مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

ومن الوهم في الثاني : تجويز كثير من النحويين الاشتغال في نحو : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» ومن العجب أن ابن الحاجب أجاز ذلك في كافيته مع قوله فيهما في بحث الظروف : وقد تكون للمقاجأة فيلزم المبتدأ بعدها.

النوع الثامن : اشتراطهم في بعض الجمل الخببرية ، وفي بعضها الإنشائية.

فلأول كثير ، كالصلة والصفة والحال والحملة الواقعة خبراً لـ«كان» أو خبراً لـ«إنّ» أو لضمير الشأن ، قيل : أو خبراللمتبدأ أو جواباً للقسم غير الاستعططافي.

ومن الثاني : جواب القسم الاستعطافي.

وما ورد على خلاف ما ذكر مؤول. كقوله : (١)

٤١٤ ـ حتى إذا كاد الظّلام يختلط

جاؤوا بمذق هل رأيتَ الذئب قطْ

 وتخريجه على اضمار القول ، أي : بمذق مقول عند رؤيته ذلك.

وينبغي أن يستثنى من منع ذلك في خبري «إنّ» وضمير الشأن خبر «أن» المفتوحة إذا خففت؛ فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية ، كقوله تعالى : (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) (النور / ٩) ، في قراء من قرأ «أن» تالتخفيف و «غضب» بالفعل و «ألله» فاعل ، وإذا لم نلتزم فول الجمهور في وجوب كون اسم «أن» هذه ضمير شأن فلا استثناء بالنسبة إلى ضمير الشأن؛ إذ يمكن أن يقدر : «والخامسة أنها».

ومن الوهم في هذا الباب : قول بعضهم في قوله تعالى : (وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا) ٠البقرة / ٢٥٩) : إن جملة الاستهام حال من «العظام» ، ونالصواب : أن

__________________

١ ـ قال البغدادي : «وهذا قيل للعجاج». شرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٧.

١٢١

«كيف» وحدها حال من مفعول «ممشز» ، وأن الجملة بدل من «العظام» ولا يلزم من جواز كون الحال المفرجة استفهاماً جواز ذلك في الجملة؛ لأن الحال كالخبر وقد جاز بالاتفاق نحو : «كيف زيد؟» ، واختلف في نحو : «زيد كيف هو؟».

النوع التاسع : اشتراطهم لبعض الأسماء أن يوصف ، ولبعضها ألا يوصف ، فمن الأول : مجرور «ربّ» إذا كان ظاهراً ، و «أيّ» في النداء و «الجماء» في قولهم : «جاؤوا الجماءالغفير» ، وما وطئ به من خبر أو صفة أو حال ، نحو : «زيد رجل صالح» و «مررت بزيد الرجل الصالح» ، (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ) (الزمر / ٢٧) ، إلى قوله تعالى : (قرآناً عربياً).

ومن ثم أبطلل أبو علي كون الظرف من قول الأعشى :

٤١٥ ـ رُبَّ رِفدٍ هرقتَه ذلك اليو

م وأسرى من معشر أقيال(١)

 متعلقاً بـ «أسرى»؛ لئلا يخلوما عطف على مجرور «رب» من صفة.

ومن الثاني : فاعلا «يعم وبئس» ، والأسماء المتوغلة في شبه الحرف إلا «مَن وما» النكرتين؛ فإنهما يوصفان ، نحو : «مررت بمن معجب لك» وهو عوي في القياس؛ لأنها معربة ، ومن ذلك الضمير ، وجوز الكسائي نعته إن كان لغائب والنعت لغير التوضيح ، نحو : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (سبأ / ٤٨) ، فقدر «علام» نعتاً للضمير المستتر في «يقذف بالحق» ، وأجاز فير الفارسي وابن السراج نعت فاعلي «نعم وبئس» تمسكاً بقول زهير بن أبي سُلمى :

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٣٣.

١٢٢

٤١٦ ـ نعم الفتى المُرّي أنت إذاهم

حضروا لدى الحجرات نار الموقد (١)

وحمله الفارسي وابن السراج على البدل. وقال ابن مالك : يمتنع نعته إذا قصد بالنعت التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس ; لأن تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد ، فأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع من نعته حينئذ ; لإمكان أن ينوى في النعت ما نوي في المنعوت ، وعلى هذا يحمل البيت. انتهى.

وقال الزمخشري وأبوالبقاء في (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن) (مريم / ٧٤) : إنّ الجملة بعد «كم» صفة لها ، والصواب أنها صفة لـ (قرن) وجمع الضمير حملاً على معناه كما جمع وصف (جميع) فى (وإن كلّ لمّا جميع لدينا محضرون) (يس / ٣٢).

النوع العاشر : تخصيصهم جواز وصف بعض الأسماء بمكان دون آخر ، كالعامل من وصف ومصدر ; فإنه لا يوصف قبل العمل ويوصف بعده وكالموصول ; فإنه لا يوصف قبل تمام صلته ويوصف بعد تمامها ، وتعميمهم الجواز في البعض ، وذلك هو الغالب.

ومن الوهم في الأول : قول بعضهم في قول الحطيئة :

٤١٧ ـ أزمعتُ يأساً مبيناً من نوالكم

ولن ترى طارداً للحر كالياس (٢)

 : إن من متعلقة بـ يأساً ، والصواب : أن تعلقها بـ يئست محذوفاً ، لأن المصدر لا يوصف قبل أن يأتي معموله.

وقال أبو البقاء في (وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا) (المائدة / ٢) : لايكون «يبتغون» نعتاً لـ «آمين» ; لأن اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار ، بل هو حال من «آمين» ، انتهى. وهذا قول ضعيف ، والصحيح : جواز الوصف بعدالعمل.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩١٥.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩١٦.

١٢٣

انوع الحادي العشر : إجازتهم في بعض أخبار النواسخ أن يتصل بالناسخ ، نحو قول الفضل بن العباس :

٤١٨ ـ وكان وليَّ العهد بعد محمد

عليٌ وفي كل المواطن صاحبه (١)

ومنع ذلك في البعض ، نحو قول أمير المؤمنين عليه السلام : «فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم»(٢).

ومن الوهم في هذا قول المبرد في قولهم : «إن من أفضلهم كان زيداً» : إنه لا يجب أن يحمل على زيادة «كان» كما قال سيبويه ، بل يجوز أن تقدر «كان» ناقصة ، واسمها ضمير «زيد» ، لأنه متقدم رتبة؛ إذ هو اسم «إن» و «من أفضلهم» خبر «كان» و «كان» ومعمولاها خبر «إن» فلزمه تعديم خبر «إن» على اسمها مع أنه ليس ظرفاً ولا مجروراً ، وهذا لايجيزه أحد.

النوع الثاني عشر : إيجابهم لبعض معمولات الفعل وشبهه أن يتقدم كالاستفهام والشرط و «كم» الخبرية ، نحو : (فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ) (غافر / ٨١) ، (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (القصص / ٢٨) ولبعضها أن يتأخر ، إما لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه ، أولضعف الفعل كمفعول التعجب ، نحو قول الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «سبحانك ما أجلّ شأنك»(٣) ، أو لعارض معنوي أو لفظي وذلك كالمفعول في نحو : «ضرب موسى عيسى»؛ فإن تقديمه يوهم أنه مبتدأ وأن الفعل مسند إلى ضميره ، وكالمفعول الذي هو «أي» الموصولة ، نحو : «ساَكرم أيهم جاءني» ، كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين «أي» الشرطية والاستفهامية ، والمفعول الذي هو «أن» وصلتها ، نحو : «عرفت أنك فاضل» ، كرهوا الابتداء بـ «أن»

__________________

١ ـ أدب الطف : ١ / ١٢٩.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٨٩ / ٦٣٥.

٣ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السابع والأربعون : ٣٢٨.

١٢٤

المفتوحة؛ لئلا يلتبس بـ «أنّ» التي بمعنى «لعل» وإذا كان المبتدأ الي أصله التقديم يجب تأخره إذا كان «أنّ» وصلتها ، نحو : (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) (يس / ٤١) ، فأن يجب تأخر المفعول الذي أصله التأخير ، نحو : (وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم) (الأنعام / ٨١) ، أحق وأولى. وكمقول قامل اعترن بلام الابتداء أو القسم ، أو حرف الاستثناء أو «ما» النافية ، أو «لا» في جواب القسم.

ومن الوهم في الأول : قول ابن عصفور في (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا) (السجدة / ٢٦) : إن «كم» فاعل «يهد» ، فإن قلت : خرجه على لغة حكاها الأخفش وهي أن بعض العرب لا يلتزم صدرية «كم» الخبرية ، قلنا : قد اعترف برداءتها ، فخريج التنزيل عليها بعد ذلك رداءة. والصواب : أ ، الفاعل مستتر راجع إلى «الله» سبحانه وتعالى ، أي : أولم يبين الله لهم ، أ, إلى «الهدى» والأول قول أبي البقاء ، والثاني قول الزجاج ، وقال الزمخشري : الفاعل الجملة ، وقد مر أن الفاعل لا يكون جملة ، و «كم» مفعول (أهلكنا) والجملة مفعول (يهد) وهومعلق عنها ، و «كم» الخبرية تعلِّق خلافاً لأكثرهم.

ومن الوهم في الثاني : قول بعضهم في قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء / ٣٦) إن «عنه» مرفوع المحل بـ «مسؤولا» ، والصواب : أن اسم «كان» ضمير المكلف وإن لم يجر له ذكر ، وأن المرفوع بـ «مسؤولاً» مستتر فيه راجع إليه أيضاً ، وأن «عنه» في موضع نصب.

النوع الثالث عشر : منعهم من حذف بعض الكلمات ، وإيجابهم حذف بعضها.

فمن الأول : الفاعل ، ونائبه ، والجار الباقي عمله ، إلا في مواضع ، نحو قولهم : «اللهِ لأفعلن» و «بكم درهم اشتريت» أي : والله وبكم من درهم.

١٢٥

ومن الثاني : أحد معمولي «لات» ، كقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «وقد أدبرت الحيلة وأقبلت الغيلة ولات حين مناص»(١).

ومن الوهم في هذا النوع : قول ابن مالك في أفعال ألاستثناء نحو : «قاموا ليس زيداً ، ولا يكون زيداً ، وما خلا زيدأً» : إن مرفوعهن محذوف ، وهو كلمة «بعض» مضافة إلى ضمير نم تقدم. والصواب : أنه مضمر عائد إما على كلمة «بعض» مضافة إاى ضمير من تقدم. والصواب : أنه مضمر عائد إما على اسم الفاعل المفهوم من الفعل ، أي : لا يكون هو ـ أي القائم ـ زيداً ، وإما على المصدر اليمفهوم من الفعل ، وذلك في يغير «ليس» و «لايكون» تقول : «قاموا خلا زيداً» أي : جانب هو ـ أي : قيامهم ـ زيداً.

النوع الرابع عشر : تجويز هم في الشعر ما لايجوز في النثر ، وذلك كثير ، وقد اُفرد بالتصنيف ، وعكيه ، وهو غريب جداً ، وذلك بدلا الغلط والنسيان ، زعم بعض القدماء أنه لا يجوز يفي الشعر؛ لأنه يقع غالباً عن تروّ وفكر.

النوع الخامس عشر : اشتراطهم وجود الرابط في بعض المواضع ، وفقده في بعض ، فلأول : قد مضى مشروحاً : والثاني : الجملة المضاف إليها ، نحو قول الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «ولا تخزني يوم تبعثني للعائك» (٢). فأما قول النابغة الجعدي :

٤١٩ ـ مضت سنة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجتان (٣)

 فنادر ، وهذا الحكم خفي على أكثر النحويين ، والصواب في مثل قولك : «أعجبني يوم ولدت فيه» : تنوين اليوم ، وجعل الجملة بعده صفة له ، وكذلك

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٣ / ٧٧١.

٢ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السابع والأربعون : ٣٥١.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٠٢.

١٢٦

«أجمع» وما يتصرف منه في باب التوكيد ، يجب تجريده من ضمير المؤكد ، وأما قولهم : «جاء القوم بأجمعهم» فهو بضم الميم لابفتحها ، وهو جمع لقولك : «جمع» على حد قولهم : «فلس وأفلس» والمعنى : جاؤوا بجماعتهم ، ولو كان توكيداً لكانت الباء فيه زائدة ; فكان يصح إسقاطها.

النوع السادس عشر : اشتراطهم لبناء بعض الأسماء أن تقطع عن الإضافة كـ «قبل وبعد وغير» ، ولبناء بعضها أن تكون مضافة ، وذلك «أيّ» الموصولة ; فإنها لاتبنى إلا إذا اُضيفت وكان صدر صلتها ضميراً محذوفاً ، نحو : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) (مريم / ٦٩).

ومن الوهم في ذلك : قول ابن الطراوة : (هم أشد) مبتدأ وخبر ، و «أي» مبنية مقطوعة عن الإضافة ، وهذا مخالف لرسم المصحف ولإجماع النحويين.

الجهة السابعة : أن يحمل كلاماً على شيء ، ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ، وله أمثلة :

الأول : قولهم في (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) (القصص / ٦٢) ، إن التقدير : تزعمونهم شركاء ، والأولى أن يقجر : تزعمون أنهم شركاء؛ بدليل : (وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ) (الأنعام / ٩٤) ، ولأن الغالب على «رعم» ألا يقع على المفعولين صريحاً ، بل على «أن» وصلتها ، ولم نقع في التنزيل إلّا كذلك.

ومثله في هذا الحكم : «تعلم» ، قال أنس بن زنيم :

٤٢٠ ـ تعلم رسول الله أنك مدركي

وأن وعيداً منك كالأجذ باليد (١)

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ٤ / ٦٦.

١٢٧

وعكسهما في ذلك «هب» بمعنى «ظن» فالغالب تعديه إلى صريح المفعولين كقول ابن همّام السلولي :

٤٢١ ـ فقلت : أجرني أبا خالد

وإلا فهبني امرأ هالكا (١)

ووقوعه على «أن» وصلتها نادر.

الثاني : قولهم في (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لايُؤْمِنُونَ) (البقرة / ٦) : إن (لايؤمنون) مستأنف ، أو خبر لـ «إن» ، وما بينهما اعتراض ، والأولى الأول ; بدليل : (وَسَوآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لايُؤْمِنُونَ) (يس / ١٠).

الثالث : قولهم في نحو : (وَما رَبُّكَ بِظَلاّم) (فصلت / ٤٦) ، (وَمَا اللهُ بِغافِل) (البقرة / ٧٤) : إن المجرور في موضع نصب أو رفع على الحجازية والتميمية ، والصواب : الأول ; لأن الخبر بعد «ما» لم يجئ في التنزيل مجرداً من الباء إلا وهو منصوب ، نحو : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) (المجادلة / ٢) ، (ماهذا بَشَراً) (يوسف / ٣١).

تنبيه

وقد يحتمل الموضع أكثر من وجه ، ويوجد ما يرجح كلاً منها ، فينظر في أولاها ، كقوله تعالى : (فاجعل بيننا وبينك موعداً) (طه / ٥٨) ، فإن الموعد محتمل للمصدر ، ويشهد له : (لا نخلفه نحن ولا أنت) (طه / ٥٨) ، وللزمان ويشهد له : (قال موعدكم يوم الزينة) (طه / ٥٩) ، وللمكان ويشهد له : (مكاناً سوىً) (طه / ٥٨) ، وإذا اُعرب مكاناً بدلاً منه لا ظرفاً لـ نخلفه تعين ذلك.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٢٣.

١٢٨

الجهة الثامنة : أن يحمل المعرب على شيء ، وفي ذلك الموضع ما يدفعه. وهذا أصعب من الذي قبله ، وله أمثله :

أحدها : قول الأخفش وتبعه أبوالبقاء في (ولا الذين يموتون وهم كفّار) (١) (النساء / ١٨) : إن اللام للابتداء ، والذين مبتدأ ، والجملة بعده خبره ، ويدفعه أن الرسم «ولا» ، وذلك يقتضي أنه مجرور بالعطف على (الذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) (النساء / ١٨) لا مرفوع بالابتداء ، والذي حملهما على الخروج عن ذلك الظاهر أن من الواضح أن الميت على الكفر لا توبة له ; لفوات زمن التكليف. ويمكن أن يدعى لهما أن الألف في «لا» زائدة كالألف في (لاَ أَذْبَحَنَّهُ) (النمل / ٢١) ; فإنها زائدة في الرسم ، وكذا في (لاَ أَوْضَعُوا) (التوبة / ٤٧) ، والجواب : أن هذه الجملة لم تذكر ليفاد معناها بمجرده بل ليسوى بينها وبين ما قبلها ، أي : إنه لا فرق في عدم الانتفاع بالتوبة بين من أخرها إلى حضور الموت وبين من مات على الكفر ، وحمل الرسم على خلاف الأصل مع إمكانه غير سديد.

الثانى : قول بعضهم في (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين / ٣) : إن «هم» الاُولى ضمير رفع مؤكد للواو والثانية كذلك ، أو مبتدأ وما بعده خبره ، والصواب : أن «هم» مفعول فيهما ; لرسم الواو بغير ألف بعدها ، ولأن الحديث في الفعل لا في الفاعل ; إذالمعنى : إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا ، وإذا جعلت الضمير لـ «المطففين» صار معناه : إذا أخذوا استوفوا وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ;

__________________

١ ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء : ١٧ و ١٨)

١٢٩

لأن الحديث في الفعل لا في المباشر.

الثالث : قول كثير من النحويين في قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ) (الحجر / ٤٢) : إنه دليل على جواز استثناء الأكثر ، والصواب : أن المراد بالعباد المخلصون لا عموم المملوكين ، وأن الاستثناء منقطع ; بدليل سقوطه في آية سبحان : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلا) (الإسراء / ٦٥).

الجهة التاسعة : ألا يتأمل عند وجود المشتبهات ، ولذلك أمثله :

أحدها : نحو : «زيد أحصى ذهناً ، وعمرو أحصى مالا» فإن الأول على أن «أحصى» اسم تفضيل ، والمنصوب تمييز ، مثل : «أحسن وجهاً» ، والثاني على أن «أحصى» فعل ماض ، والمنصوب مفعول ، مثل : (وَأَحْصى كُلَّ شَيء عَدَداً) (الجن / ٢٨).

ومن الوهم : قول بعضهم في (أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (الكهف / ١٢) : إنه من الأول ; فإن الأمد ليس محصياً بل محصى ، وشرط التمييز المنصوب بعد «أفعل» كونه فاعلاً في المعنى كـ «زيد أكثر مالا» ، بخلاف «مال زيد أكثر مال».

الثاني : نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «والناس منقوصون مدخولون إلاّ مَن عصم الله» (١) ; فإن الثاني خبر أو صفة للخبر ، ونحو قولك : «زيد رجل صالح» فإن الثاني صفة لا غير ; لأن الأول لا يكون خبراً على انفراده ; لعدم الفائدة ، ومثلهما : «زيد عالم يفعل الخير» و «زيد رجل يفعل الخير».

وزعم الفارسي أن الخبر لا يتعدد مختلفاً بالإفراد والجملة ، فيتعين عنده

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٣٣٥ / ١٢٤٧.

١٣٠

كون الجملة الفعلية صفة فيهما ، والمشهور فيهما الجواز ، كما أن ذلك جائز في الصفات ، وعليه قول بعضهم في (فَإِذاهُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (النمل / ٤٥) : إن (يختصمون) خبر ثان أو صفة ، ويحتمل الحالية أيضاً ، أي : فإذاهم مفترقون مختصمين ، وأوجب الفارسي في (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (البقرة / ٦٥) كون «خاسئين» خبراً ثانياً ; لأن جمع المذكر السالم لايكون صفة لما لايعقل.

الثالث : «رأيتُ زيداً فقيهاً» و «رأيتُ الهلال طالعاً» فإن «رأى» في الأول علمية ، و «فقيهاً» مفعول ثان ، وفي الثاني بصرية ، و «طالعاً» حال ، وتقول : «تركت زيداً عالماً» فإن فسرت «تركت» بـ «صيرت» فـ «عالماً» مفعول ثان ، أو بـ «خلّفت» فحال.

الرابع : (اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (البقرة / ٢٤٩) إن فتحت الغين فمفعول مطلق ، أو ضممتها فمفعول به ، ومثلهما : «حسوتُ حَسوة ، وحُسوة».

الجهة العاشرة : أن يخرج على خلاف الظاهر لغير مقتض كقول مكي في (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالاْذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئآءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (البقرة / ٢٦٤) : إن الكاف نعت لمصدر محذوف ، أي : إبطالا كالذي ، ويلزمه أن يقدر إبطالا كإبطال إنفاق الذي ينفق ، والوجه : أن يكون «كالذي» حالا من الواو ، أي : لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ، فهذا الوجه لا حذف فيه.

وقولِ بعضهم في قول ابن حاجب : «الكلمة لفظ» أصله : الكلمة هي لفظ ، ومثله : قول ابن عصفور في شرح الجمل : إنه يجوز في «زيد هوالفاضل» أن يحذف

١٣١

«هو» ، مع قوله وقول غيره : إنه لايجوز حذف العائد في نحو : «جاء الذي هو في الدار» ; لأنه لا دليل حينئذ على المحذوف ، ورده على من قال في بيت الفرزدق :

٤٢٢ ـ فأصبحواقد أعاد الله نعمتهم

إذهم قريش وإذ ما مثلهم بشر (١)

إن «بشر» مبتدأ ، و «مثلهم» نعت لمكان محذوف ، خبره ، أي : وإذ ما بشر مكاناً مثل مكانهم ، بأن «مثلا» لا يختص بالمكان ، فلا دليل حينئذ.

خاتمة

وإذ قد انجر بنا القول إلى ذكر الحذف فلنوجه القول إليه ; فإنه من المهمات فنقول :

ذكر شروطه ، وهي ثمانية :

أحدها : وجود دليل حالي كقولك لمن رفع سوطاً : «زيداً» بإضمار «إضرب» ، أو مقالي كقولك لمن قال : من أضرب؟ : «زيداً» ، وإنما يحتاج إلى ذلك إذا كان المحذوف الجملة بأسرها كما مثلنا ، أو أحد ركنيها ، نحو : (قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (الذاريات / ٢٥) ، أي : سلام عليكم أنتم قوم منكرون ، فحذف خبر الاُولى ومبتدأ الثانية ، أو لفظاً يفيد معنى فيها هي مبنية عليه ، نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) (يوسف / ٨٥) ، أي : لا تفتؤا ، وأما إذا كان المحذوف فضلة فلا يشترط لحذفه وجدان الدليل ، ولكن يشترط ألا يكون في حذفه ضرر معنوي كما في قولك : «ما ضربت إلا زيداً» أو صناعي كما في قولك : «زيد ضربته».

ولاشتراط الدليل فيما تقدم امتنع حذف الموصوف في نحو قول

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢٣٧.

١٣٢

أميرالمؤمنين عليه السلام : «الفقر الموت الأكبر» (١) بخلاف نحو قوله عليه السلام : «ولكنه إله واحد كما وصف نفسه» (٢) وحذف المضاف في نحو جاءني غلام زيد بخلاف نحو : (وَجآءَ رَبُّكَ) (الفجر / ٢٢) ، وحذف المبتدأ إذا كان ضمير الشأن ; لأن مابعده جملة تامة مستغنية عنه ، ومن ثم جاز حذفه في باب «إنّ» نحو : «إن بك زيد مأخوذ» ; لأن عدم المنصوب دليل عليه.

وقال الجمهور : لايجوز «لاتدن من الأسد يأكلك» بالجزم ; لأن الشرط المقدر إن قدر مثبتاً ـ أي : فإن تدن ـ لم يناسب فعل النهي الذي جعل دليلا عليه ، وإن قدر منفياً ـ أي : فإلاّتدن ـ فسد المعنى ، بخلاف «لا تدن من الأسد تسلم» ; فإن الشرط المقدر منفي ، وذلك صحيح في المعنى والصناعة.

ولك أن تجيب عن الكسائي في إجازته الجزم بأنه يقدر الشرط مثبتاً مدلولا عليه بالمعنى لا باللفظ ; ترجيحاً للقرينة المعنوية على القرينة اللفظية وهذا وجه حسن إذا كان المعنى مفهوماً.

تنبيهان

أحدهما : أن دليل الحذف نوعان : الأول : غير صناعي ، وينقسم إلى حالي ومقالي كما تقدم ، والثاني : صناعي ، وهذا يختص بمعرفته النحويون ; لأنه إنما عرف من جهة الصناعة ، وذلك كقولهم في «قمت وأصكّ عينه» : إن التقدير : وأنا أصك ; لأن واو الحال لا تدخل على المضارع المثبت الخالي من «قد» ، وفي (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (الأحزاب / ٤٠) : إن التقدير : ولكن كان رسول الله ; لأن ما بعد «لكن» ليس

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ١٥٤ / ١١٦٦.

٢ ـ تحف العقول : ٥٥.

١٣٣

معطوفاً بها ; لدخول الواو عليها ، ولا بالواو ; لأنه مثبت وما قبلها منفي ، ولا يعطف بالواو مفرد على مفرد إلا وهو شريكه في النفي والإثبات ، فإذا قدر ما بعد الواو جملة صح تخالفهما كما تقول : «ما قام زيد وقام عمرو».

التنبيه الثاني

شرط الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف؛ فلايجوز «زيد ضارب وعمرو» أي : ضارب ، وتريد بـ «ضارب» المحذوف معنى يخالف المذكور بأن نقدر أحد هما بمعنى السفر من قوله تعالى : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) (النساء / ١٠١) ، الآخر بمعنى الإيلام المعروف ، ومن ثم أجمعوا على جواز «زيد قائم وعمرو ، وإنّ زيداً قائم وعمرو» وعلى منع (١) «ليت زيداً قائم وعمرو» وكذا في «لعل وكأن»؛ لأن الخبر المذكور ومتميّى أو مترجّى أو مشبه به ، والخبر المحذوف ليس كذلك؛ لأنه خبر المبتدأ.

فإن قلت : فكيف تصنع بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (الأحزاب / ٥٦) في قراءة من رفع ، وذلك محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني ، أي : إن الله يصلي وملائكته يصلون ، وليس عطفاً على الموضع و (يصلون) خبراً عنهما؛ لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار ، والمحذوفة بمعنى الرحمة.

قلنا : الصواب : أن الصلاة لغة بمعنى واحد ، وهو العطف ثم العطف بالنسبة

__________________

١ ـ قال الشمني : وفي شرح : حكاية الإجماع غلى منع ذلك في «ليت ولعل وكأن» أمر غريب لايحتمل مثله المصنف (ابن هشام)؛ فإن الخلاف في المسألة مشهور ، مذكور في التسهيل وغيره. المنصف : ٢ / ٢٤٤.

١٣٤

إلى الله سبحانه وتعالى الرحمة وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض.

وأما قول الجماعة فبعيد من جهات : إحداها : اقتضاؤه الاشتراك والأصل عدمه؛ لما فيه من الإلباس ، حتى إن قوماً نفوه ، ثم المثبتون له يقولون : متى عارضه غيره مما نفالف الأصل كالمجاز قدم عليه. والثانية : أنا لا نعرف في العربية فعلاً واحداً يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقيا. والثالثة : أن الرحمة فعلها متعد والصلاة فعلها قاصر ، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدي. والرابعة : انه لو قيل مكان «صلى عليه» : «دعا عليه» انعكس المعنى ، وحق المترادفين صحة حلول كل منهما محل الآخر.

الشرط الثاني : ألا يكون ما نحذف كالجزء ، فلا يحذف الفاعل ولا نائبه ولا مشبهه ، وقد مضى الرد على الن مالك في مرفوع أفعال الاستثناء.

الثالث : ألا يكون مؤكداً ، وهذا الشرط الول ن ذكره الأخفش ، منع في نحو : «الذي رأيت زيد» أن يؤكد العائد المحذوف بقولك : «نفسه»؛ لأن المؤكد مريد الطول ، والحاذف مرسد للاختصار ، وتبعه الفارسي ، فردّ في كتاب «الأغفال» قول الزجاج في (إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ) (طه / ٦٣) : إن التقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد تاللام متنافيان ، وتبع أبا علي أبوالفتح ، فقال في الحصائص : لايجوز «الذي ضربت نفسه زيد» كمالانجوز إدغام نحو : «إقعنسس»؛ لما فيهما جميعاً من نقض الغرض ، وتبعهم ابن مالك فقال : لا نجوز حذف عامل المصدر المؤكد كـ «ضربت ضرباً»؛ لأن المقصزد به تقوية عامله وتقرير معناه ، والحذف مناف

١٣٥

لذلك. وهؤلائ كلهم مخالفون للخليل وسيبويه أيضاً ، فإن سيبويه سأل الخليل عن نحو : «مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما» كيف ينطق بالتوكيد؟ فأجاله بأنه يرفع بتقدير : هما صاحباي أنفسهما ، وينصب بتقدير : أعنيهما أنفسهما ووافقها على ذلك جماعة ، واستدلوا بقول العرب :

٤٢٣ ـ إن محلاً وإن مرتحلاً

[وإن في السَفْر إذ مضوا مهلا](١)

و «إن مالا وإن ولداً» فحذفوا الخبر مع أنه مؤكد بـ «إنّ» ، وفيه نظر ; فإن المؤكد نسبة الخبر إلى الاسم ، لا نفس الخبر ، وقال الصفار : إنما فرّ الأخفش من حذف العائد في نحو : «الذي رأيته نفسه زيد» ; لأن المقتضي للحذف الطول ، ولهذا لايحذف في نحو : «الذي هو قائم زيد» فإذا فروا من الطول فكيف يؤكدون؟ وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما ; لأن المحذوف لدليل كالثابت.

الرابع : ألا يؤدى حذفه إلى اختصار المختصر ، (٢) فلا يحذف اسم الفعل دون معموله ; لأنه اختصار للفعل ، وأما قول سيبويه في «زيداً فاقتله» : إن التقدير : عليك زيداً ، فقالوا : إنما أراد تفسير المعنى لا الإعراب ، وإنما التقدير : ألزم زيداً.

الخامس : ألا يكون عاملا ضعيفاً ، فلا يحذف الجار والجازم والناصب للفعل ، إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل ، ولايجوز القياس عليها.

السادس : ألا يكون عوضاً عن شيء ، فلا تحذف «ما» في «أما أنت منطلقاً انطلقت» ولا كلمة «لا» من قولهم : «افعل هذا إمّالا» ولا التاءمن «عدة وإقامة

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٠٩.

٢ ـ قال المحقق الري رحمة الله : وأما الظرف والجار والمجرور : «أمامك ودونك زيداً» بنصب «زيد» كان في الأصل : أمامك وزيد ودونك زيد فخذه فقد أمكنك ، اختصر هذا الكلام الطويل؛ لغرض حصول الفراغ منه بالسرعة؛ ليبادر المأمور إلى الامتصال قبل أن يتباعد عنه زيد ... شرح الكافية : ٢ / ٦٨.

١٣٦

واستقامة» ، فأما قوله تعالى : (وَإِقامِ الصَّلاةِ) (النور / ٣٧) فمما يجب الوقوف عنده.

السابع والثامن : ألا يؤدى حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه ، ولا إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوي ، وللأمر الأول منع البصريون حذف المفعول الثاني من نحو : «ضربني وضربته زيد» ; لئلا يتسلط على «زيد» ثم يقطع عنه برفعه بالفعل الأول ، ولاجتماع الأمرين امتنع عند البصريين أيضاً حذف المفعول في نحو : «زيد ضربته» ; لأن في حذفه تسليط «ضربت» على العمل في «زيد» مع قطعه عنه وإعمال الابتداء مع التمكن من إعمال الفعل ، ثم حملوا على ذلك : «زيد ما ضربته ، أو هل ضربته» فمنعوا الحذف وإن لم يؤدّ إلى ذلك.

تنبيه

ربما خولف مقتضى هذين الشرطين أو أحدهما في ضرورة أو قليل من الكلام.

فالأول : كقول الأسود بن يعفر :

٤٢٤ ـ وخالد يحمد ساداتنا

بالحق لا يحمد بالباطل (١)

وقيل : هو في صيغ العموم أسهل ، ومنه قراءة ابن عامر : (وَكلٌّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (الحديد / ١٠).

والثاني : كقول عاتكة بنت عبدالمطلب :

٤٢٥ ـ بِعُكاظَ يعشي الناظر يـ

ـن ـ إذاهم لمحوا ـ شعاعه (٢)

فإن فيه تهيئة «لمحوا» للعمل في «شعاعه» مع قطعه عن ذلك بإعمال «يُعشي»

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٨٠.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٢٨٣.

١٣٧

فيه ، وليس فيه إعمال ضعيف دون قوي.

وذكر ابن مالك في قوله : (١)

٤٢٦ ـ عممتَهُم بالندى حتّى غُواتهم

فكنتَ مالِكَ ذي غيّ وذي رَشَد

إنه يروى «غواتهم» بالأوجه الثلاثة ، فإن ثبتت رواية الرفع فهو من الوارد في النوع الأول في الشذوذ ; إذ لاضرورة تمنع من الجر والنصب ، وقد رويا.

بيان أنه قد يظن أن الشيء من باب الحذف ، وليس منه

جرت عادة النحويين أن يقولوا : يحذف المفعول اختصاراً أو اقتصاراً ، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ، وبالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (البقرة / ٦٠) ، أي : أو قعوا هذين الفعلين ، وقول العرب فيما يتعدى إلى اثنين : «من يسمع يخل» أي : تكن منه خيلة.

والتحقيق أن يقال : إنه تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه أو من اُو قع عليه ، فيجاء بمصدره مسنداً إليه فعل كون عام ، فيقال : «حصل حريق أو نهب».

وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل ، فيقتصر عليهما ، ولا يذكر المفعول ، ولا ينوى ، إذ المنوي كالثابت ، ولا يسمى محذوفاً ; لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة مالا مفعول له ، ومنه : (رَبِّىَ الَّذِي يُحْيِي وَيُميِتُ) (البقرة / ٢٥٨) ، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر / ٩) ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف / ٣١) ، (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ) (الإنسان / ٢٠) ; إذ المعنى : ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة ، وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم ،

__________________

١ ـ تقدم برقم ٩٨.

١٣٨

وأوقعوا الأكل والشرب ، وذروا الإسراف ، وإذا حصلت منك رؤية هنالك.

وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله ، فيذكران نحو قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبا) (آل عمران / ١٣٠) ، (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (الإسراء / ٣٢) ، وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وما أصغرها في نعم الآخرة» (١). وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل : محذوف ، نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (الضحى / ٣) ، وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره ، نحو : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا) (الفرقان / ٤١).

بيان مكان المقدر

القياس أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي ، لئلا يخالف الأصل من وجهين : الحذف ، ووضع الشيء في غير محله.

فيجب أن يقدر المفسر في نحو : «زيداً رأيته» مقدماً عليه ، وجوز البيانيون تقديره مؤخراً عنه ، وقالوا : لأنه يفيد الاختصاص حينئذ ، وليس كما توهموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل ، أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك.

فالأول : نحو : «أيهم رأيته؟» ; إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ، ونحو : (وَأَمّا ثَمُودَ فَهَدَيْناهُمْ) (فصلت / ١٧) فيمن نصب ; إذ لا يلي «أما» فعل ، وقد مضى في نحو : «في الدار زيد» أن متعلق الظرف يقدر مؤخراً عن «زيد» ، لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، ولكن يحتمل تقديره مقدماً لمعارضة أصل آخر ، وهو أنه عامل في الظرف ، وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٠٨ / ٣٢٧. والضمير من «أصغرها» عائد إلى «نعم» من «نعمك».

١٣٩

يقدر المتعلق فعلا فيجب التأخير ; لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا.

والثاني : نحو متعلق باء البسملة الشريفة ; فإن الزمخشري قدره مؤخراً عنها ; لأن قريشاً كانت تقول : باسم اللات والعزى نفعل كذا ; فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبوداً لهم تفخيماً لشأنه بالتقديم ; فوجب على الموحد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى ; فإنه الحقيق بذلك ، ثم اعترض بـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (العلق / ١) وأجاب بأنها أول سورة نزلت ، فكان تقديم الأمر بالقراءة فيها أهم ، وأجاب عنه السكاكي بتقديرها متعلقة بـ (اقْرَأْ) (١) (العلق / ٣) الثاني. واعترضه بعضهم باستلزامه الفصل بين المؤكد وتأكيده بمعمول المؤكد. وهذا سهو منه ; إذ لا توكيد هنا ، بل اُمر أولا بإيجاد القراءة ، وثانياً بقراءة مقيدة ، ونظيره : (الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الاْنْسانَ) (العلق / ١ و ٢) ومثل هذا لا يسميه أحد توكيداً ، ثم هذا الإشكال لازم له على قوله : إن الباء متعلقة بـ (اقرأ) الأول ; لأن تقييد الثاني إذا منع من كونه توكيداً فكذا تقييد الأول ثم لو سلم ففصل الموصوف من صفته بمعمول الصفة جائز باتفاق ، كـ «مررت برجل عمراً ضارب» فكذا في التوكيد ، وقد جاء الفصل بين المؤكد والمؤكد في (وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) (الأحزاب / ٥١) مع أنهما مفردان ، والجمل أحمل للفصل.

تنبيه

ذكروا أنه إذا اعترض شرط على آخر نحو : «إن أكلتِ إن شربتِ فأنت طالق» فإن الجواب المذكور للسابق منهما ، وجواب الثاني محذوف مدلول عليه بالشرط الأول وجوابه ، كما قالوا في الجواب المتأخر عن القسم والشرط ، ولهذا

__________________

١ ـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ). (العلق / ١ ـ ٣).

١٤٠