مغني الأديب - ج ٢

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ٢

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٠٧
الجزء ١ الجزء ٢

والرابع : أنه لايعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه.

والخامس : أنه ملازم للإفراد ، فلايثنى ولايجمع ، وإن فسر بحديثين أو أحاديث. وإذا تقرر هذا ، علم : أنه لاينبغي الحمل عليه إذا أمكن غيره ، ومن ثم ، ضعف قول كثير من النحويين : إن اسم «أن» المفتوحة المخففة ضمير شأن ، والأولى أن يعاد على غيره إذا أمكن ، ويؤيده قول سيبويه في (أَنْ يا إبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيا) (الصافات / ١٠٤ و ١٠٥) : إن تقديره : أنك.

الخامس : أن يجر بـ «رب» مفسَّراً بتمييز ، وحكمه حكم ضمير «نعم وبئس» في وجوب كون مفسره تمييزاً وكونه هو مفرداً ، قال : (١)

٣٩١ ـ رُبَّه فِتيةً دعوتُ إلى ما

يُورث المجدَ دائباً فأجابوا

ولكنه يلزم أيضاً التذكير ، فيقال : «ربّه امرأة» لا رُبَّها ، ويقال : «نعمت امرأةً هند» وأجاز الكوفيون مطابقته للتمييز في التأنيث والتثنية والجمع ، وليس بمسموع.

السادس : أن يكون مبدلا منه الظاهر المفسر له ، كـ «ضربته زيداً» قال ابن عصفور : أجازه الأخفش ومنعه سيبويه ، وقال ابن كيسان : هو جائز بإجماع ، نقله عنه ابن مالك.

السابع : أن يكون متصلا بفاعل مقدم ، ومفسره مفعول مؤخركـ «ضرب غلامه زيداً» ، أجازه الأخفش وأبو الفتح وأبو عبدالله الطُوال من الكوفيين ، ومن شواهده قوله : (٢)

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٧٤.

٢ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٧٥.

٨١

٣٩٢ ـ كساحلمه ذاالحلم أثوابَ سُؤدد

ورقّى نداه ذا الندى في ذُرا المجد

والجمهور يوجبون في ذلك في النثر تقديم المفعول ، نحو : (وَإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ) (البقرة / ١٢٤) ، ويمتنع بالإجماع ، نحو : «صاحبها في الدار» لاتصال الضمير بغير الفاعل ، ونحو : «ضرب غلامُها عبدَ هند» لتفسيره بغير المفعول والواجب فيهما : تقديم الخبر والمفعول.

شرح حال الضمير المسمى فصلا وعماداً

والكلام فيه في أربع مسائل :

الاُولى : في شروطه ، وهي ستة وذلك أنه يشترط فيما قبله أمران :

أحدهما : كونه مبتدأ في الحال أو في الاصل ، نحو قوله تعالى : (أُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف / ١٥٧) وقوله تعالى : (تَجِدُوه عِنْداللهِ هُوَ خَيْراً) (المزمل / ٢٠) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لايغش» (١) وأجاز الأخفش وقوعه بين الحال وصاحبها «كـ «جاء زيد هو ضاحكاً» ، وجعل منه : (هؤُلاء بَناتِي هُنَّ أَطْهَرلكُمْ) (هود / ٧٨) ، فيمن نصب «أطهر» ، ولحّن أبو عمرو من قرأ بذلك ، وقد خرجت على أن (هؤُلاء بناتي) جملة ، و «هن» إما توكيد لضمير مستتر في الخبر أو مبتدأ ، و «لكم» الخبر ، وعليهما فـ «أطهر» حال ، وفيهما نظر ، أما الأول : فلأن «بناتي» جامد غير مؤول بالمشتق ، فلايتحمل ضميراً عند البصريين ، وأما الثاني فلأن الحال لاتتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم.

والثاني : كونه معرفة كما مثلنا ، وأجاز الفراء وهشام ومن تابعهما من

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٧٥ / ٥٦٦.

٨٢

الكوفيين كونه نكرة ، نحو : «ما ظننت أحداً هو القائم».

ويشترط فيما بعده أمران :

كونه خبر المبتدأ في الحال أو في الأصل.

وكونه معرفة أو كالمعرفة ، في أنه لا يقبل «أل» كما تقدم في «خيراً» ، وشرط الذي كالمعرفة : أن يكون اسماً كما مثلنا ، وخالف في ذلك الجرجاني فألحق المضارع بالاسم لتشابههما ، وجعل منه : (إنَّهُ هُوَ يُبْدئُ وَيُعِيدُ) (البروج / ١٣) ، وهو عند غيره توكيد ، أو مبتدأ.

وقد يستدل له بقوله تعالى : (وَيَرَى الّذِينَ اُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِي اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي) (سبأ / ٦) ، فعطف (يهدي) على «الحق» الواقع خبراً بعد الفصل.

ويشترط له في نفسه أمران :

أحدهما : أن يكون بصيغة المرفوع ، فيمتنع «زيد إياه الفاضل».

والثاني : أن يطابق ما قبله ، فلا يجوز : «كنت هو الفاضل».

المسألة الثانية : في فائدته ، وهي ثلاثة اُمور :

أحدها لفظي ، وهو الإعلام من أول الأمر بأن ما بعده خبر لاتابع ، ولهذا سمي فصلاً ; لأنه فصل بين الخبر والتابع ، وعماداً ; لأنه يعتمد عليه معنى الكلام ، وأكثر النحويين يقتصر على ذكر هذه الفائدة ، وذكر التابع أولى من ذكر أكثرهم الصفة ; لوقوع الفصل في نحو : (كُنْتَ أَنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ) (المائدة / ١١٧) ، والضمائر لاتوصف.

والثاني معنوي ، وهو التوكيد ، ذكره جماعة ، وبنوا عليه أنه لا يجامع التوكيد ،

٨٣

فلا يقال : «زيد نفسه هو الفاضل» ، وعلى ذلك سماه بعض الكوفيين : دعامة ; لأنه يدعم به الكلام ، أي : يقوّى ويؤكد.

والثالث معنوي أيضاً ، وهو الاختصاص ، وكثير من البيانيين يقتصر عليه ، وذكر الزمخشري الثلاثة في تفسير (وَاُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة / ٥) ، فقال : فائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لاصفة ، والتوكيد ، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره (١).

المسألة الثالثة : في محله.

زعم البصريون : أنه لامحل له ، ثم قال أكثرهم : إنه حرف ، فلا إشكال ، وقال الخليل : اسم ، ونظيره على هذا القول أسماء الأفعال فيمن يراها غير معمولة لشيء ، و «أل» الموصولة ، وقال الكوفيون : له محل ، ثم قال الكسائي : محله بحسب ما بعده ، وقال الفراء : بحسب ما قبله ، فمحله بين المبتدأ والخبر رفع ، وبين معمولي «ظن» نصب ، وبين معمولي «كان» رفع عند الفراء ، ونصب عند الكسائي ، وبين معمولي «إنّ» بالعكس.

المسألة الرابعة : فيما يحتمل من الأوجه.

يحتمل في نحو : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) (المائدة / ١١٧) ، الفصلية والتوكيد ، دون الابتداء ; لانتصاب ما بعده ، وفي نحو : (وَإنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ) (الصافات / ١٦٥) ، الفصلية والابتداء ، دون التوكيد ، لدخول اللام ، ويحتمل الثلاثة في نحو : «أنت أنت الفاضل» ونحو : (إنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ) (المائدة / ١٠٩) ، ومن أجاز إبدال الضمير من الظاهر أجاز في نحو : «إن زيداً هو

__________________

١ ـ الكشاف : ١ / ٤٦.

٨٤

الفاضل» البدلية.

روابط الجملة بما هي خبر عنه

وهي عشرة :

أحدها : الضمير ، وهو الأصل ، ولهذا يربط به مذكوراً كـ «زيد ضربته» ومحذوفاً ، نحو : «السمن منوان بدرهم» أي : منه.

والثاني : الإشارة ، نحو : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَروُا عَنْها أوْلئِكَ أَصْحابُ النّارِ) (الأعراف / ٣٦).

والثالث : إعادة المبتدأ بلفظه ، وأكثر وقوع ذلك في مقام التهويل والتفخيم ، نحو : (اَلْحاقَّةُ مَاالْحاقَّةُ) (الحاقة / ١ و ٢) ، (وَأَصْحابُ الْيمِينِ ما أَصْحابُ الْيمِينِ) (الواقعة / ٢٧) ، وقال عدي بن زيد :

٣٩٣ـ لاأرى الموت يسبق الموت شيء

نغَّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١)

والرابع : إعادته بمعناه ، نحو : «زيد جاء ني أبو عبدالله» إذا كان «أبو عبدالله» كنية له ، أجازه أبوالحسن مستدلا بنحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إنّا لانُضِيعُ أَجْرَالْمُصْلِحِينَ) (الأعراف / ١٧٠) ، واُجيب بمنع كون «الذين» مبتدأ ، بل مجرور بالعطف على (الذين يتقون) ولئن سلم فالرابط العموم ; لأن «المصلحين» أعم من المذكورين ، أو ضمير محذوف ، أي : منهم ، وقال الحوفي : الخبر محذوف ، أي مأجورون ، والجملة دليله.

والخامس : عموم يشمل المبتدأ ، نحو : «زيد نعم الرجل» كذا قالوا ، ويلزمهم

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٧٧.

٨٥

أن يجيزوا : «زيد مات الناس ، وعمروٌ كل الناس يموتون». أما المثال فقيل : الرابط إعادة المبتدأ بمعناه على قول أبى الحسن في صحة تلك المسألة ، وعلى القول بأن «أل» في فاعلي «نعم وبئس» للعهد لا للجنس.

والسادس : ان يعطف بفاء السببية جملة ذات ضمير على جملة خالية منه أو بالعكس ، نحو : (أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مآءً فَتُصْبِحُ الاْرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج / ٦٣) ، وقول ذي الرمة :

٣٩٤ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو ، وتارات يجُمُّ فيغرق (١)

كذا قالوا ، والبيت محتمل ، لأن يكون أصله : يحسر الماء عنه ، أي ينكشف عنه.

وفي المسالة تحقيق ، وذلك لأن الفاء نزلت الجملتين منزلة الجملة الواحدة ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد وحينئذ فالخبر مجموعهما ، كما في جملتي الشرط والجزاء الواقعتين خبراً.

والسابع : العطف بالواو ، أجازه هشام وحده نحو : «زيد قامت هند وأكرمها» ونحو : «زيد قام وقعدت هند» بناء على أن الواو للجمع ، فالجملتان كالجملة كمسألة الفاء ، وإنما الواو للجمع في المفردات لا في الجمل ; بدليل جواز «هذان قائم وقاعد» دون «هذان يقوم ويقعد».

والثامن : شرط يشتمل على ضمير مدلول على جوابه بالخبر ، نحو : «زيد يقوم عمرو إن قام».

والتاسع : «أل» النائبة عن الضمير ، وهو قول الكوفيين وطائفة من

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٧٩.

٨٦

البصريين ومنه : (وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهىَ النّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوى) (النازعات / ٤٠ و ٤١) ، الأصل : مأواه ، وقال المانعون : إن التقدير : هي المأوى له.

والعاشر : كون الجملة نفس المبتدأ في المعنى ، نحو : قولي : «لا إله إلا الله» ومن هذا أخبار ضمير الشأن والقصة ، نحو : (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) (الإخلاص / ١) ، ونحو : (فَإذا هِىَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الأنبياء / ٩٧).

الأشياء التي تحتاج إلى الرابط

وهي أحد عشر :

أحدها : الجملة المخبر بها ، وقد مضت ، ومن ثم كان مردوداً قول ابن الطراوة في «لولا زيد لأكرمتك» : إن «لأكرمتك» هو الخبر ، بل الخبر محذوف أي : لولا زيد موجود.

الثاني : الجملة الموصوف بها ، ولايربطها إلا الضمير ، إما مذكوراً ، نحو قوله تعالى : (حتّى تُنَزِّلَ علينا كتاباً نَقْرَؤهُ) (الأسراء / ٩٣) ، أو مقدراً ، نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُواْ يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً ، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ ، وَلاهُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة / ٤٨) فإنه على تقدير «فيه» أربع مرات. وقرأ الأعمش (فَسُبْحانَ اللهِ حيناً تُمْسُونَ وَحيناً تُصْبِحُونَ) (الروم / ١٧) على تقدير «فيه» مرتين. وهل حذف الجار والمجرور معاً أو حذف الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل ثم حذف منصوباً؟ ، قولان : الأول : عن سيبويه والثاني : عن أبي الحسن. وفي أمالي ابن الشجري : قال الكسائي : لايجوز أن

٨٧

يكون المحذوف إلاّ الهاء ، أي : إن الجار حذف أولاً ، ثم حذف الضمير. وقال آخر : لايكون المحذوف إلا «فيه» وقال أكثر النحويين منهم سيبويه والأخفش : يجوز الأمران ، والأقيس عندي الأول. انتهى. وهو مخالف لما نقل غيره.

الثالث : الجملة الموصول بها الأسماء ، ولا يربطها غالباً إلا الضمير ، إما مذكوراً ، نحو : (اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) (البقرة / ٣) ، وإما مقدراً ، نحو : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) (مريم / ٦٣) ، والحذف من الصلة أقوى منه من الصفة ، ومن الصفة أقوى منه من الخبر.

والربط بضمير الخطاب ، نحو قول علي بن الحسين (عليهما السلام) : «أنت الذي وسعت كل شيء رحمة وعلماً ، وأنت الذي جعلتَ لكل مخلوق في نعمك سهماً» (١) ، قليل ، ولكنه مع هذا مقيس ، وأما الربط باسم الظاهر ، نحو : «أنت الذي قام زيد» فقليل غير مقيس.

الرابع : الواقعة حالا ، ورابطها إما الواو والضمير ، نحو : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (النساء / ٤٣) ، أو الواو فقط ، نحو : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) (يوسف / ١٤) ، أو الضمير فقط ، نحو : (تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (الزمر / ٦٠) ، وقد يخلو منهما لفظاً ، فيقدر الضمير ، نحو : «مررت بالبر قفيز بدرهم» أو الواو كقوله (٢) يصف غائصاً لطلب اللؤلؤ انتصف النهار وهو غائص وصاحبه لايدري ما حاله :

__________________

١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السادس عشر : ١١٥.

٢ ـ قال السيوطي : هو من قصيدة للمسيب بن علس مالك الضبعي. شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٧٨. وقال البغدادي : البيت من قصيدة للأعشى ميمون البكري ... وأما الأصمعي فقد أثبتها للمسيب بن علس الخماعي. شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ٩٠.

٨٨

٣٩٥ ـ نصفَ النهارُ الماءُ غامره

ورفيقه بالغيب لايدري

الخامس : المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه ، نحو : «زيداً ضربته ، أو ضربت أخاه ، أو عمراً وأخاه ، أو عمراً أخاه» إذا قدرت الأخ بياناً ، فإن قدرته بدلا لم يصح نصب الاسم على الاشتغال ، ولارفعه على الابتداء ، وكذا لو عطفت بغير الواو.

وقوله تعالى : (سَلْ بَنِي إسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَة) (البقرة / ٢١١) ، إن قدرت «من» زائدة فـ «كم» مبتدأ أو مفعول لـ «آتينا» مقدراً بعده ، وإن قدرتها بياناً لـ «كم» لم يجز واحد من الوجهين ; لعدم الراجع حينئذ إلى «كم» وإنما هي مفعول ثان مقدم ، وجوز الزمخشري في «كم» ، الخبرية والاستفهامية ، ولم يذكر النحويون أن «كم» الخبرية تعلق العامل عن العمل ، وجوز بعضهم زيادة «من» كما قدمنا ، وإنما تزاد بعد الاستفهام بـ «هل» خاصة ، وقد يكون تجويزه ذلك على قول من لايشترط كون الكلام غير موجب مطلقاً ، أو على قول من يشترطه في غير باب التمييز ، ويرى أنها في «رطل من زيت» زائدة لا مبينة للجنس.

السادس والسابع : بدلا البعض والاشتمال ، ولا يربطهما إلا الضمير ، ملفوظاً ، نحو : (ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ) (المائدة / ٧١) ، (يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتال فِيهِ) (البقرة / ٢١٧) ، أو مقدراً ، نحو : (مَنِ اسْتَطاعَ) (آل عمران / ٩٧) ، أي : منهم ، ونحو : (قُتِلَ أَصْحابُ الأُخْدُودِ النّارِ) (البروج / ٤ و ٥) ، أي فيه ، وقيل : إن «أل» خلف عن الضمير ، أي : ناره.

تنبيه

إنما لم يحتج بدل الكل إلى رابط ; لأنه نفس المبدل منه في المعنى ، كما أن الجملة التي هي نفس المبتدأ لا تحتاج إلى رابط لذلك.

٨٩

الثامن : معمول الصفة المشبهة ، ولا يربطه أيضاً إلا الضمير ، إما ملفوظاً به ، نحو : «زيد حسن وجهَه» ، أو مقدراً ، نحو : «زيد حسن وجهاً» أي : منه ، واختلف في نحو : «زيد حسن الوجه» بالرفع ، فقيل : التقدير : منه ، وقيل : «أل» خلف عن الضمير.

التاسع : جواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء ، ولا يربطه أيضا إلا الضمير ، إما مذكوراً ، نحو : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي اُعَذِّبُهُ) (المائدة / ١١٥) ، أو مقدراً أو منوباً عنه ، نحو : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة / ١٩٧) ، أي : منه ، أو الأصل : في حجه.

العاشر : العاملان في باب التنازع ، فلابد من ارتباطهما ، إما بعاطف كما في : «قاما وقعد أخواك» ، أو عمل أولهما في ثانيهما ، نحو : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى الله شَطَطاً) (الجن / ٤) ، أو كون ثانيهما جواباً للأول ، إما جوابية الشرط ، نحو : (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْلَكُمْ رَسُولُ اللهِ) (المنافقون / ٥) ، أو جوابية السؤال ، نحو : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (النساء / ١٧٦) ، أو نحو ذلك من أوجه الارتباط ، ولا يجوز «قام قعد زيد».

الحادي عشر : ألفاظ التوكيد الاُول ، وإنما يربطها الضمير الملفوظ به ، نحو : «جاء زيد نفسه ، والزيدان كلاهما ، والقوم كلهم» ، ومن ثم كان مردوداً قول من قال في قوله تعالى : (هُوَالّذِي خَلَقَ لَكُمْ مْا فِي الاْرْضِ جَمِيعاً) (البقرة / ٢٩) : إن «جميعاً» توكيد لـ «ما» ، ولو كان كذا لقيل : جميعه ، ثم التوكيد بـ «جميع» قليل ، فلا يحمل عليه التنزيل ، والصواب : أنه حال.

واحترز بذكر «الاُول» عن «أجمع» وأخواته ، فإنها إنما تؤكد بعد «كل» ، نحو : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ) (الحجر / ٣٠).

٩٠

الاُمور التي يكتسبها الاسم بالإضافة

وهي أحد عشر :

أحدها : التعريف ، نحو : غلام زيد.

الثاني : التخصيص ، نحو : «غلام امرأة» والمراد بالتخصيص ، الذي لم يبلغ درجة التعريف ، فإن «غلام رجل» أخص من «غلام» ، ولكنه لم يتميز بعينه كما يتميز «غلام زيد».

الثالث : التخفيف ، كـ «ضارب زيد ، وضار با عمرو ، وضاربو بكر» إذا أردت الحال أو الاستقبال ; فإن الأصل فيهن : أن يعملن النصب ، ولكن الخفض أخف منه ; إذ لاتنوين معه ولا نون ، ويدل على أن هذه الإضافة لا تفيد التعريف قولك : «الضاربا زيد والضاربو زيد» ولايجتمع في الاسم تعريفان ، وقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (المائدة / ٩٥) ، ولا توصف النكرة بالمعرفة ، وقوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ) (الحج / ٩) ، ولا تنصب المعرفة على الحال ، وقول جرير :

٣٩٦ ـ يارُبّ غابطنا لو كان يطلبكم

لا قى مباعدة منكم وحرمانا (١)

ولاتدخل «رب» على المعارف وفي «التحفة» : أن ابن مالك رد على ابن الحاجب في قوله : «ولاتفيد إلا تخفيفاً» فقال : بل تفيد أيضاً التخصيص ، فإن «ضارب زيد» أخص من «ضارب». وهذا سهو ; فإن «ضارب زيد» أصله «ضارب زيداً» بالنصب ، وليس أصله «ضارباً» فقط ، فالتخصيص حاصل بالمعمول قبل أن تأتي الإضافة.

فإن لم يكن الوصف بمعنى الحال والاستقبال فإضافته محضة تفيد التعريف

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٧١٢.

٩١

والتخصيص ; لأنها ليست في تقدير الانفصال. وعلى هذا صح وصف اسم الله تعالى بـ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة / ٤).

الرابع : إزالة القبح أو التجوز ، كـ «مررت بالرجل الحسن الوجه» ; فإن «الوجه» إن رفع قبح الكلام ، بخلو الصفة لفظاً عن ضمير الموصوف ، وإن نصب حصل التجوز ; بإجرائك الوصف القاصر مجرى المتعدي.

الخامس : تذكير المؤنث كقوله : (١)

٣٩٧ـ إنارة العقل مكسوف بطَوع هوى

وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

السادس : تأنيث المذكر ، كقولهم : «قُطعتْ بعض أصابعه» ، وقرئ : (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ) (يوسف / ١٠).

وشرط هذه المسألة والتي قبلها صلاحية المضاف للاستغناء عنه ، فلايجوز «أمة زيد جاء» ولا «غلام هند ذهبت».

السابع : الظرفية ، نحو : (تُؤتِي اُكُلَها كُلَّ حِين) (إبراهيم / ٢٥).

الثامن : المصدرية ، نحو : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء / ٢٢٧) ، فـ «أي» مفعول مطلق ، ناصبه «ينقلبون» و «يعلم» معلقة عن العمل بالاستفهام.

التاسع : وجوب التصدير ، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو : «غلام من عندك؟» ، والخبر في نحو : «صبيحة أي يوم سفرك؟» ، والمفعول في نحو : «غلام أيهم أكرمت؟» ، و «من» ومجرورها في نحو : «من غلام أيهم أنت أفضل؟» ووجب الرفع في نحو : «علمت أبو من زيد؟».

__________________

١ ـ قال السيوطي : «قال العيني : قيل إن قائله من المولدين». شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٨١.

٩٢

العاشر : الإعراب ، نحو : «هذه خمسة عشر زيد» فيمن أعربه ، والأكثر البناء.

الحادي عشر : البناء ، وذلك في ثلاثة أبواب :

أحدها : أن يكون المضاف مبهماً كـ «غير ومثل ودون» ، وقد استدل على ذلك باُمور : منها قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) (سبأ / ٥٤) ، (وَمِنّادُونَ ذلِكَ) (الجن / ١١) ، قاله الأخفش ، وخولف ، واُجيب عن الأول : بأن نائب الفاعل ضمير المصدر ، أي : وحيل هو ، أي الحول ، وعن الثاني : بأنه على حذف الموصوف ، أي : ومنا قوم دون ذلك ، ومنها قوله تعالى : (إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مآ أنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات / ٢٣) ، فيمن فتح «مثلا».

وزعم ابن مالك أن ذلك لا يكون في «مثل» ; لمخالفتها للمبهمات ، فإنها تثنى وتجمع كقوله تعالى : (إلاّ اُمَمٌ أَمْثالُكُم) (الأنعام / ٣٨) ، وقول الشاعر : (١)

٣٩٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشر بالشر عند الله مثلان

وزعم أن «حقا» اسم فاعل من «حق يحق» وأصله : حاق فقصر ، كما قيل : برٌّ وسرٌّ ونمٌ» ففيه ضمير مستتر ، و «مثل»حال منه ، ومنها قول أبي قيس بن رفاعة :

٣٩٩ـ لم يمنع الشرب منهاغيرأن نطقت

حمامة في غصون ذات أوقال (٢)

فـ «غير» فاعل لـ «يمنع» وقد جاء مفتوحاً ، ولا يأتي فيه بحث ابن مالك ; لأن قولهم : «غيران وأغيار» ليس بعربي.

ولو كان المضاف غير مبهم لم يبن ، وأما قول الجرجاني وموافقيه : إن «غلامي» ونحوه مبني فمردود ، ويلزمهم بناء «غلامك ، وغلامه» ولا قائل بذلك.

__________________

١ ـ تقدم برقم ١١٧.

٢ ـ تقدم برقم ١٤١.

٩٣

الباب الثاني : أن يكون المضاف زماناً مبهماً ، والمضاف إليه «إذ» نحو : (وَمِنْ خِزْي يَوْمَئِذ) (هود / ٦٦) ، يقرأ بجر «يوم» وفتحه.

الثالث : أن يكون زماناً مبهماً والمضاف إليه فعل مبني ، كقول النابغة الذبياني :

٤٠٠ ـ على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا

وقلتُ : ألمّا أصحُ والشيبُ وازع (١)

روي بالفتح ، وهو أرجح من الإعراب عند ابن مالك ، ومرجوح عند ابن عصفور.

فإن كان المضاف إليه فعلا معرباً أو جملة اسمية ، فقال البصريون : يجب الإعراب ، والصحيح : جواز البناء ، ومنه قراءة نافع : (هذا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ) (المائدة / ١١٩) بفتح «يوم».

الاُمور التي لا يكون الفعل معها إلا قاصراً

وهي عشرون :

أحدها : كونه على «فعل» بالضم كـ «ظرف وشرف» ; لأنه وقف على أفعال السجايا وما أشبهها مما يقوم بفاعله ولا يتجاوزه ، ولهذا يتحول المتعدي قاصراً إذا حول وزنه إلى «فَعُل» ; لغرض المبالغة والتعجب ، نحو : «ضُرب الرجل وفهُم» ، بمعنى ما أضربه وأفهمه! ، وسمع : «رحُبتكم الطاعة» و : «إن بشراً طلُع اليمن» ولا ثالث لهما ، ووجههما أنهما ضمنا معنى «وسع وبلغ».

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٦ / ٨١٦.

٩٤

الثاني والثالث : كونه على «فعل» بالفتح أو «فعل» بالكسر ووصفهما على «فعيل» ، نحو : «ذل وقوي».

الرابع : كونه على «أفعل» بمعنى صار ذا كذا ، نحو : «أغدالبعير ، وأحصد الزرع» إذا صارا ذوي غدة وحصاد.

الخامس : كونه على «افعللَّ» كـ «اقشعر واشمأز».

السادس : كونه على «افوعلَّ» كـ «اكوهد الفرخ» إذا ارتعد.

السابع : كونه على «افعنلل» بأصالة اللامين كـ «احرنجم» بمعنى «اجتمع».

الثامن : كونه على «افعنلل» بزيادة أحد اللامين كـ «اقعنسس الجمل» إذا أبى أن ينقاد.

التاسع : كونه على «افعنلى» كـ «احر نبئ الديك» إذا انتفش ، وشذ قوله : (١)

٤٠١ ـ قدْ جعلَ النُّعاسُ يَغْرَ نديني

أطردُهُ عنّي ويَسْرَ نديني

ولا ثالث لهما ، و «يغر ندينى» ـ بالغين المعجمة ـ يعلُوني ويغلبني ، وبمعناه : «يسر نديني».

العاشر : كونه على «استفعل» وهو دال على التحوّل كـ «استحجر الطين».

الحادي عشر : كونه على وزن «انفعل» ، نحو : «انطلق وانكسر».

الثاني عشر : كونه مطاوعاً لمتعدّ إلى واحد ، نحو : «كسرته فانكسر وأزعجتُه فانزعج».

فإن قلت : قد مضى عدّ «انفعل».

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٥٥ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ١٣١. لم يسم قائله.

٩٥

قلنا : نعم ، لكن تلك علامة لفظية وهذه معنوية ، وأيضاً فالمطاوع لا يلزم وزن «انفعل» ، تقول : ضاعفت الحسنات فتضاعفت ، وعلمته فتعلم ، وثلمته فتثلم ، وأصله : أن المطاوع ينقص عن المطاوع درجة ك «ألبسته الثوب فلبسه ، وأقمته فقام» وزعم ابن بري أن الفعل ومطاوعه قد يتفقان في التعدي لا ثنين ، نحو : «استخبرته الخبر فأخبرني الخبر ، واستفهمته الحديث فأفهمني الحديث ، واستعطيته درهماً فأعطاني درهماً» ، وفي التعدي لواحد ، نحو : «استفتيته فأفتاني ، واستنصحته فنصحني» والصواب : ما تقدم ، وهو قول النحويين ، وماذكره ليس من باب المطاوعة بل من باب الطلب والإجابة ، وإنما حقيقة المطاوعة أن يدل أحد الفعلين على تأثير ، ويدل الآخر على قبول فاعله لذلك التأثير.

الثالث عشر : أن يكون رباعياً مزيداً فيه ، نحو : «تد حرج واحر نجم».

الرابع عشر : أن يضمن معنى فعل قاصر ، نحو قوله تعالى : (أَذاعُواْبِهِ) (النساء / ٨٣) ، (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف / ١٥) ، وقولهم : «سمع الله لمن حمده» وقول ذي الرمة :

٤٠٢ـ وإن تعتذر بالَمحْل من ذي ضروعها

إلى الضيف يجرح في عراقيبها نَصلي (١)

فإنها ضمنت معني : «تحدثوا ، وبارك ، واستجاب ، ويعث أو يفسد».

والستة الباقية : أن تدل على سجية ، كـ «لؤم وجبن».

أو على عرض ، كـ «فرِح وبطِر».

أو على نظافة ، كـ «طهُر ووضُؤ».

أو دنس ، كـ «نجس ورجس».

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٧ / ١٣٣.

٩٦

أو على لون ، كـ «أدم واخضرّ».

أو حلية ، كـ «د عِج وكحِل».

الاُمور التي يتعدى بها الفعل القاصر

وهي سبعة :

أحدها : همزة «أفعل» ، نحو : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) (الأحقاف / ٢٠) ، وقد ينقل المتعدي إلى واحد بالهمزة إلى التعدي إلى اثنين ، نحو : «ألبست زيداً ثوباً» ، ولم ينقل متعد إلى اثنين بالهمزة إلى ثلاثة إلا في «رأى» ، و «علم» وقاسه الأخفش في أخواتهما الثلاثة القلبية ، نحو : «ظن وحسب وزعم» ، وقيل : النقل بالهمزة كله سماعي ، وقيل : قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد ، والحق : أنه قياسي في القاصر ، سماعي في غيره ، وهو ظاهر مذهب سيبويه.

الثاني : ألف المفاعلة ، تقول في «جلس زيد» : جالست زيداً.

الثالث : صوغه على «فعَلت» بالفتح «أفعُل» بالضم ، لإفادة الغلبة ، تقول : «كرمت زيداً» بالفتح أي : غلبته في الكرم.

الرابع : صوغه على «استفعل» للطلب أو النسبة إلى الشيء كـ «استخرجت المال ، واستقبحت الظلم» ، وقد ينقل ذو المفعول الواحد إلى اثنين ، نحو : «استكتبته الكتاب».

الخامس : تضعيف العين ، تقول في «فرح زيد» : «فرّحته».

والنقل به سماعي في القاصر كالمثال ، وفي المتعدي لواحد ، نحو : «علمته الحساب» ولم يسمع في المتعدي لاثنين ، وزعم الحريري أنه يجوز في «علم» المتعدية لاثنين أن ينقل بالتضعيف إلى ثلاثة ، ولا يشهد له سماع ولا قياس ، وظاهر

٩٧

قول سيبويه : أنه سماعي مطلقاً ، وقيل : قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد.

السادس : التضمين ، فلذلك عدي «رحُب وطلُع» إلى مفعول لما تضمنا معنى «وسع وبلغ».

ويختص التضمين عن غيره من المعديات بأنه قد ينقل الفعل إلى أكثر من درجة ، ولذلك عدي «ألوت» بقصر الهمزة بمعنى «قصرت» إلى مفعولين بعد ما كان قاصراً ، وذلك في قولهم : «لا آلوك نصحاً ولا آلوك جهداً» ، لما ضمن معنى «لا أمنعك» ومنه قوله تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) (آل عمران / ١١٨) ، وعدي «أخبر وخبّر وحدّث وأنبأو نبّأ» إلى ثلاثة ; لما ضمنت معنى «أعلم وأرى» بعد ماكانت متعدية إلى واحد بنفسها وإلى آخر بالجار ، نحو : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ، فَلَمّا أَنْبَأهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) (البقرة / ٣٣) ، (نَبِّئُونِي بِعِلْم) (الأنعام / ١٤٣).

السابع : إسقاط الجار توسعاً ، نحو : (وَلكِنْ لاتُواعِدُوهُنَّ سرّاً) (البقرة / ٢٣٥) ، أي : على سر ، أي نكاح ، (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) (الأعراف / ١٥٠) ، أي : عن أمره.

ولايحذف الجار قياساً إلا مع «أنّ وأن» ، وأهمل النحويون هنا ذكر «كي» مع تجويزهم في نحو : «جئت كي تكرمني» أن تكون كي مصدرية واللام مقدرة ، والمعنى : لكي تكرمني ، وأجازوا أيضاً كونها تعليلية و «أن» مضمرة بعدها ، ولا يحذف مع «كي» إلا لام العلة ، لأنها لا يدخل عليها جار غيرها ، بخلاف اُختيها ، قال الله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّات) (البقرة / ٢٥) ، أي : بأن لهم.

ومحل «أنّ» و «أن» وصلتهما بعد حذف الجار نصب عند الخليل وأكثر النحويين ; حملا على الغالب فيما ظهر فيه الإعراب مما حذف منه ، وجوز سيبويه أن

٩٨

يكون المحل جراً ، فقال بعد ما حكى قول الخليل : ولو قال إنسان إنه جر ، لكان قولا قوياً ، وله نظائر ، نحو قولهم : «لاهِ أبوك» ، وأما نقل جماعة منهم ابن مالك : أن الخليل يرى أن الموضع جر ، وأن سيبويه يرى أنه نصب ، فسهو.

ومما يشهد لمدعي الجر قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أحَداً) (الجن / ١٨) ، أصله : لا تدعوا مع الله أحداً ، لأن المساجد لله. ولايجوز تقديم منصوب الفعل عليه إذا كان «أن» وصلتها ، لا تقول : «أنك فاضل عرفت».

وهنا معد ثامن ذكره الكوفيون ، وهو تحويل حركة العين ، يقال : كسي زيد ، بوزن «فرح» فيكون قاصراً ، فإذا فتحت السين صار بمعنى «ستر وغطّى» وتعدى إلى واحد ، كقول امرئ القيس :

٤٠٣ ـ وأركبُ في الروع خيفانة

كسا وجهها سَعَفٌ منتشر (١)

أو بمعنى «أعطى كسوة» وهو الغالب ، فيتعدى إلى اثنين ، نحو : «كسوت زيداً جبة» ، قالوا : وكذلك «شترت عينه» ، بكسر التاء قاصر بمعنى «انقلب جفنها» ، و «شتر الله عينه» بفتحها متعد بمعنى «قلّبها» ، وهذا عندنا من باب المطاوعة ، يقال : شتره فشتِر ، كما يقال : ثرمه فثرِم ، وثلمه فثلِم ، ومنه : كسوته الثوب فكسيه.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٣٦.

٩٩
١٠٠