لأنا نقول : لما حصل التعارض بين دلائلنا ودلائلكم ، فلا بد من التوفيق. وطريقه : أن قولهم : نظرته بمعنى انتظرته ، انما يقال فى انتظار مجىء الانسان بنفسه ، أما اذا كان منتظر الرفد أو المعونة. فقد يقال فيه : نظرت إليه. ومنه قولهم : انما نظرى الى الله ، ثم أليك. فهذا مجموع البحث فى هذه المسألة اللفظية.
* * *
واعلم : أن الأقرب أن يقال : الأصل فى قول القائل : نظرت أليك : تقليب الحدقة نحوه. ثم قد يستعمل فى الرؤية ، من حيث ان تقليب الحدقة سبب للرؤية ، ويستعمل أيضا فى الانتظار ، من حيث ان تقليب الحدقة سبب للانتظار ، فان من انتظر شيئا فانه يقلب الحدقة نحو الجهة التى ينتظر المقصود منها.
فهذا ما عندى فى هذا البحث اللفظى.
الفصل الخامس
فى
اقامة الدلالة على أن المؤمنين
يرون الله تعالى يوم القيامة
ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة ٢٢ ـ ٢٣] فنقول : النظر ان كان هو الرؤية ، فالمطلوب حاصل. وان كان عبارة عن تقليب الحدقة الى جهة المرئى ، فنقول : هذا فى حق الله تعالى محال ، فوجب حمل لفظة النظر على الرؤية اطلاقا للفظ السبب على المسبب ، فان النظر سبب للرؤية ، ولأن المقصود من تقليب الحدقة انما هو الرؤية.
فان قيل : لا نسلم أنه حصل فى هذه الآية لفظ النظر مقرونا بحرف الى. وقوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فلا نسلم ان الى هاهنا من حروف الجر ، بل هو عندنا اسم. وبيانه من وجهين: