إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

الفصل الثالث

في بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط

وأنا أجعل هذا الفصل قسمين وأورد في كل قسم أمثلة.

القسم الأول : في بيان الاختلافات

١ ـ من قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد وجد اختلافا صريحا في الأحكام.

٢ ـ بين الباب الثالث عشر من كتاب يوشع والباب الثاني من سفر الاستثناء في بيان ميراث بني جاد اختلاف صريح ، وأحد البيانين غلط يقينا ، كما عرفت في الفصل الثاني في حال كتاب يوشع.

٣ ـ يوجد الاختلاف بين الباب السابع والثامن من السفر الأول من أخبار الأيام في بيان أولاد بنيامين ، وكذا بينهما وبين الباب السادس والأربعين من سفر التكوين وأقرّ علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن ما وقع في السفر الأول من أخبار الأيام غلط ، كما ستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني.

٤ ـ يوجد بين الباب الثامن من السفر الأول من أخبار الأيام من الآية التاسعة والعشرين إلى الآية الثامنة والثلاثين ، وفي الباب التاسع من السفر المذكور من الآية الخامسة والثلاثين إلى الرابعة والأربعين اختلاف بين الأسماء. وقال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره : «إن علماء اليهود يقولون : إن عزرا وجد كتابين توجد فيهما هذه الفقرات باختلاف الأسماء ، ولم يحصل له تمييز بأن أيّهما أحسن فنقلهما». انتهى كلامه.

٦١

٥ ـ الآية التاسعة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا : «وأتى يواب بعدد وحساب الشعب للملك وكان عدد بني إسرائيل ثمانمائة ألف رجل بطل يضرب بالسيف ، ورجال يهودا عدّتهم خمسمائة ألف رجل مقاتلة». والآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا : «ودفع إحصاء القوم إلى داود وكان عدد بني إسرائيل ألف ألف ومائة ألف رجل جاذب سيف ، ويهودا أربعمائة ألف وسبعون ألف رجل مقاتلة». فبينهما اختلاف في عدد بني إسرائيل بمقدار ثلاثمائة ألف ، وفي عدد يهودا بقدر ثلاثين ألفا.

٦ ـ الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني هكذا : «وأتى جاد إلى داود وأخبره قائلا : أما أن يكون سبع سنين جوعا لك في أرضك ... إلخ». وفي الآية الثانية عشرة من الباب الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا : «أما ثلاث سنين جوعا ... إلخ». ففي الأول سبع سنين ، وفي الثاني ثلاث سنين. وقد أقرّ مفسّروهم أن الأول غلط.

٧ ـ الآية السادسة والعشرون من الباب الثامن من سفر الملوك الثاني هكذا : «وكان قد أتى على أخريا اثنان وعشرون سنة إذ ملك ... إلخ». والآية الثانية من الباب الثاني والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «ابن اثنين وأربعين سنة كان أخريا ... إلخ». فبينهما اختلاف ، والثاني غلط يقينا ، كما أقرّ به مفسّروهم. وكيف لا يكون غلطا وإن أباه يهورام حين موته كان ابن أربعين سنة ، وجلس هو على سرير السلطنة بعد موت أبيه متّصلا ، كما يظهر من الباب السابق. فلو لم يكن غلطا يلزم أن يكون أكبر من أبيه بسنتين.

٨ ـ الآية الثامنة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني هكذا : «وكان يواخين يوم ملك ابن ثماني عشرة سنة ... إلخ». والآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني والثلاثين من أخبار الأيام هكذا : «ابن ثماني سنين كان يواخين حين ملك ... إلخ». فبينهما اختلاف ، والثاني غلط يقينا ، كما أقرّ مفسّروهم. وستعرف في المقصد الأول من الباب الثاني.

٩ ـ بين الآية الثامنة من الباب الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني والآية الحادية عشرة من الباب الحادي عشر من سفر الملوك من أخبار الأيام اختلاف. وقال آدم كلارك في ذيل شرح عبارة صموئيل : «قال داكتر كني كات إن في هذه الآية ثلاثة تحريفات جسيمة». انتهى. ففي هذه الآية الواحدة ثلاثة أغلاط.

١٠ ـ صرّح في الباب الخامس والسادس من سفر صموئيل الثاني أن داود عليه‌السلام

٦٢

جاء بتابوت الله بعد محاربة الفسطانيين ، وصرّح في الباب الثالث عشر والرابع عشر من السفر الأول من أخبار الأيام أنه جاء بالتابوت قبل محاربتهم. والحادثة واحدة كما لا يخفى على ناظر الأبواب المذكورة. فيكون أحدهما غلطا.

١١ ـ يعلم من الآية ١٩ و ٢٠ من الباب السادس ومن الآية ٨ و ٩ من الباب السابع من سفر التكوين ، أن الله كان أمر نوحا عليه‌السلام أن يأخذ من كل طير وبهيمة وحشرات الأرض اثنين اثنين ذكرا وأنثى. ويعلم من الآية ٢ و ٣ من الباب السابع أنه كان أمر أن يأخذ من كل بهيمة طاهرة ومن كل طير طاهرا كان أو غير طاهر سبعة أزواج سبعة أزواج ، ومن كل بهيمة غير طاهرة اثنتين اثنتين.

١٢ ـ يعلم من الباب الحادي والثلاثين من سفر العدد أن بني إسرائيل أفنوا المديانين في عهد موسى عليه‌السلام ، وما أبقوا منهم ذكرا مطلقا لا بالغا ولا غير بالغ ، حتى الصبي الرضيع أيضا. وكذا ما أبقوا منهم امرأة بالغة وأخذوا غير البالغات جواري لأنفسهم. ويعلم من الباب السادس من سفر القضاة أن المديانين في عهد القضاة كانوا ذوي قوة عظيمة ، بحيث كان بنو إسرائيل مغلوبين وعاجزين منهم ، ولا مدة بين العهدين إلّا بقدر مائتي سنة. فأقول : إذا فني المديانيون في عهد موسى ، فكيف صاروا في مقدار هذه المدة أقوياء بحيث غلبوا على بني إسرائيل وأعجزوهم إلى سبع سنين؟

١٣ ـ في الباب التاسع من سفر الخروج هكذا : «ففعل الربّ هذا الكلام في الغد ومات كل بهائم المصريين ولم يمت واحدة من ماشية بني إسرائيل». فيعلم منه أن بهائم المصريين ماتت كلها. ثم في هذا الباب : «من خاف كلمة الربّ من عبيد فرعون هرب بعبيده ودوابّه إلى البيوت ، ومن لم يخطر على باله قول الربّ ترك عبيده ودوابّه في الحقول». فبينهما اختلاف.

١٤ ـ في الباب الثامن من سفر التكوين هكذا : «٤ واستقر الفلك في اليوم السابع والعشرين من الشهر السابع على جبال أرمينية ٥ والمياه كانت تذهب وتنقص إلى الشهر العاشر لأنه في الشهر العاشر الأول من الشهر بانت رءوس الجبال». فبين الآيتين اختلاف ، لأنه إذا ظهرت رءوس الجبال في الشهر العاشر ، فكيف استقرت السفينة في الشهر الرابع على جبال أرمينية.

الاختلاف الخامس عشر إلى الاختلاف السادس والعشرين : بين الباب الثامن من سفر صموئيل الثاني والباب الثامن عشر من السفر الأول من أخبار الأيام مخالفة كثيرة في الأصل

٦٣

العبراني ، وإن أصلح المترجمون في بعض المواضع. وأنقلها عن كلام آدم كلارك المفسّر من المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة صموئيل.

الاختلاف السابع والعشرون إلى الاختلاف الثاني والثلاثين : قال المفسّرون : المذكور في بيان المخالفة بين الباب العاشر من سفر صموئيل والباب التاسع عشر من السفر الأول من أخبار الأيام.

ففي البابين ستّة اختلافات.

٣٣ ـ الآية السادسة والعشرون من الباب الرابع من سفر الملوك الأول هكذا : «وكان لسليمان أربعون ألف مدود يربّي عليها خيل للمراكب واثني عشر ألف فارس». والآية الخامسة والعشرون من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «وكان لسليمان

٦٤

أربعة آلاف مدود واثنا عشر ألف فارس». هكذا في التراجم الفارسية والهندية. وحرف مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ عبارة سفر أخبار الأيام ، فبدل لفظ الأربعة بأربعين. وآدم كلارك المفسّر نقل اختلاف التراجم والشروح ذيل عبارة سفر الملوك أولا ، ثم قال : «الأحسن أن نعترف بوقوع التحريف في العدد نظرا إلى هذه الاختلافات».

٣٤ ـ بين الآية الرابعة والعشرين من الباب السابع من سفر الملوك الأول والآية الثالثة من الباب الرابع من السفر الثاني من أخبار الأيام اختلاف. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح عبارة أحلام الأيام : «ظن كبار المحقّقين أن الأحسن أن تسلم عبارة سفر الملوك هاهنا أيضا ، ويمكن أنه وقع لفظ البقريم موضع البقعيم». انتهى. ومعنى البقريم الثور ، ومعنى البقعيم العقد. فاعترف هذا المفسّر بوقوع التحريف في أخبار الأيام ، فتكون عبارة أخبار الأيام غلطا عنده. وقال جامعو تفسير هنري واسكات : «وقع الفرق هاهنا لأجل تبدّل الحروف». انتهى.

٣٥ ـ الآية الثانية من الباب السادس عشر من سفر الملوك الثاني هكذا : «وكان أحاز يوم ملك ابن عشرين سنة وملك ست عشرة سنة بأورشليم ... إلخ» ووقع في حال ابنه حزقيال في الآية الثانية من الباب الثامن عشر من السفر المذكور هكذا : «وكان قد أتى عليه يوم ملك خمس وعشرون سنة». فيلزم أن يكون حزقيال ولد لأحاز في السنة الحادية عشرة من عمره ، وهو خلاف العادة. فالظاهر أن أحدهما غلط ، والمفسّرون أقرّوا بكون الأول غلطا. قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل شرح الباب السادس عشر : «الغالب أن لفظ العشرين كتب في موضع الثلاثين ، انظروا الآية الثانية من الباب الثامن عشر من هذا التفسير». انتهى.

٣٦ ـ في الآية الأولى من الباب الثامن والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «كان أحاز حين ملك ابن عشرين سنة وملك ستّ عشرة سنة في أورشليم». وفي الآية من الباب التاسع والعشرين من السفر المذكور هكذا : «فملك حزقيا ابن خمس وعشرين سنة». وهاهنا أيضا أحدهما غلط. والظاهر أن تكون الأولى كما عرفت.

٣٧ ـ بين الآية الحادية والثلاثين من الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني والآية الثالثة من الباب العشرين من السفر الأول من أخبار الأيام اختلاف. وقال هوزن في المجلد الأول من تفسيره : «إن عبارة سفر صموئيل صحيحة ، فلتجعل عبارة سفر أخبار الأيام مثلها». انتهى. فعنده عبارة سفر أخبار الأيام غلط. فانظروا كيف يأمر بالإصلاح والتحريف. والعجب أن مترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ جعل عبارة سفر صموئيل مثل عبارة سفر أخبار الأيام. والإنصاف أنه لا عجب هذه سنيحتهم العليّة.

٦٥

٣٨ ـ الآية الثالثة والثلاثون من الباب الخامس عشر من سفر الملوك الأول هكذا : «في السنة الثالثة لأسا ملك يهودا ملك بعشا ابن أحيا على جميع إسرائيل في ترصا أربعة وعشرين سنة». والآية الأولى من الباب السادس عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «وفي السنة السادسة والثلاثين لملك أسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهودا ... إلخ» فبينهما اختلاف. وأحدهما غلط يقينا ، لأن بعشا على حكم الأول مات في السنة السادسة والعشرين لأسا. وفي السنة السادسة والثلاثين لأسا ، كان قد مضى على موت بعشا عشرين سنة. فكيف صعد في هذه السنة على يهوذا؟ قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل عبارة سفر الأيام : «الظاهر أن هذا التاريخ غلط. وقال أشر ، الذي هو من كبار العلماء المسيحية : إن هذا العام سادس وثلاثون من الانقسام الذي وقع في عهد يوربعام السلطنة لا من سلطنة أسا». انتهى. فهؤلاء العلماء سلّموا أن عبارة أخبار الأيام غلط. أما وقع لفظ السادسة والثلاثين من موقع لفظ السادسة والعشرين ، أو وقع لفظ الملك أسا موقع لفظ من انقسام السلطنة.

٣٩ ـ الآية التاسعة عشر من الباب الخامس عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «ولم يكن أيّ حرب بين أسا وبعشا إلى سنة خمس وثلاثين من ملك أسا». وهي مخالفة أيضا للآية الثالثة والثلاثين من الباب الخامس عشر من سفر الملوك الأول كما عرفت في الاختلاف السابق.

٤٠ ـ في الآية السادسة عشر من الباب الخامس من سفر الملوك الأول عدد الموكلين ثلاثة آلاف وثلاثمائة ، وفي الآية الثانية من الباب الثاني من السفر الثاني من أخبار الأيام ثلاثة آلاف وستمائة. وحرّف مترجمو الترجمة اليونانية في سفر الملوك ، فكتبوا ثلاثة آلاف وستمائة.

٤١ ـ في الآية السادسة والعشرين من الباب السابع من سفر الملوك الأول : «وكان البحر يسع ألفي فرق». وفي الآية الخامسة من الباب الرابع من السفر الثاني من أخبار الأيام هكذا : «يسع ثلاثة آلاف فرق». والجملة الأولى في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٨ هكذا : «دو هزار بت دران گنجيد». وفي الترجمة الفارسية سنة ١٨٤٥ هكذا : «دو هزار خم أب مى كرفت». والجملة الثانية هكذا ترجمة فارسية سنة ١٨٣٨ : «وسه هزار بت دران گنجيد». ترجمة فارسية سنة ١٨٤٥ : «وسه هزار خم آب گرفته نكاه مى داشت». فبينهما اختلاف وتفاوت ألف.

٤٢ ـ من قابل الباب الثاني من كتاب عزرا بالباب السابع من كتاب نحميا ، وجد بينهما

٦٦

اختلافا عظيما في أكثر المواضع. ولو قطعنا النظر عن الاختلاف ، ففيهما غلط آخر وهو أنهما اتفقا في حاصل الجمع ، وقالا : الذين جاءوا من بابل إلى أورشليم ، بعد ما أطلقوا من أسر بابل ، اثنان وأربعون ألفا وثلاثمائة وستّون شخصا. ولا يخرج الحاصل بهذا القدر لو جمعنا لا في كلام عزرا ولا في كلام نحميا ، بل حاصل الجمع في الأول ٢٩٨١٨ ، وفي الثاني ٣١٠٨٩. والعجب أن هذا الجمع الاتّفاقي أيضا غلط على تصريح المؤرّخين. قال يوسيفس في الباب الأول من الكتاب الحادي عشر من تاريخه : «إن الذين جاءوا من بابل إلى أورشليم اثنان وأربعون ألفا وأربعمائة واثنان وستّون شخصا». انتهى. قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل شرح عبارة عزرا : «وقع فرق كثير في هذا الباب ، والباب السابع من كتاب نحميا من غلط الكتاب ، ولمّا ألّفت الترجمة الإنكليزية صحّح كثير منه بمقابلة النسخ ، وفي الباقي تعيّن الترجمة اليونانية في شرح المتن العبري». انتهى. فانظر أيها اللبيب ، هذا حال كتبهم المقدسة. إنهم في صدد التصحيح الذي هو في الحقيقة التحريف من القرون ، لكن الأغلاط باقية فيها. والإنصاف ان هذه الكتب غلط من الأصل ، ولا تقصير للمصحّحين غير هذا أنهم ، إذا عجزوا ، ينسبون إلى الكاتبين اللذين هم برآء من هذا. ومن تأمّل الآن في هذين البابين وجد الاختلافات والأغلاط أزيد من عشرين ولا أعلم من حال الغد أنهم كيف يفعلون وكيف يحرّفون.

٤٣ ـ في الآية الثانية من الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام ، أن أم أبيا ميخيا بنت أوربابل من جبعة ، ويعلم من الآية العشرين من الباب الحادي عشر من السفر المذكور أن أمه معخا بنت أبي شالوم. ويعلم من الآية السابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر صموئيل الثاني أنه ما كان لأبي شالوم إلّا بنت واحدة اسمها ثامار.

٤٤ ـ يعلم من الباب العاشر من كتاب يوشع أن بني إسرائيل لمّا قتلوا سلطان أورشليم كانوا تسلّطوا على ملكه ، ومن الآية الثالثة والستّين من الباب الخامس عشر من الكتاب المذكور أنهم ما كانوا تسلّطوا على مملكة أورشليم.

٤٥ ـ يعلم من الآية الأولى من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني أن الله ألقى في قلب داود أن يعدّ بني إسرائيل ، ويعلم من الآية الأولى من الباب الحادي والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام أن الملقى كان الشيطان. ولمّا لم يكن الله خالق الشرّ عندهم لزم الاختلاف القوي.

الاختلاف السادس والأربعون إلى الاختلاف الحادي والخمسين : من قابل بيان نسب المسيح الذي في إنجيل متّى بالبيان الذي في إنجيل لوقا وجد ستّة اختلافات : ١ ـ يعلم من

٦٧

متّى أن يوسف بن يعقوب ، ومن لوقا أنه ابن هالي. ٢ ـ يعلم من متّى أن عيسى من أولاد سليمان بن داود عليهم‌السلام ، ومن لوقا أنه من أولاد ناثان بن داود. ٣ ـ يعلم من متّى أن جميع آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل سلاطين مشهورون ، ومن لوقا أنهم ليسوا بسلاطين ولا مشهورين ، غير داود وناثان. ٤ ـ يعلم من متّى أن شلتائيل بن يوخانيا ، ويعلم من لوقا أنه ابن نيري. ٥ ـ يعلم من متّى أن اسم ابن زور بابل أبيهود ، ومن لوقا أن اسمه ريسا. والعجب أن أسماء بني زور بابل مكتوبة في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام وليس فيها أبيهود ولا ريسا ، فالحق أن كلّا منهما غلط. ٦ ـ من داود إلى المسيح عليهما‌السلام ستّة وعشرون جيلا على ما بيّن متّى ، وواحد وأربعون جيلا على ما بيّن لوقا ، ولمّا كان بين داود والمسيح مدّة ألف سنة فعلى الأول يكون في مقابلة كل جيل أربعون سنة ، وعلى الثاني خمسة وعشرين. ولمّا كان الاختلاف بين البيانين ظاهرا بأدنى التأمّل تحيّر فيهما العلماء المسيحية من زمان اشتهار هذين الإنجيلين إلى اليوم ، ووجّهوا بتوجيهات ضعيفة. ولذلك اعترف جماعة من المحقّقين ، مثل أكهارن وكيسر وهيس وديوت ووى نروفرش وغيرهم ، بأنهما مختلفان اختلافا معنويا. وهذا حق وعين الإنصاف. لأنه كما صدر عن الإنجيلين أغلاط واختلافات في مواضع أخر ، كذلك صدر الاختلاط هاهنا. نعم ، لو كان كلامهم خاليا عنها سوى هذا الموضع كان التأويل مناسبا وإن كان بعيدا. وآدم كلارك في ذيل شرح الباب الثالث من إنجيل لوقا نقل التوجيهات ، وما رضي بها ، وتحيّر ، ثم نقل عذرا غير مسموع من مستر هارمرسي في الصفحة ٤٠٨ من المجلد الخامس هكذا : «كانت أوراق النسب تحفظ في اليهود حفظا جيدا. ويعلم كل ذي علم أن متّى ولوقا اختلفا في بيان نسب الربّ اختلافا تحيّر فيه المحقّقون من القدماء والمتأخرين. وكما أنه فهم من المواضع الأخر الاعتراض في حق المؤلّف ، ثم صار هذا الاعتراض حاميا له. فكذلك هذا أيضا إذا صفا يصير حاميا قويا ، لكن الزمان يفعله هكذا». انتهى. فاعترف «بأن هذا الاختلاف اختلاف تحيّر فيه المحقّقون من القدماء والمتأخرين». وما قال : «إن أوراق النسب كانت تحفظ في اليهود حفظا جيدا» مردود ، لأن هذه الأوراق صارت منتشرة برياح الحوادث ، ولذلك غلط عزرا والرسولان عليهما‌السلام في بيان بعض النسب. وهذا المفسّر يعترف به أيضا كما ستعرف في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني. وإذا كان الحال في عهد عزرا هكذا ، فكيف يظنّ في عهد الحواريين؟ وإذا لم يبق أوراق نسب الكهنة والرؤساء محفوظة ، فأيّ اعتبار بورق نسب يوسف النجّار المسكين؟ وإذا كان ثلاثة أشخاص من الأنبياء المعتبرين غلطوا في بيان النسب ، ولم يقدروا على التمييز بين الغلط والصحيح ، فكيف يظنّ بمترجم إنجيل متّى الذي لم يعلم إلى الآن اسمه ، فضلا عن وثاقة أحواله ،

٦٨

وفضلا عن كونه ذا إلهام؟ وبلوقا الذي لم يكن من الحواريين يقينا ، ولم يثبت كونه ذا إلهام؟ فالغالب أنه حصل لهما ورقتان مختلفتان في بيان نسب يوسف النجار ، ولم يحصل لهما التمييز بين الصحيح والغلط. فاختار أحدهما بظنه إحدى الورقتين والآخر الورقة الأخرى. ورجاء المفسّر المذكور بأن الزمان يفعله. هكذا رجاء بلا فائدة ، لأنه إذا لم يصف إلى مدة ألف وثمانمائة ـ سيما في هذه القرون الثلاثة الأخيرة التي شاعت العلوم العقلية والنقلية فيها في ديار أوروبا ، وتوجّهوا إلى تحقيق كل شيء ، حتى إلى تحقيق الملّة أيضا ، فأصلحوا في الملّة أولا إصلاحا ما ، فحكموا على المذهب العمومي في أول الوهلة بأنه باطل ، وعلى البابا الذي كان مقتدى الملّة بأنه دجّال غدّار ، ثم اختلفوا في الإصلاح وافترقوا إلى فرق ، ثم كانوا يزيدون في الإصلاح يوما فيوما حتى ترقّى المحقّقون غير المحصورين منهم لأجل زيادة تحقيقهم إلى أعلى درجة الإصلاح حتى فهموا الملّة المسيحية كالحكايات الباطلة والخيالات الواهية ـ فظنّ الصفاء في زمان آخر ظنّ عبث. والتوجيه المشهور الآن هذا : أنه يجوز أن يكون متى كتب نسب يوسف ، ولوقا كتب نسب مريم ، ويكون يوسف ختن هالي ، ولا يكون لهالي ابن فنسب الختن إليه وأدخل في سلسلة النسب. وهذا التوجيه مردود لوجوه :

الأول : إن المسيح على هذا التقدير يكون من أولاد ناثان لا من أولاد سليمان ، لأن نسبه الحقيقي من جانب أمه ، ولا اعتبار لنسب يوسف النجّار في حقه. فيلزم أن لا يبقى المسيح مسيحا ، ولذلك قال مقتدي فرقة بروتستنت كالوين في ردّ هذا التوجيه : «من أخرج سليمان عن نسب المسيح فقد أخرج المسيح عن كونه مسيحا».

والثاني : إن هذا التوجيه لا يصحّ إلّا إذا ثبت من التواريخ المعتبرة أن مريم بنت هالي ومن أولاد ناثان. ومجرد الاحتمال لا يكفي لهذا ، سيما في الصورة التي يردّه المحقّقون فيها ، مثل آدم كلارك المفسّر وغيره ويردّه مقتداهم كالوين ، ولم يثبت هذان الأمران بدليل ضعيف ، فضلا عن القوي بل ثبت عكسهما. لأنه صرّح في إنجيل يعقوب أن اسم أبوي مريم (يهوياقيم وعانا). وهذا الإنجيل ، وإن لم يكن إلهاميّا ومن تصنيف يعقوب الحواري عند أهل التثليث المعاصرين لنا ، لكن لا شك أنه من جعل بعض أسلافهم وقديم جدا ، ومؤلّفه من القدماء الذين كانوا في القرون الأولى. فلا تنحطّ رتبته عن رتبة التواريخ المعتبرة ، ولا يقاومه مجرد احتمال لا يكون له سند. وقال أكستاين أنه صرّح في بعض الكتب التي كانت توجد في عهده : «إن مريم عليها‌السلام من قوم لاوي». وهذا ينافي كونها من أولاد ناثان. وإذا لاحظنا ما وقع في الباب السادس والثلاثين من سفر العدد أن كل رجل يتزوج بامرأة من سبطه وقبيلته ، وكذلك كل امرأة تتزوّج برجل من سبطها وقبيلتها ليثبت الميراث في القبائل ولا تختلط الأسباط بعضها ببعض ، وما وقع في الباب الأول من إنجيل لوقا أن زوجة

٦٩

زكريا كانت من بنات هارون ومريم عليها‌السلام كانت قريبة لها ، ظهر أن الحق ما وقع في بعض الكتب ، لأن مريم عليها‌السلام كانت قريبة لزوجة زكريا ، وهذه كانت من بنات هارون قطعا. فتكون مريم من بنات هارون أيضا ، وإذا كانت كذلك ، كان زوجها المزعوم أيضا من أولاد هارون بحكم التوراة ، ويكون بيان كلّ من الإنجيلين غلطا من جعليات أهل التثليث ليثبت أن عيسى عليه‌السلام كان من أولاد داود ، ولا يطعن اليهود في كونه مسيحا موعودا. لأجل هذا ولمّا لم تكن هذه الأناجيل مشهورة إلى آخر القرن الثاني ، لم يطّلع أحد المحرّفين على التحرير الجعلي للآخر فوقعا في الاختلاف.

والثالث : أنه لو كانت مريم بنت هالي لظهر الأمر للقدماء ، ولو كان لهم علم بذلك لما وجّهوا بتوجيهات ركيكة يردّها المتأخرون ويشنّعون عليها.

والرابع : أن ألفاظ متّى هكذا : «يعقوب أكينيسي تون يوسف» ، وألفاظ لوقا هكذا : «ديوس يوسف توهابي». فيعلم من كلتا العبارتين أن كلّا من متّى ولوقا يكتبان نسب يوسف.

والخامس : لو فرضنا أن مريم كانت بنت هالي ، فلا يصحّ ما في لوقا إلّا بعد أن يثبت أن اليهود كان رواجهم أن الختن إذا لم يكن لزوجته أخ كان يدخل في سلسلة النسب ويكتب فيها في موضع الابن. لكنه لم يثبت هذا الأمر إلى الآن بوجه يعتمد عليه. وهوسات بعض علماء بروتستنت واستنباطهم الضعيف القابل للردّ لا يتمّ علينا. ونحن لا ننكر انتساب شخص إلى آخر مطلقا ، بل يجوز عندنا أيضا أنه إذا كان ذلك الآخر من أقاربه النسبية أو السببية أو أستاذه أو مرشده ومشهورا لأجل المنزلة الدنياوية أو الدينية ، ينسب هذا الشخص إليه. فيقال مثلا إنه ابن الأخ أو الأخت أو ختن لفلان الأمير أو السلطان أو تلميذ لفلان الفاضل أو مريد للشيخ الفلاني. لكن هذا الانتساب أمر ، والإدخال في سلسلة النسب بأنه ابن لأبي زوجته ، وكون هذا رواج اليهود أمر آخر ، فنحن ننكر هذا الأمر الآخر ونقول إنه لم يثبت أنه كان رواجهم كذلك (١).

الاختلاف الثاني والخمسون والثالث والخمسون : من قابل الباب الثاني من إنجيل متّى بالباب الثاني من إنجيل لوقا وجد اختلافا عظيما بحيث يجزم أنه لا يمكن أن يكون كلّ منهما إلهاميّا. وأنا أكتفي بنقل اختلافين :

__________________

(١) إنجيل متّى هذا لم يكن مشهورا معتبرا في عهد لوقا ، وإلّا فكيف يتصوّر أن يكتب لوقا نسب المسيح بحيث يخالف تحرير متى. في بادئ الرأي مخالفة تحيّر فيها المحقّقون من القدماء والمتأخرين سلفا وخلفا ولا يزيد حرفا أو حرفين للتوضيح بحيث يرتفع الاختلاف.

٧٠

١ ـ يعلم من كلام متّى أن أبويّ المسيح بعد ولادته أيضا كانا يقيمان في بيت لحم ، ويفهم من بعض كلامه أن هذه الإقامة فيه كانت إلى مدة قريبة من سنتين. وجاء المجوس هناك ، ثم ذهبا إلى مصر وأقاما مدة حياة هيرود في مصر ، ورجعا بعد موته وأقاما في ناصرة. ويعلم من كلام لوقا أن أبويّ المسيح بعد ما تمّ مدة نفاس مريم ، ذهبا إلى أورشليم. وبعد تقديم الذبيحة رجعا إلى ناصرة وأقاما فيها. وكانا يذهبان منها إلى أورشليم في أيام العيد من كل سنة. وأقام المسيح في السنة الثانية عشرة ، بلا اطّلاع الأبوين ، ثلاثة أيام في أورشليم. وعلى كلامه لا سبيل لمجيء المجوس في بيت لحم ، بل لو فرض مجيئهم يكون في ناصرة ، لأن مجيئهم في أثناء الطريق أيضا بعيد. وكذا لا سبيل لذهاب أبويه إلى مصر وإقامتهما فيها ، لأنه صريح في أن يوسف لم يسافر قطّ من أرض اليهود لا إلى مصر ولا إلى غيرها.

٢ ـ يعلم من كلام متّى أن أهل أورشليم وهيرود ما كانوا عالمين بولادة المسيح قبل أخبار المجوس ، وكانوا معاندين له. ويعلم من كلام لوقا أن أبويّ المسيح لمّا ذهبا إلى أورشليم ، بعد مدة النفاس ، لتقديم الذبيحة ، فسمعان الذي كان رجلا صالحا ممتلئا بروح القدس ـ وكان قد أوحي إليه أنه لا يرى الموت قبل رؤية المسيح ـ أخذ عيسى عليه‌السلام على ذراعيه في الهيكل وبيّن أوصافه. وكذلك حنّة النبيّة وقفت تسبّح الربّ في تلك الساعة وأخبرت جميع المنتظرين في أورشليم. فلو كان هيرود وأهل أورشليم معاندين للمسيح ، لما أخبر الرجل الممتلئ بروح القدس في الهيكل الذي كان مجمع الناس في كل حين ، ولما أخبرت النبيّة بهذا الخبر في أورشليم التي كانت دار السلطنة لهيرود. والفاضل نورتن حام للإنجيل ، لكنه هاهنا سلم الاختلاف الحقيقي بين البيانين ، وحكم بأن بيان متّى غلط وبيان لوقا صحيح.

٥٤ ـ يعلم من الباب الرابع من إنجيل مرقس أن المسيح أمر الجماعة بالذهاب ، وحدث التموّج والهيجان في البحر بعد وعظ التمثيلات. ويعلم من الباب الثامن من إنجيل متّى أن الحالين المذكورين بعد وعظ الجبل. وكتب وعظ التمثيلات في الباب الثالث عشر. فهذا الوعظ متأخّر عن الحالين المذكورين تأخّرا كبيرا ، لأن بين الواعظين مدة مديدة. فأحدهما غلط لأن التقديم والتأخير في تاريخ الوقائع وتوقيت الحوادث من الذين يدّعون أنهم يكتبون بالإلهام أو يدّعى لهم ذلك بمنزلة المناقضة.

٥٥ ـ كتب مرقس في الباب الحادي عشر أن مباحثة اليهود والمسيح كانت في اليوم الثالث من وصوله إلى أورشليم ، وكتب متّى في الباب الحادي والعشرين أنها كانت في اليوم الثاني فأحدهما غلط. وقال هورن في بيان هذين الاختلافين اللذين مرّ ذكرهما في هذا

٧١

الاختلاف والاختلاف السابق عليه في الصفحة ٢٧٥ و ٢٧٦ من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ من الميلاد : «لا تخرج صورة ما من التطبيق في هذه الأحوال».

٥٦ ـ كتب متّى في الباب الثامن أولا شفاء الأبرص بعد وعظ الجبل ، ثم شفاء عبد قائد المائة بعد ما دخل عيسى عليه‌السلام كفر ناحوم ، ثم شفاء حماة بطرس. وكتب لوقا في الباب الرابع أولا شفاء حماة بطرس ، ثم في الباب الخامس شفاء الأبرص ، ثم في الباب السابع شفاء عبد قائد المائة. فأحد البيانين غلط.

٥٧ ـ أرسل اليهود الكهنة واللّاويين إلى يحيى ليسألوه من أنت؟ فسألوه وقالوا : أأنت إيلياء؟ فقال : لست أنا بإيلياء ، كما هو مصرّح في الباب الأول من إنجيل يوحنّا ، وفي الآية الرابعة عشر من الباب الحادي عشر من إنجيل متّى قول عيسى في حق يحيى عليهما‌السلام هكذا : «وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي». وفي الباب السابع عشر من إنجيل متّى هكذا : «١٠ سأله تلاميذه قائلين فلما ذا يقول الكتبة إن إيلياء ينبغي أن يأتي أولا؟ ١١ فأجاب يسوع وقال لهم : إن إيلياء يأتي أولا ويردّ كل شيء ، ١٢ ولكني أقول لكم : إن إيلياء قد جاء ولم يعرفوه ، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم ، ١٣ حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنّا المعمدان». فعلم من العبارتين أن يحيى هو إيلياء الموعود. فلزم التناقض في قول يحيى وعيسى عليهما‌السلام (١).

ولنمهّد لبيان الملازمة أربعة أمور :

الأول : إن يواقيم بن يوشيا لمّا أحرق الصحيفة التي كتبها باروخ من فم أرميا عليهم‌السلام نزل الوحي إلى أرميا هكذا : «الربّ يقول في ضدّ يواقيم ملك يهوذا إنه لا يكون منه جالس على كرسي داود». كما هو مصرّح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرميا. والمسيح عندهم لا بدّ أن يكون جالسا على كرسي داود. ونقل لوقا أيضا في الباب الأول من إنجيله قول جبريل لمريم عليهما‌السلام في حق عيسى عليه‌السلام : «ويعطيه الربّ الإله كرسي داود أبيه».

الثاني : إن مجيء المسيح كان مشروعا بمجيء إيلياء قبله ، وكان من إنكار اليهود عيسى عليه‌السلام أن إيلياء ما جاء ومجيئه أولا ضروري ، وقد سلّم عيسى عليه‌السلام أيضا أن إيلياء يجيء أولا ، لكنه قال : إنه قد جاء ولم يعرفوه ، وإيلياء أيضا قد أنكر أني لست بإيلياء.

__________________

(١) لو تدبّر أحد في كتبهم لما أمكن له الإذعان بكون عيسى مسيحا موعودا صادقا.

٧٢

الثالث : إن ظهور المعجزات وخوارق العادات عندهم ليس دليل الإيمان فضلا عن النبوّة ، ثم فضلا عن الألوهية. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متّى قول عيسى عليه‌السلام هكذا : «سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضا». وفي الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي قول بولس في حقّ الدجّال : «الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة».

الرابع : إن من يدعو إلى عبادة غير الله فهو واجب القتل بحكم التوراة ، وإن كان ذا معجزات عظيمة. ومدّعو الألوهية أشنع من هذا ويدعو إلى عبادة غير الله لأنه غير الله يقينا ، كما ستعرف في الباب الرابع مفصّلا ومدلّلا ، ويدعو إلى عبادة نفسه. فإذا عرفت هذه المقدمات الأربعة فأقول : إن عيسى عليه‌السلام ولد يواقيم على حسب النسب المندرج في إنجيل متّى ، فلا يكون قابلا لأن يجلس على كرسي داود بحكم المقدمة الأولى ، ولم يجيء قبله إيلياء ، لأن يحيى لمّا اعترف بأنه ليس بإيلياء ، فالقول الذي يكون بخلافه لا يقبل ، ولا يتصوّر أن يكون إيلياء مرسلا من الله ذا وحي وإلهام ولا يعرف نفسه ، فلا يكون عيسى عليه‌السلام مسيحا موعودا بحكم المقدمة الثانية ، وادّعى الألوهية على زعم أهل التثليث ، فيكون واجب القتل بحكم المقدمة الرابعة ، والمعجزات التي نقلت في الأناجيل ليس بصحيحة عند المخالف أولا ، ولو سلمت ليست دليل الإيمان فضلا عن النبوّة ، فيكون اليهود مصيبين في قتله والعياذ بالله. وما الفرق في هذا المسيح الذي يعتقده النصارى وبين مسيح اليهود؟ وكيف يعلم أن الأول صادق والثاني كاذب مع أن كلّا منهما يدّعي الحقّيّة لنفسه وكلّ منهما ذو معجزات باهرة على اعترافهم؟ فلا بدّ من العلامة الفارقة بحيث تكون حجّة على المخالف. فالحمد لله الذي نجّانا من المهالك بواسطة نبيّه وصفيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى اعتقدنا أن عيسى ابن مريم عليهما‌السلام نبيّ صادق ومسيح موعود بريء عن دعوى الألوهية ، وافترى أهل التثليث عليه في هذا الأمر.

الاختلاف الثامن والخمسون إلى الاختلاف الثالث والستّين : وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى والباب الأول من إنجيل مرقس والباب السابع من إنجيل لوقا هكذا : «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيّئ طريقك قدّامك». ونقل الإنجيليّون الثلاثة هذا القول على رأي مفسّريهم من الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا ، وهي هكذا : «ها أنا ذا مرسل ملاكي ويسهل الطريق أمام وجهي». فبين المنقول والمنقول عنه اختلاف بوجهين : الأول : أن لفظ (أمام وجهك) في هذه الجملة (ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي)

٧٣

زائد في الأناجيل الثلاثة ولا يوجد في كلام ملاخيا. والثاني : أن كلام ملاخيا في الجملة الثانية بضمير المتكلم ، ونقل الثلاثة بضمير الغائب. قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره ناقلا عن داكتر ريدلف : «لا يمكن أن يبيّن سبب المخالفة بسهولة غير أن النسخ القديمة وقع فيها تحريف ما». انتهى. فهذه ستّة اختلافات بالنسبة إلى الأناجيل الثلاثة.

الاختلاف الرابع والستّون إلى السابع والستّين : الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متّى مخالفة للآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا ، وأربع آيات من الباب الثاني من كتاب أعمال الحواريين من الآية الخامسة والعشرين إلى الآية الثامنة والعشرين مخالفة لأربع آيات من الزبور الخامس عشر ، على وفق الترجمة العربية ، ومن الزبور السادس عشر على وفق التراجم الأخر. من الآية الثامنة إلى الآية الحادية عشرة ، وثلاث آيات من الباب العاشر من الرسالة العبرانية من الخامسة إلى السابعة مخالفة لثلاث آيات من الزبور التاسع والثلاثين على وفق الترجمة العربية ، ومن الزبور الأربعين على وفق التراجم الأخر. والآيتان من الباب الخامس عشر من كتاب أعمال الحواريين أعني السادسة عشرة والسابعة عشرة مخالفتان لآيتين من الباب التاسع من كتاب عاموص أعني الحادية عشرة والثانية عشرة. وقد سلّم مفسّروهم الاختلاف في هذه المواضع واعترفوا بأن النسخة العبرانية محرّفة. وهذه الاختلافات ، وإن كانت كثيرة ، لكني لمّا أجملت قلت إنها أربعة.

٦٨ ـ الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى أهل قونيثيوس هكذا : «بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه». وهي منقولة على تحقيق مفسّريهم من الآية الرابعة من الباب الرابع والستّين من كتاب أشعياء هكذا : «منذ الدهر ولم يسمعوا ولم يقبلوا بآذانهم العين لم تر اللهمّ بغيرك التي هيّأت لمنتظريك». ففرّق بينهما. وسلّم مفسّروهم هذا الاختلاف ونسبوا التحريف إلى كتاب أشعياء.

٦٩ ـ كتب متّى في الباب العشرين من إنجيله أن عيسى لمّا خرج من أريحا وجد أعميين جالسين في الطريق وشفاهما عن العمى. وكتب مرقس في الباب العاشر من إنجيله أنه وجد أعمى واحدا اسمه باريتماوس فشفاه.

٧٠ ـ كتب متّى في الباب الثامن أن عيسى لمّا جاء إلى العبر إلى كورة الجدريين استقبله مجنونان خارجان من القبور فشفاهما. وكتب مرقس في الباب الخامس ، ولوقا في الباب الثامن ، أنه استقبله مجنون واحد خارجا من القبور فشفاه.

٧١ ـ كتب متّى في الباب الحادي والعشرين أن عيسى أرسل تلميذين إلى القرية ليأتيا

٧٤

بالأتان والجحش وركب عليهما. وكتب الثلاثة الباقون ليأتيا بالجحش فأتيا به وركب عليه.

٧٢ ـ كتب مرقس في الباب الأول أن يحيى كان يأكل جرادا وعسلا بريّا. وكتب متّى في الباب الحادي عشر أنه كان لا يأكل ولا يشرب.

الاختلاف الثالث والسبعون إلى الخامس والسبعين : من قابل الباب الأول من إنجيل مرقس ، والباب الرابع من إنجيل متّى ، والباب الأول من إنجيل يوحنّا ، وجد ثلاثة اختلافات في كيفية إسلام الحواريين : الأول ، أن متّى ومرقس يكتبان أن عيسى لقي بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنّا على بحر الجليل فدعاهم إلى الإسلام فتبعوه. ويكتب يوحنّا أنه لقي غير يعقوب عند ما عبر الأردن. والثاني : أن متّى ومرقس يكتبان أنه لقي أولا بطرس وأندراوس على بحر الجليل ثم لقي بعد زمان قليل يعقوب ويوحنّا على هذا البحر. وكتب يوحنّا أن يوحنّا وأندراوس لقيا أولا في قرب عبر الأردن ، ثم جاء بطرس بهداية أخيه أندراوس ، ثم في الغد لمّا أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل لقي فيلبس ثم جاء نثنائيل بهداية فيلبس ولم يذكر يعقوب. والثالث : أن متّى ومرقس يكتبان أنه لمّا لقيهم كانوا مشتغلين بإلقاء الشبكة وبإصلاحها ، ويوحنّا لم يذكر الشبكة ، بل ذكر أن يوحنّا وأندراوس سمعا وصف عيسى من يحيى عليه‌السلام ، وجاءا إلى عيسى ، ثم جاء بطرس بهداية أخيه.

٧٦ ـ من قابل الباب التاسع من إنجيل متّى بالباب الخامس من إنجيل مرقس ، في قصة ابنة الرئيس ، وجد اختلافا ، قال الأول : إن الرئيس جاء إلى عيسى عليه‌السلام ، فقال : إن ابنتي ماتت ، وقال الثاني : إنه جاء وقال ابنتي قاربت الموت. فذهب عيسى معه فلما كانوا في الطريق جاءت جماعة الرئيس فأخبروه بموتها. وسلّم المحقّقون من المتأخرين الاختلاف المعنوي هاهنا. فبعضهم رجّح الأول ، وبعضهم الثاني ، واستدلّ البعض بهذا ، أن متّى ليس بكاتب للإنجيل ، وإلّا لما كتب مجملا. ولوقا موافق لمرقس في بيان القصة غير أنه قال : جاء واحد من بيته فأخبره بموتها. واختلف العلماء المسيحية في موت الابنة المذكورة أكانت ميّتة في الحقيقة أم لا؟ فالفاضل نيندر لا يعتقد بموتها ، بل يظن بالظن الغالب أنها كانت ميّتة في الرؤية لا في الحقيقة ، وقال بالش وشلي ميشر والشاشن : إنها ما كانت ميّتة بل كانت في حالة الغشي ، ويؤيد قولهم ظاهر قول المسيح عليه‌السلام أن الصبيّة لم تمت لكنها نائمة. وعلى قولهم لا يكون هاهنا معجزة إحياء الميت.

٧٧ ـ يعلم من الآية العاشرة من الباب العاشر من إنجيل متّى ، والآية الثالثة من الباب التاسع من إنجيل لوقا ، أن عيسى عليه‌السلام لمّا أرسل الحواريين كان منعهم من أخذ

٧٥

العصا. ويعلم من الآية الثامنة من الباب السادس من إنجيل مرقس أنه كان أجازهم لأخذ العصا.

٧٨ ـ في الباب الثالث من إنجيل متّى جاء عيسى إلى يحيى عليهما‌السلام للاصطباغ ، فمنعه يحيى قائلا : إني محتاج أن أصطبغ منك ، وأنت تأتي إليّ. ثم اصطبغ عيسى منه ، وصعد من الماء ، فنزل عليه الروح مثل حمامة. وفي الباب الأول من إنجيل يوحنّا : لم أكن أعرفه وعرفته بنزول الروح مثل حمامة. وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متّى ، أنه لمّا سمع يحيى أعمال المسيح أرسل تلميذين إليه وقال له : أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ فعلم من الأول أن يحيى كان يعرف قبل نزول الروح ، ومن الثاني ما عرف إلّا بعد نزول الروح ، ومن الثالث أنه لم يعرف بعد نزول الروح أيضا. ووجّه صاحب ميزان الحق في الصفحة ١٣٣ من كتابه حلّ الإشكال العبارتين الأولتين بتوجيه ردّه صاحب الاستبشار بأكمل وجه. وهذا الردّ وصل إليه. وكذا رددته في كتابي إزالة الشكوك. ولمّا كان التوجيه المذكور ضعيفا ولا يرتفع منه الاختلاف بين عبارتي متّى ، تركته هاهنا لأجل خوف الطول.

٧٩ ـ في الآية ٣١ من الباب الخامس من إنجيل متّى قول المسيح هكذا : «إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا». وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الثامن من إنجيله هكذا : «وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ».

٨٠ ـ يعلم من الباب الخامس عشر من إنجيل متّى ، أن الامرأة المستغيثة لأجل شفاء بنتها كانت كنعانية. ويعلم من الباب السابع من إنجيل مرقس أنها كانت يونانية باعتبار القوم ، وفينيقية ثورية باعتبار القبيلة.

٨١ ـ كتب مرقس في الباب السابع أن عيسى أبرأ واحدا كان أصمّا وأبكما ، وبالغ متّى في الباب الخامس عشر فجعل هذا الواحد جمّا غفيرا ، وقال : جاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشلل وآخرون كثيرون فشفاهم. وهذه المبالغة كما بالغ الإنجيل الرابع في آخر إنجيله هكذا : «وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع المكتوبة». فانظروا إلى ظنه الصحيح وظنّنا أنه تسع هذه الكتب زاوية البيت الصغيرة جدا ، لكنهم عند المسيحيين ذوو إلهام فيقولون ما يشاءون بالإلهام. فمن يقدر أن يتكلّم.

٨٢ ـ في الباب السادس والعشرين من إنجيل متّى ، أن عيسى قال مخاطبا للحواريين : إن واحدا منكم يسلمني. فحزنوا جدا وابتدأ كل واحد منهم يقول : هل هو أنا يا رب؟ فقال : الذي يغمس يده معي في الصحفة يسلّمني. فأجاب يهوذا وقال : هل أنا هو يا سيّدي؟ فقال

٧٦

له : أنت قلت. وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنّا هكذا ، قال عيسى عليه‌السلام : إن واحدا منكم يسلّمني. فكان التلاميذ ينظر بعضهم إلى بعض متحيّرين. فأشار بطرس إلى تلميذ كان عيسى عليه‌السلام يحبّه أن يسأله ، فسأل ، فأجاب : هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطية. فغمس اللقمة وأعطاها يهوذا.

٨٣ ـ كتب متّى في الباب السادس والعشرين في كيفية أسر اليهود عيسى عليه‌السلام ، أن يهوذا كان قال لليهود : امسكوا من أقبّله. فجاء معهم وتقدّم إلى عيسى وقال : السلام يا سيدي ، وقبّله ، فأمسكوه. وفي الباب الثامن عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : فأخذ يهوذا الجند من عند رؤساء الكهنة والفريسيين ، فجاء فخرج يسوع وقال لهم : من تطلبون؟ أجابوه : يسوع الناصري. قال لهم عيسى : أنا هو. وكان يهوذا مسلّمه أيضا واقفا معهم. فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم مرة أخرى : من تطلبون؟ فقالوا : يسوع الناصري. أجاب عيسى : قد قلت لكم إني أنا هو ، فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. فقبضوه وأمسكوه.

٨٤ ـ اختلف الإنجيليون الأربعة في بيان إنكار بطرس بثمانية أوجه : الأول : إن من ادّعى على بطرس أنه من تلاميذ عيسى كان ، على رواية متّى ومرقس ، جاريتان والرجال القيام ، وعلى رواية لوقا أمة ورجلان. الثاني : أن الجارية التي سألت أولا ، وقت سؤالها كان بطرس في ساحة الدار ، على رواية متّى ، ووسط الدار على رواية لوقا ، وأسفل الدار على رواية مرقس ، وداخل الدار ، على رواية يوحنّا. الثالث : اختلافهم في نوع ما سئل به بطرس. الرابع : صياح الديك مرة كان بعد إنكار بطرس ثلاث مرات على رواية متّى ولوقا ويوحنّا ، وكان مرة بعد إنكار الأول ، ومرة أخرى بعد إنكار مرتين على رواية مرقس. الخامس : أن متّى ولوقا رويا عن عيسى أنه قال قبل أن يصيح الديك : تنكرني ثلاث مرات ، وروى مرقس أنه قال إنه قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. السادس : جواب بطرس للجارية التي سألت عنه أولا على رواية متّى : ما أدري ما تقولين. وعلى رواية يوحنّا : فقط. وعلى رواية مرقس : لست أدري ولا أعرف ما تقولين. وعلى رواية لوقا : يا امرأة ما أعرف. السابع : جوابه للسؤال الثاني على رواية متّى كان بعد الحلف والإنكار هكذا : ما أعرف هذا الرجل. وعلى رواية يوحنّا كان قوله : لست أنا. وعلى رواية مرقس : الإنكار فقط. وعلى رواية لوقا : يا رجل ما أنا هو. الثامن : أن الرجال القيام وقت السؤال كانوا خارج الدار على ما يفهم من مرقس ، وكانوا وسط الدار على ما يفهم من لوقا.

٨٥ ـ في الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا : «ولمّا مضوا به أمسكوا سمعان

٧٧

رجلا قيروانيا كان آتيا في الحقل ، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع». وفي الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : «فأخذوا يسوع ومضوا به. فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه».

٨٦ ـ يفهم من الأناجيل الثلاثة ، الأول : أن عيسى عليه‌السلام نحو الساعة السادسة كان على الصليب ، ومن إنجيل يوحنّا أنه كان في هذا الوقت في حضور بيلاطس البنطي.

٨٧ ـ كتب متّى ومرقس أن اللصّين اللذين صلبا معه كانا يعيّرانه ، وكتب لوقا أن أحدهما غيّره والآخر زجره وقال لعيسى عليه‌السلام : اذكرني يا ربّ متى جئت في ملكوتك. فقال له عيسى : إنك اليوم تكون معي في الفردوس. ومترجمو التراجم الهندية المطبوعة سنة ١٨٣٩ وسنة ١٨٤٠ وسنة ١٨٤٤ وسنة ١٨٤٦ حرّفوا عبارة متّى ومرقس وبدّلوا المثنى بالمفرد لرفع الاختلاف. هذه سجيّة لا يرجى تركها منهم.

٨٨ ـ يعلم من الباب العشرين والحادي والعشرين من إنجيل متّى أن عيسى ارتحل من أريحا وجاء إلى أورشليم. ويعلم من الباب الحادي عشر والثاني عشر من إنجيل يوحنّا أنه ارتحل من أفرايم وجاء إلى قرية بيت عينا وبات فيها ثم جاء إلى أورشليم.

٨٩ ـ يفهم من هذه الأناجيل أن عيسى عليه‌السلام أحيا إلى زمان عروج السماء ثلاثة أموات ، الأول ابنة الرئيس كما نقل الإنجيليون الثلاثة الأوّلون ، الثاني الميت الذي نقله لوقا فقط من الباب السابع من إنجيله ، والثالث العازار كما نقل يوحنّا فقط في الباب الحادي عشر من إنجيله وفي الباب السادس والعشرين من كتاب الأعمال هكذا : «إن لم يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات». وفي الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا : «٢٠ قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين ٢٢ سيحيي الجميع ٢٣ ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه». وفي الآية الثامنة عشر من الباب الأول من رسالة بولس إلى قولاسائس هكذا : «الذي هو البداية بكر من الأموات لكي يكون هو متقدّما في كل شيء». فهذه الأقوال تنفي قيام ميت من الأموات قبل المسيح ، وإلّا لا يكون أول القائمين وباكورتهم ، ولا يكون متقدّما في هذا الباب. فكيف يصدق أقواله : هو أول قيامة الأموات ، وصار باكورة الراقدين ، والمسيح باكورة ، وبكر من الأموات؟ ويصدق أقواله ما وقع في الآية الخامسة من الباب الأول من المشاهدات هكذا : «ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات». وما وقع في كتاب أيوب في الباب السابع من كتابه هكذا «٩ كما يضمحل السّحاب ويذهب هكذا من يهبط إلى الهاوية لا يصعد ١٠ ولا يرجع أيضا إلى بيته ولا يعرفه أيضا مكانه». ترجمة فارسية سنة ١٨٤٥ : ٩ (أبريرا كندة شده

٧٨

نابود مى شود بهمين طور كسي كه بقبر مى رود برنمى آيد) ١٠ (بحانه اش ديكر بر نخواهد كرديد ومكانش ديكر وى را نخواهد شناخت). وفي الباب الرابع عشر من كتابه هكذا : «١٣ والرجل إذا اضطجع لا يقوم حتى تبلى السماء لا يستيقظ من سباته ولا يستنبه ١٤ لعلّ ان مات الرجل يحيى». إلخ. ترجمة فارسية سنة ١٨٣٨ : ١٢ (إنسان مى خوابد ونخواهد بر حاسد مادامى كه آسمان محو نشود بيدا رو نخواهد برخاست) ١٤ (آدمى هركاه بميرد آيا زندة مى شود) إلخ. فعلم من هذه الأقوال أنه لم تصدر معجزة إحياء الميت عن المسيح قطّ. وقد عرفت خلاف العلماء المسيحية في إحياء ابنة الرئيس في الاختلاف السادس والسبعين. وعلم من أقوال أيوب أن قيام المسيح من الأموات أيضا باطل ، وقصة موته وصلبه في هذه الأناجيل المصنوعة من أكاذيب أهل التثليث (١).

٩٠ ـ يعلم من متّى أن مريم المجدلية ومريم الأخرى لمّا وصلتا إلى القبر نزل ملاك الربّ ودحرج الحجر عن القبر وجلس عليه وقال : لا تخافا واذهبا سريعا. ويعلم من مرقس أنهما وسالومة لمّا وصلن إلى القبر رأين أن الحجر مدحرج ، ولمّا دخلت رأين شابّا جالسا عن اليمين. ويعلم من لوقا أنهنّ لمّا وصلن وجدن الحجر مدحرجا فدخلن ولم يجدن جسد المسيح ، فصرن محتارات ، فإذا رجلان واقفان بثياب برّاقة.

٩١ ـ يعلم من متّى أن الملك لمّا أخبر الامرأتين أنه قد قام من الأموات ورجعتا لاقاهما عيسى عليه‌السلام في الطريق وسلّم عليهما ، وقال : اذهبا وقولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. ويعلم من لوقا أنهنّ لمّا سمعن من الرجلين رجعن وأخبرن الأحد عشر وسائر التلاميذ بهذا كله ، فلم يصدّقوهنّ. وكتب يوحنّا أن عيسى لقي مريم عند القبر.

٩٢ ـ في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا أن دم جميع الأنبياء منذ إنشاء العالم من دم هابيل إلى دم زكريا يطلب من اليهود. وفي الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال أنه لا يؤخذ أحد بذنب أحد. وفي مواضع من التوراة أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال.

٩٣ ـ في الباب الثاني من الرسالة الأولى إلى طيموثاوس هكذا : «٣ هذا حسن ومقبول لدي مخلصا لله ٤ الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون». وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا : «١١ ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ١٢ لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا

__________________

(١) ما قلت في إنكار معجزة الإحياء على سبيل الإلزام كما علمت في أول الكتاب.

٧٩

بالإثم». فيعلم من الأول أن الله يريد أن يخلّص جميع الناس ويصلون إلى معرفة الحق ، ومن الثاني أن الله يرسل عليهم عمل الضلال فيصدقون الكذب ثم يعاقبهم عليه. وعلماء بروتستنت على مثل هذا المضمون يقدحون في المذاهب الأخرى ، فيقال لهؤلاء المعترضين : أإغواء الله الناس أولا بإرسال عمل الضّلال ثم تعذيبهم عندكم قسم من أقسام النجاة والوصول إلى معرفة الحق؟

٩٤ و ٩٥ و ٩٦ ـ كتب حال إيمان بولس في الباب التاسع والباب الثاني والعشرين والباب السادس والعشرين من كتاب الأعمال وفي الأبواب الثلاثة اختلاف بوجوه شتّى ، اكتفيت منها في هذا الكتاب على ثلاثة أوجه وأوردت في كتابي إزالة الشكوك عشرة منها : الأول ، أنه وقع في الباب التاسع هكذا : «وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا». وفي الباب الثاني والعشرين هكذا : «والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلّمني». ففي الأول (يسمعون الصوت) وفي الثاني (لم يسمعوا). والباب السادس والعشرون ساكت عن سماع الصوت وعدم سماعه. الثاني : في الباب التاسع هكذا : «فقال له الربّ قم وادخل المدينة فيقال لك ما ذا ينبغي أن تفعل». وفي الباب الثاني والعشرين هكذا : «قال لي الربّ قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل». وفي الباب السادس والعشرين هكذا : «قم وقف على رجليك لأني لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادما وشاهدا بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذا إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم ، لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ، ومن سلطان الشيطان إلى الله ، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين». فيعلم من البابين الأوّلين أن بيان ما ذا يفعل كان موعودا بعد وصوله إلى المدينة. ويعلم من الثالث أنه لم يكن موعودا ، بل بيّنه في موضع سماع الصوت. الثالث : يعلم من الأول أن الذين كانوا معه وقفوا صامتين ، ويعلم من الثالث أنهم كانوا سقطوا على الأرض ، والثاني ساكت عن القيام والسقوط.

٩٧ ـ الآية الثامنة من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا : «ولا تزن كما زنى أناس منهم فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفا». وفي الآية التاسعة من الباب الخامس والعشرين من سفر العدد هكذا : «وكان من مات أربعة وعشرون ألفا من البشر». ففيهما اختلاف بمقدار ألف. فأحدهما غلط.

٩٨ ـ الآية الرابعة عشرة من الباب السابع من كتاب الأعمال هكذا : «فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفسا». وهذه العبارة دالّة على أن يوسف

٨٠