أرض من هذه البادية بقرب الفرات ما بين الرقة وبالس ، وهو الموضع الذي كانت به حرب معاوية وعلىّ صلوات الله عليه ، والحرب تنسب إليها ، ورأيت هذا الموضع من بعد ، وأخبرنى من رأى به قبر عمّار بن ياسر رضى الله عنه ، وبيت المال الذي كان يجمع فيه الفىء لعلى بن أبى طالب صلوات الله عليه.
وأما بادية الشام فإنها ديار لفزارة ولخم وجذام وبلىّ وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر ، وأكثرها يمن ، والرمل المذكور بالحجاز هو الرمل الذي عرضه من الشقوق إلى الأجفر ، وطوله من وراء جبلى طيّىء إلى أن يتّصل مشرقا بالبحر ، وهو رمل أصفر ليّن اللمس ، يكاد بعضه يحكى الغبار.
وأما تهامة فإنّها قطعة من اليمن وهى جبال مشتبكة ، أولها مشرف على بحر القلزم ، مما يلى غربيّها ، وشرقيّها بناحية صعدة وجرش ونجران ، وشماليتها حدود مكة ، وجنوبيها من صنعاء على نحو من عشر مراحل ، وقد صورت جبال تهامة فى صورة ديار العرب ؛ وبلاد خيوان تشتمل على قرى ومزارع ومياه معمورة بأهلها ، وهى مفترشة وبها أصناف من قبائل اليمن ، ونجران وجرش مدينتان متقاربتان فى الكبر بهما نخيل ، ويشتملان على أحياء من اليمن كثيرة ، وصعدة أكبر وأعمر منهما ، وبها يتخذ ما كان يتخذ بصنعاء من الأدم ، ويتّخذ بنجران وجرش والطائف أدم كثير ، غير أن أكثر ذلك يرتفع من صعدة ، وبها مجتمع التجار والأموال ، والحسنىّ المعروف بالزيدى بها مقيم ، وليس بجميع اليمن مدينة أكبر ولا أكثر أهلا ومرافق من صنعاء ، وبلغنى أنها من اعتدال الهواء بحيث لا يتحوّل الإنسان عن مكان واحد شتاء وصيفا عمره ، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف ، وبها كانت ديار ملوك اليمن فيما تقدّم ، وبها بناء عظيم قد خرب ، فهو تلّ عظيم يعرف بغمدان كان قصرا لملوك اليمن ، وليس باليمن بناء أرفع منه. والمذيخرة جبل للجعفرى ، بلغنى أن أعلاه نحو عشرين فرسخا ، فيها مزارع ومياه ونباتها الورس (١) ، وهو منيع لا يسلك إلا من طريق واحد حتى تغلب عليه القرمطىّ ، الذي كان خرج باليمن يعرف بمحمد بن الفضل ، وشبام جبل منيع جدا فيه قرى ومزارع وسكان كثيرة ، وهو مشهور من جبال اليمن. ويرتفع من اليمن العقيق والجزع ، وهما حجران إذا حكّا خرج منهما الجزع والعقيق ، لأن وجه الحجر كالغشاء ، وبلغى أنهما يكونان فى صحارى فيها حصى فيلتقط من بين الحجارة. وعدن مدينة صغيرة ، وإنما شهرتها لأنها فرضة على البحر ، ينزلها السائرون فى البحر ، وبها معادن اللؤلؤ. وباليمن مدن كثيرة هى أكبر منها وليست بمشهورة. وبلاد الإباضية بقرب خيوان ، وهى أعمر بلاد تلك النواحى مخاليف ومزارع وأغزرها مياها ، وحضرموت فى شرقى عدن بقرب البحر ، وبها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف ، وحضرموت فى نفسها مدينة صغيرة ولها أعمال عريضة ، وبها قبر هود النبي عليهالسلام ، وبقرمها بلهوت بئر عميقة لا يكاد يستطيع أحد أن ينزل
__________________
(١) نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه العمرة للوجه ؛ وهو يستخدم فى الصباغة أيضا قال صاحب اللسان ورست الثوب صبغته بالورس (اللسان).