إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

تيموثاوس هكذا : «وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى» إلخ. وهذا الحال مذكور في الباب السابع من سفر الخروج ، ولا أثر لهذين الاسمين في هذا الباب ولا في باب آخر ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. الشاهد الخامس : الآية السادسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا». ولا يوجد لهذا أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة ولا في كتاب أعمال الحواريين ، مع أن لوقا أحرص الناس على تحرير أمثال هذه الأحوال. الشاهد السادس : في الآية الخامسة والثلاثين من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا : «متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ». وهذا القول لا يوجد له أثر في إنجيل من الأناجيل الأربعة. الشاهد السابع : لا سيما التي ذكرت في الباب الأول من إنجيل متّى بعد زربابل لا توجد في كتاب من كتب العهد العتيق. الشاهد الثامن : في الباب السابع من كتاب الأعمال هكذا : «٢٣ ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل ٢٤ وإذا رأى واحدا مظلوما حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري ٢٥ فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة وأما هم فلم يفهموا ٢٦ وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون فساقهم إلى السلام قائلا أيها الرجال أنتم إخوة لما ذا تظلمون بعضكم بعضا ٢٧ فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلا من أقامك رئيسا وقاضيا علينا ٢٨ أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري؟» وهذا الحال مذكور في الباب الثاني من كتاب الخروج ، لكن بعض الأشياء ذكرت في كتاب الأعمال وما جاء ذكرها في كتاب الخروج. وعبارة الخروج هكذا : «١١ وفي تلك الأيام لما شبّ موسى خرج إلى إخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلا من أهل مصر يضرب رجلا من إخوته العبرانيين ١٢ فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحد فقتل المصري ودفنه في الرمل ١٣ وإنه خرج من اليوم الثاني ونظر إلى رجلين عبرانيين يختصمان فقال للظالم منهما لم تضرب صاحبك؟ ١٤ فقال له ذلك الرجل من جعلك سلطانا علينا أو قاضيا لعلّك تريد قتلي كما بالأمس قتلت المصري؟» الشاهد التاسع : الآية السادسة من رسالة يهوذا هكذا : «والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم ، بل تركوا مسكنهم ، حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام». الشاهد العاشر : في الآية الرابعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس : «الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء». وهذا الحال الذي نقله بطرس ويهودا الحواريان لا يوجد في كتاب من كتب العهد العتيق ، بل الظاهر أنه كاذب. لأن الظاهر أن المراد بهؤلاء الملائكة المحبوسين ، الشياطين. والشياطين ليسوا بمحبوسين بقيود أبدية ، كما يشهد عليه الباب الأول من كتاب أيوب ، والآية الثانية عشر من الباب الأول من إنجيل

٣٢١

مرقس ، والآية الثامنة من الباب الخامس من الرسالة الأولى لبطرس ، وغيرها من الآيات. الشاهد الحادي عشر : الآية الثامنة عشر من الزبور المائة والرابع على وفق الترجمة العربية ، ومن الزبور المائة والخامس على وفق التراجم الأخر هكذا : «وذلّت بالقيود رجلاه ، وبالحديد عبرت نفسه» وحال كون يوسف مسجونا مذكور في الباب التاسع والثلاثين من سفر التكوين ، وليس (ذلت رجليه بالقيود) و (عبرت نفسه بالحديد) مذكورين فيه. ولا يلزم هذان الأمران للمسجون وإن كانا غالبين. الشاهد الثاني عشر : في الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب هوشع هكذا : «وغلب الملاك وتقوى وبكى وسأله» إلخ. وحال مصارعة الملك يعقوب مذكور في الباب الثاني والثلاثين من سفر التكوين ولا يوجد فيه بكاء يعقوب. الشاهد الثالث عشر يوجد في الإنجيل ذكر الجنة والجحيم والقيامة وجزاء الأعمال فيها ، وإن كان بالإجمال. ولا أثر لهذا في الكتب الخمسة لموسى ، بل لا يوجد فيها سوى المواعيد الدنيوية للمطيعين ، والتهديدات الدنيوية للعاصين.

وهكذا يوجد مواضع كثيرة. فظهر مما ذكرنا أنه إذا ذكر بعض الأحوال في كتاب ولا يوجد ذكره في الكتاب المتقدم ، لا يلزم منه تكذيب الكتاب المتأخر ، وإلا يلزم أن يكون الإنجيل كاذبا لاشتماله على الحالات التي لم تذكر في التوراة ولا في كتاب آخر من كتب العهد العتيق. فالحق أن الكتاب المتقدم لا يلزم أن يكون مشتملا على الحالات كلها. ألا ترى أن أسماء جميع أولاد آدم وشيث وأنوس وغيرهم ، وكذا أحوالهم ليست مذكورة في التوراة؟ وفي تفسير دوالي رجرد مينت ذيل شرح الآية الخامسة والعشرين من الباب الرابع عشر من سفر الملوك الثاني هكذا : «لا يوجد ذكر هذا الرسول يونس إلا في هذه الآية وفي البلاغ المشهور الذي كان إلى أهل نينوى ، ولا يوجد في كتاب من الكتب إخباراته عن الحوادث الآتية التي جرأ بها يوربعام السلطان على محاربة سلاطين السريا ، وسببه ليس منحصرا في أن الكتب الكثيرة للأنبياء لا توجد عندنا ، بل سببه هذا أيضا أن الأنبياء لم يكتبوا كثيرا من أخبارهم عن الحوادث الآتية». انتهى. فهذا القول يدل صراحة على ما قلت. والآية الثلاثون من الباب العشرين من إنجيل يوحنا هكذا : «وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب» والآية الخامسة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا : «وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة». وهذا الكلام ، وإن لم يخل عن المبالغة الشاعرية لكنه لا شك أنه يفيد أن جميع حالات عيسى عليه‌السلام ما كتبت. فالطاعن باعتبار النوع الثاني على القرآن حاله كحال الطاعن باعتبار النوع الأول بلا تفاوت.

٣٢٢

وأما النوع الثالث (١) ، فلأن مثل هذه الاختلافات يوجد بين كتب العهد العتيق بعضها مع بعض ، وبين الأناجيل بعضها مع بعض ، وبين الإنجيل والعهد العتيق ، كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول ، ويوجد في النسخ الثلاث للتوراة أعني العبرانية واليونانية والسامرية. وقد حصل لك الاطلاع على بعض الاختلافات أيضا في الباب الثاني ، لكن القسيسين من عادتهم أنهم يغلّطون عوام المسلمين في كثير من الأوقات بهذه الشّبهة. فالأنسب أن أذكر بعض هذه الاختلافات ، ولا أخاف من التطويل اليسير لأنه لا يخلو عن الفائدة المهمة.

الاختلاف الأول : ان الزمان من خلق آدم إلى زمن الطوفان ، باعتبار العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة (١٦٥٦) ، وباعتبار اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة (٢٢٦٢) ، وعلى وفق السامرية ألف وثلاثمائة وسبع سنين (١٣٠٧). الاختلاف الثاني : ان الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه‌السلام ، باعتبار العبرانية مائتان واثنتان وتسعون سنة (٢٩٢) وباعتبار اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة (١٠٧٢) وباعتبار السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة (٩٤٢). الاختلاف الثالث : يوجد في النسخة اليونانية بين ارفخشد وشالح بطن واحد وهو قينان ، ولا يوجد في العبرانية والسامرية ولا في السفر الأول من أخبار الأيام وفي تاريخ يوسيفس. لكن لوقا الإنجيلي اعتمد على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح. فيجب على المسيحيين أن يعتقدوا صحة اليونانية وكون غيرها غلطا لئلا يلزم كذب إنجيلهم. الاختلاف الرابع : إن موضع بناء الهيكل ، أعني المسجد ، باعتبار العبرانية جبل عيبال ، وباعتبار السامرية جبل جرزيم ، وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الباب الثاني فلا أطوّل الكلام في توضيحها. الاختلاف الخامس : ان الزمان من خلق آدم إلى ميلاد المسيح باعتبار العبرانية (٤٠٠٤) وباعتبار اليونانية (٥٨٧٢) ، وباعتبار السامرية (٤٧٠٠) ، وفي المجلد الأول من تفسير هنري واسكات : «إن اهيلز أخذ التاريخ بعد تصحيح أغلاط يوسيفس واليونانية ، وعلى تحقيقه من خلق العالم إلى ميلاد المسيح (٥٤١١) ومن الطوفان إلى الميلاد (٣١٥٥)». انتهى. وجارلس روجر في كتابه الذي قابل فيه التراجم الانجليزية نقل خمسة وعشرين قولا من أقوال المؤرخين في بيان المدة التي من خلق العالم إلى ميلاد المسيح وإلى سنة ألف وثمانمائة وسبع وأربعين. ثم اعترف أنه لا يطابق قولان منها ، وأن تميز الصحيح عن الغلط محال. وأنا أنقل ترجمة كلامه وأكتفي على بيانها إلى ميلاد المسيح ، لأن المدة التي بعدها لا اختلاف فيها للمؤرخين فلا حاجة إلى نقل الغاية الأخرى :

__________________

(١) ذكر المؤلّف في جوابه الثاني على الشّبهة الثانية ثلاثة اعتبارات تحول دون طعن الطاعنين في القرآن. وقد فصّل الكلام في اعتبارين ، وهذا هو الاعتبار الثالث.

٣٢٣

ولا يطابق قولان من هذه الأقوال. ومن لم يتأمل في هذا الأمر في حين من الأحيان يفهم أن هذا الأمر العجيب في غاية الأشكال ، لكن الظاهر أن المؤرخين المقدسين لم يريدوا في حين من الأحيان أن يكتبوا التاريخ بالنظم ، ولا يمكن الآن لأحد أن يعلم العدد الصحيح». انتهى كلام چارلس روجر. فظهر من كلامه أن معرفة الصحيح الآن محال جدا ، وأن المؤرخين من أهل العهد العتيق أيضا كتبوا ما كتبوا رجما بالغيب ، وأن الرائج العام في اليهود يخالف الرائج العام في المسيحيين. فأنصف أيها اللبيب أنه لو فهمت مخالفة القرآن المجيد لتاريخ من تواريخهم المقدسة التي حالها كما عرفت لا نشك لأجل هذه المخالفة في القرآن. لا والله. بل نقول أن مقدسيهم غلطوا وكتبوا ما كتبوا ، سيما إذا لاحظنا تواريخ العالم جزمنا أن تحرير مقدسيهم في أمثال هذه الأمور ليس له إلا تربة الظن والتخمين. ولذلك لا نعتمد على هذه الأقوال الضعيفة.

قال العلّامة تقي الدين أحمد بن المقريزي في المجلد الأول من تاريخه ناقلا عن الفقيه الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم : «وأما نحن ـ يعني أهل الإسلام ـ فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا. ومن ادّعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد

٣٢٤

قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه لفظة تصح. بل صحّ عنه عليه‌السلام خلافة ، بل نقطع على أن للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى. قال الله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) [الكهف : ٥١]. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض». وهذه نسبة من تدبّرها وعرف مقدار عدد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض ، وأنه الأكثر علما أن للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى». انتهى كلامه بلفظه ، وهو مختار الفقير أيضا. والعلم التام عند الله وهو أعلم.

الاختلاف السادس : ان الحكم الحادي عشر الزائد على الأحكام العشرة المشهورة يوجد في السامرية ولا يوجد في العبرانية. الاختلاف السابع : الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في العبرانية هكذا : «فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة». وفي السامرية واليونانية هكذا : «فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة». والصحيح ما فيهما ، وما في العبرانية غلط يقينا. الاختلاف الثامن : في الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «وقال قائين لهابيل أخيه ، ولما صار في الحقل». وفي السامرية واليونانية هكذا : «وقال قائين لهابيل أخيه تعالى نخرج إلى الحقل. ولما صار في الحقل». والصحيح ما فيهما عند محققيهم. الاختلاف التاسع : في الآية السابعة عشر من الباب السابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «وصار الطوفان أربعين يوما على الأرض». وفي اليونانية هكذا : «وصار الطوفان أربعين يوما وليلة على الأرض». وفي اليونانية هكذا : «وصار الطوفان أربعين يوما وليلة على الأرض». والصحيح ما في اليونانية. الاختلاف العاشر : في الآية الثامنة من الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «حتى تجتمع الماشية». وفي السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت هكذا : «حتى تجتمع الرعاة». والصحيح ما في هذه الكتب لا ما في العبرانية. الاختلاف الحادي عشر : في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «وضاجع بلها سريّة أبيه فسمع إسرائيل». وفي اليونانية هكذا : «وضاجع بلها سريّة أبيه فسمع إسرائيل وكان قبيحا في نظره». والصحيح ما في اليونانية. الاختلاف الثاني عشر : في أول الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين توجد في اليونانية هذه الجملة (لما سرقتم صواعي) ولا توجد في العبرانية والصحيح ما في اليونانية. الاختلاف الثالث عشر : في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «فاذهبوا بعظامي من هاهنا». وفي اليونانية والسامرية هكذا : «فاذهبوا بعظامي من هاهنا معكم».

٣٢٥

الاختلاف الرابع عشر : في آخر الآية الثانية والعشرين من الباب الثاني من سفر الخروج في اليونانية هذه العبارة : «وولدت أيضا غلاما ثانيا ودعا اسمه لعازار فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون». ولا توجد في العبرانية. والصحيح ما في اليونانية ، وأدخلها مترجمو العربية في تراجمهم. الاختلاف الخامس عشر : في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في العبرانية هكذا : «فولدت له هارون وموسى». وفي السامرية واليونانية هكذا : «فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما». والصحيح ما فيهما. الاختلاف السادس عشر : توجد في آخر الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد في الترجمة اليونانية هذه العبارة : «وإذا نفخوا مرة ثالثة ترفع الخيام الغربية للارتحال ، وإذا نفخوا مرة رابعة ترفع الخيام الشمالية للارتحال». ولا توجد في العبرانية. والصحيح ما في اليونانية. الاختلاف السابع عشر : توجد في النسخة السامرية في الباب العاشر من سفر العدد ما بين الآية العاشرة والحادية عشر هذه العبارة : «قال الرب مخاطبا لموسى انكم جلستم في هذا الجبل كثيرا ، فارجعوا وهلموا إلى جبل الأمورانيين وما يليه إلى العرباء وإلى أماكن الطور والأسفل قبالة التيمن ، وإلى شط البحر أرض الكنعانيين ولبنان ، وإلى النهر الأكبر نهر الفرات. هوذا أعطيتكم الأرض فادخلوا ورثوا الأرض التي حلف الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنه سيعطيكم إياها ولخلفكم من بعدكم». انتهت. ولا توجد هذه العبارة في العبرانية. قال المفسّر هارسلي في الصفحة ١٦١ من المجلد الأول من تفسيره : «توجد في النسخة السامرية ما بين الآية العاشرة والحادية عشر من الباب العاشر من سفر العدد العبارة التي توجد في الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الأول من سفر الاستثناء وظهر هذا الأمر في عهد پروكوبيس». الاختلاف الثامن عشر : في الباب العاشر من كتاب الاستثناء في العبرانية هكذا : «٦ ثم ارتحل بنو إسرائيل من بيروت بني يعقن إلى موشرا ، ومات هناك هارون ، وقبر هناك ثم قبر بعده العازار ابنه ٧ ومن ثم أتوا إلى غدغاد ، وارتحلوا من هناك ، وحلوا في يطبشا أرض المياه والسواقي ٨ في ذلك الزمان اعتزل سبط لاوي ليحمل التابوت الذي فيه ميثاق الرب ، ويقوم قدامه في الخدمة ، ويبارك باسمه حتى إلى هذا اليوم». وهذه العبارة تخالف عبارة الباب الثالث والثلاثين من سفر العدد في تفصيل المراحل. وتوجد في السامرية في كتاب الاستثناء أيضا العبارة التي في سفر العدد. وعبارة سفر العدد هكذا : «٣٠ وارتحلوا من حشمونا واتوا مشروت ٣١ ومن مشروت نزلوا في بني عقان ٣٢ وارتحلوا من بني عقان ، وأتوا جبل جدجاد ٣٣ وارتحلوا من ثم ونزلوا في يطبث ٣٤ ومن يطبث أتوا عفرونا ٣٥ وارتحلوا من عفرونا ونزلوا في عصينجير ٣٦ وارتحلوا من ثم وأتوا برية سين ، فهذه هي قادس ٣٧ وارتحلوا من قادس في

٣٢٦

هور الطور الذي في أقصى أرض أدوم ٣٨ ثم صعد هارون الحبر إلى هور الجبل عن أمر الرب ، فمات هناك في سنة أربعين من خروج بني إسرائيل من مصر في الشهر الخامس في اليوم الأول من الشهر ٣٩ وهارون يومئذ ابن مائة وثلاث وعشرين سنة ٤٠ وسمع الكنعاني ملك غارد الذي كان يسكن التيمن في أرض كنعان أن جاء بنو إسرائيل ٤١ ثم ارتحلوا من هور الطور ونزلوا في صلمونا ٤٢ وارتحلوا من ثم وأتوا فينون». إلخ. ونقل آدم كلارك في الصفحة ٧٧٩ و ٧٨٠ من المجلد الأول من تفسيره في شرح الباب العاشر من كتاب الاستثناء تقرير كني كات في غاية الاطناب وخلاصته : «أن عبارة المتن السامري صحيحة ، وعبارة العبري غلط ، وأربع آيات ما بين الآية الخامسة والعاشرة أعني الآية السادسة إلى التاسعة هاهنا أجنبية محضة ، لو أسقطت ارتبط جميع العبارة ارتباطا حسنا. فهذه الآيات الأربع كتبت من غلط الكاتب هاهنا. وكانت من الباب الثاني من كتاب الاستثناء». انتهى. وبعد نقل هذا التقرير أظهر رضاه عليه وقال : «لا يعجل في إنكار هذا التقرير». أقول : يدل على إلحاقية الآيات الأربع الجملة الأخيرة التي توجد في آخر الآية الثامنة.

الاختلاف التاسع عشر : الآية الخامسة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء في العبرانية هكذا : «هم أخربوا نفوسهم ، عيبهم ليس عيبا يكون على أبنائه ، هم الجيل الأعوج المتعسف». وفي اليونانية والسامرية هكذا : «أخربوهم ليسوا له هم أبناء الغلط والعيب». وفي تفسير هنري واسكات : «هذه العبارة أقرب إلى الأصل». انتهى. وقال المفسّر هارسلي في الصفحة ٢١٥ من المجلد الأول هكذا : «فلتقرأ هذه الآية على وفق السامرية واليونانية. وهينولي كينت وكني كات والمتن العبري محرّف هاهنا». انتهى. وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ وسنة ١٨٤٨ هكذا : «أخطوا إليه وهو بريء من أبناء القبائح أيها الجيل الأعوج الملتوي».

الاختلاف العشرون : الآية الثانية من الباب العشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا : «وقال عن سارة امرأته أنها أختي ووجه أبي ملك ملك جرارا وأخذها». وفي تفسير هنري واسكات أن هذه الآية في اليونانية هكذا : «وقال عن سارة امرأته أنها أختي ، لأنه كان خائفا من أن يقول أنها امرأته ظانا أن أهل البلدة يقتلونه بسببها ، فوجه أبي ملك سلطان فلسطين أناسا وأخذها». انتهى. فهذه العبارة (لأنه كان خائفا من أن يقول أنها امرأته ظانا أن أهل البلدة يقتلونه بسببها) لا توجد في العبرانية.

الاختلاف الحادي والعشرون : توجد في الباب الثلاثين من سفر التكوين بعد الآية السادسة والثلاثين هذه العبارة في السامرية : «وقال ملك الرب ليعقوب : يا يعقوب. فقال : لبيك. قال الملك : ارفع طرفك وانظر إلى التيوس والفحول التي تضرب النعاج والمعز ، فإنهم

٣٢٧

بلقاء ومثمرة ومنقطة. فقد رأيت ما فعل بك لابان أنا إله بيت إيل حيث مسحت قائمة الحجر ونذرت لي نذرا. والآن قم فاخرج من هذه الأرض إلى أرض ميلادك». ولا توجد في العبرانية.

الاختلاف الثاني والعشرون : توجد بعد الجملة الأولى من الآية الثالثة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هذه العبارة في النسخة السامرية «وقال موسى لفرعون الرب : يقول إسرائيل ابني بل بكري ، فقلت لك اطلق ابني ليعبدني ، وأنت أبيت أن تطلقه ها أنا ذا سأقتل ابنك بكرك». ولا توجد في العبرانية.

الاختلاف الثالث والعشرون : الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا : «يجري الماء من دلوه وذريته بماء كثير ، فيتعالى من أجاج ملكه وترفع مملكته». وفي اليونانية : «ويظهر منه إنسان وهو يحكم على الأقوام الكثيرة وتكون مملكته أعظم من مملكة أجاج وترتفع مملكته».

الاختلاف الرابع والعشرون : توجد في الآية الحادية والعشرين من الباب التاسع من سفر الأحبار في العبرانية هذه الجملة : «كما أمر موسى». وتوجد بدلها في اليونانية والسامرية هذه الجملة : «كما أمر الرب موسى».

الاختلاف الخامس والعشرون : الآية العاشرة من الباب السادس والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا : «ففتحت الأرض فاها وابتلعت قورح في موت الجماعة مع المائتين والخمسين الذين أحرقتهم النار وكانت آية عظيمة». وفي السامرية هكذا : «وابتلعتهم الأرض ولما ماتت الجماعة وأحرقت النار قورح مع المائتين والخمسين فصار عبرة». وفي تفسير هنري واسكات : «أن هذه العبارة مناسبة للسياق وللآية السابعة عشر من الزبور المائة والسادس». انتهى.

الاختلاف السادس والعشرون : استخرج محققهم المشهور ليكلرك اختلافات بين السامرية والعبرانية وقسمها إلى ستة أقسام : القسم الأول : الاختلافات التي فيها السامرية أصح من العبرانية وهي أحد عشر اختلافا. والقسم الثاني : الاختلافات التي تقتضي القرينة والسياق فيها صحة ما في السامرية ، وهي سبعة اختلافات. والقسم الثالث : الاختلافات التي توجد فيها زيادة في السامرية ، وهي ثلاثة عشر اختلافا. والقسم الرابع : الاختلافات التي فيها حرّفت السامرية والمحرّف محقق فطن ، وهي سبعة عشر اختلافا. والقسم الخامس : الاختلافات التي فيها السامرية ألطف مضمونا ، وهي عشرة اختلافات. والقسم السادس : الاختلافات التي فيها السامرية ناقصة ، وهما اختلافان. وتفصيل الاختلافات المذكورة هكذا :

٣٢٨

قال محققهم المشهور هورن في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة ١٨٨٢ : «إن المحقق المشهور ليكلرك قابل العبرانية بالسامرية بالجد والتدقيق واستخرج هذه المواضع ، وفي هذه المواضع للسامرية بالنسبة إلى العبرانية نوع صحة» انتهى. ولا يظن أحد انحصار مواضع المخالفة بين العبرانية والسامرية في الستين ، على ما حقق ليكلرك. لأن الاختلاف

٣٢٩

الرابع والثامن والعاشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والرابع العشرين والخامس والعشرين ليست بداخلة في هذه الستين ، بل مقصود ليكلرك ضبط المواضع التي فيها مخالفة كثيرة بين النسختين عنده. ولم يدخل في هذه الستين مما ذكرت إلا أربعة اختلافات. فإذا أخذنا جميع الاختلافات المذكورة في الشواهد الستة والعشرين بعد إسقاط المشترك صار اثنين وثمانين شاهدا من الاختلافات التي بين النسخ الثلاث للتوراة. فاكتفي عليها ، ولا أذكر الاختلافات التي بين العبرانية واليونانية بالنسبة إلى الكتب الأخرى من العهد العتيق خوفا من التطويل. وهذا القدر يكفي اللبيب. وظهر أن قول الطاعن باعتبار النوع الثالث أيضا ساقط عن الاعتبار بمثل سقوطه باعتبار النوعين الأولين (١).

الشّبهة الثالثة : يوجد في القرآن أن الهداية والضلال من جانب الله تعالى ، وأن الجنّة مشتملة على الأنهار والحور والقصور ، وأن الجهاد على الكفار مأمور به. وهذه المضامين قبيحة تدلّ على أن القرآن ليس كلام الله. وهذه الشّبهة أيضا من أقوى شبههم قلّما تخلو رسالة من رسائلهم تكون في ردّ أهل الإسلام ولا توجد فيها هذه الشبهة ، ولهم في بيانها ، على قدر اختلاف أذهانهم ، تقريرات عجيبة يتحير الناظر من تعصباتهم بعد ملاحظة هذه التقريرات.

أقول في الجواب عن الأمر الأول : أنه قد وقع في مواضع من كتبهم المقدسة أمثال هذا المضمون ، فيلزم عليهم أن يقولوا أن كتبهم المقدسة ليست من جانب الله يقينا. وأنا أنقل بعض الآيات عنها ليظهر الحال للناظر. الآية الحادية والعشرون من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا : «وقال له الرب وهو راجع إلى مصر : انظر جميع العجائب التي وضعتها بيدك ، أعملها قدام فرعون ، فأنا أقسّي قلبه فلا يطلق الشعب». ثم قول الله في الآية الثالثة من الباب السابع من سفر الخروج هكذا : «إني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر». وفي الباب العاشر من سفر الخروج هكذا : «١ وقال الرب لموسى أدخل عند فرعون لأني قسّيت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع به آياتي هذه ٢٠ وقسّى الرب قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل ٢٧ فقسّى الرب قلب فرعون ولم يشأ أن يرسلهم». وفي الآية العاشرة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هكذا : «وقسّى الرب قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل من أرضه». فظهر من هذه الآيات أن الله كان قد قسّى قلوب فرعون وعبيده لتكثير معجزات موسى عليه‌السلام في أرض مصر. والآية الرابعة من الباب التاسع والعشرين من كتاب الاستثناء

__________________

(١) انتهى المؤلّف هنا من تعداد الاختلافات الواردة في كتب العهد القديم والتي يتضمّنها الاعتبار الثالث ، وذلك في متن جوابه الثاني على الشّبهة الثانية. وها هو ، في الفقرة التالية ، يستأنف ذكر الشبهات والردّ عليها.

٣٣٠

هكذا : «ولم يعطكم الرب قلبا فهيما ولا عيونا تنظرون بها ولا آذانا تسمعون بها حتى اليوم». والآية العاشرة من الباب السادس من كتاب أشعيا هكذا : «أعم قلب هذا الشعب وثقّل آذانه وغمّض عيونه ، لئلا يبصر بعينه ويسمع بأذنه ويفهم بقلبه ويتوب ، فأشفيه». والآية الثامنة من الباب الحادي عشر من الرسالة الرومية هكذا : «كما هو مكتوب أعطاهم الله روح سبات وعيونا لا يبصرون بها وآذانا لا يسمعون بها حتى اليوم». وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «لم يقدروا أن يؤمنوا ، لأن أشعيا قال أيضا قد عمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم». فعلم من التوراة وكتاب أشعيا والإنجيل أن الله أعمى عيون بني إسرائيل وأغلظ قلوبهم وأثقل آذانهم لئلا يتوبوا فيشفيهم. فلذلك لا يبصرون الحق ولا يتفكرون فيه ولا يسمعونه ، ولا يزيد معنى ختم الله على القلوب والسمع على هذا. والآية السابعة عشر من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٧١ وسنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «لما ذا أضللتنا يا رب عن طرقك ، أقسيت قلوبنا أن لا نخشاك ، فالتفت بسبب عبيدك سبط ميراثك». والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال في التراجم المسطورة هكذا : «والنبي إذا ضلّ وتكلم بكلام ، فأنا الرب أضللت ذلك النبيّ وأمد يدي عليه وأهلكه من بين شعبي إسرائيل». فوقع في كلام أشعيا صراحة (أضللتنا يا رب وأقسيت قلوبنا) ، وفي كلام حزقيال (أنا الرب أضللت ذلك النبيّ). وفي الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الأول هكذا : «ثم قال ميخا من أجل هذا فاسمع قول الرب رأيت الرب جالسا على كرسيه وجميع أجناد السماء قياما حوله عن يمينه وعن شماله ٢٠ فقال الرب من يخدع أخاب ملك إسرائيل فيصعد ليسقط براموث جلعاد ، وقال بعضهم قولا ، وقال بعضهم قولا آخر ٢١ فخرج روح وقام قدام الرب ، وقال أنا أخدعه ، فقال له الرب بما ذا؟ ٢٢ فقال أنا أخرج فأكون روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائه. فقال له الرب تخدع وتقدر على ذلك ، اخرج وافعل كذلك ٢٣ والآن قد جعل الرب روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائك ـ وكانوا نحو أربعمائة ـ هؤلاء ، والرب قال عليك بالشرّ». وهذه الرواية صريحة في أن الله تعالى يجلس على كرسيه وينعقد عنده محفل المشاورة للإغواء والخدع (كما ينعقد محفل يارلمنت في لندن لأجل بعض أمور السلطنة) فيحضر جميع أجناد السماء. فبعد المشاورة يرسل روح الضلالة فيقع هذا الروح في الأفواه ويضل الناس. فانظر أيها اللبيب إذا كان الله وأجناد السماء يريدون إغواء الإنسان ، فكيف ينجو الإنسان الضعيف؟ وهاهنا عجب آخر ، وهو أن الله شاور وأرسل روح الضلالة بعد المشاورة ليخدع أخاب ، فكيف أظهر ميخا الرسول سر محفل الشورى ونبّه أخاب عليه؟

وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا : «١١ ولأجل هذا ـ أي

٣٣١

لعدم قبولهم محبة الحق ـ سيرسل إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ١٢ لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم». فمقدسهم ينادي أن الله يرسل إلى الهالكين عمل الضلال أوّلا ، فيصدقون الكذب فيدينهم ، وإذا فرغ المسيح عليه‌السلام من توبيخ المدن التي لم يتب أهلها فقال : «أحمدك أيها الأب رب السماء والأرض ، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الأب لأن هكذا صارت المسرّة أمامك». كما هو مصرّح في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى. فالمسيح عليه‌السلام يصرّح أن الله أخفى الحق عن الحكماء ، فأظهره للأطفال ، ويحمد على هذا الأمر ، ويقول وكان رضا الله هكذا. والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٧١ وسنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ هكذا : «المصوّر النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشرّ أنا الرب الصانع هذه جميعها». وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٨ هكذا : (سازنده نور وآفريننده تاريكى منم صلح دهنده وظاهركننده شر من كه خداوندم اين همه اشيا را بوجود مى آرم). وفي الآية الثامنة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي ارمياء هكذا : «أمن فم الرب لا يخرج الشرّ والخير؟» وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٨ : (آيا خير وشر از دهان خدا صادر نمى شود؟). والاستفهام انكاري ، والمراد أن الخير والشرّ كلاهما يصدران عن الله تعالى. وفي الآية الثانية عشر من الباب الأول من كتاب ميخا في التراجم المذكورة هكذا : «فإن الشرّ نزل من قبل الرب إلى باب أورشليم». وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٨ : (أما هر بدي بر دروازه أورشليم أز خداوند نازل شد). فظهر أن خالق الشرّ هو الله تعالى ، كما هو خالق الخير. وفي الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا : «٢٩ لأن الذين عرفهم بسبق علم قصدهم أن يكونوا شركاء لشبه ابنه ليكون هو بكر الأخوة كثيرين ٣٠ والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا» إلخ. وفي الباب التاسع من الرسالة المذكورة : «١١ وهما لم يولدا بعد ، ولا فعلا خيرا وشرا لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو ١٢ قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير ١٣ كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو ١٤ فما ذا نقول؟ ألعلّ عند الله ظلما؟ حاشا ١٥ لأنه يقول لموسى ارحم من أرحم وترأف على من أترأف ١٦ فإذا ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى ، بل الله الذي يرحم ١٧ لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادى باسمي في كل الأرض ١٨ فإذن هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء ١٩ فستقول لي لما ذا يلوم بعد لأن من يقاوم مشيئته ٢٠ بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله لعلّ الجبلة تقول لجابلها لما ذا صنعتني هكذا؟ ٢١ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟». فهذه العبارة من مقدسهم كافية لإثبات القدر ،

٣٣٢

وكون الهداية والضلال من جانبه. ولنعم ما قال أشعيا عليه‌السلام في الآية التاسعة من الباب الخامس والأربعين من كتابه : «الويل لمن يخالف جابله خزف من خزاف الأرض. هل يقول الطين لجابله ما ذا تصنع؟ هل يقول عملك ليس اليدان لك؟» وبالنظر إلى هذه الآيات لعلّ مقتدي فرقة پروتستنت لوطر مال إلى الجبر كما يدل عليه ظاهر كلامه. ذكر في الصفحة ٢٧٧ من المجلد التاسع من كاتلك هرلد أقوال المقتدى الممدوح. فانقل عنها قولين ١ «طبع الإنسان كالفرس إن ركبه الله يمشي كما يريد الله ، وإن ركبه الشيطان يمشي كان يمشي الشيطان. وهو لا يختار راكبا من نفسه ، بل يجتهد الركبان أن أيا منهم يحصله ويتسلط عليه». ٢ «إذا وجد أمر في الكتب المقدسة بأن افعلوا هذا الأمر ، فافهموا أن هذه الكتب تأمر عدم فعل هذا الأمر الحسن لأنك لا تقدر على فعله». انتهى. فالظاهر من كلامه أنه يعتقد الجبر. وقال القسيس طامس انكلس كاتلك في الصفحة ٣٣ من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة ١٨٥١ طاعنا على فرقة پروتستنت هكذا : «وعاظهم القدماء علموهم هذه الأقوال المكروهة : / ١ / ان الله موجد العصيان / ٢ / وان الإنسان ليس مختارا على أن يجتنب عن الإثم / ٣ / وان العمل على الأحكام العشرة غير ممكن / ٤ / وان الكبائر وإن كانت عظيمة لا توصل الإنسان إلى النقص في نظر الله / ٥ / وان الإيمان فقط ينجي الإنسان لأننا ندان بالإيمان فقط ، وهذا التعليم أنفع ، وتعليم مملوء بالطمأنينة / ٦ / وان أب إصلاح الدين ـ يعني لوطر ـ قال آمنوا فقط واعلموا يقينا أنه يحصل لكم النجاة بلا مشقة الصوم ، وبلا مئونة التقوى ، وبلا مشقة الاعتراف ، وبلا مشقة الأمور الحسنة ، ولكم نجاة نفيسة بلا شبهة كما للمسيح نفسه. أذنبوا بالجرأة التامة ، أذنبوا وآمنوا فقط ، وينجيكم الإيمان. وإن ابتليتم في يوم واحد ألف مرة بالزنا أو القتل آمنوا فقط. أنا أقول أن إيمانكم ينجيكم». انتهى. فظهر أن ما قال علماء پروتستنت في الأمر الأول في حق القرآن مردود بلا شبهة مخالف لكتبهم المقدسة ، ولقول مقتداهم. ولا يلزم من خلق الشرّ أن يكون الله شريرا ، كما لا يلزم من خلق السواد والبياض وغيرهما من الأعراض أن يكون أسود أو أبيض. والحكمة في خلق الشرّ كما هي في خلق الشيطان الذي هو أصل الشرور ورأس المفاسد ، مع علم الله الأزلي بأن الشيطان يصدر عنه كذا وكذا ، وكما هي في خلق الشهوة والحرص في طبع الإنسان مع علمه الأزلي بما يترتب عليهما في كل فرد من أفراد الإنسان ، وكما كان الله قادرا على أن لا يخلق الشيطان أو يخلقه ولا يعطيه القدرة على الإغواء ويمنعه عن الشرّ ، ومع ذلك خلقه ولم يمنعه عن الشرّ لحكمة ما ، فكذلك قادر على أن لا يخلق الشرّ ، لكنه في خلقه له حكمة ما.

وأما الجواب عن الأمر الثاني : فهو أنه لا قبح في كون الجنّة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل. ولا يقول أهل الإسلام أن لذّات الجنّة مقصورة على

٣٣٣

اللذات الجسمانية فقط ، كما يقول علماء پروتستنت غلطا أو تغليطا للعوام ، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنّة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية ، والأولى أفضل من الثانية ، ويحصل كلا النوعين للمؤمنين. قال الله في سورة التوبة : [٧٢] (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). فقوله ورضوان من الله الآية ، معناه أن رضوانا من الله أكبر منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنّات والأنهار والمساكن الطيبة. وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي الله في الجنّة هي اللذات الروحانية ، وإن كان يعطي اللذّات الجسمانية أيضا. ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم ، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني ، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة. فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية ، كان الروح فائزا بالسعادات اللائقة به ، والجسد واصلا إلى السعادات اللائقة به ، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم. وإن قال علماء پروتستنت أن اجتماعهما أيضا في الجنّة قبيح في عقولنا ، أقول لهم : لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء الله. وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليه‌السلام فقط فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن ، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد ، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضرّ القرآن ، كما عرفت في جواب الشّبهة الثانية ، أقول أن ذلك القول يكون مؤوّلا البتة. وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم. ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليه‌السلام عجلا حنيذا وسمنا ولبنا أكلوا هذه الأشياء كما صرّح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين؟ وأن الملكين اللذين جاء إلى لوط عليه‌السلام وصنع لهما وليمة وخبزا فطيرا أكلا ، كما صرّح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين؟ والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني ، فأي استبعاد في اللذات الجسمانية؟ نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقا كمشركي العرب ، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ، ومعترفين بالحشر الروحاني ، كأتباع أرسطو ، لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر. وعندهم تجسد الله وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية ، باعتبار أنه إنسان. ولما لم يكن عيسى عليه‌السلام مرتاضا مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى. وعندنا هذا الطعن مردود لكنا نقول أنه لا شك أن عيسى عليه‌السلام ، باعتبار الجسميّة ، كان إنسانا فقط. فكما أن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر ما كانا مانعين في حقه عليه‌السلام عن اللذات الروحانية مع كونه في هذه الدار الدنيا ،

٣٣٤

بل كان على حضرته غلبة الأحكام الروحانية ، فكذلك اللذات الجسمانية لا تكون مانعة عن اللذات الروحانية لأهل الجنّة مع كونهم في النشأة الأخرى.

وأما الجواب عن الأمر الثالث : فيجيء في الباب السادس إن شاء الله ، لأن الجهاد في مطاعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندهم من أعظم المطاعن فأذكره في المطاعن هناك.

الشّبهة الرابعة : ان القرآن لا يوجد فيه ما يقتضيه الروح ويتمناه.

والجواب : ان ما يقتضيه الروح ويتمناه أمر أن الاعتقادات الكاملة والأعمال الصالحة والقرآن مشتمل على بيان كلّا النوعين على أكمل وجه ، كما عرفت في جواب الشّبهة الأولى. ولا يلزم من عدم بعض الأمور التي هي مقتضيات الروح على زعم علماء پروتستنت نقصان القرآن ، كما لا يلزم نقصان التوراة والإنجيل والقرآن من عدم الأمر الذي هو مقتضى الروح ، على زعم علماء مشركي الهند من البراهمة ، كما سمعت منهم أنهم يقولون إنّ ذبح الحيوان لأجل الأكل والتلذذ خلاف مقتضى الروح وغير مستحسن عند العقل جدا ، ولا يتصور أن يحصل له الإجازة فيه من جانب الله ، فالكتاب المشتمل عليه لا يكون من جانب الله.

الشّبهة الخامسة : يوجد في القرآن الاختلافات المعنوية. مثلا قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ...) [البقرة : ٢٥٦]. وقوله في سورة الغاشية : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢١ ـ ٢٣] ، وقوله في سورة النور : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النور : ٥٤]. وهذه الآيات تخالف الآيات التي فيها أمر الجهاد. ووقع في أكثر الآيات أن المسيح إنسان ورسول فقط ، ووقع في موضع بضدها أنه ليس من جنس البشر ، بل منزلته أعلى منه. والأول قوله في سورة النساء : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ...) [النساء : ١٧١] ، والثاني قوله في سورة التحريم : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ...) [التحريم : ١٢] وهذان الاختلافان من أعظم الاختلافات في زعم القسيسين. ولذا اكتفى عليهما صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الثالث منه.

وأقول : في الجواب عن الاختلاف الأول ، ان هذا ليس باختلاف بل هذا الحكم كان قبل الجهاد ، فلما نزل حكم الجهاد نسخ هذا الحكم. والنسخ ليس باختلاف معنوي ، وإلا يلزم أن يكون بين الإنجيل والتوراة في جميع الأحكام المنسوخة اختلاف معنوي ، وكذا في نفس أحكام التوراة ، وكذا في نفس أحكام الإنجيل ، كما عرفت في الباب الثالث بما لا مزيد

٣٣٥

عليه. على أن قوله تعالى (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ليس بمنسوخ. وقد عرفت الجواب عن الاختلاف الثاني في الأمر السابع من مقدمة الكتاب. وظهر لك هناك أن القولين المذكورين لا يدلان على أن عيسى ابن مريم ليس من جنس البشر ، وفهم هذا المعنى وهم صرف وظنّ فاسد. والعجب من هؤلاء العقلاء أنهم لا يرون الاختلافات والأغلاط التي وقعت في كتبهم ، كما علمت بعضا منها في الفصل الثالث من الباب الأول.

٣٣٦

الفصل الثالث

في إثبات صحة الأحاديث النبوية المروية

في كتب الصحاح من كتب أهل السنة والجماعة

وهذا الفصل مشتمل على ثلاث فوائد :

الفائدة الأولى : جمهور أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين كانوا يعتبرون سلفا وخلفا الروايات اللسانية كالمكتوب ، بل جمهور اليهود يعتبرونها اعتبارا أزيد من المكتوب ، وفرقة كاتلك تعتبرها مساوية له ، وتعتقد أنّ كليهما واجبا التسليم ، واصلان للإيمان. وجمهور پروتستنت من المسيحيين أنكروها ، كما أنكرها الصادوقيون من فرقة اليهود. وهؤلاء المنكرون من پروتستنت كانوا مضطرين في إنكارها ، لأنهم لو لم ينكروها لما أمكن لهم بيان أصول ملتهم وعقائدهم الجديدة. لكنهم مع ذلك يحتاجون إليها في مواضع كثيرة ، ويوجد سند اعتبارها من كتبهم المقدسة ، كما سيظهر لك جميع هذه الأمور إن شاء الله تعالى.

قال آدم كلارك في شرح ديباجة كتاب عزرا في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة ١٧٥١ : «قانون اليهود كان منقسما على نوعين : مكتوب ، ويقولون له التوراة ، وغير مكتوب ، ويقولون له الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ ويدّعون أن الله كان أعطى موسى كلا النوعين على جبل الطور ، فوصل إلينا أحدهما بواسطة الكتابة ، وثانيهما بواسطة المشايخ بأن نقلوها جيلا بعد جيل ولهذا يعتقدون أن كليهما مساويان في المرتبة ومن جانب الله واجبا التسليم ، بل يرجحون الثاني ، ويقولون ان القانون المكتوب ناقص مغلق في كثير من المواضع ، ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الرواية اللسانية. وهذه الرواية واضحة وأكمل وتشرح القانون المكتوب وتكمله. ولهذا يردون معاني القانون المكتوب إذا كانت مخالفة للروايات اللسانية. واشتهر فيما بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب ، بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية. فكأنهم بهذه

٣٣٧

الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم. كما أن الرومانيين الكاثوليكيين في ملتهم اختاروا هذه الطريقة ، ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات. وإن كان هذا المعنى الروايتي مخالفا لمواضع كثيرة ووصلت حالتهم في زمان ربنا إلى مرتبة ألزمهم الرب في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم ومن عهد الرب ، أفرطوا فيه جدا حتى عظموا هذه الروايات أزيد من المكتوب. وفي كتبهم أن ألفاظ المشايخ أحب من ألفاظ التوراة ، وألفاظ التوراة بعضها جيدة ، وبعضها غير جيدة ، وألفاظ المشايخ كلها جيدة ، وألفاظهم أجود جدا من ألفاظ الأنبياء. ومرادهم بألفاظ المشايخ هذه الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ. وأيضا في كتبهم أن القانون المكتوب كالماء ، ومسنا وطالموت الذين رواياتهم مضبوطة فيهما مثل الخمر ذات الأبازير. وأيضا في كتبهم أن القانون المكتوب كالملح ، ومسنا وطالموت مثل الفلفل والأبازير العذبة. ومثلها أقوال أخر يعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أزيد من القانون المكتوب ، ويفهمون كلام الله على ما يفهم شرحه في هذه الروايات. فكان القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت ، والروايات اللسانية بمنزلة الروح الذي به الحياة. ويقولون في كون هذه الروايات أصلا أن الله أعطى موسى التوراة فأعطاه معاني التوراة أيضا ، وأمر أن يكتب الأول ويحفظ الثاني ويبلغه بالرواية اللسانية فقط. وهكذا تنقل جيلا بعد جيل. ولذلك يطلقون على الأول لفظ القانون المكتوب ، وعلى الثاني لفظ القانون اللساني. والفتاوى التي تكون مطابقة لهذه الروايات يسمونها قوانين موسى التي حصلت على جبل سيناء. ويدّعون كما أن موسى حصل له التوراة في الأربعين يوما التي كانت المكالمة بينه وبين الله على جبل سيناء ، فكذلك حصلت له هذه الروايات اللسانية أيضا ، وجاء بهما موسى من الجبل وبلغهما إلى بني إسرائيل ، بأن طلب هارون في الخيمة بعد ما رجع عن الجبل ، فعلّمه القانون المكتوب أولا ، ثم الروايات اللسانية التي هي معاني القانون المكتوب ، كما وجدهما من الله. وقام هارون بعد ما تعلم وجلس على يمين موسى ، ودخل العازار وايتامار ابنا هارون وتعلما ، كما تعلم أبوهما وقال ، فجلس أحدهما على يسار موسى والآخر على يمين هارون. فدخل المشايخ السبعون وتعلموا القانونين وجلسوا في الخيمة ، ثم تعلم الناس الذين كانوا مشتاقين للتعليم. ثم قام موسى وقرأ هارون ما تعلم وقام ، ثم قرأ العازار وايتامار وقام ، ثم قرأ المشايخ السبعون ما تعلموا على الناس ، فسمع كل من هؤلاء الناس هذا القانون أربع مرات وحفظوا حفظا جيدا. ثم أخبر هؤلاء بعد ما خرج سائر بني إسرائيل فبلغوا القانون المكتوب بواسطة الكتابة وبلغوا معانيها بالرواية إلى الجيل الثاني. وكانت الأحكام في المتن المكتوب ستمائة وثلاثة عشر ، فقسموا القانون بحسبها. ويقولون ان موسى جمع بني إسرائيل كلهم في أول الشهر الحادي عشر من

٣٣٨

السنة الأربعين من خروج مصر وأخبرهم بموته وأمر بأن أحدا إن نسي قولا من القانون الإلهي الذي وصل بواسطتي إليه يجيء إليّ ويسألني ، وكذلك إن كان لأحد اعتراض على قول من أقوال القانون يجيء إليّ لأرفع ذلك الاعتراض. وكان مشتغلا بالتعليم إلى حياته الباقية ، يعني من أول الشهر الحادي عشر إلى السادس من الشهر الثاني عشر ، وعلم القانون المكتوب وغير المكتوب وأعطى بني إسرائيل من القانون المكتوب ثلاث عشرة نسخة مكتوبة بيده ، بأن أعطى كل فرقة فرقة نسخة نسخة لتبقى محفوظة فيما بينهم جيلا بعد جيل ، وأعطى بني لاوي نسخة أخرى أيضا لتبقى محفوظة أيضا في الهيكل ، وقرأ القانون غير المكتوب أعني الروايات اللسانية على يوشع وصعد على جبل نبو في اليوم السابع من الشهر ومات هناك وفوّض يوشع بعد موت موسى هذه الروايات إلى المشايخ ، وهم فوّضوا إلى الأنبياء. فكان نبيّ يوصلها إلى نبي آخر إلى أن أوصل أرمياء إلى باروخ ، وباروخ إلى عزرا ، وعزرا إلى مجمع العلماء الذين كان شمعون صادق آخرهم ، وهو أوصل إلى اينيتي كونوس ، وهو إلى يوثي بن يختان ، وهو إلى يوسي بن يوسير ، وهو إلى نتهان الأريلي ويوشع ابن برخيا ، وهما إلى يهودا بن يحيى وشمعون بن شطاه ، وهما إلى شمايا وأبي طليون ، وهما إلى هلل وهو إلى ابنه شمعون ، والمظنون أن شمعون هذا هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على اليدين إذ جاءت مريم به إلى الهيكل بعد ما تمّت أيام تطهيرها ، وهو أوصل إلى كملئيل ابنه ، وكملئيل هذا هو الذي تعلّم منه بولس ، وهو أوصل إلى شمعون ابنه ، وهو إلى كملئيل ابنه ، وهو إلى شمعون ابنه وهو إلى رب يهودا حق دوش ابنه. وجمع يهودا هذا هذه الروايات في كتاب سماه مسنا».

انتهى. ثم قال : «إن اليهود يعظمون هذا الكتاب تعظيما بليغا ويعتقدون أن ما فيه هو كله من جانب الله أوحي إلى موسى على جبل سيناء ، مثل القانون المكتوب. ولهذا هو واجب التسليم مثله. ومنذ صنف هذا الكتاب صار رائجا بينهم رواجا تاما بالدرس والتدريس ، وكتب عليه علماؤهم الكبار شرحين أحدهما في القرن الثالث في أورشليم ، والثاني في ابتداء القرن السادس في بابل واسم كل من هذين الشرحين كمرا لان ـ معنى كمرا في اللغة الكمال ـ وقد حصل التوضيح التام للمتن في هذين الشرحين في ظنهم ، وإذا جمع الشرح والمتن يقال لهذا المجموع طالموت ، ويقال للتمييز طالموت أورشليم وطالموت بابل. وكان مذهبهم الرائج الآن كله مندرجا في هذين الطالموتين اللذين كتب الأنبياء خارجة عنهما. ولما كان طالموت أورشليم مغلقا ، فلذلك الآن اعتبار طالموت بابل عندهم زائد». انتهى.

وقال هورن في الباب السابع من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «مسنا كتاب مشتمل على روايات اليهود المختلفة وشروح متون الكتب المقدسة وظنهم في حقه أن الله لما أعطى موسى التوراة على جبل طور سيناء أعطاه هذه الروايات أيضا

٣٣٩

في ذلك الحين ووصلت من موسى إلى هارون والعازار ويوشع ، ومنهم إلى الأنبياء الآخرين ، ومن هؤلاء الأنبياء إلى المشايخ الآخرين. وهكذا وصلت من جيل إلى جيل ، إلى أن وصلت إلى شمعون. وهذا شمعون هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على يديه ، ووصلت منه إلى كملئيل ، ومنه إلى يهودا حق دوش أي المقدس ، وهو جمعها في آخر القرن الثاني بمشقة في أربعين سنة في كتاب ، وهذا الكتاب من هذا الوقت بطنا بعد بطن مستعمل في اليهود. وكثيرا ما يكون عزة هذا الكتاب زائدا على القانون المكتوب». انتهى. ثم قال : «على مسنا شرحان يسمى كل منهما كمرا. أحدهما كمرا أورشليم الذي كتب في أورشليم على رأي بعض المحققين في القرن الثالث وعلى رأي فادرمون في القرن الخامس ، والثاني كمرا بابل الذي كتب في القرن السادس في بابل. وكمرا هذا مملوء بالحكايات الواهية. لكنه عند اليهود معتبر عظيم. ودرسه وتدريسه رائجان فيهم ، ويرجعون إليه في كل مشكل مذعنين بأنه مرشد لهم. ويقال كمرا لأن معنى كمرا الكمال. وظنهم أن هذا الشرح كمال التوراة ، ولا يمكن أن يكون شرح أفضل منه ، ولا حاجة إلى شرح آخر. وإذا انضم بالمتن كمرا أورشليم يقال للمجموع طالموت أورشليم ، وإذا انضم به كمرا بابل يقال للمجموع طالموت بابل». انتهى.

فظهر من تحرير هذين المفسرين أربعة أشياء : الأول : ان اليهود يعتبرون الرواية اللسانية كالتوراة ، بل كثيرا ما يعظمونها تعظيما زائدا عليه ، ويفهمون أنها بمنزلة الروح والتوراة بمنزلة الجسد. وإذا كان حال التوراة هكذا فكيف حال الكتب الأخر؟ والثاني : إن هذه الروايات جمعها يهودا حق دوش في آخر القرن الثاني ، وكانت محفوظة بالحفظ اللساني إلى ألف وسبعمائة سنة. ووقع على اليهود في أثناء هذه المدة آفات عظيمة ودواهي جسيمة مثل حادثة بختنصر وانيتوكس وطيطوس وغيرها ، بحيث انقطع التواتر في هذه الحوادث وضاعت الكتب ، كما عرفت في الباب الثاني ، ومع ذلك عندهم اعتبارها أزيد من التوراة. الثالث : ان هذه الروايات في أكثر الطبقات مروية برواية واحد واحد مثل كملئيل الأول والثاني ، وشمعون الثاني والثالث ، وهؤلاء ما كانوا من الأنبياء عند اليهود ، وكانوا عند المسيحيين من أشدّ الكفار المنكرين للمسيح ، ومع ذلك هذه الروايات عند اليهود مبنى الإيمان وأصل العقائد ، وعندنا الحديث الصحيح المروي برواية الآحاد لا يكون مبنى العقائد. والرابع : ان كمرا بابل لما كتب في القرن السادس فحكاياته الواهية ، على قول هارون ، كانت محفوظة بالرواية اللسانية فقط إلى مدة هي أزيد من ألفين.

فإذا عرفت حال اليهود باعتراف محققي فرقة پروتستنت ، فاعلم الآن حال جمهور القدماء المسيحية. قال يوسي بيس الذي تاريخه معتبر عند علماء كاتلك وپروتستنت في الباب التاسع من الكتاب الثاني من تاريخه المطبوع سنة ١٨٤٨ في الصفحة ٨٧ في بيان حال

٣٤٠