إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

ويأسرونهم ، ثم لمّا انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل : قتلت وأسرت). انتهى. كما هو في البيضاوي فقوله : «فأتاه جبريل عليه‌السلام وقال له : خذ قبضة من تراب» يدلّ دلالة واضحة على أنه كان خارقا للعادة. فبعد تسليم الحديث لا يمكن إنكار إلّا من الذي يكون قصده العناد والاعتساف ، ويكون إنكار الحق قصدا بمنزلة الأمر الطبيعي له.

القول الثامن عشر : في الصفحة ٢٧٥ في الفصل الخامس من الباب الثالث هكذا : اعلم أن عشرة أشخاص أو اثني عشر نفرا فقط آمنوا بمحمد بعد ثلاث سنين. وفي السنة الثالثة عشر التي هي السنة الأولى من الهجرة كان مائة شخص من أهل مكة وخمسة وسبعون شخصا من أهل المدينة آمنوا به». انتهى. وهذا غلط. يكفي في ردّه قول القسّيس سيل مترجم القرآن وانقل قوله عن النسخة المطبوعة سنة ١٨٥٠ : «قلّما يخرج بيت من بيوت المدينة أن لا يوجد فيه مسلم من أهله قبل الهجرة». ثم قال : «ومن قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط فقوله تهمة صرفة لأن بلادا كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف أيضا وشاع فيها الإسلام». انتهى. وأسلم أبو ذرّ رضي الله عنه وأنيس أخوه وأمهما في أول الإسلام ، فلما رجعوا أسلم نصف قبيلة غفار بدعوة أبي ذرّ. وهاجر في السنة السابعة من النبوّة من مكة إلى الحبشة ثلاثة وثمانون رجلا وثماني عشرة امرأة ، وقد بقي في مكة أناس أيضا من المسلمين. وقد أسلم نحو عشرين رجلا من نصارى نجران ، وكذا أسلم ضماد الأزدي قبل السنة العاشرة من النبوّة. وقد أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي قبل الهجرة وكان شريفا مطاعا في قومه وأسلم أبوه وأمه بدعوته بعد ما رجع إلى قومه. وقد أسلم قبل الهجرة قبيلة بني الأشهل في المدينة المنوّرة في يوم واحد ببركة وعظ مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه ما بقي منها رجل ولا امرأة إلّا أسلم ، غير عمرو بن ثابت فإنه تأخّر إسلامه إلى غزوة أحد. وبعد إسلامهم كان مصعب رضي الله عنه يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلّا فيها رجال ونساء مسلمون ، إلّا ما كان من سكان عوالي المدينة ، أي قراها من جهة نجد. ولمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة أسلم بريدة الأسلمي مع سبعين رجلا من قومه في طريق المدينة طائعين. وقد أسلم النجاشي ملك الحبشة قبل الهجرة. ووفد قبل الهجرة أبو هند وتميم ونعيم وأربعة آخرون من الشام وأسلموا. وهكذا أسلم آخرون.

القول التاسع عشر : في الصفحة ٢٧٩ في الفصل الخامس من الباب الثالث قال القسّيس النبيل : أولا : «إن أبا بكر رضي الله عنه عيّن أحد عشر رئيسا على العسكر ، وأعطى لكل كتاب الحكم ليقرأ على الكفّار» ، ثم نقل أنه كان من جملة أحكام الكتاب المذكور هذا الحكم أيضا (لا يرحمون) أي رؤساء العسكر (على المنحرفين بوجه ما ، بل يحرقونهم في

٢١

النار ويقتلونهم بكل طريق). وهذا أيضا غلط. نقل في روضة الصفاء وصيّة أبي بكر رضي الله عنه لرؤساء العسكر هكذا : (سران سباه را وصيت فرمود كه خيانت نكنيد وييرامن غدر ديد وطفلان وپيران وزنان را نكشيد وأشجار مثمرة را قطع نفرماييد ورهابين را كه در كنايس وصوامع بعبادات باري تعالى اشتغالي داشته باشند تعرض نرسانيد). انتهى. لا بدّ من أن ينقل القسّيس النبيل عن تاريخ من التواريخ المعتبرة لأهل الإسلام أن أبا بكر رضي الله عنه كان أمرهم أن يحرقوا الكفّار في النار.

القول العشرون : في الصفحة ٨٠ في الفصل الخامس من الباب الثالث : «لمّا استقرّت الخلافة على عمر رضي الله عنه أرسل عسكر العرب إلى إيران وأمر بأن أهل إيران إن قبلوا الدين المحمدي بالحسن والرضا فيها ، وإلّا فاجعلوهم معتقدين للقرآن وتابعين لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبرا وإكراها». وهذا أيضا غلط فاحش وكذب محض ما أمر عمر رضي الله عنه أن يدخل أهل إيران بالجبر والإكراه في الملّة الإسلامية. ألا يرى هذا النبيل أن عمر رضي الله عنه حضر بنفسه الشريفة في غزوة بيت المقدس ، فلما تسلّط وفتح ما جبر على أحد من أهل التثليث ، وما أكرههم على قبول الملّة الإسلامية ، بل أعطاهم شروطا جليلة وما نزع كنيسة من كنائسهم وعاملهم معاملة جميلة مدحه عليها المفسّر طامس نيوتن ، كما ستطّلع على عبارته في الفصل الثالث من الباب الأول.

القول الحادي والعشرون : في الصفحة ٢١٠ في الفصل الثالث من الباب الثالث هكذا : «ذهب محمد قبل ادّعاء النبوّة إلى الشام بإرادة التجارة مع عمّه أبي طالب ثم ذهب إليها منفردا مرّات». انتهى. وهذا أيضا غلط. لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذهب إلى الشام أوّلا مع عمّه وكان ابن تسع سنين على الراجح ، ثم ذهب إليها ثانيا مع ميسرة غلام خديجة. وكان على قول جمهور العلماء ابن خمسة وعشرين سنة. ولم يثبت ذهابه إلى الشام قبل النبوّة أزيد من هاتين المرّتين. فجعل هذا القسّيس ذهابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم منفردا في المرة الواحدة مرّات.

القول الثاني والعشرون : في الفصل الرابع من الباب الثالث في الصفحة ٢٤٣ هكذا : (وهذه الآية) أي معجزة يونس النبي التي وعد بها المسيح اليهود وهي مذكورة في الباب الثاني عشر من إنجيل متّى (قد وصلت إليهم) أي اليهود (وقت قيام المسيح). وهذا غلط أيضا. لأن المعجزة الموعودة ما كانت وقت قيامه بعد الموت مطلقا ، بل كانت موعودة هكذا أن المسيح يبقى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال وبعدها يقوم وهذه لم تصل إلى اليهود ، كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول في بيان الغلط الستّين.

القول الثالث والعشرون : في الصفحة ٢٥٣ في الفصل الرابع من الباب الثالث

٢٢

هكذا : «لا يخفى أن معجزات المسيح حرّرها الحواريّون الذين كانوا كل وقت مع المسيح ورأوها بأعينهم». وهذا غلط ومخالف لكلامه في حلّ الإشكال ، كما ستعرف في بيان القول الرابع والخامس من حلّ الإشكال المذكور.

القول الرابع والعشرون : في الصفحة ٢٨٣ في الفصل الخامس من الباب الثالث : «من ارتدّ عن الملّة المحمدية يقتلونه بحكم القرآن في غاية الوضوح والظهور. إن الحقيّة والحقيقة لا يثبتان بضرب السيف ، ويستحيل أن يوصل الإنسان بالجبر والإكراه إلى مرتبة يؤمن بالله بالقلب ويحبّ الله بالقلب كافّا يده عن الأفعال الذميمة ، بل الجبر والظلم يمنعان إطاعة الله وإيمانه». أقول هذا الطعن يقع على التوراة بأشنع وجه في الآية العشرين من الباب الثاني والعشرين من كتاب الخروج : (من يذبح للأوثان فليقتل) ، وفي الباب الثاني والثلاثين من كتاب الخروج أنه أمر موسى عليه‌السلام بحكم الله لبني لاوي أن يقتلوا عبدة العجل فقتلوا ثلاثة وعشرين ألف رجل. وفي الآية الثانية من الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج في حكم السبت : (من عمل فيه عملا فليقتل ، وأخذ رجل إسرائيلي كان يلقط حطبا يوم السبت فأمر موسى عليه‌السلام بحكم الله برجمه فرجمه بنو إسرائيل) ، كما هو مصرّح في الباب الخامس عشر من سفر العدد. وفي الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء أنه لو دعا نبيّ إلى عبادة غير الله يقتل وإن كان ذا معجزات عظيمة. وكذا : لو رغب أحد من غير الأنبياء إليها يرجم وإن كان هذا الداعي قريبا أو صديقا ولا يرحم عليه. وكذا : لو ارتدّ أهل قرية فلا بدّ أن يقتل جميع أهل القرية وتقتل دوابّها وتحرق القرية ومتاعها وأموالها وتجعل تلّا ثم لا تبنى إلى الدهر. وفي الباب السابع عشر من سفر الاستثناء أنه لو ثبت على أحد عبادة غير الله يرجم ، رجلا كان أو امرأة. وهذه التشدّدات لا توجد في القرآن فالعجب من هذا القسّيس المتعصّب أن التوراة لا يلحقه عيب ما بهذه التشدّدات وأن القرآن يكون معيبا. وفي الباب الثامن عشر من سفر الملوك الأول أن إيليا ذبح في وادي قيشون أربعمائة وخمسين رجلا من الذين كانوا يدّعون نبوّة البعل. فيلزم على قول القسّيس النبيل أن موسى وإيليا عليهما‌السلام ، بل الله عزوجل ، ما كان لهم علم بهذا الأمر الذي هو في غاية الوضوح والظهور عنده ، ويكونوا والعياذ بالله حمقاء أغبياء بحيث يخفى عليهم الأمر البديهي الذي هو من أجلى البديهيات عند هذا الذكي. لكني أقول له إن مقدس أهل التثليث بولس في الآية الخامسة والعشرين من الباب الأول من رسالته الأولى إلى أهل قورنيثوس يعتقد هكذا : «أن حماقة الله أعقل من الناس ، وضعف الله أشدّ قوّة من الناس». فعلى اعتقاد مقدس أهل التثليث حماقة الله ، والعياذ بالله ، أحكم من الرأي الذي بدا لهذا القسّيس النبيل. فما ظهر له غير مقبول في مقابلة حكم الله. هذه الأقوال المذكورة نقلتها من النسخة الجديدة على سبيل الأنموذج ، وآخذ من الأقوال

٢٣

الباقية في كتابي هذا في كل موضع ما يناسبه منها إن شاء الله تعالى. وقال هذا القسّيس النبيل في الصفحة ٢٥٢ من ميزان الحق القديم المنسوخ الآن : «إن بعض المفسّرين منهم القاضي البيضاوي وغيره قالوا إن انشقّ في قوله تعالى اقتربت الساعة وانشقّ القمر بمعنى سينشقّ». فلما كان هذا غلطا ، ونقل القاضي والكشاف هذا القول عن البعض ، ثم ردّا عليه ، اعترض عليه الفاضل الذكي آل حسن في الاستفسار ، وقال : إن هذا غلط من القسّيس أو تغليط للعوامّ. فحرّف القسّيس النبيل عبارته في النسخة الجديدة.

أما وقد عرفت حال قولين من أقواله المندرجة في كتاب حلّ الإشكال في بيان القول الخامس والحادي عشر ، فبقي سبعة أقوال من التي أردت إيرادها بطريق الأنموذج هاهنا. فأقول القول الثالث في الصفحة ١٠٥ : «ونحن لا نقول إن الله ثلاثة أشخاص أو شخص واحد بل نقول بثلاثة أقانيم في الوحدة بين الأقانيم الثلاثة وثلاثة أشخاص بعد السماء والأرض». وهذه مغالطة صرفة. لأن الوجود لا يمكن أن يوجد بدون التشخيص. فإذا فرض أن الأقانيم موجودون وممتازون بالامتياز الحقيقي ، كما صرّح هو بنفسه في كتبه ، فالقول بوجود الأقانيم الثلاثة هو بعينه القول بوجود الأشخاص الثلاثة. على أنه وقع في الصفحة ٢٩ و ٣٠ من كتاب الصلوات ، الذي هو رائج في كنيسة إنكلترة التي رجع إليها هذا القسّيس في آخر عمره بعد ما كان متمذهبا على طريقة كنيسة لوطرين ، وطبع هذا الكتاب في لسان أردو في لندن في مطبع رجرد واطس سنة ١٨١٨ ، هكذا : (أي مقدس أور مبارك أور عاليشان تينون جوايك وهو يعني تبيّن شخص أورايك خداهم يرشان كنهكارون يررحم كر) يعني : «أيها الثلاثة المقدّسون والمباركون والعالون منزلة الذين هم واحد يعني ثلاثة أشخاص وإلها واحدا أرحنا المنتشرين المذنبين». فوقع فيه لفظ (ثلاثة أشخاص) صريحا.

القول الرابع : في الصفحة ١٢١ : «نعم ظن بعض العلماء في حق إنجيل متّى فقط أنه لعله كان باللسان العبراني أو العرامائي ، ثم ترجم في اليوناني. لكن الغالب أن هذا أيضا كتبه متّى الحواري باللسان اليوناني». انتهى. فقوله : (ظن بعض العلماء) وكذا قوله : (لكن الغالب) غلطان يقينا ، كما ستعرف مفضّلا في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني. ولا بدّ أن ينظر إلى ثلاثة ألفاظ من ألفاظه في هذه العبارة : الأول ظن بعض العلماء ، والثاني لفظ لعل ، والثالث لفظ الغالب ، فإنها تدلّ دلالة صريحة على أنه لا يوجد عندهم سند متّصل بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون.

القول الخامس : في الصفحة ١٤٥ : «وهذا حق أن الإنجيل الثاني والثالث يعني إنجيل مرقس ولوقا ليسا من الحواريين». ثم قال في الصفحة ١٤٦ : «بيّن في مواضع كثيرة

٢٤

من الكتب القديمة المسيحية كلها ، وثبت في كتب الإسناد بأدلة كثيرة أن الإنجيل الموجود الآن يعني مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون ، وهو بعينه الذي كان في الأول ، وما كان غيره في زمان ما». انتهى. انظروا إلى تهافت أقوال الثلاثة التي نقلتها في القول السابق وهذا القول ، لأنه يعلم من السابق أنه لا يوجد سند متّصل لهذا الأمر أن الإنجيل الأول الموجود الآن كتبه فلان ، وكان باللسان الفلاني وأيّ شخص ترجمه ، ويعلم من القول الثالث أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون. وهذا الأمر ثابت بأدلّة كثيرة في كتب الإسناد ومبيّن في الكتب القديمة المسيحية كلها. ولأنه قد أقرّ في القول الثاني من هذه الأقوال الثلاثة أن الإنجيل الثاني والثالث ما كتبهما الحواريون ، ويدّعي في القول الثالث من الأقوال الثلاثة أن مجموع العهد الجديد كتبه الحواريون ، ولأنه قد أقرّ في القول السابق أن بعض العلماء ظن أن إنجيل متّى لعله كان باللسان العبراني أو العرامائي ، وادّعى في القول الأخير أن هذا المجموع هو بعينه ما كان في الأول. وستعرف في الفصل الثاني من الباب الأول أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا والرسالة العبرانية والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا إسنادها إلى الحواريين بلا حجّة ، وكانت مشكوكة إلى سنة ٣٦٣. ومشاهدات يوحنّا كان مشكوكا إلى سنة ٣٩٧ ، وأبقاه محفل نائس ومحفل لوديسيا مشكوكا أيضا ومردودا وما قبلوه ، والكنائس السريانية تردّ من الابتداء إلى الآن الرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا والرسالتين ليوحنّا وكتاب المشاهدات ، وردّها جميع كنائس العرب أيضا. وقد أقرّ هو بنفسه في الصفحة ٣٨ و ٣٩ من المباحثة المحرّفة المطبوعة سنة ١٨٥٥ في حق الصحف المذكورة بأن هذه الصحف لم تكن منضمّة بالإنجيل في الزمان الأول ولا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا والرسالتان ليوحنا وكتاب مشاهدات يوحنّا ومن الآية الثانية إلى الآية الحادية عشرة من الباب الثاني من إنجيل يوحنّا والآية السابعة من الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنّا. ولذلك قال خليلي صاحب الاستبشار بعد نقل أقواله : (ما ذا نقول غير ان هذا القسّيس مجنون). انتهى.

القول السادس : في الصفحة ١٤٦ : «سلسوس كان من علماء الوثنيين في القرن الثاني وكتب كتابا في ردّ الملّة المسيحية وبعض أقواله موجودة إلى الآن لكنه ما كتب في موضع أن الإنجيل ليس من الحواريين». انتهى ملخّصا. أقول : هذا مخدوش بوجهين : أما أولا : فلأنه أقرّ بنفسه أن كتابه لا يوجد الآن بل بعض أقواله موجودة ، فكيف يعتقد أنه ما كتب في موضع؟ وعندي هذا الأمر قريب من الحزم بأنه كما أن علماء بروتستنت ينقلون أقوال المخالف في هذه الأزمنة ، فكذلك كان المسيحيون الذين كانوا في القرن الثالث وما بعده ينقلون أقوال المخالف ونقل أقوال سلسوس أرجن في تصنيفاته ، وكان الكذب والخداع في عهده في

٢٥

الفرقة المسيحية بمنزلة المستحبّات الدينية ، كما ستعلم إن شاء الله في القول السادس من الهداية الثالثة من الباب الثاني. وكان أرجن من الذين أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة ونسبتها إلى الحواريين والتابعين أو إلى قسّيس من القسّيسين المشهورين ، كما هو مصرّح في الحصة الثانية من الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة ١٨٤٨ لوليم ميور بلسان أردو. فأيّ اعتماد على نقل هذا المفتي ، وإني قد رأيت بعيني الأقوال الكاذبة التي نسبت إليّ في المباحثة التي طبعها القسّيس النبيل بعد التحريف التامّ في بلد أكبرآباد. ولذلك احتاج السيد عبد الله الذي كان من متعلّقي الدولة الإنكليزية ، وكان من حضّار محفل المناظرة ، وكان ضبطها بلسان أردو أولا ثم بالفارسي وطبعهما في أكبرآباد ، إلى أن كتب محضرا وزيّنه بخواتيم المعتبرين وشهاداتهم مثل قاضي القضاة محمد أسد الله والمفتي محمد رياض الدين والفاضل الأمجد علي وغيرهم من أراكين الدولة الإنكليزية وأهل البلدة. وأما ثانيا : فلأن هذا القول ليس بصحيح في نفس الأمر لأن سلسوس كان يصيح في القرن الثاني (إن المسيحيين بدّلوا أناجيلهم ثلاث مرّات أو أربع مرّات ، بل أزيد منها تبديلا كأن مضامينها أيضا بدّلت). وكذا فاستس من علماء فرقة ماني كيز كان يصيح في القرن الرابع (بأن هذا الأمر محقّق أن هذا العهد الجديد ما صنّفه المسيح ولا الحواريّون ، بل صنّفه رجل مجهول الاسم ، ونسب إلى الحواريين ورفقائهم خوفا من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانّين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغا بأن ألّف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات). انتهى. كما ستعرف في الهداية الثانية من الباب الثاني.

القول السابع : في الصفحة ١٠٥ : «ما عبد نبيّ العجل وعبده هارون فقط مرة واحدة لأجل خوف اليهود ، وهو ما كان نبيّا بل كاهنا فقط ورسول موسى». وهذا مخدوش بوجهين أيضا : أما أولا ، فلأن هذا الجواب غير تامّ لأن صاحب الاستفسار اعترض بعبادة العجل وعبادة الأوثان معا ، لكن القسّيس سكت عن الجواب عن اعتراض عبادة الأوثان وما تكلّم فيه بشيء لأنه عاجز فيه يقينا. كيف لا وان سليمان عليه‌السلام قد ارتدّ في آخر عمره وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى لها معابد ، كما هو مصرّح في الباب الحادي عشر من سفر ملوك الأول. وأما ثانيا : فلأن قوله ما كان نبيّا باطل ، كما سيجيء في بيان حال هارون عليه‌السلام في الباب السادس إن شاء الله تعالى.

القول الثامن : نقل القسّيس النبيل في الصفحة ١٢٥ قول أكستاين هكذا : «تحريف الكتب المقدسة ما كان ممكنا في زمان ما ، لأنه لو أراد أحد هذا الأمر فرضا ، علم في ذلك الوقت بالنظر إلى النسخ التي كانت موجودة بالكثرة ومشهورة من القديم وترجمت الكتب المقدسة بألسنة ، فلو غيّر وبدّل أحد فيها بسبب ما ظهر في ذلك الوقت». انتهى. هذا

٢٦

مخدوش أيضا بوجهين : الأول : أنه وقع في المجلد الأول من تفسير هنري واسكات قول أكستاين هكذا : «إن اليهود قد حرّفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين كانوا قبل زمن الطوفان وبعدها إلى زمن موسى عليه‌السلام ، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة ، ولعناد الدين المسيحي ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله وكانوا يقولون إن اليهود حرّفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من الميلاد». انتهى. فعلم منه أن أكستاين والقدماء المسيحيين كانوا يعترفون بتحريف التوراة ، ويدعون أن هذا التحريف وقع في سنة مائة وثلاثين من الميلاد. فما نقل في التفسير يخالف ما نقله القسّيس النبيل. لكن التفسير المذكور في غاية الاعتبار عند علماء بروتستنت. فالقول الذي نقله القسّيس النبيل يكون مردودا غير مقبول ، إلّا أن يكون منقولا عن الكتاب الذي يكون معتبرا زائدا من التفسير المذكور فأطلب منه تصحيح النقل فعليه أن يبيّن أنه عن أيّ كتاب معتبر نقله. والثاني : أن المخالف والموافق يناديان من القرن الثاني أن التحريف قد وقع ومحقّقوهم يعترفون بوقوع الأقسام الثلاثة للتحريف في كثير من المواضع من كتب العهد العتيق والجديد ، كما ستعرف في الباب الثاني. فأيّ ظهور أزيد من هذا ولذلك قال صاحب الاستبشار معرضا ومتعجّبا : (لا يدرى أن انكشاف التحريف عبارة عن أيّ شيء عند القسّيسين لعلّه عبارة عن أن يؤخذ المحرّف في عدالة الإنكليز ويسجن بعلّة الجعل دائما). انتهى كلامه (١).

القول التاسع : في الصفحة ١٢١ : «كتب الإنجيل بواسطة الحواريين ، كما يظهر ويثبت هذا الأمر من الإنجيل نفسه والكتب القديمة المسيحية». ثم قال : «كتب الحواريون بالإلهام قول المسيح وتعليماته وحالاته». وهذا مردود بالوجوه التي ذكرتها في بيان القول الرابع والخامس من حلّ الإشكال ، وبأن من قرأ الأناجيل يحصل له اليقين أن قول القسّيس النبيل غير صحيح ، ولا يظهر منها أصلا أن الإنجيل الفلاني كتبه فلان الحواري بالإلهام باللسان اليوناني. نعم إنه يكون اسم الإنجيل مكتوبا على ناصية كل صفحة من هذه الأناجيل من طرف الطابعين والكاتبين. وهذا ليس بحجّة ولا دليل ، لأنهم كما يكتبون اسم الإنجيل ، فكذلك يكتبون لفظ القضاة وراعوث وأستير وأيوب على ناصية كل صفحة من كتاب القضاة

__________________

(١) إن هذا القسّيس في بيان استبعاد التحريف ، يبيّن الاحتمالات التي يفهمها الجاهل معتدّة بأنه يقول من حرّف ومتى حرّف ولما ذا حرّف والألفاظ المحرّفة ما ذا. فأخبرنا أسلافه ، شكر الله سعيهم ، في هذا الباب بأن المحرّفين للتوراة اليهود زمان التحريف سنة مائة وثلاثين من الميلاد. والباعث على التحريف عناد الدين المسيحي وجعل الترجمة اليونانية غير معتبرة. ومن بعض الألفاظ المحرّفة الألفاظ التي فيها بيان زمان الأكابر ولا يضرّ ادّعاؤهم شهادة المسيح في حق التوراة بعد تسليمها أيضا لأنهم يدّعون بعد مدة من عروج المسيح وليس هؤلاء ثلاثة أو أربعة بل هم الجمهور من القدماء المسيحيين.

٢٧

وكتاب راعوث وكتاب أستير وكتاب أيوب. فكما أن الثاني لا يدلّ على أن هذه الكتب من تصنيف هؤلاء المنسوب إليهم ، فكذلك لا يدلّ الأول. فصدور أمثال هذه الإفادات عنه سبب التعجّب لعلماء الإسلام. ويصدر في بعض الأحيان بسبب ضيق الصدر عن قلم البعض لفظ لا يناسب شأنه ، كما قال صاحب الاستبشار في هذا الموضع بعد ما ردّ قوله : «ما رأينا قسّيسا من القسّيسين كاذبا غير مبال بالقول الكذب مثل القسّيس فندر». انتهى. ولمّا كان نقل أقواله مفضيا إلى التطويل المملّ ، فالأولى أن أتركه وأكتفي على هذا القدر.

وإذ نبّهت على هذه العادة فاستحسن أن أنبّه أيضا على العادتين الأخريين لتحصل للناظر بصيرة.

فمن عاداته أيضا أنه يأخذ الكلمات التي تصدر عن قلم المخالف بمقتضى البشرية في حقه أو في حق أهل مذهبه ، ولا تكون مناسبة لمنصبه أو لمنصب أهل ملّته في زعمه ، فيشكر عليها ويجعل الخردلة جبلا ولا يلتفت إلى ما يصدر عن قلمه في حق المخالف. وإني متحيّر لا أعلم أن سببه ما ذا. أيفهم أن أية كلمة ، قبيحة كانت أو حسنة ، إذا صدرت عن لسانه أو قلمه تكون حسنة وفي محلها؟ وإذا صدر مثلها عن المخالف يكون قبيحا وفي غير محله؟ وأنقل بعض أقواله. قال القسّيس النبيل في حق الفاضل هادي علي مصنّف كشف الأستار الذي هو ردّ مفتاح الأسرار في الصفحة الأولى من حلّ الإشكال : إنه يصدق في حق هذا المصنّف قول بولس ، ثم نقل قوله. وفي هذا القول وقعت هذه الجملة أيضا (إله هذا الدهر قد أعمى أذهان الكافرين) فأطلق عليه لفظ الكافر. وفي الصفحة ٢ : (غمض المصنّف لأجل التعصّب قصدا عين الإنصاف). وفي الصفحة الثالثة : (كان مقصوده ومطلبه النزاع البحت والتعصّب الصرف). وفي الصفحة الرابعة : (الكتاب كله مملوء من الاعتراضات الباطلة والدعاوى المهملة والمطاعن غير المناسبة). ثم قال في الصفحة المذكورة : (الكتاب المذكور مملوء من الخلاف والباطل). وفي الصفحة ١٩ : (ظن المصنّف لأجل التكبّر). وفي الصفحة ٢٤ : (هذا تكبّر محض وكفر رحمه‌الله الرحمن الرحيم وأخرجه عن شبكة غواية الفهم). وفي الصفحة ٢٥ : (هذا ليس دليل قلّة علمه وجهله فقط ، بل هو دليل سوء فهمه وتعصّبه أيضا). ثم قال في تلك الصفحة : (الظاهر أنّ التكبّر والتعصّب جعل المصنّف مسلوب الفهم وغمّضا عين عقله وعدله). وفي الصفحة ٣٨ : (ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا). أيضا وفي الصفحة ٤٢ : (ينزل منظرته الحمراء). ثم قال في تلك الصفحة : (وهذا القول كله باطل وعاطل). وفي الصفحة ٥٠ : (هذا عين التكبّر والكفر). ثم قال في تلك الصفحة : (امتلأ قلب المصنّف من التكبّر والعجب هكذا). ثم قال في تلك الصفحة : (هذا عين الجهل وانتهاء التكبّر). وفي الصفحة ٥٥ : (هذا يدلّ على عدم اطّلاعه

٢٨

رأسا وتعصّبه). وفي الصفحة ٥٦ : (بيانه ساقط عن الاعتبار وباطل محض وعاطل). ثم قال في تلك الصفحة : (هذا انتهاء التعصّب والكفر). وفي الصفحة ٨٧ : (الأمر الذي جعل العقل حاكما غير معقول محض وحيلة وحوالة). هذه الألفاظ كلها في حق الفاضل السيد هادي علي الذي كان سلطان لكهنو يعظّمه أيضا. وأما الألفاظ التي كتب في حق الفاضل الذكي آل حسن صاحب الاستفسار فمنها في الصفحة ١١٧ من حلّ الإشكال : (هو يكون في الفهم أنقص من الوثني قائد الملّة وفي الكفر أزيد من هؤلاء اليهود). وفي الصفحة ١١٨ : (فالآن جناب الفاضل يكتب في الصفحة ٥٩٢ من غاية الكفر وعدم المبالاة). وفي الصفحة ١٢٠ : (الإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلب جناب الفاضل). وكتب في آخر مكاتيبه في حق الفاضل الممدوح لفظ الفرار. وهذا اللفظ أيضا قبيح عنده يشكر منه لو صدر عن الغير في حقه. وإن قال هذا القسّيس : إني قلت هذه الألفاظ في حق الفاضل الممدوح لأنه صدر عن قلمه ألفاظ غير ملائمة في حق الأنبياء الإسرائيلية عليهم‌السلام ، قلت : هذا تغليط محض ، لأن الفاضل الممدوح قد صرّح في مواضع كثيرة من كتابه أنه أورد هذه الألفاظ في الدلائل الإلزامية في مقابلة تقريرات القسّيسين وإيراداتهم ، إلزاما أنه يلزم عليكم هكذا أيضا ، وهو بريء من سوء الاعتقاد بالنسبة إلى الأنبياء عليهم‌السلام ومن شاء فليرجع إلى كتابه فيجد ما قلت له في الصفحة ٨ و ١٧٧ و ٥٥٨ و ٥٩٤ و ٦٠٤ وغيرها من النسخة المطبوعة سنة ١٨٦١ من الميلاد وفي الصفحة ٨٩ من حلّ الإشكال في حق جميع أهل الإسلام (المحمديون معتقدون بالوسوسة العظيمة والأقوال الباطلة الكثيرة).

ووقعت بين هذا القسّيس النبيل وبين الحكيم الفطين المكرّم محمد وزير خان ، بعد رجوعي إلى دهلي ، مناظرة تحريرية ، وطبعت هذه المناظرة سنة ١٨٥٤ من الميلاد في أكبرآباد ، فكتب القسّيس النبيل إليه في المكتوب الثاني الذي كتبه ٢٩ مايس سنة ١٨٥٤ هكذا : «لعل جنابكم أيضا داخلون في زمرتهم ـ أي زمرة الدهريين ـ كما يوجد في الملّة الإسلامية أناس هم محمديّون في الظاهر ودهريّون في الباطن». فكتب الحكيم الممدوح في جوابه أمورا منها هذان الأمران أيضا : «قد اعترفتم في المجمع العامّ أن أحكام التوراة منسوخة ، وسلّمتم في المجتمع المذكور التحريف في سبعة أو ثمانية مواضع ، واعترفتم في ثلاثين أو أربعين ألف موضع في النسخ المتعدّدة بسهو الكاتب الذي دخلت بسببه الفقرات من الحاشية في المتن وخرجت الفقرات الكثيرة منه وبدّلت الفقرات. فأيّ مانع أن يقال لأجل ذلك لكم إنكم تعتقدون قلبا أن الدين العيسوي باطل؟ وتعلمون أيضا أن كتبكم المقدسة منسوخة ومحرّفة ولا اعتبار لها عندكم أصلا ، لكنكم لأجل الطمع الدنيوي فقط متمذهبون بهذا المذهب في الظاهر وحامون لهذه الكتب المحرّفة ، أو يظن لأجل أنكم كنتم من مريدي

٢٩

كنيسة لوتيرين مدة حياتكم وصرتم من عدّة أشهر إلى كنيسة إنكلترة أن سببه أيضا هو الطمع الدنياوي ، لأن عزمكم أن تستوطنوا إنكلترة كما سمعت من رفيقكم القلبي أيضا ـ أي القسّيس فرنج ـ أو أن سببه أمر منزلي» يعني أن زوجة القسّيس النبيل كانت من كنيسة إنكلترة. فبدّل القسّيس النبيل مذهبه لأجل استرضاء خاطرها ، كما ظهر لي من بيان الحكيم الممدوح أن مرادي بالأمر المنزلي هذا. انتهى كلامه. فانظر إلى حركته ، قال أمرا وسمع أمورا ، والوجهان اللذان كتبهما الحكيم الممدوح في تبديل المذهب ما أنكر عليهما في الجواب. ولو كان تبديل المذهب لأجل أحد هذين الأمرين فلا شك أنه قبيح جدّا. أو الأمر الآخر غيرهما لم يسمع ، لكن هذا الأمر خارج عن البحث الذي أنا فيه ، فأترك وأرجع إلى ما كنت في نقل عادته فأقول : هذا ما كتب القسّيس في حق معاصريه من علماء الهند. وأما ما كتب في الصفحة ١٣٩ من حلّ الإشكال وآخر مكاتيبه وفي ميزان الحق وفي طريق الحياة في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي حق القرآن والحديث لا يرضي قلمي وقلبي بإظهارها ، وإن لم يكن نقل الكفر كفرا. ولمّا وقعت المناظرة التحريرية بينه وبين صاحب الاستفسار سنة ١٨٤٤ ، فكتب صاحب الاستفسار إليه في مكتوبه الثاني لقبول أربعة شروط في المناظرة ، وكان الشرط الأول منها هذا : «يذكر اسم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لقبه بلفظ التعظيم وإن لم يكن هذا الأمر منظورا لكم فاكتبوا هكذا نبيّكم أو نبيّ المسلمين وصيغ الأفعال أو الضمائر التي ترجع إلى جنابه الشريف تكون على صيغ الجمع كما هو عادة أهل لسان أردو وإلّا لا نقدر على التكلّم ويحصل لنا الملال في الغاية». انتهى. فكتب هذا القسّيس في جوابه في مكتوبه الذي كتبه في ٢٩ تموز سنة ١٨٤٤ هكذا : «فاعلموا أننا معذورون في ذكر نبيّكم بالتعظيم أو بإيراد الأفعال والضمائر في صورة الجمع. هذا الأمر غير ممكن منّا ، لكنّا لا نكتب باللّقب السوء أيضا ، بل أكتب نبيّكم أو نبيّ المسلمين أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقط. مثل أن أقول قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقول في موضع يكون مقتضى الكلام محمد ليس برسول أو كاذب. لكنكم لا تظنون من هذه الألفاظ ان مقصودنا منها إيذاؤكم ، بل الأمر هذا ان محمدا لمّا لم يكن نبيّا حقّا عندنا فإظهار هذا الأمر واجب علينا». ثم كتب في مكتوبه الذي كتبه في ٣١ تموز سنة ١٨٤٤ : «من المحال أن يذكر اسم محمد بإيراد الأفعال أو الضمائر على صيغ الجمع». انتهى. وطلبت منه أيضا في مكتوبي الذي كتبت إليه في ١٦ نيسان سنة ١٨٥٤ في هذا الباب ، فكتب في جوابه في ١٨ نيسان سنة ١٨٥٤ كما كتب إلى صاحب الاستفسار.

إذا عرفت هذا فأقول : إن علماء الإسلام يعتقدون في حقه ما يعتقده في حقهم ، ويعتقدون في حقه وحق علماء ملّته أزيد مما يعتقده في حق نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلو صدر عن عالم من علماء الإسلام على وفق أقواله بلا زيادة ونقصان في حقه هكذا أنه يصدق في حقه قول بولس

٣٠

إن إله الدهر قد أعمى قلوب الكافرين ، وهو غمض عين الإنصاف قصدا لأجل التعصّب. وكان مقصوده ومطلبه النزاع البحت والتعصّب ، والظن لأجل التكبّر. والظاهر أن التكبّر والتعصّب جعلاه مسلوب الفهم ، وغمّضا عين عقله وعدله. ومع قطع النظر عن المقالات الباطلة الأخرى قال هذا أيضا. امتلأ قلبه من التكبّر والتعصّب هكذا ، وهو في الفهم أنقص من الوثني ، وفي الكفر أزيد من اليهود ، ويكتب من غاية عدم المبالاة والكفر ، والإنصاف والإيمان كلاهما غائبان عن قلبه ، وداخل في زمرة الدهريين وفار. وكذا لو صدر في حق كتابه ميزان الحق لأجل اشتماله على المغالطات الصّرفة والسفسطيات المحضة والدعاوي الغير الصحيحة والبراهين الضعيفة ، هكذا ان كل مملوء من الاعتراضات الباطلة ومملوء من الخلاف والباطل والدعاوى المهملة والمطاعن الغير المناسبة. وكذا لو صدر في حق تقريره الذي صدر عنه في حق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو القرآن أو الحديث ، إن هذا تكبّر محض وكفر. رحمه‌الله وأخرجه عن شبكة غواية الفهم ، وهذا ليس دليل قلّة علمه وجهله فقط ، بل هو دليل سوء فهمه وتعصّبه أيضا. وهذا كله باطل وعاطل ، وهذا عين التكبّر والكفر ، وهذا عين الجهل وانتهاء التكبّر ، وهذا يدلّ على عدم اطّلاعه رأسا وتعصّبه ، وساقط عن الاعتبار وباطل محض ، وعاطل ، وانتهاء التعصّب والكفر ، وغير مقبول محض وحيلة وحوالة ، فالتفوّه بهذه الأقوال ، أيجوز لهذا العالم في زعم القسّيس النبيل أم لا؟ فإن جاز فلا بدّ أن لا يشكو هذا القسّيس على أمثال هذه الألفاظ ، وإن لم يجز فكيف يتفوّه بها؟ والعجب كل العجب من إنصافه ، أن يكون هو معذورا في تحريرها ، ويكون العالم الإسلامي ملوما غير معذور. فالمرجو منه أن يعلم أن العالم الذي يصدر عن قلمه لفظ بالنسبة إليه أو إلى علمائه في موضع يكون مقتضى الكلام ، ليس مقصوده إيذاءه أو إيذاء أهل ملّته ، بل سببه إظهار ما هو الحق عند هذا العالم ، أو جزاء لقوله أو لقول علمائه ، كما قيل : كلّ يحصد ما زرع ، ويجزى بما صنع.

كما أنّه من عاداته أنه يترجم الآيات القرآنية ويفسّرها تارة على رأيه ليعترض عليها في زعمه ، ويدّعي أن التفسير الصحيح والترجمة الصحيحة ما ترجمت به وما فسّرت به ، لا ما صدر عن علماء الإسلام ومفسّري القرآن ، ويبيّن كماله على العوّام. بعض قواعد التفسير مثلا بيّن في الصفحة ٢٣٧ و ٢٣٨ في الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق المطبوع سنة ١٨٤٩ باللسان الفارسي وفي الصفحة ٥١ في الباب الرابع من حلّ الإشكال المطبوع سنة ١٨٤٧. وأنقل هاهنا قاعدتين منها لتعلّق الحاجة بهما ، فأقول : قال هذا النبيل : «لا بدّ للمفسّر أن يفهم مطلب الكتاب كما كان في ضمير المصنّف ، فلا بدّ لمن طالع أو فسّر أن يكون واقفا على حالات أيام المصنّف وعادة طائفة تربّى المصنّف فيها وعلى مذهبهم ، وأن يكون واقفا على صفات المصنّف وأحواله أيضا ، لا أن يبادر بمجرّد معرفة اللسان على

٣١

ترجمة الكتاب وتفسيره. وثانيا لا بدّ أن يتوجّه إلى تسلسل المطالب ، ولا يفسد علاقة الأقوال السابقة واللّاحقة. وإذا فسّر مطلبا فلا بدّ أن يلاحظ معه كل مقام له مناسبة ومطابقة بهذا المطلب ثم يفسّر». انتهى. والحال أنه لا معرفة له بلسان العرب معرفة معتدّا بها ، فضلا عن الأمور الأخر ، ولا يتوجّه إلى تسلسل المطالب ، ويفسد علاقة الأقوال السابقة واللّاحقة كما سيظهر عن قريب. فمثل هذا الادّعاء يحمل على أيّ شيء ، فلو قلت في حقّه في هذا الباب كما قال هو في حقّ الفاضل هادي علي إن التكبّر والجهل جعلاه مسلوب الفهم وغمّضا عين عقله وعدله ، أو قلت هذا عين الجهل والتكبّر ، لكنت مصيبا ومظهرا للحق. لكن أمثال هذه الألفاظ ، لمّا كانت غير ملائمة ، لا أتفوّه بها في حقه أبدا ، وإن تفوّه هو بها وبأمثالها في حق علماء الإسلام.

أقول : ادّعى هذا القسّيس النبيل في آخر الفصل الثالث من الباب الثالث من ميزان الحق هكذا : «من تجنّب عن الاعتساف وسلك مسلك الإنصاف ولاحظ معاني الآيات القرآنية ، علم أن معانيها على التفسير الصحيح الموافق لقانونه ما ترجمت وفسّرت». انتهى. وإذا عرفت ادّعاءه فأذكر ثلاثة شواهد على وفق عدد التثليث يظهر منها حال صلوحه لأمثال هذه الدعوى :

الشاهد الأول : إن القسّيس قام في الجلسة الثانية من المناظرة التي وقعت بيني وبينه فأخذ ميزان الحق وشرع في قراءة بعض الآيات القرآنية التي نقلها في الفصل الأول من الباب الأول ، وكانت هذه الآيات مكتوبة بالخط الحسن ومعربة بالإعراب. فكان يغلط في الألفاظ فضلا عن الإعراب. وثقل هذا الأمر على المسلمين ، فأصبر قاضي القضاة محمد أسد الله ، فقال للقسّيس النبيل : اكتفوا على الترجمة واتركوا الألفاظ لأن المعاني تتبدّل بتبدّل الألفاظ. فقال القسّيس النبيل : سامحونا إن هذا من قصور لساننا. هذا حاله في معرفة اللسان بحسب التقرير.

الشاهد الثاني : كتب القسّيس إظهارا لفضله وإخبارا عن معرفته بلسان العرب في آخر ميزان الحق الفارسي المطبوع سنة ١٨٤٩ ، وفي آخر ميزان الحق الذي هو في لسان أردو وطبع سنة ١٨٥٠ هكذا : «تمّت هذه الرسالة في سنة ثمانية ثمانمائة ثلاثون والثلاث بعد الألف مسيحي وبالمطابق مائتان وأربعين ثمانية بعد الألف هجري». وفي آخر مفتاح الأسرار الفارسي المطبوع سنة ١٨٥٠ هكذا : «تمّت هذه الأوراق في سنة ثمانية ثمانمائة وثلاثون السابعة بعد الألف مسيحي وفي سنة مائتان اثنا وخمسين بعد الألف من هجرة المحمدية». وفي النسخة التي هي في لسان أردو هذه العبارة بعينها أيضا. غير أن لفظ الهجرة في النسخة

٣٢

الفارسية بدون الألف واللام ، وفي هذه النسخة بهما. ولعلّ سببه أنه لمّا كان توجّه إلى النسخة الفارسية أكثر فتصحيحه فيها أبلغ ، وثبت عنده بتحقيقه الكامل الذي هو مختص به أنه لا يجوز أن يكون الموصوف والصفة كلاهما معرّفين باللّام فأسقط الألف واللّام من الموصوف ، فهذا حاله في التحرير.

الشاهد الثالث : نقل في مفتاح الأسرار القديم المطبوع سنة ١٨٤٣ في الصفحة الرابعة أولا هذه الآية من سورة التحريم [١٢] : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) ، وقوله تعالى في سورة النساء [١٧١] : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) ، قال : «إذا كان المسيح روح الله بحكم هاتين الآيتين فلا بدّ أن يكون في مرتبة الألوهية ، لأن روح الله لا يكون أقلّ من الله. لكن بعض المحمّديين يقولون : إن لفظ الروح الذي جاء في هاتين الآيتين المراد به جبريل الملك إلّا أن هذا القول منشؤه العداوة فقط ، لأن ضمير لفظ منه الذي في الآية الثانية والضمير المتصل في لفظ روحنا الذي في الآية الأولى على حكم قاعدة الصّرف لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله». انتهى كلامه. أقول : هذا مخدوش بوجوه :

الأول : إنّا نرجو أن نستفيد منه أن أية قاعدة صرفية تحكم أن الضميرين لا يرجعان إلى الملك بل إلى الله. ما رأينا قاعدة من قواعد هذا العلم يكون حكمها ما ذكر. فظهر أنه لا يعرف أن علم الصرف أيّ علم ويبحث فيه عن أيّ أمر ، بل سمع اسم هذا العلم ، فكتب هاهنا ليعتقد الجاهل أنه يعرف علوم العربية.

الثاني : إنه ما قال أحد من علماء الإسلام المعتبرين بأن المراد بلفظ الروح في قوله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) جبريل فهذا بهتان منشؤه العداوة.

الثالث : إن آية سورة النساء [١٧١] هكذا (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ففي هذه الآية وقع قبل لفظ «روح منه» هذا القول : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) وهذا القول يشنّع على المسيحيين في غلو اعتقادهم في حق المسيح عليه‌السلام. ووقع بعد اللفظ المذكور هذا القول : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) وهذا القول يلومهم في اعتقاد التثليث واعتقاد كون المسيح ابن

٣٣

الله ، ويلوم القرآن على هذه العقيدة في مواضع عديدة ، مثل قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة : ١٧ و ٧٢] ، ومثل قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة : ٧٣] ، ومثل قوله : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) [المائدة : ٧٥] ، فانظروا إلى تبحّره في معرفة قواعد التفسير ، وإلى دقّة نظره كيف بيّن المقصود ، كما كان مراد المصنّف ، وكيف توجّه إلى تسلسل المطالب ، وكيف راعى القول السابق واللّاحق ، وكيف لاحظ كل مقام كان له مناسبة ومطابقة. لكني أتأسف تأسّفا عظيما أن هذا النحرير والمفسّر العديم النظير ما كتب تفسيرا حاويا على أمثال هذه التحقيقات البديعة على العهد العتيق والجديد ليكون تذكرة بين أهل ملّته ، ويظهر لهم من نكات العهدين ما لم يظهر إلى عهده. والحق أنه لو قال مثل هذا المفسر بعد التأمّل الكثير والإمعان البليغ إن مجموع الاثنين والاثنين يكون خمسة فلا أتعجب من دقّة نظره وصائب فكره. فهذا حاله في فهم المقصود. وعلى هذه البضاعة تقريرا وتحريرا وفهما يرجو أن ترجح ترجمته الرديّة وتفسيره الركيك على ترجمة علماء الإسلام وتفسيرهم. هذا هو ثمرة العجب والتكبّر لا غير.

الرابع : إن قوله : (إن روح الله لا يكون أقلّ من الله) مردود. لأن الله تعالى قال في سورة السجدة [٩] في حقّ آدم عليه‌السلام : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) ، وقال في سورة الحجر [٢٩] وسورة ص في حقه أيضا : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)) ، فأطلق على النفس الناطقة التي كانت لآدم عليه‌السلام أنها روحه وروحي. وقال في سورة مريم [١٧] في حقّ جبريل : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) ، والمراد بروحنا هاهنا جبريل. ووقع في الآية الرابعة عشر من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال هكذا : «فأعطي فيكم روحي» فأطلق هاهنا أيضا على النفس الناطقة الإنسانية انها روحي.

فيلزم أن تكون هؤلاء الآلاف آلهة على تحقيق القسّيس بحكم كتاب حزقيال ، ويكون آدم وجبريل عليهما‌السلام إلهين بحكم القرآن. فالحقّ أن المراد بالروح في قوله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) النفس الناطقة الإنسانية والمضاف محذوف ، أي ذو روح منه. في الجلالين ، (وَرُوحٌ) أي ذو روح (منه) أضيف إليه تشريفا. وفي البيضاوي (وَرُوحٌ مِنْهُ) وذو روح صدر منه لا بتوسّط ما يجري مجرى الأصل والمادة. انتهى. ولمّا كانت هذه العبارة ملعبة الصبيان ، واطّلع على قبحها القسّيس النبيل باعتراض بعض الفضلاء ، حرّفها في النسخة الجديدة المطبوعة سنة ١٨٥٠ فأتى بعبارة مموّهة بإرادة أخرى نقلتها ورددت عليها في كتابي إزالة الشكوك. فمن شاء فليرجع إليها. وأذكر هاهنا حكايتين مناسبتين لحكاية القسّيس.

٣٤

الحكاية الأولى : ما نقله الطيبي في شرح المشكاة أن مسلما كان يتلو القرآن ، فسمع منه بعض القسّيسين هذا القول : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقال : إن هذا القول يصدق ديننا ويخالف ملّة الإسلام ، لأن فيه اعترافا بأن عيسى عليه‌السلام روح هو بعض من الله. فكان عليّ بن حسين بن الواقد مصنّف كتاب النظير حاضرا هناك ، فأجاب بأن الله قال مثل هذا القول في حقّ المخلوقات كلها : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] فلو كان معنى «روح منه» روح بعض منه أو جزء منه ، فيكون معنى «جميعا منه» أيضا على قولك مثله فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة. فأنصف القسّيس وآمن.

الحكاية الثانية : استدلّ البعض من الفرقة المسيحية في البلد دهلي في إثبات التثليث بقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء ، فيدلّ على التثليث. فأجاب بعض الظرفاء أنك قصرت عليك أن تستدلّ بالقرآن على التسبيع وجود سبعة آلهة بمبدإ سورة المؤمن [١ ـ ٢] ، وهو هكذا (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) بل عليك أن تقول إنه يثبت وجود سبعة عشر إلها من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسما من الذات والصفات متوالية. فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطّلاع على ستّة وثلاثين قولا من أقوال القسّيس النبيل. وأنقل في أكثر المواضع من كتابي هذا من أقواله الأخر أيضا ، وأردّ عليها وأسأل الأمان من القسّيس النبيل أن يجوّز لي ، نظرا إلى الأقوال التي نقلتها ، أن أقول في حقّه اقتداء بعادته قولا مطابقا لقوله إن هذه المواد ، التي لا أساس لها والمواد التي مثلها ، تدلّ دلالة واضحة على قلّة وعدم دقّة نظره. لأنه لو كان له دقّة جزئية وأدنى معرفة في العلم لما قال ذلك أم لا يجوز. ففي الصورة الثانية لا بدّ من بيان الفرق بأنه يجوز له أن يقول لو وجد في كلام المخالف خمسة أقوال أو ستّة أقوال مجروحة في زعمه ولا يجوز للمخالف ولو وجد المخالف في كلامه أقوالا باطلة قطعا أزيد مما وجده بقدر ستّة أمثال. وفي الصورة الأولى لا بدّ أن ينظر إلى حاله ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق ومفتاح الأسرار وحلّ الإشكال وغيرها ، لأن الكلام الباقي حاله في الصورة المذكورة يكون كحال الكلام المذكور. ولنعم ما قيل : لا تفتح بابا يعييك سدّه ولا ترم سهما يعجزك ردّه. والمقصود الأصلي مما ذكرت في هذا الأمر السابع الذي يكتب جواب كتابي هذا فالمرجو منه أن ينقل أولا عبارتي ، ثم يجيب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب. وإن خاف التطويل فلا بدّ أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستّة ، ويراعي أيضا في تحرير

٣٥

الجواب الأمور الباقية التي ذكرتها في هذه المقدمة ، ولا يسلك مسلك المموّهين من علماء بروتستنت ، لأن هذا المسلك بعيد من الإنصاف مائل عن الحق ، ومفض إلى الاعتساف. وإن تصدّى القسّيس النبيل فندر لتحرير جواب كتابي هذا ، فالمرجو منه ما هو المرجو من غيره من مراعاة الأمور المذكورة في هذه المقدمة. وشيء زائد أيضا وهو أن يوجّه أولا هذه الأقوال الستّة والثلاثين كلها من كلامه لتكون توجيهاته معيارا لتوجيه أقوالي في جواب الجواب. وظنّي أنهم لا يكتبون الجواب إن شاء الله ، وإن كتبوا لا يراعون الأمور المذكورة البتّة ، ويعتذرون باعتذارات باردة ، ويكون جوابهم هكذا : يأخذون من أقوالي بعض الأقوال التي يكون لهم المجال للكلام ، ولا يشيرون إلى الأقوال القوية لا بالردّ ولا بالتسليم. نعم يدعون لتغليط العوام ادّعاء باطلا أن كلامه الباقي أيضا كذلك ولعلّه لا يبلغ حجم ردّهم إلى حدّ يكون كل ورقة ورقة منه بإزاء كرّاس كرّاس من كتابي. فأقول من قبل إنهم لو فعلوا كذا يكون دليل عجزهم.

الأمر الثامن (١) : إني نقلت أسماء العلماء والمواضع عن الكتب التي وصلت إليّ بلسان الإنكليز أو عن تراجم فرقة بروتستنت أو عن رسائلهم باللسان الفارسي أو العربي أو أردو ، وحال الأسماء أشدّ فسادا من الحالات الأخر أيضا ، كما لا يخفى على ناظر كتبهم فلو وجد الناظر هذه الأسماء مخالفة لما هو المشتهر في لسان آخر فلا يعيب عليّ في هذا الأمر. فإذا فرغت من المقدمة ، فها أنا أشرع في المقصود بعون الله الملك الودود. اللهمّ أرنا الحقّ حقّا والباطل باطلا.

__________________

(١) إنه الأمر الثامن والأخير من الأمور المشتملة عليها المقدمة.

٣٦

الباب الأول

في بيان كتب العهد العتيق والجديد

وهو مشتمل على أربعة فصول

٣٧
٣٨

الفصل الأول

في بيان أسمائها وتعدادها

اعلم أنهم يقسمون هذه الكتب إلى قسمين : قسم منها يدّعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى عليه‌السلام ، وقسم منها يدّعون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى عليه‌السلام. فمجموع الكتب من القسم الأول يسمى بالعهد العتيق ، ومن القسم الثاني بالعهد الجديد. ومجموع العهدين يسمى بيبل. وهذا لفظ يوناني بمعنى الكتاب. ثم ينقسم كلّ من العهدين إلى قسمين : قسم اتفق على صحته جمهور القدماء من المسيحيين ، وقسم اختلفوا فيه.

أما القسم الأول من العهد العتيق ، فثمانية وثلاثون كتابا : ١ ـ سفر التكوين ويسمى سفر الخليقة أيضا ٢ ـ سفر الخروج ٣ ـ سفر الأحبار ٤ ـ سفر العدد ٥ ـ سفر الاستثناء. ومجموع هذه الكتب الخمسة يسمى بالتوراة ، وهو لفظ عبراني بمعنى التعليم والشريعة. وقد يطلق ذلك اللفظ على مجموع كتب العهد العتيق مجازا ٦ ـ كتاب يوشع بن نون ٧ ـ كتاب القضاة ٨ ـ كتاب راعوث ٩ ـ سفر صموئيل الأول ١٠ ـ سفر صموئيل الثاني ١١ ـ سفر الملوك الأول ١٢ ـ سفر الملوك الثاني ١٣ ـ السفر الأول من أخبار الأيام ١٤ ـ السفر الثاني من أخبار الأيام ١٥ ـ السفر الأول لعزرا ١٦ ـ السفر الثاني لعزرا ويسمى سفر نحميا ١٧ ـ كتاب أيوب ١٨ ـ زبور ١٩ ـ أمثال سليمان ٢٠ ـ كتاب الجامعة ٢١ ـ كتاب نشيد الإنشاد ٢٢ ـ كتاب أشعيا ٢٣ ـ كتاب أرميا ٢٤ ـ مراثي أرميا ٢٥ ـ كتاب حزقيال ٢٦ ـ كتاب دانيال ٢٧ ـ كتاب هوشع ٢٨ ـ كتاب يوئيل ٢٩ ـ كتاب عاموص ٣٠ ـ كتاب عوبديا ٣١ ـ كتاب يونان ٣٢ ـ كتاب ميخا ٣٣ ـ كتاب ناحوم ٣٤ ـ كتاب حبقوق ٣٥ ـ كتاب صفونيا ٣٦ ـ كتاب حجى ٣٧ ـ كتاب زكريا ٣٨ ـ كتاب ملاخيا. وكان ملاخيا النبيّ قبل ميلاد المسيح عليهما‌السلام بنحو أربعمائة

٣٩

وعشرين سنة. وهذه الكتب الثمانية والثلاثون كانت مسلمة عند جمهور القدماء من المسيحيين. والسامريون لا يسلمون منها إلّا سبعة كتب : الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه‌السلام وكتاب يوشع بن نون وكتاب القضاة ، وتخالف نسخة توراتهم نسخة توراة اليهود.

وأما القسم الثاني من العهد العتيق ، فتسعة كتب : ١ ـ كتاب استير ٢ ـ كتاب باروخ ٣ ـ جزء من كتاب دانيال ٤ ـ كتاب طوبيا ٥ ـ كتاب يهوديت ٦ ـ كتاب وردم ٧ ـ كتاب إيكليزياستيكس ٨ ـ كتاب المقابيين الأول ٩ ـ كتاب المقابيين الثاني.

وأما القسم الأول من العهد الجديد ، فعشرون كتابا : ١ ـ إنجيل متّى ٢ ـ إنجيل مرقس ٣ ـ إنجيل لوقا ٤ ـ إنجيل يوحنا. ويقال لهذه الأربعة : الأناجيل الأربعة. ولفظ الإنجيل مختصّ بكتب هؤلاء الأربعة. وقد يطلق مجازا على مجموع كتب العهد الجديد. وهذا اللفظ معرب كان في الأصل اليوناني أنكليون بمعنى البشارة والتعليم ٥ ـ كتاب أعمال الحواريين ٦ ـ رسالة بولس إلى أهل الرومية ٧ ـ رسالته إلى أهل قورنيثيون ٨ ـ رسالته الثانية إليهم ٩ ـ رسالته إلى أهل غلاطية ١٠ ـ رسالته إلى أهل أفسس ١١ ـ رسالته إلى أهل فيلبس ١٢ ـ رسالته إلى أهل قولاسائس ١٣ ـ رسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي ١٤ ـ رسالته الثانية إليهم ١٥ ـ رسالته الأولى إلى تيموثاوس ١٦ ـ رسالته الثانية إليه ١٧ ـ رسالته إلى تيطوس ١٨ ـ رسالته إلى فيليمون ١٩ ـ الرسالة الأولى لبطرس ٢٠ ـ الرسالة الأولى ليوحنا سوى بعض الفقرات.

وأما القسم الثاني من العهد الجديد ، فسبعة كتب وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا : ١ ـ رسالة بولس إلى العبرانيين ٢ ـ الرسالة الثانية لبطرس ٣ ـ الرسالة الثانية ليوحنا ٤ ـ الرسالة الثالثة ليوحنا ٥ ـ رسالة يعقوب ٦ ـ رسالة يهودا ٧ ـ مشاهدات يوحنا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه انعقد مجلس العلماء المسيحية بحكم السلطان قسطنطين في بلدة نائس في سنة ٣٢٥ ثلاثمائة وخمسة وعشرين من ميلاد المسيح ليشاوروا في باب هذه الكتب المشكوكة ، ويحقّقوا الأمر ، فحكم هؤلاء العلماء ، بعد المشاورة والتحقيق في هذه الكتب ، أن كتاب يهوديت واجب التسليم ، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكة كما كانت. وهذا الأمر يظهر من المقدمة التي كتبها جيروم على ذلك الكتاب. ثم بعد ذلك انعقد مجلس آخر يسمى بمجلس لوديسيا في سنة ثلاثمائة وأربعة وستّين ، فأبقى علماء ذلك المجلس حكم علماء المجلس الأول في باب كتاب يهوديت على حاله ، وزادوا على حكمهم سبعة كتب أخرى وجعلوها واجبة التسليم ، وهي هذه : ١ ـ كتاب أستير ٢ ـ رسالة يعقوب ٣ ـ الرسالة

٤٠