مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

الباب السادس :

في التحذيرمن اُموراشتهرت بين المعربين

والصواب خلافهاوهي كثيرة

منها : قولهم : «بل حرف إضراب» والصواب : حرف استدراك وإضراب؛ فإنها بعد النفي والنهي بميزلة «لكن» سواء.

ومنها : قولهم في نحو : «ائتني اُكرمك» : إن الفعل مجزوم في جواب الأمر ، والصحيح : أنه جواب لشرط معدر ، وقد يكون إنما أرادوا تقريب المسافة على المتعلمين.

ومنها : قولهم في نحو قوله تعالى : (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) (النساء / ٣) : إن ابواو نائبة عن «أو» ولا يعرف ذلك في اللغة ، وإنما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين ، وأما الآية فقال حيزة بن الحسين بأن الواو بمعنى «أو» عجز عن درك الحق ، فاعلموا أن الأعداد التي تجمع قسمان : قسم يؤتى به؛ ليضم بعضه إلى بعض وهو الأعداد الاُصول ، نحو : (لَاثَةِ أَيَّامٍ فِي

١٦١

الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) (البقرة / ١٩٦) وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض ، وإنما يراد به الانفراد ، لا الاجتماع ، وهو الأعداد المعدولة كهذه الآية ووآية سورة فاطر(١) ، وقال : أي : منهم ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة ، فكل جنس مفرد بعدد ، وقال ساعدة بن جؤية : ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة ، فكل جنس مفرد بعدد ، وقال ساعدة بن جؤية :

٤٦٣ ـ ولكنما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تَبَغَّى الناس مثنى وموحد(٢)

ولم يقولوا : ثلاث وخماس ، ويريدون ثمانية كما قال الله تعالى : (ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذا رَجَعْتُمْ) (البقرة / ١٩٦).

وقال الزمخشري : فإن قلت : الذي اُطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التكرير في «مثنى وثلاث ورباع»؟ قلت : الخطاب للجميع ، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراده من العدد الذي اُطلق له ، كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال در همين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ، ولو أفردت لم يكن له معنى.

فإن قلت : لم جاء العطف بالواو دون «أو»؟ قلت : كما جاء بها في المثال المذكور ، ولو جئت فيه بـ «أو» لأعلمت أنه لا يسوغ له مأن يقسوموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسمة على تثنية وبعضها على تثليث وبعضها على تربيع ، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمه الذي دلت عليه الواو ، وتحريره : أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع ، إن شاؤوا مختلفين في

__________________

١ ـ (الْحَمْدُ لِلَّـهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فاطر / ١).

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٤٢.

١٦٢

تلك الأعداد وإن كاؤوا متفقين فيها ، محظوراً عليهم ما وراء ذلك.

ومنها : قولهم : «المؤنث المجازي يجوز مقه التذكير والتأنيث» والصواب : تقييده تالمسند إلى المؤنث المجازي ، وبكون المسند فعلاً أو شبهه ، وبكون المؤنث ظاهراً ، وذلك نحو : «طلع الشمس ويطلع الشمس وأطالعٌ الشمس» ولايجوز : «هذا الشمس ولا هو الشمس ولا الشمس هذا أو هو» ولا يجوز في غير ضرورة : «الشمس طلع» خلافاً لاين كيسان ، واحتج بقول عامر بن جُوَين :

٤٤٤ ـ فلا مزنة ودَقَتَ ودقهَا

ولا أرض أبقل إبقالها(١)

قال : وليس بضرورة؛ لتمكنه من أن يقول «أبقلت إبقالها» بالنقلن ورد بأنا لا نسلم أن هذا الشاعر ممن اغته تخفيف الهمزة بنقل أو غيره.

ومنها : قولهم : «إن النكرة إذا اُعيدت نكرة كانت غير الاُولى ، وإذا اُعيدت معرفة أو اُعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثاني عين الأول» وحملوا فى ذلك ما روي «لن يغلِب عسرٌ يسرين» قال الزجاج : ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثني ذكره ، فصار المعني إنّ مع العسر يسرين. انتهى. ويشهد للصورتين الاُوليين أنك تقول : «اشتريت فرساً ثم بعت فرساً» فيكون الثاني غير الأول ، ولو قلت : «ثم تعت الفرس» لكان الثاني عين الأول ، وللرابع قول الحماسي : (٢)

٤٤٥ ـ صفحنا عن بني ذهل

وقلنا : القوم إخوان

عسى الأيام أن يرجعـ

ن قوماً كالذي كانوا

ويشكل على ذلك أن في التنزيل آيات ترد هذه الأحكام الأربعة ، فيشكل على الأول قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذى فِي السَّمآء إِلهٌ وَفِي الاَْرْضِ إِلهٌ)

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٤٣.

٢ ـ وهو هنا الفِند الوّماني ، واسمه شهل بن شيبان. راجع شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٤٤ و ٩٤٥.

١٦٣

(الزخرف / ٨٤) والله إله واحد سبحانه وتعالى. وعلى الثاني قوله تعالى : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوقَ الْعَذابِ) (النحل / ٨٨) والشيء لايكون فوق نفسه. وعلى الثالث قوله تعالى : (هَلْ جَزآءُ الاْحْسانِ إِلاَّ الاْحسانُ) (الرحمن / ٦٠) فإن الأول العمل والثاني الثواب. وعلى الرابع (يَسْألُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّمآءِ) (النساء / ١٥٣) ، فإن ادعي أن القاعدة فيهن إنما هي مستمرة مع عدم القرينة ، فأما إن وجدت قرينة فالتعويل عليها ، سهل الأمر.

ومنها : قولهم : يغلّب المؤنث المذكر في مسألتين : إحداهما : «ضَبْعان» في تثنية «ضَبْع» للمؤنث و «ضِبْعان» للمذكر ; إذ لم يقولوا : «ضِبْعانان» والثانية : التأريخ فإنهم أرخوا بالليالي دون الأيام. ذكر ذلك الجرجاني وجماعة ، وهو سهو ; فإن حقيقة التغليب : أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر ، ولا يجتمع الليل والنهار ، ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما ، وإنما أرخت العرب بالليالي ; لسبقها ; إذ كانت أشهرهم قمرية والقمر إنما يطلع ليلا ، وإنما المسألة الصحيحة قولك : «كتبته لثلاث بين يوم وليلة» وضابطها : أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث ، وكلاهما مما لايعقل ، وفُصِلا من العدد بكلمة «بين» قال النابغة الجعدي :

٤٤٦ ـ فطافت ثلاثاًبين يوم وليلة

كان النكير وأن تضيف وتَجْأرا(١)

 ومنها : قولهم في «كاد» : إثباتها نفي ، ونفيها إثبات ، فإذا قيل : «كاد يفعل» فمعناه : أنه لم يفعل ، وإذا قيل : «لم يكد يفعل» فمعناه : أنه فعله ، دليل الأول : (وَإِنْ كادُوْا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) (الإسراء / ٧٣) ودليل الثاني : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة / ٧١).

والصواب : أن حكمها حكم سائر الأفعال في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات ،

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٢٣.

١٦٤

وبيانه : أن معناها المقاربة ، ولا شك أن معنى. «كاد يفعل» : قارب الفعل ، وأن معنى «ماكاد يفعل» : ماقارب الفعل ، فخبرها منفي دائماً ، أما إذا كانت منفية فواضح ; لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلا حصول ذلك الفعل ، ودليله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (النور / ٤٠) ولهذا كان أبلغ من أن يقال : «لم يرها» ; لأن من لم يرقد يقارب الرؤية ، وأما إذا كانت المقاربة مثبتة فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفاً عدم حصوله ، وإلا كان الإخبار حينئذ بحصوله لابمقاربة حصوله : إذ لايحسن في العرف أن يقال لمن صلى : «قارب الصلاة» وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة ، ولا فرق فيما ذكرنا بين «كاد» و «يكاد» فإن اُورد على ذلك (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة / ٧١) مع أنهم قد فعلوا ; إذ المراد بالفعل : الذبح ، وقد قال تعالى : (فَذَبَحُوها) (البقرة / ٧١) فالجواب : أنه إخبار عن حالهم في أول الأمر ; فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ; بدليل ما يتلى علينا من تعنتهم وتكرر سؤالهم ، ولما كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك توهم من توهم أن مثل هذا الفعل بعينه هو الدال على حصول ذلك الفعل بعينه ، وليس كذلك ، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم في الآية من قوله تعالى : (فذبحوها).

ومنها : قولهم في نحو : «جلست أمام زيد» : إن «زيداً» مخفوض بالظرف ، والصواب : أن يقال : مخفوض بالإضافة ; فإنه لا مدخل في الخفض لخصوصية كون المضاف ظرفاً.

١٦٥
١٦٦

الباب السابع

في كيفية الإعراب والمخاطب بمعظم

هذا الباب المبتدئون

اعلم أن اللفظ المعبر عنه إن كان حرفاً واحداً عبر عنه باسمه الخاص به أو المشترك ، فيقال في المتصل بالفعل من نحو : «ضربت» : التاء فاعل ، أو الضمير فاعل ، ولا يقال : «ت» فاعل ; إذ لايكون اسم ظاهر هكذا ، فأما الكاف الاسمية فإنها ملازمة للإضافة ، فاعتمدت على المضاف إليه ولهذا إذا تكلمت على إعرابها جئت باسمها ، فقلت في نحو قول عمروبن برّاقة :

٤٤٧ ـ ولا هداك إلى أرض كعالمها

ولا أعانك في عزم كعزّام(١)

 : الكاف فاعل ، ولاتقول : «كـ» فاعل ; لزوال ما تعتمد عليه ، ويجوز في نحو : «مُ اللهِ» و «ق نفسك» و «ش الثوب» و «ل هذا الأمر» أن تنطق بلفظها ; فتقول : «مُ» مبتدأ ، وذلك على القول بأنها بعض «أيمن» ، وتقول : «ق» فعل أمر ; لأن الحذف

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٣٠.

١٦٧

فيهن عارض ، فاعتبر فيهن الأصل ، وتقول : الباء حرف جر ، والواو حرف عطف ، ولا تنطق بلفظهما.

وإن كان اللفظ على حرفين نطق به ، فقيل : «قد» حرف تحقيق ، و «هل» حرف استفهام ، و «نا» فاعل أو مفعول ، والأحسن : أن تعبر عنه بقولك : الضمير ; لئلا تنطق بالمتصل مستقلا ، ولايجوز أن تنطق باسم شيء من ذلك ; كراهية الإطالة ، وعلى هذا فقولهم : «أل» أقيس من قولهم : الألف واللام ، وقد استعمل التعبير بهما الخليل وسيبويه.

وإن كان أكثر من ذلك نطق به أيضاً ، فقيل : «سوف» حرف استقبال ، و «ضرب» فعل ماض ، و «ضرب» هذا اسم ، ولهذا اُخبر عنها بقولك : فعل ماض ، وإنما فتحت على الحكاية ، يدلك على ما ذكرنا أن الفعل مادل على حدث وزمان ، و «ضرب» هنا لا تدل على ذلك ، وأن الفعل لا يخلو عن الفاعل في حالة التركيب ، وهذا لا يصح أن يكون له فاعل.

فإن قلت : فإذا كان اسماً فكيف أخبرت عنه بأنه فعل؟ قلنا : هو نظير الإخبار في قولك : «زيد قائم» ، ألا ترى أنك أخبرت عن «زيد» باعتبار مسماه ، لا باعتبار لفظه؟ وكذلك أخبرت عن «ضرب» باعتبار مسماه ، وهو «ضرب» الذي يدل على الحدث والزمان ، فهذا في أنه لفظ مسماه لفظ كأسماء السور وأسماء حروف المعجم ، ومن هنا قلت : حرف التعريف «أل» ، فقطعت الهمزة ، وذلك لأنك لما نقلت اللفظ من الحرفية إلى الاسمية أجريتَ عليه قياس همزات الأسماء ، كما أنك إذا سميت بـ «إضرب» قطعت همزته.

ولابد للمتكلم على الاسم أن يذكر ما يقتضي وجه إعرابه ، كقولك : مبتدأ ، خبر ، فاعل ، مضاف إليه ، وأما قول كثير من المعربين : مضاف أو موصول أو اسم

١٦٨

إشارة فليس بشيء ; لأن هذه الأشياء لا تستحق إعراباً مخصوصاً فالاقتصار في الكلام عليها على هذا القدر لا يعلم به موقعها من الإعراب.

وإن كان المبحوث فيه مفعولا عين نوعه ، فقيل : مفعول مطلق أو مفعول به أو لأجله أو معه أو فيه ، وجرى اصطلاحهم على أنه إذا قيل : مفعول واُطلق ، لم يُرد إلا المفعول به ، لما كان أكثر المفاعيل دوراً في الكلام خففوا اسمه ، وإنما كان حق ذلك ألا يصدق إلا على المفعول المطلق ، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول إلا مقيداً بقيد الإطلاق.

وإن عين المفعول فيه ـ فقيل : ظرف زمان أو مكان ـ فحسن. ولابد من بيان متعلقه ، كما في الجار والمجرور الذي له متعلق.

وإن كان المفعول به متعدداً عينت كل واحد ، فقلت : مفعول أول ، أوثان ، أو ثالث. وينبغي أن تعين للمبتدئ نوع الفعل ، فتقول : فعل ماض أو فعل مضارع ، أو فعل أمر ، وتقول في نحو : (تلظّى) (الليل / ١٤) : فعل مضارع أصله : تتلظى ، وتقول في الماضي : مبني على الفتح ، وفي الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه ، وفي نحو : (يَتَرَبَّصْنَ) (البقرة / ٢٢٨) مبني على السكون ; لاتصاله بنون الإناث ، وفي نحو : (لَيُنْبَذَنَّ) (الهمزة / ٤) مبني على الفتح ; لمباشرته لنون التوكيد ، وتقول في المضارع المعرب : مرفوع ; لحلوله محل الاسم ، وتقول : منصوب بكذا ، أو بإضمار «أن» ومجزوم بكذا ، ويبين علامة الرفع والنصب والجزم ، وإن كان الفعل ناقصاً نص عليه ، فقال مثلا : «كان» فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر ، وإن كان المعرب حالّاً في غير محله عين ذلك ، فقيل في «قائم» مثلا من نحو : «قائم زيد» : خبر مقدم ; ليعلم أنه فارق موضعه الأصلي ، وليتطلب مبتدأه ، وفي نحو : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) (الأنفال / ٥٠) : «الذين» مفعول مقدم ; ليتطلب

١٦٩

فاعله ، وإن كان الخبر مثلا غير مقصود لذاته ، قيل : خبر موطّئ ; ليعلم أن المقصود ما بعده ، كقوله تعالى : (بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل / ٥٥) ولهذا اُعيد الضمير بعد «قوم» إلى ما قبله لا إليه ، ومثله : الحال الموطئة في نحو : (إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (يوسف / ٢).

وإن كان المبحوث فيه حرفاً بيّن نوعه ومعناه وعمله إن كان عاملا ، فقال مثلا : «إنّ» حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر. ثم بعد الكلام على المفردات يتكلم على الجمل ، ألها محل أم لا؟

فصـل

وأول ما يحترز منه المبتدئ في صناعة الإعراب ثلاثة اُمور :

أحدها : أن يلتبس عليه الأصلي بالزائد ، ومثاله : أنه إذا سمع أن «أل» من علامات الاسم ، وأن أحرف «نأيت» من علامات المضارع ، وأن تاء الخطاب من علامات الماضي ، وأن الواو والفاء من أحرف العطف ، وأن الباء واللام من أحرف الجر ، وأن فعل مالم يسم فاعله مضموم الأول سبق وهمه إلى أن «ألفيت وألهبت» اسمان ، وأن «أكرمت وتعلمت» مضارعان ، وأن «وعظ وفسخ» عاطفان ومعطوفان ، وأن نحو : «بيت وبين ولهو ولعب» كل منها جار ومجرور ، وأن نحو : «اُدَحرجُ» مبني لمالم يسم فاعله.

ومما يلتبس على المبتدئ : أن يعرب الياء والكاف والهاء في نحو : «غلامي أكرمني»و «غلامك أكرمك» ، و «غلامه أكرمه» إعراباً واحداً ، أو بعكس الصواب ، فليعلم أنهن أذا اتصلن بالفعل كن مفعولات ، وإن اتصلن بالاسم كن مضافاً إليهن.

ويستثنى من الأول نحو : «أرأيتك زيداً ما صنع» ، و «أبصِرْك زيداً» فإن

١٧٠

الكاف فيهما حرف خطاب. ومن الثاني نوعان : نوع لامحل فيه لهذه الألفاظ ، وذلك نحو قولهم : «ذلك وتلك وإيّاي وإيّاك وإيّاه» فإنهن أحرف تكلم وخطاب وغيبة ، ونوع هي فيه في محل نصب وذلك نحو : «الضاربك والضاربه» على قول سيبويه ; لأنه لايضاف الوصف الذي بـ «أل» إلى عار منها ، ونحو قولهم : «لاعهد لي بألاْم قفاً منه ولا أوضعه» بفتح العين ، فالهاء في موضع نصب كالهاء في «الضاربه» إلا أن ذلك مفعول ، وهذا مشبه بالمفعول ، لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول إجماعاً ، وليست مضافاً إليها وإلاخفض «أوضع» بالكسرة ، وعلى ذلك فإذا قلت : «مررت برجل أبيض الوجه لاأحمره» فإن فتحت الراء فالهاء منصوبة المحل ، وإن كسرتها فهي مجرورته.

تنبيه

إذا قلت : «رويدك زيداً» فإن قدرت «رويداً» اسم فعل فالكاف حرف خطاب ، وإن قدرته مصدراً فهو اسم مضاف إليه ، ومحله الرفع ، لأنه فاعل.

والثاني : أن يجري لسانه إلى عبارة اعتادها فيستعملها في غير محلها ، كأن يقول في «كنت وكانوا» في الناقصة : فعل وفاعل ، لما اُلف من قول ذلك في نحو : «فعلت وفعلوا» ، وأما تسمية الأقدمين الاسم فاعلا ووالخبر مفعولا فهو اصطلاح غير مألوف ، وهو مجاز ، والمبتدئ إنما يقوله على سبيل الغلط ، فلذلك يعاب عليه.

والثالث : أن يعرب شيئاً طالباً لشيء ، ويهمل النظر في ذلك المطلوب ، كأن يعرب فعلا ولا يتطلب فاعله ، أو مبتداً ولا يتعرض لخبره ، بل ربما مرّبه فأعربه بما لا يستحقه ونسي ما تقدم له. ومن ذلك : ما قيل في إعراب «أحق ما سأل العبدُ مولاه» : «إن مولاه مفعول» فيبقى المبتدأ بلاخبر. والصواب : أنه الخبر ، والمفعول العائد المحذوف ، أي : سأله ، وعلى هذا فيقال : أحق ماسأل العبد ربّه ، بالرفع.

١٧١

تنبيه

قد يكون للشيء إعراب إذا كان وحده ، فإذا اتصل به شيء آخر تغير إعرابه ، فينبغي التحرز في ذلك.

من ذلك : «ما أنت؟» و «ماشأنك؟» فإنهما مبتدأ وخبر ، إذا لم تأت بعدهما بنحو قولك : «وزيداً» ، فإن جئت به فـ «أنت» مرفوع بفعل محذوف ، والأصل : «ماتصنع؟ أو ما تكون؟» فلما حذف الفعل برزالضمير وانفصل ، وارتفاعه بالفاعلية ، أو على أنه اسم لـ «كان» ، و «شأنك» بتقدير : مايكون؟ و «ما» فيهما في موضع نصب خبراً لـ «يكون» ، أو مفعولا لـ «تصنع». ومثل ذلك : «كيف أنت وزيداً؟» إلا أنك إذا قدرت «تصنع» كان «كيف» حالا ، إذ لاتقع مفعولا به.

وكذلك يختلف إعراب الشيء باعتبار المحل الذي يحل فيه. وسُئل طالب ما حقيقة «كان» إذا ذكرت في قولك : «ما أحسن زيداً» فقال : زائدة ، بناء منه على أن المثال المسؤول عنه : «ماكان أحسن زيداً» ، وليس في السؤال تعيين ذلك والصواب : الاستفصال ، فإنها في هذا الموضع زائدة ، كما ذكر ، وليس لها اسم ولاخبر ، لأنها قد جرت مجرى الحروف ، كما أن «قلّ» في «قلما يقوم زيد» لما استعملت استعمال «ما» النافية لم تحتج لفاعل ، هذا قول الفارسي والمحققين ، وعند أبي سعيد هي تامة ، وفاعلها ضمير الكون ، وعند بعضهم هي ناقصة ، واسمها ضمير «ما» والجملة بعدها خبرها.

وإن ذكرت بعد فعل التعجب وجب الإتيان قبلها بـ «ما» المصدرية ، وقيل : «ما أحسن ما كان زيد» و «كان» تامة ، وأجاز بعضهم : أنها ناقصة على تقدير «ما» اسماً موصولا ، وأن ينصب «زيد» على أنه الخبر ، أي «ما أحسن الذي كان زيداً» ، وردّ بأن «ما أحسن زيداً» مغن عنه.

١٧٢

الباب الثامن :

في ذكر امور كلية يتخرج عليها مالاينحصر من

الصور الجزئيه وهي إحدى عشرة قاعدة

القاعده الاُولى

قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناهن أو في لفظه ، فأما الأول فله صور كثيرة :

منها : دخول الباء في خبر ««أنّ» في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ) (الأحقاف / ٣٣)؛ لأنه في معنى «أوليس الله بقادر» والذي سهل ذلك التقدير تباعد ما بينهما ، ولهذا لم تدخل في (أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (الإسراء / ٩٩).

ومنها : جواز حذف خبر المبتدأ في نحو : «إن زيداً قائم وعمرو» اكتفاء بخبر

١٧٣

«إن» لما كان «إن زيداً قائم» في معنى «زيد قائم» ولهذا لم يجز (١) «ليت زيداً قائم وعمرو».

ومنها : جواز «أنا زيداً غير ضارب»ن لما كان في معنى «أنا زيداً لا أضرب» ولولا ذلك لم يجز ، إذا لا يتقدم المضاف إليه على المضاف ن فكذا لا يتقدم معمولهن لا تقول : «أنا زيداً أول ضارب ، أو مثل ضارب» ودليل المسألة قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف / ١٨) وقول الشاعر(٢) :

٤٤٨ ـ فتى هو حقاً غير ملغ تولّه

ولاتتخذ يوماً سواه خليلاً

ولو قلت : «جاءني غير ضارب زيداً» لم يجز التقديم ; لأن النافي هنا لايحل مكان «غير».

ومنها : جواز «غير قائم الزيدان» ; لما كان في معنى «ما قائم الزيدان» ، ولو لا ذلك لم يجز ; لأن المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو ذا مرفوع يغني عن الخبر ، ودليل المسألة قوله : (٣)

٤٤٩ ـ غير لاه عداك فاطرح اللهـ

وولا تغترر بعارض سِلْم

ومنها : وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب في نحو : (وَإِنَّها لَكَبِيرةٌ إلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ) (البقرة / ٤٥) (وَيَأبَى اللهُ إلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَه) (التوبة / ٣٢) ; لما كان المعنى : وإنها لاتسهل إلا على الخاشعين ، ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.

ومنها : تذكير الإشارة في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرهانانِ) (القصص / ٣٢) مع أن

__________________

١ ـ فيه بحث تقدم في هامش ص ١٣٤ من المجلد الثاني.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٤٢. لم تقف على قائله.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٤٤. لم نقف على قائله.

١٧٤

المشار إليه اليد والعصا وهما مؤنثان ، ولكن المبتدأ عين الخبر في المعنى ، والبرهان مذكر ، ومثله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إلاّ أَنْ قالُوا) (الأنعام / ٢٣) فيمن نصب الفتنة وأنّث الفعل.

ومنها : قولهم : «إنّ أحداً لا يقول ذلك» فأوقع أحداً في الإثبات ; لأنه نفس الضمير المستتر في «يقول» ، والضمير في سياق النفي فكأن «أحداً» كذلك.

تنبيهان

الأول : أنه وقع في كلامهم أبلغ مما ذكرنا من تنزيلهم لفظاً موجوداً منزلمة لفظ آخر؛ لكونه تمعناه ، وهو تنزيلهم اللفظ المعدوم الصالح للوجود بمنزلة الموجود كما في قول زهير بن أبي سُلمى :

٤٥٠ ـ بدالي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا(١)

وقد مصى ذلك.

والثاني : أيه ليس بلازم أن يعطي الشيء حكم ما هو في معناه ، ألا تري أن المصدر قد لا يعطى حكم «أنً أو أن» وصلتهما ، وبالعكس؟ دليل الأول : أنهم لم يعطوه حكمهما في جواز حذف الجار ، ولا في سدهما مسد جزأي الإسناد ، ث مإنهم شرّكوا بين «أنّ وأن» في هذه المسألة في باب «ظن» وخَصّوا «أن» الخفيفة وصلتها بسد هما مسد هما في باب «عسى» وخصوا الشديدة بذلك في باب «لو». ودليل الثاني : أنهما لا يعطيان حكمه في النيابة عن ظرف الزمان ، تقول : «عدبت من قيامك» و «عجبت أن تقوم ، وأنك قائم» ولا يجوز : «عجبت قيامك» وشذ قول الفضل بن عبدالرحمن القرشي :

__________________

١ ـ تقدم برقم ٣٢١ و ٣٧٥ و ٣٨٥.

١٧٥

٤٥١ ـ وإياك إياك المراء فإنه

إلى الشر دعّاء وللشر جلب (١)

فاُجي المصدر مجرى «أن يفعل» ، في حذف الجار ، وتقول : «حسبت أنه قائم ، أو أن قام» ولا تقول : «حسبت قيامك» حتى تذكر الخبر. وتقول : «عسى أن تقوم» ويمتنع : «عسى أنك قائم» ، ومثلها في ذلك : «لعل» وتقول : «لو أنك تقوم» ول اتقول : «لو أن تقوم» ، وتقول : «جئتك صلاة العصر» ولا يجوز : «جئتك أن تصلي العصر» خلافاً لابن جني والزمخشري.

والثاني : وهو ما اُعطي حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه ، له صور كثيرة أيضاً.

منها : زيادة «إن» بعد «ما» المصدرية الظرفية ، وبعد «ما» التي بمعنى «الذي»؛ لأنهما بلفظ «ما» النافية كقول المعلوط القريعي :

٤٥٢ ـ ورج الفتى للخير ما إن رأيته

على اسن خيراً لا يزال يزيد (٢)

وقوله : (٣)

٤٥٣ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه

ويعرض دون أدناه الخطوب

فهذان محمولان على نحو قول عبيد الله بن الحر الجعفي :

٤٥٤ ـ ما إن رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهر قَماقِمة(٤)

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٥٠.

٢ ـ تقدم برقم ٥٧.

٣ ـ قال السيوطي : «قال ابن الأعرابي : هو لجابر بن دالان (رألان) الطائي ، ويقال : لأياس بن الأرت». شرح شواهد المغني : ١ / ٥٨. وروي أبو حاتم : «ملا إن يلاقي» راجع شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ١٠٨.

١٧٦

ومنها : دخول لام الابتداء على «ما» النافية ، حملاً لها في اللفظ على «ما» الموصولة الواقعة مبتدأ كقول النابغة الذبياني :

٤٥٥ ـ لما أغفلتُ شكرك فاصطنعني

فكيف ومن عطائك جل مالي (١)؟

فهذا محمول في اللفظ على نحو قولك : «لما تصنعه حسن».

ومنها : توكيد المضارع بالنون بعد «لا» النافية حملاً لها في اللفظ على «لا» الناهيةن نحو : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال / ٢٥) فهذا محمول في اللفظ على نحو : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا) (إبراهيم / ٤٢) ومن أوّلها على النهي لم يحتج إلى هذا.

ومنها : حذف الفاعل في نحو قوله تعالى : (سْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) (مريم / ٣٨)؛ لما كان «أحين بزيد» مشبهاً في اللفظ لقولك : «اُمرر بزيد».

ومنها : قولهم : «اللهم اغفرلنا أيتها العصابة» بضم «أية» ورفع صفتها كما يقال : «يا أيتها العصابة» وإنما كان حقهما وجوب النصب كقولهم : «نحن العرب أقرى الناس للضيف» ولكنها لما كانت في اللفظ تمنزلة المستعملة في النداء اُعطيت حكمها وإن انتفى موجب البناءو وأما «نحن العُرب» في المثال فإنه لا يكون منادى؛ لكونه بـ «أل» ، فاُعطي الحكم الذي يستحقه في نفسه ، وأما نحو قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «وعندنا ـ اهل البيت ـ أبواب الحكم وضياء الأمر»(٢) فواجب النصب ، سواء اعتبر حاله أو ما يشبهه وهو المنادى.

والثالث : وهو ما اُعطي حكم الشيء؛ لمشابهته له لفظاً ومعنى ، نحو اسم

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٥٦.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١١٩ / ٣٧٠.

١٧٧

التفضيل و «أفعل» في التعجب؛ فإنهم منعوا «أفعل» التفضيل أن يرفع الظاهر؛ لشبهه بـ «أفعل» في التعجب وزناً وأصلاً وإفادة للمبالغة ، وأجازوا تصغير «أفعل» في التعجب؛ لشبهه بـ «أفعل» التفضيل فيما ذكرنا ، قال : (١)

٤٥٦ ـ يا ما اُمَيلح غزلاناً شَدَنَّ لنا

من هؤلِيّائكنّ الضال والسَّمُر

ولم يسمع ذلك إلا في «أحسن وأملح» ذكره الجوهري ، ولكن النحويين مع هذا قاسوه ، ولم يحك ابن مالك اقتياسه إلا عن ابن كيسان ، وليس كذلك ، قال أبوبكر بن الأنباري : ولا يقال إلا لمن صغر سنه.

القاعدة الثانية

أن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره

كقول بعضهم : «هذا جُحُر ضب خَرب» بالجر ، والأكثر الرفع ، وقال امرؤالقيس :

٤٥٧ـ كأن ثَبيراً في عرانين وَبْلِهِ

كبير اُناس في بجاد مزمَّل(٢)

وقيل به في (وَحُور عِين) (الواقعة / ٢٢) فيمن جرهما ; فإن العطف على (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) (الواقعة / ١٧) لا على (أَكْواب وَأَباريق) (الواقعة / ١٨) ; إذ ليس المعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور ، وقيل : العطف على «جنات» وكأنه قيل :

__________________

١ ـ نسب البيت جماعة منهم : العرجي والحسين بن عبد الرحمن العريني. قال البغدادي : وقال السخاوي في شرح المفصل : والنحاة ينشدون :

يا ما امليح غزلاتاً ... البيت ظناً منهم أنه شعر قديم ، وإنما هو لعلى بن محمد العرينى وهو متأخر ... راجع شرح أبيات مغني اللبيب : ٨ / ٧٢ و ٧٣ وشرح شواهد المغني : ٢ / ٩٦٢.

٢ ـ شرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٣.

١٧٨

المقربون في جنات وفاكهة ولحم طير وحور ، وقيل : على «أكواب» باعتبار المعنى ; إذ معنى (يطوف عليهم ولدانٌ مخلدُون بأكواب) (الواقعة / ١٧ و ١٨) : ينعمون بأكواب.

والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلا وفي التوكيد نادراً. ولايكون في النسق ; لأن العاطف يمنع من التجاور.

تنبيه

أنكر السيرافي وابن جني الخفض على الجوار ، وتأوّلا قولهم : «خَرِب» بالجر على أنه صفة لـ «ضب».

ثم قال السيرافي : الأصل : خَرب الجُحر منه ، بتنوين «خَرب» ورفع «الجحر» ثم حذف الضمير ; للعلم به ، وحول الإسناد إلى ضمير الضب ، وخفض «الجحر» كما تقول : «مررت برجل حسن الوجهِ» بالإضافة ، والأصل : حسن الوجهُ منه ، ثم اُتي بضمير «الجحر» مكانه ; لتقدم ذكره فاستتر.

وقال ابن جني : الأصل : خرب جحرُه ، ثم اُنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر.

ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له ، وذلك لايجوز عندالبصريين وإن اُمن اللبس ، وقول السيرا في إن هذا مثل : «مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين» مردود ; لأن ذلك إنما يجوز في الوصف الثاني دون الأول.

ومن ذلك قولهم : «هنأني ومرأني» والأصل : أمرأني. وقولهم : «وأخذه ما قدم وما حدث» بضم دال «حدث» وقراءة جماعة : (سَلاسِلا وأغلالا)

١٧٩

(الإنسان / ٤) بصرف «سلاسل».

القاعدة الثالثة

قد يُشربون لفظاً معنى لفظ فيعطونه حكمه ، ويسمى ذلك تضميناً

وفائدته : أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين ، قال الزمخشري : ألا ترى كيف رجع معنى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) (الكهف / ٢٨) إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك متجاوزتين إلى غيرهم ، (وَلا تَأكُلوُا أَمْوالَهُمْ إلى أَمْوالِكُمْ) (النساء / ٢) أي : ولا تضموها إليها آكلين ، انتهى.

ومن مثل ذلك أيضاً قولهم : «سمع الله لمن حمده» أي : استجاب ، فعدي «سمع» باللام ، وإنما أصله : أن يتعدى بنفسه مثل : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) (ق / ٤٢) وهو كثير ، قال أبوالفتح في كتاب التمام : أحسب لوجمع ماجاء منه لجاء منه كتاب يكون مئين أوراقاً.

القاعدة الرابعة

أنهم يغلّبون على الشيء مالغيره ، لتناسب بينهما ، أو اختلاط

فلهذا قالوا : «الأبوين» في الأب والام ، ومنه : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِد مِنْهُما السُّدُسُ) (النساء / ١١) و «القمرين» في الشمس والقمر و «المروتين» في الصفا والمروة. ولأجل الاختلاط اُطلقت «مَن» على مالا يعقل في نحو : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشي عَلى أَرْبَع) (النور / ٤٥) فإن الاختلاط حاصل في العموم السابق في قوله تعالى : (كُلّ دابَّة مِنْ ماء) (النور / ٤٥) ، وفى (مَنْ يَمشى عَلى رِجْلينِ) اختلاط آخر في عبارة

١٨٠