.

ولنختم هذا الأمر بكلام للناصب العنيد والمغصب الجحيد ابن روزبهان ، قال في صدر كتابه : ومن الغرائب أن هذا الرجل يعني العلامة وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر ـ صلوات الله عليهم ـ أجمعين وهم صدور ايوان الاصطفاء وبدور سماء الاجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاديح هواطل النعم ، ليوث غياض النبالة ، وغيوث رياض الأبالة ، وسباق مضامير السماحة ، وخزان نقود الرماحة ، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية ، وهم كما قلت فيهم :

__________________

(١). المنخول في الأصول : قال السبكي : إنّه ، أي الغزالي ، ألّفه في حياة أستاذه امام الحرمين ، والكتاب ردّ على أبي حنيفة نعمان ، وأول من أشار إلى أن الكتاب لا يمكن أن يكون للغزالي هو ابن حجر الهيتمي في كتابه : «الخيرات الحسان في مناقب النعمان» حيث قال :

اعلم ، أن بعض المتعصبين ممّن لم يمنح توفيقاً جاءني بكتاب منسوب للإمام الغزالي ، فيه من التعصب الفظيع والحط الشنيع على امام المسلمين وأوحد الأئمة المجتهدين أبي حنيفة رحمه‌الله ما تصم عنه الآذان.

وقال عبد الرحمن بدوي في كتابه «مؤلّفات الغزالي» : مخطوط «المنخول» في دار الكتاب المصرية ، برقم ١٨٨ ، ٦٠٠ ، وعلى صفحة العنوان : هذا كتاب المنخول في الأصول ، لحجة الإسلام الغزالي.

وقال في «الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية» : رأيت رسالة له ـ للعمادي الكردري صاحب كتاب مناقب النعمان ـ في الردّ على منخول للإمام الغزالي المشتمل على التشنيع القبيح على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. أنظر : الجواهر المضيئة ٢ : ٨٢ ، الخيرات الحسان : ٤ ، الفوائد البهية : ١٦ ، ومؤلفات الغزالي : ٧ ـ ١٦.

٦٦

شمّ المعاطس من أولاد فاطمة

علوّ رواسي طود الغر والشرف

فاقوا العرانين في نشر الندى كرما

بسمح كفّ خلا من هجنة السرف

تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت

أكتاف اكفائهم في رحبة التلف

مثل الليوث إلى الأهوال سارعة

حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف

بنو علي وصي المصطفى حقاً

أخلاف صدق نموا من أشرف السلف

وقال في موضع آخر عند ذكر العلامة رحمه‌الله : نبذاً من فضائل أهل البيت من طرق العامة ما هذا لفظه : ما ذكر من فضائل آل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد والسلام ، أمر لا ينكر فإن الإنكار على البحر برمته ، وعلى البرّ بسعته ، وعلى الشمس بنورها ، وعلى الأنوار بظهورها ، وعلى السحاب بجوده ، وعلى الملك بسجوده انكار لا يزيد المنكر إلّا الاستهزاء به ، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد وخزان معدن النبوة وحفاظ آداب الفتوّة صلوات الله وسلامه عليهم ، ثمّ ذكر قصيدة مشتملة على التسليم على النبي وآله بأسمائهم إلى خاتم الأوصياء صلوات الله عليهم.

أقول : ومن الغريب استغرابه لانتساب الإمامية إلى الأئمة الاثني عشر ، فإنه لم تكن الإمامية مع افناء أعمارهم في تتبع أحاديث الأئمة

٦٧

وأخبارهم ، المنتسبين إليهم ، فهل يجوز لجاهل أن ينسب أبا حنيفة وسفيان الثوري إليهم؟ أو ينسب مصنّفوا صحاح العامة إليهم مع انحرافهم عنهم؟

هذا أجلّهم البخاري ، قالوا في حقّه : أنه استراب في حقّ الإمام الصادق! فلم يرو له ولم يحتج بخبره ، ولم ير حديثه لائقاً بالإيداع في صحيحه السقيم ، وبالجملة فالفكر فيهم طويل والتعجب منهم غير قليل.

٦٨

الأمر الثاني : يحيى بن سعيد القطّان (١)

في بيان حال القطّان الفتّان الذي تفوّه بذلك الهذيان فتبعه البخاري ، وتوضيح أنه من سادة العامة وكبرائهم وقادتهم وعظمائهم ، وأن أئمتهم إليه ينتسبون وبه ينتمون وينتهون.

فإذا تبيّن انحرافه عن أهل البيت عليهم‌السلام ثبت انحراف عظمائهم الأعلام ، فنقول :

قال النووي في تهذيب الأسماء : يحيى بن سعيد القطّان هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري القطان ، الإمام من تابعي التابعين ، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وابن عجلان ، وسيف بن سليمان ، وهشام بن حسان ، وابن جريج ، وسعيد بن أبي عروبة ، وابن أبي ذؤيب ، والثوري ، وابن عيينة ، ومالكاً ، ومسعراً ، وشعبة ، وخلائق وغيرهم.

وروى عنه الثوري وابن عيينة ، وشعبة ، وابن مهدي ، وعفّان ، وأحمد بن

__________________

(١). طبقات ابن سعد ٧ : ٢٩٣ ، تاريخ خليفة : ٤٦٨ ، طبقات خليفة : رقم ١٩٠٩ ، التاريخ الكبير ٨ : ٢٧٦ ، التاريخ الصغير ٢ : ٢٨٣ ، الجرح والتعديل ٩ : ١٥٠ ، حلية الأولياء ٨ : ٣٨٠ ، تاريخ بغداد ١٤ : ١٣٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٣٤ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٧٥ رقم ٥٣ ، تذكرة الحفاظ ١ : ٢٩٨ ، الكاشف ٣ : ٢٥٦ ، العبر ١ : ٣٢٧ ، تهذيب التهذيب ١١ : ١٦ ، طبقات الحفاظ : ١٢٥ ، شذرات الذهب ١ : ٣٥٥.

٦٩

حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، واسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلّام ، وأبو خيثمة ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، ومسدّد ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وعمرو بن علي ، وابن مثنى ، وابن بشار ، وخلائق من الأئمة وغيرهم.

واتفقوا على امامته وجلالته ، ووفور حفظه وعلمه وصلاحه ، قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثل يحيى القطّان في كلّ أحواله.

وقال يحيى بن معين : أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ، وما رؤي يطلب جماعة قط نوى ما فاتته فيحتاج إلى طلبها.

وقال أحمد بن حنبل : يحيى القطان إليه المنتهى في الثبت بالبصرة ، وهو أثبت من وكيع ، وابن مهدي ، وأبي نعيم ، ويزيد بن هارون ، وقد روى عن خمسين شيخاً ممن روى عنهم سفيان ، قال : لم يكن في زمان يحيى مثله.

وقال أبو زرعة : هو من الثقات الحفاظ.

وقال يحيى بن معين : قال لي عبد الرحمن بن مهدي : لا ترى بعينك مثل يحيى القطان.

وقال ابن منجويه : كان يحيى القطان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً ، وفقهاً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث ، وأمعن في البحث عن الثقات ، وترك الضعفاء.

وقال بندار : كتب عبد الرحمن بن مهدي عن يحيى القطّان ثلاثين ألفاً وحفظها.

٧٠

وقال زهير : رأيت القطّان بعد وفاته وعليه قميص مكتوب بين كتفيه : بسم الله الرحمن الرحيم براءة ليحيى بن سعيد من النار ، وقال ابن سعد : توفي يحيى القطّان في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة ، وكان مولده سنة عشرين ومائة ، (١).

وقال السمعاني في الأنساب : القطّان بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة في آخرها نون ، هذه النسبة إلى بيع القطن ، والمشهور بها هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فرّوخ الأحول القطّان مولى بني تميم من أئمة أهل البصرة.

يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، وروى عنه أهل العراق ، مات يوم الأحد سنة ١٩٨ ه‍ وكان اذا قيل له في علته يعافيك الله ، قال : أحبّه اليّ أحبه إلى الله عزوجل ، وسرد جملة من الأكاذيب السابقة ، إلى أن قال : ذكر عمرو بن الفلاس : أن يحيى بن سعيد القطّان كان يختم القرآن في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة (٢).

وذكره الذهبي في الكاشف وأثنى عليه (٣) ، وحكى عن بندار : أنه قال : امام أهل زمانه يحيى القطّان (٤) ، واختلف اليه عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط ، وذكره في حاشية الكاشف واثنى عليه ببعض ما تقدم ومثله.

وذكره محمد بن حبّان في كتاب الثقات ومدحه بأمثال ما تقدم ، قال : وصلّى عليه اسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو أمير البصرة.

__________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥ رقم ٢٤٣.

(٢). الأنساب للسمعاني ٤ : ٥١٩.

(٣). الكاشف ٣ : ٢٥٦.

(٤). سير أعلام النبلاء ٩ : ١٧٧.

٧١

وذكره اليافعي في مرآة الجنان (١) ، وأثنى عليه ببعض ما ذكر ، وكذا الشيخ عبد الحق في المشكاة وغيرهم ، وقد تقدم في الأمر الثاني كلام الذهبي وثنائه عليه وعرفت في كلامه أن يحيى بن معين وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، وأبو خيثمة تلامذة القطّان ، وأن أبا زرعة وأبا حاتم والبخاري ومسلماً وأبا اسحاق الجوزجاني تلامذته.

والغرض من هذا كلّه ضعف ما أجاب به بعض متأخري العامة من أن أهل السنة ليسوا منحصرين في القطّان والبخاري حتى يثبت من انحرافهما انحرافهم ، مع أنهما ليسا بشيء في جنب العلماء الذين اعتمدوا على أقوال الأئمة الطاهرين من أهل السنّة والجماعة.

ووجوه الضعف والفساد في هذا الكلام أظهر من أن ينبّه عليه ، ولنقصر في الكلام في الوجه الأول من وجوه الطعن في البخاري على هذا المقدار وهو واف في اثبات المرام من ضلالته بانحرافه عن الإمام الصادق عليه‌السلام وعدم الاحتجاج بأخباره وعدم اخراج رواياته في كتابه ، وعدم اطمينانه بصدق لهجته والعياذ بالله.

واذ انضاف إلى ذلك ما سيأتي من وجوه القدح من كتابه من احتجاجه بروايات جماعة من الكذابين والوضاعين والخوارج ممن قدح فيهم علماء الرجال من العامة اذ دار الأمر وضوحاً وظهوراً ، وان لم يهتد به من لم يجعل الله له نوراً.

__________________

(١). مرآة الجنان لليافعي ١ : ٤٥٩.

٧٢

الأمر الثالث : اعتقاد البخاري بخلق القرآن

أنه كان قائلاً بخلق اللفظ بالقرآن وهو ضلال وبدعة عند أكثر العامة ، وكان قائلاً بأن الإيمان مخلوق ، وحال القائل به أيضاً كسابقه بل أفظع ، ولذلك أخرجوه من بخارا ، وخرج من نيسابور وتركه أبو زرعة وأبو حاتم ، وشنعا عليه (١) ، ونهى محمد بن يحيى الذهلي عن الحضور عنده ، وقال : من يحضر عنده فلا يجالسنا ولا يحضر مجلسنا ، فتركه المحدّثون وانقطع عنه المختلفون اليه ، فلمّا بلغه التشنيع الذهلي عليه قال : حمله على ذلك الحسد على ما رزقني الله من العلم ، ومع ذلك روى عن الذهلي في صحيحه ولكن باخفاء وتدليس في اسمه وسيتضح ذلك كلّه.

فإن قلت : ألستم ، يقولون : أن الرجل إذا كان فاسد العقيدة لكن كان صحيح النقل مثبتاً في خبره بحيث لا يحدّث إلّا عن ثقة يجوز الاحتجاج بخبره ويصح الاعتماد على روايته؟

وذكرتم أن جماعة من أرباب الأصول الأربعمائة وغيرها ينتحلون المذاهب الفاسدة لكن اعتمدنا على روايتهم لأنّهم رووها في حال استقامتهم ، أو لأنّهم كانوا ثقات في النقل.

واستندتم إلى ما روى في حقّ كتب بني فضّال حيث أنه سئل

__________________

(١). وقد تركه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيين عند قدومه بالري.

٧٣

العسكري عليه‌السلام عن كتبهم؟ فقال عليه‌السلام : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.

فإذن ذهب ما توحشته في اثبات كون البخاري مبدعاً هدراً ، فإنه صحيح النقل وان كان فاسد العقيدة ، على أن ما حكى من القول السابق مما وافق فيه الإمامية ، فلم تنقمونه عليه وتحكمون بفساد اعتقاده؟

فإذن ما أديتم في اثبات مدّعاكم إلى ركن شديد ، حيث لم يثبت به فساد في عقيدته ولا خلل في روايته.

قلت : لسنا نحن الآن بصدد اثبات اختلال أخباره وضعف أحاديثه ابطالاً للأمر على ما سيأتي بل بصدد اثبات فساده في نفسه واختلال عقيدته ولو على مقتضى مذهبهم حيث أن الغرض الزام العامة.

ولا شبهة في أن اثبات اختلاله على أصولهم وقواعدهم أدخل في هذا المرام مضافاً إلى فوائد أُخر ستعرفها في طي التفصيل.

منها : ثبوت حسد بعض كبرائهم على بعض وتضليل بعضهم بعضاً وتكفيره ، قبالاً لما أورده الناصب الشقي نصر الله الكابلي في الصواقع : حيث أنه من الوجوه العقلية على فساد مذهب الإمامية وعدم جواز الاعتماد على أخبارهم ، ان بعض قدمائهم وكبرائهم كهشام بن الحكم ضلّل بعض أجلائهم كهشام بن سالم ومؤمن الطاق على ما نسبه إلى النجاشي فلا يثبت بخبرهم حكم.

ونحن الآن نسرد عليك بعض ما ذكروه ممّا يتعلق بهذه الواقعة ، قال العلامة المحدّث ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ما هذا لفظه قال : حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت

٧٤

مسلم بن الحجاج يقول : لما قدم محمد بن اسماعيل نيسابور ما رأيت عالماً ولا والياً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به فاستقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث فقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن اسماعيل غداً فليستقبله فإنّي استقبله ، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد فقال : محمد بن يحيى لا تسألوه عن شيء من الكلام ، فإن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمتت بنا كلّ اباحتي وجهمي ومرجئي بخراسان.

فازدحم الناس على محمد بن اسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح فلمّا كان اليوم الثاني أو الثالث من قدومه قام رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن؟ فقال : لفظي بالقرآن مخلوق ؛ وقال بعضهم : لم يقل ، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار فاخرجوهم.

وقال ابن حجر أيضاً : قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه : قدم البخاري بنيسابور سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها مدّة يحدّث على الدوام ، قال سمعت محمد بن حازم البزار يقول : سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه ، قال : فذهب الناس اليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى ، قال : فتكلّم فيه ، وقال أيضاً :

وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن اسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن ، مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثاً ، فألحّ عليه ، فقال

٧٥

البخارى : القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة ، فشغب الرجل وقال : قد قال : لفظي بالقرآن مخلوق (١).

وقال أيضاً الحاكم : لما وقع بين البخاري وبين محمد بن محمد بن يحيى في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلّا مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن سلمة ، فقال الذهلي : ألا من قال باللفظ فلا يحضر مجلسنا.

وقال أيضاً : قال الحاكم أبو عبد الله : سمعت محمد بن صالح بن هاني يقول : سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : دخلت على البخاري فقلت : يا أبا عبد الله أن هذا الرجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة وقد لَجَّ في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منّا ان يكلّمه فيه فما ترى؟ قال : فقبض على لحيته ثمّ قال : «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» (٢) اللهم إنّك تعلم اني لم أرد المقام بنيسابور [اشراء ولا بطراً ، ولا طلباً] (٣) للرياسة وإنّما أبت نفسي إلى الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما أتاني الله لا غير ، ثمّ قال لي : يا أحمد اني خارج غداً لتختلصوا من حديثه لأجلي (٤).

وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال : لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة في مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال

__________________

(١). مقدمة فتح الباري : ٤٩١.

(٢). المؤمن : ٤٨.

(٣). ما بين المعقوفتين بياض في الأصل.

(٤). سير أعلام النبلاء ١٢ : ٤٩٥.

٧٦

الذهلي : لا يساكنني هذا الرجل في البلد ، فخشي البخاري وسافر (١).

وقال أيضاً : قال أبو حامد الشرقي (٢) سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلّم ، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن اسماعيل فاتّهموه ، فإنه لا يحضر مجلسه إلّا من كان على مذهبه (٣).

وقال تاج الدين عبد الوهاب السبكي في طبقات الشافعية في ترجمة البخاري : وقال أبو حامد الشرقي (٤) رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ويمرّ فيه البخاري مثل السهم فما أتى على هذا شهر حتى قال الذهلي : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا ، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه يتكلم في اللفظ ، ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه.

قلت : وكان البخاري على ما روى وسنحكي ما فيه ممن قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال محمد بن يحيى الذهلي من زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلّم ، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر!

ثمّ اعلم أن علماء السنة فتحوا لتخليص البخاري من البدعة والضلالة أبواباً من صنوف الاحتيال ووقفوه بغرائب الهفوات وتكلموا بعجائب الخرافات ؛ منهم : علامتهم السبكي في الطبقات ، وحاصل جميع ما ذكره في دفع هذا الطعن وجوه ثلاثة :

__________________

(١). المصدر السابق ١٢ : ٤٦٠ عن مقدمة فتح الباري : ٤٩٢.

(٢). وفي «السير» الأعمشي ١٢ : ٤٥٥.

(٣). مقدمة الفتح : ٤٩١ ـ ٤٩٢.

(٤). في «السير» الأعمشي.

٧٧

الأول : أن الذهلي والبخاري كانا في هذه المسألة على رأي واحد وعقيدة متحدة اذ كيف يظن بالذهلي اعتقاد ان اللفظ الخارج من بين شفته المحدثين قديم ، وهو قول لا يشهد له معقول ولا منقول ، ومن زعمه فقد باء باثم عظيم.

وإنّما أراد الذهلي النهي عن الخوض في مسائل الكلام والافصاح بهذا القول خشية أن يجرّ الكلام إلى ما لا ينبغي كما أن نهي الإمام أحمد بن حنبل أيضاً عن القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق منزّل على ما ذكر.

وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك عند الاحتياج فالكلام عند الاحتياج واجب والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة ، وكيف يظن بالبخاري أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة فضلاً عن الجهمية؟

وقد صح عنه أنه قال : إنّي لاستجهل من لا يكفر الجهمية ، ومع ذلك فقد حكم الذهبي برجوع كلام البخاري إلى قول الجهمية وهم شر من المعتزلة.

الثاني : أن الذهلي حمله الحسد على الوقيعة في البخاري! قال : ولا يرتاب المنصف في أن الذهلي لحقه الحسد التي لم يسلم منها إلّا أهل العصمة وقد سأل بعضهم البخاري عما وقع بينه وبين الذهلي فقال البخاري : كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء.

الثالث : أن البخاري ما افصح بهذا القول فإنه قد ثبت أنه لما قال له أبو عمرو الخفاف أن الناس قد خاضوا في قولك : «لفظي بالقرآن مخلوق» قال : يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمدان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله إلّا أني قلت : أفعال العباد مخلوقة ، قال يعني اني ما

٧٨

قلت ذلك الكلام لأنه خوض في صفات الله ولا ينبغي الّا للضرورة ولكني قلت : أفعال العباد مخلوقة وهو قاعدة مغنية عن التخصيص في هذه المسألة بالذكر ، فان كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة ، ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه ، رواها حاتم بن أحمد الكيدري ، فقال : سمعت مسلم بن الحجاج إلى آخر ما تقدم في كلام ابن حجر (١).

أقول : وفساد هذه الوجوه مما لا يخفى على ذي مسكة.

أما الأول : قلنا : فانه تصريح ما حكى عن الذهلي أنه قال : من ذهب إلى محمد بن اسماعيل فاتهموه ، فانه لا يحضر مجلسه الّا من كان على مذهبه ، وهل يمكن صرف هذا الكلام إلى ما هجر به السبكي؟

مضافاً إلى ما هو صريح سائر الكلمات المتقدمة المنقولة عن الذهلي من تضليل البخاري والحكم بانه مبتدع والنهي عن الحضور عنده وغير ذلك ، وكذا ما تقدم منه سابقاً من استناده إلى ما كتبوا اليه من بغداد.

وأما الثاني : ففيه أولاً : أنه ينافي ظاهر ما حكى عن الذهلي من ترويجه للبخاري وأمر الناس باستقباله عند قدومه ، ثمّ أمرهم بالسماع منه ووصفه بالرجل الصالح ، ونهيه الناس عن السؤال منه في الكلام ، لئلا يقع بينه وبين معاشرته معه باحسن ما يكون ، حتى ظهر من البخاري ما ظهر.

وكتبوا إلى الذهلي من بغداد ما كتبوا ؛ ولو كان الذهلي حسوداً لما وقع منه بعض هذا الامور! بل كان يأمر بالسؤال عنه في الكلام حتى لا يقبل أحد اليه مع أنه نهى عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عنه في الكلام كما تقدم ، مضافاً إلى ما ذكروا

__________________

(١). طبقات الشافعية ٢ : ٢٢٨.

٧٩

في حق الذهلي من المحامد العظيمة والمناقب الفخيمة ، وأنه من أجلة شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة والنسائي أصحاب الصحاح كما في تراجم الحفاظ.

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات : محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الإمام الذهلي مولاهم النيسابوري الحافظ ، سمع من خلق كثير روى عنه الجماعة خلا مسلم.

قال : ارتحلت ثلاث رحلات وانفقت مائة وخمسين ألفاً.

قال النسائي : ثقة مأمون ، قال أبو عمرو الخفاف : رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ، قلت : ما فعل بحديثك؟ قال : كتب بماء الذهب ورفع في عليين.

وقال الذهبي في الكاشف : محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبد الله النيسابوري الحافظ ، عن ابن مهدي وعبد الرزاق وأحمد واسحاق وعنه (خ) أي البخاري ، والأربعة ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة ، وأبو علي الميداني.

ولا يكاد البخاري يفصح باسمه لما وقع بينهما! قال ابن أبي داود : حدّثنا محمد بن يحيى وكان أمير المؤمنين في الحديث.

وقال أبو حاتم : هو امام أهل زمانه توفي ٢٥٨ ه‍ وله ستّ وثمانون.

وفي حاشية الكاشف روى عنه (خ) البخاري في صحيحه ، فتارة يقول : حدّثنا محمد فلا ينسبه ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن خالد فينسبه الى جدّ أبيه ولم يقل في موضع

٨٠