مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

الباب الخامس

في ذكر الجهات التي يدخل الاعتراض

على المعرب من جهتها

وهي عشرة :

الجهة الاُولى : أن يراعي ما يقتضيه ظاهر الصناعة ولا يراعي المعنى ، وكثيراً ما تزل الأقدام بسبب ذلك.

وأول واجب على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه ، مفرداً أو مركباً ، ولهذا لايجوز إعراب فواتح السور على القول بأنها من المتشابه.

فلنذكر هنا أمثلة متى بني فيها على ظاهر اللفظ ولم ينظر في موجب المعنى حصل الفساد ، وبعض هذه الأمثلة وقع للمعربين فيه وهم بهذا السبب ، وسترى ذلك معيناً.

فأحدها : قوله تعالى : (وَإنِّي خِفْتُ الْمَوالِىَ مِنْ وَرائِي) (مريم / ٥) ; فإن المتبادر تعلق «من» بـ «خفت» ، وهو فاسد في المعنى ، والصواب : تعلقه

١٠١

بـ «الموالي» ; لما فيه من معنى الولاية ، أي : خفت ولايتهم من بعدي وسوء خلافتهم ، أو بمحذوف هو حال من «الموالي» ، أو مضاف إليهم ، أي : كائنين من ورائي ، أو فعل الموالي من ورائي ، وأما من قرأ (خفت) بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء فـ «من» متعلقة بالفعل المذكور.

الثاني : قوله تعالى : (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إلى أَجَلِهِ) (البقرة / ٢٨٢) ; فإن المتبادر تعلق «إلى» بـ «تكتبوه» ، وهو فاسد ; لاقتضائه استمرار الكتابة إلى أجل الدين ، وإنما هو حال ، أي : مستقراً في الذمة إلى أجله. ونظيره قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عام) (البقرة / ٢٥٩) ; فإن المتبادر انتصاب «مائة» بـ (أماتَه) ، وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعي ; لأن الإماتة سلب الحياة وهي لا تمتد ، والصواب : أن يضمن (أماته) معنى «ألبثه» فكأنه قيل : فألبثه الله بالموت مائة عام ، وحينئذ يتعلق به الظرف بما فيه من المعنى العارض له بالتضمين ، أي : معنى اللبث لا معنى الإلباث ; لأنه كالإماتة في عدم الامتداد ، فلوصح ذلك لعلقناه بما فيه من معناه الوضعي ، ويصير هذا التعلق بمنزلته في قوله تعالى : (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائةَ عام) (البقرة / ٢٥٩).

وفائدة التضمين : أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين ، يدلك على ذلك أسماء الشرط والاستفهام.

الثالث : قوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (البقرة / ٢٤٩) ; فإن المتبادر تعلق الاستثناء بالجملة الثانية ، وذلك فاسد ; لاقتضائه أن من اغترف غرفة بيده ليس منه ، وليس كذلك ، بل ذلك مباح لهم ، وإنما هو مستثنى من الاُولى ، ووهم أبوالبقاء في تجويزه كونه مستثنى من الثانية ، وإنما سهل الفصل بالجملة الثانية ; لأنها مفهومة من

١٠٢

الاُولى المفصولة ; لأنه إذا ذكر أن الشارب ليس منه اقتضى مفهومه أن (مَن لم يطعمه) منه ، فكان الفصل به كلا فصل.

الجهة الثانية : أن يراعي المعرب معنى صحيحاً ، ولا ينظر في صحته في الصناعة ، فلنذكر أمثلة من ذلك :

أحدها : قول بعضهم في (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) (النجم / ٥١) : إن «ثموداً» مفعول مقدم ، وهذا ممتنع ; لأن لـ «ما» النافية الصدر ; فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإنما هو معطوف على «عاداً» ، أو هو بتقدير : وأهلك ثموداً.

الثاني : تعليق بعضهم الظرف من قوله تعالى : (وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) (النساء / ٨٣) ، بمحذوف ، أي : كائن عليكم ، وذلك ممتنع عند الجمهور ، وإنما هو متعلق بالمذكور وهو الفضل ; لأن خبر المبتدأ بعد «لولا» واجب الحذف.

الثالث : قول بعضهم في (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) (البقرة / ٩٦) : إن «هو» ضمير الشأن ، و «أن يعمر» مبتدأ و «بمزحزحه» خبر ، ولو كان كذلك لم يدخل الباء في الخبر.

الجهة الثالثة : أن يخرّج على مالم يثبت في العربية ، وذلك إنما يقع عن جهل أو غفلة ، نحو قول يعضهم في (وَمالَنا أَنْ لا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (البقرة / ٢٤٦) : إن الأصل : ومالنا وأن لا نقاتل أي : مالنا وترك القتال كما تقول : «مالك وزيداً» ، ولم يثبت في العربية حذف واو المفعول معه.

الجهة الرابعة : أن يخرّج على الاُمور البعيدة والأوجه الضعيفة ، ويترك الوجه القريب والقوي ، نحو قول جماعة في (وَقِيلِهِ) (الزخرف / ٨٨) : إنه عطف على لفظ (السّاعَةِ) (الزخرف / ٨٥) ، فيمن خفض ، وعلى محلها فيمن نصب ، مع ما بينهما من التباعد.

١٠٣

وأبعد منه قول أبي عمرو في قوله تعالى (إِنَّ الّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) (فصلت / ٤١) : إن خبره (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكان بَعِيد) (فصلت / ٤٤).

وأبعد من هذا قول الكوفيين والزجاج في قوله تعالى (ص وَالْقُرْانِ ذِي الذِّكْرِ) (ص / ١) ; إن جوابه (إنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ) (ص / ٦٤).

والصواب : خلاف ذلك كله.

فأما (وَقِيلِهِ) (الزخرف / ٨٨) ، فيمن خفض ، فقيل : الواو للقسم وما بعده الجواب ، واختاره الزمخشري ، وأما من نصب ، فقيل : عطف على (سِرَّهُمْ) (الزخرف / ٨٠) ، أو على مفعول محذوف معمول لـ : (يَكْتُبُونَ) (الزخرف / ٨٠) ، أو لـ (يَعْلَمُونَ) (الزخرف / ٨٦) ، أي : يكتبون ذلك ، أو يعلمون الحق ، أو أنه مصدر لـ : «قال» محذوفاً ، أو نصب على إسقاط حرف القسم ، واختاره الزمخشري.

وأما (إِنَّ الّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) (فصلت / ٤١) ، فقيل : «الذين» بدل من «الذين» في : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) (فصلت / ٤٠) ، والخبر (لا يَخْفَونَ) (فصلت / ٤٠) ، واختاره الزمخشري ، وقيل : مبتدأ ، خبره مذكور ، ولكن حذف رابطه ، ثم اختلف في تعيينه ، فقيل : هو (ما يُقالُ لَكَ) (فصلت / ٤٣) ، أي : في شأنهم ، وقيل : هو (لَمّا جآءَهُمْ) (فصلت / ٤١) ، أي : كفروا به ، وقيل : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) (فصلت / ٤٢) ، أي لا يأتيه منهم ، وهو بعيد ; لأن الظاهر أن (لا يأتيه) من جملة خبر «إنه».

وأما (ص وَالْقُرْانِ) (ص / ١) الآية ، فقيل : الجواب محذوف ، أي : إنه لمعجز ; بدليل الثناء عليه بقوله : (ذِي الذِّكْرِ) (ص / ١) ، أو «إنك لمن المرسلين» بدليل : (وَعَجِبُوا أَنْ جآءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) (ص / ٤) ، أو «ما الأمر كما زعموا» بدليل : (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ) (ص / ٤) ، وقيل : مذكور ، فقال الأخفش : (إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) (ص / ١٤) ، وقال الفراء وثعلب : (ص) ; لأن معناها :

١٠٤

صدق الله ، ويرده أن الجواب لا يتقدم ، فإن اُريد أنه دليل الجواب فقريب ، وقيل : (كَمْ أَهْلَكْنا) (ص / ٣) الآية ، وحذفت اللام للطول.

الجهة الخامسة : أن يترك بعض ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة ، فلنورد مسائل من ذلك ليتمرن بها الطالب ، مرتبة الأبواب ; ليسهل كشفها.

باب المبتدأ

مسألة

يجوز في الاسم المفتتح به من نحو قولك : «هذا أكرمته» الابتداء والمفعولية ، ومثله : «كم رجل لقيته» ، لكن في هذا يقدر الفعل مؤخراً.

مسألة

يجوز في المرفوع من نحو : (أَفِي اللهِ شَكٌّ) (إبراهيم / ١٠) ، و : «ما في الدار زيد» الابتدائية والفاعلية ، وهي أرجح ; لأن الأصل عدم التقديم والتأخير.

ومثله : الاسم التالي للوصف في نحو : «زيد قائم أبوه» و : «أقائم زيد» ; لما ذكرنا ولأن الأب إذا قدر فاعلا كان خبر «زيد» مفرداً ، وهو الأصل في الخبر ، فإن قلت : «أقائم أنت» فكذلك عند البصريين ، وأوجب الكوفيون في ذلك الابتدائية ، وحجتهم أن المضمر المرتفع بالفعل لا يجاوره منفصلا عنه ، لا يقال : «قام أنا» ، والجواب : أنه إنما انفصل مع الوصف لئلا يجهل معناه ; لأنه يكون معه مستتراً ، بخلافه مع الفعل ، فإنه يكون بارزاً كـ : «قمت أو قمت» ، ولأن طلب الوصف لمعموله دون طلب الفعل ، فلذلك احتمل معه الفصل ، ولأن المرفوع بالوصف سد في اللفظ مسد واجب الفصل وهو الخبر ، بخلاف فاعل الفعل.

١٠٥

ومما يقطع به على بطلان مذهبهم قوله تعالى : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ الِهَتِي) (مريم / ٤٦) ، وقول الشاعر : (١)

٤٠٤ ـ خليليّ ما واف بعهدي أنتما

إذا لم تكونا لي على من اُقاطع

فإن القول بأن الضمير مبتدأ كما زعم الزمخشري في الآية مؤدّ إلى فصل العامل من معموله بالأجنبي ، والقول بذلك في البيت مؤدّ إلى الإخبار عن الاثنين بالواحد ، ويجوز في نحو : «ما في الدار زيد» وجه ثالث عند ابن عصفور ، ونقله عن أكثر البصريين ، وهو أن يكون المرفوع اسماً لـ «ما» الحجازية ، والظرف في موضع نصب على الخبرية ، والمشهور وجوب بطلان العمل عند تقدم الخبر ولو ظرفاً.

مسألة

يجوز في نحو : (فَصَبْرٌ جَمِيٌل) (يوسف / ١٨) ، ابتدائية كل من المقدر والمذكور وخبرية الآخر ، أي : شأني صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره.

باب «كان» وماجرى مجريها

مسألة

يجوز في «كان» من نحو : (وَما كانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا) (الشورى / ٥١) ، نقصان «كان» وتمامها وزيادتها ، وهو أضعفها ، قال ابن عصفور : باب زيادتها الشعر ، فعلى الناقصة : الخبر إما «لبشر» و «وحيا» استثناء مفرغ من الأحوال ، فمعناه : موحيا أو موحىً. «أو من وراء حجاب» بتقدير : أو موصلا ذلك من وراء حجاب ، و «أو يرسل» بتقدير :

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٩٨.

١٠٦

أو إرسالا ، أي : أو ذا إرسال.

وإما «وحياً» والتفريغ في الأخبار ، أي : ما كان تكليمهم إلا إيحاء أو إيصالا من وراء حجاب أو إرسالا ، وجعل ذلك تكليماً على حذف مضاف ، و «لبشر» على هذا تبيين ، وعلى التمام والزيادة فالتفريغ في الأحوال المقدرة في الضمير المستتر في «لبشر».

مسألة

يجوز في نحو : «زيد عسى أن يقوم» نقصان «عسى» فاسمها مستتر ، وتمامها فـ «أن» والفعل مرفوع المحل بها.

مسألة

يجوز الوجهان في : «عسى أن يقوم زيد» فعلى النقصان «زيد» اسمها وفي «يقوم» ضميره ، وعلى التمام لا إضمار ، وكل شيء في محله ، ويتعين التمام في نحو : «عسى أن يقوم زيد في الدار» ، و : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء / ٧٩) ; لئلا يلزم فصل صلة «أن» من معمولها بالأجنبي وهو اسم «عسى».

مسألة

(وما ربّك بغافلٍ) (الانعام / ١٣٢) ، تحتمل «ما» الحجازية والتميمية ، وأوجب الفارسي والزمخشري ، الحجازية ظناً أن المقتضي لزيادة الباء نصب الخبر ، وإنما المقتضي نفيه ، لامتناع الباء في قول الكميت في مدح أميرالمؤمنين عليه السلام :

١٠٧

٤٠٥ ـ کان أهل العفاف والمجد والخيـ

ر ونقض الامور والإبرام (١)

وجوازها في قول الشنفري الأزدي :

٤٠٦ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزادلم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (٢)

وفي : «ما إن زيد بقائم».

باب المنصوبات المتشابهة

ما يحتمل المصدرية والمفعولية ، من ذلك ، نحو : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا) (النساء / ٤٩) ، (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء / ١٢٤) ، أي : ظلماً ما أو خيراً ما ، أي : لا ينقصونه مثل : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (الكهف / ٣٣) ، أي : نقصاً أو خيراً ، وأما (وَلاتَضُرُّوهُ شَيْئا) (التوبة / ٣٩) ، فمصدر ; لاستيفاء «ضرّ» مفعوله.

ما يحتمل المصدرية والظرفية والحالية ، من ذلك : «سرت طويلا» ، أي : سيراً طويلا ، أو زمناً طويلا ، أو سرته طويلا.

ما يحتمل المصدرية والحالية ، «جاء زيد ركضاً» ، أي : يركض ركضاً ، أو عامله «جاء» على حد «قعدت جلوساً» ، أو التقدير : جاء راكضاً ، وهو قول سيبويه ، ويؤيده قوله تعالى : (اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتآ أَتَيْنا طآئِعِينَ) (فصلت / ١١) ، فجاءت الحال في موضع المصدر السابق ذكره.

ما يحتمل المصدرية والحالية والمفعول لأجله ، من ذلك : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) (الرعد / ١٢) ، أي : فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً ، وابن مالك يمنع

__________________

١ ـ شرح الهاشميات : ٣٠.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٩٩.

١٠٨

حذف عامل المصدر المؤكد إلا فيما استثنى ، أو خائفين وطامعين ، أو لأجل الخوف والطمع ، فإن قلنا : لا يشترط اتحاد فاعلي الفعل والمصدر المعلل ـ وهو اختيار ابن خروف ـ فواضح ، وإن قيل : باشتراطه فوجهه أن (يريكم) بمعنى : «يجعلكم ترون» والتعليل باعتبار الرؤية لا الإراءة ، أو الأصل : إخافة وإطماعاً ، وحذفت الزوائد.

مايحتمل المفعول به والمفعول معه ، نحو : «أكرمتك وزيداً» ، يجوز كونه عطفاً على المفعول به وكونه مفعولا معه ، ونحو : «أكرمتك وهذا» يحتملهما وكونه معطوفاً على الفاعل ; لحصول الفصل بالمفعول.

باب الاستثناء

يجوز في نحو : «ما ضربت أحداً إلا زيداً» كون «زيد» بدلا من المستثنى منه ، وهو أرجحها ، وكونه منصوباً على الاستثناء ، وكون «إلا» وما بعدها نعتاً ، وهو أضعفها.

مسألة

يجوز في نحو : «قام القوم حاشاك ، وحاشاه» كون الضمير منصوباً ، وكونه مجروراً ، فإن قلت : «حاشاى» تعين الجر ، أو : «حاشاني» تعين النصب ، وكذا القول في : «خلا وعدا».

مسألة

يجوز في نحو : «ما أحد يقول ذلك إلا زيد» كون «زيد» بدلا من «أحد» ، وهو المختار ، وكونه بدلا من ضميره ، وأن ينصب على الاستثناء ; فارتفاعه من

١٠٩

وجهين ، وانتصابه من وجه ، فإن قلت : «ما رأيت أحداً يقول ذلك إلا زيد» فبالعكس.

ما يحتمل الحالية والتمييز ، من ذلك : «كرم زيد ضيفاً» إن قدرت أن الضيف غير زيد فهو تمييز محوّل عن الفاعل ، يمتنع أن تدخل عليه «من» ، وإن قدر نفسه احتمل الحال والتمييز ، وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال «من».

من الحال ما يحتمل كونه من الفاعل وكونه من المفعول ، نحو : «ضربت زيداً ضاحكاً» ، ونحو : (وَقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كآفَّةً) (التوبة / ٣٦) ، وتجويز الزمخشري الوجهين في : (اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كآفَّةً) (البقرة / ٢٠٨) وهم ; لأن «كافة» مختص بمن يعقل.

من الحال ما يحتمل باعتبار عامله وجهين ، نحو : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (هود / ٧٢) ، يحتمل أن عامله معنى التنبيه أو معنى الإشارة ، وعلى الأول : فيجوز «ها قائماً ذا زيد» ، وعلى الثاني : يمتنع ، وأما التقديم عليهما معاً : فيمتنع على كل تقدير.

من الحال ما يحتمل التعدد والتداخل ، نحو : «جاء زيد راكباً ضاحكاً» ، فالتعدد على أن يكون عاملهما «جاء» وصاحبهما «زيد» ، والتداخل على أن الاُولى من «زيد» وعاملها «جاء» ، والثانية من ضمير الاُولى وهي العامل ، وذلك واجب عند من منع تعدد الحال ، وأما «لقيته مصعداً منحدراً» فمن التعدد ، لكن مع اختلاف الصاحب ، ويستحيل التداخل ، ويجب كون الاُولى من المفعول والثانية من الفاعل تقليلا للفصل ، ولا يحمل على العكس إلا بدليل.

١١٠

باب إعراب الفعل

مسألة

«ما تأتينا فتحدثنا» لك رفع «تحدث» على العطف ، فيكون شريكاً في النفي ، أو الاستئناف فتكون مثبتاً ، أي : فأنت تحدثنا الآن بدلا عن ذلك ، ونصبه بإضمار «أن» ، وله معنيان : نفي السبب فينتفي المسبب ، ونفي الثاني فقط ، فإن جئت بـ «لن» مكان «ما» فللنصب وجهان : إضمار «أن» والعطف ، وللرفع وجه وهو القطع ، وإن جئت بـ «لم» فللنصب وجه وهو إضمار «أن» ، وللرفع وجه وهو الاستئناف ، ولك الجزم بالعطف ، فإن قلت : «ما أنت آت فتحدثنا» فلا جزم ولارفع بالعطف ; لعدم تقدم الفعل ، وإنما هو على القطع.

مسألة

نحو : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (يوسف / ١٠٩) يحتمل الجزم بالعطف ، والنصب على الإضمار ، مثل : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ) (الحج / ٤٦) ونحو : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) (محمد / ٣٦) يحتمل (تَتَّقُوا) : الجزم بالعطف وهو الراجح والنصب بإضمار «أن» على حد قوله : (١)

٤٠٧ ـ ومن يقترب مناويخضع نؤوه

ولا يخش ظلماً ما أقام ولاهضما

باب الموصول

مسألة ـ (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (الحجر / ٩٤) «ما» مصدرية ، أي : بالأمر ،

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٠١ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ١٩٦.

١١١

أو موصول اسمي ، أي : بالذي تؤمره ، على حد قوله : (١)

٤٠٨ ـ أمرتك الخيرفافعل مااُمرت به

فقد تركتك ذا مال وذانشب

وأما من قال : «أمرتك بكذا» وهو الأكثر فيشكل ; لأن شرط حذف العائد المجرور بالحرف أن يكون الموصول مخفوضاً بمثله معنى ومتعلقا ، نحو : (وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ) (المؤمنون / ٣٣) أي : منه ، وقد يقال : إن «إصدع» بمعنى : «اومر» ، وأما (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا) في الأعراف (الآية : ١٠١) فيحتمل أن يكون الأصل : بما كذبوه ، فلا إشكال ، أو : بما كذبوا به ، ويؤيده التصريح به في سورة يونس (الآية / ٧٤) ، وإنما جاز مع اختلاف المتعلق ; لأن (ما كانُوا لِيُؤمِنُوا) بمنزلة : «كذبوا» في المعنى ، وأما (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) (الشورى / ٢٣) فقيل : «الذى» مصدرية ، أي ذلك تبشير الله ، وقيل : الأصل : يبشر به ، ثم حذف الجار توسعاً فانتصب الضمير ثم حذف.

مسألة

يجوز في نحو : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (الأنعام / ١٥٤) كون «الذي» موصولا اسمياً ; فيحتاج إلى تقدير عائد ، أي : زيادة على العلم الذي أحسنه ، وكونه موصولا حرفياً ; فلا يحتاج لعائد ، أي : تماماً على إحسانه ، وكونه نكرة موصوفة ; فلا يحتاج إلى صلة ، ويكون (أَحسَنَ) حينئذ اسم تفضيل ، لا فعلا ماضياً ، وفتحته إعراب لابناء ، وهي علامة الجر ، وهذان الوجهان كوفيان ، وبعض البصريين يوافق الثاني.

__________________

١ ـ نسبه ابن هشام في مغني اللبيب ، مبحث «ما» إلى عمرو بن معد يكرب ، وعزي إلى غيره أيضاً. راجع شرح شواهد المغنى : ٢ / ٧٢٧ و ٧٢٨ وشرح أبيات مغني اللبيب : ٥ / ٣٠٠.

١١٢

باب التوابع

مسألة ـ نحو : (آمَنّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهرُونَ) (الأعراف / ١٢١ و ١٢٢)

يحتمل بدل الكل من الكل ، وعطف البيان ، ومثله : (نَعْبُدُ إلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسماعِيلَ وَإِسْحقَ) (البقرة / ١٣٣).

مسألة

نحو : (سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الاْعْلى) (الأعلى / ١) يجوز فيه كون «الأعلى» صفة للاسم أو صفة للرب ، وأما نحو «جاءني غلام زيد الظريف» : فالصفة للمضاف ، ولاتكون للمضاف إليه إلا بدليل ; لأن المضاف إليه إنما جيء به لغرض التخصيص ولم يؤت به لذاته ، وعكسه :

«وكل فتى يتقي فائز»

فالصفة للمضاف إليه ; لأن المضاف إنما جيء به لقصد التعميم ، لا للحكم عليه ، ولذلك ضعف قوله : (١)

٤٠٩ ـ وكل أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان

باب حروف الجر

مسألة ـ نحو : «زيد كعمرو» تحتمل الكاف فيه عند المعربين الحرفية فتتعلق باستقرار ، وقيل : لا تتعلق ، والاسمية فتكون مرفوعة المحل وما بعدها جر بالإضافة ولا تقدير بالاتفاق.

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٦.

١١٣

ونحو : «جاء الذي كزيد» يتعين الحرفية ; لأن الوصل بالمتضايفين ممتنع.

مسألة

«زيد على السطح» يحتمل «على» الوجهين ، وعليهما فهي متعلقة باستقرار محذوف.

الجهة السادسة : ألا يراعي الشروط المختلفة بحسب الأبواب ، فإن العرب يشترطون في باب شيئا ويشترطون في آخر نقيض ذلك الشيء على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم ، فإذا لم يتأمل المعرب اختلطت عليه الأبواب والشرائط.

فلنورد أنواعاً من ذلك مشيرين إلى بعض ما وقع فيه الوهم للمعربين :

النوع الأول : اشتراطهم الجمود لعطف البيان ، والاشتقاق للنعت.

ومن الوهم في الأول : قول الزمخشري في (مَلِكِ النّاسِ إلهِ النّاسِ) (الناس / ٢ و ٣) : إنهما عطفا بيان ، والصواب : أنهما نعتان ، وقد يجاب بأنهما اُجريا مجرى الجوامد ; إذ يستعملان غير جاريين على موصوف وتجري عليهما الصفات ، نحو قولنا : «إله واحد وملك عظيم».

ومن الخطأ في الثاني قول كثير من النحويين في نحو : «مررت بهذا الرجل» : إن «الرجل» نعت ، قال ابن مالك : أكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضاً في ذلك ، والحامل لهم عليه توهمهم أن عطف البيان لايكون إلا أخص من متبوعه ، وليس كذلك ; فإنه في الجوامد بمنزلة النعت في المشتق ، ولا يمتنع كون المنعوت أخص من النعت.

النوع الثاني : اشتراطهم التعريف لعطف البيان ولنعت المعرفة ، والتنكير

١١٤

للحال والتمييز ، وأفعل من ، ونعت النكرة (١).

ومن الوهم في الأول : قول جماعة في «صديد» من (مآءٍ صَدِيدٍ) (إبراهيم / ١٦) وفي «كفارة» : إنهما عطفا بيان ، وهذا إنما هو معترض على قول البصريين ومن وافقهم؛ فيجب عندهم في ذلك أن يكون بدلاً ، وأما الكوفيون فيرون أن عطف البيان في الجوامد كالنعت في المشتقات؛ فيكون في المعرف والنكرات ، وقول بعضهم في «ناقع» من قول النابغة :

٤١٠ ـ فبتّ كأني ساورتنى ضئيلة

من الرقش في أنيابها السُمُ ناقع(٢)

 : إنه نعت لـ «السم» والصواب : أنه خبر لـ «اسم» ، والظرف متعلق به ، أو خبرثان.

وليس من ذلك : قول الزمخشري في (شَدِيدِ الْعِقاب) (٣) : «إنه يجوز كونه صعة لاسم الله تعالى في أوائل سورة غافر ، وإن كان من باب الصفة المشبة وإضافتها لا تكون إلا في تقدير الانصال ، ألا ترى أن (شديد العقال) معناه : شديد عقابه؟ ولهذا قالوا : كل شيء إضافته غير محضة فإنه يجوز أن تصير إضافته مخضة ، إلا الصفة المشبهة» لأنه جعله على تقدير «أل» ، وجعل سبب حذفها إرادة الازواج ، وأجاز وصفيته أيضا أبوالبقاء ، لكن على أن «شديداً» بمعنى مشدد كما

__________________

١ ـ قال الشمني : يعني أنهم اشتراطوا التعريف الاُمور ، منها عطف البيان ونعت المعرفة ، واشترطوا التنكير لاُمور ، منها الحال والتمييز ونعت النكرة وأفعل من. المنصف ٢ / ٢٢٨.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨١٦

٣ ـ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. (غافر / ٢ و ٣).

١١٥

أن «الأذين» في معنى المؤذّن ، فأخرجه بالتأويل من باب الصفة المشبهة إلى باب اسم الفاعل ، والذي قدمه الزمخشري أنه وجميع ما قبله أبدال ، أما أنه بدل فلتنكيره ، وكذا المضافان قبله وإن كانا من باب اسم الفاعل؛ لأن المراد بهما المستقبل وأما البواقي فللناسب ، ورد على الزداد في جعله (شديد العقاب) بدلاً ما قبله صفات ، وقال : في جعله بدلاً وحده من بين الصفات نبوّ ظاهر.

ومن الوهم في الثاني : قول الجاحظ في بيت الأعشى :

٤١١ ـ ولست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزة للكاثر (١)

 : إنه يبطل قول النحويين : لا تجتمع «أل» و «من» في اسم التفضيل ، فجعل كلا من «أل» و «من» معتداً به جارياً على ظاهره ، والصواب : أن تقدر «أل» زائدة ، أو معرفة و «من» متعلقة بـ «أكثر» منكراً محذوفاً مبدلا من المذكور أو بالمذكور على أنها بمنزلتها في قولك : «أنت منهم الفارس البطل» أي : أنت من بينهم ، وقول بعضهم : إنها متعلقة بـ «ليس» قديردّ بأنها لا تدل على الحدث عند من قال في أخواتها : إنها تدل عليه ، ولأن فيه فصلا بين «أفعل» وتمييزه بالأجنبي ، وقد يجاب بأن الظرف يتعلق بالوهم ، وفي «ليس» رائحة قولك : «انتفى» ، وبأن فصل التمييز قد جاء في الضرورة في قول العباس بن مرداس :

٤١٢ ـ على أنني بعد ماقد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا (٢)

و «أفعل» يأقوى في العمل من «ثلاثون».

ومن ذلك : قول الزمخشري في (إنَّما أَعظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقومُوا للهِ) (سبأ / ٦٦) : إن «أن تقوموا» عطف بيان على (آياتٌ بَيِّناتٌ) (آل عمران / ٩٧) مع اتفاق

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٠٢.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٠٨.

١١٦

النحويين على ان البيان والمبين لا يتخالفان تعريفاً وتنكيراً وقد يكون عبى عن البدل بعطف البيان لتآخيهما ، ويؤيده قوله في (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ) (الطلاق / ٦) : إن «من وجدكم» عطف بيان لقوله تعالى : «من حيث سكنتم» وبفسير له ، قال : و «من» : تبعيضية حذف مبعضها أي : أسكنوهن مكاناً من مساكنكم مما تطيقون ، انتهى. وإنما يريد البدل؛ لأن الخافض لا يعاد إلا معه ، وهذا سيبويه يسمى لتوكيد صفة وعطف البيان صفة.

النوع الثالث : اشبراطهم في بعض ما التعريف شرطه تعريفاً خاصاً ، كمنف الصرف الشترطوا له تعريف العلمية أو شبهه كما في «أجمع» وكنعت الإشارة و «أي» في النداء ، اشترطوا لهما تعريف اللام الجنسية ، وكذا تعريف فاعلي «نعم وبئس»لكنها تكون مباشرة له أو لما اُضيف إليه ، بخلاف ما تقدم فشرطها المباشرة له.

ومن الوهم في ذلك : قول الزمخشري في قراءة ابن أبي عبلة : (إنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمَ أَهْلِ النّارِ) (ص / ٦٤) ، بنصب «تخاصم» : إنه صفة للإشارة ، وقد اشترط حجماعة من المحققين في نعت الإشارة الاشتقاق كما اشترطوه في غيره من النعوت ، ولا يكون التخصم أيضاً عطف بيان؛ لأن البيان يشبه الصفة ، فكما لا توصف الإشارة إلا بما فيه «أل» كذلك ما يعطف عليها.

النوع الرابع : اشتراط الإبهام في بعض لاألفاظ كظروف المكان ، والاختصاص في بعضها كالمبتد آت وأصحاب الاحوال.

ومن الوهم في الأول : قول الزمخشري في (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) (يس / ٦٦) ، وفي (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) (طه / ٢١) ، وقول جماقة في «دخلت الدار ، أو المسجد ، أو السوق» : إن هذه المنصوبات ظروف ، وإنما يكون ظرفاً مكانياً ما كان مبهماً ، ويعرف بكونه صالحاً لكل بقعة كـ «مكان وناحية وجهة وجانب

١١٧

وأمام وخلف».

والصواب : أن هذه المواضع على إسقاط الجار توسعاً ، والجار المقدر «إلى» في (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا لْأُولَىٰ) ، و «في» أو «إلى» في الباقي ، ويحتمل أن (إسْتَبَقُوا) ضمن معني : «تبادروا» ويحتمل «سيرتها» أن يكون بدلاً من ضمير المفعول بدل اشتمال ، أي : سنعيدها طريقتها.

ومن الوهم في الثاني : قول الحوفي في (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) (النور / ٤٠) : إن (بعضها فوق بعض) جملة مخبر بها عن «ظلمات» ، و «ظلمات» غير مختص ، فالصواب : قول الجماعة : إنه خبر لمحذوف ، أي : تلك ظلمات ، نعم إن قدر أن المعنى : ظلمات أيّ ظلمات ، بمعنى : ظلمات عظام أو متكاثفة ، وتركت الصفة الدلالة المقام عليها ، صح.

النوع الخامس : اشتراطهم الإضمار في بعض المعمولات ، والإظهار في بعض ، فمن الأول : مجرور «لولا» ومجرور «وحد» ، ولا يختصان بضمير خطاب ولا غيره ، تقول : «لو لاي ولولاك ، ولو لاه ، ووحدين ووحدك ووحده» ومجرور «لبّي وسعدي وحناني» ويشترط لهن ضمير الخطاب.

ومن ذلك : مرفوق خبر «كاد» وأخواتها إلّا «عسى» فتقول : «كاد زيد يموت» ولاتقول : «يموت أبوه» ويجوز : «عسى زيد أن نقوم ، أ, يقوم أبوه» ، فير فع السببي ، ولايجوز رفعة الأجنبي ، نحو : «عسى زيد أن يقوم عمرو عنده».

ومن ذلك : مرفوع اسم التفضيل في غير مسألة الكحل ، وهذا شرطه ـ مع الإضمار ـ الاستتار ، وكذا مرفوع نحو : «قم وأقوم وتقوم ونقوم».

ومن الثاني : تأكيد الاسم المظهر ، والنعت والمنعوت ، وعطف البيان والمبين.

ومن الوهم في الأول : قول بعضهم في «لولاي وموسى» : إن «موسى»

١١٨

يحتمل الجر ، وهذا حطاء؛ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الدار ، ولأن «لولا» لا تجر الظاهرن فلو اُعيدت لم تعمل الجر ، فكيف ولم تعد؟ وهذه مسألة يحاجى بها ، فيقال : ضمير مجرور لا يصح أن يعطف عليه اسم مجرور ، أعدت الجار أم لم تعده ، وقولنا : «مجرور»؛ لأنه يصح أن تعطف عليه اسماً مرفوعاً؛ لأن «لولا» محكوم لها بحكم الحروف الزائدة والزائد لا يقدح في كون الاسم مجرداً من العوامل اللفظية ، فكذا ما أشبه الزائد.

ومن الوهم في الثاني : قول الزمخشري في قوله تعالى : (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) (المائدة / ١١٧) ـ إذا قدرت «أن» مصدرية ـ : وإنها وصلتها عطف بيان على الهاء.

النوف السادس : اشبراطهم المفرد في بعض المعمولات ، والجملة في بعض.

فمن الأول : الفاعل ونائبه.

ومن الثاني : خبر «أن» المفتوحة إذا خففت ، وخبر القول المحكي ، نحو : «قولي لا إله إلا الله» ، وحرج بذكر المحكي قولك : «قولي حق» ، وكذلك خبر ضمير الشأن ، وعلى هذا فقوله تعالى : (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة / ٢٨٣) إذا قدر ضمير «إنه» للشأن ، لزم كون «آثم» خبراً مقدماً و «قبله» مبتدأ مؤخراً ، وإذا قدر راجعاً إلى اسم الشرط جاز ذلك ، وو أن يكون «آثم» الخبر و «قلبه» فاعل به ، وخبر أعال المقاربة وجواب الشرط وجواب القسم ، ومن الوهم قول بعضهم في (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) (ص / ٣٣) : إن «مسحاً» خبر «طفق» ، والصواب : أنه مصدر لخبر محذوف ، أي : يمسح مسحاً.

النوع السابع : اشتراط الجملة الفعلية في بعض المواضع ، والاسمية في بعض.

ومن الأول : جملة الشرط غير «لولا» ، وجملة جواب «لو ولولا ولو ما» ،

١١٩

والجملتان بعد «لما» ، والجمل التالية أحرف التحضيض ، وجملة أخبار أفعال المقاربة ، وخبر «أن» المفتوحة بعد «لو» عند الزمخشري ومتابعيه ، نحو : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) (البقرة / ١٠٣).

ومن الثاني : الجملة بعد «اذا» الفجائية ، و «ليتما» على الصحيح فيهما.

ومن الوهم في الأول : أن ينول من لا يذهب إلى قول الأخفش والكوفيين في نحو : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ) (النساء / ١٢٨) (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) (التوبة / ٦) و (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) (الانشقاق / ١) : إن المرفوع مبتدأ ، وذلك خطأ؛ لأنه خلاف قول من اعتمد عليهم ، وإنما قاله سهواً ، وأما إذا قال ذلك الأخفش أو الكوفي فلا يعد ذلك الإعراب خطأ؛ لأن هذا مذهبذهبوا إليه ولم يقولوه سهواً عن قاعدة. نعم الصواب خلاف قولهم في أصل المسألة ، وأجازوا أن يكون المرفوق محمولاً على إضمار فعل كما يقول الجمهور ، وأجاز الكوفيون وجهاً ثالثاً ، وهو أن يكون فاعلاً بالفعل المذكور على التقديم والتأخير ، مستدلين على جواز ذلك بنحو قول الزباء :

٤١٣ ـ ما للحمال مشيها وئيدا

أجَنلاً يحملن أم حديداً (١)

 فيمن رفع «مشيها» ، وذلك عند الجماعة مبتدأ حذف خبره وبقي معمول الخبر ، أي : مشيها يكون وئيداً أو يوجد وئيداً ، ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جره بدل اشتمال من «الجمال»؛ لأنه عائد على «ما» الاستفهامية ، ومتى اُبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام ، فكذلك حكم ضمير الاستفهام ، ولأنه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٠٩١٢

١٢٠