مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

«هو قوي الرجل واليد» برفع المعطوف ، وأجاز البغداديون إتباع المنصوب بمجرور في البابين ، كقول امرئ القيس :

٣٧٤ ـ فظلَّ طُهاة اللحم مابين مُنْضِج

صَفيف شِواء أو قدير مُعَجّل (١)

«القدير» المطبوخ في القدر ، وهو عندهم عطف على «صفيف» وخرج على أن الأصل : «أو طابخ قدير» ثم حذف المضاف واُبقي جر المضاف إليه ، كقراءة بعضهم : (وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ) (الأنفال / ٦٧) بالخفض ، أو أنه عطف على «صفيف» ولكن خفض على الجوار أو على توهم أن «الصفيف» مجرور بالإضافة كما قال زهير :

٣٧٥ ـ بدالي أني لست مدرك مامضى

ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا (٢)

ما افترق فيه الحال والتمييز ، وما اجتمعا فيه

اعلم أنهما اجتمعا في خمسة اُمور ، وافترقا في سبعة.

فأوجه الاتفاق أنهما : اسمان ، نكرتان ، فضلتان ، منصوبتان ، رافعتان للإبهام.

وأما أوجه الافتراق : فأحدها أن الحال تكون جملة كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «بعثه والناس ضُلاّل في حَيْرة» (٣) وظرفاً ، نحو : «رأيت الهلال بين السحاب» وجاراً ومجروراً ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِه فِي زِينَتِه) (القصص / ٧٩) والتمييز لايكون إلا اسماً.

والثاني : أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها ، كقوله تعالى : (وَلا تَمْشِ

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٥٧.

٢ ـ تقدم برقم ٢٢١.

٣ ـ نهج البلاغة : ط ٩٦ / ٢٨٢.

٦١

فِي الاْرْضِ مَرَحاً) (الإسراء / ٣٧) بخلاف التمييز.

والثالث : أن الحال مبينة للهيئات ، والتمييز مبين للذوات.

والرابع : أن الحال تتعدد كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وأستهديه قريباً هادياً ، وأستعينه قاهراً قادراً ، وأتوكل عليه كافياً ناصراً» (١) بخلاف التمييز.

والخامس : أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلاً متصرفاً ، أو وصفاً يشبهه ، نحو : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ) (القمر / ٧) وقول يزيد بن زياد :

٣٧٦ ـ عَدَسْ ما لعبّاد عليكِ إمارة

نجوتِ وهذا تحملين طليق (٢)

أي : وهذا طليق محمولا لك ، ولايجوز ذلك في التمييز على الصحيح ، فأما استدلال ابن مالك على الجواز بقوله : (٣)

٣٧٧ـ إذَاالمرءعيناًقرّ بالعيش مُثريا

ولم يُعن بالإحسان كان مذمَّما

فسهو ; لأن «المرء» مرفوع بمحذوف يفسره المذكور ، والناصب للتمييز هو المحذوف ، وأما قوله : (٤)

٣٧٨ ـ أنفساً تطيب بنيل المنى

وداعي المنون ينادي جهاراً

فضرورة.

والسادس : أن حق الحال الاشتقاق ، وحق التمييز الجمود ، وقد يتعا كسان فتقع الحال جامدة ، نحو : «هذا مالك ذهبا» (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً)

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٨٢ / ١٨٢.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٥٩.

٣ ـ قال البغدادي : البيت لحسان بن ثابت. شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٥. ولم نجده في ديوانه.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٢٦ وشرح شواهد أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٦. لم يسم قائله.

٦٢

(الأعراف / ٧٤) ويقع التمييز مشتقاً ، نحو : «لله دره فارساً» واختلف في المنصوب بعد «حبذا» فقال الأخفش والفارسي والربعي : حال مطلقاً ، وأبو عمرو بن العلاء : تمييز مطلقاً ، وقيل : الجامد تمييز والمشتق حال ، وقيل : الجامد تمييز والمشتق إن اريد تقييد المدح به كقوله : (١)

٣٧٩ ـ يا حبذاالمال مبذولابلاسرف

في أوجه البر إسراراً وإعلاناً

فحال ، وإلا فتمييز ، نحو : «حبذا راكباً زيد».

والسابع : أن الحال تكون مؤكدة لعاملها ، نحو : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) (النمل / ١٩) ولايقع التمييز كذلك.

أقسام الحال

تنقسم باعتبارات :

الأول : انقسامها باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين : منتقلة وهو الغالب ، وملازمة ، وذلك واجب في ثلاث مسائل :

إحداها : الجامدة غير المؤولة بالمشتق ، نحو : «هذا مالك ذهباً» بخلاف نحو : «بعته يداً بيد» فإنه بمعنى متقابضين ، وهو وصف منتقل ، وإنما لم يؤول في الأول ; لأنها مستعملة في معناها الوضعي ، بخلافها في الثاني ، وكثير يتوهم أن الحال الجامدة لا تكون إلا مؤولة بالمشتق ، وليس كذلك.

الثانية : المؤكدة ، نحو : (وَلّى مُدْبِراً) (النمل / ١٠).

الثالثة : التي دل عاملها على تجدد صاحبها ، نحو : (وَخُلِقَ الاْنْسانُ ضَعِيفاً)

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٦. لم يسم قائله.

٦٣

(النساء / ٢٨) وتقع الملازمة في غير ذلك بالسماع ، ومنه : (قآئِماً بِالْقِسْطِ) (آل عمران / ١٨) إذا اُعرب حالاً ، وقول جماعة : إنها مؤكدة ، وهم ; لأن معناها غير مستفاد مما قبلها.

الثاني : انقسامها بحسب قصدها لذاتها وللتوطئة بها إلى قسمين : مقصودة وهو الغالب ، وموطِّئة وهي الجامدة الموصوفة ، نحو : (فَتَمثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيّاً) (مريم / ١٧) فإنما ذكر «بشراً» توطئة لذكر «سوياً» وتقول : «جاءني زيد رجلاً محسناً».

الثالث : انقسامها بحسب الزمان إلى ثلاثة : مقارنة ، وهو الغالب ، نحو : (هذابَعْلِي شَيْخاً) (هود / ٧٢) ومقدرة ، وهي المستقبلة كـ «مررت برجل معه صقر صائداً به غداً» ، أي : مقدراً ذلك ، ومحكية ، وهي الماضية ، نحو : «جاء زيد أمس راكباً» (١).

الرابع : انقسامها بحسب التبيين والتوكيد إلى قسمين : مبينة ، وهو الغالب ، وتسمى مؤسسة أيضاً ، ومؤكدة ، وهي التي يستفاد معناها بدونها ، وهي ثلاثة : مؤكدة لعاملها ، نحو : (وَلّى مُدْبِراً) (النمل / ١٠) ومؤكدة لصاحبها ، نحو : «جاء القوم طرّاً» ، ومؤكدة لمضمون الجملة ، نحو : «زيد أبوك عطوفاً».

ومما يشكل ، قولهم في نحو : «جاء زيد والشمس طالعة» : إن الجملة الاسمية حال ، مع أنها لاتنحل إلى مفرد ، ولاتبين هيئة فاعل ولامفعول ، ولا هي حال

__________________

١ ـ كذا في مغني اللبيب وقيل : أي داع إلى ارتكاب كون الحال فيه محكية مع إمكان جعلها مقارنة بأن يكون «راكبا» اُريد بزمنه ، المضي المقارن لز من عامله. واُجيب بأن ظاهر كلام ابن هشام أن الحال المقارنة هي التي معناها مقارن للتكلم ، والمقدرة معناها مستقبل عنه والمحكية معناها ماض عنه وعلى هذا فلا إشكال في كون «راكباً» حلاً محكية. راجع المنصف : ٢ / ١٦٧.

٦٤

مؤكدة ، فقال ابن جني ، تأويلها : جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه ، يعني فهي كالحال والنعت السببيين كـ «مررت بالدار قائماً سكانها ، وبرجل قائم غلمانه» ، وقال ابن عمرون : هي مؤولة بقولك : مُبكراً ، ونحوه ، وقال صدر الأفاضل تلميذ الزمخشري : إنما الجملة مفعول معه ، وأثبت مجيء المفعول معه جملة ، وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر) (لقمان / ٢٧) في قراءة من رفع «البحر» : هو كقول امرئ القيس :

٣٨٠ـ وقدأغتديوالطيرفيوكناتها

بمُنْجَرِد قيد الأوابد هيكل (١)

و «جئت والجيش مصطف» ونحوهما من الأحوال التي حكمها حكم الظروف ، فلذلك عريت عن ضمير ذي الحال ، ويجوز أن يقدر : وبحرها أي : وبحر الأرض.

إعراب أسماء الشرط والاستفهام ونحوها

إعلم أنها إن دخل عليها جار أو مضاف فمحلها الجر ، نحو : (عمّ يتساءلون) (النبأ / ١) ونحو : «صبيحة أي يوم سفرك؟» وإلا فإن وقعت على زمان ، نحو : (أيان يبعثون) (النحل / ٢١) أو مكان ، نحو : (فأين تذهبون) (التكوير / ٢٦) أو حدث ، نحو قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «تعبدوا للدنيا أي تعبد ، وآثروها أي

__________________

١ ـ شرح المعلقات السبع : ٢٩. واستعمل امرؤ القيس المصراع الأول في عدة قصائد منها في اللامية ، وتمامه : لغيث من الوَشْمي رائده خالي ومنها في البائية وتمامه : وماء الندى يجري على كل مِذنب. راجع شرح أبيات مغني اللبيب : ٣ / ٣٧٥ و ٣٧٦ وشرح شواهد المغني : ١ / ٩٢ و ٦٩ و ٩٧.

٦٥

إيثار ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلّغ» (١) فهي منصوبة مفعولاً فيه ومفعولاً مطلقاً ، وإلا فإن وقع بعدها اسم نكرة ، نحو : «من اب لك؟» فهى مبتدأة ، أو اسم معرفة ، نحو : «من زيد؟» فهي خبر أو مبتدأ على الخلاف السابق ، ولايقع هذان النوعان في أسماء الشرط ، وإلا فإن وقع بعدها فعل قاصر فهي مبتدأة ، نحو : «من قام؟» وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودةُ» (٢) ، والأصح أن الخبر فعل الشرط لافعل الجواب ، وإن وقع بعدها فعل متعد فإن كان واقعا عليها فهي مفعولة به ، نحو : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (غافر / ٨١) ونحو : (أَيّاًماتَدْعُوا) (الإسراء / ١١٠) ونحو : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِىَ لَهُ) (الأعراف / ١٨٦) وإن كان واقعاً على ضميرها ، نحو : «من رأيته؟» أو متعلقها ، نحو : «من رأيت أخاه؟» فهي مبتدأة أو منصوبة بمحذوف مقدر بعدها يفسره المذكور.

تنبيه

وإذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره فعل الشرط وحده ; لأنه اسم تام ، وفعل الشرط مشتمل على ضميره ، فقولك : «من يقم» لو لم يكن فيه معنى الشرط لكان بمنزلة قولك : «كل من الناس يقوم» أو فعل الجواب ; لأن الفائدة به تمت ، ولالتزامهم عود ضمير منه إليه على الأصح ، ولأن نظيره هو الخبر في قولك : «الذي يأتيني فله درهم» أو مجموعهما ، لأن قولك : «من يقم أقم معه» بمنزلة قولك : «كل من الناس إن يقم أقم معه» والصحيح : الأول ، وإنما توقفت الفائدة على الجواب من حيث التعليق فقط ، لا من حيث الخبرية.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١١٠ / ٣٤٤.

٢ ـ تعج البلاغة : ط ٢٣ / ٨٤.

٦٦

مسوغات الابتداء بالنكرة

لم يعول المتقدمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة ، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة ، فتتبعوها ، فمن مقل مخلّ ، ومن مكثر مورد مالايصلح أو معدد لاُمور متداخلة ، والذي يظهر أنها منحصرة في عشرة اُمور :

أحدها : «أن تكون موصوفة لفظاً أو تقديراً أو معنى» ، فالأول ، نحو : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (الأنعام / ٢) ومن ذلك قولهم : «ضعيف عاذ بقرملة» ، إذ الأصل : رجل ضعيف ، فالمبتدأ في الحقيقة هو المحذوف ، وهو موصوف ، والنحويون يقولون : يبتدأ بالنكرة إذا كانت موصوفة أو خلفاً من موصوف ، والصواب : ما ذكرناه. وليست كل صفة تحصل الفائدة ، فلو قلت : «رجل من الناس جاءني» لم يجز. والثاني ، نحو قولهم : «السمن منوان بدرهم» أي : منوان منه بدرهم ، وقولهم : «شر أهر ذاناب» ، إذا المعنى : شر أيّ شر. والثالث نحو : «رجيل جاء ني» ; لأنه في معنى رجل صغير ، وقولهم : «ما أحسن زيداً» ; لأنه في معنى شيء عظيم حسّن زيداً ، وليس في هذين النوعين صفة مقدرة فيكونا من القسم الثاني.

والثاني : أن تكون عاملة : إما رفعاً ، نحو : «قائم الزيدان» عند من أجازه ، أو نصباً ، نحو : «أمر بمعروف صدقة» ; إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر أو جراً ، نحو : «غلام امرأة جاءني» ، وشرط هذه : أن يكون المضاف إليه نكرة ، كما مثلنا ، أو معرفة والمضاف مما لايتعرف بالإضافة ، نحو : «مثلك لايبخل» و «غيرك لايجود» وأما ما عدا ذلك فإن المضاف إليه فيه معرفة لانكرة.

والثالث : العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء

٦٧

به ، نحو : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (محمّد / ٢١) (١) أي : أمثل من غيرهما ، ونحو : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يَتْبَعُها أَذًى) (البقرة / ٢٦٣) ، وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط ، منهم ابن مالك.

والرابع : أن يكون خبرها ظرفاً أو مجروراً ، قال ابن مالك : أو جملة ، نحو : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (ق / ٣٥) و (لِكُلِّ أَجَل كِتابٌ) (الرعد / ٣٨) و «قصدك غلامُه رجل» وشرط الخبر فيهن الاختصاص ، فلوقيل : «في دار رجل» لم يجز ; لأن الوقت لايخلوعن أن يكون فيه رجل ما في دار ما ، فلا فائدة في الإخبار بذلك ، قالوا : والتقديم ، فلايجوز «رجل في الدار» والصواب : أن يقال : إنما وجب التقديم هنا ; لدفع توهم الصفة ، واشتراطه هنا يوهم أن له مدخلاً في التخصيص ، وقد ذكروا المسألة فيما يجب فيه تقديم الخبر وذاك موضعها.

والخامس : أن تكون عامة : إما بذاتها كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام ، أو بغيرها ، نحو : «ما رجل في الدار» و «هل رجل في الدار؟» و (أَإلهٌ مَعَ اللهِ) (النمل / ٦٠).

والسادس : أن تكون مراداً بها الحقيقة من حيث هي ، نحو : «رجل خير من امرأة».

والسابع : أن تكون في معنى الفعل ، وهذا شامل لنحو : «عجب لزيد»

__________________

١ ـ قال الصبان : «مثال من غير القرآان. أما طاعة وقول معروف الذي في قوله تعالى : (فَأَوْلَىٰ لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ) فليس خبره مقدراً بل مذكور قبله وهو «أولى» أو خبر و «أولى» مبتدأ. حاشية الصبان : ١ / ٢٠٥. فتأمل ، راجع مغني اللبيب ، الباب الخامس ، ذكر أماكن الحذف ، ما يحتمل النوعين.

٦٨

وضبطوه بأن يراد بها التعجب ، ولنحو : (سَلامٌ عَلى إلْ ياسِينَ) (الصافات / ١٣٠) و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (المطففين / ١) وضبطوه بأن يراد بها الدعاء ، ولنحو : «قائم الزيدان» عند من جوزها ، وعلى هذا ففي نحو : «ما قائم الزيدان» مسوغان ، وأما منع الجمهور لنحو : «قائم الزيدان» فليس لأنه لا مسوغ فيه للابتداء ، بل إما لفوات شرط العمل وهو الاعتماد ، أو لفوات شرط الاكتفاء بالفاعل عن الخبر وهو تقدم النفي أو الاستفهام ، وهذا أظهر ، لوجهين :

أحدهما : أنه لايكفي مطلق الاعتماد ، فلايجوز في نحو : «زيد قائم أبوه» كون «قائم» مبتدأ وإن وجد الاعتماد على المخبر عنه.

والثاني أن اشتراط الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب ، لا لمطلق العمل ، بدليلين : أحدهما : أنه يصح «زيد قائم أبوه أمس» والثاني أنهم لم يشترطوا لصحة نحو : «أقائم الزيدان» كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال.

والثامن : أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة ، نحو : «شجرة سجدت» ; إذ وقوع ذلك من أفراد هذا الجنس غير معتاد ، ففي الإخبار به عنها فائدة ، بخلاف نحو : «رجل مات» ونحوه.

والتاسع : أن تقع بعد«إذا»الفجائية ، نحو : «خرجت فإذا أسدأو رجل بالباب» ، إذ لاتوجب العادة ألا يخلو الحال من أن يفاجئك عند خروجك أسد أو رجل.

والعاشر : أن تقع في أول جملة حالية ، نحو قولك : «قطعت الصحراء ودليل يهديني». وعلة الجواز ما ذكرناه في المسألة قبلها ، ومن ذلك قوله : (١)

٣٨١ـ الذئب يطرقهافي الدهرواحدة

وكل يوم تراني مُدية بيدي

__________________

١ ـ قال البغدادي : لم يصرح أحد من شراح الحماسة ياسم قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٣٥.

٦٩

وبهذا يعلم أن اشتراط النحويين وقوع النكرة بعد واو الحال ليس بلازم. ومن روى «مدية» بالنصب فمفعول لحال محذوفة ، أي : حاملاً أو ممسكا ، ولايحسن أن يكون بدلاً من الياء.

ومما ذكروا من المسوغات : أن تكون النكرة محصورة ، نحو : «إنما في الدار رجل» أو للتفصيل ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «والدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلاتبطر وإذا كان عليك فاصبر» (١) ، أو بعد فاء الجزاء ، نحو : «إن مضى عير فعير في الرباط».

وفيهن نظر ، أما الاُولى فلأن الابتداء فيها بالنكرة صحيح قبل مجيء «إنما» وأما الثانية فلاحتمال «يوم» الأول للبدلية والثاني عطف عليه ويسمى بدل التفصيل ، وأما الثالثة فلأن المعنى : فعير آخر ، ثم حذفت الصفة.

أقسام العطف

وهي ثلاثة :

أحدها : العطف على اللفظ ، وهو الأصل ، نحو : «ليس زيد بقائم ولا قاعد» بالخفض ، وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف ، فلايجوز في نحو : «ما جاءني من امرأة ولا زيد» إلا الرفع عطفاً على الموضع ; لأن «من» الزائدة لا تعمل في المعارف.

وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل جميعاً ، نحو : «ما زيد قائماً لكن أو بل قاعد» ; لأن في العطف على اللفظ إعمال «ما» في الموجب ، وفي العطف على المحل اعتبار الابتداء مع زواله بدخول الناسخ ، والصواب : الرفع على إضمار مبتدأ.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٣٩٠ / ١٢٧٣.

٧٠

والثاني : العطف على المحل ، نحو «ليس زيد بقائم ولا قاعداً» بالنصب ، وله عند المحققين ثلاثة شروط :

أحدها : إمكان ظهوره في الفصيح ، ألا ترى أنه يجوز في «ليس زيد بقائم» و «ما جاءني من امرأة» أن تسقط الباء فتنصب ، و «مِن» فترفع؟ وعلى هذا فلايجوز «مررت بزيد وعمراً» خلافاً لابن جني ; لأنه لايجوز «مررت زيداً» وأما قول جرير :

٣٨٢ ـ تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذن حرام (١)

فضرورة ، ولاتختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائداً كما مثلنا ، بدليل قول لبيد :

٣٨٣ـ فإن لم تجدمن دون عدنان والداً

ودون مَعَدٍّ فلتزعْك العواذل (٢)

والثاني : أن يكون الموضع بحق الأصالة ، فلايجوز «هذا ضارب زيداً وأخيه» ; لأن الوصف المستوفي لشروط العمل ، الأصل : إعماله لا إضافته لا لتحاقه بالفعل.

والثالث : وجود المحرز ، أي : الطالب لذلك المحل ، وابتني على هذا امتناع مسائل :

إحداها : «إن زيداً وعمرو قائمان» وذلك لأن الطالب لرفع «زيد» هو الابتداء والابتداء هو التجرد ، والتجرد قد زال بدخول «إنّ».

الثانية : «إن زيداً قائم وعمرو» إذا قدرت «عمراً» معطوفاً على المحل ،

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٣١١.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ١٥١.

٧١

لامبتدأ ، وأجاز هذه بعض البصريين ; لأنهم لم يشترطوا المحرز ، وإنما منعوا الاُولى لمانع آخر ، وهو توارد عاملين : «إن» والابتداء ، على معمول واحد وهو الخبر ، وأجازهما الكوفيون ; لأنهم لايشترطون المحرز ، ولأن «إنّ» لم تعمل عندهم في الخبر شيئاً ، بل هو مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها ، ولكن شرط الفراء لصحة الرفع قبل مجيء الخبر خفاء إعراب الاسم ; لئلا يتنافر اللفظ ، ولم يشترطه الكسائي كما أنه ليس بشرط بالاتفاق في سائر مواضع العطف على اللفظ. وحجتهما قوله تعالى : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابئونَ) (المائدة / ٦٩) الآية (١) ، وقولهم : «إنك وزيد ذاهبان». واُجيب عن الآية بأمرين : أحدهما : أن خبر «إن» محذوف ، أي : مأجورون أو آمنون أو فرحون ، و «الصابئون» مبتدأ وما بعده الخبر. ويضعفه أنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه وإنما الكثير العكس. والثاني : أن الخبر المذكور لـ «إن» وخبر «الصابئون» محذوف ، أي : كذلك. ويضعفه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها.

وعن المثال بأمرين : أحدهما : أنه عطف على توهم عدم ذكر «إن». والثاني : أنه تابع لمبتدأ محذوف ، أى : إنك أنت وزيد ذاهبان. وعليهما خرج قولهم : «إنهم أجمعون ذاهبون».

المسألة الثالثة : «هذا ضارب زيد وعمراً» بالنصب.

المسألة الرابعة : «أعجبني ضربُ زيد وعمرو» بالرفع أو «وعمراً» بالنصب ، منعهما الحذاق ; لأن الاسم المشبه للفعل لا يعمل في اللفظ حتى يكون بـ «أل» أو منوناً أو مضافاً ، وأجازهما قوم تمسكاً بظاهر قوله تعالى : (وَجاعِلِ الّيْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) (الأنعام / ٩٦) وقول الشاعر : (٢)

__________________

١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٤٦.

٧٢

٣٨٤ ـ هَوِيتَ سناء مستطاباً مُجدَّدا

فلم تخلُ من تمهيد مجد وسوددا

واُجيب بأن ذلك على إضمار عامل يدل عليه المذكور ، أي : وجعل الشمس ، ومهدت سوددا ، أو يكون «سوددا» مفعولاً معه ، ويشهد للتقدير في الآية أن الوصف فيها بمعنى الماضي ، والماضي المجرد من «أل» لايعمل النصب ويوضح لك مضيه قوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص / ٧٣) وجوز الزمخشري كون «الشمس» معطوفاً على محل «الليل» وزعم مع ذلك أن الجعل مراد منه فعل مستمر في الأزمنة لا الزمن الماضي بخصوصيته مع نصه في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة / ٤) على أنه إذا حمل على الزمن المستمر كان بمنزلته إذا حمل على الماضي في أن إضافته محضة.

والثالث : العطف على التوهم ، نحو : «ليس زيد قائماً ولاقاعد» بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر ، وشرط جوازه صحة دخول ذلك العامل المتوهم ، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك ، ولهذا حسن قول زهير :

٣٨٥ـ بدالي أني لست مدرك مامضى

ولاسابق شيئا إذا كان جائيا (١)

ولم يحسن قول الآخر : (٢)

٣٨٦ ـ وما كنت ذا نيرب فيهم

ولامُنمِش فيهم مُنمِل

لقلة دخول الباء على خبر «كان» بخلاف خبري «ليس وما» والنيرب : النميمة ، والمنمل : الكثير النميمة ، والمنمش : المفسد ذات البين.

وكما وقع هذا العطف في المجرور ، وقع في أخيه المجزوم ، ووقع أيضا في

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٢١ و ٣٧٥.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٦٩. لم يسم قائله.

٧٣

المرفوع اسماً ، وفي المنصوب اسماً وفعلاً ، وفي المركبات.

فأما المجزوم فقال به الخليل وسيبويه فى قراءة غير أبي عمرو : (لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَل قَرِيب فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ) (المنافقون / ١٠) فإن معنى لولا أخرتني فأصدق ومعنى إن أخرتني أصدق واحد ، وقال السيرا في والفارسي : هو عطف على محل (فَأَصَّدَّقَ) كقول الجميع في قراءة الأخوين : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِىَ لَهُ وَيَذَرْهُمْ) (الأعراف / ١٨٦) بالجزم ، ويرده أنهما يسلمان أن الجزم في نحو : «ائتني اكرمك» بإضمار الشرط ، فليست الفاء هنا وما بعدها في موضع جزم ; لأن ما بعد الفاء منصوب بـ «أن» مضمرة ، و «أن» والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم مما تقدم ، فكيف تكون الفاء مع ذلك في موضع الجزم؟ وليس بين المفردين المتعاطفين شرط مقدر.

وأما المرفوع فقال سيبويه : (١) واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون : «إنهم أجمعون ذاهبون ، وإنك وزيد ذاهبان» وذاك أن معناه معنى الابتداء ، فيرى أنه قال : «هم» كما قال :

٣٨٧ ـ بدالي أني لست مدرك مامضى

ولاسابق شيئاً إذا كان جائيا (٢)

انتهى.

ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم ، وذلك ظاهر من كلامه ، ويوضحه إنشاده البيت ، وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم ، وامتنع أن نثبت شيئاً نادراً لإمكان أن يقال في كل نادر : إن قائله غلط.

__________________

١ ـ الكتاب : ١ / ٣٣٩.

٢ ـ تقدم برقم ٢٢١ و ٣٧٥ و ٣٨٥.

٧٤

وأما المنصوب اسماً ، فقال بعضهم في قوله تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطْان مارِد) (الصافات / ٧) : إنه عطف على معنى (إنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَة الْكَواكِبِ) (الصافات / ٦) وهو إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء ، ويحتمل أن يكون مفعولا لأجله أو مفعولا مطلقاً ، وعليهما فالعامل محذوف ، أي : وحفظاً من كل شيطان زيناها بالكواكب ، أو وحفظناها حفظاً.

وأما المنصوب فعلا فكقراءة بعضهم : (وَدُّوا لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُوا) (القلم / ٩) حملا على معنى ودوا أن تدهن.

وأما في المركبات فقد قيل في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّرات وَلِيُذِيقَكُمْ) (١) (الروم / ٤٦) : إنه على تقدير ليبشركم وليذيقكم ، ويحتمل أن التقدير : وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلها ، وهو أولى ; لأن إضمار الفعل لدلالة المعنى عليه أسهل من العطف على المعنى.

تنبيه

من العطف على المعنى على قول البصريين نحو : «لألزمنك أو تقضيني حقي» ; إذ النصب عندهم بإضمار «أن» و «أن» والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم ، أي : ليكوننّ لزوم مني أو قضاء منك لحقي ، ومنه : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا) (الفتح / ١٦) في قراءة اُبيّ بحذف النون ، وأما قراءة الجمهور بالنون فبالعطف على لفظ (تُقاتِلُونَهُمْ) أو على القطع بتقدير : أو هم يسلمون ، ومثله : «ما تأتينا فتحدثنا» بالنصب ، أي ما يكون منك إتيان فحديث ، ومعنى هذا نفي الإتيان فينتفي الحديث ، أي : ما تأتينا فكيف تحدثنا ، أو نفي الحديث فقط حتى كأنه

__________________

١ ـ تتمته : (مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

٧٥

قيل : «ما تأتينا محدثاً» أي : بل غير محدث.

ويجوز رفعه فيكون إما عطفاً على «تأتينا» فيكون كل منهما داخلا عليه حرف النفي ، أو على القطع فيكون موجباً ، وذلك واضح في نحو : «ما تأتينا فتجهل أمرنا» و «لم تقرأ فتنسى» ; لأن المراد إثبات جهله ونسيانه ، ولأنه لو عطف لجزم «تنسى». وأما إجازتهم ذلك في المثال السابق فمشكلة ; لأن الحديث لايمكن مع عدم الإتيان ، وقد يوجه قولهم بأن يكون معناه : ما تأتينا في المستقبل فأنت تحدثنا الآن عوضاً عن ذلك.

وللاستئناف وجه آخر ، وهو أن يكون على معنى السببيّة وانتفاء الثاني لانتفاء الأول ، وهو أحد وجهي النصب ، وهو قليل ، وعليه قول مويلك المزموم :

٣٨٨ ـ فلقد تركتِ صبيّة مرحومة

لم تدرِ ما جزعٌ عليكِ فتجزع (١)

أي : لو عرفت الجزع لجزعت ، ولكنها لم تعرفه فلم تجزع.

تنبيه

«لا تأكل سمكاً وتشرب لبناً» إن جزمت فالعطف على اللفظ ، والنهي عن كل منهما ، وإن نصبت فالعطف عند البصريين على المعنى ، والنهي عند الجميع عن الجمع ، أي : لايكن منك أكل سمك مع شرب لبن ، وإن رفعت فالمشهور أنه نهي عن الأول وإباحة للثاني ، وأن المعنى : ولك شرب اللبن ، وتوجيهه أنه مستأنف ، فلم يتوجه إليه حرف النهي.

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٥٩.

٧٦

عطف الخبر على الإنشاء ، وبالعكس

منعه البيانيون ، وابن مالك في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل ، وابن عصفور في شرح الإيضاح ، ونقله عن الأكثرين ، وأجازه الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة مستدلين بنحو قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمؤْمِنينَ) (الصف / ١٣) وقال الزمخشري في جوابهم : إن العطف على (تُؤْمِنُونَ) (١) (الصف / ١١) ، لأنه بمعنى «آمِنوا» ولايقدح في ذلك أن المخاطب بـ (تُؤْمِنُونَ) المؤمنون وبـ (بَشِّر) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا أن يقال في (تُؤْمِنُونَ) : إنه تفسيرللتجارة لا طلب ، وإن (يَغْفِرلكم) جواب الاستفهام تنزيلاً لسبب السبب وهوالدلالة منزلة السبب وهو الإيمان ، لأن تخالف الفاعلين لايقدح ، تقول : «قوموا واقعد يازيد» ، ولأن «تؤمنون» لايتعين للتفسير ، سلمنا ، ولكن يحتمل أنه تفسير مع كونه أمراً ، وذلك بأن يكون معنى الكلام السابق : اتجروا تجارة تنجيكم من عذاب أليم كما كان (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة / ٩١) في معنى «انتهوا» أو بأن يكون تفسيراً في المعنى دون الصناعة ; لأن الأمر قد يساق لإفادة المعنى الذي يتحصل من المفسرة ، تقول : «هل أدلك على سبب نجاتك؟ آمن بالله» كما تقول : «هو أن تؤمن بالله» ، وحينئذ فيمتنع العطف ; لعدم دخول التبشير في معنى التفسير.

__________________

١ ـ قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف ١٠ ـ ١٣).

٧٧

عطف الاسمية على الفعلية ، وبالعكس

فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : الجواز مطلقاً ، وهو المفهوم من قول النحويين في باب الاشتغال في مثل : «قام زيد وعمراً أكرمته» : إن نصب «عمراً» أرجح ; لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.

والثانى : المنع مطلقاً ، حكي عن ابن جني أنه قال في قوله : (١)

٣٨٩ ـ عاضها الله غلاماً بعد ما

شابت الأصداغُ والضرْسُ نَقِد

 : إن «الضرس» فاعل بمحذوف يفسره المذكور ، وليس بمبتدأ ، ويلزمه إيجاب النصب في مسألة الاشتغال السابقة ، إلا أن قال : اُقدر الواو للاستئناف.

والثالث : لأبي علي ، أنه يجوز في الواو فقط ، نقله عنه أبو الفتح في سر الصناعة ، وبنى عليه منع كون الفاء في «خرجت فإذا الأسد حاضر» عاطفة. وأضعف الثلاثة : القول الثاني.

العطف على معمولي عاملين

وقولهم : «على عاملين» فيه تجوز. أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد ، نحو : «إن زيداً ذاهب وعمراً جالس» وعلى معمولات عامل ، نحو : «أعلم زيد عمراً بكراً جالساً وأبوالحسن خالداً سعيداً منطلقاً» وعلى منع

__________________

١ ـ قال البغدادي : لم أقف على قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٦٧.

٧٨

العطف على معمول أكثر من عاملين ، نحو : «إن زيداً ضارب أبوه لعمرو ، وأخاك غلامه بكر» وأما معمولا عاملين ، فإن لم يكن أحدهما جاراً فقال ابن مالك : هو ممتنع إجماعاً ، نحو : «كان آكلا طعامك عمرو وتمرك بكر» وليس كذلك ، بل نقل الفارسي ، الجواز مطلقاً عن جماعة ، وقيل : إن منهم الأخفش ، وإن كان أحدهما جاراً فإن كان الجار مؤخراً نحو : «زيد في الدار والحجرة عمرو ، أو وعمرو الحجرةِ» فنقل المهدوي أنه ممتنع إجماعاً ، وليس كذلك ، بل هو جائز عند من ذكرنا ، وإن كان الجار مقدماً ، نحو : «في الدار زيد والحجرةِ عمرو» فالمشهور عن سيبويه : المنع ، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام ، وعن الأخفش : الإجازة ، وبه قال الكسائي والفراء والزجاج ، وفصل قوم ـ منهم الأعلم ـ فقالوا : إن ولي المخفوض ، العاطف كالمثال جاز ; لأنه كذا سمع ، ولأن فيه تعادل المتعاطفات ، وإلا امتنع ، نحو : «في الدار زيد وعمرو الحجرةِ».

المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظاً ورتبة

وهي سبعة :

أحدها : أن يكون الضمير مرفوعاً بـ «نعم أو بئس» ، ولايفسر إلا بالتمييز ، نحو : «نعم رجلا زيد ، وبئس رجلاً عمرو» ، ويلتحق بهما «فعُل» الذي يراد به المدح والذم ، نحو : (سآءَ مَثَلا الْقَوْمُ) (الأعراف / ١٧٧) ، و : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (الكهف / ٥) ، و : «ظرف رجلاً زيد» ، وعن الفراء والكسائي : أن المخصوص هو الفاعل ، ولا ضمير في الفعل ، ويرده «نعم رجلا كان زيد» ولايدخل الناسخ على الفاعل ، وأنه قد يحذف ، نحو : (بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف / ٥٠).

٧٩

الثاني : أن يكون مرفوعاً بأول المتنازعين المعمِل ثانيهما ، نحو قوله : (١)

٣٩٠ ـ جفونيولم أجف الأخلاء ، إنني

لغير جميل من خليلي مهمل

والكوفيون يمنعون من ذلك ، فقال الكسائي : يحذف الفاعل ، وقال الفراء : يضمر ويؤخر عن المفسر ، فإن استوى العاملان في طلب الرفع وكان العطف بالواو نحو : «قام وقعد أخواك» فهو عنده فاعل بهما.

الثالث : أن يكون مخبراً عنه فيفسره خبره ، نحو : (إنْ هِىَ إلاّ حَياتُنا الدُّنْيا) (الأنعام / ٢٩).

الرابع : ضمير الشأن والقصة ، نحو : (قُلْ هَوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص / ١) ونحو : (فَإذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذينَ كَفَروا) (الأنبياء / ٩٧) ، والكوفي يسميه : ضمير المجهول.

وهذا الضمير مخالف للقياس من خمسة أوجه

أحدها : عوده على ما بعده لزوماً ; إذ لايجوز للجملة المفسرة له أن تتقدم هي ولا شيء منها عليه.

والثانى : أن مفسره لايكون إلا جملة ، ولايشاركه في هذا ضمير. وأجاز الكوفيون والأخفش تفسيره بمفرد له مرفوع نحو : «كان قائماً زيد وظننته قائماً عمرو» وهذا إن سمع خرج على أن المرفوع مبتدأ واسم «كان» وضمير «ظننته» راجعان إليه ; لأنه في نية التقديم ويجوز كون المرفوع بعد «كان» اسماً لها.

والثالث : أنه لايتبع بتابع ; فلا يؤكد ، ولايعطف عليه ، ولايبدل منه.

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٧٤.

٨٠