إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

الثانية لبطرس ٤ ـ و ٥ ـ الرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ٦ ـ رسالة يهودا ٧ ـ رسالة بولس إلى العبرانيين. وأكدوا ذلك الحكم بالرسالة العامّة ، وبقي كتاب مشاهدات يوحنا في هذين المجلسين خارجا مشكوكا كما كان. ثم انعقد بعد ذلك مجلس آخر في سنة ثلاثمائة وسبع وتسعين ، وتسمى هذا المجلس مجلس كارتهيج. وكان أهل هذا المجلس الفاضل المشتهر عندهم أكستاين ومائة وستّة وعشرين شخصا غيره من العلماء المشهورين. فأهل هذا المجلس أبقوا حكم المجلسين الأوّلين بحاله وزادوا على حكمهما هذه الكتب : ١ ـ كتاب وزدم ٢ ـ كتاب طوبيا ٣ ـ كتاب باروخ ٤ ـ كتاب إيكليزياستيكس ٥ ـ و ٦ ـ كتابا المقابيين ٧ ـ كتاب مشاهدات يوحنا. لكن أهل هذا المجلس جعلوا كتاب باروخ بمنزلة جزء من كتاب أرميا ، لأن باروخ عليه‌السلام كان بمنزلة النائب والخليفة لأرميا عليه‌السلام ، فلذلك ما كتبوا اسم كتاب باروخ على حدة في فهرست أسماء الكتب. ثم انعقد بعد ذلك ثلاثة مجالس : مجلس ترلو ، ومجلس فلورنس ، ومجلس ترنت. وعلماء هذه المجالس الثلاثة أبقوا حكم مجلس كارتهيج على حاله. لكن أهل المجلسين الأخيرين كتبوا اسم كتاب باروخ في فهرست أسماء الكتب على حدة. فبعد انعقاد هذه المجالس صارت هذه الكتب المشكوكة مسلمة بين جمهور المسيحيين ، وبقيت هكذا إلى مدة ألف ومائتين إلى أن ظهرت فرقة بروتستنت فردّوا حكم هؤلاء الأسلاف في باب كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم وكتاب إيكليزياستيكس وكتابي المقابيين ، وقالوا : إن هذه الكتب واجبة الردّ ، وغير مسلمة ، وردّوا حكمهم في بعض أبواب كتاب أستير ، وسلّموا في البعض ، لأن هذا الكتاب كان ستّ عشرة بابا. فقالوا : إن الأبواب التسعة من الأول وثلاث آيات من الباب العاشر واجبة التسليم ، وستّة أبواب باقية واجبة الردّ. وتمسكوا في هذا الإنكار والردّ بستّة أوجه : ١ ـ هذه الكتب كانت في الأصل في اللسان العبراني والجالدي وغيرهما ، ولا توجد الآن في تلك الألسنة. ٢ ـ اليهود لا يسلّمونها إلهاميّة. ٣ ـ جميع المسيحيين ما سلّموها. ٤ ـ قال جيروم إن هذه الكتب ليست كافية لتقرير المسائل الدينية وإثباتها. ٥ ـ صرّح كلوس أن هذه الكتب تقرأ لكن لا في كل موضع. أقول : فيه إشارة إلى أن جميع المسيحيين لا يسلّمونها ، فيرجع هذا الوجه إلى الوجه الثالث ٦ ـ صرّح يوسي بيس في الباب الثاني والعشرين من الكتاب الرابع بأن هذه الكتب حرّفت سيما كتاب المقابيين الثاني. أقول : انظروا إلى الوجه الأول والثاني والسادس كيف أقرّوا بعدم ديانة أسلافهم بأن ألوفا منهم أجمعوا على أن الكتب التي فقد أصولها وبقي تراجمها وكانت مردودة عند اليهود وكانت محرّفة سيما كتاب المقابيين الثاني واجبة التسليم ، فأيّ اعتبار لإجماعهم واتّفاقهم على التخالف وفرقة كاتلك يسلّمون هذه الكتب إلى هذا الحين تبعا لأسلافهم؟

٤١

الفصل الثاني

في بيان أنّ أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل

لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد

اعلم ، أرشدك الله تعالى ، أنه لا بدّ لكون الكتاب سماويا واجب التسليم ، أن يثبت أولا بدليل تامّ أن هذا الكتاب كتب بواسطة النبيّ الفلاني ، ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل. والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص. وكذلك مجرّد ادّعاء فرقة أو فرق لا يكفي فيه. ألا ترى أن كتاب المشاهدات ، والسفر الصغير للتكوين ، وكتاب المعراج ، وكتاب الأسرار ، وكتاب تستمنت ، وكتاب الإقرار ، منسوبة إلى موسى عليه‌السلام. وكذلك السفر الرابع لعزرا منسوب إلى عزرا ، وكتاب معراج أشعيا وكتاب مشاهدات أشعيا منسوبان إلى أشعيا عليه‌السلام ، وسوى الكتاب المشهور لأرميا عليه‌السلام كتاب آخر منسوب إليه ، وعدّة ملفوظات منسوبة إلى حبقوق عليه‌السلام ، وعدّة زبورات منسوبة إلى سليمان عليه‌السلام. ومن كتب العهد الجديد ، سوى الكتب المذكورة ، كتب جاوزت سبعين منسوبة إلى عيسى ومريم والحواريين وتابعيهم. والمسيحيون الآن يدّعون أن كلّا من هذه الكتب من الأكاذيب المصنوعة. واتفق على هذه الدعوى كنيسة كريك وكاتلك وبروتستنت. وكذلك السفر الثالث لعزرا منسوب إلى عزرا ، وعند كنيسة كريك جزء من العهد العتيق ومقدس واجب التسليم ، وعند كنيسة كاتلك وبروتستنت من الأكاذيب المصنوعة ، كما ستعرف هذه الأمور مفصّلة في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. وقد عرفت في الفصل الأول أن كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم وكتاب إيكليزياستكس وكتابي المقابيين وجزءا من كتاب أستير واجبة التسليم عند كاتلك ، وواجبة الردّ عند بروتستنت. فإذا كان الأمر كذلك ، فلا نعتقد بمجرد استناد كتاب من الكتب إلى نبيّ أو حواري أنه إلهامي أو واجب التسليم. وكذلك لا نعتقد بمجرد ادّعائهم ، بل نحتاج إلى دليل. ولذلك طلبنا مرارا من علمائهم الفحول السّند

٤٢

المتصل ، فما قدروا عليه ، واعتذر بعض القسّيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم ، فقال : إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدّة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة. وتفحّصنا في كتب الإسناد لهم ، فما رأينا فيها شيئا غير الظن والتخمين. يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن ، وقد قلت : إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئا. فما داموا لم يأتوا بدليل شاف وسند متّصل ، فمجرد المنع يكفينا ، وإيراد الدليل في ذمّتهم لا في ذمّتنا. لكن على سبيل التبرّع أتكلم في هذا الباب. ولمّا كان التكلّم على سند كل كتاب مفضيا إلى التطويل الممل ، فلا نتكلم إلّا على سند بعض من تلك الكتب. فأقول وبالله التوفيق : إنه لا سند لكون هذا التوراة المنسوب إلى موسى عليه‌السلام من تصنيفاته. ويدلّ عليه أمور :

الأمر الأول : ستعرف ، إن شاء الله في الباب الثاني في جواب المغالطة الرابعة في بيان الأمر الأول والثاني والثالث في الأمور التي يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم ، أن تواتر هذا التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون. والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقينا ، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضا غالبا قبل حادثة بخت نصّر. وفي حادثته انعدم التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأسا. ولمّا كتب عزرا هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيكوس.

الأمر الثاني : جمهور أهل الكتاب يقولون إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنّفها عزرا ، عليه‌السلام ، بإعانة حجى وزكريا الرسولين عليهما‌السلام. فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة. وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأوّل في بيان أولاد بنيامين. وكذا خالفوا في هذا البيان هذا التوراة المشهور بوجهين : الأوّل في الأسماء والثاني في العدد ، حيث يفهم من الباب السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة ، ومن الباب الثامن أنهم خمسة ، ومن التوراة أنهم عشرة. واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط ، وبيّنوا سبب وقوع الغلط أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء ، وأن أوراق النسب التي نقل عنها كانت ناقصة. وظاهر أن هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متّبعين للتوراة ، فلو كان توراة موسى هو هذا التوراة المشهور لما خالفوه ، ولما وقعوا في الغلط ، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة. وكذا لو كان التوراة الذي كتبه عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هو هذا التوراة المشهور ، لما خالفه. فعلم أن التوراة المشهور ليس التوراة الذي صنّفه موسى ، ولا الذي كتبه عزرا ، بل الحقّ أنه مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود ، وجمعها أحبارهم في هذا المجموع بلا تنقيد

٤٣

الروايات ، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب ، فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ وستعرف هذه الأمور في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني.

الأمر الثالث : من قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد ، وجد تخالفا صريحا في الأحكام. وظاهر أن حزقيال عليه‌السلام كان متّبع التوراة فلو كان التوراة في زمانه مثل هذا التوراة المشهور ، لما خالفه في الأحكام. وكذلك وقع في التوراة ، في مواضع عديدة ، أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال ، ووقع في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال «النفس التي تخطىء فهي تموت ، والابن لا يحمل إثم الأب ، والأب لا يحمل إثم الابن ، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه». فعلم من هذه الآية أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره وهو الحق ، كما وقع في التنزيل (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ١٨].

الأمر الرابع : من طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال ، جزم يقينا أن طريق التصنيف في سالف الأزمان كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام ، بأن المصنّف لو كان يكتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بعينيه كان يكتب بحيث يظهر لناظر كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها. وهذا الأمر لا يظهر من موضوع من مواضيع التوراة ، بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى ، وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود ، ميّز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت (قال الله) أو (قال موسى) وعبّر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب. ولو كان التوراة من تصنيفاته لكان عبّر عن نفسه بصيغة المتكلم ، ولا أقلّ من أن يعبّر في موضع من المواضع ، لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار. والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوي ، ومن ادّعى خلاف الظاهر فعليه البيان.

الأمر الخامس : لا يقدر أحد أن يدّعي ، بالنسبة إلى بعض الفقرات وبعض الأبواب ، أنها من كلام موسى ، بل بعض الفقرات تدلّ دلالة بيّنة أن مؤلّف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليه‌السلام ، بل يكون إمّا معاصرا له أو بعده. وستعرف هذه الفقرات والباب في المقصد الثاني من الباب الثاني مفصّلا إن شاء الله. والعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجما بالغيب إنها من ملحقات نبيّ من الأنبياء. وهذا القول مردود لأنه مجرد ادّعائهم بلا

٤٤

برهان ، لأنه ما كتب نبيّ من الأنبياء في كتابه اني ألحقت الفقرة الفلانية في الباب الفلاني من الكتاب الفلاني ، ولا كتب أن غيري من الأنبياء ألحقها ولم يثبت ذلك الأمر بدليل آخر قطعي أيضا ، كما ستعرف في المقصد المذكور. ومجرد الظن لا يغني ، فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات والباب أدلّة كاملة على أن هذا الكتاب ليس من تصنيفات موسى عليه‌السلام.

الأمر السادس : نقل صاحب خلاصة سيف المسلمين عن المجلد العاشر من انسائي كلوبيدي يابيني : «قال داكتر سكندر كيدس الذي هو من الفضلاء المسيحية المعتمدين في ديباجة البيبل الجديد : ثبت لي بظهور الأدلّة الخفيّة ثلاثة أمور جزما : الأول أن التوراة الموجود ليس من تصنيف موسى ، والثاني أنه كتب في كنعان أو أورشليم ، يعني ما كتب في عهد موسى الذي كان بنو إسرائيل في هذا العهد في الصحاري ، والثالث لا يثبت تأليفه قبل سلطنة داود ولا بعد زمان حزقيال ، بل أنسب تأليفه إلى زمان سليمان عليه‌السلام ، يعني قبل ألف سنة من ميلاد المسيح ، أو إلى زمان قريب منه في الزمان الذي كان فيه هومر الشاعر. فالحاصل أن تأليفه بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى». انتهى كلامه.

الأمر السابع : قال الفاضل تورتن من العلماء المسيحية : «إنه لا يوجد فرق معتدّ به في محاورة التوراة ومحاورات سائر الكتب من العهد العتيق التي كتب في زمان أطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل ، مع أن بين هذين الزمانين تسعمائة عام وقد علم بالتجربة أنه يقع الفرق في اللسان بحسب اختلاف الزمان. مثلا إذا لاحظنا لسان الإنكليز وقسنا حال هذا اللسان بحال ذلك اللسان الذي كان قبل أربعمائة سنة ، وجدنا تفاوتا فاحشا ، ولعدم الفرق المعتدّ به بين محاورة هذه الكتب ظن الفاضل ليوسلن ، الذي له مهارة كاملة في اللسان العبراني ، أن هذه الكتب صنّفت في زمان واحد». أقول : وقوع الاختلاف في اللسان بحسب اختلاف الزمان بديهي ، فحكم تورتن وظن ليوسلن حريان بالقبول.

الأمر الثامن : في الباب السابع والعشرين من سفر الاستثناء هكذا : «٥ وتبني هنالك مذبحا للربّ إلهك من حجارة لم يكن مسّها حديد ٨ وتكتب على الحجارة كل كلام هذه السنة بيانا حسنا». والآية الثامنة في التراجم الفارسية هكذا نسخة مطبوعة سنة ١٨٣٩ (وبران سنكها تمامي كلمات اين تورات بحسن وضاحت تحرير نما). نسخة مطبوعة سنة ١٨٤٥ (وبران سنكها تمامي كلمات اين توريت را بخط روشن بنويس). وفي الباب الثامن من كتاب يوشع أنه بنى مذبحا كما أمر موسى ، وكتب عليه التوراة. والآية الثانية والثلاثون من الباب المذكور هكذا نسخة فارسية مطبوعة سنة ١٨٣٩ : (در آنجا تورات موسى را بران سنكها نقل

٤٥

نموركة ان راييش روى بني إسرائيل تحرير أورد). نسخة فارسية مطبوعة سنة ١٨٤٥ : (در آنجا بر سنكها نسخة توريت موسى را كه در حضور بني إسرائيل نوشته بود نوشت). فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك. فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك ، فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع.

الأمر التاسع : قال القسّيس تورتن : «إنه لم يكن رسم الكتابة في عهد موسى عليه‌السلام». أقول : مقصوده من هذا الدليل أنه إذا لم يكن رسم الكتابة في العهد ، فلا يكون موسى كاتبا لهذه الكتب الخمسة. وهذا الدليل غاية في القوة لو ساعد كتب التواريخ المعتبرة ، ويؤيده ما وقع في التاريخ الذي كان باللسان الإنكليزي وطبع سنة ١٨٥٠ في مطبع جارلس دالين في بلدة لندن هكذا. «كان الناس في سالف الزمان ينقسون بميل الحديد أو الصفر أو العظم على ألواح الرصاص أو الخشب أو الشمع ، ثم استعمل أهل مصر بدل تلك الألواح أوراق الشجر پاپيروس ، ثم اخترع الوصلي في بلدة بركمس وسوّى القرطاس من القطن والإبريشم في القرن الثامن وسوّى في القرن الثالث عشر من الثوب واختراع القلم في القرن السابع». انتهى. كلام هذا المؤرّخ لو كان صحيحا عند المسيحيين فلا شك في تأييده لكلام تورتن.

الأمر العاشر : وقع فيه الأغلاط ، وكلام موسى عليه‌السلام أرفع من أن يكون كذلك ، مثل ما وقع في الآية الخامسة عشر من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا : «فهؤلاء بنو ليا الذين ولدتهم بين نهر سورية ودينا ابنتها فجميع بنيها وبناتها ثلاثة وثلاثون نفسا». فقوله ثلاثة وثلاثون نفسا غلط ، والصحيح أربعة وثلاثون نفسا. واعترف بكونه غلطا ، مفسّرهم المشهور هارسلي حيث قال : «لو عددتم الأسماء وأخذتم دينا صارت أربعة وثلاثين. ولا بدّ من أخذها ، كما يعلم ، من تعداد أولاد زلفا لان سارا بنت أشير واحدة من ستة عشر». انتهى. ومثل ما وقع في الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من سفر الاستثناء هكذا : «ومن كان ولد زانية لا يدخل جماعة الرب حتى يمضي عليه عشرة أحقاب». وهذا غلط وإلّا يلزم أن لا يدخل داود عليه‌السلام ولا آباؤه إلى فارض بن يهودا في جماعة الربّ ، لأن فارض ولد الزنا كما هو مصرّح في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين ، وداود عليه‌السلام البطن العاشر منه ، كما يظهر من نسب المسيح المذكور في إنجيل متّى ولوقا ، مع أن داود رئيس الجماعة والولد البكر لله على وفق الزبور. ومثل ما وقع في الآية الأربعين من الباب الثاني عشر من سفر الخروج ، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أنه غلط يقينا. ومثل ما وقع في الباب الأول من سفر العدد هكذا : «٤٥ فكان عدد بني إسرائيل

٤٦

جميعه لبيوت آبائهم وعشائرهم من ابن عشرين سنة وما فوق ، ذلك كلّ الذين كان لهم استطاعة الانطلاق إلى الحروب ٤٦ ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا ٤٧ واللاويّون في سبط عشائرهم ولم يعدّوا معهم» يعلم من هذه الآيات أن عدد الصالحين لمباشرة الحروب كان أزيد من ستمائة ألف ، وأن اللّاويين مطلقا ذكورا كانوا أو إناثا ، وكذلك إناث جميع الأسباط الباقية مطلقا ، وكذا ذكورهم الذين لم يبلغوا عشرين سنة ، خارجون عن هذا العدد. فلو ضممنا جميع المتروكين والمتروكات مع المعدودين لا يكون الكلّ أقلّ من ألفي ألف وخمسمائة ألف (٢٥٠٠٠٠٠). وهذا غير صحيح لوجوه :

الوجه الأول : إن عدد بني إسرائيل من الذكور والإناث حين ما دخلوا مصر كان سبعين ، كما هو مصرّح في الآية السابعة والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين والآية الخامسة من الباب الأول من سفر الخروج والآية الثانية والعشرين من الباب العاشر من سفر الاستثناء ، وستعرف في الشاهد الأول من المقصد الثالث من الباب الثاني أن مدّة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت مائتين وخمس عشرة سنة لا أزيد من هذه. وقد صرّح في الباب الأول من سفر الخروج أن قبل خروجهم بمقدار ثمانين سنة أبناؤهم كانوا يقتلون وبناتهم تستحيا. وإذا عرفت الأمور الثلاثة ، أعني عددهم حين ما دخلوا مصر ومدة إقامتهم فيها وقتل أبنائهم ، فأقول : لو قطع النظر عن القتل ، وفرض أنهم كانوا يضاعفون في كل خمس وعشرين سنة ، فلا يبلغ عددهم إلى ستّة وثلاثين ألفا في المدة المذكورة ، فضلا عن أن يبلغ إلى ألفي ألف وخمسمائة ألف. ولو لوحظ القتل فامتناع العقل أظهر.

الوجه الثاني : يبعد كل البعد أنهم يكثرون من سبعين بهذه الكثرة ، ولا تكثر القبط مع راحتهم وغناهم مثل كثرتهم ، وأن سلطان مصر يظلمهم بأشنع ظلم ، وكونهم مجتمعين في موضع واحد ولا يصدر عنهم البغاوة ولا المهاجرة من دياره. والحال أن البهائم أيضا تقوم بحماية أولادهم.

الوجه الثالث : انه يعلم من الباب الثاني عشر من سفر الخروج أن بني إسرائيل كان معهم المواشي العظيمة من الغنم والبقر ، ومع ذلك صرّح في هذا السفر أنهم عبروا البحر في ليلة واحدة وأنهم كانوا يرتحلون كل يوم ، وكان يكفي لارتحالهم الأمر اللساني الذي يصدر عن موسى.

الوجه الرابع : انه لا بدّ أن يكون موضع نزولهم وسيعا جدا ، بحيث يسع كثرتهم وكثرة مواشيهم وحوالى طور سيناء ، وكذلك حوالى اثني عشر عينا في إيليم ليسا كذلك. فكيف وسع هذان الموضعان كثرتهم وكثرة مواشيهم؟

٤٧

الوجه الخامس : وقع في الآية الثانية والعشرين من الباب السابع من سفر الاستثناء هكذا : «فهو يهلك هذه الأمم من قدّامك قليلا قليلا وقسمة قسمة. إنك لا تستطيع أن تبيدهم بمرّة واحدة لئلا يكثر عليك دواب البرّ». وقد ثبت أن طول فلسطين كان بقدر مائتي ميل وعرضه بقدر تسعين ميلا ، كما صرّح به صاحب مرشد الطالبين في الفصل العاشر من كتابه في الصفحة (٥١) من النسخة المطبوعة سنة ١٨٤٠ في مدينة فالته. فلو كان عدد بني إسرائيل قريبا من ألفي ألف وخمسمائة ألف وكانوا متسلّطين على فلسطين مرة واحدة بعد إهلاك أهلها ، لما يكثر عليهم دواب البرّ ، لأن الأقل من هذا القدر يكفي لعمارة المملكة التي تكون بالقدر المذكور. وقد أنكر ابن خلدون أيضا هذا العدد في مقدمة تاريخه وقال : «الذي بين موسى وإسرائيل إنما هو ثلاثة آباء ، على ما ذكره المحقّقون ، ويبعد إلى أن ينشعب النّسل في أربعة أجيال إلى مثل ذلك العدد». انتهى كلامه. فالحقّ أن كثرة بني إسرائيل كانت بالقدر الذي يمكن في مدة مائتين وخمس عشرة سنة ، وكان سلطان مصر قادرا عليهم أن يظلم بأيّ وجه شاء ، وكان الأمر اللساني الصادر عن موسى عليه‌السلام كافيا لارتحالهم كل يوم ، وكان يكفي حوالى طور سيناء وحوالى إيليم لنزولهم مع دوابّهم ، وكان لا يكفي قدرهم لعمارة فلسطين لو ثبت لهم التسلّط مرة واحدة. فيظهر لك من الأدلة المذكورة أنه ليس في أيدي أهل الكتاب سند لكون الكتب الخمسة من تصنيف موسى عليه‌السلام. فما دام لم يثبت سند من جانبهم فليس علينا تسليم هذه الكتب ، بل يجوز لنا الردّ والإنكار.

وإذا عرفت حال التوراة الذي هو رأس الملّة الإسرائيلية ، فاسمع حال كتاب يوشع الذي هو في المنزلة الثانية من التوراة. فأقول : لم يظهر لهم إلى الآن بالجزم اسم مصنّفه ، ولا زمان تصنيفه ، وافترقوا إلى خمسة أقوال. قال جرهارد وديوديتي وهيوت وپاتريك وتاملاين وداكتر كري : إنه تصنيف يوشع. وقال داكتر لائت فت : إنه تصنيف فنيحاس. وقال كالون : إنه تصنيف العازر. وقال وانتل : إنه تصنيف صموئيل. وقال هنري : إنه تصنيف أرميا. فانظر إلى اختلافهم الفاحش. وبين يوشع وأرميا مدة ثمانمائة وخمسين سنة تخمينا. ووقوع هذا الاختلاف الفاحش دليل كامل على عدم استناد هذا الكتاب عندهم ، وعلى أن كل قائل منهم يقول بمجرد الظن رجما بالغيب بلحاظ بعض القرائن الذي ظهر له أن مصنّفه فلان ، وهذا الظن هو سند عندهم. ولو لاحظنا الآية الثالثة والستّين من الباب الخامس عشر من هذا الكتاب مع الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الخامس من سفر صموئيل الثاني ، يظهر أن هذا الكتاب كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه‌السلام. ولذلك قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل شرح الآية الثالثة والستّين المذكورة هكذا : «يعلم من هذه الآية أن كتاب يوشع كتب قبل السنة السابعة من جلوس داود عليه‌السلام». انتهى. وتدلّ الآية الثالثة

٤٨

عشر من الباب العاشر من هذا الكتاب أن مصنّفه ينقل بعض الحالات عن كتاب اختلفت التراجم في بيان اسمه. ففي بعض التراجم كتاب اليسير ، وفي بعضها كتاب ياصار ، وفي بعضها كتاب ياشر ، وفي التراجم العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ سفر الأبرار ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ سفر المستقيم ، ولم يعلم حال هذا الكتاب المنقول عنه ، ولا حال مصنّفه ، ولا حال زمان التصنيف. غير أنه يفهم من الآية الثامنة عشر من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني أن مصنّفه يكون معاصرا لداود عليه‌السلام أو بعده. فعلى هذا ، الغالب أن يكون مؤلّف كتاب يوشع بعد داود عليه‌السلام. ولمّا كان الاعتبار للأكثر ، وهم يدّعون بلا دليل أنه تصنيف يوشع ، فأطوي الكشح عن جانب غيرهم ، وأتوجّه إليهم وأقول هذا باطل لأمور :

الأمر الأول : هو ما عرفت في الأمر الأول من حال التوراة.

الأمر الثاني : ما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة.

الأمر الثالث : توجد فيه آيات كثيرة لا يمكن أن تكون من كلام يوشع قطعا ، بل تدلّ بعض الفقرات على أن يكون مؤلّفه معاصرا لداود ، بل بعده ، كما عرفت وستعرف هذه الفقرات إن شاء الله في المقصد الثاني من الباب الثاني. والعلماء المسيحية يقولون رجما بالغيب إنها من ملحقات نبيّ من الأنبياء. وهذه الدعوى غير صحيحة ومجرد ادّعاء فلا تسمع. فما لم يقم دليل قوي على الإلحاق تكون هذه الفقرات أدلّة كاملة على أن هذا الكتاب ليس تصنيف يوشع.

الأمر الرابع : في الباب الثالث عشر من هذا الكتاب هكذا : «٢٤ وأعطى موسى سبط جاد وبنيه لقبائلهم ميراثا هذا تقسيمه ٢٥ حدّ يعزير وجميع قرى جلعاد ونصف أراضي بني عمون إلى عرواعير التي هي حيال ربا». وفي الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا : «قال لي الربّ إنك تدلو إلى قرب بني عمون ، احذر تقاتلهم ومحاربتهم. فإني لا أعطيك شيئا من أرض بني عمون لأني أعطيتها بني لوط ميراثا». انتهى ملخصا. ثم في هذا الباب : «أسلم الربّ الهنا الجميع سوى أرض بني عمون التي لم تدن منها». فبيّن الكتابين تخالف وتناقض ، فلو كان هذا التوراة المشهور تصنيف موسى عليه‌السلام كما هو مزعوم ، فلا يتصوّر أن يخالفه يوشع ويغلط في المعاملة التي كانت في حضوره ، بل لا يتصوّر من شخص إلهامي آخر أيضا. فلا يخلو إما أن لا يكون هذا التوراة المشهور من تصنيف موسى عليه‌السلام أو لا يكون كتاب يوشع من تصنيفه ، بل لا يكون من تصنيف رجل إلهامي آخر أيضا.

وكتاب القضاة الذي هو في المنزلة الثالثة فيه اختلاف عظيم لم يعلم مصنّفه ولا زمان

٤٩

تصنيفه ، فقال بعضهم : إنه تصنيف فنيحاس ، وقال بعضهم : إنه تصنيف حزقيا ، وعلى هذين القولين لا يكون هذا الكتاب إلهاميّا أيضا. وقال بعضهم : إنه تصنيف أرميا ، وقال بعضهم : إنه تصنيف حزقيال ، وقال بعضهم : إنه تصنيف عزرا ، وبين عزرا وفنيحاس زمان أزيد من تسعمائة سنة. ولو كان عندهم سند لما وقع هذا الاختلاف الفاحش. وهذه الأقوال كلها غير صحيحة عند اليهود ، وهم ينسبونه رجما بالغيب إلى صموئيل فحصلت فيه ستّة أقوال.

وكتاب راعوث الذي هو في المنزلة الرابعة ، ففيه اختلاف أيضا ، قال بعضهم : إنه تصنيف حزقيا وعلى هذا لا يكون إلهاميّا ، وقال بعضهم : إنه تصنيف عزرا ، وقال اليهود وجمهور المسيحيين : إنه تصنيف صموئيل ، وفي الصفحة ٢٠٥ من المجلد السابع من كاتلك هرلد المطبوع سنة ١٨٤٤ كتب في مقدمة بيبل الذي طبع سنة ١٨١٩ في أشتار برك «إن كتاب راعوث قصة بيت وكتاب يونس حكاية». انتهى. يعني قصة غير معتبرة وحكاية غير صحيحة.

وكتاب نحميا فيه اختلاف أيضا. ومختار الأكثر أنه تصنيف نحميا ، وقال أتهاني شنس وايي فانيس وكريزاستم وغيرهم : إنه تصنيف عزرا. وعلى الأول لا يكون هذا الكتاب إلهاميا ، ولا يصحّ أن يكون ستّ وعشرون آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب من تصنيف نحميا. ولا ربط لهذه الآيات بقصة هذا الموضع ربطا حسنا. وفي أربع وعشرين آية منها ذكر دار سلطان إيران ، وهو كان بعد مائة سنة من موت نحميا ، وستعرف في المقصد الثاني ان مفسّريهم يحكمون بالاضطرار بإلحاقيتها ، وأسقطها مترجم العربية.

وكتاب أيوب حاله أشنع من حال الكتب المذكورة وفيه اختلاف من أربعة وعشرين وجها. وربّ مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود وميكايلس وليكلرك وسمار واستناك وغيرهم من العلماء المسيحيين على أن أيوب اسم فرضي ، وكتابه حكاية باطلة وقصة كاذبة ، وذمّه تهيودور ذمّا كثيرا ، وقال مقتدي فرقة بروتستنت لوطر : (إن هذا الكتاب حكاية محضة). وعلى قول مخالفيهم لا يتعيّن المصنّف ينسبونه رجما بالغيب إلى أشخاص. ولو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا ، لا يثبت كونه إلهاميا. وهذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متّصل لكتبهم ، يقولون بالظن والتخمين ما يقولون وستعرف هذه الأمور في جواب المغالطة الثانية من الباب الثاني.

وزبور داود حاله قريب من حال كتاب أيوب ، لم يثبت بالسند الكامل أن مصنّفه فلان ، ولم يعلم زمان جمع الزبورات في مجلّد واحد ، ولم يتحقّق أن أسماءها إلهاميّة أو غير إلهاميّة. اختلف القدماء المسيحيون في مصنّفه : فارجن وكريزاستم واكستائن وأنبروس

٥٠

وبوتهي ميس وغيرهم من القدماء على أن هذا الكتاب كله تصنيف داود عليه‌السلام. وأنكر قولهم هليري واتهانييش وجيروم ويوسي بيس وغيرهم. وقال هورن : «إن القول الأول غلط محض ، وقال بعض المفسّرين : إن بعض الزبورات صنّفت في زمان مقابيين لكن قوله ضعيف». انتهى كلامه ملخّصا. وعلى رأي الفريق الثاني لم يعلم اسم مصنّف زبورات هي أزيد من ثلاثين ، وعشرة زبورات من تصنيف موسى من الزبور التسعين إلى الزبور التاسع والتسعين ، واحد وسبعون زبورا من تصنيف داود ، والزبور الثامن والثمانون من تصنيف همان ، والزبور التاسع والثمانون من تصنيف أتهان ، والزبور الثاني والسبعون والزبور المائة والسابع والسبعون من تصنيف سليمان ، وثلاثة زبورات من تصنيف جدوتهنّ ، واثني عشر زبورا من تصنيف أساف ، لكن قال البعض : إن الزبور الرابع والسبعين والزبور التاسع والسبعين ليسا من تصنيفه. وأحد عشر زبورا من تصنيف ثلاثة أبناء قورح ، وقال البعض : إن شخصا آخر صنّفها ونسبها إليهم. وبعض الزبورات تصنيف شخص آخر. وقال كامت : إن الزبورات التي صنّفها داود خمسة وأربعون فقط ، والزبورات الباقية من تصنيفات آخرين. وقال القدماء من علماء اليهود : إن هذه الزبورات تصنيف هؤلاء الأشخاص : آدم إبراهيم موسى إساف همان جدوتهنّ ثلاثة أبناء قورح ، وأما داود فجمعها في مجلد واحد. فعندهم داود عليه‌السلام جامع الزبورات فقط لا مصنّفها. وقال هورن : «المختار عند المتأخرين من علماء اليهود ، وكذا عند جميع المفسّرين من المسيحيين ، أن هذا الكتاب تصنيف هؤلاء الأشخاص : موسى داود وسليمان إساف همان أتهان جدوتهنّ ثلاثة أبناء قورح». انتهى كلامه. وكذلك الاختلاف في جمع الزبورات في مجلد واحد فقال البعض : إنها جمعت في زمن داود ، وقال البعض : جمعها أحبّاء حزقيا في زمانه ، وقال البعض : إنها جمعت في أزمنة مختلفة. وكذلك الاختلاف في أسماء الزبورات : فقال البعض إنها إلهاميّة ، وقال البعض : إن شخصا من غير الأنبياء سمّاها بهذه الأسماء (١).

كتاب أمثال سليمان حاله سقيم أيضا. ادّعى البعض أن هذا الكتاب كله من تصنيف سليمان عليه‌السلام. وهذا الادّعاء باطل يردّه اختلاف المحاورة ، وتكرار الفقرات ، والآية الأولى من الباب الثلاثين والحادي والثلاثين وستعرفهما. ولو فرض أن بعض هذا الكتاب من

__________________

(١) الآية العشرون من الزبور الثاني والسبعين هكذا ترجمة فارسية سنة ١٨٤٥ (دعاهاى داود يسريسي تمام شد). وهذا الزبور في التراجم العربية الزبور الحادي والسبعون لما عرفت في المقدمة. وهذه الآية ساقطة فيها. فالظاهر أن هؤلاء المترجمين أسقطوها قصدا ليعلم أن كتاب الزبور كله من تصنيف داود كما هو رأي الفرقة الأولى. ويمكن أن تكون هذه الآية من إلحاقات الفرقة الثانية. فعلى كل تقدير التحريف لازم بالزيادة أو النقصان.

٥١

تصنيفه ، فبحسب الظاهر يكون تسعة وعشرين بابا من تصنيفه. وما جمعت هذه الأبواب في عهده ، لأن خمسة أبواب منها ، أعني من الباب الخامس والعشرين إلى الباب التاسع والعشرين ، جمعها أحبّاء حزقيا كما تدلّ عليه الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين. وكان هذا الجمع بعد مائتين وسبعين سنة من وفاة سليمان عليه‌السلام. وقال البعض : إن تسعة أبواب من أول هذا الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه‌السلام كما ستعرف في جواب المغالطة الثانية من كلام آدم كلارك المفسّر ، والباب الثلاثون من تصنيف آجور ، والباب الحادي والثلاثون من تصنيف لموئيل ، ولم يتحقّق لمفسّريهم أنهما من كانا ومتى كانا ، ولم يتحقّق نبوّتهما. لكنهم على حسب عادتهم يقولون ظنّا إنهما كانا نبيّين ، وظنّهم لا يتمّ على المخالف. وظن البعض أن لموئيل اسم سليمان ، وهذا باطل. قال جامعو تفسير هنري واسكات : «ردّ هولدن هذا الظن أن لموئيل اسم سليمان وحقّق أنه شخص آخر لعلّه حصل لهم دليل كاف على أن كتاب لموئيل وكتاب آجور إلهاميّا وإلّا لما دخلا في الكتب القانونية». انتهى. قولهم «لعلّه حصل لهم إلخ» مردود ، لأن قدماءهم أدخلوا كتبا كثيرة في الكتب القانونية ، وهي مردودة عندهم. ففعلهم ليس حجّة كما ستعرف في آخر هذا الفصل. وقال آدم كلارك في الصفحة ١٢ و ٢٥ من المجلد الثالث من تفسيره : «لا دليل على المراد بلموئيل سليمان عليه‌السلام. وهذا الباب ألحق بعد مدة من زمانه ، والمحاورات الكثيرة التي توجد في أوله من اللسان الجالدي ليست أدلة صغيرة على هذا». انتهى. وقال في حق الباب الحادي والثلاثين هكذا : «إن هذا الباب ليس من تصنيف سليمان عليه‌السلام قطعا». انتهى. الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين هكذا : «فهذه أيضا من أمثال سليمان التي استكتبها أصدقاء حزقيا ملك يهودا». والآية الأولى من الباب الثلاثين في التراجم الفارسية هكذا نسخة سنة ١٨٣٨ (أين ست كلمات أجوربن ياقة يعني مقالات كه أوبراي إيثئيل بلك براى ايثئيل واو كال بر زبان أورد). نسخة سنة ١٨٤٥ (كلمات أكور بسر ياقة يعني وحي كه ان مرد به إيثئيل واوقال بيان كرد) وأكثر التراجم في الألسنة المختلفة موافقة لها ، وتراجم العربية مختلفة. هاهنا مترجم العربية المطبوعة سنة ١٨١١ أسقطها ، ومترجم العربية المطبوعة سنة ١٨٣١ وسنة ١٨٤٤ ترجمها هكذا : «هذه أقوال الجامع ابن القاي الرؤياي التي يكلّم بها الرجل الذي الله معه وإذا كان الله معه أيّده». فانظر إلى الاختلاف بين تراجم العربية والتراجم الأخر. والآية الأولى من الباب الحادي والثلاثين هكذا : «كلمات لموئيل الملك الرؤيا التي أدّبته فيها أمه». إذا عرفت ما ذكرت ظهر لك أنه لا يمكن أن يدّعى أن هذا الكتاب كله تصنيف سليمان عليه‌السلام ، ولا يمكن أن جامعه هو أيضا. ولذلك اعترف الجمهور أن أناسا كثيرين مثل حزقيا وأشعيا ولعل عزرا أيضا جمعوه.

٥٢

وكتاب الجامعة فيه اختلاف عظيم أيضا ، قال البعض : إنه من تصنيف سليمان عليه‌السلام ، وقال رب قمجي وهو عالم مشهور من علماء اليهود : إنه تصنيف أشعيا ، وقال علماء تالميودي : إنه تصنيف حزقيا ، وقال كروتيس : إن أحدا صنّفه زربابل لأجل تعليم ابنه أبيهود ، وقال جهان من العلماء المسيحية وبعض علماء جرمن : إنه صنّف بعد ما أطلق بنو إسرائيل من أسر بابل ، وقال زرقيل : إنه صنّف في زمان أنتيوكس. اييي فانس واليهود بعد ما أطلقوا من أسر بابل ، أخرجوه من الكتب الإلهاميّة لكنه أدخل بعد ذلك فيها.

وكتاب نشيد الإنشاد حاله سقيم جدا. قال بعضهم : إنه تصنيف سليمان أو أحد من معاصريه ، وقال داكتر كني كانت وبعض المتأخرين : إن القول بأن هذا الكتاب من تصنيف سليمان عليه‌السلام غلط محض ، بل صنّف هذا الكتاب بعد مدّة من وفاته. وذمّ القسّيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب وكتاب أيوب ذمّا كثيرا. وكان سيمن وليكلرك لا يسلّمان صداقته. وقال وشتن : إنه غناء فسقي فليخرج من الكتب المقدسة. وقال بعض المتأخرين أيضا هكذا. وقال سملر : الظاهر أن هذا الكتاب جعلي. وقال وارد كاتلك : «حكم كاسيلييو بإخراج هذا الكتاب من كتب العهد العتيق لأنه غناء بخس». انتهى.

وكتاب دانيال يوجد في الترجمة اليونانية لتهيودور والترجمة اللاطينية وجميع تراجم رومن كاتلك غناء الأطفال الثلاثة في الباب الثالث ، كذا يوجد الباب الثالث عشر والباب الرابع عشر. وفرقة كاتلك تسلّم الغناء المذكور والبابين المذكورين وتردّها فرقة بروتستنت وتحكم بكذبها.

وكتاب أستير لم يعلم اسم مصنّفه ولا زمان تصنيفه. قال البعض : إنه تصنيف علماء المعبد الذين كانوا من عهد عزرا إلى زمان سيمن. وقال فلو يهودي : إنه تصنيف يهوكين الذي هو ابن يسوع الذي جاء بعد ما أطلق من أسر بابل. وقال أكستاين : إنه تصنيف عزرا ، وقال البعض : إنه تصنيف مردكي وأستير. وستعرف باقي حالاته في الشاهد الأول من المقصد الثاني من الباب الثاني إن شاء الله تعالى.

وكتاب أرميا الباب الثاني والخمسون منه ليس من تصنيف أرميا قطعا ، وكذلك الآية الحادية عشرة من الباب العاشر ليست منه. أما الأول فلأن آخر الآية الرابعة والستّين من الباب الحادي والخمسين هكذا ترجمة فارسية سنة ١٨٣٨ : (كلمات يرميا تا بدينجا اتمام پذيرفت) ترجمة فارسية سنة ١٨٤٥ : (كلام يرمي اتا بدينجا ست) ترجمة عربية سنة ١٨٤٤ : (حتى إلى الآن كلام أرميا). وأما الثاني فلأن الآية المذكورة في اللسان الكسدي وسائر الكتاب في اللسان العبراني ، ولم يعلم أن أيّ شخص ألحقهما. والمفسّرون المسيحيون يقولون رجما

٥٣

بالغيب ، لعلّ فلانا أو فلانا ألحقهما. قال جامعو تفسير هنري واسكات في حق الباب المذكور : «يعلم أن عزرا أو شخصا آخر ألحق هذا الباب لتوضيح أخبار الحوادث الآتية التي تمّت في الباب السابق ولتوضيح مرتبته». انتهى. وقال هورن في الصفحة ١٩٥ من المجلد الرابع : «ألحق هذا الباب بعد وفاة أرميا وبعد ما أطلق اليهود من أسر بابل الذي يوجد ذكره قليلا في هذا الباب». ثم قال في المجلد المذكور : «إن جميع ملفوظات هذا الرسول بالعبري إلّا الآية الحادية عشرة من الباب العاشر ، فإنها بلسان الكسدينر. وقال القسّيس ونما : إن هذه الآية إلحاقية». انتهى. وقعت مباحثة بين كاركرن كاتلك ووارن من علماء بروتستنت وطبعت هذه المباحثة في بلدة أكبرآباد سنة ١٨٥٢ ، فقال كاركرن في الرسالة الثالثة منها : «إن الفاضل المشهور أستاهلن الجرمني قال : إنه لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده إلى الباب السادس والستّين من كتاب أشعيا من تصنيفه». انتهى. فسبعة وعشرون بابا ليس من تصنيف أشعيا.

وستعرف في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث أن القدماء المسيحية كافّة وغير المحصورين من المتأخرين ، أن إنجيل متّى كان باللسان العبراني ، وفقد بسبب تحريف الفرق المسيحية والموجود الآن ترجمته. ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة ، حتى لم يعلم باليقين اسم المترجم أيضا إلى هذا الحين كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم ، فضلا عن علم أحوال المترجم. نعم ، يقولون رجما بالغيب ، لعلّ فلانا وفلانا ترجمه ، ولا يتمّ هذا على المخالف. وكذا لا يثبت مثل هذا الظن استناد الكتاب إلى المصنّف. وقد عرفت في الأمر السابع من المقدمة أن مؤلّف ميزان الحق مع تعصّبه لم يقدر على بيان السند في حق هذا الإنجيل بل قال ظنّا : «إن الغالب أن متّى كتبه باللسان اليوناني». وظنه بلا دليل مردود.

فهذه الترجمة ليست بواجبة التسليم ، بل هي قابلة للردّ. وفي إنسائي كلوبيديا بويي في بيان إنجيل متّى هكذا : «كتب هذا الإنجيل في السنة الحادية والأربعين باللسان العبراني وباللسان الذي ما بين الكلداني والسرياني ، لكن الموجود منه الترجمة اليونانية والتي توجد الآن باللسان العبراني فهي ترجمة الترجمة اليونانية». انتهى كلامه. وقال وارد كاتلك في كتابه : «صرّح جيروم في مكتوبه أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكّون في الباب الآخر من إنجيل مرقس ، وبعض القدماء كانوا يشكّون في بعض الآيات من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا ، وبعض القدماء كانوا يشكّون في البابين الأوّلين من هذا الإنجيل وما كان هذان البابان في نسخة فرقة مارسيوني». انتهى. وقال المحقّق نورتن في الصفحة ٧٠ من كتابه المطبوع سنة ١٨٣٧ في بلدة بوستن في حق إنجيل مرقس : «في هذا الإنجيل عبارة واحدة قابلة للتحقيق وهي من الآية التاسعة إلى آخر الباب الآخر. والعجب من كريسباخ أنه ما جعلها

٥٤

معلّمة بعلامة الشك في المتن وأورد في شرحه أدلة على كونها إلحاقية». ثم نقل أدلّة فقال : «فثبت منها أن هذه العبارة مشتبهة سيما إذا لاحظنا العادة الجبلية للكاتبين بأنهم كانوا أرغب في إدخال العبارات من إخراجها». انتهى. وكريسباخ عند فرقة بروتستنت من العلماء المعتبرين وإن لم يكن نورتن كذلك عندهم فقول كريسباخ حجّة عليهم.

ولم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنّا من تصنيفه ، بل هاهنا أمور تدلّ على خلافه الأول : إن طريق التصنيف في سالف الزمان قبل المسيح عليه‌السلام وبعده كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام ، كما عرفت في الأمر الرابع من حال التوراة ، وستعرف في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث من الباب الثاني. ولا يظهر من هذا الإنجيل أن يوحنا يكتب الحالات التي رآها بعينه والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم دليل قوي على خلافه. والثاني : إن الآية الرابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من هذا الإنجيل هكذا : «هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا وتعلم أن شهادته حقّ». فقال كاتبه في حقّ يوحنّا هذه الألفاظ : «هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا» وشهادته بضمائر الغائب ، وقال في حقّه (تعلم) على صيغة المتكلم ، فعلم أن كاتبه غير يوحنّا. والظاهر أن هذا الغير وجد شيئا من مكتوبات يوحنّا فنقل عنه مع زيادة ونقصان. والله أعلم. والثالث : إنه لمّا أنكر على هذا الإنجيل في القرن الثاني بأنه ليس من تصنيف يوحنا ، وكان في هذا الوقت أرينيوس الذي هو تلميذ پوليكارب الذي هو تلميذ يوحنّا الحواري موجودا ، فما قال في مقابلة المنكرين إني سمعت من پوليكارب ان هذا الإنجيل من تصنيف يوحنّا الحواري. فلو كان هذا الإنجيل من تصنيفه لعلم پوليكارب وأخبر أرينيوس. ويبعد كل البعد أن يسمع أرينيوس من پوليكارب الأشياء الخفيفة مرارا وينقل ولا يسمع في هذا الأمر العظيم الشأن مرة أيضا. وأبعد منه احتمال أنه سمع لكن نسي لأنه كان يعتبر الرواية اللسانية اعتبارا عظيما ويحفظها حفظا جيدا. نقل يوسي بوسي في الصفحة ٢١٩ من الباب العشرين من الكتاب الخامس من تاريخه المطبوع سنة ١٨٤٧ قول أرينيوس في حق الروايات اللسانية هكذا : «سمعت هذه الأقوال بفضل الله بالإمعان التامّ وكتبتها في صدري لا على الورق وعادتي من قديم الأيام أنّي أقرؤها دائما». انتهى. ويستبعد أيضا أنه كان حافظا لكنه ما نقل في مقابلة الخصم. وعلم من هذا الوجه أن المنكرين أنكروا كون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنّا في القرن الثاني ، وما قدر المعتقدون أن يثبتوه. فهذا الإنكار ليس بمختصّ بنا. وستعرف في جواب المغالطة الأولى أن سلسوس من علماء المشركين الوثنيين كان يصيح في القرن الثاني بأن المسيحيين بدّلوا أناجيلهم ثلاث مرّات أو أربع مرّات بل أزيد من هذا تبديلا كأن مضامينها التي بدّلت ، وإن فاستس الذي هو من أعظم علماء فرقة ماني كيز كان يصيح في القرن الرابع (بأن

٥٥

هذا الأمر محقّق أن هذا العهد الجديد ما صنّفه المسيح ولا الحواريون بل صنّفه رجل مجهول الاسم ونسب إلى الحواريين ورفقاء الحواريين) ، ليعتبره الناس وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغا بأن ألّف الكتب التي فيها الأغلاط والتناقضات. الرابع : في الصفحة ٢٠٥ من المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ من كاتلك هرلد هكذا : «كتب أستادلن في كتابه إن كافّة إنجيل يوحنّا تصنيف طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية بلا ريب». انتهى. فانظروا أستادلن كيف ينكر كون هذا الإنجيل من تصنيف يوحنّا ، وكيف يقول إنه من تصنيف بعض الطلبة من مدرسة الإسكندرية. الخامس : إن المحقّق برطشنيدر قال : إن هذا الإنجيل كله ، وكذا رسائل يوحنّا ، ليست من تصنيفه ، بل صنّفها أحد في ابتداء القرن الثاني. السادس : قال المحقّق المشهور كروتيس : إن هذا الإنجيل كان عشرين بابا فألحق كنيسة أفساس الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنا. السابع : إن فرق الوجين التي كانت في القرن الثاني كانت تنكر هذا الإنجيل وجميع تصانيف يوحنّا. الثامن : ستعرف في المقصد الثاني من الباب الثاني ان إحدى عشرة آية من أول الباب الثامن ردّها جمهور العلماء ، وستعرف عن قريب ان هذه الآيات لا توجد في الترجمة السريانية. فلو كان لهذا الإنجيل سند لما قال علماؤهم المحقّقون وبعض الفرق ما قالوا. فالحقّ ما قال الفاضل أستادلن والمحقّق برطشنيدر. التاسع : توجد في زمان تأليف الأناجيل الأربعة روايات واهية ضعيفة بلا سند ، يعلم منها أيضا أنه لا سند عندهم لهذه الكتب. قال هورن في الباب الثاني من القسم الثاني من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «الحالات التي وصلت إلينا في باب زمان تأليف الأناجيل من قدماء مؤرّخي الكنيسة أبتر وغير معينة لا توصلنا إلى أمر معيّن ، والمشايخ القدماء الأوّلون صدّقوا الروايات الواهية وكتبوها ، وقبل الذين جاءوا من بعدهم مكتوبهم تعظيما لهم. وهذه الروايات الصادقة والكاذبة وصلت من كاتب إلى كاتب آخر وتعذّر تنفيذها بعد انقضاء المدة». انتهى. ثم قال في المجلد المذكور : «ألّف الإنجيل الأول سنة ٣٧ أو سنة ٣٨ أو سنة ٤١ أو سنة ٤٣ أو سنة ٤٨ أو سنة ٦١ أو سنة ٦٢ أو سنة ٦٣ أو سنة ٦٤ من الميلاد ، وألّف الإنجيل الثاني سنة ٥٦ وما بعدها إلى سنة ٦٥ ، والأغلب أنه ألّف سنة ٦٠ أو سنة ٦٣. وألّف الإنجيل الثالث سنة ٥٣ أو سنة ٦٣ أو سنة ٦٤. وألّف الإنجيل الرابع سنة ٦٨ أو سنة ٦٩ أو سنة ٧٠ أو سنة ٨٩ أو سنة ٩٨ من الميلاد». انتهى. والرسالة العبرانية والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ورسالة يعقوب ورسالة يهودا ومشاهدات يوحنّا وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنّا إسنادها إلى الحواريين بلا حجة ، وكانت مشكوكة إلى سنة ٣٦٣ ، وبعض الفقرات المذكورة مردودة وغلط إلى الآن عند جمهور المحقّقين ، كما ستعرف في المقصد الثاني من الباب الثاني ولا يوجد في الترجمة السريانية ،

٥٦

وردّ جميع كنائس العرب الرسالة الثانية لبطرس والرسالتين ليوحنا ورسالة يهودا ومشاهدات يوحنّا ، وكذلك تردّها الكنيسة السريانية من الابتداء إلى الآن ولا تسلّمها ، كما ستطّلع عليه في الأقوال الآتية. قال هورن في الصفحة ٢٠٦ و ٢٠٧ من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «لا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس ، ورسالة يهودا ، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ، ومشاهدات يوحنّا ، ومن الآية الحادية عشر من الباب الثامن من إنجيل يوحنّا ، والآية السابعة من الباب الخامس من الرسالة الأولى ليوحنّا». انتهى كلامه. فمترجم الترجمة السريانية أسقط هذه الأشياء لعدم صحّتها عنده. وقال وارد كاتلك في الصفحة ٣٧ من كتابه المطبوع سنة ١٨٤١ : «ذكر راجرس وهو من أعلم علماء بروتستنت أسماء كثيرين من علماء فرقته الذين أخرجوا الكتب المفصّلة من الكتب المقدسة باعتقاد أنها كاذبة : الرسالة العبرانية ورسالة يعقوب والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ورسالة يهودا ومشاهدات يوحنّا. وقال داكتر بلس من علماء بروتستنت : إن جميع الكتب ما كانت واجبة التسليم إلى عهد يوسي بيس ، وأصرّ على أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ليست من تصنيفات الحواريين ، وكانت الرسالة العبرانية مردودة إلى مدة والكنائس السريانية ما سلّموا أن الرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ورسالة يهودا وكتاب المشاهدات واجبة التسليم. وكذا كان حال كنائس العرب لكننا نسلّم إلى هاهنا كان قول بلس». انتهى. قال لاردنر في الصفحة ١٧٥ من المجلد الرابع من تفسيره : «سرل وكذا كنيسة أورشليم في عهده ما كانوا يسلّمون كتاب المشاهدات ، ولا يوجد اسم هذا الكتاب في الفهرست القانوني الذي كتبه». انتهى. ثم قال في الصفحة ٣٢٣ : «إن مشاهدات يوحنّا لا توجد في الترجمة السريانية القديمة ، وما كتب عليه بارهي يريوس ولا يعقوب شرحا ، وترك أي بدجسو في فهرسته الرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ورسالة يهودا ومشاهدات يوحنّا ، وهذا هو رأي السريانيين الآخرين». انتهى. وفي الصفحة ٢٠٦ من المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ من كاتلك هرلد : «إن روز كتب في الصفحة ١٦١ من كتابه أن كثيرا من محقّقي بروتستنت لا يسلّمون كون كتاب المشاهدات واجب التسليم ، وأثبت پروبر ايوالد بالشهادة القوية أن إنجيل يوحنّا ورسائله وكتاب المشاهدات لا يمكن أن تكون من تصنيف مصنّف واحد». انتهى. وقال يوسي بيس في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السابع من تاريخه : «قال ديونيسيش أخرج بعض القدماء كتاب المشاهدات عن الكتب المقدسة واجتهد في ردّه ، وقال : هذا كله لا معنى له وأعظم حجاب الجهالة وعدم العقل ، ونسبته إلى يوحنا الحواري غلط ، ومصنّفه ليس بحواري ولا رجل صالح ولا مسيحي ، بل نسبه سرن تهسن الملحد إلى يوحنّا. لكني لا أقدر

٥٧

على إخراجه عن الكتب المقدسة لأن كثيرا من الإخوة يعظّمونه. وأما أنا فأسلّم أنه من تصنيف رجل إلهامي. لكن لا أسلّم بالسهولة أن هذا الشخص كان حواريّا ولد زبدى أخا يعقوب مصنّف الإنجيل ، بل يعلم من المحاورة وغيرها أنه ليس بحواري ، وكذلك ليس مصنّفه يوحنّا الذي جاء ذكره في كتاب الأعمال لأن مجيئه في إيشيا لم يثبت فهذا يوحنّا آخر من أهل إيشيا. في أفسس قبران كتب عليهما اسم يوحنّا ويعلم من العبارة والمضمون أن يوحنّا الإنجيلي ليس مصنّف هذا الكتاب ، لأن عبارة الإنجيل ورسالته حسنة على طريقة اليوناني وليس فيها ألفاظ صعبة بخلاف عبارة المشاهدات ، لأنها على خلاف محاورة اليوناني يستعمل السياق الوحشي ، والحواري لا يظهر اسمه لا في الإنجيل ولا في الرسالة العامّة ، بل يعبّر عن نفسه بصيغة المتكلّم والغائب ، ويشرع في المقصود بلا تمهيد. أمر بخلاف هذا الشخص كتب في الباب الاول إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لا بدّ أن يكون من قريب ، وبيّنه مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا (٤) يوحنا إلى السبع الكنائس إلخ (٩) أنا يوحنّا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره إلخ. وكتب في الآية الثامنة من الباب الثاني والعشرين : وأنا يوحنّا الذي كان ينظر ويسمع إلخ. فأظهر اسمه في هذه الآيات على خلاف طريقة الحواري. لا يقال إن الحواري أظهر اسمه على خلاف عادته ليعرف نفسه. لأنه لو كان المقصود هذا ذكر خصوصية تختصّ به ، مثلا يوحنّا بن زبدى أخو يعقوب ، أو يوحنّا المريد المحبوب للربّ ونحوهما ، ولم يذكر الخصوصية بل الوصف العامّ مثل أخيكم وشريككم في الضيقة وشريككم في الصبر. ولا أقول هذا بالاستهزاء بل قصدي أن أظهر الفرق بين عبارة الشخصين». انتهى كلام ديونيسيش ملخّصا من تاريخ يوسي بيس.

وصرّح يوسي بيس في الباب الثالث من الكتاب الثالث من تاريخه : «إن الرسالة الأولى لبطرس صادقة ، إلّا أن الرسالة الثانية له ما كانت داخلة في الكتب المقدسة في زمان من الأزمنة ، لكن كانت تقرأ رسائل بولس أربع عشرة ، إلّا أن بعض الناس أخرج الرسالة العبرانية». ثم صرّح في الباب الخامس والعشرين من الكتاب المذكور : «اختلفوا في أن رسالة يعقوب ورسالة يهودا والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا كتبها الإنجيليّون أو أشخاص آخرون كان أسماؤهم هذه. وليفهم أن أعمال بولس وپاشتر ومشاهدات بطرس ورسالة برنيا والكتاب الذي اسمه أنس تي توشن الحواريين كتب جعلية ، وإن ثبت فليعدّ مشاهدات يوحنّا أيضا كذلك». انتهى. ونقل في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السادس من تاريخه قول أرجن في حق الرسالة العبرانية هكذا : «الحال الذي كان على ألسنة الناس أن بعضهم قالوا إن هذه الرسالة كتبها كليمنت الذي كان يسبّ الروم بعضهم قالوا ترجمها لوقا». انتهى كلام أرجن. وأنكرها رأسا أرنيس بيشب ليس الذي كان

٥٨

في سنة ١٧٨ وهب پولي تس الذي كان في سنة ٢٢٠ ونويتس برسپتر اليوم الذي كان في سنة ٢٥١. وقال ترتولين برسپتر كارتهيج الذي كان في سنة ٢٠٠ : إنها رسالة برنياوكيس برسپتر الروم الذي كان في سنة ٢١٢ عدّ رسائل بولس ثلاث عشرة. ولم يعدّ هذه الرسالة وسائي پرن بشب كارتهيج الذي كان في سنة ٢٤٨ ولم يذكر هذه الرسالة. والكنيسة السريانية إلى الآن لا تسلّم الرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا. وقال إسكالجر : من كتب الرسالة الثانية لبطرس فقد ضيّع وقته. وقال يوسي بيس في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الثاني من تاريخه في حقّ رسالة يعقوب : «ظن ان هذه الرسالة جعليّة لكن كثيرا من القدماء ذكروها. وكذا ظن في حقّ رسالة يهودا لكنها تستعمل في كثير من الكنائس». انتهى. وفي تاريخ البيبل المطبوع سنة ١٨٥٠ قال كروتيس : «هذه الرسالة رسالة يهودا الأسقف الذي كان خامس عشر من أساقفة أورشليم في عهد سلطنة إيدرين». انتهى. وكتب يوسي بيس في الباب الخامس والعشرين من الكتاب السادس من تاريخه : «قال أرجن من المجلد الخامس من شرح إنجيل يوحنّا : إن بولس ما كتب شيئا إلى جميع الكنائس ، والذي كتبه إلى بعضها فسطران أو أربعة سطور». انتهى. فعلى قول أرجن الرسائل المنسوبة إلى بولس ليست من تصنيفه ، بل هي جعليّة ، نسبت إليه. ولعلّ مقدار سطرين أو أربعة سطور يوجد في بعضها من كلام بولس أيضا. وإذا تأملت في الأقوال المذكورة ظهر لك أن ما قال فاستس : «إن هذا العهد الجديد ما صنّفه المسيح ولا الحواريون بل صنّفه رجل مجهول الاسم ونسب إلى الحواريين ورفقائهم» حقّ لا ريب فيه ، ولقد أصاب في هذا الأمر.

وقد عرفت في الفصل الأول أن الرسائل الستّ وكتاب المشاهدات كانت مشكوكة مردودة إلى سنة ٣٦٣ وما سلّمها محفل نائس الذي كان انعقد في سنة ٣٢٥ ، ثم قبلت الرسائل الستّ في محفل لوديسيا في سنة ٣٦٤ ، وبقي كتاب المشاهدات مشكوكا مردودا في هذا المحفل أيضا. فقبل في محفل كارتهيج في سنة ٣٩٧. وقبول هذين المحفلين ليس حجّة. أما أولا : فلأن علماء المحافل الستّة كلها سلّموا كتاب يهوديت ، وأن علماء محفل لوديسيا سلّموا عشر آيات من الباب العاشر وستّة أبواب بعد الباب العاشر من كتاب أستير ، وأن علماء محفل كارتهيج سلّموا كتاب وزدم وكتاب طوبيا وكتاب باروخ وكتاب إيكليزياستيكس وكتاب المقابيين ، وسلّم حكمهم في هذه الكتب علماء المحافل الثلاثة اللّاحقة. فلو كان حكمهم بدليل وبرهان لزم تسليم الكلّ ، وإن كان بلا برهان ، كما هو الحق يلزم ردّ الكلّ. فالعجب أن فرقة بروتستنت تسلّم حكمهم في الرسائل الستّ وكتاب المشاهدات وتردّه في غيرها ، سيما في كتاب يهوديت الذي اتّفق على تسليمه المحافل الستّة ، ولا يتمشّى عذرهم الأعرج بالنسبة إلى الكتب المردودة عندهم ، غير كتاب أستير ، بأن أصولها فقدت ،

٥٩

لأن جيروم يقول إنه حصل له أصل يهوديت وأصل طوبيا في لسان الديك ، وأصل الكتاب الأول للمقابيين وأصل كتاب إيكليزياستيكس في اللسان العبري ، وترجم هذه الكتب من أصولها. فيلزم عليهم أن يسلّموا هذه الكتب التي حصل أصولها لجيروم ، على أنه يلزم عليهم عدم تسليم إنجيل متّى أيضا ، لأن أصله مفقود. وأما ثانيا ، فلأنه قد ثبت بإقرار هورن أنه ما كان تنقيد الروايات في قدمائهم ، وكانوا يصدقون الروايات الواهية ويكتبونها. والذين جاءوا من بعدهم يتّبعون أقوالهم. فالأغلب أنه وصلت إلى علماء المحافل أيضا بعض الروايات الواهية في باب هذه الكتب ، فسلّموها بعد ما كانت مردودة إلى قرون. وأما ثالثا : فلأن حال الكتب المقدسة عندهم كحال الانتظامات والقوانين. ألا ترى : ١ ـ أن الترجمة اليونانية كانت معتبرة في أسلافهم من عهد الحواريين إلى القرن الخامس عشر ، وكانوا يعتقدون أن النسخة العبرانية محرّفة والصحيحة هي هذه. وبعد ذلك انعكس الأمر وصارت المحرّفة صحيحة والصحيحة غلطا ومحرّفة ، فلزم جهل أسلافهم كافّة. ٢ ـ وأن كتاب دانيال كان معتبرا عند أسلافهم على وفق الترجمة اليونانية ، ولمّا حكم أرجن بعدم صحّته تركوه وأخذوه من ترجمة تهيودوش. ٣ ـ وأن رسالة أرس تيس كانت مسلّمة إلى القرن السادس عشر ، ثم تكلموا عليها في القرن السابع عشر فصارت كاذبة عند جمهور علماء بروتستنت. ٤ ـ وأن الترجمة اللاطينية معتبرة عند كاتلك ، ومحرّفة غير معتبرة عند بروتستنت. ٥ ـ وأن الكتاب الصغير للتكوين كان معتبرا صحيحا إلى القرن الخامس عشر ، كما ستعرف في الباب الثاني ، ثم في القرن السادس عشر صار غير صحيح وجعليّا. ٦ ـ وأن الكتاب الثالث لعزرا تسلّمه كنيسة كريك إلى الآن ، وفرقة كاتلك وبروتستنت تردّانه. وأن زبور سليمان سلّمه قدماؤهم وكان مكتوبا في كتبهم المقدسة ، ويوجد إلى الآن في نسخة كودكس إسكندريانوس ، والآن يعدّ جعليّا. ونرجو أنهم بالتدريج سيعترفون بجعليّة الكل إن شاء الله. فظهر مما ذكرت للناظر اللبيب أنه لا يوجد سند متّصل عندهم ، لا لكتب العهد العتيق ولا لكتب العهد الجديد. وإذا ضيّق عليهم في هذا الباب فتارة يتمسكون بأن المسيح شهد بحقّيّة كتب العهد العتيق. وستعرف حال هذه الشهادة مفصّلا في جواب المغالطة الثانية من الباب الثاني فانتظره.

٦٠