إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

يعقوب الحواري : «إن كليمنس نقل حكاية قابلة للحفظ في كتابه السابع في بيان حال يعقوب هذا. والظاهر أن كليمنس نقل هذه الحكاية عن الروايات اللسانية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد». ثم نقل في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الثالث قول أرينيوس في الصفحة ١٢٣ : «كنيسة أفسس التي بناها بولس ، وأقام فيها يوحنا الحواري إلى عهد سلطنة ترجان شاهد ذو إيمان لأحاديث الحواريين». ثم نقل في تلك الصفحة قول كليمنس : «اسمعوا في حق يوحنا الحواري حكاية ليست بكاذبة ، بل هي صادقة محققة بقيت في الصدور محفوظة». ثم قال في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة ١٢٦ : «تلاميذ المسيح مثل الحواريين الاثني عشر والسبعين رسولا وكثير من أناس آخرين لم يكونوا غير واقفين على الحالات المذكورة ـ أي الحالات التي كتبها الإنجيليون ـ لكن كتبها منهم متّى ويوحنا فقط. وعلم من الرواية اللسانية أن تحريرهما أيضا كان لأجل الضرورة». ثم قال في الباب الثامن والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة ١٣٢ : «كتب أرينيوس في كتابه الثالث حالا هو حري بأن يكتب ووصل إليه هذا الحال من پوليكارب بالرواية اللسانية». ثم قال في الباب الخامس من الكتاب الرابع في الصفحة ١٤٧ : «لم أر حال أساقفة أورشليم بالترتيب في كتاب ، لكنه ثبت بالرواية اللسانية أنهم بقوا مدة قليلة». ثم قال في الباب السادس والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة ١٣٨ : «وصل إلينا بالرواية اللسانية أنهم لما أذهبوا اكناثيوت إلى الروم ليقتلوه بإلقائه بين أيدي السباع لأجل كونه مسيحيا ، ومر بايشيا في حفاظة العسكريين فقوى الكنائس المختلفة في أثناء الطريق بنصائحه وأقواله ، وأخبرهم عن البدعات التي كانت منتشرة في تلك الأيام أو كانت حدثت ، ووصاهم باللصوق بالروايات اللسانية لصوقا قويا ، واستحسن أيضا لأجل زيادة الحفظ أن نكتب هذه الروايات وأثبت شهادته عليها». ثم قال في الباب التاسع والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة ١٤٢ : «قال بي پيس في ديباجة كتابه : أكتب لانتفاعكم جميع الأشياء التي وصلت من المشايخ إليّ وحفظتها بعد التحقيق التام ليثبت زيادة تحقيقها بشهادتي عليها ، لأني ما رضيت من قديم الزمان بسماع الأحاديث من الذين يلغون كثيرا ويعلمون نصائح أخرى أيضا ، بل سمعت الأحاديث من الذين لا يعلمون إلا النصائح الحقة التي هي مروية من ربنا الصادق ، ومن لقيته من متبعي المشايخ سألته عن هذا أن اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو ثوما أو يعقوب أو متّى أو شخص آخر من تلاميذ ربنا أو أرستيون أو القسيس يوحنا مريد ربنا ما ذا قال ، لأن الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحباء ما حصلتها من الكتب». ثم قال في الباب الثامن من الكتاب الرابع في الصفحة ١٥١ : «هجيسي بوس من مؤرخي الكنيسة مشهورة ، ونقلت عن تأليفاته أشياء كثيرة نقلها عن الحواريين بالروايات اللسانية ، وكتب هذا المصنف مسائل الحواريين التي وصلت إليه بالرواية

٣٤١

اللسانية بعبارة سهلة في خمس كتب». ثم نقل في الباب الرابع عشر من الكتاب الرابع عشر من الكتاب الرابع قول أرينيوس في بيان حال پوليكارب في الصفحة ١٥٨ : «علّم پوليكارب دائما ما تعلمه من الحواريين وبلغته الكنيسة بالرواية وكانت مسألة صادقة». ثم نقل في الباب السادس من الكتاب الخامس عن قول أرينيوس فهرست أساقفة الروم ، وقال في الصفحة ٢٠١ : «الآن إلى تهيروس اسقفها الثاني عشر من السلسلة التي وصل إلينا بواسطتها الصدق والروايات اللسانية من الحواريين». ثم نقل في الباب الحادي عشر من الكتاب الخامس قول كليمنس في الصفحة ٢٠٦ : «ما كتبت هذه الكتب لطلب الرفعة بل لظن كبر سنّي ، ولأن تكون ترياقات لنسياني جمعتها على طريق التفسير كأنها شروح للمسائل الإلهامية التي صرت بها معظما بعد ما تعلمتها من الصادقين المباركين ، ومنهم بوني كوس الذي كان في يونان والثاني الذي كان يقيم في ميكنيا كريشيا ، كان أحدهما سريانيا والآخر مصريا ، وكان الباقون من سكان المشرق. كان واحد منهم أشوريا ، وواحد منهم عبرانيا من أهل فلسطين ، والشيخ الذي وصلت آخرا إلى خدمته كان مختفيا في مصر وكان أفضل من المشايخ كلهم ، وما طلبت شيخا آخر بعده لأن أحدا ما كان أفضل منه. وهؤلاء المشايخ حفظوا الروايات الصادقة التي هي منقولة من بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلا بعد جيل». ثم نقل في الباب العشرين من الكتاب الخامس قول أرينيوس في الصفحة ٢١٩ : «سمعت بفضل الله هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة». ثم قال في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الخامس من الصفحة ٢٢٢ : «كتب پولي كراتيس الأسقف رواية وصلت إليه بالرواية اللسانية في كتابه الذي أرسلته إلى وكتر وكنيسة الروم». ثم قال في الباب الخامس والعشرين من الكتاب الخامس في الصفحة ٢٢٦ : «ناركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس من أساقفة فلسطين ، وأسقف كنيسة اسورو اسقف تولمائي كلاروس ، والأشخاص الآخرون الذين جاءوا مع هؤلاء الأساقفة ، قدموا أمورا كثيرة في حق الرواية التي وصلت إليهم في باب عيد الفصح من الحواريين منقولة بالرواية اللسانية جيلا بعد جيل ، وكتبوا في آخر الكتاب أن أرسلوا نقوله إلى الكنائس لئلا يبقى للذين يضلون عن الصراط المستقيم سريعا موضع الفرار». ثم قال في الباب الثالث عشر من الكتاب السادس في بيان حال كليمنس اسكندريانوس الذي كان من أتباع تابعي الحواريين في الصفحة ٢٤٦ : «انه قال في كتابه الذي ألف في بيان عيد الفصح ، ان الأحباء طلبوا مني أن أكتب لنفع الأجيال الآتية الروايات التي سمعتها من الأساقفة». ثم قال في الباب الحادي والثلاثين من الكتاب السادس في الصفحة ٢٦٣ : «ايفريكاتوس في رسالته التي هي موجودة إلى هذا الحين وكان أرسلها إلى ارستيديس ، يبين التطبيق بين بياني متّى ولوقا في نسب المسيح باعتبار الرواية التي وصلت إليه

٣٤٢

من الآباء والأجداد». انتهى كلامه. وعلم من أقواله السبعة عشر أن القدماء المسيحية كانوا يعتبرون الرواية اللسانية اعتبارا عظيما.

قال جان ملتر كاتلك في كتابه الذي طبع في بلد دربي سنة ١٨٤٣ في رسالته العاشرة التي أرسلها إلى جيمس برون : «إني كتبت فيما قبل أيضا أن مبنى إيمان كاتلك ليس كلام الله الذي هو مكتوب فقط ، بل أعم مكتوبا كان أو غيره مكتوب ، يعني الكتب المقدسة والروايات اللسانية على ما شرحتهما كنيسة كاتلك به». ثم قال في تلك الرسالة : «إن أرينيوس قال في الباب الخامس من المجلد الثالث من كتابه أنه لا يوجد لطالبي الحق أمر أسهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله». ثم قال في تلك الرسالة : «أن ارينيوس قال في الباب الثالث من المجلد الأول من كتابه أن ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة لكن حقيقة الرواية اللسانية في كل موضع متحدة. كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وإسبانيا والمشرق ومصر وليبيا». ثم قال في تلك الرسالة : «إن أرينيوس قال في الباب الثاني من المجلد الثالث ، ولما كان تحرير حال سلاسل الكنائس كلها يفضي إلى التطويل ، فلذلك نرجع إلى رواية وعقيدة كنيسة الروم التي هي قديمة وعظيمة ومشهورة جدا وبناها بطرس وبولس ، والكنائس كلها موافقة لها ، لأن الروايات اللسانية المنقولة عن الحواريين جيلا بعد جيل كلها محفوظة فيها». ثم قال في تلك الرسالة : «إن أرينيوس قال في الباب الرابع والستين من الكتاب الرابع : ولو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا ، فنقول انه أما كان لازما علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالرواية اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وكانوا سلموها للناس الذين سلموها للكنيسة ، وهذه الروايات هي التي يعمل بحسبها الوحشيون الذين آمنوا بالمسيح بلا استعمال الحروف والمداد». ثم قال في تلك الرسالة : «إن ترتولين قال في كتابه الذي ألفه في رد أهل البدعة وطبع في بلد رهنان في الصفحة ٣٦ و ٣٧ إن عادة أهل البدعة أنهم يتمسكون بالكتب المقدسة ويستدلون ويقولون انه ليس غير الكتب المقدسة المكتوبة شيئا قابلا لأن يجعل مبنى الإيمان ويقال بحسبه ، ويعجزون بهذه الحيلة الأقوياء ويلقون الضعفاء في شبكاتهم ويوقعون المتوسطين في الشك. ولذا نقول لا تجيزوا هؤلاء أبدا أن يناظروا مستدلين بالكتب المقدسة ، لأنه لا تترتب على المباحثة التي تكون بالكتب المقدسة فائدة ما غير أن يصير الدماغ والبطن خاليين. فذلك طريقة الرجوع إلى الكتب المقدسة غلط ، لأنه لا يحصل انفصال أمر من هذه الكتب ، وإن حصل شيء يكون على الوجه الناقص. ولو لم يكن هذا الأمر أيضا كانت طريقة المباحثة في تلك الصورة أيضا أن يحقق أولا أن الكتب المقدسة علاقتها من أي الناس وبلغ أي شخص إلى أي شخص في أي وقت الرواية التي صرنا بسببها مسيحيين ، لأن الموضع

٣٤٣

الذي يوجد فيه أحكام الدين المسيحي وعقائده يوجد فيه صدق الإنجيل ومعانيه وجميع روايات الدين المسيحي التي هي لسانية». ثم قال في تلك الرسالة : «إن أرجن قال أنه لا يليق بنا أن نعتبر الناس الذين ينقلون عن الكتب المقدسة ، ثم يقولون أن الكلام في بيتكم فانظروا فيه ، لأنه لا يليق بنا أن نترك الرواية الأولى التي في الكنيسة ، أو نعتقد غير ما بلغ إلينا كنائس الله برواية مسلسلة». ثم قال في تلك الرسالة : «كتب باسليوس ان المسائل الكثيرة محفوظة في الكنيسة يوعظ بها ، أخذت بعضها من الكتب المقدسة ، وبعضها من الروايات اللسانية ، وقوتهما في الدين مساوية. ومن كان له وقوف ما على الشريعة العيسوية لا يعترض على هذا». ثم قال في تلك الرسالة : «قال أبي فانيس في كتابه الذي ألفه في مقابلة المبتدعين : ولنستعمل الرواية اللسانية لأن جميع الأشياء لا توجد في الكتب المقدسة». ثم قال في تلك الرسالة : «أن كريزاستم صرّح في شرح الآية الرابعة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي : ظهر من هذا صراحة أن الحواريين لم يبلغوا الأشياء كلها إلينا بواسطة التحرير ، بل بلغوا أشياء كثيرة بدون التحرير أيضا وكلتاهما متساويتان في الاعتبار. ولذلك فلنلاحظ أن رواية الكنيسة منشأ الإيمان. وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائدا عليه». ثم قال في تلك الرسالة : «ان اكستائن كتب في حق الشخص الذي حصل له الاصطباغ من المبتدعين أنه وإن لم يوجد السند التحريري في هذا الباب لكنه يلاحظ أن هذا الرسم أخذ من الرواية اللسانية ، لأن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها وهي ليست بمكتوبة». ثم قال في تلك الرسالة : «إن الأسقف ون سنت قال : فليفسر المبتدعون الكتب المقدسة على وفق رواية الكنيسة العامة». انتهى كلامه. وعلم من أقواله الاثني عشر أن الروايات اللسانية مبنى إيمان فرقة كاتلك ، وكانت معتبرة عند القدماء. وفي الصفحة ٦٣ من المجلد الثالث من كاتلك هرلد : «أورد رب موسى قدسي شواهد كثيرة على أن متن الكلام المقدس لا يفهم بدون معونة الحديث والرواية اللسانية. واقتدى مشايخ كاتلك بهذه القاعدة في كل وقت. وقال ترتولين : فليرجع لإدراك الشيء الذي علم المسيح والحواريين إلى الكنائس التي بناها الحواريون وعلموها بتحريراتهم ورواياتهم اللسانية». انتهى.

فعلم من هذه العبارات المذكورة أن اليهود عندهم تعظيم الروايات والأحاديث أزيد من تعظيم التوراة ، وأن جمهور القدماء المسيحية مثل كليمنس وأرينيوس وهجيسي وپوليكارب وپولي كراتيس وتاركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس وكلاروس وكليمنس اسكندريانوس وايفريكانوس وترتولين وارجن وباسلنوس وابي فانيس وكريزاستم واكستاين وون سنت الأسقف وغيرهم كانوا يعظمون الروايات اللسانية تشبثا قويا. وكليمنس قال في وصف مشايخه : انهم

٣٤٤

حفظوا الروايات الصادقة المروية عن بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلا بعد جيل. وأبي فانيس قال : الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحياء ما حصلتها من الكتب. وارينيوس قال سمعت الأحاديث بفضل الله بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها دائما بالديانة. وقال أيضا : إنه لا يوجد لطالبي الحق أمر أسهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله. وقال أيضا : لو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول أنه أما كان لازما علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين. وارجن وترتولين يلومان على منكري الأحاديث وباسليوس قال المسائل المأخوذة من الكتب المقدسة والمأخوذة من الأحاديث كلتاهما متساويتان في القوة. وكريزاستم قال كلتاهما متساويتان في الاعتبار ، ورواية الكنيسة منشأ الإيمان ، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائدا عليه. واكتسائن صرّح أن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها ، وأنها ليست بمكتوبة.

فالإنصاف أن رد الجميع لا يخلو عن تعصب وجهل ويكذب هذا الأمر إنجيلهم أيضا : في الآية الرابعة والثلاثين من الباب الرابع من إنجيل مرقس هكذا : «وبدون مثل لم يكن يكلمهم ، وأما على انفراد فكان يفسّر لتلاميذه كل شيء». ويبعد أن لا يكون هذه التفسيرات كلها أو بعضها مروية ، وأن يكون الحواريون محتاجين إلى التفسير ، ومعاصرونا لا يكونون كذلك. والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا : «وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة». وكلام الإنجيل ، وإن لم يخل عن المبالغة والغلو ، لكنه لا شك أن قوله وأشياء أخر كثيرة يشمل جميع أفعال المسيح ، معجزات كانت أو غيرها ، ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويا بالرواية اللسانية. والآية الخامسة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا : «فاثبتوا إذا أيها الاخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا». وقوله (سواء كان بالكلام أم برسالتنا) يدل صراحة على أن بعض الأشياء وصلت إليهم بواسطة التحرير ، وبعضها بالكلام مشافهة. فلا بدّ أن يكون كلاهما معتبرين عند المسيحيين ، كما صرّح كريزاستم في شرح هذا الموضع على ما عرفت. وفي الآية الرابعة والثلاثين من الباب الحادي عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «فأما سائر الأشياء فسأوصيكم بها إذا قدمت إليكم». ومن البيّن أن هذه الأشياء الباقية أوصاهم بها شفاها عند ما جاء إليهم ، وهذه لم تكتب ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويا. والآية الثالثة عشر من الباب الأول من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا :

٣٤٥

«تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع». فقوله (الذي سمعته مني) يدل على أنه سمع بعض الأشياء شفاها. والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة المذكورة هكذا : «وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون كفؤا أن يعلموا آخرين أيضا». فهنا مقدسهم يأمر تيموثاوس أن يعلم الأناس الأمناء الأحاديث التي سمعها منه ، وأن يعلم الأمناء أناسا آخرين فلا بدّ أن تكون هذه الروايات مروية. وفي آخر الرسالة الثانية ليوحنا هكذا : «إذا كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر ، لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم بالفم لكي يكون فرحنا كاملا». وفي آخر الرسالة الثالثة هكذا : «وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست أريد أن أكتب إليك بحبر وقلم ولكنني أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم بالفم». فهاتان الآيتان تدلان على أن يوحنا قال في المشافهة أشياء كثيرة على ما وعد ، ويبعد أن لا تكون هذه الأشياء كلها أو بعضها مروية برواية.

فظهر مما ذكرنا أن من أنكر من فرقة پروتستنت اعتبار الأحاديث مطلقا في الملة المسيحية فهو إما جاهل أو متعسف عنيد ، وقوله مخالف لكتبه المقدسة ولجمهور علمائه من القدماء ، وهو داخل في زمرة المبتدعين على قول بعض القدماء. ومع ذلك لا بدّ له من اعتبارها في كثير من هوسات فرقته مثل أن الابن مساو للأب في الجوهر ، وأن الروح القدس منشق من الأب والابن ، وأن المسيح ذو طبيعتين واقنوم واحد ، وأنه ذو إرادتين إلهية وإنسانية ، وأنه بعد ما مات نزل الجحيم وغيرها من هوساتهم. مع أن هذه الكلمات لا توجد بعينها في العهد الجديد ، وما اعتقدوا هذه الأمور إلا من الأحاديث والتقليدات. وأيضا يلزم عليه أن ينكر كثيرا من أجزاء كتبه المقدسة ، مثل أن ينكر إنجيل مرقس ولوقا ، وتسعة عشر بابا من كتاب أعمال الحواريين لأنها كتبت بالروايات اللسانية لا بالمشاهدة ولا بالوحي ، كما عرفت في الباب الأول ، ومثل أن ينكر خمسة أبواب من الخامس والعشرين إلى التاسع والعشرين من سفر الأمثال ، لأنها جمعت في عهد حزقيا من الروايات اللسانية التي كانت جارية بينهم ، وما بين زمان الجمع وموت سليمان عليه‌السلام مدة مائتين وسبعين سنة. الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا : «هذه أيضا أمثال سليمان التي استكتبتها أصدقاء حزقيا ملك يهوذا». قال آدم كلارك المفسر في تفسيره المطبوع سنة ١٨٥١ ذيل شرح هذه الآية : «يعلم أن في آخر هذا السفر أمثالا جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية التي كانت جارية من عهد سليمان ، فجمعوا هذه الأمثال منها ، وجعلوها ضميمة هذا السفر. ويمكن أن يكون المراد بأحباء حزقيا أشعيا وشنيا وغيرهما من الأنبياء الذين كانوا في ذلك العهد. فتكون تلك الضميمة مثل السفر الباقي سندا ، وإلا كيف ضموها بالكتاب المقدس». انتهى. فقوله (جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية) صريح فيما قلت. وقوله

٣٤٦

(ويمكن أن يكون المراد إلخ) مردود لأنه مجرّد احتمال لا يتمّ على المخالف بدون السند الكامل وليس عنده سند ، بل يقول احتمالا ورجما بالغيب. وقوله (كيف ضموها بالكتاب المقدس) مردود ، لأن اليهود كان عندهم اعتبار الروايات أزيد من اعتبار التوراة. فإذا صارت التوراة سندا عندهم معتبرا مع أنها جمعت من روايات المشايخ بعد ألف وسبعمائة سنة تقريبا ، وكذا صارت قصص كمرا بابل معتبرة ، مع أنها جمعت بعد ألفي سنة ، فأي مانع من اعتبار الأبواب الخمسة التي جمعت بعد مائتين وسبعين سنة؟ ولقد أنصف بعض المحققين من علماء پروتستنت واعترف أن الروايات اللسانية أيضا معتبرة مثل المكتوبة. في الصفحة ٦٣ من المجلد الثاني من كاتلك هرلد هكذا : «إن داكتر بريت الذي هو من فضلاء پروتستنت قال في الصفحة ٧٣ من كتابه إن هذا الأمر ظاهر من الكتب المقدسة أنّ الدين العيسوي صار مفوّضا إلى الأساقفة الأولين وتابعي الحواريين بالرواية اللسانية ، وكانوا مأمورين بأن يحافظوا عليه ، ويفوّضوه إلى الجيل المتأخر. ولا يثبت من كتاب مقدس ، سواء كان كتاب بولس أو غيره من الحواريين ، أنهم كتبوا متفقين أو منفردين جميع الأشياء التي لها دخل في النجاة ، وجعلوا قانونا يفهم منه أنه لا يوجد فيه شيء ضروري له دخل في النجاة غير المكتوب». وقال في الصفحة ٣٢ و ٣٣ من الكتاب المذكور : «ترى بولس وغيره من الحواريين أنهم كما بلغوا إلينا الأحاديث بواسطة التحرير ، كذلك بلغوا بواسطة الرواية اللسانية أيضا. والويل للذين لا يحافظونهما. والأحاديث العيسوية في أمر الإيمان سند كالمكتوب». انتهى كلام داكتر بريت. وقال أسقف مون نيك : «ان أحاديث الحواريين سند كمكتوباتهم ، ولا ينكر أحد من پروتستنت أن تقرير الحواريين اللساني أزيد من تحريرهم». وقال جلنك ورتهم : «ان هذا النزاع ـ ان أي إنجيل قانوني وأي إنجيل ليس قانوني ـ يزول بالرواية اللسانية التي هي قاعدة الإنصاف لكل نزاع». انتهى كلام كاتلك هرلد وقال القسيس طامس انكلس كاتلك في الصفحة ١٨٠ و ١٨١ من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة ١٨٥١ : «يشهد أسقف ماني سيك من علماء پروتستنت أن ستمائة أمر قررها الله في الدين ، وتؤمر الكنيسة بها ، ويقبل في حقها أن الكتاب المقدس ما بيّنها في موضوع وما علّمها». انتهى. فعلى اعتراف هذا الفاضل ستمائة أمر ثبتت بالرواية اللسانية وواجبة التسليم عند فرقة پروتستنت.

الفائدة الثانية : (١) هذا الأمر ظاهر بالتجربة الصحيحة أن الأمر العجيب أو المهتم بشأنه يكون محفوظا لأكثر الناس ، وخلافه لا يبقى محفوظا غالبا لعدم الاهتمام. ولذلك إذا سألت الناس ، الذين لا يكونون متعوّدين على أكل طعام واحد مخصوص أو أطعمة مخصوصة ، ما ذا

__________________

(١) جعل المؤلّف هذا الفصل ثلاث فوائد. وما سبق كان تفصيلا للفائدة الأولى ، وهي ذي الفائدة الثانية.

فلنتابعه.

٣٤٧

أكلتم أمس أو قبل أمس ، لا يكون هذا محفوظا لأكثرهم غالبا لعدم الاهتمام بهذا الأمر وعدم كونه عجيبا أو عظيما. وهكذا الحال في أكثر الأفعال العامة والأقوال العامة. وإذا سألت عن حال الكوكب الذي كان من ذوات الأذناب وظهر في شهر صفر سنة ١٢٥٩ من الهجرة وشهر مارس سنة ١٨٤٣ من الميلاد وكان ظاهرا في الجوّ إلى شهر وكان في غاية الطول ، يكون محفوظا للكثيرين من ناظريه ، وإن لم يكن شهر ظهوره وعامه محفوظين لهم ، وقد مضت عليه مدة أزيد من إحدى وعشرين سنة. وكذلك حال الزلازل العظيمة والمحاربات الشديدة والأمور النادرة. ولما كان اهتمام المسلمين بحفظ القرآن في كل قرن ، يوجد فيهم من حفاظ القرآن في هذا العصر أيضا أزيد من مائة ألف في الديار الإسلامية كلها ، وإن زالت سلطنة أهل الإسلام من أكثر أقطار الممالك ، ووقع الفتور في الأمور الدينية في أكثر أقطارهم ومن كان شاكا في هذا الأمر من المسيحيين فليجرّب وليدخل في الجامع الأزهر فقط ، فيجد في كل وقت أكثر من ألف حافظ من حفّاظ القرآن الذي حفظوه بالتجويد التام. ولو تتبع قرى مصر لا يجد قرية من قرى أهل الإسلام تكون خالية عن حفّاظ القرآن ووجد كثيرا من البغّالين والحمّارين من أهل مصر أيضا حافظين للقرآن. فإن أنصف اعترف البتة أن هؤلاء الحمارين والبغالين فائقون في هذا الباب على البابا والأساقفة والقسوس الذين يوجدون شرقا وغربا في هذا الزمان الذي هو زمان شيوع العلم في المسيحيين ، فضلا عن القرون السالفة المسيحية من الجيل السابع إلى الجيل الخامس عشر التي كان الجهل فيها بمنزلة شعار العلماء في تلك القرون ، على اعتراف علماء پروتستنت. وظني أنه لا يوجد في جميع ديار أوروبا كلها عشرة من حفاظ الإنجيل أو التوراة أو كليهما ، بحيث يساوي حفظهم لأحدهما أو لكليهما حفظ هؤلاء البغالين والحمارين للقرآن. وقد عرفت في الفائدة الأولى قول ارينيوس أنه قال : «سمعت بفضل الله هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في قرطاس ، وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة». وقال أيضا : «ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة ، لكن حقيقة الرواية اللسانية متحدة في كل موضع. فإن كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وإسبانيا والمشرق ومصر وليبيا». وقال وليم ميور في الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة ١٨٤٨ : «القدماء المسيحية ما كان عندهم عقيدة مكتوبة من عقائد الإيمان التي اعتقادها ضروري للنجاة. وكانت تعلّم للأطفال وللذين كانوا يدخلون في الملة المسيحية تعليما لسانيا. وهذه العقائد كانت متحدة قربا وبعدا ، ثم لما ضبطوها بالكتابة وقابلوها ووجدوها مطابقة ، وما وجدوا فيها غير الاختلاف القليل اللفظي ، وما كان فرق في أصل المطلب». انتهى كلامه. فعلم أن الأمر الذي يكون مهتما بشأنه يكون محفوظا ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة طويلة. وهذا الأمر ظاهر في القرآن. وقد مضت مدة ألف ومائتين

٣٤٨

وثمانين سنة ، وهو كما أنه محفوظ بواسطة الكتابة في كل قرن ، فكذلك محفوظ في كل قرن أيضا بواسطة صدور ألوف من الرجال. وأكثر فرق المسيحيين في هذا الزمان أيضا ، بحيث لو لاحظنا حال كبار علمائهم وخواصهم فضلا عن عوامهم ، وجدناهم أنه لا يحصل لهم تلاوة كتبهم المقدسة. قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء پروتستنت في خاتمة كتابه المسمى بالدليل إلى طاعة الإنجيل المطبوع سنة ١٨٤٩ في الصفحة ٣١٦ : «إنني ذات يوم سألت كاهنا ـ من كهنة كاتلك ـ أن يجيبني بالصدق عن مطالعة الكتاب المقدس ، وكم مرة قرأه في مدة حياته ، فقال أنه كان يقرأ أحيانا ، وربما جملة أسفار لم يقرأها. ولكن منذ اثنتي عشرة سنة لأجل انهماكه في خدمة الرعية لم يبق له فرصة المطالعة فيه. ولا يخلو أن كثيرين من الشعب يعرفون جهالة هؤلاء الاكليرس ، ولكنهم مع ذلك ينقادون إلى إرشادهم في المنع عن مطالعة الكتب المفيدة التي ترشدهم إليها». انتهى كلامه بلفظه.

الفائدة الثالث : الحديث الصحيح أيضا معتبر عند أهل الإسلام على الوجه الذي سنفصله. ولما كان قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» متواترا رواه اثنان وستون صحابيا منهم العشرة المبشّرة ، كان أهل الإسلام مهتمين بالأحاديث النبوية من القرن الأول ، وكان اهتمامهم في حفظ الأحاديث أزيد من اهتمام المسيحيين ، كما أن اهتمامهم في حفظ القرآن في كل قرن أشدّ من اهتمام المسيحيين في حفظ كتبهم المقدسة. لكن الصحابة لم يدوّنوها في الكتب في عهدهم لبعض الأعذار ، منها الاحتياط التام لأجل أن لا يختلط كلام الرسول بكلام الله. وتابعوا الصحابة ، كالزهري والربيع بن صبيح وسعيد وغيرهم رحمهم‌الله ، شرعوا في تدوينها ، لكنهم ما كتبوها مرتبة على ترتيب أبواب الفقه. ولما كان هذا الترتيب حسنا ، ضبط تبع التابعين على هذا الترتيب. فالإمام مالك رحمه‌الله ، الذي ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة صنّف الموطأ في المدينة وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في مكة ، وعبد الرحمن بن الأوزاعي في الشام ، وسفيان الثوري في الكوفة ، وحمّاد بن سلمة في البصرة ، ثم صنّف البخاري ومسلم صحيحيهما واقتصرا فيهما على ذكر الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعاف. واجتهد الأئمة المحدثون في أمر الأحاديث اجتهادا عظيما ، وقد صنف فن عظيم الشأن في أسماء الرجال يعلم به حال كل راو من رواة الحديث بأنه كيف كان حاله في الديانة والحفظ. وروى كلّ من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبعض أحاديث البخاري ثلاثيات تصل بثلاث وسائط إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينقسم الحديث الصحيح إلى ثلاثة أقسام : متواتر ، ومشهور ، وخبر الواحد. فالمتواتر ما نقله جماعة عن جماعة لا يجوّز العقل توافقهم على الكذب مثاله ، كنقل أعداد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة

٣٤٩

ونحوهما. والمشهور ، ما كان في عصر الصحابة كأخبار الآحاد ثم اشتهر في عصر التابعين أو عصر تبع التابعين ، وتلقته الأمة بالقبول في أحد العصرين الأخيرين ، فصار كالمتواتر ، كالرجم في باب الزنا. وخبر الواحد ما نقله واحد عن واحد ، أو واحد عن جماعة ، أو جماعة عن واحد. والمتواتر منها يوجب العلم القطعي ، ويكون إنكاره كفرا. والمشهور يوجب علم الطمأنينة ، ويكون إنكاره بدعة وفسقا. وخبر الواحد لا يوجب أحد العلمين المذكورين ، ويعتبر في العمل لا في إثبات العقائد وأصول الدين ، وإذا خالف الدليل القطعي ، عقليا كان أو نقليا ، يؤول إن أمكن التأويل ، وإلا يترك ولا يعمل به ويعمل بالدليل القطعي. والفرق بين الحديث الصحيح والقرآن بثلاثة أوجه : الأول : ان القرآن كله منقول بالتواتر ، كما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما بدّل ناقلوه لفظا بلفظ آخر مرادف له ، بخلاف الحديث الصحيح لأن نقله بالمعنى أيضا كان جائزا للناقل الثقة الماهر بلغة العرب وأسلوب كلامهم. والثاني : ان القرآن لما كان كله متواترا يلزم الكفر بإنكار جملة منه أيضا ، بخلاف الحديث الصحيح فإنه لا يلزم الكفر إلا بإنكار قسم منه ، وهو المتواتر دون المشهور وخبر الواحد. والثالث : ان الأحكام تتعلق بألفاظ القرآن ونظمه أيضا ، كصحة الصلاة وكون عبارته معجزة ، بخلاف الحديث ، فإنه لا تتعلق الأحكام بألفاظه. وإذا عرفت ما ذكرت في الفوائد الثلاثة تحقق لك أنه لا يلزم من اعتبارنا الحديث الصحيح بالطريق المذكور شيء من القبائح والاستبعادات.

٣٥٠

الفصل الرابع

في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث

وهي خمس شبهات :

الشّبهة الأولى : إن رواة الحديث أزواج محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقرباؤه وأصحابه ، ولا اعتبار لشهادتهم في حقه.

والجواب : إن هذه الشّبهة ترد عليهم بأدنى تغيّر ، بأن يقال أن رواة الحالات المسيحية وأقواله المندرجة في هذه الأناجيل أم عيسى عليهما‌السلام وأبوه الجعلي يوسف النجاري وتلاميذه ، ولا اعتبار لشهادتهم في حقه. وإن قالوا أنه يحتمل أن إيمان أقارب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كان لأجل الرئاسة الدنيوية ، قلت إن هذا الاحتمال ساقط لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى ثلاث عشرة سنة ، كان في غاية الألم من إيذاء الكفار ، وأصحابه رضي الله عنهم كانوا أيضا مبتلين بغاية إيذائهم إلى المدة المذكورة حتى تركوا الأوطان وهاجروا إلى الحبشة والمدينة. ولا يتصوّر أن يتخيّل أحد منهم إلى هذه المدة طمع الدنيا. على أن هذا الاحتمال قائم في الحواريين أيضا ، لأنهم كانوا مساكين صيادين ، وكانوا سمعوا من اليهود أن المسيح يكون سلطانا عظيم الشأن ، فلما ادّعى عيسى ابن مريم عليهما‌السلام أنه هو المسيح الموعود آمنوا به وفهموا أن يحصل لهم باتباعه المناصب الجليلة وينجون عن مشقة الشبكة والاصطياد. ولما وعدهم عيسى عليه‌السلام «بأني إذا جلست على السرير تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر سريرا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر» ، كما هو مصرّح في الباب التاسع عشر من إنجيل متّى ، وكذا وعدهم «إن من ترك لأجلي ولأجل الإنجيل شيئا يجد مائة ضعف الآن في هذا الزمان ويجد الحياة الأبدية في الدهر الآتي» ، كما هو مصرّح به في الباب العاشر من إنجيل مرقس ، وكذا وعد بأشياء أخر ، فتيقنوا أنهم يصيرون سلاطين يحكم كل منهم على سبط من أسباط إسرائيل ،

٣٥١

وإن فات منهم شيء لأجل اتباعه يحصل لهم في هذه الدنيا بدله مائة ضعف هذا الشيء ، ورسخ في أذهانهم هذا الأمر حتى طلب يعقوب ويوحنا ابنا زبدى أو طلبت أمهما ، على اختلاف رواية الإنجيليين ، منصب الوزارة العظمى بأن يجلس أحدهما على يمين عيسى عليه‌السلام والآخر على يساره في ملكوته ، كما هو مصرّح به في الباب العشرين من إنجيل متّى والباب العاشر من إنجيل مرقس ، لكنهم لما رأوا أنه لم يحصل لهم السلطنة الخيالية ولا مائة ضعف في هذه الدنيا ، بل لم يحصل له أيضا شيء من الدولة الدنياوية ، وهو مسكين كما كان يخاف من اليهود ويفر من موضع إلى موضع ، ورأوا أن اليهود في صدد أن يأخذوه ويقتلوه ، تنبهوا أن فهمهم كان خطأ والمواعيد المذكورة كسراب يحسبه الظمآن ماء ، فرضي واحد منهم ، بدل هذه السلطنة الخيالية وهذه الأضعاف الموهومة ، بثلاثين درهما أخذها من اليهود على شرط تسليمه لهم ، وتركه سائرهم حين ما أخذه اليهود ، وفروا. وأنكره ثلاث مرات ولعنه أرشد الحواريين وأعظمهم الذي كان مبنى كنيسة وراعي خرافه وخليفته أعني حضرة بطرس ، وحلف أني لا أعرفه. وصاروا آيسين مطلقا عن متخيلاتهم بعد ما صلب على زعمهم. ثم لما رأوه مرة أخرى بعد القيام ، رجع رجاؤهم مرة أخرى ، وظنوا أنهم يصيرون سلاطين في هذه المرة ، فسألوه مجتمعين في وقت صعوده قائلين هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل ، كما هو مصرّح في الباب الأول من كتاب الأعمال؟ وبعد الصعود وقعوا في خيال آخر ، هو أعظم من السلطنة الدنياوية التي لم تحصل لهم إلى زمان الصعود ، وهو أن المسيح ينزل في عهدهم من السماء ، وأن القيامة قريبة ، كما عرفت مفصلا في الفصل الثالث والرابع من الباب الأول ، وأنه بعد نزوله يقتل الدجال ويحبس الشيطان إلى ألف سنة ، وأنهم يجلسون على الأسرة بعد نزوله ويعيشون عيشة مرضية إلى المدة المذكورة في هذه الدنيا ، كما يفهم من الباب التاسع عشر والعشرين من كتاب المشاهدات ، والآية الثانية من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس ، ثم يحصل لهم السرور الدائم في الجنة إلى الأبد عند القيامة الثانية. فلأجل هذه الأمور بالغوا في مدحه وتقرير حالاته كما قال الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله : «إن أشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب». ولا شك أنه كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة. فكانوا يبالغون بأمثال هذه الأقوال ليوقعوا السفهاء في شبكاتهم حتى ماتوا غير واصلين إلى مرادهم. فلا اعتبار لشهادتهم في حقه. وهذا التقرير على سبيل الإلزام لا الاعتقاد ، كما صرحت به مرارا. فكما أن هذا الاحتمال في حق عيسى وحواريه الحقة عليهم‌السلام ساقط ، فكذلك احتمالهم في حق أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساقط.

وقد يشير القسيسون لأجل تغليط العوّام إلى ما يتفوّه به الفرقة الإمامية الاثني عشرية في

٣٥٢

حق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. والجواب عنه إلزاما وتحقيقا هكذا : أما إلزاما فلأن موشيم المؤرخ قال في المجلد الأوّل من تاريخه : «إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن عيسى عليه‌السلام إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين. وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط ، بل تجب على غيرهم أيضا ، والعمل على أحكامه ضروري للنجاة. ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العالم ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة ، كانوا يذمونه ذما شديد أو يحقرون تحريراته تحقيرا بليغا». انتهى. وقال لاردنر في الصفحة ٣٧٦ من المجلد الثاني من تفسيره : «إن القدماء أخبرونا أن هذه الفرقة كانت ترد بولس ورسائله». انتهى. وقال بل في تاريخ في بيان هذه الفرقة : «هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط ، وكانت تتنفر عن اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيال عليهم‌السلام. وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متّى فقط ، لكنها كانت حرّفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه». انتهى. وقال بل في تاريخه في بيان الفرقة المارسيونية : «ان هذه الفرقة كانت تعتقد أن الإله إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر. وكانت تقول ان التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الإله الثاني ، وكلها مخالف للعهد الجديد. ثم قال ان هذه الفرقة كانت تعتقد أن عيسى نزل الجحيم بعد موته وأنجى أرواح قابيل وأهل سدوم من عذابها ، لأنهم حضروا عنده وما أطاعوا الإله خالق الشرّ ، وأبقى أرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصالحين الآخرين في الجحيم لأنهم كانوا خالفوا الفريق الأول. وكانت تعتقد أن خالق العالم ليس منحصرا في الإله الذي أرسل عيسى ، ولذلك ما كانت تسلم أن كتب العهد العتيق إلهامية ، وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا فقط ، لكنها ما كانت تسلم البابين الأولين منه. وكانت تسلم من رسائل بولس عشرة رسائل ، لكنها كانت ترد ما كان مخالفا لخيالها». انتهى. ونقل لاردنر في المجلد الثالث من تفسير قول اكستائن في بيان فرقة ماني كيز هكذا : «هذه الفرقة تقول ان الإله الذي أعطى موسى التوراة وكلم الأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان من الشياطين ، وتسلم كتب العهد الجديد ، لكنها تقر بوقوع الإلحاق فيها ، وتأخذ ما رضيت به ، وتترك الباقي وترجّح بعض الكتب الكاذبة عليها ، وتقول انها صادقة البتة». ثم قال لاردنر في المجلد المذكور : «اتفق المؤرخون أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت». وكتب في أعمال اركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا : «خدع الشيطان أنبياء اليهود ، والشيطان كلم موسى وأنبياء اليهود ، وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم سراق ولصوص ، وكانت أخرجت العهد الجديد». انتهى. وهكذا حال الفرق الأخرى. لكني اكتفيت على نقل مذاهب الفرق الثلاثة المذكورة على عدد التثليث ، وأقول

٣٥٣

هل يتمّ أقوال هذه الفرقة على علماء پروتستنت ، أم لا؟ فإن تمّت ، فيلزم عليهم الاعتقاد بهذه الأمور العشرة : / ١ / ان عيسى عليه‌السلام إنسان فقط تولد من يوسف النجار. / ٢ / وان العمل على أحكام التوراة ضروري للنجاة. / ٣ / وان بولس شرير ورسائله واجبة الرد. / ٤ / وان الإله إلهان خالق الخير وخالق الشّر. / ٥ / وان أرواح قابيل وأهل سدوم حصل لها النجاة من عذاب جهنم بموت عيسى عليه‌السلام ، وأرواح هابيل ونوح وإبراهيم والصلحاء القدماء معذبة في جهنم بعد موته أيضا. / ٦ / وان هؤلاء كانوا مطيعين للشيطان. / ٧ / وان التوراة وسائر كتب العهد العتيق من جانب الشيطان. / ٨ / وان الذي كلم موسى والأنبياء الإسرائيلية ليس بإله بل شيطان. / ٩ / وان كتب العهد الجديد وقع فيها التحريف بالزيادة. / ١٠ / وان بعض الكتب الكاذبة صادقة البتة. وإن لم تتمّ أقوال هذه الفرق عليهم ، فلا يتمّ قول بعض الفرق الإسلامية على جمهور أهل الإسلام ، سيما إذا كان هذا القول مخالفا للقرآن ولأقوال الأئمة الطاهرين رضي الله عنهم أيضا ، كما ستعرف.

وأما الجواب عنه تحقيقا : فلأن القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية محفوظ عن التغير والتبديل. ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه فقوله مردود غير مقبول عندهم. / ١ / قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه الذي هو من أعظم علماء الامامية الاثني عشرية في رسالته الاعتقادية : «اعتقادنا في القرآن أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربعة عشر سورة وعندنا والضحى وأ لم تشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وأ لم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب». انتهى. / ٢ / وفي تفسير مجمع البيان الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة : «ذكر السيد الأجلّ المرتضى علم الهدى ذو المجد أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم ، وإن كان يعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتلى عليه ، وإن جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدة ختمات. وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منشور ولا مبثوث. وذكر أن من خالف من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته». انتهى. / ٣ / وقال السيد المرتضى أيضا «ان العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام المشهورة وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وبلغت إلى حدّ لم تبلغ إليه فيما

٣٥٤

ذكرناه. لأن القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية حتى عرفوا كل شيء فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته. فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد». انتهى. / ٤ / وقال القاضي نور الله الشوشتري الذي هو من علمائهم المشهورين في كتابه المسمى بمصائب النواصب «ما نسب إليه الشيعة الامامية بوقوع التغير في القرآن ليس مما قال به جمهور الامامية ، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم». انتهى. / ٥ / وقال الملا صادق في شرح الكليني : «يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به». انتهى. / ٦ / وقال محمد بن الحسن الحر العاملي الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الإمامية في رسالة كتبها في ردّ بعض معاصريه (هركسيكه تتبع أخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني مى داند كه قرآن در غايت وأعلى درجه تواتر بوده وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردند آن را در عهد رسول خذا صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجموع ومؤلف بود». انتهى. فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك وأنه كان مجموعا مؤلفا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة وجماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدة ختمات. ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه ، والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغير فقولهم مردود ولا اعتداد بهم فيما بينهم. وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ، وهو حق. لأن خبر الواحد إذا اقتضى علما ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدلّ عليه ، وجب رده ، على ما صرّح ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بمبادىء الوصول إلى علم الأصول. وقد قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩]. في تفسير الصراط المستقيم الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة : «أي إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان». انتهى.

وإذا عرفت هذا ، فأقول ان القرآن ناطق بأن الصحابة الكبار رضي الله عنهم لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الإيمان :

١ ـ قال الله تعالى في سورة التوبة : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ١٠٠]. فقال الله في حق السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار أربعة أمور : الأول : رضوانه عنهم. والثاني : رضوانهم عنه. والثالث :

٣٥٥

تبشيرهم بالجنة. والرابع : وعد خلودهم فيها ولا شك أن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم من السابقين الأولين من المهاجرين ، كما أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه منهم ، فثبت لهم هذه الأمور الأربعة ، وثبت صحة خلافتهم. فقول الطاعن من الثلاثة رضي الله عنهم مردود ، كما أن قول الطاعن في حق الرابع رضي الله عنه مردود.

٢ ـ وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضا : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة : ٢٠ ـ ٢٢]. فقال الله في حق المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أربعة أمور : الأول : كون درجتهم أعظم عند الله. والثاني : كونهم فائزين بمرادهم. والثالث : كونهم مبشّرين بالرحمة والرضوان والجنّات. والرابع : وخلودهم في الجنّات أبدا. وأكد الأمر الرابع غاية التأكيد بثلاث عبارات ، أعني قوله (مُقِيمٌ) وقوله (خالِدِينَ فِيها) وقوله (أَبَداً). ولا شك أن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، كما أن عليا رضي الله عنه منهم فثبت لهم الأمور الأربعة.

٣ ـ وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضا : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ٨٨ ـ ٨٩]. فقال الله في حق المؤمنين المجاهدين أربعة أمور : الأول : كون الخيرات لهم. والثاني : كونهم مفلحين. والثالث : وعد الجنّات. والرابع : خلودهم فيها. ولا شك أن الثلاثة رضي الله عنهم من المؤمنين المجاهدين ، فثبت هذه الأمور الأربعة لهم.

٤ ـ وقال الله تعالى في سورة التوبة أيضا : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١١١ ـ ١١٢]. فوعد الله الجنّة للمؤمنين وعدا موثقا وذكر تسعة أوصاف لهم ، فثبت أنهم كانوا كذلك ويفوزون بالجنّة.

٥ ـ وقال الله في سورة الحج : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا

٣٥٦

الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج : ١٤١]. فقوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) صفة لمن تقدم ، وهو قوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) فيكون المراد به المهاجرين لا الأنصار ، لأنهم ما أخرجوا من ديارهم. فوصف الله المهاجرين بأنّه إن مكنهم في الأرض وأعطاهم السلطنة ، أتوا بالأمور الأربعة ، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن قد ثبت أن الله مكّن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم في الأرض فوجب كونهم آتين بالأمور الأربعة. وإذا كانوا كذلك ثبت كونهم على الحق. وفي قوله : (لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) دلالة على أن الذي تقدّم ذكره من تمكينهم في الأرض كائن لا محالة ثم أن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه هو الذي لا يزول ملكه.

٦ ـ وقال الله تعالى في سورة الحج : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج : ٧٨]. فسمّى الله في هذه الآية الصحابة بالمسلمين.

٧ ـ وقال الله تعالى في سورة النور : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [النور : ٥٥]. ولفظ (من) في قوله (منكم) للتبعيض (وكم) ضمير الخطاب ، فيدلان على أن المراد بهذا الخطاب بعض المؤمنين الموجودين في زمان نزول هذه السورة لا الكل. ولفظ الاستخلاف يدلّ على أنّ حصول ذلك الوعد يكون بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء ، فالمراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة ، والضمائر الراجعة إليهم في قوله : (ليستخلفنهم) إلى قوله : (لا يشركون) وقعت كلها على صيغة الجمع ، والجمع حقيقة لا يكون محمولا على أقل من ثلاثة ، فتدل على أن هؤلاء الأئمة الموعود لهم لا يكونون أقل من ثلاثة. وقوله : (ليمكنن لهم) إلى آخره ، وعد لهم بحصور القوة والشوكة والنفاذ في العالم فيدل على أنهم يكونون أقوياء ذوي شوكة نافذ أمرهم في العالم. وقوله : (دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) يدل على أن الدين الذي يظهر في عهدهم يكون هو الدين المرضي لله. وقوله : (لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) يدل على أنهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين ولا يكونون في الخوف والتقية. وقوله : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) يدل على أنهم في عهد خلافتهم أيضا يكونون مؤمنين لا مشركين. فدلت الآية على صحة إمامة الأئمة الأربعة

٣٥٧

رضي الله عنهم ، سيما الخلفاء الثلاثة أعني أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين رضي الله عنهم ، لأن الفتوحات العظيمة والتمكين التام وظهور الدين والأمن الذي كان في عهدهم لم يكن في عهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لاشتغاله بمحاربة أهل الصلاة في عهده الشريف. فثبت أن ما يتفوّه به الشيعة في حق الثلاثة رضي الله عنهم أو الخوارج في حق عثمان وعلي رضي الله عنهما قول غير قابل للالتفات.

٨ ـ وقال الله تعالى في سورة الفتح في حق المهاجرين والأنصار الذين كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في صلح الحديبية : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الفتح : ٢٦] فقال في حقهم أربعة أمور : الأول : انهم شركاء للرسول في نزول السكينة. والثاني : انهم مؤمنون. والثالث : ان كلمة التقوى لازمة غير منفكة عنهم. والرابع : انهم كانوا أحق بكلمة التقوى وأهلها. ولا شك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في هؤلاء المهاجرين ، فثبت لهما ولسائرهم هذه الأمور الأربعة. ومن اعتقد في حقهم غير هذه فعقيدته باطلة مخالفة للقرآن.

٩ ـ وقال الله تعالى أيضا في سورة الفتح : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ...) [الفتح : ٢٩]. فمدح الصحابة بكونهم أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم وكونهم راكعين وساجدين ومبتغين فضل الله ورضوانه. فمن اعتقد من مدّعي الإسلام في حقهم غير هذا فهو مخطئ.

١٠ ـ وقال الله تعالى في سورة الحجرات : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات : ٧]. فعلم أن الصحابة كانوا محبي الإيمان كارهي الكفر والفسق والعصيان وكانوا راشدين. فاعتقاد ضد هذه الأشياء في حقهم خطأ.

١١ ـ وقال الله تعالى في سورة الحشر : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٨ ـ ٩]. فمدح الله المهاجرين والأنصار بستة أوصاف : الأول : أن

٣٥٨

هجرة هؤلاء المهاجرين ما كانت لأجل الدنيا بل كانت لأجل ابتغاء مرضاة الله. والثاني : انهم كانوا ناصرين لدين الله ورسوله. والثالث : انهم كانوا صادقين قولا وفعلا. والرابع : ان الأنصار كانوا يحبون من هاجر إليهم. والخامس : انهم كانوا يسرون إذا حصل شيء للمهاجرين. والسادس : انهم كانوا يقدمونهم على أنفسهم مع احتياجهم. وهذه الأوصاف الستة تدلّ على كمال الإيمان. ومن اعتقد في حقهم غير هذا فهو مخطئ. وهؤلاء الفقراء من المهاجرين كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله عنه : يا خليفة رسول الله. والله يشهد على كونهم صادقين ، فوجب أن يكونوا صادقين في هذا القول أيضا. ومتى كان الأمر كذلك وجب الجزم بصحة إمامته.

١٢ ـ وقال الله تعالى في سورة آل عمران : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران : ١١٠]. فمدح الله الصحابة بثلاثة أوصاف : الأول : انهم خير أمة. والثاني : انهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. والثالث : انهم كانوا مؤمنين بالله. وهكذا الآيات الأخر. لكني لخوف التطويل أكتفي على اثني عشر موضعا على عدد الحواريين لعيسى عليه‌السلام وعدد الأئمة الطاهرين الاثني عشر رضي الله عنهم أجمعين. وأنقل خمسة أقوال من أقوال أهل البيت عليهم‌السلام على عدد الخمسة الطاهرين عليهم‌السلام.

١ ـ في نهج البلاغة الذي هو كتاب معتبر عند الشيعة قول علي رضي الله عنه هكذا : «لله در فلان فلقد قوم الأولاد ، وداوى العمد ، وأقام السنة ، وخلف البدعة. ذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها ، وسبق شرها ، أدّى إلى الله طاعته ، وأتقاه بحقه. رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيه الضال ويستيقن المهتدي». انتهى. والمراد بفلان ، على مختار أكثر الشارحين منهم البحراني أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعلى مختار بعض الشارحين ، عمر الفاروق رضي الله عنه. فذكر علي رضي الله عنه عشرة أوصاف من أوصاف أبي بكر أو عمر رضي الله عنه. فلا بدّ من وجودها فيه. ولما ثبتت هذه الأوصاف له بعد مماته ، بإقرار علي رضي الله عنه. فما بقي في صحة خلافته شك.

٢ ـ وفي كشف الغمة الذي هو تصنيف علي بن عيسى الأردبيلي الاثني عشري الذي هو من الفضلاء المعتمدين عند الإمامية : «سئل الإمام جعفر عليه‌السلام عن حلية السيف هل يجوز؟ فقال : نعم ، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. فقال الراوي : أتقول هكذا؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال : نعم الصديق ، نعم الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل له الصديق فلا

٣٥٩

صدق الله قوله في الدنيا والآخرة». فثبت بإقرار الإمام الهمام أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صدّيق حق ، منكره كاذب في الدنيا والآخرة.

٣ ـ ووقع في بعض مكاتيب علي رضي الله عنه على ما نقل شارحو نهج البلاغة في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هكذا : «لعمري أن مكانهما من الإسلام العظيم وأن المصاب بهما لحرج في الإسلام شديد رحمهما‌الله وجزاهما الله بأحسن ما عملا».

٤ ـ ونقل صاحب الفصول الذي هو من كبار علماء الإمامية الاثني عشرية عن الإمام الهمام محمد الباقر رضي الله عنه هكذا : «إنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان ألا تخبروني أنتم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله. قالوا لا. قال فأنتم من الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم. قالوا لا. قال أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين ، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحشر : ١]. فالخائض في الصدّيق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم خارج عن الفرق الثلاث الذين مدحهم الله بشهادة الإمام الهمام رضي الله عنه.

٥ ـ وفي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن العسكري رضي الله عنه وعن آبائه الكرام : «ان الله أوحى إلى آدم ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآل محمد وأصحاب محمد ما لو قسمت على كل عدد ما خلق الله من طول الدهر إلى آخره وكانوا كفارا لأدّاهم إلى عاقبة محمودة وإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنّة. وان من يبغض آل محمد وأصحابه أو واحدا منهم يعذبه الله عذابا لو قسم على مثل خلق الله لأهلكهم أجمعين». فعلم أن المحبة ما يكون بالنسبة إلى الآل والأصحاب رضي الله عنهم لا بالنسبة إلى أحدهما ، وأن بغض واحد من الآل والأصحاب كاف للهلاك. نجانا الله من سوء الاعتقاد في حق الصحابة والآل رضوان الله عليهم أجمعين ، وأماتنا على حبهم. ونظرا إلى الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة اتفق أهل الحق على وجوب تعظيم الصحابة رضي الله عنهم.

الشّبهة الثانية : (١) إن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الحالات المحمدية والمعجزات الأحمدية بأعينهم ، وما سمعوا أقوال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه بلا واسطة ، بل سمعوها بالتواتر بعد مائة سنة أو مائتي سنة من وفاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار.

__________________

(١) يتابع المؤلف مطالعته في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث (الفصل الرابع).

٣٦٠