مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

بترك الضرب.

ومن ذلك : قوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُون) (القلم / ٢) الباء متعلقة بالنفي ; إذ لو علقت بـ «مجنون» لأفاد نفي جنون خاص ، وهو الجنون الذي يكون من نعمة الله تعالى ، وليس في الوجود جنون هو نعمة ، ولا المراد نفي جنون خاص ، انتهى ملخصاً. وهو كلام بديع ، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف ، فينبغي على قولهم أن يقدر أن التعلق بفعل دل عليه النافي ، أي : انتفى ذلك بنعمة ربك.

ذكر ما لايتعلق من حروف الجر

يستثنى من قولنا : «لابد لحرف الجر من متعلق» ستة اُمور :

أحدها : الحرف الزائد كالباء في قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنىً» (١) الحديث. و «من» في قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِق غَيْرُاللهِ) (فاطر / ٣) وذلك لأن معنى التعلق : الارتباط المعنوي ، والأصل أن أفعالاً قصرت عن الوصول إلى الأسماء فاُعينت على ذلك بحروف الجر ، والزائد إنما دخل في الكلام تقوية له وتوكيداً ، ولم يدخل للربط.

نعم يصح في اللام المقوية أن يقال : إنها متعلقة بالعامل المقوى ، نحو : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) (البقرة / ٩١) ; لأن التحقيق أنها ليست زائدة محضة ; لما تخيل في العامل من الضعف الذي نزله منزلة القاصر ، ولا معدية محضة ; لاطراد صحة إسقاطها ، فلها منزلة بين المنزلتين.

الثاني : «لعل» في لغة عقيل ; لأنها بمنزلة الحرف الزائد ، ألا ترى أن مجرورها

__________________

١ ـ تحف العقول : ٣٠.

٤١

في موضع رفع بالابتداء ; بدليل ارتفاع ما بعده على الخبرية ، قال كعب بن سعد الغنوي :

٣٦٥ ـ فقلتُ ادعُ اُخرىوارفع الصوت دعوةً

لعلَّ أبي المغوارمنك قريب (١)

ولأنها لم تدخل لتوصيل عامل ، بل لإفادة معنى التوقع ، كما دخلت «ليت» لإفادة معنى التمني.

الثالث : «لولا» فيمن قال : «لولاي ، ولولاك ، ولولاه» على قول سيبويه : إن «لولا» جارة للضمير ، فإنها أيضاً بمنزلة «لعل» في أن ما بعدها مرفوع المحل بالابتداء ، فإن «لولا» الامتناعية تستدعي جملتين كسائر أدوات التعليق. وزعم أبو الحسن أن «لولا» غير جارة ، وأن الضمير بعدها مرفوع ، ولكنهم استعاروا ضمير الجر مكان ضمير الرفع ، كما عكسوا في قولهم : «ما أنا كأنت» وهذا كقوله : في «عساي» ويردهما أن نيابة ضمير عن ضمير يخالفه في الإعراب إنما ثبتت في المنفصل ، وإنما جاءت النيابة في المتصل بثلاثة شروط : كون المنوب عنه منفصلا ، وتوافقهما في الإعراب وكون ذلك في الضرورة.

الرابع : «رُب» في نحو : «رب رجل صالح لقيته ، أو لقيت» ; لأن مجرورها مفعول في الثاني ، ومبتدأ في الأول ، أو مفعول على حد «زيداً ضربته» ويقدر الناصب بعد المجرور لاقبل الجار ; لأن «رب» لها الصدر من بين حروف الجر ، وإنما دخلت في المثالين لإفادة التكثير أو التقليل ، لا لتعدية عامل. هذا قول الرماني وابن طاهر. وقال الجمهور : هي فيهما حرف جر معدّ ، فإن قالوا : إنها عدّت العامل المذكور فخطأ ; لأنه يتعدى بنفسه ، ولاستيفائه معموله في المثال الأول ، وإن قالوا :

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢١٨.

٤٢

عدّت محذوفا تقديره : «حصل» أو نحوه كما صرح به جماعة ، ففيه تقدير لمامعنى الكلام مستغن عنه ولم يلفظ به في وقت.

الخامس : كاف التشبيه ، قاله الأخفش وابن عصفور ، مستدلين بأنه إذا قيل : «زيد كعمرو» فإن كان المتعلق «إستقر» فالكاف لاتدل عليه ، بخلاف نحو «في» من «زيد في الدار» وإن كان فعلاً مناسباً للكاف ـ وهو أشبه ـ فهو متعد بنفسه لا بالحرف.

والحق : أن جميع الحروف الجارة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدل على الاستقرار.

السادس : حرف الاستثناء ، وهو «خلا وعدا وحاشا» إذا خفضن ، فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه ، كما أن «إلا» كذلك ، وذلك عكس معنى التعدية الذي هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم ، ولو صح أن يقال : إنها متعلقة ، لصح ذلك في «إلا» وإنما خفض بهن المستثنى ولم ينصب كالمستثنى بـ «إلا» لئلا يزول الفرق بينهن أفعالاً وأحرفاً.

حكمهما بعد المعارف والنكرات

حكمهما بعدهما حكم الجمل ، فهما صفتان في نحو : «رأيت طائراً فوق غُصن ، أو على غُصن» ; لأنهما بعد نكرة محضة ، وحالان في نحو : «رأيت الهلال بين السحاب ، أو في الاُفق» ; لأنهما بعد معرفة محضة ، ومحتملان لهما في نحو : «يعجبني الزَّهْرُ في أكمامه ، والثمر على أغصانه» ; لأن المعرف الجنسي كالنكرة ، وفي نحو : «هذا ثمر يانع على أغصانه» ; لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة.

٤٣

حكم المرفوع بعدهما

إذا وقع بعدهما مرفوع ، فإن تقدمهما نفي أو استفهام أو موصوف أو موصول أو صاحب خبر أو حال نحو : «ما في الدار أحد» و «أفي الدار زيد؟» و «مررت برجل معه صقر» و «جاء الذي في الدار أبوه» و «زيد عندك أخوه» و «مررت بزيد عليه جبة» ، ففي المرفوع ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن الأرجح كونه مبتدأ مخبراً عنه بالظرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلاً.

والثاني : أن الأرجح كونه فاعلاً ، واختاره ابن مالك ، وتوجيهه أن الأصل : عدم التقديم والتأخير.

والثالث : أنه يجب كونه فاعلاً ، نقله ابن هشام عن الأكثرين. وحيث اُعرب فاعلاً فهل عامله الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن «إستقر» وقربهما من الفعل لاعتمادهما؟ فيه خلاف ، والمذهب المختار ، الثاني ; بدليل امتناع تقديم الحال في نحو : «زيد في الدار جالساً» ولو كان العامل الفعل لم يمتنع.

وإن لم يعتمد الظرف أو المجرور ، نحو : «في الدار ـ أو عندك ـ زيد» فالجمهور يوجبون الابتداء ، والأخفش والكوفيون يجيزون الوجهين ; لأن الاعتماد عندهم ليس بشرط ، ولذا يجيزون في نحو : «قائم زيد» أن يكون «قائم» مبتدأ و «زيد» فاعلاً ، وغيرهم يوجب كونهما على التقديم والتأخير.

٤٤

تنبيه

لاخلاف في تعين الابتداء في نحو : «في داره زيد» ; لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة.

فإن قلت : «في داره قيام زيد» لم يجزها الكوفيون البتة ، أما على الفاعلية فلما قدمنا ، وأما على الابتدائية فلأن الضمير لم يعد على المبتدأ ، بل على ما اُضيف إليه المبتدأ ، والمستحق للتقديم إنما هو المبتدأ ، وأجازه البصريون على أن يكون المرفوع مبتدأ ، لا فاعلاً ; لقولهم : «في أكفانه درج الميت». وإذا كان الاسم في نية التقديم كان ما هو من تمامه كذلك.

ما يجب فيه تعلقهما بمحذوف

وهو ثمانية :

أحدها : أن يقعا صفة ، نحو قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّب مِنَ السّماء) (البقرة / ١٩) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لايرجُوَنَّ أحد منكم إلا ربَّه» (١).

الثاني : أن يقعا حالاً ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ) (القصص / ٧٩) وأما قوله سبحانه وتعالى : (فَلَمّا رَاهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ) (النمل / ٤٠) فزعم ابن عطية أن «مستقراً» هو المتعلق الذي يقدر في أمثاله قد ظهر ، والصواب ما قاله أبو البقاء وغيره : من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرك لا مطلق الوجود والحصول ، فهو كون خاص.

الثالث : أن يقعا صلة ، نحو قوله تعالى : (وَلَهُ مَن فِي السَّمواتِ وَالاْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لايَسْتَكْبِروُنَ) (الأنبياء / ١٩).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٧٩ / ١١٢٣.

٤٥

الرابع : أن يقعا خبراً ، نحو : «زيد عندك ، أو في الدار» وربما ظهر في الضرورة كقوله : (١).

٣٦٦ـ لك العزُّ إن مولاك عَزَّ وإن يُهَن

فأنت لدى بُحبُوحة الهُون كائن

الخامس : أن يرفعا الاسم الظاهر ، نحو : (أَفِي اللهِ شَكٌ) (إبراهيم / ١٠) ونحو : (أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) (البقرة / ١٩) ونحو : «أعندك زيد؟».

السادس : أن يستعمل المتعلق محذوفاً في مَثَل أو شبهه ، كقولهم لمن ذكر أمراً قد تقادم عهده «حينئذ الآن» أصله : كان ذلك حينئذ واسمع الان ، وقولهم للمعرس : بالرفاء والبنين بإضمار «أعرست».

السابع : أن يكون المتعلق محذوفاً على شريطة التفسير ، نحو : «أيوم الجمعة صمت فيه؟» ، ونحو : «بزيد مررت به» عند من أجازه مستدلاً بقراءة بعضهم : (وَللظّالِمِينَ أَعَدَّلَهُمْ) (الإنسان / ٣١). والأكثرون يوجبون في ذلك إسقاط الجار ، وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار «جاوزت» أو نحوه ، وبالوجهين قرئ في الآية ، والنصب قراءة الجماعة ، ويرجحها العطف على الجملة الفعلية ، وهل الأولى أن يقدر المحذوف مضارعاً ، أي : ويعذب ; لمناسبة «يدخل» أو ماضياً ، أي : وعذب ; لمناسبة المفسر؟ فيه نظر.

وأما القراءة بالجر فمن توكيد الحرف بإعادته داخلاً على ضمير ما دخل عليه المؤكَّد ، مثل «إنّ زيداً إنّه فاضل» ولايكون الجار والمجرور توكيداً للجار والمجرور ; لأن الضمير لايؤكد الظاهر ; لأن الظاهر أقوى ، ولايكون المجرور بدلاً من المجرور بإعادة الجار ; لأن العرب لم تبدل مضمراً من مظهر ، لايقولون : «قام زيد

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٧.

٤٦

هو» وإنما جوز ذلك بعض النحويين بالقياس.

الثامن : القسم بغير الباء ، نحو : (وَالّيْلِ إذا يَغْشى) (الليل / ١) ، (وَتَاللهِ لاَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (الأنبياء / ٥٧) وقولهم : «لله لا يؤخر الأجل» ولو صرح في ذلك بالفعل لوجبت الباء.

هل المتعلق الواجب الحذف فعل أو وصف؟

لاخلاف في تعين الفعل في بابي القسم والصلة ; لأن القسم والصلة لا يكونان إلا جملتين. قال ابن يعيش : وإنما لم يجز في الصلة أن يقال : إن نحو «جاء الذي في الدار» بتقدير «مستقر» على أنه خبر لمحذوف على حد قراءة بعضهم : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَن) (الأنعام / ١٥٤) بالرفع ; لقلة ذاك واطراد هذا ، انتهى.

وكذلك يجب في الصفة في نحو : «رجل في الدار فله درهم» ; لأن الفاء تجوز في نحو : «رجل يأتيني فله درهم» وتمتنع في نحو : «رجل صالح فله درهم» فأما قوله : (١)

٣٦٧ ـ كلُّ أمر مباعد أو مدان

فَمنوط بحكمة المُتعالي

فنادرٌ.

واختلف في الخبر والصفة والحال ، فمن قدر الفعل ـ وهم الأكثرون ـ فلأنه الأصل في العمل ، ومن قدر الوصف فلأن الأصل في الخبر والحال والنعت ، الإفراد ، ولأن الفعل في ذلك لابد من تقديره بالوصف ، قالوا : ولأن تقليل المقدر أولى ، وليس بشيء ; لأن الحق أنا لم نحذف الضمير ، بل نقلناه إلى الظرف ، فالمحذوف

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٧ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٣٤٣ ، لم يسم قائله.

٤٧

فعل أو وصف ، وكلاهما مفرد. وأما في الاشتغال فيقدر بحسب المفسر فيقدر الفعل في نحو : «أيوم الجمعة تعتكف فيه» والوصف في نحو : «أيوم الجمعة أنت معتكف فيه» والحق أنه لايترجح تقديره اسماً ولافعلاً ، بل بحسب المعنى كما سيأتي.

كيفية تقديره باعتبار المعنى

أما في القسم فتقديره : «اُقسم» ، وأما في الاشتغال فتقديره كالمنطوق به ، نحو : «يوم الجمعة صمت فيه».

واعلم : أنهم ذكروا في باب الاشتغال أنه يجب أن لايقدر مثل المذكور إذا حصل مانع صناعى كما في «زيداً مررت به» أو معنوي كما في «زيداً ضربت أخاه» إذ تقدير المذكور يقتضي في الأول تعدي القاصر بنفسه ، وفي الثاني خلاف الواقع ; إذ الضرب لم يقع بزيد ، فوجب أن يقدر «جاوزت» في الأول ، و «أهنت» في الثاني ، وليس المانعان مع كل متعد بالحرف ، ولامع كل سببي ، ألا ترى أنه لامانع في نحو : «زيدا شكرت له» ; لأن «شكر» يتعدى بالجار وبنفسه ، وكذلك الظرف ، نحو : «يوم الجمعة صمت فيه» ; لأن العامل لايتعدى إلى ضمير الظرف بنفسه ، مع أنه يتعدى إلى ظاهره بنفسه ، وكذلك لا مانع في نحو : «زيدا أهنت أخاه» ; لأن إهانة أخيه إهانة له ، بخلاف الضرب.

وأما في المثل فيقدر بحسب المعنى ، وأما في البواقي نحو : «زيد في الدار» فيقدر كونا مطلقاً وهو «كائن أو مستقر» أو مضارعهما إن اُريد الحال أو الاستقبال نحو : «الصوم اليوم» أو «في اليوم» و «الجزاء غداً» أو «في الغد» ويقدر «كان أو إستقر» أو وصفهما إن اُريد المضي ، هذا هو الصواب. وقد أغفلوه مع قولهم في نحو «ضربى زيدا قائما» : إن التقدير : إذ كان ، إن اُريد المضي أو إذا كان ، إن اُريد به المستقبل ، ولافرق.

٤٨

وإذا جهلت المعنى فقدر الوصف ; فإنه صالح في الأزمنة كلها وإن كانت حقيقته الحال. ولايجوز تقدير الكون الخاص كـ «قائم وجالس» إلا لدليل ، نحو : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ) (البقرة / ١٧٨) ، التقدير : مقتول أو يقتل لا «كائن» ويكون الحذف حينئذ جائزاً لا واجباً ، ولاينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور.

تعيين موضع التقدير

الأصل : أن يقدر مقدماً عليهما كسائر العوامل مع معمولاتها ، وقد يعرض ما يقتضي ترجيح تقديره مؤخراً ، وما يقتضي إيجابه.

فالأول : نحو : «في الدار زيد» ; لأن المحذوف هو الخبر ، وأصله : أن يتأخر عن المبتدأ (١)

والثانى : نحو : «إنّ في الدار زيداً» ، لأن «إنّ» لايليها مرفوعها ويلزم من قدر المتعلق فعلاً أن يقدره مؤخراً في جميع المسائل ; لأن الخبر إذا كان فعلاً ، لايتقدم على المبتدأ.

__________________

١ ـ قال ابن هشام في الباب الخامس من المغني ، مبحث بيان مكان المقدر : وكنا قجدمنا في نحو «في الدار زيد» أن متعلق الظرف يقدر مؤخراً عن «زيد»؛ لأنه في القيقة ، الخبر ، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ ، ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدماً لمعارضة أصل آخر وهو أنه عامل في الظرف وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن يقدر المتعلق فعلاً ، فيجب التأخير؛ لأن الخبر الفعلي لايتقدم على المبتدأ فيمثل هذا.

٤٩

تنبيه

رد جماعة منهم ابن مالك على من قدر الفعل بنحو قوله تعالى : (إذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) (يونس / ٢١) وقولك : «أما في الدار فزيد» ; لأن «إذا» الفجائية لايليها الفعل ، و «أما» لايقع بعدها فعل إلا مقروناً بحرف الشرط ، نحو : (فأمّا إن كانَ من المقرّبين) (الواقعة / ٨٨) ، وهذا على ما بيناه غير وارد ; لأن الفعل يقدر مؤخراً.

٥٠

الباب الرابع

في ذكر أحكام يكثر دورها ، ويقبح بالمعرب جهلها ، وعدم معرفتها على وجهها.

فمن ذلك : ما يعرف به المبتدأ من الخبر.

يجب الحكم بابتدائية المقدم من الاسمين في ثلاث مسائل :

إحداها : أن يكونا معرفتين ، تساوت رتبتهما ، نحو : (اللهُ رَبُّنا) (الشورى / ١٥) أو اختلفت ، نحو : «زيد الفاضل ، والفاضل زيد» ، هذا هو المشهور ، وقيل : يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبراً مطلقاً ، وقيل : المشتق خبر وإن تقدم ، نحو : «القائم زيد».

والتحقيق : أن المبتدأ ما كان أعرف كـ «زيد» في المثال ، أو كان هو المعلوم عند المخاطب كأن يقول : من القائم؟ فتقول : «زيد القائم» فإن علمهما وجهل النسبة فالمقدم المبتدأ.

الثانية : أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما ، نحو : «أفضل منك أفضل مني».

٥١

الثالثة : أن يكونا مختلفين تعريفاً وتنكيراً والأول هو المعرفة كـ «زيد قائم» ، وأما إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوغ الابتداء به فهو خبر اتفاقاً ، نحو : «ذهب خاتمك» وإن كان له مسوغ فكذلك عند الجمهور وأما سيبويه فيجعله المبتدأ ، نحو : «كم مالك» و «خير منك زيد» ووجهه : أن الأصل عدم التقديم والتأخير ، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخر الأخص منهما ، نحو : «الفاضل أنت» ويتجه جواز الوجهين إعمالاً للدليلين ، ويشهد لابتدائية النكرة قوله تعالى : (فَإنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (الأنفال / ٦٢) وقولهم : «بحسبك زيد» والباء لا تدخل في الخبر في الإيجاب ، ولخبريتها قولهم : «ما جاءت حاجتك؟» بالرفع ، والأصل : ماحاجتك ، فدخل الناسخ بعد تقدير المعرفة مبتدأ ، ولولا هذا التقدير لم يدخل ، إذ لايعمل في الاستفهام ما قبله ، وأما من نصب فالأصل : ما هي حاجتك؟ ، بمعنى أي حاجة هي حاجتك؟ ثم دخل الناسخ على الضمير فاستترفيه ، ونظيره أن تقول : «زيد هو الفاضل» وتقدر «هو» مبتدأ ثانيا لا فصلاً ولا تابعاً ، فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه «كان» فتقول : «زيد كان الفاضلَ».

ويجب الحكم بابتدائية المؤخر في قوله : (١)

٣٦٨ ـ بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

رعياً للمعنى ، ويضعف أن تقدر الأول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة ; لأن ذلك نادر الوقوع ، ومخالف للاُصول ، اللهم إلا أن يقتضي المقام المبالغة ، والله أعلم.

__________________

١ ـ قال الغدادي : وهذا البيت لايعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم ، قال العيني : «ولم أر أحداً منهم عزاه إلى قائله» ، ورأيت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية للخبيصي أنه قال : «هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب». خزانة لأدب / ١ / ٤٤٥.

٥٢

ما يعرف به الاسم من الخبر

اعلم أن لهما ثلاث حالات :

إحداها : أن يكونا معرفتين ، فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الاخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر ، فيقال : «كان زيد أخا عمرو» لمن علم زيداً وجهل اُخوته لعمرو ، و «كان أخو عمرو زيداً» لمن يعلم أخا عمرو ويجهل أن اسمه زيد ، وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم ، فتقول : «كان زيد القائم» لمن كان قد سمع بزيد وسمع برجل قائم ، فعرف كلا منهما بقلبه ، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر ، ويجوز قليلا «كان القائم زيداً» وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير ، نحو : «كان زيد أخا عمرو ، وكان أخو عمرو زيداً» ويستثنى من مختلفي الرتبة نحو : «هذا» فإنه يتعين للاسمية لمكان التنبيه المتصل به ، فيقال : «كان هذا أخاك ، وكان هذا زيداً» إلا مع الضمير ، فإن الأفصح في باب المبتدأ أن تجعله المبتدأ وتدخل التنبيه عليه ، فتقول : «ها أناذا» ولايتأتى ذلك في باب الناسخ ; لأن الضمير متصل بالعامل ، فلا يتأتى دخول التنبيه عليه ، على أنه سمع قليلاً في باب المبتدأ : «هذا أنا».

واعلم أنهم حكموا لـ «أن وأنّ» المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير ; لأنه لايوصف كما أن الضمير كذلك ; فلهذا قرأت السبعة : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إلاّ أَنْ قالُوا) (الجاثية / ٢٥) (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَنْ قالُوا) (النمل / ٥٦) والرفع ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عما دونه في التعريف.

الحالة الثانية : أن يكونا نكرتين ، فإن كان لكل منهما مسوغ للإخبار عنها

٥٣

فأنت مخير فيما تجعله منهما الاسم وما تجعله الخبر ، فتقول : «كان خير من زيد شراً من عمرو» أو تعكس ، وإن كان المسوغ لإحداهما فقط جعلتها الاسم ، نحو : «كان خير من زيد امرأة».

الحالة الثالثة : أن يكونا مختلفين ، فتجعل المعرفة الاسم والنكرة الخبر ، كقول صفية بنت عبدالمطلب في رثاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٣٦٩ ـ وكنت رحيماً ، هادياً ومعلِّماً

ليبك عليك اليوم من كان باكياً (١)

ولايعكس إلا في الضرورة ، كقول حسان :

٣٧٠ ـ كأنّ خبيئة من بيت رأس

يكون مزاجَها عسلٌ وماء (٢)

وأما تجويز الزجاج في قراءة ابن عامر (أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ أَنْ يَعْلَمَهُ) (الشعراء / ١٩٧) ، بتأنيث «تكن» ورفع «آية» ، كون «آية» اسمها و «أن يعلمه» خبرها ; فردوه لما ذكرنا ، واعتذر له بأن النكرة قد تخصصت بـ «لهم».

ما يعرف به الفاعل من المفعول

وأكثر ما يشتبه ذلك إذا كان أحدهما اسماً ناقصاً والآخراسماً تاماً وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعاً ضمير المتكلم المرفوع ، وإن كان منصوباً ضميره المنصوب ، وتبدل من الناقص اسماً بمعناه في العقل وعدمه ، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهي صحيحة قبله ، وإلا فهي فاسدة ; فلايجوز «أعجب زيد ما كره عمرو» إن أو قعت «ما» على ما لايعقل ; لأنه لايجوز «أعجبت الثوب» ويجوز النصب ; لأنه يجوز «أعجبني الثوب» فإن أو قعت «ما»

__________________

١ ـ أعيان الشيعة : ١ / ٢٨٦.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٩.

٥٤

على أنواع من يعقل جاز ; لأنه يجوز «أعجبت النساء» وإن كان الاسم الناقص «من» أو «الذين» جاز الوجهان أيضاً.

فـرعـان

تقول : «أمكن المسافر السفر» بنصب المسافر ; لأنك تقول : «أمكنني السفر».

ولاتقول : «امكنت السفر» وتقول : «زيد في رزق عمرو عشرون ديناراً» برفع العشرين لاغير ، فإن قدمت عمراً فقلت «عمرو زيد في رزقه عشرون» جاز رفع العشرين ونصبه ، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير ، فيجب توحيده مع المثنى والمجموع ، ويجب ذكر الجار والمجرور لأجل الضمير الراجع إلى المبتدأ ، وعلى النصب فالفعل متحمل للضمير ، فيبرز في التثنية والجمع ، ولايجب ذكر الجار والمجرور.

ما افترق فيه عطف البيان والبدل

وذلك ثمانية اُمور :

أحدها : أن العطف لايكون مضمراً ولاتابعاً لمضمر ; لأنه في الجوامد نظير النعت في المشتق ، ولهذا لاتصح إجازة الزمخشري في (أَنِ اعْبُدُوا اللهِ) (المائدة / ١١٧) أن يكون بياناً للهاء من قوله تعالى : (إلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ) (المائدة / ١١٧) نعم أجاز الكسائي أن ينعت الضمير بنعت مدح أوذم أو ترحم ، فالأول ، نحو : (لا إلهَ إلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (البقرة / ١٦٣) والثاني ، نحو : «مررت به الخبيث» والثالث ، نحو قوله : (١)

__________________

١ ـ لم يعرف قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٣٥٣.

٥٥

٣٧١ ـ قدأصحبت بِقَرْقَرى كوَانِسا

فلاتَلُمه أن يَنام البائسا

وقال الزمخشري في (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ البَيْتَ الْحَرامَ) (المائدة / ٩٧) : إن (اَلْبَيْتَ الْحَرامَ) عطف بيان على جهة المدح كما في الصفة ، لاعلى جهة التوضيح ، فعلى هذا لايمتنع مثل ذلك في عطف البيان على قول الكسائي.

وأما البدل فيكون تابعاً للمضمر بالاتفاق ، نحو : (وَما أَنْسانِيهُ إلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (الكهف / ٦٣) وإنما امتنع الزمخشري من تجويز كون (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (المائدة / ١١٧) بدلاً من الهاء في «به» توهماً منه أن ذلك يخل بعائد الموصول ، وهو مردود بأن العائد موجود حساً.

وأجاز النحويون أن يكون البدل مضمراً تابعاً لمضمر كـ «رأيته إياه» أو الظاهر كـ «رأيت زيداً إياه» وخالفهم ابن مالك فقال : إن الثاني لم يسمع ، وإن الصواب في الأول : قول الكوفيين : إنه توكيد كما في «قمت أنت».

الثاني : أنّ البيان لا يخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره ، وأما قول الزمخشري : إن (مقام إبراهيم) (١) (آل عمران / ٩٧) عطف على (آيات بينات) (آل عمران / ٩٧) فسهو (٢). ولايختلف في جواز ذلك في البدل ، نحو : (إلى صِراط مُسْتَقِيم صِراطِ اللهِ) (الشورى / ٥٢ و ٥٣) ونحو : (بِالنّاصِيَةِ ناصِيَة كاذِبَة) (العلق / ١٥ و ١٦)

الثالث : أنه لايكون جملة ، بخلاف البدل ، نحو : (ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة وَذُو عِقاب أَلِيم) (فصلت / ٤٣).

__________________

١ ـ (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)

٢ ـ قال ابن هشام : «وقد يكون عبر عن البدل بعطف البيان لتأخّيهما». مغني اللبيب ، الباب الخامس ، النوع الثاني من الجهة السادسة.

٥٦

الرابع : أنه لايكون تابعاً لجملة ، بخلاف البدل ، نحو : (اِتَّبِعُوا الْمُرسَليِنَ اِتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُـكُمْ أَجْراً) (يس / ٢٠ و ٢١) وقوله : (١)

٣٧٢ ـ أقول له : ارحل لاتقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مُسلِما

الخامس : أنه لايكون فعلاً تابعاً لفعل ، بخلاف البدل ، نحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) (الفرقان / ٦٨ و ٦٩).

السادس : أنه لايكون بلفظ الأول ، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب : (وَتَرى كُلَّ أُمَّة جاثِيَةً كُلَّ أُمَّة تُدْعى إلى كِتابِها) (الجاثية / ٢٨) بنصب «كل» الثانية ، فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو وهذا الفرق إنما هو على ما ذهب إليه ابن الطراوة من أن عطف البيان لايكون من لفظ الأول ، وتبعه على ذلك ابن مالك وابنه ، وحجتهم : أن الشيء لايبين نفسه ، وفيه نظر من أوجه :

أحدها : أنه يقتضي أن البدل ليس مبيناً للمبدل منه ، وليس كذلك ، ولهذا منع سيبويه «مررت بي المسكين وبك المسكين» دون «به المسكين» وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جملة استؤنفت للتبيين والعطف تبيين بالمفرد المحض.

والثاني : أن اللفظ المكرر إذا اتصل به مالم يتصل بالأول كما قدمناه اتجه كون الثاني بياناً بما فيه من زيادة الفائدة ، وعلى ذلك أجازوا الوجهين في نحو قول عبدالله بن رواحة :

٣٧٣ ـ يا زيدُ زيد اليعملات الذُّبَّل

تطاول الليل هُدِيتَ فانزِل (٢)

__________________

١ ـ تقدم برقم ٣٥٨.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٥٤.

٥٧

إذا ضممت المنادى فيه.

والثالث : أن البيان يتصور مع كون المكرر مجرداً ، وذلك في مثل قولك : «يا زيدُ زيدٌ» إذا قلته وبحضرتك اثنان اسم كل منهما «زيد» فإنك حين تذكر الأول يتوهم كل منهما أنه المقصود ، فإذا كررته تكرر خطابك لأحدهما وإقبالك عليه فظهر المراد.

السابع : أنه ليس في نية إحلاله محل الأول ، بخلاف البدل ، ولهذا امتنع البدل وتعين البيان في نحو : «يا زيد الحارث» وفي نحو : «يا سعيد كرزٌ» بالرفع أو «كرزاً» بالنصب ، بخلاف «يا سعيدُ كرزُ» بالضم فإنه بالعكس.

الثامن : أنه ليس في التقدير من جملة اُخرى ، بخلاف البدل ، ولهذا امتنع أيضاً البدل وتعين البيان في نحو قولك : «هند قام عمرو أخوها» ونحو : «مررت برجل قام عمرو أخوه».

ما افترق فيه اسم الفاعل والصفة المشبهة

وذلك أحد عشر أمراً :

أحدها : أنه يصاغ من المتعدي والقاصر كـ «ضارب وقائم ومستخرج ومستكبر» وهي لاتصاغ إلا من القاصر ، (١) كـ «حسن وجميل».

__________________

١ ـ قال الشمني : «فإن قيل : قد صيغت الصفة المشبهة من المتعدي ، نحو : «رحمن ورحيم» ، فإنهما مصوغان من «رحم» وهو متعد. اُجيب بأن الصفة إنما تصاغ من غير القاصر بعد تنزيله منزلة القاصر ، فصح أن الصفة المشبهة لاتصاغ إلا من القاصر». المنصف : ٢ / ١٦١.

٥٨

الثاني : أنه يكون للأزمنة الثلاثة ، وهي لاتكون إلا للحاضر ، (١) أي : الماضي المتصل بالزمن الحاضر.

الثالث : أنه لايكون إلا مجارياً للمضارع في حركاته وسكناته كـ «ضارب ويضرب ومنطلق وينطلق» ومنه : «يقوم وقائم» ; لأن الأصل : «يقوم» بسكون القاف وضم الواو ، ثم نقلوا ، وأما توافق أعيان الحركات فغير معتبر ، بدليل «ذاهب ويذهب» ولهذا قال ابن الخشاب : هو وزن عروضي لاتصريفي وهي تكون مجارية له كـ «منطلق اللسان ومطمئن النفس وطاهر العرض» وغير مجارية وهو الغالب ، نحو : «ظريف وجميل».

الرابع : أن منصوبه يجوز أن يتقدم عليه ، نحو : «زيد عمراً ضارب» ولايجوز «زيد وجهَه حسن».

الخامس : أن معموله يكون سببياً وأجنبياً ، نحو : «زيد ضارب غلامَه وعمراً» ولايكون معمولهاإلا سببياً تقول : «زيد حسن وجهَه أوالوجه» ويمتنع «زيد حسن عمراً».

__________________

١ ـ قال المحقق الرضي : والذي أرى أن الصفة المشبهة كما أنها ليست مضوعة للحدوث في زمان ، ليست أيضاً موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة؛ لأن الحدوث والاستمرار ، قيد ان في الصفة ولادليل فيها عليهما ، فليس معنى «حسن» في الوضع إلاذا حسن ، سواء كان في بعض الأزمنة أو جميع الأزمنة ولادليل في اللفظ على أحد القيدين ، فهو حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الاتصاف بالحسن ، لكن لما اُطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ولم يجو نفيه في جميع الأزمنة إلى؛ لأنك حكمت بثبوته؛ فلابد من وقوعه في زمان ، كان الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة إلى أن تقوم قرينة على تخصصه ببعضها ، كما تقول : «كان هذا حسناً فقبح أو سيصير حسناً أو هو الآن حسن فقط؛ فظهوره في الاستمرار ليس وضيعاً». شرح الكافية : ٢ / ٢٠٥.

٥٩

السادس : أنه لايخالف فعله في العمل ، وهي تخالفه ، فإنها تنصب مع قصور فعلها ، تقول : «زيد حسن وجهه» ويمتنع «زيد حسنَ وجهه» بالنصب ، خلافاً لبعضهم.

السابع : أنه يجوز حذفه وبقاء معموله ، ولهذا أجازوا «أنا زيداً ضاربه» و «هذا ضارب زيد وعمراً» بخفض «زيد» ونصب «عمرو» بإضمار فعل أو وصف منون ، وأما العطف على محل المخفوض فممتنع عند من شرط وجود المحرز كما سيأتي ، ولايجوز «مررت برجل حسن الوجه والفعل» بخفض «الوجه» ونصب «الفعل» ولا «مررت برجل وجهه حَسَنِه» بنصب «الوجه» وخفض الصفة ; لأنها لاتعمل محذوفة ، ولأن معمولها لايتقدمها ، وما لايعمل لايفسر عاملاً.

الثامن : أنه لايقبح حذف موصوف اسم الفاعل وإضافته إلى مضاف إلى ضميره ، نحو : «مررت بقاتل أبيه» ويقبح «مررت بحسن وجهه».

التاسع : أنه يفصل مرفوعه ومنصوبه ، كـ «زيد ضارب في الدار أبوه عمراً» ، ويمتنع عند الجمهور «زيد حسن في الحرب وجهه»رفعت أو نصبت.

العاشر : أنه يجوز إتباع معموله بجميع التوابع ، ولايتبع معمولها بصفة ، قاله الزجاج ومتأخرو المغاربة ، ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال «أعور عينه اليمنى» (١).

الحادي عشر : أنه يجوز إتباع مجروره على المحل عند من لايشترط المحرز ، ويحتمل أن يكون منه : (وَجاعِل الّيْل سَكَناً وَالشَّمْسَ) (الأنعام / ٩٦) ولايجوز «هو حسن الوجه والبدن» بجر «الوجه» ونصب «البدن» خلافاً للفراء أجاز

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٤ / ٢٠٣.

٦٠