أنوار التنزيل وأسرار التأويل - ج ٢

عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي

أنوار التنزيل وأسرار التأويل - ج ٢

المؤلف:

عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٥

يفارقها بحال. (كَذلِكَ) كما زين للمؤمنين إيمانهم. (زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) والآية نزلت في حمزة وأبي جهل وقيل في عمر أو عمار وأبي جهل.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ)(١٢٣)

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) أي كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ، و (جَعَلْنا) بمعنى صيرنا ومفعولاه (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) على تقديم المفعول الثاني ، أو في كل قرية (أَكابِرَ) و (مُجْرِمِيها) بدل ويجوز أن يكون مضافا إليه إن فسر الجعل بالتمكين ، وأفعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد والمطابقة ولذلك قرئ «أكبر مجرميها» ، وتخصيص الأكابر لأنهم أقوى على استتباع الناس والمكر بهم. (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) لأن وباله يحيق بهم. (وَما يَشْعُرُونَ) ذلك.

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) (١٢٤)

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) يعني كفار قريش لما روي: أن أبا جهل قال زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحى إليه ، والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) استئناف للرد عليهم بأن النبوة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص الله سبحانه وتعالى بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالاته من علم أنه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ) ذل وحقارة بعد كبرهم. (عِنْدَ اللهِ) يوم القيامة وقيل تقديره من عند الله. (وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) بسبب مكرهم أو جزاء على مكرهم.

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢٥)

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان. (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فيتسع له ويفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار عليه أفضل الصلاة والسلام حين سئل عنه فقال «نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح» فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله». (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان. وقرأ ابن كثير (ضَيِّقاً) بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم (حَرَجاً) بالكسر أي شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا بالمصدر. (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود. وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه ، وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير (يَصَّعَّدُ) وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد. (كَذلِكَ) أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق. (يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) يجعل العذاب أو الخذلان عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل.

(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ

١٨١

وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢٧)

(وَهذا) إشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن ، أو إلى الإسلام أو إلى ما سبق من التوفيق والخذلان.

(صِراطُ رَبِّكَ) الطريق الذي ارتضاه أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته. (مُسْتَقِيماً) لا عوج فيه ، أو عادلا مطردا وهو حال مؤكدة كقوله (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) ، أو مقيدة والعامل فيها معنى الإشارة. (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) فيعلمون أن القادر هو الله سبحانه وتعالى وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وخلقه ، وأنه عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم.

(لَهُمْ دارُ السَّلامِ) دار الله أضاف الجنة إلى نفسه تعظيما لها ، أو دار السلامة من المكاره أو دار تحيتهم فيها سلام. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في ضمانه أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره. (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) مواليهم أو ناصرهم. (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها فيتولى إيصاله إليهم.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٢٨)

ويوم نحشرهم جميعا نصب بإضمار اذكر أو نقول ، والضمير لمن يحشر من الثقلين. وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب (يَحْشُرُهُمْ) بالياء. (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) يعني الشياطين. (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كقولهم استكثر الأمير من الجنود. (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الذين أطاعوهم. (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي انتفع الإنس بالجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها ، والجن بالإنس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم. وقيل استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز وعند المخاوف ، واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم يقدرون على إجارتهم. (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي البعث وهو اعتراف بما فعلوه من طاعة الشيطان واتباع الهوى وتكذيب البعث وتحسر على حالهم. (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) منزلكم أو ذات مثواكم. (خالِدِينَ فِيها) حال والعامل فيها مثواكم إن جعل مصدرا ، ومعنى الإضافة إن جعل مكانا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) إلا الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير وقيل (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) قبل الدخول كأنه قيل : النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم. (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في أفعاله. (عَلِيمٌ) بأعمال الثقلين وأحوالهم.

(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(١٣٠)

(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نكل بعضهم إلى بعض ، أو نجعل بعضهم يتولى بعضا فيغويهم أو أولياء بعض وقرناءهم في العذاب كما كانوا في الدنيا. (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الرسل من الإنس خاصة ، لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك ونظيره (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) والمرجان يخرج من الملح دون العذب وتعلق بظاهره قوم وقالوا بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم. وقيل الرسل من الجن رسل الرسل إليهم لقوله تعالى : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يعني يوم القيامة. (قالُوا) جوابا. (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب.

١٨٢

(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم ، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة ، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين من مثل حالهم.

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٣٢)

(ذلِكَ) إشارة إلى إرسال الرسل ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك. (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) تعليل للحكم وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة أي : الأمر ذلك لانتفاء كون ربك أو لأن الشّأن لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلم فعلوه ، أو ملتبسين يظلم أو ظالما وهم غافلون لم ينبهوا برسول أو بدل من ذلك.

(وَلِكُلٍ) من المكلفين. (دَرَجاتٌ) مراتب (مِمَّا عَمِلُوا) من أعمالهم أو من جزائها ، أو من أجلها (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب. وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١٣٤)

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن العباد والعبادة. (ذُو الرَّحْمَةِ) يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي ، وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتأسيس لما بعده وهو قوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي ما به إليكم حاجة (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها العصاة. (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) من الخلق. (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) أي قرنا بعد قرن لكنه أبقاكم ترحما عليكم.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث وأحواله. (لَآتٍ) لكائن لا محالة. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) طالبكم به.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(١٣٥)

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على غاية تمكنكم واستطاعتكم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة. وقرأ أبو بكر عن عاصم مكاناتكم بالجمع في كل القرآن وهو أمر تهديد ، والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم. (إِنِّي عامِلٌ) ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام ، والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي به ، إليه ، وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) إن جعل (مَنْ) استفهامية بمعنى أينا تكون له عاقبة الدار الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار ، فمحلها الرفع وفعل العلم معلق عنه وإن جعلت خبرية فالنصب ب (تَعْلَمُونَ) أي فسوف تعرفون الذي تكون له عاقبة الدار ، وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب ، وتنبيه على وثوق المنذر بأنه محق. وقرأ حمزة والكسائي يكون بالياء لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وضع الظالمين موضع الكافرين لأنه أعم وأكثر فائدة.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا

١٨٣

لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(١٣٦)

(وَجَعَلُوا) أي مشركو العرب. (لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) خلق. (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) روي : أنهم كانوا يعينون شيئا؟ من حرث ونتاج لله ويصرفونه إلى الضيفان والمساكين ، وشيئا منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحونه عندها ، ثم إن رأوا ما عينوا لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبا لآلهتهم. وفي قوله (مِمَّا ذَرَأَ) تنبيه على فرط جهالتهم فإنهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ، ثم رجحوه عليه بأن جعلوا الزاكي له ، وفي قوله (بِزَعْمِهِمْ) تنبيه على أن ذلك مما اخترعوه لم يأمرهم الله به. وقرأ الكسائي بالضم في الموضعين وهو لغة فيه وقد جاء فيه الكسر أيضا كالود والود. (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا.

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١٣٧)

(وَكَذلِكَ) ومثل ذلك التزيين في قسمة القربان. (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) بالوأد ونحرهم لآلهتهم. (شُرَكاؤُهُمْ) من الجن أو من السدنة ، وهو فاعل (زَيَّنَ). وقرأ ابن عامر (زَيَّنَ) على البناء للمفعول الذي هو القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله وهوضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر كقوله :

فزججتها بمزجة

زجّ القلوص أبي مزاده

وقرئ بالبناء للمفعول وجر أولادهم ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه (زَيَّنَ). (لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم بالإغواء. (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل ، أو ما وجب عليهم أن يتدينوا به واللام للتعليل إن كان التزيين من الشياطين والعاقبة إن كان من السدنة. (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) ما فعل المشركون ما زين لهم ، أو الشركاء التزيين أو الفريقان جميع ذلك. (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) افتراءهم أو ما يفترونه من الإفك.

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ)(١٣٨)

(وَقالُوا هذِهِ) إشارة إلى ما جعل لآلهتهم. (أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) حرام فعل بمعنى مفعول ، كالذبح يستوي فيه الواحد والكثير والذكر والأنثى. وقرئ «حجر» بالضم وحرج أي مضيق. (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء. (بِزَعْمِهِمْ) من غير حجة. (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) يعني البحائر والسوائب والحوامي. (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) في الذبح وإنما يذكرون أسماء الأصنام عليها ، وقيل لا يحجون على ظهورها. (افْتِراءً عَلَيْهِ) نصب على المصدر لأن ما قالوا تقول على الله سبحانه وتعالى ، والجار متعلق ب (قالُوا) أو بمحذوف هو صفة له أو على الحال ، أو على المفعول له والجار متعلق به أو بالمحذوف. (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) بسببه أو بدله.

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً

١٨٤

فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٣٩)

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) يعنون أجنة البحائر والسوائب. (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) حلال للذكور خاصة دون الإناث إن ولد حيّا لقوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) فالذكور والإناث فيه سواء وتأنيث الخالصة للمعنى فإن ما في معنى الأجنة ولذلك وافق عاصم في رواية أبي بكر ابن عامر في تكن بالتاء ، وخالفه هو وابن كثير في (مَيْتَةً) فنصب كغيرهم ، أو التاء فيه للمبالغة كما في رواية الشعر أو هو مصدر كالعافية وقع موقع الخالص. وقرئ بالنصب على أنه مصدر مؤكد والخبر (لِذُكُورِنا) ، أو حال من الضمير الذي في الظرف لا من الذي في لذكورنا ولا من الذكور لأنها لا تتقدم على العامل المعنوي ولا على صاحبها المجرور. وقرئ «خالص» بالرفع والنصب و (خالِصَةٌ) بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من ما أو مبتدأ ثان والمراد به ما كان حيا ، والتذكير في فيه لأن المراد بالميتة ما يعم الذكر والأنثى فغلب الذكر. (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي جزاء وصفهم الكذب على الله سبحانه وتعالى في التحريم والتحليل من قوله: (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ)(إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(١٤٠)

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) يريد بهم العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر. وقرأ ابن كثير وابن عامر (قَتَلُوا) بالتشديد بمعنى التكثير. (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله سبحانه وتعالى رازق أولادهم لا هم ، ويجوز نصبه على الحال أو المصدر. (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من البحائر ونحوها. (افْتِراءً عَلَى اللهِ) يحتمل الوجوه المذكورة في مثله. (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى الحق والصواب.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(١٤١)

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) من الكروم. (مَعْرُوشاتٍ) مرفوعات على ما يحملها. (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ملقيات على وجه الأرض. وقيل المعروشات ما غرسه الناس فعرشوه وغير معروشات ما نبت في البراري والجبال. (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ثمره الذي يؤكل في الهيئة والكيفية ، والضمير للزرع والباقي مقيس عليه ، أو للنخل والزرع داخل في حكمه لكونه معطوفا عليه ، أو للجميع على تقدير أكل ذلك أو كل واحد منهما ومختلفا حالا مقدرة لأنه لم يكن ذلك عند الإنشاء. (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) يتشابه بعض أفرادهما في اللون والطعم ولا يتشابه بعضها. (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) من ثمر كل واحد من ذلك. (إِذا أَثْمَرَ) وإن لم يدرك ولم يينع بعد. وقيل فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى. (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) يريد به ما كان يتصدق به يوم الحصاد لا الزكاة المقدرة لأنها فرضت بالمدينة والآية مكية. وقيل الزكاة والآية مدنية والأمر بإيتائها يوم الحصاد ليهتم به حينئذ حتى لا يؤخر عن وقت الأداء وليعلم أن الوجوب بالإدراك لا بالتنقية. وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي (حَصادِهِ) بكسر الحاء وهو لغة فيه. (وَلا تُسْرِفُوا) في التصدق كقوله تعالى : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لا يرتضي فعلهم.

١٨٥

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١٤٣)

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح ، أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره. وقيل الكبار الصالحة للحمل والصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها. (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) كلوا مما أحل لكم منه. (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) في التحليل والتحريم من عند أنفسكم. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهرة العداوة.

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من حمولة وفرشا ، أو مفعول كلوا ، ولا تتبعوا معترض بينهما أو فعل دل عليه أو حال من ما بمعنى مختلفة أو متعددة والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الأول. (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) زوجين اثنين الكبش والنعجة ، وهو بدل من ثمانية وقرئ «اثنان» على الابتداء. و (الضَّأْنِ) اسم جنس كالإبل وجمعه ضئين أو جمع ضائن كتاجر وتجر. وقرئ بفتح الهمزة وهو لغة فيه. (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) التيس والعنز ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالفتح وهو جمع ماعز كصاحب وصحب وحارس وحرس ، وقرئ «المعزى». (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) ذكر الضأن وذكر المعز. (حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) أم أنثييهما ونصب الذكرين والأنثيين بحرم (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أو ما حملت إناث الجنسين ذكرا كان أو أنثى (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) بأمر معلوم يدل على أن الله تعالى حرم شيئا من ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعوى التحريم عليه.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١٤٤)

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) كما سبق والمعنى إنكار أن الله حرم شيئا من الأجناس الأربعة ذكرا كان أو أنثى أو ما تحمل إناثها ردا عليهم ، فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة أخرى وأولادها كيف كانت تارة زاعمين أن الله حرمها. (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) بل أكنتم شاهدين حاضرين. (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) حين وصاكم بهذا التحريم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلا المشاهدة والسماع. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه تحريم ما لم يحرم ، والمراد كبراؤهم المقررون لذلك ، أو عمرو بن لحي بن قمعة المؤسس لذلك. (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٤٥)

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) أي في القرآن ، أو فيما أوحي إليّ مطلقا ، وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى. (مُحَرَّماً) طعاما محرما. (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) أن يكون الطعام ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة تكون بالتاء لتأنيث الخبر ، وقرأ ابن عامر بالياء ، ورفع (مَيْتَةً) على أن كان هي

١٨٦

التامة وقوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) عطف على أن مع ما في حيزه أي : إلا وجود ميتة أو دما مسفوحا ، أي مصبوبا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال. (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فإن الخنزير أو لحمه قذر لتعوده أكل النجاسة أو خبيث مخبث (أَوْ فِسْقاً) عطف على لحم خنزير. وما بينهما اعتراض للتعليل. (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله في الفسق ، ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له من أهل وهو عطف على يكون والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون. (فَمَنِ اضْطُرَّ) فمن دعته الضرورة. إلى تناول شيء من ذلك (غَيْرَ باغٍ) على مضطر مثله (وَلا عادٍ) قدر الضرورة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يؤاخذه ، والآية محكمة لأنها تدلّ على أنه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرما غير هذه ، وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء آخر فلا يصح الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء غيرها إلا مع الاستصحاب.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)(١٤٧)

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كل ماله إصبع كالإبل والسباع والطيور. وقيل كل ذي مخلب وحافر وسمي الحافر ظفرا مجازا ولعل المسبب عن الظلم تعميم التحريم. (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) الثروب وشحوم الكلى والإضافة لزيادة الربط. (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) إلا ما علقت بظهورهما. (أَوِ الْحَوايا) أو ما اشتمل على الأمعاء جمع حاوية ، أو حاوياء كقاصعاء وقواصع ، أو حوية كسفينة وسفائن. وقيل هو عطف على شحومهما وأو بمعنى الواو. (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) هو شحم الإلية لاتصالها بالعصعص. (ذلِكَ) التحريم أو الجزاء. (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم. (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في الإخبار أو الوعد والوعيد.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بإمهاله فإنه لا يهمل. (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) حين ينزل ، أو ذو رحمة واسعة على المطيعين وذو بأس شديد على المجرمين ، فأقام مقامه ولا يرد بأسه لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة على أنه لازب بهم لا يمكن رده عنهم.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ)(١٤٨)

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إخبار عن مستقبل ووقوع مخبره يدل على إعجازه. (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أي لو شاء خلاف ذلك مشيئة ارتضاه كقوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) لما فعلنا نحن ولا آباؤنا ، أرادوا بذلك أنهم على الحق المشروع المرضي عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله إياها منهم حتى ينهض ذمهم به دليلا للمعتزلة ويؤيده ذلك قوله : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل هذا التكذيب لك في أن الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه كذب الذين من قبلهم الرسل ، وعطف آباؤنا على الضمير في أشركنا من غير تأكيد للفصل بلا. (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم. (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) من أمر معلوم يصح الاحتجاج به. على ما زعمتم. (فَتُخْرِجُوهُ لَنا)

١٨٧

فتظهروه لنا. (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ما تتبعون في ذلك إلا الظن. (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تكذبون على الله سبحانه وتعالى ، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن سيما في الأصول ، ولعل ذلك حيث يعارضه قاطع إذ الآية فيه.

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(١٥٠)

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات ، أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه وهي من الحج بمعنى القصد كأنها تقصد إثبات الحكم وتطلبه. (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم وضلال آخرين.

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) أحضروهم ، وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنث ويجمع عند بني تميم وأصله عند البصريين : ها لم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنه الأصل ، وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام ، وهو بعيد لأن هل لا تدخل الأمر ويكون متعديا كما في الآية ولازما كقوله هلم إلينا. (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ، ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم. (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) فلا تصدقهم فيه وبين لهم فساده فإن تسلميه موافقة لهم في الشهادة الباطلة. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير ، وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقا بها. (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كعبدة الأوثان. (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) يجعلون له عديلا.

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٥١)

(قُلْ تَعالَوْا) أمر من التعالي وأصله أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل فاتسع فيه بالتعميم. (أَتْلُ) أقرأ. (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) منصوب بأتل وما تحتمل الخبرية والمصدرية ، ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول (أَتْلُ) لأنه بمعنى أقل ، فكأنه قيل أتل أي شيء حرم ربكم (عَلَيْكُمْ) متعلق ب (حَرَّمَ) أو (أَتْلُ). (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) أي لا تشركوا به ليصح عطف الأمر عليه ، ولا يمنعه تعليق الفعل المفسر ب (ما حَرَّمَ) ، فإن التحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها ومن جعل أن ناصبة فمحلها النصب بعليكم على أنه للإغراء ، أو البدل من (ما) أو من عائده المحذوف على أن لا زائدة والجر بتقدير اللام ، أو الرفع على تقدير المتلو أن لا تشركوا أو المحرم أن تشركوا. (شَيْئاً) يحتمل المصدر والمفعول. (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأحسنوا بهما إحسانا وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما. (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) من أجل فقر ومن خشيته. كقوله : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه. (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) كبائر الذنوب أو الزنا. (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) بدل منه وهو مثل قوله (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ)(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن. (ذلِكُمْ) إشارة إلى

١٨٨

ما ذكر مفصلا. (وَصَّاكُمْ بِهِ) بحفظه. (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ترشدون فإن كمال العقل هو الرشد.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١٥٢)

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بالفعلة التي هي أحسن ما يفعل بماله كحفظه وتثميره. (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) حتى يصير بالغا ، وهو جمع شدة كنعمة وأنعم أو شد كصر وأصر وقيل مفرد كأنك. (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل والتسوية. (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا يعسر عليها ، وذكره عقيب الأمر معناه أن إيفاء الحق عسر عليكم فعليكم بما في وسعكم وما وراءه معفو عنكم. (وَإِذا قُلْتُمْ) في حكومة ونحوها. (فَاعْدِلُوا) فيه. (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم. (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع. (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون به ، وقرأ حمزة وحفص والكسائي (تَذَكَّرُونَ) بتخفيف الذال حيث وقع إذا كان بالتاء والباقون بتشديدها.

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٥٣)

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائي إن بالكسر على الاستئناف ، وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف. وقرأ الباقون بها مشددة بتقدير اللام على أنه علة لقوله. (فَاتَّبِعُوهُ) وقرأ ابن عامر (صِراطِي) بفتح الياء ، وقرئ «وهذا صراطي» «وهذا صراط ربكم» «وهذا صراط ربك». (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الأديان المختلفة أو الطرق التابعة للهوى ، فإن مقتضى الحجة واحد ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات. (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) فتفرقكم وتزيلكم. (عَنْ سَبِيلِهِ) الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان. (ذلِكُمْ) الاتباع. (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الضلال والتفرق عن الحق.

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(١٥٤)

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) عطف على (وَصَّاكُمْ) ، وثم للتراخي في الإخبار أو للتفاوت في الرتبة كأنه قيل : ذلكم وصاكم به قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك انا (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ). (تَماماً) للكرامة والنعمة. (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) على كل من أحسن القيام به ، ويؤيده إن قرئ «على الذين أحسنوا» أو «على الذي أحسن تبليغه» وهو موسى عليه أفضل الصلاة والسلام ، أو «تماما على ما أحسنه» أي أجاده من العلم والتشريع أي زيادة على علمه إتماما له. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي «على الذي هو أحسن» أو على الوجه الذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب. (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه في الدين ، وهو عطف على تمام ونصبهما يحتمل العلة والحال والمصدر. (وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ) لعل بني إسرائيل. (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي بلقائه للجزاء.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى

١٨٩

طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ)(١٥٦)

(وَهذا كِتابٌ) يعني القرآن. (أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كثير النفع. (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بواسطة اتباعه وهو العمل بما فيه.

(أَنْ تَقُولُوا) كراهة أن تقولوا علة لأنزلناه. (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) اليهود والنصارى ، ولعل الاختصاص في (إِنَّما) لأن الباقي المشهور حينئذ من الكتب السماوية لم يكن غير كتبهم. (وَإِنْ كُنَّا) إن هي المخففة من الثقيلة ولذلك دخلت اللام الفارقة في خبر كان أي وإنه كنا. (عَنْ دِراسَتِهِمْ) قراءتهم ، (لَغافِلِينَ) لا ندري ما هي ، أو لا نعرف مثلها.

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ)(١٥٧)

(أَوْ تَقُولُوا) عطف على الأول. (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والأشعار والخطب على أنا أميون. (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) حجة واضحة تعرفونها. (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) لمن تأمل فيه وعمل به. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد أن عرف صحتها أو تمكن من معرفتها. (وَصَدَفَ) أعرض أو صد. (عَنْها) فضل أو أضل. (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) شدته. (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) بإعراضهم أو صدهم.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(١٥٨)

(هَلْ يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظرون يعني أهل مكة ، وهم ما كانوا منتظرين لذلك ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين. (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) ملائكة الموت أو العذاب. وقرأ حمزة والكسائي بالياء هنا وفي «النحل». (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي أمره بالعذاب ، أو كل آية يعني آيات القيامة والهلاك الكلي لقوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) يعني أشراط الساعة وعن حذيفة بن اليمان والبراء بن عازب : (كنا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما تذاكرون؟ قلنا : نتذاكر الساعة ، قال : «إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ، ودابة الأرض ، وخسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ، والدجال ، وطلوع الشمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، ونارا تخرج من عدن). (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) كالمحتضر إذ صار الأمر عيانا والإيمان برهاني. وقرئ «تنفع» بالتاء لإضافة الإيمان إلى ضمير المؤنث. (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة نفسا. (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) عطف على (آمَنَتْ) والمعنى : أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا ، وهو دليل لمن لم يعتبر الإيمان المجرد عن العمل وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم ، وحمل الترديد على اشتراط النفع بأحد الأمرين على معنى لا ينفع نفسا خلت عنها إيمانها ، والعطف على لم تكن بمعنى لا ينفع نفسا إيمانها الذي أحدثته حينئذ وإن كسبت فيه خيرا. (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) وعيد لهم ، أي : انتظروا إتيان أحد الثلاثة فإنا منتظرون له وحينئذ لنا الفوز وعليكم الويل.

١٩٠

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١٦٠)

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بددوه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، أو افترقوا فيه قال عليه الصلاة والسلام : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة». وقرأ حمزة والكسائي «فارقوا» أي باينوا. (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا تشيع كل فرقة إماما. (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم ، أو من عقابهم ، أو أنت بريء منهم. وقيل هو نهي عن التعرض لهم وهو منسوخ بآية السيف. (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يتولى جزاءهم. (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) بالعقاب.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي عشر حسنات أمثالها فضلا من الله. وقرأ يعقوب «عشرة» بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف. وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل : المراد بالعشر الكثرة دون العدد. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) قضية للعدل. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثواب وزيادة العقاب.

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١٦١)

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج. (دِيناً) بدل من محل إلى صراط إذ المعنى ، هداني صراطا كقوله : (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أو مفعول فعل مضمر دل عليه الملفوظ. (قِيَماً) فيعل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من المستقيم باعتبار الزنة والمستقيم باعتبار الصيغة. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (قِيَماً) على أنه مصدر نعت به وكان قياسه قوما كعوض فاعل لإعلال فعله كالقيام. (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لدينا. (حَنِيفاً) حال من إبراهيم. (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف عليه.

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣)

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) عبادتي كلها ، أو قرباني أو حجي. (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة ، أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير ، أو الحياة والممات أنفسهما. وقرأ نافع (مَحْيايَ) بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف. (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) خالصة له لا أشرك فيها غيرا. (وَبِذلِكَ) القول أو الإخلاص. (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(١٦٤)

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) فأشركه في عبادتي وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم. (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) حال في موضع العلة للإنكار والدليل له أي وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية. (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) فلا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه من ذلك. (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) جواب عن قولهم : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ). (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة. (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما

١٩١

كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) بتبيين الرشد من الغي وتمييز المحق من المبطل.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٦٥)

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) يخلف بعضكم بعضا ، أو خلفاء الله في أرضه تتصرفون فيها على أن الخطاب عام ، أو خلفاء الأمم السالفة على أن الخطاب للمؤمنين. (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) في الشرف والغنى. (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من الجاه والمال. (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) لأن ما هو آت قريب أو لأنه يسرع إذا أراده. (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وصف العقاب ولم يضفه إلى نفسه ، ووصف ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة ، وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة تنبيها على أنه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها كثير العقوبة مسامح فيها. عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنزلت عليّ سورة الأنعام جملة واحدة ، يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد ، فمن قرأ الأنعام صلّى عليه واستغفر له أولئك السبعون ألف ملك بعدد كل آية من سورة الأنعام يوما وليلة».

تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء

الثاني من تفسير البيضاوي في مطابع دار إحياء

التراث العربي بيروت الزاهرة ، أدامها الله لطبع

المزيد من الكتب النافعة ، ويليه الجزء الثالث

وأوله سورة الأعراف ، وآخر دعوانا أن الحمد لله

رب العالمين

١٩٢

محتوى الجزء الثاني من تفسير البيضاوي

سورة آل عمران.................................................................. ٥

بيان إثبات علمه تعالى بالجزئيّات على وجه جزئيّ حتى على مذهب الفلاسفة............. ٦

بيان معنى المحكم والمتشابه......................................................... ٦

بيان الرّدّ على تشبّث النّصارى بانتقال اقنوم العلم إلى المسيح........................... ٦

بيان صدق وعد الله نبيه بقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) بما حصل ببدر وخيبر...... ٧

بيان معنى كون رضوان الله أكبر وما هو المراد بالرّضوان................................. ٨

بيان معنى شهادة الله بأنه لا إله إلّا هو.............................................. ٩

بيان الفرق بين التوحيد والإيمان والإسلام............................................ ٩

بيان أن أوّل راية ترفع يوم القيامة راية اليهود ثم يفضحون............................ ١١

بيان ما ظهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق من الآيات...................................... ١٢

بيان نسب موسى ومريم عليهما‌السلام.................................................. ١٣

بيان معنى مسّ الشيطان للمولود حين وضعه....................................... ١٤

بيان تكليم الملائكة لمريم وأنه لم تنبأ امرأة........................................... ١٦

بيان المسيح وأصل معناه......................................................... ١٧

بيان معنى النسخ وأنّ شريعة المسيح فيها نسخ لما في التوراة............................ ١٨

بيان معنى قوله تعالى لعيسى عليه‌السلام (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) وما ذهبت إليه النصارى في ذلك... ١٩

بيان المجادلة التي حصلت بين النبي وأساقف نجران ومعنى المباهلة...................... ٢٠

بيان تنازع اليهود والنصارى في إبراهيم عليه‌السلام........................................ ٢١

بيان كون إبراهيم عليه‌السلام للمسلمين اختصاص باتباعه........................... ٢٢

بيان أنّ اليهود كانت تزعم أنّ أموال المسلمين كانت مباحة لهم في كتابهم.............. ٢٣

بيان أن الإسلام هو دين الفطرة وأنّ الطالب لغيره واقع في الخسران.................... ٢٦

بيان أن أوّل بيت وضع للناس المسجد الحرام ومن بناه............................... ٢٩

بيان أن الأمر بالمعروف فرض كفاية وذكر شروطه................................... ٣١

بيان كون هذه الأمة خير الأمم والاستدلال على كون الإجماع حجة................... ٣٣

بيان ما حصل قبل غزوة أحد من استشارة النبيّ لأصحابه............................ ٣٦

بيان ما حصل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة أحد من جرحه وكسر رباعيته وغير ذلك............. ٤١

بيان ما حصل للمسلمين من النّصر بأحد وأسباب انهزامهم بعد ذلك.................. ٤٣

بيان الأمر بالمشاورة............................................................. ٤٥

١٩٣

بيان أن الإنسان غير الهيكل المحسوس وأنه جوهر مدرك بذاته......................... ٤٨

بيان أن الإيمان يزيد وينقص...................................................... ٤٩

بيان أن الأنبياء لا يطلعون على الغيب إلّا بإعلام الله لهم............................ ٥١

بيان أن المعجزات جميعها توجب الإيمان وأن اليهود كذبوا في دعواهم التخصيص........ ٥٢

بيان أن الاستدلال على وجود الباري طريقة تغير العالم............................... ٥٤

تفسير سورة النساء.............................................................. ٥٨

بيان ما قيل في القراءات السبع من أن كلّ حرف منها منقول بالتواتر أم لا؟............. ٥٨

بيان ما قيل في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) الآية وتحقيق ذلك من جهة العربية ٥٩

بيان أن الشخص لا ينبغي له أن يعطي ما في يديه من المال لأهله يقعد ناظرا لما أعطاهم. ٦٠

بيان أن الإنسان الوصي يلزمه أن يحب لمن تحت رعايته ما يحبّه لبنيه................... ٦١

بيان معنى الكلالة.............................................................. ٦٣

بيان أن التوبة تقبل قبل الموت.................................................... ٦٥

بيان محرمات النكاح وأن الربيبة لا تحرم إلّا بالدخول بأمها............................ ٦٧

بيان عدم جواز نكاح الأمة إلّا بشروط وبيانها...................................... ٦٩

بيان أن ثمان آيات في النساء هنّ خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس............... ٧٠

بيان الكبائر والاختلاف فيها..................................................... ٧١

بيان الميراث بالمخالفة ونسخه..................................................... ٧٢

بيان الحكم الذي يكون من أهل الرجل والمرأة في الشقاق ووظيفته..................... ٧٣

بيان أن الإسراف مذموم كالبخل................................................. ٧٤

بيان أن الإنسان إن دعي لأمر لا ضرر فيه ينبغي له الإجابة......................... ٧٤

بيان الاحتجاج على المعتزلة والخوارج في منعهم جواز غفران الذنوب.................... ٧٨

بيان أن البخل والحسد شرّ الرذائل وأن بينهما تلازما وتجاذبا.......................... ٧٩

بيان أن الناس مأمورون بطاعة الأمراء إذا حكموا بالعدل............................. ٨٠

بيان أن المرضي عليهم من الناس أربعة ، وبيان ما تميز به كل فريق..................... ٨٢

بيان أن كل ما أصاب من بليّة فمن ذنب.......................................... ٨٦

بيان معنى سلامة القرآن من الاختلاف............................................ ٨٦

بيان المواضع التي لا يستحسن فيها السلام......................................... ٨٨

بيان القتل الخطأ وديته.......................................................... ٩٠

بيان الدليل على صحة إيمان المكره وأنّ المجتهد يخطئ وأن خطأه مغتفر................. ٩١

بيان قصر الصلاة ولو في سفر فيه أمن............................................ ٩٣

بيان صلاة الخوف.............................................................. ٩٣

بيان حكم من فعل العبادة لغرض شرعيّ ودنيويّ................................... ٩٦

١٩٤

بيان الخلة وكيف اتّخذ الله إبراهيم خليلا............................................ ٩٩

بيان ما كانت العرب تفعله مع النساء وصغار الولدان من أكل حقوقهن.............. ١٠٠

بيان ما يجب على الشاهد من إقامة الحق......................................... ١٠٢

بيان السبب في تغليظ عذاب المنافق وبيان النفاق الموجب للكفر.................... ١٠٥

بيان ما فعلته اليهود مع المسيح وكيف رفعه الله.................................... ١٠٧

بيان نزول المسيح آخر الدنيا وإيمان كل العالم به................................... ١٠٧

بيان أن بعثة الأنبياء من ضروريات مصالح الخلق................................... ١٠٩

بيان أن النظريات ضروريات للملائكة............................................ ١١٠

تفسير سورة المائدة............................................................ ١١٣

بيان ما كانت تفعله الجاهلية من الاستقسام بالأزلام............................... ١١٤

بيان الطيبات التي أحلّ أكلها................................................... ١١٥

بيان أن المائدة من آخر القرآن نزولا وأنه لا نسخ فيها.............................. ١١٦

بيان أنّ العدل ولو مع الكفار مقتضى التقوى وأن الجور مقتضى الهوى............... ١١٨

بيان ما ذهب إليه بعض فرق النّصارى من قولهم المسيح هو الله..................... ١٢٠

بيان المدّة والأنبياء بين موسى وعيسى وبين عيسى ومحمد عليهم‌السلام..................... ١٢١

بيان أن موسى عليه‌السلام مات بالتيه أو بعده.................................... ١٢٢

في بيان حدود قطّاع الطريق من المسلمين......................................... ١٢٥

في بيان تحريف اليهود......................................................... ١٢٧

في بيان كفر من لم يحكم بما أنزل الله............................................ ١٢٨

في بيان النهي عن موالاة الكفّار................................................. ١٣٠

بيان الفرق التي ارتدت من العرب في أواخر حياة رسول الله.......................... ١٣١

بيان أن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه........................................ ١٣٥

بيان المائدة التي نزلت من السماء وكلام بعض الصوفية فيها......................... ١٥٠

تفسير سورة الأنعام............................................................ ١٥٣

بيان من طلبت قريش إبعادهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليجالسوه ونهي الله له عن ذلك......... ١٦٣

بيان الخلاف في أبي سيدنا إبراهيم............................................... ١٦٩

بيان ما يعتقده المشركون في الجن من الشركة....................................... ١٧٥

بيان الأمر بالتسمية عند الذّبح................................................. ١٨٠

بيان ما كانت تفعله الجاهلية من القسمة لشركائهم في الزرع والأنعام.................. ١٨٤

بيان ما حرّم على بني إسرائيل من الشحوم وغيرها................................. ١٨٧

بيان التفرق في الدين وأنه سنّة قديمة............................................. ١٩١

١٩٥