إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

إظهار الحق - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

وهذا غلط بداهة. لأن أعمار الذين كانوا في الزمان الأول كانت أطول من أعمار الذين كانوا في الزمان الثاني.

٤٤ ـ الأجيال في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة التي ذكرها متّى ثمانية عشر لا أربعة عشر ، كما يظهر في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام. ولذلك قال نيومن متأسّفا ومتحسّرا : إنه كان تسليم اتحاد الواحد والثلاثة ضروريا في الملّة المسيحية ، والآن تسليم اتحاد ثمانية عشر وأربعة عشر أيضا ضروري ، لأنه لا احتمال لوقوع الغلط في الكتب المقدسة.

٤٥ و ٤٦ ـ في الآية الثامنة من الباب الأول من إنجيل متّى هكذا «يورام ولد عوزيا». وهذا غلط بوجهين : الأول : انه يعلم منه أن عوزيا بن يورام وليس كذلك ، لأنه ابن احزيا بن يواش بن أمصياه بن يورام. وثلاثة أجيال ساقطة هاهنا ، وهذه الثلاثة كانوا من السلاطين المشهورين ، وأحوالهم مذكورة في الباب الثامن والثاني عشر والرابع عشر من سفر الملوك الثاني والباب الثاني والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام. ولا يعلم وجه وجيه لإسقاط هذه الأجيال سوى الغلط ، لأن المؤرّخ إذا عيّن زمانا وقال إن الأجيال الكذائية مضت في مدة هذا الزمان وترك قصدا أو سهوا بعض الأجيال ، فلا شك أنه يسفّه ويغلّط. والثاني : أن اسمه عزيا لا عوزيا ، كما في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام والباب الرابع عشر والخامس عشر من سفر الملوك الثاني.

٤٧ ـ في الآية الثانية عشر من الباب الأول من إنجيل متّى أن زربابل بن شلتائيل. وهو غلط أيضا لأنه ابن فدايا وابن أخ لشلتائيل ، كما هو مصرّح في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام.

٤٨ ـ في الآية الثالثة عشر من الباب الأول من إنجيل متّى أن أبي هود ابن زور بابل. وهو غلط أيضا ، لأن زور بابل كان له خمسة بنين ، كما هو مصرّح في الآية التاسعة عشرة من الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام ، وليس فيهم أحد مسمّى بهذا الاسم. فهذه أحد عشر غلطا صدرت عن متّى في بيان نسب المسيح فقط. وقد عرفت في القسم الأول من هذا الفصل اختلافات بيانه ببيان لوقا. فلو ضممنا الاختلافات بالأغلاط صارت سبعة عشر. ففي هذا البيان خدشة بسبعة عشر وجها.

٤٩ ـ كتب متّى في الباب الثاني من إنجيله قصة مجيء المجوس إلى أورشليم برؤية نجم المسيح في المشرق ، ودلالة النجم إيّاهم بأن تقدّمهم حتى جاء ووقف فوق الصبي. وهذا غلط ، لأن حركات السبع السيّارة ، وكذا الحركة الصادقة لبعض ذوات الأذناب من

١٠١

المغرب إلى المشرق ، والحركة لبعض ذوات الأذناب من المشرق إلى المغرب. فعلى هاتين الصورتين يظهر كذبها يقينا ، لأن بيت لحم من أورشليم إلى جانب الجنوب. نعم دائرة حركة بعض ذوات الأذناب تميل من الشمال إلى الجنوب ميلا ما ، لكن هذه الحركة بطيئة جدا من حركة الأرض التي هي مختار حكمائهم الآن ، فلا يمكن أن تحسر هذه الحركة إلّا بعد مدة ، وفي المسافة القليلة لا تحسّ بالقدر المعتدّ به ، بل مشي الإنسان يكون أسرع كثيرا من حركته. فلا مجال لهذا الاحتمال ، ولأنه خلاف علم المناظر أن يرى وقوف الكوكب أولا ، ثم يقف المتحرّك ، بل يقف المتحرّك أولا ثم يرى فوقه.

٥٠ ـ في الباب الأول من إنجيل متّى : «وهذا كله كان لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل : وهو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدّعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا». والمراد بالنبيّ عند علمائهم أشعيا عليه‌السلام ، حيث قال في الآية الرابعة عشر من الباب السابع من كتابه هكذا : «لأجل هذا يعطيكم الرب عينه علامة : ها العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل». أقول هو غلط بوجوه : الأول : إن اللفظ الذي ترجمه الإنجيلي ومترجم كتاب أشعيا بالعذارء هو علمه مؤنث علم ، والهاء فيه للتأنيث ، ومعناه عند علماء اليهود المرأة الشابّة ، سواء كانت عذراء أو غير عذراء. ويقولون إن هذا اللفظ وقع في الباب الثلاثين من سفر الأمثال ، ومعناه هاهنا المرأة الشابّة التي زوّجت. وفسّر هذا اللفظ في كلام أشعيا بالمرأة الشابة في التراجم عندهم قديمة. يقولون إن الأولى ترجمت سنة ١٢٩ ، والثانية سنة ١٧٥ ، والثالثة سنة ٢٠٠ ، وكانت معتبرة عند القدماء المسيحيين ، سيما ترجمة تهيودوشن. فعلى تفسير علماء اليهود والتراجم الثلاثة ، فساد كلام متّى ظاهر. وقال فرّي في كتابه الذي صنّف في بيان اللغات العبرانية ، وهو كتاب معتبر مشهور بين علماء بروتستنت : إنه بمعنى العذراء والمرأة الشابّة. فعلى قول فرّي ، هذا اللفظ مشترك بين هذين المعنيين ، وقوله أولا ليس بمسلّم في مقابلة تفاسير أهل اللسان الذين هم اليهود ، وثانيا بعد التسليم. أقول حمله على العذراء خاصّة على خلاف تفاسير اليهود والتراجم القديمة محتاج إلى دليل. وما قال صاحب ميزان الحق في كتابه المسمّى بحلّ الإشكال : (ليس معنى هذا اللفظ إلّا العذراء). انتهى. فغلط ، يكفي في ردّه ما نقلت آنفا. الثاني : ما سمّى أحد عيسى عليه‌السلام بعمانوئيل لا أبوه ولا أمه ، بل سمّياه يسوع ، وكان الملك قال لأبيه في الرؤيا : (وتدعو اسمه يسوع) ، كما هو مصرّح في إنجيل متّى. وكان جبريل قال لأمه : (ستحبلين وتلدين ابنا وتسمّينه يسوع) ، كما هو مصرّح في إنجيل لوقا. ولم يدّع عيسى عليه‌السلام في حين من الأحيان أيضا أن اسمي عمانوئيل. والثالث : القصة التي وقع فيها هذا القول تأبى أن يكون

١٠٢

مصداق هذا القول عيسى عليه‌السلام لأنها هكذا : إن راصين ملك آرام وفاقاح ملك إسرائيل جاءا إلى أورشليم لمحاربة أحاز بن يوبان ملك يهوذا ، فخاف خوفا شديدا من اتفاقهما. فأوحى الله إلى أشعيا أن تقول لتسلية أحاز : لا تخف فإنهما لا يقدران عليك ، وستزول سلطنتهما. وبيّن علامة خراب ملكهما أن امرأة شابّة تحبل وتلد ابنا ، وتصير أرض هذين الملكين خربة قبل أن يميّز هذا الابن الخير عن الشرّ. وقد ثبت أن أرض فاقاح قد خربت في مدة إحدى وعشرين سنة من هذا الخبر. فلا بدّ أن يتولّد هذا الابن قبل هذه المدة ، وتخرب لا قبل تميّزه. وعيسى عليه‌السلام تولد بعد سبعمائة وإحدى وعشرين سنة من خرابها. وقد اختلف أهل الكتاب في مصداق هذا الخبر. فاختار البعض أن أشعيا عليه‌السلام يريد بالمرأة زوجته ، ويقول إنها ستحبل وتلد ابنا وتصير أرض الملكين اللذين تخاف منها خربة قبل أن يميّز هذا الابن الخير عن الشرّ ، كما صرّح داكتر بنسن. أقول : هذا هو الحريّ بالقبول وقريب من القياس.

٥١ ـ الآية الخامسة عشر من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا : «وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل : من مصر دعوت ابني». والمراد بالنبي القائل هو يوشع عليه‌السلام. وأشار الإنجيلي إلى الآية الأولى من الباب الحادي عشر من كتابه. وهذا غلط. لا علاقة لهذه الآية بعيسى عليه‌السلام ، لأنها هكذا : «إن إسرائيل منذ كان طفلا أنا أحببته ومن مصر دعوت أولاده». كما في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١. فهذه الآية في بيان الإحسان الذي فعله الله في عهد موسى عليه‌السلام على بني إسرائيل. وحرّف الإنجيلي صيغة الجمع ، بالمفرد ، وضمير الغائب بالمتكلّم ، فقال ما قال وحرّف لأتباعه مترجم العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ أيضا. لكن لا يخفى خيانته على من طالع هذا الباب ، لأنه وقع في حقّ المدعوّين بعد هذه الآية : كلما دعوا ولّوا وجوههم وذبحوا البعاليم وقرّبوا للأصنام. ولا تصدق هذه الأمور على عيسى عليه‌السلام ، بل لا تصدق على اليهود الذين كانوا معاصريه ، ولا على الذين كانوا قبل ميلاده إلى خمسمائة سنة ، لأن اليهود كانوا تابوا عن عبادة الأوثان توبة جيدة قبل ميلاده بخمسمائة وستّ وثلاثين سنة بعد ما أطلقوا من أسر بابل ، ثم لم يحوموا حولها بعد تلك التوبة كما هو مصرّح في التواريخ.

٥٢ ـ الآية السادسة عشر من الباب الثاني من إنجيل متّى هكذا : «حينئذ لمّا رأى هيرودس أن المجوس سخروا به ، غضب جدّا ، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس». وهذا أيضا غلط نقلا وعقلا. أما نقلا فلأنه ما كتب أحد من المؤرخين الذين يكونون معتبرين ولا يكونون مسيحيين هذه الحادثة ، لا يوسيفس ولا غيره من علماء اليهود الذين كانوا يكتبون

١٠٣

زمائم هيرودس ويتصفحون عيوبه وجرائمه. وهذه الحادثة ظلم عظيم وعيب جسيم. فلو وقعت لكتبوها على أشنع حالة ، وإن كتبها أحد من المؤرّخين المسيحيين ، فلا اعتماد على تحريره ، لأنه مقتبس من هذا الإنجيل. وأما عقلا فلأن بيت لحم كانت بلدة صغيرة لا كبيرة ، وكانت قريبة من أورشليم لا بعيدة ، وكانت في تسلّط هيرودس لا في تسلّط غيره. فكان يقدر قدرة تامّة على أسهل وجه أن يحقّق أن المجوس كانوا جاءوا إلى بيت فلان وقدّموا هدايا لفلان ابن فلان ، وما كان محتاجا إلى قتل الأطفال المعصومين.

٥٣ ـ من الباب الثاني من إنجيل متّى هكذا : «١٧ حينئذ تمّ ما قيل بأرميا النبيّ القابل ١٨ صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنفسهم ليسوا بموجودين». وهذا أيضا غلط وتحريف من الإنجيلي. لأن هذا المضمون وقع في الآية الخامسة عشر من الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرميا. ومن طالع الآيات التي قبلها وبعدها ، علم أن هذا المضمون ليس في حادثة هيرود بل في حادثة بخت نصّر التي وقعت في عهد أرميا فقتل فيها ألوف من بني إسرائيل وأسر ألوف منهم وأجلوا إلى بابل. ولمّا كان فيهم كثير من آل راحيل أيضا تألم روحها في عالم البرزخ فوعد الله أنه يرجع أولادك من أرض العدو إلى تخومهم (١).

٥٤ ـ الآية الثالثة والعشرون من الباب الثاني من إنجيل متّى هكذا : «وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة ، لكي يتمّ ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريا». وهذا أيضا غلط ، ولا يوجد في كتاب من كتب الأنبياء ، وينكر اليهود هذا الخبر أشدّ الإنكار. وعندهم هذا زور وبهتان ، بل يعتقدون أنه لم يقم نبيّ من الجليل فضلا عن ناصرة ، كما هو مصرّح في الآية الثانية والخمسين من الباب السابع من إنجيل يوحنّا. وللعلماء المسيحية اعتذارات ضعيفة غير قابلة للالتفات. فظهر للناظر أن سبعة عشر غلطا صدرت عن متّى في البابين الأوّلين.

٥٥ ـ الآية الأولى من الباب الثالث من إنجيل متّى في التراجم العربية المطبوعة سنة ١٦٧١ ، وسنة ١٨٢١ ، وسنة ١٨٢٦ ، وسنة ١٨٥٤ ، وسنة ١٨٨٠ ، هكذا : «وفي تلك الأيام جاء يوحنّا المعمدان يكرز في برية اليهودية». وفي التراجم الفارسية المطبوعة سنة ١٨١٦ ، وسنة ١٨٢٨ ، وسنة ١٨٤١ ، وسنة ١٨٤٢ ، (ع) هكذا : «اندر آن أيام يحيى تعميد دهنده در بيابان يهودية ظاهر كشت». ولمّا كان في آخر الباب الثاني ذكر جلوس أرخيلاوس على سرير اليهودية بعد موت أبيه ، وانصرف يوسف مع زوجته وأبيه إلى نواحي الجليل وإقامته في

__________________

(١) يعلم من تحرير أرميا وتصديق الإنجيلي أن الأموات يظهر لهم في عالم البرزخ حال أقاربهم الذين في الدنيا فيتألمون بمصائبهم ، وهذا مخالف لعقيدة فرقة بروتستنت.

١٠٤

ناصرة ، يكون المشار إليه بلفظ تلك هذه المذكورات. فيكون معنى الآية : لمّا جلس أرخيلاوس على سرير السلطنة وانصرف يوسف النجّار إلى نواحي الجليل ، جاء يوحنّا المعمدان إلخ ... وهذا غلط يقينا. لأن وعظ يحيى كان بعد ثمانية وعشرين عاما من الأمور المذكورة.

٥٦ ـ الآية الثالثة من الباب الرابع عشر من إنجيل متّى هكذا : «فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنّا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه». وهذا غلط. لأن اسم زوج هيروديا كان هيرودس أيضا لا فيلبس ، كما صرّح يوسيفس في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر من تاريخه.

٥٧ ـ في الباب الثاني عشر من إنجيل متّى هكذا : «٣ فقال لهم : أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه ٤ كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحلّ أكله ولا للذين معه بل للكهنة». فقوله : (والذين معه ولا للذين معه) غلطان ، كما ستعرف في بيان الغلط الثاني والتسعين عن قريب.

٥٨ ـ الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبيّ القائل وأخذوا الثلاثين من الفضّة» إلخ ... وهذا غلط يقينا ، كما ستعرف في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني.

٥٩ ـ في الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «٥٢ وإذا حجاب الهيكل قد انشقّ إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشقّقت ٥٢ والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القدّيسين الراقدين ٥٣ وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين». وهذه الحكاية كاذبة. والفاضل نورتن حام للإنجيل ، لكنه أورد الدلائل على بطلانها في كتابه ، ثم قال : «هذه الحكاية كاذبة. والغالب أن أمثال هذه الحكايات كانت رائجة في اليهود بعد ما صارت أورشليم خرابا. فلعلّ أحدا كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متّى ، وأدخلها الكتاب في المتن. وهذا المتن وقع في يد المترجم فترجمها على حسبه». انتهى. ويدلّ على كذبها وجوه : الأول : إن اليهود ذهبوا إلى بيلاطس في اليوم الثاني من الصّلب قائلين : يا سيد قد تذكّرنا أن ذلك المضلّ قال في حياته : إني أقوم بعد ثلاثة أيام ، فمر الحارسين أن يضبطوا القبر إلى اليوم الثالث. وقد صرّح متّى في هذا الباب أن بيلاطس وامرأته كانا غير راضيين بقتله. فلو ظهرت هذه الأمور ما كان يمكن لهم أن يذهبوا إليه. والحال أن حجاب الهيكل منشقّ ، والصخور متشقّقة ، والقبور مفتوحة ، والأموات حيّة إلى هذا الحين ، وان يقولوا إنه كان مضلّا لأن بيلاطس ، لمّا كان غير راض من

١٠٥

أول الوهلة ورأى هذه الأمور أيضا ، لصار عدوّا لهم وكذّبهم. وكذا كان ألوف من الناس يكذّبونهم. الثاني : إن هذه الأمور آيات عظيمة ، فلو ظهرت لآمن كثير من الروم واليهود على ما جرت به العادة. ألا ترى أنه لمّا نزل روح القدس على الحواريين وتكلموا بألسنة مختلفة تعجّب الناس وآمن نحو ثلاثة آلاف رجل ، كما هو مصرّح في الباب الثاني من كتاب الأعمال؟ وهذه الأمور أعظم من حصول القدرة على التكلّم بألسنة مختلفة. الثالث : إن هذه الأمور العظيمة لمّا كانت ظاهرة ومشهورة ، يستبعد أن لا يكتبها أحد من مؤرّخي هذا الوقت غير متّى ، وكان لا يكتب أحد من مؤرّخي الزمان الذي هو قريب من الزمان المذكور ، وإن امتنع المخالف عن تحريرها لأجل سوء الديانة والعناد ، فلا بدّ أن يكتب الموافقون ، سيما لوقا الذي هو أحرص الناس في تحرير العجائب وكان متتبّعا بجميع الأمور التي فعلها عيسى عليه‌السلام ، كما يعلم من الباب الأول من إنجيله والباب الأول من كتاب الأعمال. وكيف يتصور أن يكتب الإنجيليّون كلهم أو أكثرهم الحالات التي ليست بعجائب ، ولا يكتب سائر الإنجيليين ولا أكثرهم هذه الأمور العجيبة كلها ، ويكتب مرقس ولوقا انشقاق الحجاب ويتركان الأمور الباقية؟ والرابع : إن الحجاب كان كتّانيّا في غاية اللّين ، فما معنى انشقاقه لأجل هذه الصدمة من فوق إلى أسفل؟ ولو انشقّ مع كونه كما ذكرنا فكيف بقي بناء الهيكل ولم ينهدم؟ وهذا الوجه مشترك الورود على الأناجيل الثلاثة. والخامس : إن قيام كثير من أجساد القدّيسين مناقض لكلام بولس. فإنه صرّح بأن عيسى عليه‌السلام أول القائمين ، وباكورة الراقدين ، كما عرفت في الاختلاف التاسع والثمانين. فالحق ما قال الفاضل نورتن وعلم من كلامه أن مترجم إنجيل متّى كان حاطب الليل ما كان يميّز بين الرّطب واليابس. فما رأى من المتن من الصحيح والغلط ترجمهما. أيعتمد على تحرير مثل هذا؟ لا والله.

٦٠ و ٦١ و ٦٢ ـ في الباب الثاني عشر من إنجيل متّى هكذا : «فأجاب وقال لهم : جيل شرّير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلّا آية يونان النبي ٤٠ لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال». والآية الرابعة من الباب السادس عشر من إنجيل متّى هكذا : «جيل شرّير فاسق يلتمس آية ولا تعطى له آية إلّا آية يونان النبي». فههنا أيضا يكون المراد بآية يونان النبيّ ، كما كان في القول الأول. وفي الآية الثالثة والستّين من الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى قول اليهود في حق عيسى عليه‌السلام هكذا : «إن ذلك المضلّ قال وهو حيّ : إني بعد ثلاثة أيام أقوم». وهذه الأقوال غلط. لأن المسيح صلب قريبا إلى نصف النهار من الجمعة ، كما يعلم من الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنّا ، ومات في الساعة التاسعة ، وطلب يوسف جسده من بيلاطس وقت المساء ، فكفّنه ودفنه ، كما هو مصرّح في إنجيل مرقس. فدفنه لا

١٠٦

محالة كان في ليلة السبت. وغاب هذا الجسد عن القبر قبل طلوع الشمس من يوم الأحد ، كما هو مصرّح في إنجيل يوحنّا. فما بقي في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال بل يوما وليلتين ، وما قام بعد ثلاثة أيام. فهذه أغلاط ثلاثة. ولمّا كانت هذه الأقوال غلطا ، اعترف پالس وشانر أن هذا التفسير من جانب متّى وليس من قول المسيح ، وقالا : «إن مقصود المسيح أن أهل نينوى كما آمنوا بسماع الوعظ وما طلبوا المعجزة ، كذلك فليرض الناس منّي بسماع الوعظ». انتهى كلامهما. فعلى تقريرهما نشأ الغلط من سوء فهم متّى ، وظهر أن متّى ما كتب إنجيله بالإلهام. فكما لم يفهم مراد المسيح هاهنا وغلط ، فكذلك يمكن عدم فهمه في مواضع أخر ، ونقله غلطا. فكيف يعتمد على تحريره اعتمادا قويا؟ وكيف يعدّ تحريره إلهاميّا؟ أيكون حال الكلام الإلهامي هكذا؟

٦٣ ـ في الباب السادس عشر من إنجيل متّى هكذا : «٢٧ فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله ٢٨ الحقّ أقول لكم إن من القيام هاهنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته». وهذا أيضا غلط. لأن كلّا من القائمين هناك ذاقوا الموت ، وصاروا عظاما بالية وترابا ، ومضى على ذوقهم الموت أزيد من ألف وثمانمائة سنة ، وما رأى أحد منهم ابن الله آتيا في ملكوته في مجد أبيه مع الملائكة مجازيا كلّا على حسب عمله.

٦٤ ـ الآية الثالثة والعشرون من الباب العاشر من إنجيل متّى هكذا : «ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى فإني الحقّ أقول لكم : لا تكمّلون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان». وهذا أيضا غلط. لأنهم أكملوا مدن إسرائيل وماتوا ومضى على موتهم أزيد من ألف وثمانمائة سنة وما أتى ابن الانسان في ملكوته. والقولان المذكوران قبل العروج ، وأقواله بعد العروج هذه.

٦٥ و ٦٦ و ٦٧ و ٦٨ ـ في الآية الحادية عشرة من الباب الثالث من كتاب المشاهدات قول عيسى عليه‌السلام هكذا : «ها أنا آت سريعا». وفي الباب الثاني والعشرين من الكتاب المذكور أقوال عيسى عليه‌السلام هكذا : «٧ ها أنا آت سريعا ١٠ لا تختم على أقوال نبوّة هذا الكتاب لأن الوقت قريب ٣٠ أنا آت سريعا. وحال هذه الأقوال كما علمت. فبحسب هذه الأقوال المسيحية كانت الطبقة الأولى تعتقد أن عيسى عليه‌السلام ينزل في عهدهم والقيامة قريبة ، وانهم في الزمان الأخير. وسيظهر لك في الفصل الرابع أن علماءهم يعترفون أيضا أن عقيدتهم كانت هذه. ولذلك أشاروا إلى هذه الأمور في تحريراتهم ، كما سينكشف لك من أقوالهم الآتية.

الغلط التاسع والستّون إلى الخمسة والسبعين : ١ ـ الآية الثامنة من الباب الخامس من

١٠٧

رسالة يعقوب هكذا : «فتأتوا أنتم وثبّتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب». ـ والآية السابعة من الباب الرابع من الرسالة الأولى لبطرس هكذا : «وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعلّقوا واصحوا للصلوات». ـ وفي الآية الثامنة عشرة من الباب الثاني من الرسالة الأولى ليوحنّا هكذا : «ألا أيّها الأولاد هي الساعة الأخيرة». ٤ ـ وفي الباب الرابع من الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي هكذا : «١٥ فإننا نقول لكم هذا بكلام الربّ إننا نحن الأحياء الباقون إلى مجيء الربّ لا نسبق الراقدين ١٦ لأن الربّ نفسه يهتف بصوت رئيس الملائكة ، وبوق الله سوف ينزل من السماء ، والأموات في المسيح سيقومون أولا ١٧ ثم نحن الأحياء الباقون سنخطف جميعا معهم في السّحب لملاقاة الربّ في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الربّ». ٥ ـ وفي الآية الخامسة من الباب الرابع من رسالة بولس إلى أهل فيلبس هكذا : «الرب قريب». ٦ ـ وفي الآية الحادية عشر من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور» : ٧ ـ وفي الباب الخامس عشر من الرسالة المذكورة : «٥١ هو ذا سرّ قوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغيّر ٥٢ في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر». فهذه الأقوال السبعة دالّة على ما ذكرنا. ولمّا كانت عقيدتهم كذا ، كانت هذه الأقوال كلها محمولة على ظاهرها غير مؤوّلة ، وتكون غلطا فهذه سبعة أغلاط.

٧٦ و ٧٧ و ٧٨ ـ في الباب الرابع والعشرين من إنجيل متّى ، ان عيسى عليه‌السلام كان جالسا على جبل الزيتون ، فتقدّموا إليه فسألوه عن علامات زمان يصير فيه المكان المقدس خرابا وينزل فيه عيسى عليه‌السلام من السماء وتقوم فيه القيامة ، فبيّن علامات الكل. فبيّن أولا زمان كون المكان المقدّس خرابا ، ثم قال : وبعد هذه الحادثة في تلك الأيام بلا مهلة يكون نزولي ومجيء القيامة. ففي هذا الباب إلى الآية الثامنة والعشرين يتعلق بكون المكان المقدّس خرابا. ومن الآية التاسعة والعشرين إلى الآخر يتعلق بالنزول ومجيء القيامة. وهذا هو مختار الفاضل پالس وأستار وغيرهما من العلماء المسيحية ، وهو الظاهر المتبادر من السياق. ومن اختار غير ذلك فقد أخطأ ولا يصغى إليه. وبعض آيات هذا الباب هكذا ترجمة عربية سنة ١٨٦٠ : «٢٩ وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر ولا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوّات السموات تتزعزع ٣٠ حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء ، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ٣١ فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى أقصائها ٣٤ الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله ٣٥ السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول». والآية ٢٩ و ٣٤ من التراجم الأخر هكذا :

١٠٨

ترجمة عربية سنة ١٨٤٤ : «٢٩ وللوقت من بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والكواكب تسقط من السماء وقوّات السموات ترتجّ ٣٤ والحق أقول لكم إن هذا الجيل لا يزول حتى يكون هذا كله». تراجم فارسية سنة ١٨١٦ ، وسنة ١٨٢٨ ، وسنة ١٨٤١ ، وسنة ١٨٤٢ : «٢٩ وبعد أز زحمت أن أيام في الفور آفتاب تاريك خواهد شد إلخ. ٣٤ به درستى كه به شما مى كويم كه تا جميع اين جيرها كامل نكردد اين طبقة منقرض نخواهد كشت». فلا بدّ أن يكون لنزول ومجيء القيامة بلا مهلة معتدّة في الأيام التي صار المكان المقدس خرابا فيها ، كما يدلّ عليه قوله (وللوقت في تلك الأيام). ولا بدّ أن ينظر الجيل المعاصر لعيسى عليه‌السلام هذه الأمور الثلاثة ، كما كان ظن الحواريين والمسيحيين الذين كانوا في الطبقة الأولى ، لئلا يزول قول المسيح عليه‌السلام. ولكنه زال وما زال السماء والأرض ، وصار الحق باطلا والعياذ بالله. وكذا وقع في الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس والباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا. فهذه القصة فيها غلط أيضا. فاتفق الإنجيليون الثلاثة في تحرير الغلط وباعتبار الأناجيل الثلاثة ثلاثة أغلاط.

٧٩ و ٨٠ و ٨١ ـ في الآية الثانية من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متّى قول المسيح هكذا : «الحق أقول لكم إنه لا يترك هاهنا حجر على حجر لا ينقض». وصرّح علماء بروتستنت أنه لا يمكن أن يبقى في وضع بناء الهيكل بناء ، بل كلّما يبنى ينهدم ، كما أخبر المسيح. قال صاحب تحقيق دين الحق مدّعيا أن هذا الخبر من أعظم أخبار المسيح عن الحوادث الآتية في الصفحة ٣٩٤ من كتابه المطبوع سنة ١٨٤٦ هكذا : «إن السلطان جولين الذي كان بعد ثلاثمائة سنة من المسيح ، وكان قد ارتدّ عن الملّة المسيحية ، أراد أن يبني الهيكل مرة أخرى لإبطال خبر المسيح. فلما شرع خرج من أساسه نار ففرّ البناءون خائفين. وبعد ذلك لم يجترئ أحد أن يردّ قول الصادق الذي قال إن السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول». انتهت ترجمة كلامه ملخصة. والقسّيس دكتر كيث كتب كتابا باللسان الإنكليزي في ردّ المنكرين ، وترجمه القسّيس مريك باللسان الفارسي ، وسمّاه بكشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل ، طبع هذا الكتاب في دار السلطنة أدن برغ سنة ١٨٤٦. وأنا أنقل ترجمة عبارته. فأقول إنه قال في الصفحة ٧٠ : «إن يولبان ملك الملوك أجاز اليهود وكلّفهم أن يبنوا أورشليم والهيكل ، ووعد أيضا أنه يقرّهم في بلدة أجدادهم. وشوق اليهود وغيرتهم ما كانا بأنقص من شوق ملك الملوك. فاشتغلوا ببناء الهيكل لكن لمّا كان هذا الأمر مخالفا لخبر عيسى عليه‌السلام ، فاستحال وإن كان اليهود في غاية الجدّ والاجتهاد في هذا الأمر. وكان ملك الملوك متوجّها وملتفتا إليه. ونقل المؤرّخ الوثني أن شعلات النار المهيبة خرجت من هذا المكان وأحرقت البنّائين فكفّوا أيديهم عن العمل». انتهى. وهذا الخبر غلط أيضا ، مثل

١٠٩

الخبر الذي بعده في هذا الباب. كتب طامس نيوتن تفسيرا على الأخبار عن الحوادث الآتية المندرجة في الكتب المقدسة وطبع هذا التفسير سنة ١٨٠٣ في بلدة لندن ، فقال في الصفحة ٦٣ و ٦٤ من المجلد الثاني من التفسير المذكور هكذا : «عمر رضي الله عنه كان ثاني الخلفاء ، وكان من أعظم المظفّرين الذي نشر الفساد على وجه الأرض كلها ، وكانت خلافته إلى عشرة سنين ونصف فقط. وتسلّط في هذه المدة على جميع مملكة العرب والشام وإيران ومصر وحاصر عسكره أورشليم ، وجاء بنفسه هاهنا وصالح المسيحيين بعد ما كانوا ضيّقي الصدر من طول المحاصرة سنة ٦٣٧ ، وسلّموا البلدة فأعطاهم شروطا ذات عزّ ، وما نزع كنيسة من كنائسهم بل طلب من الأسقف موضعا لبناء المسجد ، فأخبره الأسقف عن حجر يعقوب وموضع الهيكل السليماني. وكان المسيحيون ملئوا هذا الموضع بالسرقين والروث لأجل عناد اليهود ، فسرع عمر رضي الله عنه في تصفية هذا الموضع بنفسه ، واقتدى به العظام من عسكره في هذا الأمر الذي هو من عبادة الله وبنى مسجدا. وهذا هو المسجد الذي يبنى في أورشليم أولا ، وصرّح به بعض المؤرّخين أن عبدا من العبيد قتل عمر في هذا المسجد ، ووسّع هذا المسجد عبد الملك بن مروان الّذي هو ثاني عشر من الخلفاء». انتهى. وفي كلام هذا المفسّر ، وإن وقع غلط ما ، لكنه يوجد فيه أن عمر رضي الله عنه بنى أولا المسجد في موضع الهيكل السليماني ، ثم وسّعه عبد الملك بن مروان. وهذا المسجد إلى الآن موجود ومضى على بنائه أزيد من ألفين ومائتي سنة. فكيف زال قول المسيح ، على ما زعموا ، ولم تزل السماء والأرض؟ ولمّا كان هذا القول منقولا في الآية الثانية من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس والآية السادسة من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا أيضا ، فيكون كاذبا باعتبار هذين الإنجيلين أيضا. فهذه أغلاط ثلاثة باعتبار الأناجيل الثلاثة.

٨٢ ـ الآية الثامنة والعشرون من الباب التاسع عشر من إنجيل متّى هكذا : «فقال لهم يسوع : الحقّ أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد ، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيّا». فشهد عيسى للحواريين الاثني عشر بالفوز والنجاة والجلوس على اثني عشر كرسيا. وهو غلط. لأن آل يهوذا الإسخريوطي الواحد من الاثني عشر قد ارتدّ ومات مرتدّا جهنميا على زعمهم ، فلا يمكن أن يجلس على الكرسي الثاني عشر.

٨٣ ـ الآية الحادية والخمسون من الباب الأول من إنجيل يوحنّا هكذا : «وقال له :

الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان». هذا أيضا غلط. لأن هذا القول كان بعد الاصطباغ وبعد نزول روح القدس ، ولم ير أحد بعدهما أن تكون السماء مفتوحة ، وتكون ملائكة الله صاعدة ونازلة على عيسى عليه

١١٠

السلام. ولا أنفي مجرد رؤية الملك النازل ، بل أنفي أن يرى أحد أن تكون السماء مفتوحة وتكون ملائكة الله صاعدة ونازلة عليه ، يعني مجموع الأمرين كما وعد.

٨٤ ـ في الآية الثالثة عشر من الباب الثالث من إنجيل يوحنّا هكذا : «ليس أحد صعد إلى السماء إلّا الذي نزل من السماء ابن الله الذي هو في السماء». وهذا غلط أيضا. لأن أخنوخ وإيلياء عليهما‌السلام رفعا إلى السماء وصعدا إليها ، كما هو مصرّح في الباب الخامس من سفر التكوين والباب الثاني من سفر الملوك الثاني.

٨٥ ـ الآية الثالثة والعشرون من الباب الحادي عشر من إنجيل مرقس هكذا : «لأني الحقّ أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ، ولا يشكّ في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون له ، فيكون له مهما قال». وفي الباب السادس عشر من إنجيله هكذا : «١٧ وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة ١٨ يحملون حيّات وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرّهم ، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرءون». والآية الثانية عشرة من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : «الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي». فقوله من قال لهذا الجبل إلخ عامّ لا يختصّ بشخص دون شخص ، وزمان دون زمان ، بل لا يختصّ بالمؤمن بالمسيح أيضا. وكذا قوله : (تتبع المؤمنين) عامّ لا يختصّ بالحواريين ولا بالطبقة الأولى. وكذا قوله : (من يؤمن بي) عامّ لا يختصّ بشخص وبزمان ، وتخصيص هذه الأمور بالطبقة الأولى لا دليل عليه غير الادّعاء البحت. فلا بدّ أن يكون الآن أيضا ان من قال لجبل انطرح في البحر ولا يشكّ في قلبه فيكون له مهما قال ، وأن يكون من علامة من آمن بالمسيح في هذا الزمان أيضا الأشياء المذكورة ، وأن يفعل مثل أفعال المسيح ، بل أعظم منها. والأمر ليس كذلك وما سمعنا أن أحدا من المسيحيين فعل أفعالا أعظم من أفعال المسيح ، لا في الطبقة الأولى ولا بعدها. فقوله : (ويعمل أعظم منها) غلط يقينا لا مصداق له في طبقة من طبقات المسيحيين. والأعمال التي تكون من أعمال المسيح ما صدرت عن الحواريين وغيرهم من الطبقات التي بعدهم. وعلماء بروتستنت معترفون بأن صدور خوارق العادات بعد الطبقة الأولى لم يثبت بدليل قوي. ورأينا في الهند عمدة زمرة المسيحيين أعني العلماء من فرقة كاتلك وبروتستنت يجتهدون في تعلّم لسان أوردو مدة ولا يقدرون على التكلّم بهذا اللسان تكلّما صحيحا ، ويستعملون صيغ المذكّر في المؤنّث ، فضلا عن إخراج الشياطين وحمل الحيّات وشرب السّموم وشفاء المرضى. فالحقّ ان المسيحيين المعاصرين لنا ليسوا بمؤمنين بعيسى عليه‌السلام حقيقة. ولذلك الأمور المذكورة مسلوبة عنهم وادّعى كبراؤهم الكرامات في بعض الأحيان ، لكنهم خرجوا في ادّعائهم كاذبين. وأذكر هاهنا

١١١

حكايتين مشتملتين على حال المعظّمين من عظماء فرقة بروتستنت من كتاب (مرآة الصدق) الذي ترجمه القسّيس طامس أنكلس من علماء كاتلك من اللسان الإنكليزي إلى لسان أوردو ، وطبع هذا الكتاب سنة ١٨٥١. قال في الصفحة ١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٧ : «الحكاية الأولى : أراد لوطر في دستمنتر سنة ١٥٤٣ أن يخرج الشيطان من ولد مسينا ، لكنه جرى معه ما جرى باليهود الذين كانوا أرادوا إخراج الشيطان. وهو مصرّح في الآية السادسة عشرة من الباب التاسع عشر من كتاب الأعمال ، إن الشيطان وثب على لوطر وجرحه ومن كان معه. فلما رأى استافيلس أن الشيطان أخذ عنق أستاذه لوطر ويخنقه ، أراد أن يفرّ. ولمّا كان مسلوب الحواس ما قدر على أن يفتح قفل الباب ، فأخذ الفأس الذي أعطاه خادمه من الكوّة ، وكسر الباب وفرّ ، كما هي مصرّحة في الصفحة ١٠٤ من المعذرة التامّة لاستافيلس. الحكاية الثانية : ذكر بلسيك وايل سوريس المؤرّخ في حال كالوين الذي هو أيضا من كبار فرقة بروتستنت مثل لوطر ، أن كالوين أعطى رشوة لشخص مسمّى ببروميس على أن يستلقي ويجعل نفسه كالميت بحبس النفس ، وإذا أحضر وأقول يا بروميس الميت قم وأحي ، فتحرّك وقم قياما ما ، كأنك كنت ميتا فقمت. وقال لزوجته : إذا جعل زوجك هيئته كالميت فابكي واصرخي. ففعلا كما أمر. واجتمعت النساء الباكيات عندها. فجاء كالوين وقال لا تبكين أنا أحييه. فقرأ الأدعية ، ثم أخذ يد بروميس ، ونادى باسم ربّنا أن قم. لكن حيلته صارت بلا فائدة لأن بروميس مات حقيقة. وانتقم الله منه لأجل هذه الخديعة التي كانت فيها إهانة معجزة الصادق. وما أثّرت أدعية كالوين ، ولا وقاه. فلما رأت زوجته هذا الحال بكت بكاء شديدا ، وصرخت بأن زوجي كان حيّا وقت العهد والميثاق ، والآن ميّت كالحجر وبارد». انتهى. فانظروا إلى كرامات أعاظمهم. وهذان المعظّمان أيضا كانا مقدّسين في عهدهما مثل مقدسهم المشهور بولس. فإذا كان حالهما هكذا فكيف حال متّبعيهما؟ والبابا إسكندر السادس الذي رأس الكنيسة الرومانية وخليفة الله على الأرض ، على زعم فرقة كاتلك ، شرب السمّ الذي كان هيّأه لغيره ، فمات ولمّا كان حال رأس الكنيسة وخليفة الله هكذا ، فكيف يكون حال رعاياه؟ فرؤساء كلا الفريقين محرومون من العلامات المذكورة.

٨٦ ـ الآية السابعة والعشرون من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا : «ابن يوحنّا بن ريسا بن زربابل بن شلتيئل بن نيري». وفي هذه الآية ثلاثة أغلاط : الأول : إن بني زور بابل مصرّحون في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام ، وليس فيه أحد مسمّى بهذا الاسم. وإن هذا مخالف لما كتب متّى أيضا. الثاني : إن زور بابل ابن فدايا ابن شلتيئل. نعم هو ابن الأخ له. الثالث : إن شلتيئل ابن يوخانيا لا ابن نيري كما صرّح به متّى.

٨٧ ـ قال لوقا في الباب الثالث : «شالخ بن قينان بن أرفحشذ» ، لا ابن ابنه ، كما هو

١١٢

مصرّح في الباب الحادي عشر من سفر التكوين. والباب الأول من سفر الأول من أخبار الأيام. ولا اعتبار للترجمة في مقابلة النسخة العبرانية عند جمهور علماء بروتستنت ، فلا يصحّ ترجيح بعض للتراجم لو توافق ذلك البعض إنجيل لوقا عندهم ولا عندنا ، بل نقول في هذا البعض تحريف المسيحيين ليطابق إنجيلهم.

٨٨ ـ في الباب الثاني من إنجيل لوقا هكذا : «وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذا كان كيرينيوس والي سورية». وهذا غلط ، لأن المراد بكل المسكونة أما أن يكون جميع ممالك سلطنة روما وهو الظاهر ، أو جميع مملكة يهودا. ولم يصرّح أحد من القدماء المؤرّخين اليونانيين الذين كانوا معاصرين للوقا أو متقدمين عليه قليلا في تاريخه هذا الاكتتاب المقدّم على ولادة المسيح. وإن ذكر أحد من الذين كانوا بعد لوقا بمدة مديدة ، فلا سند لقوله ، لأنه ناقل عنه. ومع قطع النظر عن هذا ، كان كيرينيوس والي سورية بعد ولادة المسيح بخمس عشرة سنة ، فكيف يتصوّر في وقته الاكتتاب الذي كان قبل ولادة المسيح بخمس عشرة سنة؟ وكذا كيف يتصوّر ولادة المسيح في عهده؟ أبقي حمل مريم عليها‌السلام إلى خمس عشرة سنة ، لأن لوقا أقرّ في الباب الأول أن حمل زوجة زكريا عليه‌السلام كان في عهد هيرود ، وحملت مريم بعد حملها بستّة أشهر ولمّا عجز البعض حكم بأن الآية الثانية إلحاقيّة ، ما كتبها لوقا.

٨٩ ـ الآية الأولى من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا : «وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر ، إذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية ، وهيرودس رئيس ربع على الجليل ، وفيلبس أخوه رئيس ربع على أيطورية وكورة تراخولينس وليسانيوس رئيس ربع على الإبلية». وفي بعض التراجم بدل الإبلية إبليني والمآل واحد ، وهذا غلط عند المؤرّخين لأنه لم يثبت عندهم أن أحدا كان رئيس ربع على الإبلية مسمّى بلسانيوس معاصرا لبيلاطس وهيرودس.

٩٠ ـ الآية التاسعة عشرة من الباب المذكور : «أما هيرودس رئيس الربع فإذ توبّخ منه بسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه» إلخ. وهو غلط ، كما عرفت في الغلط السادس والخمسين. وأقرّ مفسّروهم هاهنا أنه غلط وقع من غفلة الكاتب ، كما ستعرف في الشاهد السابع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني. والحقّ أنه من لوقا لا من الكاتب المسكين.

٩١ ـ الآية السابعة عشرة من الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا : «لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنّا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه» إلى آخره ... وهذا غلط أيضا ، كما عرفت. فغلط الإنجيليون الثلاثة هاهنا ، واجتمع عدد

١١٣

التثليث ، وحرّف المترجم الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٢١ وسنة ١٨٤٤ في عبارة متّى ولوقا ، فأسقط لفظ فيلبس. لكن المترجمين الآخرين لم يتّبعوه في هذا الأمر. ولمّا كان هذا الأمر من عادة أهل الكتاب ، فلا شكاية لنا منهم في هذا الأمر الخفيف.

٩٢ و ٩٣ و ٩٤ ـ في الباب الثاني من إنجيل مرقس هكذا : «٢٥ فقال لهم أما قرأتم قطّ ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه ٢٦ كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحلّ أكله إلّا للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضا». وهذا غلط ، وكذا قوله : (وأعطى الذين كانوا معه) غلط. ولأن رئيس الكهنة في تلك الأيام كان أخا ملك لأبياثار ، وأما أبياثار فهو ابن أخي ملك. فقوله : (في أيام أبياثار رئيس الكهنة) غلط. فهذه ثلاثة أغلاط من مرقس في الآيتين. وقد أقرّ بالغلط الثالث علماؤهم ، كما ستعرف في الشاهد التاسع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني. ويفهم كون الأمور الثلاثة أغلاطا من الباب الحادي والعشرين والثاني والعشرين من سفر صموئيل الأول.

٩٥ و ٩٦ ـ وقع في الباب السادس من إنجيل لوقا أيضا في بيان الحال المذكور هذان القولان : «والذين كانوا معه وأعطى الذين معه». وهما غلطان كما عرفت.

٩٧ ـ في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «وإنه ظهر للصفا ثم للاثني عشر». وهو غلط. لأن يهوذا الإسخريوطي كان قد مات قبل هذا. فما كان الحواريون إلّا أحد عشر. ولذلك كتب مرقس في الباب السادس عشر من إنجيله أنه (ظهر لأحد عشر).

٩٨ و ٩٩ و ١٠٠ ـ وقع قول المسيح في الباب العاشر من إنجيل متّى هكذا : «١٩ فمتى أسلموكم فلا تهتمّوا كيف أو بما تتكلمون ، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به ٢٠ لأنكم لستم المتكلّمين ، بل الذي يتكلم فيكم روح أبيكم». وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا هكذا : «١١ ومتى قدّموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتمّوا كيف أو بما تحتجّون أو بما تقولون ١٢ لأن روح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه». وفي الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس هذا القول مذكور أيضا. فصرّح الإنجيليّون الثلاثة الذين هم على وفق عدد التثليث ، ان عيسى عليه‌السلام كان وعد لمريديه أن الشيء الذي تقولونه عند الحكّام يكون بإلهام روح القدس ولا يكون من قولكم. وهذا غلط. وفي الباب الثالث والعشرين من كتاب أعمال الحواريين هكذا : «فتفرّس بولس في المجمع وقال : أيها الرجال الإخوة إني بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم ٢ فأمر حنانيا رئيس الكهنة

١١٤

الواقفين عنده أن يضربوه على فمه ٣ حينئذ قال له بولس : سيضربك الله أيها الحائط المبيض. أفأنت جالس تحكم على حسب الناموس وتأمر بضربي مخالفا للناموس؟ ٤ فقال الواقفون أتشتم رئيس كهنة الله؟ ٥ فقال بولس : لم أكن أعرف أيها الإخوة انه رئيس كهنة ، لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا. فلو كان القول المذكور صادقا ، لما غلط مقدسهم بولس الذي هو حواري في زعم المسيحيين كافّة من أهل التثليث ، باعتبار الصحبة الروحانية التي تشرّفت بها ذاته على زعمهم. وهو يدّعي بنفسه أيضا المساواة بأعظم الحواريين بطرس ، ولا ترجيح لحضرة بطرس عليه عند فرقة بروتستنت. فغلط هذا المقدس دليل عدم صدق القول المذكور. أيغلط روح القدس؟ وستعرف في الفصل الرابع أن علماءهم اعترفوا هاهنا بالاختلاف والغلط. ولمّا كان هذا الغلط باعتبار الأناجيل الثلاثة فهذا الغلط ثلاثة أغلاط على وفق عدد التثليث.

١٠١ و ١٠٢ ـ في الآية الخامسة والعشرين من الباب الرابع من إنجيل لوقا ، وفي الآية السابعة عشرة من الباب الخامس من رسالة يعقوب : «انه لم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستّة أشهر في زمان إيلياء الرسول». وهو غلط. لأنه يعلم من الباب الثامن عشر

من سفر الملوك الأول أن المطر نزل في السنة الثالثة. ولمّا كان هذا الغلط في إنجيل لوقا في قول المسيح ، وفي الرسالة في قول يعقوب ، فهما غلطان.

١٠٣ ـ وقع في الباب الأول من إنجيل لوقا في قول جبرائيل لمريم عليهما‌السلام في حق عيسى عليه‌السلام : «ويعطيه الربّ الإله كرسي داود أبيه ، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية». وهو غلط بوجهين : الأول : إن عيسى عليه‌السلام من أولاد يواقيم على حسب النسب المندرج في إنجيل متّى ، وأحد من أولاده لا يصلح أن يجلس على كرسي داود ، كما هو مصرّح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرمياء. والثاني : إن المسيح لم يجلس على كرسي داود ساعة ، ولم يحصل له حكومة على آل يعقوب ، بل قاموا عليه وأحضروه أمام كرسي بيلاطس ، فضربه وأهانه وسلّمه إليهم ، فصلبوه. على أنه يعلم من الباب السادس من إنجيل يوحنّا أنه كان هاربا من كونه ملكا ، ولا يتصوّر الهرب من أمر بعثه الله لأجله على ما بشّر جبريل أمه قبل ولادته.

١٠٤ ـ في الباب العاشر من إنجيل مرقس هكذا : «الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أمّا أو امرأة أو أولادا أو حقولا لأجلي ولأجل الإنجيل إلّا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا وإخوة وأخوات وأمّهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية». وفي الباب الثامن عشر من إنجيل لوقا في هذا الحال : «وينال العوض أضعافا كثيرة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي حياة الأبد». وهو غلط. لأنه إذا ترك

١١٥

الإنسان امرأة فلا يحصل له مائة امرأة في هذا الزمان ، لأنهم لا يجوّزون التزوّج بأزيد من امرأة ، وإن كان المراد بها المؤمنات بعيسى عليه‌السلام بدون النكاح يكون الأمر أفحش وأفسد. على أنه لا معنى لقوله : (أو حقولا مع اضطهادات) فإن الكلام هاهنا في حسن المجازات والمكافاة. فما الدخل للشدائد والاضطهادات هاهنا؟

١٠٥ ـ في الباب الخامس من إنجيل مرقس في حال إخراج الشياطين من المجنون هكذا : «فطلب إليه كل الشياطين قائلين أرسلنا إلى الخنازير ، فاذن لهم يسوع للوقت. فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير فاندفع القطيع إلى البحر وكانوا نحو ألفين فاختفوا في البحر». وهذا غلط أيضا. فإن قنية الخنزير عند اليهود محرّمة ، ولم يكن من المسيحيين الآكلين لها في هذا الوقت أصحاب أمثال هذه الأموال. فأيّ نوع من الناس كان أصحاب ذلك القطيع؟ وان عيسى عليه‌السلام كان يمكنه أن يخرج تلك الشياطين من ذلك الرجل ويبعثها إلى البحر من دون إتلاف الخنازير التي هي من الأموال الطيبة ، كالشّاء والضّأن عند المسيحيين ، أو يدخلها في خنزير واحد ، كما كانت في رجل واحد. فلم جلب هذه الخسارة العظيمة على أصحاب الخنازير؟

١٠٦ ـ في الباب السادس والعشرين من إنجيل متّى قول عيسى عليه‌السلام في خطاب اليهود هكذا : «من الآن ترون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء». وهو غلط. لأن اليهود لم تره قطّ جالسا عن يمين القوة ، ولا آتيا على سحاب السماء ، لا قبل موته ولا بعده.

١٠٧ ـ في الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا : «ليس التلميذ أفضل من معلّمه ، بل كلّ من صار كاملا يكون مثل معلّمه». هذا في الظاهر غلط لأنه قد صار ألوف من التلاميذ أفضل من معلّميهم بعد الكمال.

١٠٨ ـ في الباب الرابع عشر من إنجيل لوقا عليه‌السلام هكذا : «إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون تلميذا». انتهى. وهذا الأدب عجيب لا يناسب تعليمه لشأن عيسى عليه‌السلام. وقد قال هو موبخا لليهود : «إن الله أوصى قائلا : أكرم أباك وأمك ، ومن يشتم أبا أو أمّا فليمت موتا» ، كما هو مصرّح في الباب الخامس من إنجيل متّى. فكيف يعلم بغض الأب والأم؟

١٠٩ ـ في الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : «٤٩ فقال لهم واحد منهم هو قيافا كان رئيسا للكهنة في تلك السنة : أنتم لستم تعرفون شيئا ٥٠ ولا تفكّرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها ٥١ ولم يقل هذا من نفسه بل إذا كان

١١٦

رئيسا للكهنة في تلك السنة تنبّأ أن يسوع منتظر أن يموت عند الأمة ٥٢ وليس عن الأمة فقط ، بل ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد». وهذا غلط بوجوه : الأول : إن مقتضى هذا الكلام أن رئيس كتبة اليهود لا بدّ من أن يكون نبيّا ، وهو فاسد يقينا. الثاني : إن قوله هذا لو كان بالنبوّة يلزم أن يكون موت عيسى عليه‌السلام كفّارة عن قوم اليهود فقط ، لا عن العالم هو خلاف ما يزعمه أهل التثليث. ويلزم أن يكون قول الإنجيلي : (وليس عن الأمة فقط) إلخ. لغوا مخالفا للنبوّة. الثالث : إن النبيّ المسلم نبوّته عند هذا الإنجيلي هو الذي كان رئيس الكهنة حين أسر وصلب عيسى عليه‌السلام ، وهو الذي أفتى بقتل عيسى عليه‌السلام وكذّبه وكفّره ، ورضي بتوهينه وضربه. في الباب السادس والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة إلخ. ٦٣ وأما يسوع فكان ساكتا. فأجاب رئيس الكهنة وقال : أستحلفك بالله الحيّ أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ٦٤ فقال له يسوع : أنت قلت ، وأيضا أقول لكم إنكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء ٦٥ فمزّق حينئذ رئيس الكهنة ثيابه قائلا : قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهود ، ها قد سمعتم تجديفه ٦٦ ما ذا ترون؟ فأجابوا وقالوا : إنه مستوجب الموت ٦٧ حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه». انتهى. وقد اعترف الإنجيلي الرابع أيضا في الباب الثامن عشر من إنجيله هكذا : «ومضوا به إلى حنان أولا لأنه كان حنان قيافا الذي كان رئيسا للكهنة في تلك السنة. وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب». انتهى. فأقول : لو كان قوله المذكور بالنبوّة ، وكان معناه كما فهم الإنجيلي ، فكيف أفتى بقتل عيسى عليه‌السلام؟ وكيف كذّبه وكفّره ورضي بتوهينه وضربه؟ أيفتي النبي بقتل الإله؟ أيكذّبه في ألوهيته ويكفّره ويهينه؟ وإن كانت النبوّة حاوية لأمثال هذه الشنائع أيضا فنحن برآء عن هذه النبوّة وعن صاحبها ، ويجوز على هذا التقدير عند العقل أن يكون عيسى عليه‌السلام أيضا نبيّا ، لكنه ركب مطيّة الغواية ، والعياذ بالله. فارتدّ وادّعى الألوهية وكذّب على الله ، ودعوى العصمة في حقه خاصّة في التقدير المذكور غير مسموع. والحق أن يوحنّا الحواري بريء عن أمثال هذه الأقوال الواهية ، كما أن عيسى عليه‌السلام بريء عن ادّعاء الألوهية. وهذه كلها من خرافات المثلثين. ولو فرض صحة قول قيافا يكون معناه ، أن تلاميذ عيسى عليه‌السلام وشيعته ، لمّا جعلوا دأبهم أن عيسى عليه‌السلام هو المسيح الموعود ، وكان زعم الناس أن المسيح لا بدّ أن يكون سلطانا عظيما من سلاطين اليهود ، خاف هو وأكابر اليهود أن هذه الإشاعة موجبة للفساد مهيّجة عليهم غضب قيصر رومية فيقعون في بلاء عظيم ، فقال : إن في هلاك عيسى فداء لقومه من هذه الجهة ، لا من جهة خلاص النفوس من الذنب الأصلي الذي عندهم عبارة عن الذنب الذي صدر عن آدم

١١٧

عليه‌السلام بأكل الشجرة المنهيّة قبل ميلاد المسيح بألوف سنة ، لأنه وهم محض لا يعتقده اليهود. ولعلّ الإنجيلي تنبّه بعد ذلك حيث أورد في الباب الثامن عشر لفظ (أشار) بدل (تنبأ) لأن بين الإشارة بأمر ، وبين النبوّة ، فرقا عظيما. فأجاد وإن ناقض نفسه.

١١٠ ـ في الباب التاسع من الرسالة العبرانية هكذا : «١٩ لأن موسى بعد ما كلّم جميع الشعب بكل وصيّة بحسب الناموس أخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصوفا قرمزيا وزوفا ورشّ الكتاب نفسه وجميع الشعب ٢٠ قائلا : هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به ٢١ والمسكن أيضا وجميع آنية الخدمة رشّها كذلك بالدم». وفيه غلط من ثلاثة أوجه : الأول : إنه ما كان دم العجول والتيوس بل كان دم الثيران فقط. الثاني : ما كان الدم في هذه المرة مع ماء وصوف قرمزي وزوفا ، بل كان الدم فقط. والثالث : ما رشّ على الكتاب نفسه ، ولا على جميع آنية الخدمة ، بل رشّ نصف الدم على المذبح ، ونصفه على الشعب ، كما هو مصرّح في الباب الرابع والعشرين من كتاب الخروج وعبارته هكذا : «٣ فجاء موسى وحدّث الشعب بكل كلام الربّ وجميع الفرائض فصرخ الشعب كله صرخة شديدة وقالوا : كل ما قال الله نعمل ٤ فكتب موسى جميع كلام الله وابتكر بالغداة فابتنى مذبحا في أسفل الجبل واثني عشر منسكا لاثني عشر سبط إسرائيل ٥ وأرسل شباب بني إسرائيل فأصعدوا وقودا مسلمة وذبحوا ذبائح كاملة ثيرانا للربّ ٦ وأخذ موسى نصف الدم وجعله في إناء والنصف الآخر رشّه على المذبح ٧ وأخذ الميثاق وقرأه على الشعب ، فقالوا : نفعل جميع ما قاله الله لنا ونطيع ٨ فأخذ موسى الدم ورشّ على الشعب ، وقال : هذا دم العهد الذي عاهدكم الله به على كل هذا القول». انتهى. وظنّي أن الكنيسة الرومانية ، لأجل هذه المفاسد التي علمتها في هذا الفصل ، كانت تمنع العامّة عن قراءة هذه الكتب ، وتقول إن الشرّ الناتج من قراءتها أكثر من الخير. ورأيهم في هذا الباب كان سليما جدا وعيوبها كانت مستترة عن أعين المخالفين لعدم شيوعها. ولما ظهرت فرقة بروتستنت وأظهرت هذه الكتب ، ظهر ما ظهر في ديار أوروبا. في الرسالة الثالثة عشرة من كتاب الثلاث عشرة المطبوعة سنة ١٨٤٩ في بيروت في الصفحة ٤١٧ و ٤١٨ : «فلننظر الآن قانونا مرتّبا من قبل المجمع التريدنيتني ومثبتا من البابا بعد نهاية المجمع ، وهذا القانون يقول إذا كان ظاهرا من التجربة أنه إذا كان الجميع يقرءون في الكتب باللفظ الدّارج ، فالشرّ الناتج من ذلك أكثر من الخير. فلأجل هذا ليكون للأسقف أو القاضي في بيت التفتيش سلطان حسب تميّزه بمشورة القسّ أو معلّم الاعتراف ليأذن في قراءة الكتاب باللفظ الدّارج لأولئك الذين يظن أنهم يستفيدون. ويجب أن يكون الكتاب مستخرجا من معلّم كاثوليكي ، والإذن المعطى بخط اليد ، وإن كان أحد بدون الإذن يتجاسر أن يقرأ أو يأخذ هذا الكتاب فلا يسمح له بحلّ خطيئته حتى يردّ الكتاب إلى الحاكم». انتهى كلامه بلفظه.

١١٨

الفصل الرابع

في بيان أنه لا مجال لأهل الكتاب أن يدّعوا أن كل كتاب من

كتب العهد العتيق والجديد كتب بالإلهام ، وأن كل حال من

الأحوال المندرجة فيه إلهامي ، لأن هذا الادّعاء باطل قطعا

ويدلّ على بطلانه وجوه كثيرة أكتفي منها هاهنا على سبعة عشر وجها :

الأول : إنه يوجد فيها الاختلافات المعنوية الكثيرة واضطر محقّقوهم ومفسّروهم في هذه الاختلافات ، فسلّموا في بعضها أن إحدى العبارتين أو العبارات صادقة وغيرها كاذبة إما بسبب التحريف القصدي أو بسبب سهو الكاتب ، ووجّهوا بعضها بتوجيهات ركيكة بشعة لا يقبلها الذهن السليم. وقد عرفت في القسم الأول من الفصل الثالث أزيد من مائة اختلاف.

الثاني : إنه يوجد فيها أغلاط كثيرة. وقد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث أيضا أكثر من مائة غلط. والكلام الإلهامي بعيد بمراحل عن وقوع الغلط والاختلاف المعنوي.

الثالث : إنه وقع فيها التحريفات القصدية وغير القصدية في مواضع غير محصورة ، بحيث لا مجال للمسيحيين أن ينكروها. وظاهر أن المواضع المحرّفة ليست بإلهامية عندهم يقينا. وستقف على مائة موضع من هذه المواضع في الباب الثاني مفصّلا إن شاء الله تعالى.

الرابع : إن كتاب باروخ وكتاب طوبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم وكتاب إيكليزياستيكس ، والكتاب الأول والثاني للمقابيين ، وعشر آيات في الباب العاشر ، وستّة أبواب من الحادي عشر إلى السادس عشر من كتاب أستير ، وغناء الأطفال الثلاثة في الباب الثالث من كتاب دانيال ، والباب الثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب ، أجزاء من العهد العتيق عند فرقة كاتلك. وقد بيّن فرقة بروتستنت بالبيانات الشافية انها ليست إلهاميّة واجبة التسليم. فلا حاجة لنا إلى إبطالها. فمن شاء فلينظر في كتبهم. واليهود أيضا لا يسلّمونها إلهاميّة. والسفر الثالث لعزرا أجزاء من العهد العتيق عند كنيسة كريك. وقد بيّن فرقة كاتلك

١١٩

وفرقة بروتستنت بأدلة واضحة أنه ليس إلهاميّا. فمن شاء فلينظر في كتب الفرقتين المذكورتين. وكتاب القضاة ليس إلهاميّا على قول من قال إنه تصنيف فينحاس ، وكذا على قول من قال إنه تصنيف حزقيا. وكتاب راعوث ليس إلهاميّا على قول من قال إنه تصنيف حزقيا ، وكذا على قول طابعي البيبل المطبوع سنة ١٨١٩ في أستاربرك. وكتاب نحميا على المذهب المختار ليس إلهاميّا ، سيما ستّا وعشرين آية من أول الباب الثاني عشر من هذا الكتاب. وكتاب أيوب ليس إلهاميّا على قول ربّ مماني ديز وميكانيس وسيملر وأستاك وتهويد. وروى الإمام الأعظم لفرقة بروتستنت لوطر ، وعلى قول من قال إنه من تصنيف أليهو أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم. والباب الثلاثون والباب الحادي والثلاثون من كتاب أمثال سليمان ليسا بإلهاميين. والجامعة على قول علماء تلميودي ليس إلهاميّا. وكتاب نشيد الانشاد على قول تهيودور وسيمن وليكرك ووستن وسملر وكاستيليو ليس إلهاميّا. وسبعة وعشرون بابا من كتاب أشعياء ليست إلهاميّة على قول الفاضل أستاهلن الجرمني. وإنجيل متّى ، على قول القدماء وجمهور العلماء المتأخرين الذين قالوا إنه كان باللسان العبراني والحروف العبرانية ففقد والموجود الآن ترجمته ، ليس إلهاميّا ، وإنجيل يوحنّا على قول أستائدلن والمحقّق برطشنيدر ليس إلهاميّا. والباب الأخير منه على قول المحقّق كروتيس ليس إلهاميّا. وجميع رسائل يوحنّا ليست إلهاميّة على قول المحقّق برطشنيدر وقول فرقة الوجين. والرسالة الثانية لبطرس ورسالة يهودا ورسالة يعقوب والرسالة الثانية والثالثة ليوحنّا ومشاهدات يوحنّا ليست إلهاميّة على قول الأكبر ، كما عرفت في الفصل الثاني من هذا الباب.

الخامس : قال هورن في الصفحة ١٣١ من المجلد الأول من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «إن سلّمنا أن بعض كتب الأنبياء فقدت ، فقلنا إن هذه الكتب ما كانت مكتوبة بالإلهام ، وأثبت كستائن بالدليل القوي هذا الأمر ، وقال إنه وجد ذكر كثير من الأشياء في كتب تواريخ ملوك يهودا وإسرائيل ، ولم تبين هذه الأشياء فيها ، بل أحيل بيانها إلى كتب الأنبياء الآخرين. وفي بعض المواضع ذكر أسماء هؤلاء الأنبياء أيضا ، ولا توجد هذه الكتب في هذا القانون الذي يعتقده كنيسة الله واجب التسليم. وما قدر أن يبيّن سببه ، غير أن الأنبياء الذين يلهمهم الروح القدس الأشياء العظيمة في المذهب تحريرهم على قسمين : قسم على طريقة المؤرّخين المتديّنين ، يعني بلا إلهام ، وقسم بالإلهام. وبين القسمين فرق ، بأن الأول منسوب إليهم ، والثاني إلى الله. وكان المقصود من الأول زيادة علمنا ، ومن الثاني سند الملّة والشريعة». انتهى. ثم قال في الصفحة ١٣٣ من المجلد الأول في سبب فقدان سفر حروف الربّ الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشر من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد : «إن

١٢٠