إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

السماء أيضا ، وجعل جميع الأشياء تحت سلطانك ، فأنت هو الرأس من الذهب ٣٩ وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك من فضة ، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس وتتسلط على جميع الأرض ٤٠ والمملكة الرابعة تكون مثل الحديد ، كما أن الحديد يسحق ويغلب الجميع ، هكذا هي تسحق وتكسر جميع هذه ٤١ أما فيما رأيت قسم القدمين وأصابعهما من الخزف الفاخوري ، وقسما من حديد ، تكون المملكة مفترقة ، وإن كان يخرج من نصبة الحديد حسبما رأيت الحديد مختلطا بالخزف من طين ٤٢ وأصابع القدمين قسم من حديد وقسم من خزف ، فتكون المملكة بقسم صلبة وبقسم مسحوقة ٤٣ فيما رأيت الحديد مختلطا بالخزف من طين انهم يختلطون بزرع بشري ، بل لا يتلاصقون مثل ما ليس بممكن أن يمتزج الحديد بالخزف ٤٤ فأما في أيام تلك الممالك يبعث إله السماء مملكة وهي لن تنقضي قط ، ملكها لا يعطى لشعب آخر ، وهي تسحق وتفني جميع هذه الممالك أجمعين ، وهي تثبت إلى الأبد ٤٥ وكما رأيت أن من جبل انقطع حجر لا بيدين وسحق الخزف والحديد والنحاس والفضة والذهب ، فالإله العظيم أظهر للملك ما سيأتي من بعد. والحلم هو حقيقي وتفسيره صحيح». فالمراد بالمملكة الأولى سلطنة بختنصر ، وبالمملكة الثانية سلطنة الماديين الذين تسلطوا بعد قتل بلشاصر بن بختنصر ، كما هو مصرّح به في الباب الخامس من الكتاب المذكور ، وسلطنتهم كانت ضعيفة بالنسبة إلى سلطنة الكلدانيين. والمراد بالمملكة الثالثة سلطنة الكيانيين ، لأن قورش ملك إيران الذي هو بزعم القسيسين كيخسرو تسلط على بابل قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة ، ولما كان الكيانيون على السلطنة القاهرة ، فكأنهم كانوا متسلطين على جميع الأرض. والمراد بالمملكة الرابعة سلطنة اسكندر بن فيلبوس الرومي الذي تسلط على ديار فارس قبل ميلاد المسيح بثلاثمائة وثلاثين سنة. فهذا السلطان كان في القوة بمنزلة الحديد ، ثم جعل هذا السلطان سلطنة فارس منقسمة على طوائف الملوك فبقيت هذه السلطنة ضعيفة إلى ظهور الساسانيين ، ثم صارت قوية بعد ظهورهم ، فكانت ضعيفة تارة وقوية تارة. وتولد في عهد أنوشروان محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعطاه السلطنة الظاهرية والباطنية. وقد تسلط متبعوه في مدة قليلة شرقا وغربا ، وعلى جميع ديار فارس التي كانت هذه الرؤيا وتفسيرها متعلقين بها. فهذه هي السلطنة الأبدية التي لا تنقضي ، وملكها لا يعطى لشعب آخر ، وسيظهر كمالها عن قريب في زمان الإمام الهمام المهدي رضي الله عنه. لكن الوهن والضعف يقع قبل ظهوره بمدة قليلة ، كما يشاهد بعض علاماته الآن ثم يزول بظهوره ، ويكون الدين كله لله. فهذا الحجر الذي انقطع لا بيدين من جبل وسحق الخزف والحديد والنحاس والفضة والذهب وصار جبلا عظيما وملأ الأرض بأسرها هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

البشارة الثانية عشر : نقل يهوذا الحواري في رسالته الخبر الذي تكلم به أخنوخ الرسول

٤٤١

الذي كان سابعا من آدم عليه‌السلام ومن عروجه إلى ميلاد المسيح مدة ثلاثة آلاف وسبع عشرة سنة على زعم مؤرخيهم ، وأنا أنقل عبارته من الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ : «الرب قد جاء في ربواته المقدسة ليداين الجميع ويبكت جميع المنافقين على كل أعمال نفاقهم التي نافقوا فيها ، وعلى كل الكلام الصعب الذي تكلم به ضد الله الخطاة المنافقون». وقد عرفت في مقدمة الباب الرابع أن استعمال للفظ الرب بمعنى المخدوم والمعلم شائع ، فلا حاجة إلى الإعادة. وأما لفظ المقدس أو القديس فيطلق في العهدين على المؤمن الموجود في الأرض إطلاقا شائعا : / ١ / الآية الأولى من الباب الخامس من سفر أيوب هكذا : «فادع الآن إن كان لك مجيب وإلى أحد من القديسين التفت». فالمراد بالقديسين هاهنا المؤمنون الموجودون على الأرض. أما عند علماء بروتستنت فظاهر ، وأما عند علماء كاتلك فلأن مطهرهم الذي هو موضع آلام أرواح الصالحين إلى أن يحصل لها النجاة بمغفرة البابا ، وجد بعد المسيح عليه‌السلام ، ولم يكن في زمن أيوب. / ٢ / والآية الثانية من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «إلى جماعة الله التي بقورنثية المقدسين بيسوع المسيح المدعوين قديسين». إلخ فالمراد بالمقدسين والقديسين المؤمنون بالمسيح الموجودون في قورنثية. / ٣ / والآية الثالثة عشر من الباب الثاني عشر من الرسالة الرومية هكذا : «مشاركين لحاجة القديسين». إلخ. / ٤ و ٥ / في الباب الخامس عشر منها هكذا : «٢٥ ولكن الآن أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين ٢٦ لأن أهل مكدونية وأخائية استحسنوا أن يصنعوا توزيعا لفرقاء القديسين الذين في أورشليم». فالمراد بالقديسين في الموضعين المؤمنون الموجودون في أورشليم. / ٦ / والآية الأولى من الباب الأول من الرسالة إلى أهل فيلبسيوس هكذا : «من بولس وطيماثاوس عبدي يسوع المسيح إلى جميع القديسين بيسوع المسيح بفيلبسيوس». إلخ. فالمراد بالقديسين هاهنا المؤمنون الموجودون بفيلبسيوس. / ٧ / ووقع في الآية العاشرة من الباب الخامس من الرسالة الأولى إلى طيموثاوس في حال الشماسات هكذا : «غسلت أرجل القديسين». فالمراد بالقديسين هاهنا المؤمنون الموجودون على الأرض بوجهين : الأول ، أن القديسين الموجودين في السماء أرواح ليس لهم أرجل. والثاني ، أن الشماسات لا يمكنهن العروج إلى السماء. وإذا عرفت استعمال لفظ الرب والمقدس أو القديس ، فأقول أن المراد بالرب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبالربوات المقدسة الصحابة. والتعبير عن مجيئه بقد جاء لكونه أمرا يقينيا. فجاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ربواته المقدسة ، فدان الكفار وبكت المنافقين والخطاة على أعمال النفاق وعلى أقوالهم القبيحة في الله ورسله ، فبكت المشركين لعدم تسليم توحيد الله ورسالة رسله مطلقا وعبادتهم الأصنام والأوثان ، وبكت اليهود على تفريطهم في حق عيسى ومريم عليهما‌السلام وبعض عقائدهم الواهية ،

٤٤٢

وبكت أهل التثليث مطلقا على تفريطهم في توحيد الله وإفراطهم في حق عيسى عليه‌السلام ، وبكت أكثرهم على عبادة الصليب والتماثيل وبعض عقائدهم الواهية.

البشارة الثالثة عشر : في الباب الثالث من إنجيل متى هكذا : «١ وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية ٢ قائلا تربوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات». وفي الباب الرابع من إنجيل متى هكذا : «١٢ ولما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف إلى الجليل ١٧ من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات ٢٣ وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت. إلخ». وفي الباب السادس من إنجيل متى في بيان الصلاة التي علمها عيسى عليه‌السلام تلاميذه هكذا : «ليأت ملكوتك». ولما أرسل الحواريين إلى البلاد الإسرائيلية للدعوة والوعظ ، وصاهم بوصايا منها هذه الوصية أيضا : «وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السموات». كما هو مصرّح به في الباب العاشر من إنجيل متى. ووقع في الباب التاسع من إنجيل لوقا هكذا : «ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوّة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض ٢ وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ، يشفوا المرضى». وفي الباب العاشر من إنجيل لوقا هكذا : «وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم إلخ. فقال لهم إلخ. ٨ وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم ٩ واشفوا المرضى الذين فيها ، وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله ١٠ وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا ١١ حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ، ولكن اعلموا هذا أنه قد اقترب منكم ملكوت الله». فظهر أن كلّا من يحيى وعيسى والحواريين والتلاميذ السبعين بشر بملكوت السماوات ، وبشر عيسى عليه‌السلام بالألفاظ التي بشر بها يحيى عليه‌السلام. فعلم أن هذا الملكوت ، كما لم يظهر في عهد يحيى عليه‌السلام ، فكذلك لم يظهر في عهد عيسى عليه‌السلام ، ولا في عهد الحواريين والسبعين ، بل كلّ منهم مبشّر به ، ومخبر عن فضله ، ومترجّ لمجيئه. فلا يكون المراد بملكوت السموات طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة عيسى عليه‌السلام. وإلا لما قاله عيسى عليه‌السلام والحواريون والسبعون ، أن ملكوت السموات قد اقترب. ولما علّم التلاميذ أن يقولوا في الصلاة (وليأت ملكوتك) لأن هذه طريقة قد ظهرت بعد ادّعاء عيسى عليه‌السلام النبوّة بشريعته ، فهو عبارة عن طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة. ولفظ ملكوت السموات بحسب الظاهر يدل على أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة ، وأن المحاربة والجدال فيه مع المخالفين يكونان لأجله ، وأن مبنى قوانينه لا بدّ أن يكون كتابا سماويا. وكل من هذه الأمور يصدق على الشريعة المحمدية. وما قال العلماء المسيحية أن المراد بهذا الملكوت

٤٤٣

شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول عيسى عليه‌السلام ، فتأويل ضعيف خلاف الظاهر ، ويرده التمثيلات المنقولة عن عيسى عليه‌السلام. وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متى مثلا قال : «يشبه ملكوت السموات إنسانا زرع زرعا جيدا في حقله». ثم قال : «يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله». ثم قال : «يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع». فشبه ملكوت السموات بإنسان زارع لا بنمو الزراعة وحصادها ، وكذلك شبه بحبة خردل لا بصيرورتها شجرة عظيمة ، وشبه بخميرة لا باختمار جميع الدقيق. وكذا يرد هذا التأويل قول عيسى عليه‌السلام بعد بيان التمثيل المنقول في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا : «لذلك أقول ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره». فإن هذا القول يدل على أن المراد بملكوت السموات طريقة النجاة نفسها لا شيوعها في جميع العالم وإحاطتها كل العالم. وإلا لا معنى لنزع الشيوع والإحاطة من قوم وإعطائهما لقوم آخرين. فالحق أن المراد بهذا الملكوت هي المملكة التي أخبر عنها دانيال عليه‌السلام في الباب الثاني من كتابه فمصداق هذا الملكوت وتلك المملكة نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والله أعلم وعلمه أتمّ.

البشارة الرابعة عشر : في الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا : «٣١ قدم لهم مثلا آخر قائلا : يشبّه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله ٣٢ وهي أصغر جميع البذور. ولكن متى نمت فهي أكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتأوي في أغصانها». فملكوت السماء طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه نشأ في قوم كانوا حقراء عند العالم لكونهم أهل البوادي غالبا وغير واقفين على العلوم والصناعات محرومين عن اللذات الجسمانية والتكلفات الدنيوية ، سيما عند اليهود لكونهم من أولاد هاجر فبعث الله منهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكانت شريعته في ابتداء الأمر بمنزلة حبة خردل أصغر الشرائع بحسب الظاهر ، لكنها لعمومها نمت في مدة قليلة وصارت أكبرها وأحاطت شرقا وغربا حتى أن الذين لم يكونوا مطيعين لشريعة من الشرائع تشبثوا بذيل شريعته.

البشارة الخامسة عشر : في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا : «١ فإن ملكوت السموات يشبه رجلا رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه ٢ فاتفق مع العملة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه ٣ ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قياما في السوق بطالين ٤ فقال لهم اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا ٥ وخرج أيضا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك ٦ ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياما بطالين ، فقال لهم لما ذا وقفتم هاهنا كل النهار بطالين ٧ قالوا له لأنهم لم يستأجرنا أحد. قال لهم اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم ٨ فلما كان المساء قال صاحب الكرم

٤٤٤

لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئا من الآخرين إلى الأولين ٩ فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا دينارا دينارا ١٠ فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر ، فأخذوا هم أيضا دينارا دينارا ١٠ ، ١١ وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت ١٢ قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر ١٣ فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار ١٤ فخذ الذي لك واذهب فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك ١٥ أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي ، أم عينك شريرة لأني أنا صالح ١٦ هكذا يكون الآخرون أوّلين والأولون آخرين ، لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون». فالآخرون أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم يقدمون في الأجر وهم الآخرون الأولون ، كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نحن الآخرون السابقون». وقال : «ان الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي».

البشارة السادسة عشر : في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متى هكذا : «٣٣ اسمعوا مثلا آخر : كان إنسان رب بيت غرس كرما وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجا وسلمه إلى كرامين وسافر ٣٤ ولما قرب وقت الثمار ، أرسل عبيده إلى الكرامين وسافر ليأخذ أثماره ٣٥ فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا ٣٦ ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك ٣٧ فأخيرا أرسل إليهم ابنه قائلا يهابون ابني ٣٨ وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه ٣٩ فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه ٤٠ فمتى جاء صاحب الكرم ما ذا يفعل بأولئك الكرامين ٤١ قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكا رديا ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها ٤٢ قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب ، كان هذا وهو عجيب في أعيننا ٤٣ لذلك أقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ٤٤ ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ٤٥ ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم». أقول ان رب بيت كناية عن الله ، والكرم كناية عن الشريعة ، وإحاطته بسياج وحفر المعصرة فيه وبناء البرج كنايات عن بيان المحرمات والمباحات والأوامر والنواهي ، وأن الكرامين الطاغين كناية عن اليهود كما فهم رؤساء الكهنة والفريسيون أنه تكلم عليهم ، والعبيد المرسلين كناية عن الأنبياء عليهم‌السلام ، والابن كناية عن عيسى عليه‌السلام. وقد عرفت في الباب الرابع أنه لا بأس بإطلاق هذا اللفظ عليه ، وقد قتله اليهود أيضا في زعمهم. والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأمة التي تعمل أثماره كناية عن أمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا هو الحجر الذي كل من سقط عليه يترضض وكل من سقط هو عليه سحقه. وما ادعى العلماء المسيحية بزعمهم

٤٤٥

أن هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه‌السلام ، فغير صحيح لوجوه : الأول ، ان داود عليه‌السلام قال في الزبور المائة والثامن عشر هكذا : «٢٢ الحجر الذي رذله البنّاءون هو صار رأسا للزاوية ٢٣ من قبل الرب كان هذه ، وهي عجيبة في أعيننا». فلو كان هذا الحجر عبارة عن عيسى عليه‌السلام وهو من اليهود من آل يهوذا من آل داود عليه‌السلام ، فأي عجب في أعين اليهود عموما لكون عيسى عليه‌السلام رأس الزاوية سيما في عين داود عليه‌السلام خصوصا. لأن مزعوم المسيحيين أن داود عليه‌السلام يعظم عيسى عليه‌السلام في مزاميره تعظيما بليغا ويعتقد الألوهية في حقه بخلاف آل إسماعيل لأن اليهود كانوا يحقرون أولاد إسماعيل غاية التحقير ، وكان كون أحد منهم رأسا للزاوية عجيبا في أعينهم. والثاني ، انه وقع في وسط هذا الحجر من سقط على هذا الحجر يترضض وكل من سقط هو عليه سحقه. ولا يصدق هذا الوصف على عيسى عليه‌السلام لأنه قال : «وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه ، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم». كما هو في الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا ، وصدقه على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير محتاج إلى البيان ، لأنه كان مأمورا بتنبيه الفجار الأشرار ، فإن سقطوا عليه ترضضوا ، وإن سقط هو عليهم سحقهم. الثالث ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه وترك منه موضع لبنة ، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل». ولما ثبتت نبوته بالأدلة الأخرى ، كما ذكرت نبذا منها في المسالك السابقة ، فلا بأس بأن استدل في هذه البشارة بقوله أيضا. والرابع ، ان المتبادر من كلام المسيح أن هذا الحجر غير الابن.

البشارة السابعة عشر : في الباب الثاني من المشاهدات هكذا : «٢٦ ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطانا على الأمم ٢٧ فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر آنية من خزف ، كما أخذت أيضا من عند أبي ٢٨ وأعطيه كوكب الصبح ٢٩ من له أذن فليسمع ما يقول الروح بالكنائس». فهذا الغالب الذي أعطي سلطانا على الأمم ويرعاهم بالقضيب من حديد هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما قال الله في حقه : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) [الفتح : ٣]. وقد سماه سطيح الكاهن صاحب الهراوة. روي أن ليلة ولادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم انشق إيوان كسرى أنو شروان وسقط من ذلك أربع عشرة شرافة ، خمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، وغارت بحيرة ساوة بحيث صارت يابسة ، ورأى الموبذان في نومه أن إبلا صعابا تقود خيلا عرابا فقطعت دجلة وانتشرت في بلادها. فخاف كسرى من حدوث هذه الأمور وأرسل عبد المسيح إلى سطيح الكاهن الذي كان في الشام ، ولما وصل عبد المسيح إليه وجده في سكرات الموت ، فذكر هذه الأمور عنده ، فأجاب سطيح : «إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليست بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح مناما.

٤٤٦

يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرافات وكل ما هو آت آت». ثم مات سطيح من ساعته ورجع عبد المسيح ، فأخبر أنو شروان بما قال سطيح. قال كسرى : إلى أن يملك أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين ، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه ، فهلك آخرهم يزدجرد في خلافته. والهراوة بكسر الهاء العصا الضخمة. وكوكب الصبح عبارة عن القرآن. قال الله في سورة النساء : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء : ١٧٤]. وفي سورة التغابن : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) [التغابن : ٨]. قال صاحب صولة الضيغم بعد نقل هذه البشارة : «قلت للقسيسين ويت ووليم عند المناظرة ان صاحب هذا القضيب من حديد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاضطربا لسماع هذا الأمر ، وقالا ان عيسى عليه‌السلام حكم بهذا الكنيسة ثياثيرا فلا بدّ أن يكون ظهور مثل هذا الشخص هناك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما راح هناك. قلت هذه الكنيسة في أية ناحية كانت؟ فرجعا إلى كتب اللغة وقالا كانت في أرض الروم قريبة من استانبول. قلت راح أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خلافة الفاروق الأعظم عمر رضي الله عنه إلى هذه البلاد وفتحوها ، وبعد الصحابة رضي الله عنهم كان المسلمون أيضا متسلطين عليها في أكثر الأوقات ، ثم تسلط سلاطين آل عثمان أدام الله سلطنتهم من المدة المديدة ، وهم متسلطون إلى هذا الحين. فهذا الخبر الصريح في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم». انتهى كلامه. قلت : الفاضل عباس علي الجاجموي الهندي صنف أولا كتابا كبيرا في رد أهل التثليث وسماه صولة الضيغم على أعداء ابن مريم ، ثم ناظر هو رحمه‌الله ويت ووليم القسيسين في البلد كانفور من بلاد الهند وألزمهما ، ثم اختصر كتابه وسمى المختصر خلاصة صولة الضيغم. ومناظرته كانت قبل أن ناظر صاحب ميزان الحق في أكبرآباد بمقدار اثنتين وعشرين سنة.

البشارة الثامنة عشر : وهذه البشارة واقعة في آخر أبواب إنجيل يوحنا. وأنا أنقل عن التراجم العربية المطبوعة سنة ١٨٢١ وسنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ في بلدة لندن ، فأقول في الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «١٥ إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي ١٦ وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد ١٧ روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه ليس يراه ولا يعرفه ، وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم ٢٦ والفارقليط روح القدس الذي يرسله الأب باسمي ، هو يعلمكم كل شيء ، وهو يذكركم كل ما قلته لكم ٣٠ والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون». وفي الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «٢٦ فأما إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي ٢٧ وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء». وفي الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «٧ لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق ،

٤٤٧

لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط ، فأما إن انطلقت أرسلته إليكم ٨ فإذا جاء ذاك فهو يوبخ العالم على خطية وعلى بر وعلى حكم ٩ أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي ١٠ وأما على البر فلأني منطلق إلى الأب ولستم ترونني بعد ١١ وأما على الحكم فإن أركون هذا العالم قد دين ١٢ وإن لي كلاما كثيرا أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن ١٣ وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي ١٤ وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ويخبركم ١٥ جميع ما هو للأب فهو لي. فمن أجل هذا قلت إن مما هو لي يأخذ ويخبركم». وأنا أقدم ، قبل بيان وجه الاستدلال بهذه العبارات ، أمرين : الأمر الأول : انك قد عرفت في الأمر السابع أن أهل الكتاب سلفا وخلفا عادتهم أن يترجموا غالبا الأسماء ، وأن عيسى عليه‌السلام كان يتكلم باللسان العبراني لا باليوناني. فإذا لا يبقى شك في أن الإنجيلي الرابع ترجم اسم المبشّر به باليوناني بحسب عادتهم. ثم مترجمو العربية عربوا اللفظ اليوناني بفارقليط ، وقد وصلت إلى رسالة صغيرة في لسان أردو من رسائل القسيسين في سنة ألف ومائتين وثمان وستين من الهجرة وكانت هذه الرسالة طبعت في كلكته ، وكانت في تحقيق لفظ فارقليط ، وادّعى مؤلفها أن مقصوده أن ينبّه المسلمين على سبب وقوعهم في الغلط من لفظ فارقليط. وكان ملخص كلامه «ان هذا اللفظ معرّب من اللفظ اليوناني. فإن قلنا ان هذا اللفظ اليوناني الأصل پاراكلي طوس فيكون بمعنى المعزي والمعين والوكيل. وإن قلنا أن اللفظ الأصل پير كلوطوس يكون قريبا من معنى محمد وأحمد. فمن استدل من علماء الإسلام بهذه البشارة فهم أن اللفظ الأصل پير كلوطوس. ومعناه قريب من معنى محمد وأحمد ، فادّعى أن عيسى عليه‌السلام أخبر بمحمد أو أحمد. لكن الصحيح أنه پاراكلي طوس». انتهى ملخصا من كلامه. فأقول ان التفاوت بين اللفظين يسير جدا ، وأن الحروف اليونانية كانت متشابهة. فتبدل پير كلوطوس بياراكلي طوس في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس. ثم رجّح أهل التثليث المنكرين هذه النسخة على النسخ الآخر. ومن تأمل في الباب الثاني من هذا الكتاب ، والأمر السابع من هذا المسلك السادس بنظر الانصاف ، اعتقد يقينا بأن مثل هذا الأمر من أهل الديانة من أهل التثليث ليس ببعيد ، بل لا يبعد أن يكون من المستحسنات. والأمر الثاني ، ان البعض ادّعوا قبل ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم مصاديق لفظ فارقليط. مثلا منتنس المسيحي الذي كان في القرن الثاني من الميلاد وكان مرتاضا شديدا واتقى عهده ، ادّعى في قرب سنة ١٧٧ من الميلاد في آسيا الصغرى الرسالة ، وقال اني هو الفارقليط الموعود به الذي وعد بمجيئه عيسى عليه‌السلام ، وتبعه أناس كثيرون في ذلك ، كما هو مذكور في بعض التواريخ. وذكر وليم ميور حاله وحال متبعيه في القسم الثاني من الباب الثالث من تاريخه بلسان اردو المطبوع سنة

٤٤٨

١٨٤٨ من الميلاد هكذا : «ان البعض قالوا أنه ادّعى أني فارقليط ، يعني المعزي روح القدس ، وهو كان أتقى ومرتاضا شديدا ، ولأجل ذلك قبله الناس قبولا زائدا». انتهى كلامه. فعلم أن انتظار فارقليط كان في القرون الأولى المسيحية أيضا. ولذلك كان الناس يدعون أنهم مصاديقه ، وكان المسيحيون يقبلون دعاويهم. وقال صاحب لب التواريخ «ان اليهود والمسيحيين من معاصري محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا منتظرين لنبيّ ، فحصل لمحمد من هذا الأمر نفع عظيم لأنه ادّعى أني هو ذاك المنتظر». انتهى ملخص كلامه. فيعلم من كلامه أيضا أن أهل الكتاب كانوا منتظرين لخروج نبي في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو الحق لأن النجاشي ملك الحبشة لما وصل إليه كتاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أشهد بالله أنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب». وكتب الجواب ، وكتب في الجواب : «أشهد أنك رسول الله صادقا ومصدقا ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب وأسلمت على يديه لله رب العالمين». وهذا النجاشي قبل الإسلام كان نصرانيا. وكتب المقوقس ملك القبط في جواب كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هكذا : «لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك. أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك». والمقوقس هذا ، وإن لم يسلم ، لكنه أقرّ في كتابه أني قد علمت أن نبيا قد بقي وكان نصرانيا. فهذان الملكان ما كانا يخافان في ذلك الوقت من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأجل شوكته الدنيوية. وجاء الجارود بن العلاء في قومه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «والله لقد جئت بالحق ونطقت بالصدق. والذي بعثك بالحق نبيّا ، لقد وجدت وصفك في الإنجيل وبشّر بك ابن البتول ، فطول التحية لك ، والشكر لمن أكرمك ، لا أثر بعد عين ولا شك بعد يقين ، مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله». ثم آمن قومه. وهذا الجارود كان من علماء النصارى. وقد أقرّ بأنه قد بشّر بك ابن البتول أي عيسى عليه‌السلام. فظهر أن المسيحيين أيضا كانوا منتظرين لخروج نبيّ بشّر به عيسى عليه‌السلام.

فإذا علمت ذلك ، فأقول ان اللفظ العبراني الذي قاله عيسى عليه‌السلام مفقود ، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة. لكني أترك البحث عن الأصل وأتكلم عن هذا اللفظ اليوناني وأقول : إن كان اللفظ اليوناني الأصل پير كلوطوس ، فلأمر ظاهر وتكون بشارة المسيح في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلفظ هو قريب من محمد وأحمد. وهذا وإن كان قريب القياس بلحاظ عاداتهم ، لكني أترك هذا الاحتمال لأنه لا يتمّ عليهم إلزاما. وأقول إن كان اللفظ اليوناني الأصل پاراكلي طوس ، كما يدعون ، فهذا لا ينافي الاستدلال أيضا لأن معناه المعزي والمعين والوكيل على ما بين صاحب الرسالة أو الشافع ، كما يوجد في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦. وهذه المعاني كلها تصدق على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأنا أبين الآن أولا ان المراد بفارقليط

٤٤٩

النبيّ المبشّر به أعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا الروح النازل على تلاميذ عيسى عليه‌السلام يوم الدار الذي جاء ذكره في الباب الثاني من كتاب الأعمال. وأذكر ثانيا شبهات العلماء المسيحية وأجيب عنها. فأقول :

في أن الفارقليط المبشّر به هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم

أما الأول فيدل عليه أمور : / ١ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «أولا إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي». ثم أخبر عن فارقليط. فمقصوده عليه‌السلام أن يعتقد السامعون بأن ما يلقى عليهم بعد ضروريّ واجب الرعاية. فلو كان فارقليط عبارة عن الروح النازل يوم الدار لما كانت الحاجة إلى هذه الفقرة. لأنه ما كان مظنونا أن يستبعد الحواريون نزول الروح عليهم مرة أخرى ، لأنهم كانوا مستفيضين به من قبل أيضا ، بل لا مجال للاستبعاد أيضا. لأنه إذا نزل على قلب أحد وحلّ فيه يظهر أثره لا محالة ظهورا بينا. فلا يتصوّر إنكار المتأثر منه ، وليس ظهوره عندهم في صورة يكون فيه مظنة يكون الاستبعاد ، فهو عبارة عن النبيّ المبشّر به. فحقيقة الأمر أن المسيح عليه‌السلام لما علم بالتجربة وبنور النبوّة أن الكثيرين من أمته ينكرون النبيّ المبشّر به عند ظهوره ، فأكّد أولا بهذه الفقرة ثم أخبر عن مجيئه. / ٢ / ان هذا الروح متحد بالأب مطلقا وبالابن نظرا إلى لاهوته اتحادا حقيقيا. فلا يصدق في حقه فارقليط آخر ، بخلاف النبيّ المبشّر. فإنه يصدق هذا القول في حقه بلا تكلف. / ٣ / ان الوكالة والشفاعة من خواص النبوّة لا من خواص هذا الروح المتحد بالله. فلا يصدقان على الروح ويصدقان على النبيّ المبشّر به بلا تكلف. / ٤ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «هو يذكركم كل ما قلته لكم». ولم يثبت من رسالة من رسائل العهد الجديد أن الحواريين كانوا قد نسوا ما قاله عيسى عليه‌السلام ، وهذا الروح النازل يوم الدار ذكرهم إياه. / ٥ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون». وهذا يدل على أن المراد به ليس الروح. لأنك قد عرفت في الأمر الأول أنه ما كان عدم الإيمان مظنونا منهم وقت نزوله ، بل لا مجال للاستبعاد أيضا. فلا حاجة إلى هذا القول وليس من شأن الحكيم العاقل أن يتكلّم بكلام فضول فضلا عن شأن النبيّ العظيم الشأن فلو أردنا به النبيّ المبشّر به يكون هذا الكلام في محله وفي غاية الاستحسان لأجل التأكيد مرة ثانية. / ٦ / إن عيسى عليه‌السلام قال : «هو يشهد لأجلي». وهذا الروح ما شهد لأجله بين يدي أحد ، لأن تلاميذه الذين نزل عليهم ما كانوا محتاجين إلى الشهادة لأنهم كانوا يعرفون المسيح حق المعرفة قبل نزوله أيضا. فلا فائدة للشهادة بين أيديهم. والمنكرون الذين كانوا محتاجين للشهادة فهذا الروح ما شهد بين

٤٥٠

أيديهم. بخلاف محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه شهد لأجل المسيح عليه‌السلام وصدقه وبرأه عن ادعاء الألوهية الذي هو أشد أنواع الكفر والضلال ، وبرأ أمه عن تهمة الزنا. وجاء ذكر براءتهما في القرآن في مواضع متعددة وفي الأحاديث في مواضع غير محصورة. / ٧ / ان عيسى عليه‌السلام قال «وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء». وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ هكذا : «وتشهدون أنتم أيضا لأنكم كنتم معي من الابتداء». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ هكذا : «وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء». فيوجد في هذه التراجم الثلاث لفظ أيضا. وكذا يوجد في التراجم الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٨ وسنة ١٨٤١. وفي ترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨١٤ ترجمة لفظ أيضا. فلفظ أيضا سقط من التراجم التي نقلت عنها عبارة يوحنا سهوا أو قصدا. فهذا القول يدل دلالة ظاهرة على أن شهادة الحواريين غير شهادة فارقليط. فلو كان المراد به الروح النازل يوم الدار فلا توجد مغايرة الشهادتين لأن الروح المذكور لم يشهد شهادة مستقلة غير شهادة الحواريين ، بل شهادة الحواريين هي شهادته بعينها. لأن هذا الروح ، مع كونه إلها متحدا بالله اتحادا حقيقيا بريا من النزول والحلول والاستقرار والشكل التي هي من عوارض الجسم والجسمانيات ، نزل مثل ريح عاصفة وظهر في أشكال ألسنة منقسمة كأنها من نار ، واستقرت على كل واحد منهم يوم الدار ، فكان حالهم كحال من عليه أثر الجن. فكما أن قول الجن يكون قوله في تلك الحالة ، فكذلك كانت شهادة الروح هي شهادة الحواريين. فلا يصح هذا القول بخلاف ما إذا كان المراد به النبي المبشّر به ، فإن شهادته غير شهادة الحواريين. / ٨ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط. فأما إن انطلقت أرسلته إليكم». فعلق مجيئه بذهابه. وهذا الروح عندهم نزل على الحواريين في حضوره لما أرسلهم إلى البلاد الإسرائيلية. فنزوله ليس بمشروط بذهابه. فلا يكون مرادا بفارقليط ، بل المراد به شخص لم يستفض منه أحد من الحواريين قبل زمان صعوده ، وكان مجيئه موقوفا على ذهاب عيسى عليه‌السلام. ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان كذلك ، لأنه جاء بعد ذهاب عيسى عليه‌السلام ، وكان مجيئه موقوفا على ذهاب عيسى عليه‌السلام ، لأن وجود رسولين ذوي شريعتين مستقلتين في زمان واحد غير جائز ، بخلاف ما إذا كان الآخر متبعا لشريعة الأول ، أو يكون كل من الرسل متبعا لشريعة واحدة. لأنه يجوز في هذه الصورة وجود اثنين أو أكثر في زمان واحد ومكان واحد ، كما ثبت وجودهم ما بين زمان موسى عليه‌السلام وعيسى عليه‌السلام. / ٩ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «يوبخ العالم». فهذا القول بمنزلة النص الجلي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه وبخ العالم ، سيما اليهود ، على عدم إيمانهم بعيسى عليه‌السلام توبيخا لا يشك فيه إلا معاند بحت. وسيكون ابنه الرشيد محمد المهدي رفيقا لعيسى عليه‌السلام في زمان قتل الدجال الأعور ومتابعيه. بخلاف الروح النازل يوم

٤٥١

الدار ، فإن توبيخه لا يصح على أصول أحد. وما كان التوبيخ منصب الحواريين بعد نزوله أيضا ، لأنهم كانوا يدعون إلى الملة بالترغيب والوعظ. وما قال رانكين في كتابه المسمى بدافع البهتان الذي هو بلسان اردو في رده على خلاصة صولة الضيغم : «ان لفظ التوبيخ لا يوجد في الإنجيل ولا في ترجمة من تراجم الإنجيل. وهذا المستدل أورد هذا اللفظ ليصدق على محمد صدقا بينا لأجل أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبخ وهدد كثيرا ، إلا أن مثل هذا التغليط ليس من شأن المؤمنين والخائفين من الله». انتهى كلامه. فمردود. وهذا القسيس إما جاهل غالط أو مغلط ليس له إيمان ولا خوف من الله. لأن هذا اللفظ يوجد في التراجم العربية المذكورة التي نقلت عنها عبارة يوحنا وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٦٧١ في الرومية العظمى وعبارة الترجمة العربية المطبوعة في بيروت سنة ١٨٦٠ هكذا : «ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية إلخ». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٥ وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٨ وسنة ١٨٤١ يوجد لفظ الإلزام. ولفظ التبكيت والإلزام أيضا قريبان من التوبيخ ، لكن لا شكاية منه لأن مثل هذا الأمر من عادات علماء پروتستنت. ولذلك ترى أن مترجمي الفارسية وأردو تركوا لفظ فارقليط لشهرته عند المسلمين في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨٣٩ فإن هؤلاء أسلافه أيضا حيث أرجع إلى الروح ضمائر المؤنث ليحصل الاشتباه للعوام أن مصداق هذا اللفظ مؤنث وليس بمذكر. / ١٠ / قال عيسى عليه‌السلام : «أما على الخطيّة فلأنهم لم يؤمنوا بي». وهذا يدل على أن فارقليط يكون ظاهرا على منكري عيسى عليه‌السلام موبخا لهم على عدم الإيمان به. والروح النازل يوم الدار ما كان ظاهرا على الناس موبخا لهم. / ١١ / قال عيسى عليه‌السلام : «ان لي كلاما كثيرا أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن». وهذا ينافي إرادة الروح النازل يوم الدار ، لأنه ما زاد حكم على أحكام عيسى عليه‌السلام ، لأنه على زعم أهل التثليث كان أمر الحواريين بعقيدة التثليث وبدعوة أهل العالم كله. فأي أمر حصل لهم أزيد من أقواله التي قال لهم إلى زمان صعوده؟ نعم بعد نزول هذا الروح أسقطوا جميع أحكام التوراة التي هي ما عدا بعض الأحكام العشرة المذكورة في الباب العشرين من سفر الخروج ، وحللوا جميع المحرمات. وهذا الأمر لا يجوز في حقه أن يقال أنهم ما كانوا يستطيعون حمله لأنهم استطاعوا حمل سقوط حكم تعظيم السبت الذي هو أعظم أحكام التوراة الذي كان اليهود ينكرون كون عيسى عليه‌السلام مسيحا موعودا به لأجل عدم مراعاته هذا الحكم. فقبول سقوط جميع الأحكام كان أهون عندهم. نعم قبول زيادة الأحكام لأجل ضعف الإيمان وضعف القوة إلى زمان صعوده ، كما يعترف به علماء پروتستنت ، كان خارجا عن استطاعتهم. فظهر أن المراد بفارقليط نبي تزاد في شريعته أحكام بالنسبة إلى الشريعة العيسوية ويثقل

٤٥٢

حملها على المكلفين الضعفاء وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. / ١٢ / ان عيسى عليه‌السلام قال : «ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع». وهذا يدل على أن فارقليط يكون بحيث يكذبه بنو إسرائيل. فاحتاج عيسى عليه‌السلام أن يقرر حال صدقه. فقال هذا القول. ولا مجال لمظنة التكذيب في حق الروح النازل يوم الدار ، على أن هذا الروح عندهم عين الله فلا معنى لقوله بل يتكلم بما يسمع. فمصداقه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه كان في حقه مظنة التكذيب وليس هو عين الله ، وكان يتكلم بما يوحى إليه كما قال الله تعالى : (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣]. وقال : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) [الأنعام : ٥٠] أن عيسى عليه‌السلام قال : «انه يأخذ مما هو لي». وهذا لا يصدق على الروح لأنه عند أهل التثليث قديم وغير مخلوق وقادر مطلق ليس له كمال منتظر ، بل كل كمال من كمالاته حاصل له بالفعل. فلا بدّ أن يكون الموعود به من الجنس الذي يكون له كمال منتظر. ولما كان هذا الكلام موهما أن يكون هذا النبيّ متبعا لشريعته دفعه بقوله فيما بعد «جميع ما للأب فهو لي. فلأجل هذا قلت مما هو لي يأخذ». يعني أن كل شيء يحصل لفارقليط من الله ، فكأنه يحصل مني ، كما اشتهر من كان لله كان الله له. فلأجل هذا قلت إن مما هو لي يأخذ.

في أن شبهات پروتستنت ادّعاءات باطلة

وأما الثاني أعني الشّبهات التي تورد علماء پروتستنت فخمسة :

الشّبهة الأولى : جاء في هذه العبارة تفسير فارقليط بروح القدس وروح الحق ، وهما عبارتان عن الأقنوم الثالث. فكيف يصح أن يراد بفارقليط محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ أقول في الجواب أن صاحب ميزان الحق يدّعي في تأليفاته كون ألفاظ روح الله ، وروح القدس ، وروح الحق ، وروح الصدق ، وروح فم الله ، بمعنى واحد. قال في الفصل الأول من الباب الثاني من مفتاح الأسرار في الصفحة ٥٣ من النسخة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٥٠ : «إن لفظ روح الله ولفظ روح القدس في التوراة والإنجيل بمعنى واحد». انتهى. فادّعى أن هذين اللفظين يستعملان بمعنى واحد في العهدين. وقال في حل الإشكال في جواب كشف الأستار : «من له شعور ما بالتوراة والإنجيل فهو يعرف أن ألفاظ روح القدس وروح الحق وروح فم الله وغيرها بمعنى روح الله. فلذلك ما رأيت إثباته ضروريا». انتهى. فإذا عرفت هذا القول ، نحن نقطع النظر عن صحة ادعائه وعدم صحته هاهنا ، ونسلم ترادف هذه الألفاظ على زعمه. لكنا ننكر أن استعمالها في كل موضع من مواضع العهدين بمعنى الأقنوم الثالث. ونقول قولا مطابقا لقوله «من له شعور ما بكتب العهدين يعرف أن هذه الألفاظ تستعمل في غير الأقنوم الثالث كثيرا.

٤٥٣

في الآية الرابعة عشر من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال عليه‌السلام هكذا : «فاعطي فيكم روحي». ففي هذا القول روح الله بمعنى النفس الناطقة الإنسانية ، لا بمعنى الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى ليوحنا هكذا ترجمة عربية سنة ١٧٦٠ : «١ أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح ، هل هي من الله لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم ٢ بهذا تعرفون روح الله ، كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله ٦ نحن من الله. فمن يعرف الله يسمع لنا ، ومن ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال». وهذه الجملة الواقعة في الآية الثانية (بهذا تعرفون روح الله) وفي التراجم الأخر هكذا ترجمة عربية سنة ١٨٢١ وسنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ (وبهذا يعرف روح الله) ترجمة عربية سنة ١٨٢٥ (فإنكم تميزون روح الله) ولفظ (روح الله) في الآية الثانية ولفظ (روح الحق) في الآية السادسة بمعنى الواعظ الحق لا بمعنى الأقنوم الثالث. ولذلك ترجم مترجم ترجمة أردو المطبوعة سنة ١٨٤٥ لفظ (كل روح) بكل واعظ ولفظ (الأرواح) بالواعظين ، في الآية الأولى. ولفظ (روح) في الآية الثانية بالواعظ من جانب الله ، ولفظ (روح الحق) في الآية السادسة بالواعظ الصادق ، وترجم لفظ (روح الضلال) بالواعظ المضل. وليس المراد (بروح الله وروح الحق) الأقنوم الثالث الذي هو عين الله على زعمهم ، وهو ظاهر. فتفسير فارقليط بروح القدس وروح الحق لا يضرنا ، لأنهما بمعنى الواعظ الحق. كما أن لفظ (روح الحق وروح الله) بهذا المعنى في الرسالة الأولى ليوحنا فيصح إطلاقهما على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا ريب.

الشّبهة الثانية : ان المخاطبين بضمير (كم) الحواريون. فلا بدّ أن يظهر فارقليط في عهدهم. ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يظهر في عهدهم. أقول هذا أيضا ليس بشيء لأن منشأه أن الحاضرين وقت الخطاب لا بدّ أن يكونوا مرادين بضمير الخطاب. وهو ليس بضروري في كل موضع ألا ترى أن قول عيسى عليه‌السلام في الآية الرابعة والستين من الباب السادس والعشرين من إنجيل متى في خطاب رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع هكذا : «وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء». وهؤلاء المخاطبون قد ماتوا ، ومضت على موتهم مدة هي أزيد من ألف وثمانمائة سنة ، وما رأوه آتيا على سحاب السماء. فكما أن المراد بالمخاطبين هاهنا الموجودون من قومهم وقت نزوله من السماء ، فكذلك فيما نحن فيه المراد الذين يوجدون وقت ظهور فارقليط.

الشّبهة الثالثة : انه وقع في حق فارقليط أن العالم لا يراه ولا يعرفه وأنتم تعرفونه. وهو لا يصدق على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن الناس رأوه وعرفوه. أقول هذا أيضا ليس بشيء وهم أحوج

٤٥٤

الناس تأويلا في هذا القول بالنسبة إلينا. لأن روح القدس عين الله عندهم ، والعالم يعرف الله أكثر من معرفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلا بدّ أن نقول ان المراد بالمعرفة المعرفة الحقيقية الكاملة. ففي صورة التأويل لا اشتباه في صدق هذا القول على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويكون المقصود أن العالم لا يعرفه معرفة حقيقية كاملة ، وأنتم تعرفونه معرفة حقيقية كاملة. والمراد بالرؤية المعرفة. ولذا لم يعد عيسى عليه‌السلام لفظ (الرؤية) بعد لفظ (أنتم) بل قال (وأنتم تعرفونه). ولو حملنا الرؤية على الرؤية البصرية يكون نفي الرؤية محمولا على ما هو المراد في قول الإنجيلي الأول في الباب الثالث عشر من إنجيله. وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٥ : «١٣ فلذلك أضرب لهم الأمثال لأنهم ينظرون ولا يبصرون ، ويسمعون ولا يستمعون ولا يفهمون ١٤ وقد كمل فيهم تنبأ أشعيا حيث قال أنكم تستمعون سمعا ولا تفهمون ، وتنظرون نظرا ولا تبصرون». فلا إشكال أيضا. وأمثال هذين الأمرين ، وإن كانت معاني مجازية ، لكنها بمنزلة الحقيقة العرفية ، ووقعت في كلام عيسى عليه‌السلام كثيرا. في الآية السابعة والعشرين من الباب الحادي عشر من إنجيل متى هكذا : «وليس أحد يعرف الابن إلا الأب ، ولا أحد يعرف الأب إلا الابن ، ومن أراد الابن أن يعلن له». وفي الآية الثامنة والعشرين من الباب السابع من إنجيل يوحنا هكذا : «الذي أرسلني حق الذي أنتم لستم تعرفون». وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا هكذا : «١٩ لستم تعرفوني أنا ولا أبي ، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ٥٥ ولستم تعرفونه أي الله». إلخ. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «أيها الأب إن العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك». وفي الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا هكذا : «٧ لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه ٨ قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا ٩ قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدتي ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الأب. فكيف تقول أنت أرنا الأب». فالمراد في هذه الأقوال بالمعرفة المعرفة الكاملة وبالرؤية المعرفة. وإلا لا تصح هذه الأقوال يقينا. لأن العوام من الناس كانوا يعرفون عيسى عليه‌السلام ، فضلا عن رؤساء اليهود والكهنة والمشايخ والحواريين ، ورؤية الله بالبصر في هذا العالم ممتنعة عند أهل التثليث أيضا.

الشّبهة الرابعة : انه وقع في حق فارقليط «انه مقيم عندكم وثابت فيكم». ويظهر من هذا القول أن فارقليط كان في وقت الخطاب مقيما عند الحواريين وثابتا فيهم. فكيف يصدق على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ أقول ان هذا القول في التراجم الأخرى هكذا ترجمة عربية سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٥ «لأنه مستقر معكم وسيكون فيكم». والتراجم الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ وسنة ١٨٢٨ وسنة ١٨٤١ ، وترجمة اردو المطبوعة سنة ١٨١٤ وسنة ١٨٣٩ ، كلها مطابقة لهاتين

٤٥٥

الترجمتين ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ هكذا : «ماكث معكم ويكون فيكم». فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقينا. فلا اعتراض به لوجه من الوجوه. وبقي قوله مقيم عندكم. فأقول لا يصح حمل هذا القول على معنى (هو مقيم عندكم الآن) لأنه ينافي قوله : «أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر». وقوله «قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون». وقوله «إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط». وإذا أوّل نقول أنه بمعنى الاستقبال. كما أن القول الذي بعده بمعنى الاستقبال. ومعناه يكون مقيما عندكم في الاستقبال. فلا خدشة في صدقه أيضا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والتعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين. ألا ترى أن حزقيال عليه‌السلام أخبر أولا عن خروج يأجوج ومأجوج في الزمان المستقبل وإهلاكهم حين وصولهم إلى جبال إسرائيل ، ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع والثلاثين من كتابه هكذا : «ها هو جاء وصار يقول الرب الإله : هذا هو اليوم الذي قلت عنه». فانظروا إلى قوله (ها هو جاء وصار) وهذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٩ هكذا (ابنك رسيد وبوقوع يبوست). فعبّر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقينا لا شك فيه. وقد مضت مدة أزيد من ألفين وأربعمائة وخمسين سنة ولم يظهر خروجهم. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا : «الحق الحق أقول عليكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون». فانظروا إلى قوله (وهي الآن) وقد مضت مدة أزيد من ألف وثمانمائة ولم تجيء هذه الساعة ، وإلى الآن أيضا مجهولة لا يعرف أحد متى تجيء.

الشّبهة الخامسة : في الباب الأول من كتاب الأعمال هكذا : «٤ وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني ٥ لأن يوحنا عمد بالماء ، وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير». وهذا يدل على أن فارقليط هو الروح النازل يوم الدار ، لأن المراد بوعد الأب هو فارقليط. أقول الادعاء بأن المراد بموعد الأب هو فارقليط ، ادعاء محض ، بل هو غلط ، لثلاثة عشر وجها. وقد عرفتها. بل الحق أن الأخبار عن فارقليط شيء ، والوعد بإنزال الروح عليه مرة أخرى شيء آخر ، وقد وفى الله بالوعدين وقد عبّر بالوعد الأول بمجيء فارقليط ، وهاهنا بموعد الأب. غاية الأمر أن يوحنا نقل بشارة فارقليط ولم ينقلها الإنجيليون الباقون ، ولوقا نقل موعد نزول الروح الذي نزل يوم الدار ، ولم ينقله يوحنا ، ولا بأس فيه. فإنهم قد يتفقون في نقل الأقوال الخسيسة كركوب عيسى عليه‌السلام على الحمار وقت الذهاب إلى أورشليم ، اتفق على نقله الأربعة. وقد يتخالفون في نقل الأحوال العظيمة. ألا ترى أن لوقا انفرد بذكر إحياء ابن الأرملة من الأموات في نابين ، وبذكر إرسال عيسى عليه‌السلام سبعين تلميذا ، وبذكر إبراء عشرة برص ،

٤٥٦

ولم يذكر هذه الحالات أحد من الإنجيليين ، مع أنها من الحالات العظيمة. وأن يوحنا انفرد بذكر وليمة العرس في قانا الجليل ، وظهر من يسوع فيه معجزة تحويل الماء خمرا ، وهذه المعجزة أول معجزاته وسبب ظهور مجده وإيمان التلاميذ به ، وبذكر إبراء السقيم في بيت صيدا في أورشليم ، وهذه أيضا معجزة عظيمة ، والمريض كان مريضا من ثمان وثلاثين سنة ، وبذكر قصة امرأة أخذت في زنا ، وبذكر إبراء الأكمه ، وهذا أيضا من أعظم معجزاته ، وهي مصرحة بها في الباب التاسع ، وبذكر إحياء العازار من بين الأموات ، ولم يذكرها أحد من الإنجيليين ، مع أنها حالات عظيمة. وهكذا حال متى ومرقس فإنهما انفردا بذكر بعض المعجزات والحالات التي لم يذكرهما غيرهما.

ولما طال البحث في هذا المسلك (١) ، فلنقتصر على هذا القدر من البشارات التي نقلتها عن كتبهم المعتبرة عندهم في زماننا. وأما البشارات التي توجد في كتب أخرى هي ليست معتبرة عندهم في زماننا ، فما نقلتها. وبعد ما فرغت أنقل عنها بشارة واحدة أيضا على سبيل الأنموذج. فأقول.

القسيس سيل نقل في مقدمة ترجمته للقرآن المجيد من إنجيل برنابا بشارة محمدية هكذا : «اعلم يا برنابا أن الذنب وإن كان صغيرا يجزي الله عليه ، لأن الله غير راض عن الذنب ، ولما اجتنى أمي وتلاميذي لأجل الدنيا سخط الله لأجل هذا الأمر ، وأراد باقتضاء عدله أن يجزيهم في هذا العالم على هذه العقيدة غير اللائقة ليحصل لهم النجاة من عذاب جهنم ، ولا يكون لهم أذية هناك. وأني وإن كنت بريا لكن بعض الناس لما قالوا في حقي أنه الله وابن الله ، كره الله هذا القول واقتضت مشيئته بأن لا تضحك الشياطين يوم القيامة عليّ ولا يستهزءون بي ، فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت يهوذا. ويظن كل شخص أني صلبت. لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله. فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط ، وترتفع هذه الشّبهة من قلوب الناس». انتهت ترجمة كلامه. أقول : هذه البشارة عظيمة. وإن اعترضوا أن هذا الإنجيل رده مجالس علمائنا السلف ، أقول : لا اعتبار لردهم وقبولهم ، كما علمت بما لا مزيد عليه في الباب الأول. وهذا الإنجيل من الأناجيل القديمة ، ويوجد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث ، فعلى هذا كتب هذا الإنجيل قبل ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائتي سنة. ولا يقدر أحد أن يخبر بغير الإلهام بمثل هذا الأمر قبل وقوعه بمائتي سنة. فلا بدّ أن يكون هذا قول عيسى عليه‌السلام. وإن قالوا أن أحدا من المسلمين حرّف هذا الإنجيل بعد ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت

__________________

(١) أي : المسلك السادس والأخير من هذا الفصل الأول من الباب السادس من هذا الكتاب.

٤٥٧

هذا الاحتمال بعيد جدا لأن المسلمين ما التفتوا إلى هذه الأناجيل الأربعة أيضا ، فكيف إلى إنجيل برنابا. ويبعد أن يؤثر تحريف أحد من المسلمين في إنجيل برنابا تأثيرا يتغير به النسخ الموجودة عند المسيحيين أيضا. وهم يزعمون أن علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين أسلموا نقلوا عن كتب العهدين البشارات المحمدية وحرفوها. فعلى زعمهم أقول : ان هؤلاء العلماء الكبار حرفوا على زعمهم ، ولم يؤثر تحريف هؤلاء في كتبهم التي كانت موجودة عندهم في مواضع هذه البشارات. فكيف أثر تحريف بعض المسلمين في إنجيل برنابا في النسخ التي كانت عندهم؟ فهذا الاحتمال واه ضعيف جدا واجب الرد (١). وقال الفاضل حيدر علي القرشي في كتابه المسمى بخلاصة سيف المسلمين الذي هو بلسان أردو في الصفحة ٦٣ و ٦٤ : «ان القسيس أوسكان الأرمني ترجم كتاب أشعيا باللسان الأرمني في سنة ألف وستمائة وست وستين ، وطبعت هذه الترجمة في سنة ألف وسبعمائة وثلاث وثلاثين في مطبع انتوني پورتولي. ويوجد في هذه الترجمة في الباب الثاني والأربعين هذه الفقرة سبحوا الله تسبيحا جديدا وأثر سلطنة على ظهره واسمه أحمد. انتهت. وهذه الترجمة موجودة عند الأرامن. فانظروا فيها». انتهى كلامه. أقول : هذه الترجمة لم تصل إليّ وما اطلعت عليها. لكن هذا الفاضل لعلّه رآها واطلع عليها. ولا شك أن هذه الفقرة عظيمة النفع ، وإن لم تكن هذه الترجمة معتبرة عند علماء پروتستنت. ومن أسلم من علماء اليهود والنصارى في القرن الأول شهد بوجود البشارات المحمدية في كتب العهدين مثل عبد الله بن سلّام وابني سعية وبنيامين ومخيريق وكعب الأحبار وغيرهم من علماء اليهود ، ومثل بحيرا ونسطور الحبشي وضفاطر وهو الأسقف الرومي الذي أسلم على يد دحية الكلبي وقت الرسالة فقتلوه ، والجارود والنجاشي والقسوس والرهبان الذين جاءوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وغيرهم من علماء النصارى وقد اعترف بصحة نبوّته وعموم رسالته هرقل قيصر الروم ومقوقس صاحب مصر وابن صوريا وحيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب وغيرهم ممن حملهم الحسد على الشقاء ولم يسلموا. وروي أنه عليه‌السلام لما أورد الدلائل على نصارى نجران ، ثم أنهم أصروا على جهلهم ، فقال عليه‌السلام : ان الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم.

__________________

(١) نقلنا هذا الإخبار أولا في الكتاب الإعجاز العيسوي عن الترجمة المطبوعة سنة ١٨٥٠ من الميلاد ، وطبع هذا الكتاب سنة ١٢٧١ من الهجرة وسنة ١٨٥٤ من الميلاد ، واشتهر في أقطار الهند. وتراجمهم وكتبهم تتغير في الطبع المتأخر بالنسبة إلى الطبع المتقدم تغييرا ما ، كما نبهت في مقدمة الكتاب أيضا. فإن لم يجد الناظر هذه البشارة في بعض نسخ الترجمة المذكورة المطبوعة في سنة غير السنة المذكورة لا يقع فيّ شك ، سيما إذا كان هذا البعض من النسخ المطبوعة في سنة متأخرة عن ألف وثمانمائة وأربع وخمسين من الميلاد. لأن علماء پروتستنت لو أسقطوا في طبعهم هذه البشارة من الترجمة المذكورة ، فلا يستبعد من عادتهم التي صارت بمنزلة الأمر الطبيعي لهم.

٤٥٨

فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع ، فننظر في أمرنا ثم نأتيك. فلما رجعوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم : ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم نبوّته ، وقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا ، وإن أبيتم إلا ألف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا. فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد غدا محتضنا الحسين وآخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فآمنوا. فقال أسقفهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا. فأذعنوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد. فقال عليه الصلاة والسلام لو باهلوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر. وهذه الواقعة دلت على نبوّته بوجهين : الأول ، انه عليه الصلاة والسلام خوّفهما بنزول العذاب عليهم. ولو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه. لأنه لو باهل ولم ينزل العذاب ظهر كذبه. ومعلوم أنه كان من أعقل الناس فلا يليق به أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه. فلما أصرّ على ذلك علمنا أنه إنما أصرّ عليه لكونه واثقا بوعد الله. والثاني ، ان القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلو لم يعرفوا أنه نبيّ لما تركوا مباهلته.

٤٥٩

الفصل الثاني

في دفع المطاعن

اعلم ، أرشدك الله تعالى ، أن المسيحيين يدّعون أن الأنبياء إنما يكونون معصومين في تبليغ الوحي فقط ، تقريرا كان أو تحريرا. وأما في غير التبليغ فليسوا بمعصومين ، لا قبل النبوّة ولا بعدها. فيصدر عنهم بعدها جميع الذنوب قصدا ، فضلا عن الخطأ والنسيان. فيصدر عنهم الزنا بالمحارم ، فضلا عن الأجنبيات ، ويصدر عنهم عبادة الأوثان وبناء المعابد لها ، ولا يخرج عندهم نبيّ من إبراهيم إلى يحيى عليهما‌السلام لا يكون زانيا أو من أولاد الزنا ـ أعاذنا الله من أمثال هذه العقائد الفاسدة في حق الأنبياء عليهم‌السلام ـ وقد عرفت ، في الأمر السابع من مقدمة الكتاب ، وفي الفصل الثالث والرابع من الباب الأول ، وفي المقصد الأول من الباب الثاني ، أن ادّعاءهم العصمة في التبليغ أيضا ادّعاء باطل لا أصل له على أصولهم. ويصدر هذا الادّعاء عنهم لتغليط العوام. فمطاعنهم على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في بعض الأمور التي يفهمونها ذنوبا في زعمهم الفاسد ، لا تقدح في نبوّته على أصولهم. وإني وإن كنت أستكره أن أنقل ذنوب الأنبياء والكفريات المفتريات عن كتبهم ، ولو إلزاما ، ولا أعتقد في حضرات الأنبياء اتّصافهم بهذه الذنوب والكفريات ـ حاشا وكلّا ـ لكني لما رأيت علماء پروتستنت أطالوا ألسنتهم إطالة فاحشة في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأمور الخفيفة ، وجعلوا الخردلة جبلا لتغليط العوام غير الواقفين على كتبهم ، وكان مظنة وقوع السذج في الاشتباه بتمويهاتهم الباطلة ، نقلت بعضها إلزاما ، وأتبرأ عن اعتقادها بألف لسان. وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر ، ونقل الكفر ليس بكفر. وقدمت نقلها على نقل مطاعنهم في حق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والجواب عنها. وكتب القسيس وليم اسمت من علماء پروتستنت كتابا في لسان أردو وطبعه في البلد مرزابور من بلاد الهند في سنة ١٨٤٨ من الميلاد وسمّاه طريق الأولياء ، وكتب فيه حال الأنبياء

٤٦٠