جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٢٠٧
ظهور الإعراب في نفس الموصول في نحو : (رَبَّنَآ أَرِنَا اللّذَيْنِ أَضَلاّنَا) (فصلت / ٢٩).
والثاني ، نحو : «أعجبني أن قمت ، أو ما قمت» إذا قلنا بحرفية «ما» المصدرية ، وفي هذا النوع يقال : الموصول وصلته في موضع كذا. لأن الموصول حرف فلا إعراب له لالفظاً ولامحلاً.
الجملة السابعة : التابعة لما لا محل له ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «الحمد لله الذي لايبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادون» (١).
الجمل التي لها محل من الإعراب
وهي أيضا سبع :
الجملة الاُولى : الواقعة خبراً ، وموضعها رفع في بابي المبتدأ و «إنّ» ونصب في بابي «كان وكاد» واختلف في نحو «زيد اضربه ، وعمرو هل جاءك» ، فقيل : محل الجملة التي بعد المبتدأ رفع على الخبرية ، وهو الصحيح ، وقيل : نصب بقول مضمر هو الخبر ، بناء على أن الجملة الانشائية لاتكون خبراً وقدمر إبطاله.
الجملة الثانية : الواقعة حالاً ، وموضعها نصب ، نحو قوله تعالى : (وَلاَتَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر / ٦) وقول حسان في علي (عليه السلام) :
٣٤٣ ـ من كان بات على فراش محمد؟ |
|
ومحمد أسرى يؤمّ الغارا (٢) |
ومنه : (مَا يَأْتِيهِم مِن ذِكْر مِن رّبِّهِمْ مُحْدَث إلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
__________________
١ ـ نهج الباغة : ط١ / ٢٢.
٢ ـ الغدير : ٢ / ٤٧.
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء / ٢ و ٣) فجملة (اسْتَمَعُوهُ) حال من مفعول (يَأْتيهمْ) أو من فاعله ، وقرئ «محدثا» لأن الذكر مختص بصفته مع أنه قد سبق بالنفي ، وأما (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) فحال من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) فالحالان متداخلتان ، و «لاهية» حال من فاعل (يَلْعَبُونَ) وهذا من التداخل أيضاً ، أو من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) فيكون من التعدد لا من التداخل.
الجملة الثالثة : الواقعة مفعولاً ، كقول حسان :
٣٤٤ ـ فقال له : قم يا علي ، فإنني |
|
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً (١) |
ومحلها النصب إن لم تنب عن فاعل ، وهذه النيابة مختصة بباب القول ، نحو : (ثُمَّ يُقالُ هَذَا الّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذّبُونَ) (المطففين / ١٧) ; لما قدمناه من أن الجملة التي يراد بها لفظها تنزل منزلة الأسماء المفردة ، قيل : وتقع أيضا في الجملة المقرونة بمعلِّق ، نحو : «علم أقام زيد» وأجاز هؤلاء وقوع هذه فاعلاً ، وحملوا عليه : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنابِهِمْ) (إبراهيم / ٤٥) (أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) (السجدة / ٢٦) (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِن بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (يوسف / ٣٥) والصواب : خلاف ذلك ، وعلى قول هؤلاء فيزاد في الجمل التي لها محل الجملة الواقعة فاعلاً.
وتقع الجملة مفعولاً في ثلاثة أبواب :
أحدها : باب الحكاية بالقول أو مرادفه ، فالأول نحو : (قالَ : إنِّي عَبْدُاللهِ) (مريم / ٣٠).
والثاني : نوعان : ما معه حرف التفسير ، كقولك : «كتبت إليه أن افعل» إذا لم
__________________
١ ـ الغدير : ٢ / ٣٤.
تقدر باء الجر ، والجملة في هذا النوع مفسرة للفعل فلا موضع لها ، وما ليس معه حرف التفسير ، نحو قوله تعالى : (وَوَصّى بها إبراهيمُ بَنيهِ ويَعقوبُ يا بَنيّ إنّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) (البقرة / ١٣٢) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن» (١) فالجملة في محل نصب اتفاقاً ، ثم قال البصريون : النصب ، بقول مقدر ، وقال الكوفيون : بالفعل المذكور ، ويشهد للبصريين التصريح بالقول في نحو : (وَنادى نُوحٌ رَبَّه فَقَال رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (هود / ٤٥).
تنبيهات
الأول : من الجمل المحكية ما قد يخفى ، فمن ذلك في المحكية بعد القول : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنَا إنَّا لَذَآئقُونَ) (الصافات / ٣١).
والأصل : إنكم لذائقون عذ ابي ، ثم عدل إلى التكلم ; لأنهم تكلموا بذلك عن أنفسهم.
الثاني : قديقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها ، نحو : «أتقول موسى في الدار؟» فلك أن تقدر «موسى» مفعولاً أوّل و «في الدار» مفعولاً ثانياً على إجراء القول مجرى الظن ولك أن تقدرهما مبتدأ وخبراً على الحكاية كما في قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْراهِيمَ وَإسْماعِيلَ وَإسْحاقَ وَيَعقوبَ والأسباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة / ١٤٠) الآية ، ألا ترى أن القول قد استوفى شروط إجرائه مجرى الظن ومع هذا جيء بالجملة بعده محكية؟
الثالث : قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها ، وذلك نحو :
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط١٧٥ / ٥٦٧.
«أول قولي : إني أحمد الله» إذا كسرت «انّ» ; لأن المعنى أول قولي هذا اللفظ ، فالجملة خبر لا مفعول ، خلافا لأبي علي ، زعم أنها في موضع نصب بالقول فبقي المبتدأ بلا خبر فقدّر «موجود» أو «ثابت» وهذا المقدر يستغنى عنه ، بل هو مفسد للمعنى ; لأن «أول قولي : إني أحمد الله» باعتبار الكلمات «إن» وباعتبار الحروف الهمزة فيفيد الكلام على تقديره الإخبار بأن ذلك الأول ثابت ، ويقتضي بمفهومه أن بقية الكلام غير ثابت ، اللهم إلا أن يقدر «أول» زائداً ، والبصريون لا يجيزونه ، وتبع الزمخشري أبا علي في التقدير المذكور والصواب : خلاف قولهما ، فإن فتحت فالمعنى : حمدالله ، يعنى بأي عبارة كانت.
الرابع : قد تقع الجملة بعد القول غير محكية به ، وهي نوعان : محكية بقول آخر محذوف كقوله تعالى (١) : (فَما ذَا تَأْمُرُونَ) (الأعراف / ١١٠) بعد (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ، لأن قولهم تم عند قوله : (مِنْ أرْضِكُمْ) ثم التقدير : فقال فرعون ; بدليل (قَالُوا : أرْجِهْ وَأخاهُ) (الأعراف / ١١١).
وغير محكية ، وهي نوعان : دالة على المحكية ، كقولك : «قال زيد لعمرو في حاتم ، أتظن حاتماً بخيلاً؟» فحذف المقول ، وهو «حاتم بخيل» مدلولا عليه بجملة الإنكار التي هي من كلامك دونه. وغير دالة عليه ، نحو : (وَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إنَّ الْعِزّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (يونس / ٦٥) وقدمر البحث فيها.
الخامس : قد يوصل بالمحكية غير محكي ، وهو الذي يسميه المحدثون
__________________
١ ـ قال الملأمن قوم فرعون إن هذ لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أضكم فما ذا تأمرون قالو أرجه وأخا وأرسل في المدائن حاشرين (الأعراف / ١٠٩ ـ ١١١).
مدرجاً ، ومنه : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل / ٣٤) بعد حكاية قولها ، (١) وهذه الجملة مستأنفة لايقدرلها قول.
الباب الثاني : من الأبواب التي تقع فيه الجملة مفعولا باب «ظن وأعلم» فإنها تقع مفعولا ثانياً لـ «ظن» وثالثاً لـ «أعلم» وذلك لأن أصلهما الخبر ووقوعه جملة سائغ ، كما في قول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «وأرى نفسي تخاتلني» (٢).
الباب الثالث : باب التعليق ، وذلك غير مختص بباب «ظن» بل هو جائز في كل فعل قلبي ، ولهذا انقسمت هذه الجملة إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون في موضع مفعول مقيد بالجار ، نحو : (أوَ لَمْ يَتَفَكّروا ما بصاحبِهم من جنّة) (الأعراف / ١٩٤) ، (فَلْيَنظُرْ أَيُّهآ أَزْكى طَعَاماً) (الكهف / ١٩) ، (يَسْأَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدّينِ) (الذاريات / ١٢) ; لأنه يقال : تفكّرت فيه ونظرت فيه وسألت عنه ، ولكن علقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول ، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف. وزعم ابن عصفور أنه لايعلق فعل غير «علم وظن» حتى يضمن معناهما ، وعلى هذا فتكون هذه الجملة سادة مسد المفعولين.
والثاني : أن تكون في موضع المفعول المسرح ، نحو : «عرفت من أبوك» وذلك لأنك تقول : «عرفت زيداً» ، وكذا «علمت من أبوك» إذا أردت «علم» بمعنى «عرف».
ومنه قول بعضهم : «أما ترى أي برق هاهنا» ; لأن «رأى» البصرية وسائر افعال الحواس إنما تتعدى لواحد بلا خلاف ، إلا «سمع» المعلقة باسم عين ، نحو قول أميرالمؤمنين(عليه السلام) : «وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يؤتى يوم القيامة بالإمام
__________________
١ ـ قالت إن الملوك إذا دخلو قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون.
٢ ـ الصحيفة السجادية الجامعه : ٤٢٨.
الجائر وليس معه نصير ولا عاذر» (١).
فقيل : متعدية لاثنين ثانيهما الجملة ، وقيل : إلى واحد والجملة حال ، فإن علقت بمسموع فمتعدية لواحد اتفاقاً ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الْصَّيْحَةَ بِالْحَقّ) (ق / ٤٢) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي» (٢).
وليس من الباب : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرّحْمنِ عِتِيّاً) (مريم / ٦٩) خلافاً ليونس ; لأن «ننزع» ليس بفعل قلبي ، بل «أي» موصولة لااستفهامية ، وهي المفعول ، وضمتها بناء لا إعراب ، و «أشد» خبر لـ «هو» محذوفا ، والجملة صلة.
والثالث : أن تكون في موضع المفعولين ، نحو قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذَاباً) (طه / ٧١) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين» (٣) ، ومنه : (وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَب يَنقَلِبُونَ) (الشعراء / ٢٢٧) ; لأن «أياً» مفعول مطلق لـ «ينقلبون» ، لامفعول به لـ «يعلم» ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ومجموع الجملة الفعلية في محل نصب بفعل العلم.
واختلف في نحو : «عرفت زيداً من هو» فقيل : جملة الاستفهام حال ، ورد بأن الجمل الإنشائية لاتكون حالا ، وقيل : مفعول ثان على تضمين «عرف» معنى «علم» ، ورد بأن التضمين لاينقاس ، وهذا التركيب مقيس ، وقيل : بدل من
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ١٦٣ / ٥٢٥.
٢ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤ / ٨١.
٣ ـ نهج البلاغة : ح ٤٠٩ / ١٢٨١.
المنصوب ، ثم اختلف ، فقيل : بدل اشتمال ، وقيل : بدل كل ، والأصل : عرفت شأن زيد.
وعلى القول بأن «عرف» بمعنى «علم» فهل يقال : إن الفعل معلق أم لا؟ قال جماعة من المغاربة : إذا قلت : «علمت زيداً لأبوه قائم» أو «ما أبوه قائم» فالعامل معلق عن الجملة ، وهو عامل في محلها النصب على أنها مفعول ثان ، وخالف في ذلك بعضهم ; لأن الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب ، وألا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق ، وذلك نحو : «علمت زيداًأبوه قائم».
تنبيه
فائدة الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ظهور ذلك في التابع ، فتقول : «عرفت من زيد وغير ذلك من اُموره».
الجملة الرابعة : المضاف إليها ، ومحلها الجر ، ولا يضاف إلى الجملة إلا ثمانية :
أحدها : أسماء الزمان. ظروفاً كانت أو أسماء ، نحو قول الكميت خطاباً للبني (صلى الله عليه وآله وسلم) :
٣٤٥ ـ يا صاحب الحوض يوم لاشرب لِلْـ |
|
وارد إلا ما كان يضطرب (١) |
ونحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (المرسلات / ٣٥) ألا ترى أن اليوم ظرف في الاُولى ، وخبر في الثانية؟
ومن أسماء الزمان ثلاثة إضافتها إلى الجملة واجبة : «إذ» باتفاق ، و «إذا» عند الجمهور ، و «لمّا» عند من قال باسميتها.
__________________
١ ـ شرح الهاشميات : ٦١.
وزعم سيبويه أن اسم الزمان المبهم إن كان مستقبلاً فهو كـ «إذا» في اختصاصه بالجمل الفعلية ، وإن كان ماضيا فهو كـ «إذ» في الإضافة إلى الجملتين فتقول : «آتيك زمنَ يقدم الحاج» ولا يجوز «زمن الحاج قادم» وتقول : «أتيتك زمن قدم الحاجُّ وزمن الحاج قادم» ورد عليه دعوى اختصاص المستقبل بالفعلية بقوله تعالى : (يَوْمَ هُم بارِزُونَ) (غافر / ١٦) وبقول سواد بن قارب :
٣٤٦ ـ وكن لي شفيعاًيوم لاذوشفاعة |
|
بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب (١) |
والجواب : أن يوم القيامة لما كان محقق الوقوع جعل كالماضي ، فحمل على «إذ» لا على «إذا» على حد : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (الكهف / ٩٩).
الثاني : «حيث» نحو قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة من صلى عليك غفرالله له ، وألحقه بي حيث كنت في الجنة» (٢) وتختص بذلك عن سائر أسماء المكان ، وإضافتها إلى الجملة لازمة ، ولا يشترط لذلك كونها ظرفاً. وزعم المهدوي أن «حيث» في قول ابن دُرَيد :
٣٤٧ ـ ثُمَّت راح في المُلَبِّين إلى |
|
حيث تَحَجّى المأزِمان ومنى (٣) |
لما خرجت عن الظرفية بدخول «إلى» عليها خرجت عن الإضافة إلى الجمل وصارت الجملة بعدها صفة لها وتكلف تقدير رابط لها وهو «فيه» وليس بشي ; لما تقدم في أسماء الزمان.
الثالث : «آية» بمعنى «علامة» فإنها تضاف جوازاً إلى الجملة الفعلية المتصرف فعلها مثبتاً أو منفياً بـ «ما» كقول الأعشى :
__________________
١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧١.
٢ ـ كشف الغمة : ٢ / ١٠٠.
٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧٤.
٣٤٨ ـ بآية يقدمون الخيل شُعثاً |
|
كأن على سَنابِكِها مُداما (١) |
وقول عمرو بن شأس بن عبيد :
٣٤٩ـ ألِكْني إلى قومي السلام رسالة |
|
بآية ما كانوا ضعافاً ولا عُزلا (٢) |
هذا قول سيبويه ، وزعم أبو الفتح أنها إنما تضاف إلى المفرد نحو : (إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) (البقرة / ٢٤٨) وقال : الأصل : بآية ما يقدمون ، أي : بآية إقدامهم. انتهى.
وفيه حذف موصول حرفي غير «أن» وبقاء صلته ، ثم هو غير متأت في قول عمرو بن شأس بن عبيد :
٣٥٠ـ ألِكْني إلى قومي السلام رسالة |
|
بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلا (٣) |
الرابع : «ذو» في قولهم : «إذهب بذي تسلم» والباء في ذلك ظرفية ، و «ذي» صفة لـ «زمن» محذوف ، ثم قال الأكثرون : هي بمعنى «صاحب» فالموصوف نكرة ، أي : اذهب في وقت صاحب سلامة أي : في وقت هو مظنة السلامة ، وقيل : بمعنى «الذي» فالموصوف معرفة ، والجملة صلة فلا محل لها ، والأصل : اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ، ويضعفه أن استعمال «ذي» موصولة مختص بطيّئ ، ولم ينقل اختصاص هذا الاستعمال بهم ، وأن الغالب عليها في لغتهم البناء ولم يسمع هنا إلاّ الإعراب وأن حذف العائد المجرور هو والموصول بحرف متحد المعنى مشروط باتحاد المتعلق ، نحو : (وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ) (المؤمنون / ٣٣) والمتعلق هنا مختلف ، وأن هذا العائد لم يذكر في وقت.
__________________
١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧٧.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٥.
٣ ـ تقدم برقم ٣٤٩.
الخامس والسادس : «لدن وريثَ» فإنهما يضافان جوازا إلى الجملة الفعلية التي فعلها متصرف ، ويشترط كونه مثبتاً ، بخلافه مع «آية». فأما «لدن» فهي اسم لمبدأ الغاية ، زمانية كانت أو مكانية ، ومن شواهدها قوله : (١)
٣٥١ ـ لزمنالدن سالمتمونا وفاقكم |
|
فلايك منكم للخلاف جُنوح |
وأما «ريثَ» فهي مصدر «راث» إذا أبطأ ، وعوملت معاملة أسماء الزمان في الإضافة إلى الجملة ، كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت كقولك : «جئتك صلاة العصر» قال : (٢)
٣٥٢ ـ خليليَّ رِفقاًرَيثَ أقضي لُبانةً |
|
من العَرَصات المذْكرات عهوداً |
وزعم ابن مالك في كافيته وشرحها أن الفعل بعدهما على إضمار «اَن» والأول قوله في التسهيل وشرحه ، وقد يعذر في «ريث» ; لأنها ليست زمانا ، بخلاف «لدن» وقد يجاب بأنها لما كانت لمبدأ الغايات مطلقاً لم تخلص للوقت.
السابع والثامن : «قول وقائل» كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «من ترك قول لا أدري اُصيبت مَقاتلُه» (٣)
وقوله : (٤)
٣٥٣ ـ وأجبتُ قائل«كيف أنت؟» بـ «صالح» |
|
حتى مَلِلتُ ومَلَّني عُوّادي |
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٦ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٨٦ ، لم يسم قائله.
٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٨٦ ، وفي شرح شواهد المغني «الذاكرات» بدل «المذكرات» ٢ / ٨٣٦ ، لم يسم قائله.
٣ ـ نهج البلاغة : ح ٨٢ / ١١٢٤.
٤ ـ لم يسم قائله ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٧.
الجملة الخامسة : الواقعة بعد الفاء أو «إذا» جواباً لشرط جازم ; لأنها لم تصدر بمفرد يقبل الجزم ، لفظاً كما في قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «من يُعطِ باليد القصيرة يُعطَ باليد الطويلة» (١) أو محلاً كما في قول الفرزدق :
٣٥٤ ـ إن عدأهل التقى كانوا أئمتهم |
|
أوقيل من خيرأهل الأرض؟قيل هم (٢) |
مثال المقرونة بالفاء (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِىَ لَهُ وَيَذَرهُمْ) (الأعراف / ١٨٦) ولهذا قرئ بجزم «يذر» عطفاً على المحل.
ومثال المقرونة بـ «إذا» (وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم / ٣٦) والفاء المقدرة كالموجودة كقول عبدالرحمن بن حسان :
٣٥٥ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشر بالشر عندالله مثلان (٣) |
الجملة السادسة : التابعة لمفرد ، وهي ثلاثة أنواع :
أحدها : المنعوت بها ، فهي في موضع رفع في نحو قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أن يَأتي يَوْمٌ لاَبَيْعٌ فِيهِ) (البقرة / ٢٥٤) ونصب في نحو قول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «لك الحمد حمدا يدوم بدوامك» (٤) وجرفي نحو قول الكميت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
٣٥٦ ـ خيرَ مسترضع وخير فطيم |
|
وجنين اُقرّ في الأرحام (٥) |
الثاني : المعطوفة بالحرف ، نحو : «زيد منطلق وأبوه ذاهب» إن قدرت الواو عاطفة على الخبر ، فلو قدرت العطف على الجملة فلا موضع لها ، أو قدرت الواو
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٢٤ / ١١٨٩.
٢ ـ البيت في قصيدة يمدح بها الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام ويذكر فيها الرسول وآله صلوات الله عليهم. كشف الغمة : ٢ / ٣٠٥.
٣ ـ تقدم برقم ١١٧.
٤ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السابع والأربعون : ٣٣٠.
٥ ـ شرح الهاشميات : ٢٨.
واو الحال فلا تبعية والمحل نصب.
الثالث : المبدلة كقوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم) (فصلت / ٤٣) فـ «إنّ» وما عملت فيه ، بدل من «ما» وصلتها ، وجاز إسناد «يقال» إلى الجملة كما جاز في (وَإذا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لارَيْبَ فِيهَا) (الجاثية / ٣٢) هذا كله إن كان المعنى : ما يقول الله لك إلا ما قد قيل ، فأما إن كان المعنى : ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لأنبيائهم ، فالجملة استئناف.
وقال ابن جني في قوله : (١)
٣٥٧ ـ إلى الله أشكوبالمدينة حاجة |
|
وبالشام اُخرى كيف يلتقيان؟ |
: جملة الاستفهام بدل من «حاجة واُخرى» أي : إلى الله أشكو حاجتين تعذرَ التقائهما.
الجملة السابعة : التابعة لجملة لها محل. ويقع ذلك في بابي النسق والبدل خاصة.
فالأول : نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أنا وضعت في الصغر بكَلا كِلِ العرب وكسرت نواجِمَ قرونِ ربيعة ومُضَر» (٢) ، إذا لم تقدر الواو للحال ، ولا قدرت العطف على الجملة الكبرى.
والثاني : شرطه كون الثانية أوفى من الاُولى بتأدية المعنى المراد ، نحو قوله (٣) :
__________________
١ ـ قال السيوطي : «قال العيني في الكبرى : قيل إنه للفرزدق. قلت : وجدت البيت في نوادر ابن الأعرابي» شرح شواهد المني ٢ / ٥٥٧.
٢ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤ / ٨١١.
٣ ـ قال السيوطي : «قال العيني : لم يسم قائله». شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٩.
٣٥٨ ـ أقول له : ارْحَلْ لاتُقِيمَنّ عندنا |
|
وإلاّ فكن في السرّ والجهر مُسلِماً |
فإنّ دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهية لإقامته بالمطابقة بخلاف الاُولى.
تنبيه
ما تقدم من انحصار الجمل التي لها محل في سبع ، جار على ما قرروا ، والحق أنها تسع ، والذي أهملوه : الجملة المستثناة ، والجملة المسند إليها.
أما الاُولى : فنحو : (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرإلاّ مَن تَوَلّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) (الغاشية / ٢٢ ـ ٢٤) قال ابن خروف : «من» مبتدأ و (يُعَذِّبهُ اللهُ) الخبر ، والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع.
وأما الثانية : فنحو : (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لايُؤمِنُونَ) (البقرة / ٦) إذا اُعرب «سواء» خبراً ، و (أنْذَرْتَهُمْ) مبتدأ ، ونحو : «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» إذا لم يقدر الأصل أن تسمع ، بل يقدر «تسمع» قائماً مقام السماع ، كما أن الجملة بعد الظرف في نحو : (وَيَوْمَ نُسيّرُ الْجِبالَ) (الكهف / ٤٧) وفي نحو : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) في تأويل المصدر ، وإن لم يكن معهما حرف سابك.
حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات
يقول المعربون على سبيل التقريب : الجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال ، وشرح المسألة مستوفاة أن يقال : الجمل الخبرية التي لم يستلزمها ما قبلها إن كان مرتبطة بنكرة محضة ، فهي صفة لها ، أو بمعرفة محضة ، فهي حال عنها ، أو بغير المحضة منهم فهي محتملة لهما ، وكل ذلك بشرط وجود
المقتضي وانتفاء المانع.
مثال الأول ـ وهو الواقع صفة لاغير لوقوعه بعد النكرات المحضة ـ : قوله تعالى : (حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤه) (الإسراء / ٩٣) وقول الرباب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام) في رثائه :
٣٥٩ ـ إن الذي كان نوراً يستضاء به |
|
في كربلاء قتيل غير مدفون (١) |
ومثال الثاني ـ وهو الواقع حالا لا غير لوقوعه بعد المعارف المحضة ـ : قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (النساء / ٤٣) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وإياك أن ينزِل بك الموت وأنت آبِق من ربك في طلب الدنيا» (٢)
ومثال الثالث ـ وهو المحتمل لهما بعد النكرة ـ : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (الأنبياء / ٥٠) فلك أن تقدر الجملة صفة للنكرة وهو الظاهر ، ولك أن تقدرها حالاً عنها ; لأنها قد تخصصت بالوصف وذلك يقربها من المعرفة ، وأن تقدرها حالاً من المعرفة وهو الضمير في (مُبارَكٌ) إلا أنه قد يضعف من حيث المعنى وجها الحال ، أما الأول : فلأن الإشارة إليه لم تقع في حالة الإنزال كما وقعت الإشارة إلى البعل في حالة الشيخوخة في (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (هود / ٧٢). وأما الثاني : فلا قتضائه تقييد البركة بحالة الإنزال ، وتقول : «ما فيها أحد يقرأ» فيجوز الوجهان أيضاً ; لزوال الإبهام عن النكرة بعمومها.
ومثال الرابع ـ وهو المحتمل لهما بعد المعرفة ـ : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة / ٥) فإن المعرف الجنسي يقرب في المعنى من النكرة ، فيصح تقدير
__________________
١ ـ أدب الطف : ٦ / ٦١.
٢ ـ نهج البلاغة : ك ٦٩ / ١٠٧٠.
(يَحْمِلُ) حالاً أو وصفاً ومثله قوله : (١)
٣٦٠ ـ ولقد أمُرُّ على اللئيم يسُبني |
|
فَمَضَيتُ ثُمَّت قلتُ لايَعنيني |
وقد اشتمل الضابط المذكور على قيود :
أحدها : كون الجملة خبرية ، واحترز بذلك من نحو : «هذا عبد بعتكه» تريد بالجملة ، الإنشاء و «هذا عبدي بعتكه» كذلك ، فإن الجملتين مستأنفتان ; لأن الإنشاء لايكون نعتاً ولا حالاً ، ويجوز أن يكونا خبرين آخرين إلا عند من منع تعدد الخبر مطلقا ، وهو اختيار ابن عصفور ، وعند من منع تعدده مختلفاً بالإفراد والجملة وهو أبو علي ، وعند من منع وقوع الإنشاء خبراً ، وهم طائفة من الكوفيين.
الثاني : صلاحيتها للاستغناء عنها ، وخرج بذلك جملة الصلة وجملة الخبر والجملة المحكية بالقول ، فإنها لا يستغنى عنها ، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها وأشباه ذلك.
الثالث : وجود المقتضي ، واحترز بذلك من نحو : (فَعَلُوهُ) من قوله تعالى : (وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (القمر / ٥٢) ، فإنه صفة لـ «كل» أو لـ «شيء» ولايصح أن يكون حالاً من «كل» مع جواز الوجهين في نحو : «أكرم كل رجل جاءك» لعدم ما يعمل في الحال ، ولايكون خبرا ; لأنهم لم يفعلوا كل شيء.
الرابع : انتفاء المانع ، والمانع أربعة أنواع : أحدها : ما يمنع حالية ، كانت متعينة لولا وجوده ، ويتعين حينئذ الاستئناف نحو : «زارني زيد ، ساُكا فئه» أو «لن أنسى له ذلك» فإن الجملة بعد المعرفة المحضة حال ، ولكن السين و «لن» مانعان ;
__________________
١ ـ قال السيوطي : «قالرجل من بني سلول» شرح شواهد المغني : ١ / ٣٠١.
لأن الحالية لاتصدَّر بدليل استقبال.
ثانيها : ما يمنع وصفية ، كانت متعينة لولا وجود المانع ، ويمتنع فيه الاستئناف ; لأن المعنى على تقييد المتقدم ، فيتعين الحالية بعد أن كانت ممتنعة ، وذلك نحو : (أَوْ كَالّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِىَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة / ٢٥٩). والمعارض فيه الواو ، فإنها لاتعترض بين الموصوف وصفته ، خلافاً للزمخشري ومن وافقه.
ثالثها : مايمنعهما معاً ، نحو : (وَحِفْظاً مِن كُلّ شَيْطان مّارِد لايَسَّمَّعُونَ) (الصافات / ٧ و ٨) وقد مضى البحث فيها.
رابعها : مايمنع أحدهما دون الآخر ولولا المانع لكانا جائزين ، وذلك نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فَلَتاتِ لسانه وصفحات وجهه» (١) فإن الجملة التي بعد «إلا» كانت قبل وجودها محتملة للوصفية والحالية ، ولما جاءت «إلا» امتنعت الوصفية. ومثله : (وَمآ أَهْلَكْنا مِن قَرْيَة إلاّ لَها مُنذِرُونَ) (الشعراء / ٢٠٨).
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٥ / ١٠٩٨.
الباب الثالث :
في ذكر أحكام ما يشبه الجملة ، وهوالظرف
والجار والمجرور.
ذكر حكمهما في التعلق
لابد من تعلقهما بالفعل ، أو ما يشبهه ، أوما اُوِّل بما يشبهه ، أو ما يشير إلى معناه ، فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجوداً قُدِّر ، كما سيأتي.
مثال التعلق بالفعل وشبهه : قوله تعالى : (أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة / ٧) وقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) : «واُرعدَت الأسماع لزَبْرة الداعي إلى فصل الخطاب» (١).
ومثال التعلق بما اُوِّل بمشبه الفعل : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إلهٌ وَفِي الاْرضِ إلهٌ) (الزخرف / ٨٤) أي : وهو الذي هو إله في السماء ، فـ «في» متعلقة بـ «إله» وهو اسم غير صفة ; بدليل أنه يوصف فتقول : «إله واحد» ولايوصف به لايقال : «شيء إله» وإنما صح التعلق به ; لتأوله بـ «معبود» و «إله» خبر لـ «هو»
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ٨٢ / ١٨٤.
محذوفا ، ولايجوز تقدير «إله» مبتدأ مخبراً عنه بالظرف أو فاعلا بالظرف ; لأن الصلة حينئذ خالية من العائد.
ومثال التعلق بما فيه رائحته : قول أبي المنهال :
٣٦١ ـ أناأبوالمنهال بعض الأحيان |
|
ليس عليّ حسبي بضُؤلان (١) |
وقوله : (٢)
٣٦٢ ـ أنا ابن ماويّة إذ جَدَّ النَقُر |
|
وجاءت الخيل أثابيَّ زُمَر |
فتعلق «بعض» و «إذ» بالاسمين العلمين ، لالتأولهما باسم يشبه الفعل ، بل لما فيهما من معنى قولك : الشجاع أو الجواد. وتقول : «فلان حاتم في قومه» فتعلق الظرف بما في «حاتم» من معنى الجود.
وقد اُجيز في قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّمواتِ وَفِي الاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (الأنعام / ٣) تعلقه باسم الله تعالى وإن كان علما ، على معنى وهو المعبود أو وهو المسمى بهذا الاسم ، واُجيز تعلقه بـ (يعلم) وبـ (سركم) و (جهركم). ورد الثاني بأن فيه تقديم معمول المصدر وتنازع عاملين في متقدم ، وليس بشيء ; لأن المصدر هنا ليس مقدراً بحرف مصدري وصلته ، ولأنه قدجاء نحو : (بِالْمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة / ١٢٨) والظرف متعلق بأحد الوصفين قطعاً ، فكذا هنا.
ومثال التعلق بالمحذوف : (وَإلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) (هود / ٦١) بتقدير : و
__________________
١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٣١٩.
٢ ـ قال السيوطي : «نسب في الإيضاح لبعض السعديين. وقال في العباب : قائله فدكي بن أعبد المنقري وقال الحوهري : هو لعبيدالله بن ماوية الطائي». شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٣ و ٨٤٤.
أرسلنا ، ولم يتقدم ذكر الإرسال ، ولكن ذكر النبي والمرسل إليهم يدل على ذلك.
هل يتعلقان بالفعل الناقص؟
من زعم أنه لايدل على الحدث منع من ذلك ، وهم المبرد فالفارسي فابن جني فالجرجاني فابن برهان ثم الشلوبين ، والصحيح : أنها كلها دالة عليه إلا «ليس».
واستدل لمثبتي ذلك التعلق بقوله تعالى : (أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) (يونس / ٢) ; فإن اللام لا تتعلق بـ «عجباً» ; لأنه مصدر مؤخر ، ولا بـ «أوحينا» ; لفساد المعنى ، ولأنه صلة لـ «أن». وقد مضى عن قريب أن المصدر الذي ليس في تقدير حرف موصول ولا صلته لايمتنع التقديم عليه ، ويجوز أيضاً أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال من «عجباً».
هل يتعلقان بالفعل الجامد؟
زعم الفارسي في قوله : (١)
٣٦٣ ـ ونعم مَزكَأمَن ضاقت مَذاهبه |
|
ونعم من هو في سرو إعلان |
أن «من» نكرة تامة تمييز لفاعل «نعم» مستتراً ، كما قال هو وطائفة في «ما» من نحو (فَنِعِمّاهِىَ) (البقرة / ٢٧١) ، وأن الظرف متعلق بـ «نعم» وزعم ابن مالك أنها موصولة فاعل ، وأن «هو» مبتدأ ، خبره «هو» اُخرى مقدرة على حد قول أبي النجم العجلي :
__________________
١ ـ تقدم برقم ٢٨٥.
٣٦٤ ـ أنا أبوالنجم وشعري شعري |
|
لله دَرّي ما أجنّ صدري (١) |
وأن الظرف متعلق بـ «هو» المحذوفة لتضمنها معنى الفعل ، أي : ونعم الذي هو باق على ودّه في سرّه وإعلانه ، وأن المخصوص محذوف ، أي : بشر بن مروان. والصحيح : أن يقدر المخصوص «هو» ; لتقدم ذكر «بشر» في البيت قبله ، وهو :
وكيف أرهب أمراًأو اُراع له |
|
وقد زكأتُ إلى بشربن مروان (٢) |
فيبقى التقدير حينئذ : هو هو هو.
هل يتعلقان بأحرف المعاني؟
المشهور منع ذلك مطلقاً ، وقال جماعة منهم ابن الحاجب بجوازه مطلقاً وفصّل بعضهم فقال : إن كان نائباً عن فعل حذف ، جاز ذلك على سبيل النيابة لا الأصالة ، وإلا فلا. وهو قول أبي علي وأبي الفتح ، زعما في نحو «يالزيد» أن اللام متعلقة بـ «يا» بل قالا في «يا عبدالله» : إن النصب بـ «يا».
وقال ابن الحاجب في (وَلَن يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ) (الزخرف / ٣٩) : «إذ» بدل من «اليوم» و «اليوم» إما ظرف للنفع المنفي ، وإما لما في «لن» من معنى النفي ، أي : انتفى في هذا اليوم النفع ، فالمنفي نفع مطلق ، وعلى الأول نفع مقيد باليوم.
وقال ايضاً : إذا قلت : «ما ضربته للتأديب» فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل ، والمنفي ضرب مخصوص ، و «للتأديب» تعليل للضرب المنفي ، وإن قصدت نفي الضرب على كل حال ، فاللام متعلقة بالنفي والتعليل له ، أي : إن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب ; لأنه قد يؤدب بعض الناس
__________________
١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٣٤٠.
٢ ـ قال بغدادي : «ولم أقف على الشعر». شرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٣٤٠.