مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

ظهور الإعراب في نفس الموصول في نحو : (رَبَّنَآ أَرِنَا اللّذَيْنِ أَضَلاّنَا) (فصلت / ٢٩).

والثاني ، نحو : «أعجبني أن قمت ، أو ما قمت» إذا قلنا بحرفية «ما» المصدرية ، وفي هذا النوع يقال : الموصول وصلته في موضع كذا. لأن الموصول حرف فلا إعراب له لالفظاً ولامحلاً.

الجملة السابعة : التابعة لما لا محل له ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «الحمد لله الذي لايبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءه العادون» (١).

الجمل التي لها محل من الإعراب

وهي أيضا سبع :

الجملة الاُولى : الواقعة خبراً ، وموضعها رفع في بابي المبتدأ و «إنّ» ونصب في بابي «كان وكاد» واختلف في نحو «زيد اضربه ، وعمرو هل جاءك» ، فقيل : محل الجملة التي بعد المبتدأ رفع على الخبرية ، وهو الصحيح ، وقيل : نصب بقول مضمر هو الخبر ، بناء على أن الجملة الانشائية لاتكون خبراً وقدمر إبطاله.

الجملة الثانية : الواقعة حالاً ، وموضعها نصب ، نحو قوله تعالى : (وَلاَتَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر / ٦) وقول حسان في علي (عليه السلام) :

٣٤٣ ـ من كان بات على فراش محمد؟

ومحمد أسرى يؤمّ الغارا (٢)

ومنه : (مَا يَأْتِيهِم مِن ذِكْر مِن رّبِّهِمْ مُحْدَث إلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ

__________________

١ ـ نهج الباغة : ط١ / ٢٢.

٢ ـ الغدير : ٢ / ٤٧.

٢١

لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء / ٢ و ٣) فجملة (اسْتَمَعُوهُ) حال من مفعول (يَأْتيهمْ) أو من فاعله ، وقرئ «محدثا» لأن الذكر مختص بصفته مع أنه قد سبق بالنفي ، وأما (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) فحال من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) فالحالان متداخلتان ، و «لاهية» حال من فاعل (يَلْعَبُونَ) وهذا من التداخل أيضاً ، أو من فاعل (اسْتَمَعُوهُ) فيكون من التعدد لا من التداخل.

الجملة الثالثة : الواقعة مفعولاً ، كقول حسان :

٣٤٤ ـ فقال له : قم يا علي ، فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً (١)

ومحلها النصب إن لم تنب عن فاعل ، وهذه النيابة مختصة بباب القول ، نحو : (ثُمَّ يُقالُ هَذَا الّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذّبُونَ) (المطففين / ١٧) ; لما قدمناه من أن الجملة التي يراد بها لفظها تنزل منزلة الأسماء المفردة ، قيل : وتقع أيضا في الجملة المقرونة بمعلِّق ، نحو : «علم أقام زيد» وأجاز هؤلاء وقوع هذه فاعلاً ، وحملوا عليه : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنابِهِمْ) (إبراهيم / ٤٥) (أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) (السجدة / ٢٦) (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِن بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (يوسف / ٣٥) والصواب : خلاف ذلك ، وعلى قول هؤلاء فيزاد في الجمل التي لها محل الجملة الواقعة فاعلاً.

وتقع الجملة مفعولاً في ثلاثة أبواب :

أحدها : باب الحكاية بالقول أو مرادفه ، فالأول نحو : (قالَ : إنِّي عَبْدُاللهِ) (مريم / ٣٠).

والثاني : نوعان : ما معه حرف التفسير ، كقولك : «كتبت إليه أن افعل» إذا لم

__________________

١ ـ الغدير : ٢ / ٣٤.

٢٢

تقدر باء الجر ، والجملة في هذا النوع مفسرة للفعل فلا موضع لها ، وما ليس معه حرف التفسير ، نحو قوله تعالى : (وَوَصّى بها إبراهيمُ بَنيهِ ويَعقوبُ يا بَنيّ إنّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) (البقرة / ١٣٢) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن» (١) فالجملة في محل نصب اتفاقاً ، ثم قال البصريون : النصب ، بقول مقدر ، وقال الكوفيون : بالفعل المذكور ، ويشهد للبصريين التصريح بالقول في نحو : (وَنادى نُوحٌ رَبَّه فَقَال رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (هود / ٤٥).

تنبيهات

الأول : من الجمل المحكية ما قد يخفى ، فمن ذلك في المحكية بعد القول : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنَا إنَّا لَذَآئقُونَ) (الصافات / ٣١).

والأصل : إنكم لذائقون عذ ابي ، ثم عدل إلى التكلم ; لأنهم تكلموا بذلك عن أنفسهم.

الثاني : قديقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها ، نحو : «أتقول موسى في الدار؟» فلك أن تقدر «موسى» مفعولاً أوّل و «في الدار» مفعولاً ثانياً على إجراء القول مجرى الظن ولك أن تقدرهما مبتدأ وخبراً على الحكاية كما في قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْراهِيمَ وَإسْماعِيلَ وَإسْحاقَ وَيَعقوبَ والأسباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (البقرة / ١٤٠) الآية ، ألا ترى أن القول قد استوفى شروط إجرائه مجرى الظن ومع هذا جيء بالجملة بعده محكية؟

الثالث : قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها ، وذلك نحو :

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط١٧٥ / ٥٦٧.

٢٣

«أول قولي : إني أحمد الله» إذا كسرت «انّ» ; لأن المعنى أول قولي هذا اللفظ ، فالجملة خبر لا مفعول ، خلافا لأبي علي ، زعم أنها في موضع نصب بالقول فبقي المبتدأ بلا خبر فقدّر «موجود» أو «ثابت» وهذا المقدر يستغنى عنه ، بل هو مفسد للمعنى ; لأن «أول قولي : إني أحمد الله» باعتبار الكلمات «إن» وباعتبار الحروف الهمزة فيفيد الكلام على تقديره الإخبار بأن ذلك الأول ثابت ، ويقتضي بمفهومه أن بقية الكلام غير ثابت ، اللهم إلا أن يقدر «أول» زائداً ، والبصريون لا يجيزونه ، وتبع الزمخشري أبا علي في التقدير المذكور والصواب : خلاف قولهما ، فإن فتحت فالمعنى : حمدالله ، يعنى بأي عبارة كانت.

الرابع : قد تقع الجملة بعد القول غير محكية به ، وهي نوعان : محكية بقول آخر محذوف كقوله تعالى (١) : (فَما ذَا تَأْمُرُونَ) (الأعراف / ١١٠) بعد (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ، لأن قولهم تم عند قوله : (مِنْ أرْضِكُمْ) ثم التقدير : فقال فرعون ; بدليل (قَالُوا : أرْجِهْ وَأخاهُ) (الأعراف / ١١١).

وغير محكية ، وهي نوعان : دالة على المحكية ، كقولك : «قال زيد لعمرو في حاتم ، أتظن حاتماً بخيلاً؟» فحذف المقول ، وهو «حاتم بخيل» مدلولا عليه بجملة الإنكار التي هي من كلامك دونه. وغير دالة عليه ، نحو : (وَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إنَّ الْعِزّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (يونس / ٦٥) وقدمر البحث فيها.

الخامس : قد يوصل بالمحكية غير محكي ، وهو الذي يسميه المحدثون

__________________

١ ـ قال الملأمن قوم فرعون إن هذ لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أضكم فما ذا تأمرون قالو أرجه وأخا وأرسل في المدائن حاشرين (الأعراف / ١٠٩ ـ ١١١).

٢٤

مدرجاً ، ومنه : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل / ٣٤) بعد حكاية قولها ، (١) وهذه الجملة مستأنفة لايقدرلها قول.

الباب الثاني : من الأبواب التي تقع فيه الجملة مفعولا باب «ظن وأعلم» فإنها تقع مفعولا ثانياً لـ «ظن» وثالثاً لـ «أعلم» وذلك لأن أصلهما الخبر ووقوعه جملة سائغ ، كما في قول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «وأرى نفسي تخاتلني» (٢).

الباب الثالث : باب التعليق ، وذلك غير مختص بباب «ظن» بل هو جائز في كل فعل قلبي ، ولهذا انقسمت هذه الجملة إلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون في موضع مفعول مقيد بالجار ، نحو : (أوَ لَمْ يَتَفَكّروا ما بصاحبِهم من جنّة) (الأعراف / ١٩٤) ، (فَلْيَنظُرْ أَيُّهآ أَزْكى طَعَاماً) (الكهف / ١٩) ، (يَسْأَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدّينِ) (الذاريات / ١٢) ; لأنه يقال : تفكّرت فيه ونظرت فيه وسألت عنه ، ولكن علقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول ، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف. وزعم ابن عصفور أنه لايعلق فعل غير «علم وظن» حتى يضمن معناهما ، وعلى هذا فتكون هذه الجملة سادة مسد المفعولين.

والثاني : أن تكون في موضع المفعول المسرح ، نحو : «عرفت من أبوك» وذلك لأنك تقول : «عرفت زيداً» ، وكذا «علمت من أبوك» إذا أردت «علم» بمعنى «عرف».

ومنه قول بعضهم : «أما ترى أي برق هاهنا» ; لأن «رأى» البصرية وسائر افعال الحواس إنما تتعدى لواحد بلا خلاف ، إلا «سمع» المعلقة باسم عين ، نحو قول أميرالمؤمنين(عليه السلام) : «وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يؤتى يوم القيامة بالإمام

__________________

١ ـ قالت إن الملوك إذا دخلو قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون.

٢ ـ الصحيفة السجادية الجامعه : ٤٢٨.

٢٥

الجائر وليس معه نصير ولا عاذر» (١).

فقيل : متعدية لاثنين ثانيهما الجملة ، وقيل : إلى واحد والجملة حال ، فإن علقت بمسموع فمتعدية لواحد اتفاقاً ، نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الْصَّيْحَةَ بِالْحَقّ) (ق / ٤٢) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي» (٢).

وليس من الباب : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرّحْمنِ عِتِيّاً) (مريم / ٦٩) خلافاً ليونس ; لأن «ننزع» ليس بفعل قلبي ، بل «أي» موصولة لااستفهامية ، وهي المفعول ، وضمتها بناء لا إعراب ، و «أشد» خبر لـ «هو» محذوفا ، والجملة صلة.

والثالث : أن تكون في موضع المفعولين ، نحو قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذَاباً) (طه / ٧١) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين» (٣) ، ومنه : (وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَب يَنقَلِبُونَ) (الشعراء / ٢٢٧) ; لأن «أياً» مفعول مطلق لـ «ينقلبون» ، لامفعول به لـ «يعلم» ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ومجموع الجملة الفعلية في محل نصب بفعل العلم.

واختلف في نحو : «عرفت زيداً من هو» فقيل : جملة الاستفهام حال ، ورد بأن الجمل الإنشائية لاتكون حالا ، وقيل : مفعول ثان على تضمين «عرف» معنى «علم» ، ورد بأن التضمين لاينقاس ، وهذا التركيب مقيس ، وقيل : بدل من

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٦٣ / ٥٢٥.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤ / ٨١.

٣ ـ نهج البلاغة : ح ٤٠٩ / ١٢٨١.

٢٦

المنصوب ، ثم اختلف ، فقيل : بدل اشتمال ، وقيل : بدل كل ، والأصل : عرفت شأن زيد.

وعلى القول بأن «عرف» بمعنى «علم» فهل يقال : إن الفعل معلق أم لا؟ قال جماعة من المغاربة : إذا قلت : «علمت زيداً لأبوه قائم» أو «ما أبوه قائم» فالعامل معلق عن الجملة ، وهو عامل في محلها النصب على أنها مفعول ثان ، وخالف في ذلك بعضهم ; لأن الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب ، وألا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق ، وذلك نحو : «علمت زيداًأبوه قائم».

تنبيه

فائدة الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ظهور ذلك في التابع ، فتقول : «عرفت من زيد وغير ذلك من اُموره».

الجملة الرابعة : المضاف إليها ، ومحلها الجر ، ولا يضاف إلى الجملة إلا ثمانية :

أحدها : أسماء الزمان. ظروفاً كانت أو أسماء ، نحو قول الكميت خطاباً للبني (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٣٤٥ ـ يا صاحب الحوض يوم لاشرب لِلْـ

وارد إلا ما كان يضطرب (١)

ونحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (المرسلات / ٣٥) ألا ترى أن اليوم ظرف في الاُولى ، وخبر في الثانية؟

ومن أسماء الزمان ثلاثة إضافتها إلى الجملة واجبة : «إذ» باتفاق ، و «إذا» عند الجمهور ، و «لمّا» عند من قال باسميتها.

__________________

١ ـ شرح الهاشميات : ٦١.

٢٧

وزعم سيبويه أن اسم الزمان المبهم إن كان مستقبلاً فهو كـ «إذا» في اختصاصه بالجمل الفعلية ، وإن كان ماضيا فهو كـ «إذ» في الإضافة إلى الجملتين فتقول : «آتيك زمنَ يقدم الحاج» ولا يجوز «زمن الحاج قادم» وتقول : «أتيتك زمن قدم الحاجُّ وزمن الحاج قادم» ورد عليه دعوى اختصاص المستقبل بالفعلية بقوله تعالى : (يَوْمَ هُم بارِزُونَ) (غافر / ١٦) وبقول سواد بن قارب :

٣٤٦ ـ وكن لي شفيعاًيوم لاذوشفاعة

بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب (١)

والجواب : أن يوم القيامة لما كان محقق الوقوع جعل كالماضي ، فحمل على «إذ» لا على «إذا» على حد : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (الكهف / ٩٩).

الثاني : «حيث» نحو قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا فاطمة من صلى عليك غفرالله له ، وألحقه بي حيث كنت في الجنة» (٢) وتختص بذلك عن سائر أسماء المكان ، وإضافتها إلى الجملة لازمة ، ولا يشترط لذلك كونها ظرفاً. وزعم المهدوي أن «حيث» في قول ابن دُرَيد :

٣٤٧ ـ ثُمَّت راح في المُلَبِّين إلى

حيث تَحَجّى المأزِمان ومنى (٣)

لما خرجت عن الظرفية بدخول «إلى» عليها خرجت عن الإضافة إلى الجمل وصارت الجملة بعدها صفة لها وتكلف تقدير رابط لها وهو «فيه» وليس بشي ; لما تقدم في أسماء الزمان.

الثالث : «آية» بمعنى «علامة» فإنها تضاف جوازاً إلى الجملة الفعلية المتصرف فعلها مثبتاً أو منفياً بـ «ما» كقول الأعشى :

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧١.

٢ ـ كشف الغمة : ٢ / ١٠٠.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧٤.

٢٨

٣٤٨ ـ بآية يقدمون الخيل شُعثاً

كأن على سَنابِكِها مُداما (١)

وقول عمرو بن شأس بن عبيد :

٣٤٩ـ ألِكْني إلى قومي السلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافاً ولا عُزلا (٢)

هذا قول سيبويه ، وزعم أبو الفتح أنها إنما تضاف إلى المفرد نحو : (إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) (البقرة / ٢٤٨) وقال : الأصل : بآية ما يقدمون ، أي : بآية إقدامهم. انتهى.

وفيه حذف موصول حرفي غير «أن» وبقاء صلته ، ثم هو غير متأت في قول عمرو بن شأس بن عبيد :

٣٥٠ـ ألِكْني إلى قومي السلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلا (٣)

الرابع : «ذو» في قولهم : «إذهب بذي تسلم» والباء في ذلك ظرفية ، و «ذي» صفة لـ «زمن» محذوف ، ثم قال الأكثرون : هي بمعنى «صاحب» فالموصوف نكرة ، أي : اذهب في وقت صاحب سلامة أي : في وقت هو مظنة السلامة ، وقيل : بمعنى «الذي» فالموصوف معرفة ، والجملة صلة فلا محل لها ، والأصل : اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ، ويضعفه أن استعمال «ذي» موصولة مختص بطيّئ ، ولم ينقل اختصاص هذا الاستعمال بهم ، وأن الغالب عليها في لغتهم البناء ولم يسمع هنا إلاّ الإعراب وأن حذف العائد المجرور هو والموصول بحرف متحد المعنى مشروط باتحاد المتعلق ، نحو : (وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ) (المؤمنون / ٣٣) والمتعلق هنا مختلف ، وأن هذا العائد لم يذكر في وقت.

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٧٧.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٥.

٣ ـ تقدم برقم ٣٤٩.

٢٩

الخامس والسادس : «لدن وريثَ» فإنهما يضافان جوازا إلى الجملة الفعلية التي فعلها متصرف ، ويشترط كونه مثبتاً ، بخلافه مع «آية». فأما «لدن» فهي اسم لمبدأ الغاية ، زمانية كانت أو مكانية ، ومن شواهدها قوله : (١)

٣٥١ ـ لزمنالدن سالمتمونا وفاقكم

فلايك منكم للخلاف جُنوح

وأما «ريثَ» فهي مصدر «راث» إذا أبطأ ، وعوملت معاملة أسماء الزمان في الإضافة إلى الجملة ، كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت كقولك : «جئتك صلاة العصر» قال : (٢)

٣٥٢ ـ خليليَّ رِفقاًرَيثَ أقضي لُبانةً

من العَرَصات المذْكرات عهوداً

وزعم ابن مالك في كافيته وشرحها أن الفعل بعدهما على إضمار «اَن» والأول قوله في التسهيل وشرحه ، وقد يعذر في «ريث» ; لأنها ليست زمانا ، بخلاف «لدن» وقد يجاب بأنها لما كانت لمبدأ الغايات مطلقاً لم تخلص للوقت.

السابع والثامن : «قول وقائل» كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «من ترك قول لا أدري اُصيبت مَقاتلُه» (٣)

وقوله : (٤)

٣٥٣ ـ وأجبتُ قائل«كيف أنت؟» بـ «صالح»

حتى مَلِلتُ ومَلَّني عُوّادي

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٦ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٨٦ ، لم يسم قائله.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٢٨٦ ، وفي شرح شواهد المغني «الذاكرات» بدل «المذكرات» ٢ / ٨٣٦ ، لم يسم قائله.

٣ ـ نهج البلاغة : ح ٨٢ / ١١٢٤.

٤ ـ لم يسم قائله ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٧.

٣٠

الجملة الخامسة : الواقعة بعد الفاء أو «إذا» جواباً لشرط جازم ; لأنها لم تصدر بمفرد يقبل الجزم ، لفظاً كما في قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «من يُعطِ باليد القصيرة يُعطَ باليد الطويلة» (١) أو محلاً كما في قول الفرزدق :

٣٥٤ ـ إن عدأهل التقى كانوا أئمتهم

أوقيل من خيرأهل الأرض؟قيل هم (٢)

مثال المقرونة بالفاء (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِىَ لَهُ وَيَذَرهُمْ) (الأعراف / ١٨٦) ولهذا قرئ بجزم «يذر» عطفاً على المحل.

ومثال المقرونة بـ «إذا» (وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم / ٣٦) والفاء المقدرة كالموجودة كقول عبدالرحمن بن حسان :

٣٥٥ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشر بالشر عندالله مثلان (٣)

الجملة السادسة : التابعة لمفرد ، وهي ثلاثة أنواع :

أحدها : المنعوت بها ، فهي في موضع رفع في نحو قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أن يَأتي يَوْمٌ لاَبَيْعٌ فِيهِ) (البقرة / ٢٥٤) ونصب في نحو قول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «لك الحمد حمدا يدوم بدوامك» (٤) وجرفي نحو قول الكميت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٣٥٦ ـ خيرَ مسترضع وخير فطيم

وجنين اُقرّ في الأرحام (٥)

الثاني : المعطوفة بالحرف ، نحو : «زيد منطلق وأبوه ذاهب» إن قدرت الواو عاطفة على الخبر ، فلو قدرت العطف على الجملة فلا موضع لها ، أو قدرت الواو

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٢٤ / ١١٨٩.

٢ ـ البيت في قصيدة يمدح بها الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام ويذكر فيها الرسول وآله صلوات الله عليهم. كشف الغمة : ٢ / ٣٠٥.

٣ ـ تقدم برقم ١١٧.

٤ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السابع والأربعون : ٣٣٠.

٥ ـ شرح الهاشميات : ٢٨.

٣١

واو الحال فلا تبعية والمحل نصب.

الثالث : المبدلة كقوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم) (فصلت / ٤٣) فـ «إنّ» وما عملت فيه ، بدل من «ما» وصلتها ، وجاز إسناد «يقال» إلى الجملة كما جاز في (وَإذا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لارَيْبَ فِيهَا) (الجاثية / ٣٢) هذا كله إن كان المعنى : ما يقول الله لك إلا ما قد قيل ، فأما إن كان المعنى : ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لأنبيائهم ، فالجملة استئناف.

وقال ابن جني في قوله : (١)

٣٥٧ ـ إلى الله أشكوبالمدينة حاجة

وبالشام اُخرى كيف يلتقيان؟

 : جملة الاستفهام بدل من «حاجة واُخرى» أي : إلى الله أشكو حاجتين تعذرَ التقائهما.

الجملة السابعة : التابعة لجملة لها محل. ويقع ذلك في بابي النسق والبدل خاصة.

فالأول : نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أنا وضعت في الصغر بكَلا كِلِ العرب وكسرت نواجِمَ قرونِ ربيعة ومُضَر» (٢) ، إذا لم تقدر الواو للحال ، ولا قدرت العطف على الجملة الكبرى.

والثاني : شرطه كون الثانية أوفى من الاُولى بتأدية المعنى المراد ، نحو قوله (٣) :

__________________

١ ـ قال السيوطي : «قال العيني في الكبرى : قيل إنه للفرزدق. قلت : وجدت البيت في نوادر ابن الأعرابي» شرح شواهد المني ٢ / ٥٥٧.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤ / ٨١١.

٣ ـ قال السيوطي : «قال العيني : لم يسم قائله». شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٩.

٣٢

٣٥٨ ـ أقول له : ارْحَلْ لاتُقِيمَنّ عندنا

وإلاّ فكن في السرّ والجهر مُسلِماً

فإنّ دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهية لإقامته بالمطابقة بخلاف الاُولى.

تنبيه

ما تقدم من انحصار الجمل التي لها محل في سبع ، جار على ما قرروا ، والحق أنها تسع ، والذي أهملوه : الجملة المستثناة ، والجملة المسند إليها.

أما الاُولى : فنحو : (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرإلاّ مَن تَوَلّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) (الغاشية / ٢٢ ـ ٢٤) قال ابن خروف : «من» مبتدأ و (يُعَذِّبهُ اللهُ) الخبر ، والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

وأما الثانية : فنحو : (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لايُؤمِنُونَ) (البقرة / ٦) إذا اُعرب «سواء» خبراً ، و (أنْذَرْتَهُمْ) مبتدأ ، ونحو : «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» إذا لم يقدر الأصل أن تسمع ، بل يقدر «تسمع» قائماً مقام السماع ، كما أن الجملة بعد الظرف في نحو : (وَيَوْمَ نُسيّرُ الْجِبالَ) (الكهف / ٤٧) وفي نحو : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) في تأويل المصدر ، وإن لم يكن معهما حرف سابك.

حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات

يقول المعربون على سبيل التقريب : الجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال ، وشرح المسألة مستوفاة أن يقال : الجمل الخبرية التي لم يستلزمها ما قبلها إن كان مرتبطة بنكرة محضة ، فهي صفة لها ، أو بمعرفة محضة ، فهي حال عنها ، أو بغير المحضة منهم فهي محتملة لهما ، وكل ذلك بشرط وجود

٣٣

المقتضي وانتفاء المانع.

مثال الأول ـ وهو الواقع صفة لاغير لوقوعه بعد النكرات المحضة ـ : قوله تعالى : (حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤه) (الإسراء / ٩٣) وقول الرباب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام) في رثائه :

٣٥٩ ـ إن الذي كان نوراً يستضاء به

في كربلاء قتيل غير مدفون (١)

ومثال الثاني ـ وهو الواقع حالا لا غير لوقوعه بعد المعارف المحضة ـ : قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (النساء / ٤٣) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وإياك أن ينزِل بك الموت وأنت آبِق من ربك في طلب الدنيا» (٢)

ومثال الثالث ـ وهو المحتمل لهما بعد النكرة ـ : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (الأنبياء / ٥٠) فلك أن تقدر الجملة صفة للنكرة وهو الظاهر ، ولك أن تقدرها حالاً عنها ; لأنها قد تخصصت بالوصف وذلك يقربها من المعرفة ، وأن تقدرها حالاً من المعرفة وهو الضمير في (مُبارَكٌ) إلا أنه قد يضعف من حيث المعنى وجها الحال ، أما الأول : فلأن الإشارة إليه لم تقع في حالة الإنزال كما وقعت الإشارة إلى البعل في حالة الشيخوخة في (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (هود / ٧٢). وأما الثاني : فلا قتضائه تقييد البركة بحالة الإنزال ، وتقول : «ما فيها أحد يقرأ» فيجوز الوجهان أيضاً ; لزوال الإبهام عن النكرة بعمومها.

ومثال الرابع ـ وهو المحتمل لهما بعد المعرفة ـ : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (الجمعة / ٥) فإن المعرف الجنسي يقرب في المعنى من النكرة ، فيصح تقدير

__________________

١ ـ أدب الطف : ٦ / ٦١.

٢ ـ نهج البلاغة : ك ٦٩ / ١٠٧٠.

٣٤

(يَحْمِلُ) حالاً أو وصفاً ومثله قوله : (١)

٣٦٠ ـ ولقد أمُرُّ على اللئيم يسُبني

فَمَضَيتُ ثُمَّت قلتُ لايَعنيني

وقد اشتمل الضابط المذكور على قيود :

أحدها : كون الجملة خبرية ، واحترز بذلك من نحو : «هذا عبد بعتكه» تريد بالجملة ، الإنشاء و «هذا عبدي بعتكه» كذلك ، فإن الجملتين مستأنفتان ; لأن الإنشاء لايكون نعتاً ولا حالاً ، ويجوز أن يكونا خبرين آخرين إلا عند من منع تعدد الخبر مطلقا ، وهو اختيار ابن عصفور ، وعند من منع تعدده مختلفاً بالإفراد والجملة وهو أبو علي ، وعند من منع وقوع الإنشاء خبراً ، وهم طائفة من الكوفيين.

الثاني : صلاحيتها للاستغناء عنها ، وخرج بذلك جملة الصلة وجملة الخبر والجملة المحكية بالقول ، فإنها لا يستغنى عنها ، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها وأشباه ذلك.

الثالث : وجود المقتضي ، واحترز بذلك من نحو : (فَعَلُوهُ) من قوله تعالى : (وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (القمر / ٥٢) ، فإنه صفة لـ «كل» أو لـ «شيء» ولايصح أن يكون حالاً من «كل» مع جواز الوجهين في نحو : «أكرم كل رجل جاءك» لعدم ما يعمل في الحال ، ولايكون خبرا ; لأنهم لم يفعلوا كل شيء.

الرابع : انتفاء المانع ، والمانع أربعة أنواع : أحدها : ما يمنع حالية ، كانت متعينة لولا وجوده ، ويتعين حينئذ الاستئناف نحو : «زارني زيد ، ساُكا فئه» أو «لن أنسى له ذلك» فإن الجملة بعد المعرفة المحضة حال ، ولكن السين و «لن» مانعان ;

__________________

١ ـ قال السيوطي : «قالرجل من بني سلول» شرح شواهد المغني : ١ / ٣٠١.

٣٥

لأن الحالية لاتصدَّر بدليل استقبال.

ثانيها : ما يمنع وصفية ، كانت متعينة لولا وجود المانع ، ويمتنع فيه الاستئناف ; لأن المعنى على تقييد المتقدم ، فيتعين الحالية بعد أن كانت ممتنعة ، وذلك نحو : (أَوْ كَالّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِىَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة / ٢٥٩). والمعارض فيه الواو ، فإنها لاتعترض بين الموصوف وصفته ، خلافاً للزمخشري ومن وافقه.

ثالثها : مايمنعهما معاً ، نحو : (وَحِفْظاً مِن كُلّ شَيْطان مّارِد لايَسَّمَّعُونَ) (الصافات / ٧ و ٨) وقد مضى البحث فيها.

رابعها : مايمنع أحدهما دون الآخر ولولا المانع لكانا جائزين ، وذلك نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فَلَتاتِ لسانه وصفحات وجهه» (١) فإن الجملة التي بعد «إلا» كانت قبل وجودها محتملة للوصفية والحالية ، ولما جاءت «إلا» امتنعت الوصفية. ومثله : (وَمآ أَهْلَكْنا مِن قَرْيَة إلاّ لَها مُنذِرُونَ) (الشعراء / ٢٠٨).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٥ / ١٠٩٨.

٣٦

الباب الثالث :

في ذكر أحكام ما يشبه الجملة ، وهوالظرف

والجار والمجرور.

ذكر حكمهما في التعلق

لابد من تعلقهما بالفعل ، أو ما يشبهه ، أوما اُوِّل بما يشبهه ، أو ما يشير إلى معناه ، فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجوداً قُدِّر ، كما سيأتي.

مثال التعلق بالفعل وشبهه : قوله تعالى : (أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة / ٧) وقول أميرالمؤمنين(عليه السلام) : «واُرعدَت الأسماع لزَبْرة الداعي إلى فصل الخطاب» (١).

ومثال التعلق بما اُوِّل بمشبه الفعل : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إلهٌ وَفِي الاْرضِ إلهٌ) (الزخرف / ٨٤) أي : وهو الذي هو إله في السماء ، فـ «في» متعلقة بـ «إله» وهو اسم غير صفة ; بدليل أنه يوصف فتقول : «إله واحد» ولايوصف به لايقال : «شيء إله» وإنما صح التعلق به ; لتأوله بـ «معبود» و «إله» خبر لـ «هو»

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٨٢ / ١٨٤.

٣٧

محذوفا ، ولايجوز تقدير «إله» مبتدأ مخبراً عنه بالظرف أو فاعلا بالظرف ; لأن الصلة حينئذ خالية من العائد.

ومثال التعلق بما فيه رائحته : قول أبي المنهال :

٣٦١ ـ أناأبوالمنهال بعض الأحيان

ليس عليّ حسبي بضُؤلان (١)

وقوله : (٢)

٣٦٢ ـ أنا ابن ماويّة إذ جَدَّ النَقُر

وجاءت الخيل أثابيَّ زُمَر

فتعلق «بعض» و «إذ» بالاسمين العلمين ، لالتأولهما باسم يشبه الفعل ، بل لما فيهما من معنى قولك : الشجاع أو الجواد. وتقول : «فلان حاتم في قومه» فتعلق الظرف بما في «حاتم» من معنى الجود.

وقد اُجيز في قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّمواتِ وَفِي الاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (الأنعام / ٣) تعلقه باسم الله تعالى وإن كان علما ، على معنى وهو المعبود أو وهو المسمى بهذا الاسم ، واُجيز تعلقه بـ (يعلم) وبـ (سركم) و (جهركم). ورد الثاني بأن فيه تقديم معمول المصدر وتنازع عاملين في متقدم ، وليس بشيء ; لأن المصدر هنا ليس مقدراً بحرف مصدري وصلته ، ولأنه قدجاء نحو : (بِالْمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة / ١٢٨) والظرف متعلق بأحد الوصفين قطعاً ، فكذا هنا.

ومثال التعلق بالمحذوف : (وَإلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) (هود / ٦١) بتقدير : و

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦ / ٣١٩.

٢ ـ قال السيوطي : «نسب في الإيضاح لبعض السعديين. وقال في العباب : قائله فدكي بن أعبد المنقري وقال الحوهري : هو لعبيدالله بن ماوية الطائي». شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٣ و ٨٤٤.

٣٨

أرسلنا ، ولم يتقدم ذكر الإرسال ، ولكن ذكر النبي والمرسل إليهم يدل على ذلك.

هل يتعلقان بالفعل الناقص؟

من زعم أنه لايدل على الحدث منع من ذلك ، وهم المبرد فالفارسي فابن جني فالجرجاني فابن برهان ثم الشلوبين ، والصحيح : أنها كلها دالة عليه إلا «ليس».

واستدل لمثبتي ذلك التعلق بقوله تعالى : (أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا) (يونس / ٢) ; فإن اللام لا تتعلق بـ «عجباً» ; لأنه مصدر مؤخر ، ولا بـ «أوحينا» ; لفساد المعنى ، ولأنه صلة لـ «أن». وقد مضى عن قريب أن المصدر الذي ليس في تقدير حرف موصول ولا صلته لايمتنع التقديم عليه ، ويجوز أيضاً أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال من «عجباً».

هل يتعلقان بالفعل الجامد؟

زعم الفارسي في قوله : (١)

٣٦٣ ـ ونعم مَزكَأمَن ضاقت مَذاهبه

ونعم من هو في سرو إعلان

أن «من» نكرة تامة تمييز لفاعل «نعم» مستتراً ، كما قال هو وطائفة في «ما» من نحو (فَنِعِمّاهِىَ) (البقرة / ٢٧١) ، وأن الظرف متعلق بـ «نعم» وزعم ابن مالك أنها موصولة فاعل ، وأن «هو» مبتدأ ، خبره «هو» اُخرى مقدرة على حد قول أبي النجم العجلي :

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٨٥.

٣٩

٣٦٤ ـ أنا أبوالنجم وشعري شعري

لله دَرّي ما أجنّ صدري (١)

وأن الظرف متعلق بـ «هو» المحذوفة لتضمنها معنى الفعل ، أي : ونعم الذي هو باق على ودّه في سرّه وإعلانه ، وأن المخصوص محذوف ، أي : بشر بن مروان. والصحيح : أن يقدر المخصوص «هو» ; لتقدم ذكر «بشر» في البيت قبله ، وهو :

وكيف أرهب أمراًأو اُراع له

وقد زكأتُ إلى بشربن مروان (٢)

فيبقى التقدير حينئذ : هو هو هو.

هل يتعلقان بأحرف المعاني؟

المشهور منع ذلك مطلقاً ، وقال جماعة منهم ابن الحاجب بجوازه مطلقاً وفصّل بعضهم فقال : إن كان نائباً عن فعل حذف ، جاز ذلك على سبيل النيابة لا الأصالة ، وإلا فلا. وهو قول أبي علي وأبي الفتح ، زعما في نحو «يالزيد» أن اللام متعلقة بـ «يا» بل قالا في «يا عبدالله» : إن النصب بـ «يا».

وقال ابن الحاجب في (وَلَن يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ) (الزخرف / ٣٩) : «إذ» بدل من «اليوم» و «اليوم» إما ظرف للنفع المنفي ، وإما لما في «لن» من معنى النفي ، أي : انتفى في هذا اليوم النفع ، فالمنفي نفع مطلق ، وعلى الأول نفع مقيد باليوم.

وقال ايضاً : إذا قلت : «ما ضربته للتأديب» فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل ، والمنفي ضرب مخصوص ، و «للتأديب» تعليل للضرب المنفي ، وإن قصدت نفي الضرب على كل حال ، فاللام متعلقة بالنفي والتعليل له ، أي : إن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب ; لأنه قد يؤدب بعض الناس

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٣٤٠.

٢ ـ قال بغدادي : «ولم أقف على الشعر». شرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٣٤٠.

٤٠