ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-387-1
الصفحات: ٣٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

لحال سبيلهم ، دون أن يقولوا شيئا سوى : «يا الله ، يا كريم». الشحاذون اليمنيون أو المكيون ليسوا على هذه الشاكلة ، وإنما يصيحون قائلين : «أفهم واجب الحاج ، الله سبحانه وتعالى لا يحب أصحاب القلوب الباردة ، هل ترفض نعم المؤمنين؟ أعط ، وسيعطيك الله ، وهكذا يخاطب الشحاذون اليمنيون والشحاذون المكيون الناس بهذه الجمل والعبارات ، وبعد أن يحصلوا على الصدقة ، مثلما كان يفعل مزورى (دليلى) يقولون : «الله سبحانه وتعالى هو الذى يعطينى وليس أنت». بعض هؤلاء الشحاذين منتهزين للفرص تماما ويطلبون الصدقات كما لو كانت لهم حقا معلوما. عندما كنت فى جدة ، كان شحاذ يمنى يصعد المئذنه كل يوم ، بعد صلاة الظهر ، وينادى بأعلى صوته ، لكى يسمعه الناس فى سائر أنحاء السوق وهو يقول : «طالب من الله ، خمسين دولارا ، وطقم من الملابس ونسخة من القرآن ، اسمعونى ، يا مؤمنين ، أسألكم أن تعطونى خمسين دولارا ، راح ذلك الشحاذ اليمنى يكرر هذا الطلب على امتداد أسابيع عدة ، عندما استرعى ذلك الرجاء انتباه أحد الحجاج الأتراك ، وطلب منه أن يأخذ ثلاثين دولارا ، ويتوقف عن تكرار هذا النداء ، الذى كان يلحق العار بإحسان الحجاج الموجودين ويسىء إليهم. رد الشحاذ قائلا : «لا ، لن آخذ الثلاثين دولارا ، لأنى على قناعة أن الله سبحانه وتعالى سيعيطنى كل ما أطلبه». وبعد أن راح ذلك الشحاذ اليمنى يكرر نداءه على امتداد بضعة أيام ، أعطاه الحاج التركى مبلغ الخمسين دولارا التى كان يطلبها ، لكن الشحاذ لم يشكر له هذا المعروف. ولقد سمعت الناس وهم يتعجبون بعد الصلاة فى المسجد الحرام ويقولون : «يا إخوان ، يا مؤمنين ، اسمعونى! أطلب من الله عشرين دولارا ، أجرة عودتى إلى بلدى ، عشرين دولارا لا غير. أنتم تعلمون أن الله كريم ، وقادر على أن يعطينى مائة دولار ، ولكنى لا أطلب سوى عشرين دولارا فقط. لا تنسوا أن الإحسان هو الطريق الموصل إلى الجنة». وليس هناك من شك فى أن هذه الممارسات تكلل بالنجاح فى بعض الأحيان.

لكن العلم والتعليم لا يمكن أن يزدهر فى مكان الشغل الشاغل للعقول فيه هو المكاسب أو الجنة ، وأنا أرى أن لدىّ من الأسباب الكثير الذى يجعلنى أؤكد أن مكة فى

٢٦١

الوقت الراهن ، أقل بكثير فى التعليم الإسلامى ، من بلدان أخرى مماثلة لها فى السكان كما هو الحال فى كل من سوريا أو مصر. الأرجح أن مكة لم تكن كذلك عندما جرى فيها بناء الكثير من المدارس العامة ، التى حولها الناس حاليا إلى مساكن خاصة للحجاج. يقول الناس : إن مكة ، فى زمنه ، كانت تحتوى على إحدى عشرة مدرسة إضافة إلى بعض الأربطة ، أو المدارس الأقل قليلا من ذلك ، والتى كانت تشتمل هى الأخرى على مساكن لفقراء الحجاج ، ولا تزال هناك بعض الأربطة فى المنطقة المجاورة للمسجد الحرام ، لكن هذه الأربطة لا تستعمل إلا مجرد مساكن للحجاج. والمدينة ليس فيها مدرسة عامة واحدة ، يجرى فيها إلقاء المحاضرات ، كما هو الحال فى الأجزاء الأخرى من تركيا ، وبيت الله (المسجد الحرام) هو المكان الوحيد الذى يوجد فيه العلماء الشرقيون. يضاف إلى ذلك ، أن المدارس التى يجرى فيها تعليم الصبية القراءة والكتابة تنعقد ـ كما سبق أن قلت ـ فى المسجد الحرام ، حيث يقوم بعض العلماء عقب الصلاة مباشرة بتفسير قلة قليلة من الكتب الدينية وشرحها لجمهور صغير جدا من الناس ، يتكون فى أساسه من الهنود ، وبعض سكان الملايو ، وبعض الزنوج ، وقلة قليلة من مواطنى حضرموت واليمن الذين جذبهم وشدهم اسم مكة ، فبقوا فيها سنوات قليلة ، إلى أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم بعد أن يتسلحوا بالعلم على نحو يتمكنون معه من نشر العلم الذى تعلموه فى بلادهم. والمكيون الذين يودون الاستزادة من العلم يسافرون إلى دمشق أو القاهرة. ونحن نصادف الكثيرين منهم فى القاهرة لأنهم يدرسون فى الأزهر الشريف.

المسجد الحرام ليس له مكتبة عامة ، والمكتبات القديمة التى سبق الحديث عنها ، اختفت جميعها. كاتب الحرم لديه مجموعة صغيرة من الكتب المملوكة أصلا للمسجد الحرام ، لكنها تعد حاليا ملكا خاصا لهذا الكاتب ، والكتب لا يمكن استعارتها بسهولة. الأزهر فى القاهرة شىء مختلف تماما. كل رواق من أروقة الأزهر ، والمخصصة لمختلف الأمم الإسلامية (وقد بلغ عدد هذه الأروقة فى الوقت الراهن ستة وعشرين رواقا) له أو ملحق به مكتبة خاصة ، وأعضاء الرواق لهم مطلق الحرية فى أخذ الكتب من تلك المكتبة لكى يستعينوا بها فى دراساتهم وأبحاثهم. مكة تفتقر أيضا إلى المكتبات

٢٦٢

الخاصة ، باستثناء مكتبات الأثرياء من التجار ، الذين يعرضون بعض الكتب التى تميزهم عن عامة الناس ، أو مكتبات العلماء ، الذين يمتلك البعض منهم كتبا يرجعون إليها يوميا فيما يتعلق بالأمور الشرعية.

نقلا عن بعض التقارير ، قام الوهابيون بنقل أحمال كثيرة من الكتب ، لكن يقال إن الوهابيين دفعوا أثمان كل هذه الكتب التى أخذوها ، ومن غير المرجح أن يكون الوهابيون نقلوا مكتبات مكة كلها ، وقد حاولت ، دون جدوى ، اكتشاف أية مجموعة من الكتب. وأنا لم أعثر على محل واحد لبيع الكتب فى مكة ، ولم أعثر أيضا على مجلّد واحد من مجلّدى الكتب. بعد عودة الحج من عرفة يقوم بعض العلماء بعرض بعض الكتب للبيع فى المسجد الحرام ، بالقرب من باب السلام. كل الكتب التى شاهدتها كانت عن الشريعة ، ومصاحف وتفاسير وشروح ، ومؤلفات أخرى من هذا القبيل مع بعض الكتب الخاصة بالنحو والقواعد ، وعلى الرغم من المصاعب التى واجهتها فى هذا الصدد ، لم تقع عينى على أى كتاب من كتب التاريخ الخاصة بمكة ، على الرغم من عدم معرفة المكيين لأسماء هؤلاء المؤرخين. قالوا لى : إن تجار الكتب كانوا يأتون إلى مكة أثناء موسم الحج قادمين من اليمن ، وكانوا يبيعون كتبا قيمة ، أحضروها أصلا من صنعاء ولوهيا الكتاب الجيد الوحيد الذى رأيته فى مكة كان نسخة جيدة من المعجم العربى الذى يسمونه القاموس ، وقد اشتراه واحد من أهل الملايو نظير ستمائة وعشرين قرشا ، فى القاهرة يمكن شراء هذا الكتاب بنصف هذا الثمن. كان هناك عدد كبير من الحجاج يبحثون عن الكتب ، وكانوا على استعداد لدفع أثمان مرضية نظير هذه الكتب ، وقد كانت مفاجأة لى أن أجد أن المكيين لا يعنون بهذه التجارة ، التى لا تبدو لهم رابحة مثل تجارة البن والسلع الهندية. وأنا شخصيا كنت جد آسف على افتقارى إلى الكتب وبخاصة الكتب المتعلقة بتاريخ مكة ومؤرخى مكة ، وبخاصة أنى كنت قد تركت هذه الكتب فى القاهرة ، لو كانت تلك الكتب بحوزتى لسهلت لى القيام بكثير من التحريات عن النواحى الطبوغرافية ، التى تناولها الأزرقى باستفاضة واهتمام كبير.

٢٦٣

حجاج فارس وكذلك حجاج الملايو هم الذين يبحثون عن الكتب ، يقال إن الوهابيين بصفة خاصة هم الأكثر بحثا عن الكتب التاريخية ، هذه الملاحظة سمعتها تتردد مرارا فى المدينة المنورة. أثناء مقامى فى دمشق ، التى تعد أغنى الأسواق من حيث الكتب فى الشرق كله ، كما أنها تعد الأرخص من حيث أسعار الكتب نظرا لعدم تردد الأوروبيين عليها بصورة متكررة ، وقد بلغنى أن كثيرا من عرب بغداد ، الذين جرى تكليفهم سرا من قبل سعود ـ الرئيس الوهابى ـ قاموا بشراء الكثير من المؤلفات التاريخية ، وعندما قام أبو نقطة بتخريب موانئ اليمن ، قام بنقل عدد كبير من الكتب ، التى أرسلها إلى الدرعية.

يمكن أن نعزو ندرة الكتب القيمة فى مكة إلى تواصل شراء الحجاج للكتب ، وربما كان ذلك راجعا أيضا إلى ندرة النساخ فى مكة حتى يمكن استعواض الكتب التى يجرى تصديرها (*). مسألة النقص فى عدد النساخ هذه موجودة أيضا فى كل من سوريا ومصر ، الأمر الذى يمكن أن يؤدى فى نهاية المطاف إلى عجز كبير فى الكتب فى هذه البلاد ، إذا ما استمر تصدير هذه الكتب إلى أوروبا. يوجد فى القاهرة فى الوقت الراهن حوالى ثلاثة آلاف ناسخ أو ما يزيد على ذلك ، هؤلاء النساخ ينسخون الكتب بخط جيد ، أو لديهم معرفة وجيزة كافية تجنبهم الوقوع فى الأخطاء الجسيمة. فى مكة كان هناك رجل من لاهور ، كان يكتب خطا عربيا جميلا ، على الرغم من أنه كان لا يتحدث العربية جيدا. كان ذلك اللاهورى يجلس فى مكان قريب من باب السلام ، وكان ينسخ للحجاج الأدعية التى يدعون بها أثناء الحج. الخط الحجازى مختلف عن الخط المستعمل فى مصر أو سوريا ، لكن الأمر لا يحتاج إلا إلى شىء قليل من الممارسة وبعدها يتمكن المرء من قراءة ذلك الخط. عموما ، ليست بلدان الشرق كلها ، بل كل منطقة من مناطقه ، لها أسلوبها وطريقتها الخاصة فى الكتابة ، والممارسة وحدها كفيلة بجعل الناس يميزون هذه الطرق بعضها عن بعض. هناك بعض

__________________

(*) شاهدت فى القاهرة كتبا مكتوبة بالخط الحجازى ، وقد اشتريت بعضا من هذه الكتب.

٢٦٤

الاختلافات الطفيفة فى كتابات أهل حلب ، وكتابة أهل دمشق ، وكتابة عكا ، وفى مصر نجد أن الكتابة القاهرية يسهل تمييزها عن كتابة الوجه القبلى ، وكتابة المسلمين تختلف عن كتابة المسيحيين ، الذين يتعلمون الكتابة على أيدى القساوسة ، وليس على أيدى المدارس أو المدرسين الأتراك. أقباط مصر أيضا تختلف كتابتهم عن كتابة المسيحيين الآخرين المقيمين فى البلاد. الأشخاص الخبيرين ، يعرفون من عنوان الخطاب ، المنطقة والجنس الذى تنتمى إليه هذه الرسالة. لهجات كتابة الرسائل وأسلوبها يمكن تمييز بعضها عن بعض مثل الخطوط تماما ، وهذه الملاحظة تنطبق أيضا على تعبيرات التحية التى عادة ما تعج بها الرسائل. الأسلوب السورى هو أكثر الأساليب توردا ، ونجد هذه اللغة الوردية مستعملة أيضا فى خطابات ورسائل المال والأعمال ، أما أسلوب الحجاز فهو أسلوب بسيط ، ورجولى ويقترب جدا من صراحة البدو وتلقائيتهم ، ولا يرد فى الرسالة قبل الهدف منها سوى كلمات قليلة يسأل فيها مرسل الرسالة عن صحة المرسل إليه وأحواله. يضاف إلى ذلك أن كل بلد له أسلوبه وطريقته الخاصة فى طى الرسالة. فى الحجاز يجرى غلق الرسالة بالصمغ العربى ، ويجرى وضع إناء صغير مملوء بالصمغ المخفف بالقرب من بوابة أى منزل من المنازل الكبيرة أو أى خان من الخانات.

لا تزال لغة مكة أكثر نقاء ورونقا بغض النظر عن عدم اهتمام المكيين بالتعليم (*) ، هذا النقاء والرونق يتجلى على مستوى العبارة وعلى مستوى مخارج الألفاظ ونطقها ، وذلك على العكس من البلدان الأخرى الناطقة باللغة العربية. لغة مكة هى الأقرب إلى اللغة العربية المدونة القديمة ، وهى خالية من تكلفات المعنى الأصلى وتحريفاتها التى تكثر فى البلدان الأخرى ، وأنا لا أنظر إلى اللغة العربية باعتبار أنها مصابة بالانحطاط ، صحيح أنه لم يكن هناك شعراء يكتبون ويؤلفون مثل المتنبى ، أو أبى

__________________

(*) وأنا أشير هنا على سبيل المثال ، إلى إهمال التعليم فى مكة ، من خلال سؤال طرحته على اثنتى عشرة شخصية من الشخصيات المرموقة فى الحياة ، حول المكان الذى كانت تنعقد فيه سوق عكاظ ، ولم يعرف أى منهم مكان تلك السوق ، وما إذا كانت موجودة أم لا. عكاظ : هى المكان الذى كان الشعراء العرب ـ

٢٦٥

العلاء ، أو ابن الفارض ، وصحيح أيضا أن العرب لم يكن عندهم نثر جميل منساب. الشعراء المحدثون مكتفون بمحاكاة أساتذتهم القدامى ، ويقترضون منهم الاستعارات الجميلة ، والأفكار العاطفية الراقية التى فاضت بها صدور هؤلاء الأساتذة القدامى ، وذلك بدلا من اقتراضهم عن العلماء الحاليين ، لكن العلماء ما زالوا يدرسون اللغة إلى يومنا هذا دراسة عميقة ، ودراسة اللغة هى العلم الوحيد الذى يزجى فيه المسلم الحقيقى وقت فراغه ، بعد استكشاف متاهة الشريعة ، يزاد على ذلك أن دراسة اللغة تعد مطلبا لا غنى عنه فى التعليم الجيد ، لا من أجل تدوين اللغة تدوينا نقيا ، وإنما بدراسة وقراءة الشعراء القدامى ، وحفظ مؤلفاتهم أو قصائدهم الجيدة عن ظهر قلب. الباحثون العرب ينظرون إلى كتابهم العظام نظرة إعزاز وتقدير شأنهم فى ذلك شأن الأوروبيين فى نظرتهم إلى روائعهم القديمة. صحيح أن السواد الأعظم من سكان الشرق لا يكتبون أو يقرءون ، لكن من بين هؤلاء العارفين بالأدب ، قسم كبير يكتبون كتابات أنيقة ورائعة ، وذائعى الصيت على المستوى المحلى ، أكثر منه بين الطبقة نفسها فى أوروبا.

المكيون يكادون لا يدرسون شيئا غير اللغة والشريعة. بعض الصبية يتعلمون اللغة التركية بالقدر الذى يمكنهم من غش الحجاج العثمانيين وخداعهم ، وعلى النحو الذى يؤهل هؤلاء الصبية ـ فى عيون الحجاج العثمانيين ـ أن يكونوا مزورين وأدلة لهم فى موسم الحج. فلكى المسجد الحرام يتعلم التوقيتات الدقيقة لتحرك الشمس ، ويشغل نفسه فى بعض الأحيان بالفلك وطوالع النجوم. وهذا طبيب فارسى ، هو الوحيد من

__________________

ـ يلتقون فيه ، إلى أواخر عصر سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان من عادة هؤلاء الشعراء إلقاء قصائدهم على الجماهير التى كانت تتجمع فى تلك السوق الكبيرة. كان يجرى تعليق القصائد على جدران الكعبة ، ومن هنا جاءت تسمية القصائد السبع الشهيرة التى أطلقوا عليها اسم المعلقات السبع. وقد أبلغنى بدوى من هذيل أن عكاظ كانت فى ذلك الوقت مكانا مهدما فى بلاد بنى النصيرة ، التى تبعد سير يومين أو ثلاثة عن بلاد الطائف ، لكنى وجدت أن الفاسى يقول : إن عكاظ تبعد مسير يوم واحد عن الطائف ، وأنها توقفت عن كونها سوقا شعرية فى العام ١٢٩ الهجرى. والأزرقى يؤيد أنها كانت تبعد مسير يوم واحد عن الطائف ، على الطريق المؤدية إلى صنعاء فى اليمن ، وأنها كانت تنتمى إلى قبيلة بنى كنانة.

٢٦٦

نوعه ، الذى رأيته فى مكة ، لا يتعامل فى شىء سوى أنواع البلسم التى تحدث المعجزات والإكسيرات التى تحدث المعجزات أيضا ، محاليل هذا الطبيب كلها حلوة المذاق ومقبولة الطعم ، وهذا هو بخور العود ، وكذلك المسك اللذان ينشران ريحا طيبة فى دكان هذا الطبيب الأمر الذى زاد من شهرته وحسن سمعته. العرب يعشقون الموسيقى بشكل عام ، لكنها أقل ممارسة فى مكة عنها فى سوريا ومصر. وهم لا يملكون من الآلات الموسيقية سوى الربابة (التى هى نوع من الجيتار) ولديهم أيضا الناى ، ولديهم أيضا الطمبور ويصبح فيه أيضا الطمبورين. قلة قليلة من الأغانى ، هى التى يرددها الناس فى فترة المساء ، باستثناء ذلك الذى يحدث عند البدو على أطراف مدينة مكة. والأغنية الكورالية التى يسميها الناس هنا الجوق ، لا يرددها سوى الشبان أثناء الليل فى بعض الأحيان فى المقاهى ، ويكون أداء هذا الجوق بمصاحبة التصفيق بالأيدى. أصوات الحجازيين ليست من الأصوات السلسة وليست صافية أيضا ، وأنا لم أستمع إلى صوت من تلك الأصوات الرخيمة والعذبة التى تظهر وتتجلى بشكل واضح فى مصر ، وأكثر منها فى سوريا ، سواء أكان الغناء للحب ، أو التغنى بمدح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فوق المآذن ، والتى يكون لها تأثير طيب فى جوف الليل. يزاد على ذلك أن أئمة المسجد الحرام ، هم أولئك الذين يرددون الكلمات الأخيرة من كلام الإمام ، هؤلاء الرجال الذين يجرى اختبارهم فى الأماكن الأخرى ، فى ضوء جمال الصوت وعذوبته ، يتميزون هنا فى مكة بخشونة الصوت وجشاشته.

الشريف غالب لديه فرقة موسيقى عسكرية ، شبيهة بتلك الفرق الموسيقية التى لدى الباشوات ، هذه الفرقة مكونة من الطبول الشبيهة بالغلايات ، ومن الأبواق ، والنايات إلخ ، هذه الفرقة تقوم بالعزف مرتين يوميا أمام باب منزل الشريف ، كما تقوم بالعزف مدة ساعة تقريبا كل مساء مع ظهور الهلال الجديد.

الأفراح تحييها سيدات محترفات ، يغنين ويرقصن ، ويقال إن هؤلاء السيدات لهن أصوات عذبة ، وإنهن لا ينتمين إلى تلك الطبقة المنحلة التى تنتمى إليها المغنيات والراقصات الشعبيات فى كل من سوريا ومصر. يقول المكيون إن المغنيات كن يغنين

٢٦٧

قبل الغزو الوهابى ، فى الشوارع كل مساء ، لكن صرامة الوهابيين ، المتيمين بأغانيهم البدوية، لا تقر غناء النساء على الملأ ، بل إنهم قاموا بتدمير الأعمال الموسيقية كلها ، ومع ذلك قد يكون ذلك مجرد فكرة طائشة أو عابرة ، التى تسود فى كل من الشرق وأوروبا ، والتى مفادها أن الأزمان الماضية كانت أحسن من الأزمان الحاضرة من جميع النواحى.

السقائين sakas ، أو بالأحرى جالبى المياه ، ومعظمهم من الأجانب ، يترنمون بأغنية لها وقع طيب بسبب بساطتها من ناحية والغرض المستخدمة فيه من ناحية أخرى ، وقد جرت العادة أن يقوم الحجاج الأثرياء بشراء الماء الذى فى قربة السقاء ، عندما يهم هؤلاء الحجاج بمغادرة المسجد أثناء الليل ، ويطلبون إلى السقاء توزيع ذلك الماء مجانا على الفقراء. والسقاء عندما يصب الماء فى ذلك الكوب الخشبى الذى يتزود به كل فقير من الفقراء يقول متعجبا : «سبيل الله يا عطشان ، سبيل» ، ثم يبدأ فى التغنى بالأغنية التالية المكونة من ثلاث نغمات لم يسبق أن سمعتها من قبل والتى تقول :

Ed ـ djene wael moy fe za ta ly Saheb casn byl

 «الجنة وال موى فاذه لى صاحب السبيل «بمعنى» فلتكن الجنة والمغفرة مثوى لمن قدم لك هذا الماء!».

أنا لا يمكننى وصف حفلات الزواج فى مكة ، لأنى لم أحضر أيا منها لكنى رأيت العروس وهم ينقلونها إلى منزل زوجها ، وبصحبتها ، صديقاتها. الناس لا يستخدمون هنا كوشة أو موسيقى كما هو الحال فى مصر ، لكن الناس هنا يستعرضون الألبسة الفاخرة والأثاث الفاخر والولائم الفاخرة أيضا ، وهى تدوم طيلة أيام ثلاثة أو أربعة.

٢٦٨

عند عقد القران يجرى حمل المهر فى موكب من منزل العريس إلى منزل العروس ، ويجرى حمل المهر على كرسيين صغيرين بلا ظهر ، وملفوفين فى مفارش فاخرة ، ومغطيان بقطعة من القماش الحرير المطرز ، ويمشى أمام الشخصين اللذين يحملان هذين الكرسيين ، رجلان آخران ، يحمل كل منهما قارورة ماء ورد فى إحدى يديه ، ومبخرة فى اليد الأخرى ، يجرى فيها حرق كل أنواع الأخشاب المعطرة. ومن خلف هذين الرجلين يسير رهط كبير من أقارب العريس وأصدقائه ، وهم يرتدون أبهى ملابسهم. ويتردد مهر العذراوات فى الأوساط المكية المحترمة بين أربعين وثلاثمائة دولار ، وبين عشرة دولارات وعشرين دولارا فى الطبقات الفقيرة. وعادة ما يدفع نصف هذا المبلغ فقط ، ويبقى النصف الثانى فى حوزة الزوج ، ليدفعه عندما ينوى تطليق الزوجة.

حفلات الختان شبيهة بتلك التى تجرى فى القاهرة ، والطفل يرتدى بعد عملية الختان أبهى ملابسه ، ويجرى إركابه على حصان فخم مزين تزيينا حسنا ، ويجرى المرور به على شكل موكب يجوب أنحاء البلدة والطبول تقرع أمامه.

والجنائز هناك لا تختلف فى شىء عما يجرى فى مصر وسوريا.

أهل مكة ليست لديهم خيول كثيرة ، وأنا أعتقد أن عدد الخيول لا يزيد على ستين حصانا يقتنيها بعض الأفراد. والشريف لديه ما يتردد بين عشرين حصانا وثلاثين حصانا فى إسطبلاته ، لكن الشريف غالب لديه قطيع أكبر من ذلك. الأشراف العسكر لديهم بعض الأفراس ، لكن القسم الأكبر من تلك الأفراس كان مع الجيش. البدو المستعربين ضاحية المعابدة ، وفى بعض الأجزاء الأخرى من مكة ، لهم أيضا خيولهم الخاصة وذلك من باب اهتمام هؤلاء البدو بالشئون العامة ، لكن التجار والطبقات الأخرى لا يقتنون الخيول. هؤلاء التجار يخشون من حرمان الشريف لهم من امتلاك أى حصان قيم من هذه الخيول ، ولذلك يكتفى هؤلاء التجار باستعمال البغال (أو السلالات المتدنية من الخيول). الحمير هنا شائعة تماما ، ولكن أصحاب المقامات الرفيعة لا يركبون الحمير. الخيول القليلة التى يقتنيها الناس فى مكة هى من السلالات الأصيلة ، ويجرى شراؤها من البدو ، فى فصل الربيع يجرى إيفاد تلك الخيول إلى مخيم من مخيمات البدو ، لكى تتغذى على أعشاب الصحراء الغضة. الشريف يحيى لديه فرس

٢٦٩

رمادية اللون ، حصل عليها من السلالة التى لدى الشريف غالب ، ويبلغ ثمن تلك الفرس حوالى عشرين كيسا ، هذه الفرس كانت مخلوقا جميل الشكل ، وهى الفرس الجميلة الوحيدة من نوعها التى التقيتها فى الحجاز. بدو البلاد بصفة عامة ، والبدو الذين يعيشون حول مكة بصفة خاصة ، يفتقرون تماما إلى الخيول ، قلة قليلة من الشيوخ هم الذين لديهم خيول ، نظرا لندرة المراعى ، ونظرا لأن اقتناء حصان واحد يكلف صاحبه ثلاثة قروش كل يوم. فى السهل الشرقى الواقع خلف الطائف ، تتزايد أعداد الخيول ، ومع ذلك فإن أعداد هذه الخيول أقل منها فى كل من نجد وفى الصحراء السورية ، والسبب فى ذلك هو ندرة عليق القمح ، وندرة المطر ، الذى إذا ما نقص تسبب فى بقاء البدو بلا حياة نباتية أو غطاء نباتى طوال عام كامل ، وهذا أمر نادر الحدوث فى أقاصى الصحراء الشمالية التى يندر ألا يسقط المطر فيها فى المواسم المناسبة.

حكومة مكة

مناطق كل من مكة ، والطائف ، والقنفذة (التى تمتد جنوبا إلى هالى على ساحل البحر) ، وكذلك ينبع ، كانت كلها ، قبل الغزو الوهابى والغزو المصرى ، خاضعة لحكم شريف مكة ، الذى امتد سلطانه إلى جدة على الرغم من أن هذه البلدة كانت مفصولة عن ممتلكاته من الناحية الاسمية ، وكان يحكمها واحد من الباشوات ، أرسله الباب العالى إلى هذه البلدة ، ليكون سيدا فريدا على جدة ، وأن يتقاسم مداخيلها مع الشريف. كان الباشا قد وصل إلى مركزه عن طريق القوة ، أو النفوذ الشخصى ، وبموافقة من عائلات أشراف مكة ، وبذلك يكون الرجل قد استمد سلطته من السيد الكبير ، الذى أكد هو الآخر للباشا موافقته على اعتلائه للسلطة. (*) كان الباشا يحصل

__________________

(*) كانت حكومة الحجاز موضوع جدل كبير بين خلفاء بغداد ، وسلاطين مصر ، وأئمة اليمن. كان الشريف المصاحب للسيطرة الاسمية على المدينتين المقدستين ، هو الشغل الشاغل للجميع ، وبدلا من أن يتسبب هذا الأمر فى زيادة مداخيلهم اضطرهم إلى إنفاق الكثير. كانت الميزة الوحيدة تتمثل فى كسوة الكعبة ، والدعاء لهم فى خطبة الجمعة فى المسجد الحرام ، ولما كانت السيادة المصرية على مكة قد تأكدت فى بداية القرن الخامس عشر ، فقد انتقلت هذه السيادة إلى السلاطين بعد أن غزا السلطان سليم الأول مصر ، ثم إلى سلاطين إسطنبول.

٢٧٠

كل عام على بليسه يجرى إحضارها من إسطنبول بواسطة القفطانجى باشا ، وفى إطار المراسيم والاحتفالات التركية كان يجرى إدراج ذلك الباشا ، ضمن الباشوات الأول فى الإمبراطورية ، وعندما أصبحت سلطة باشوات جدة مجرد سلطة اسمية ، وبعد أن عجز الباب العالى عن إرسال جيوش قوية مع قوافل الحج المسافرة إلى الحجاز ، لتأمين حكمه على البلاد ، استقل أشراف مكة ، وراحوا لا يلقون بالا لأوامر الباب العالى ، على الرغم من استمرارهم فى تسمية أنفسهم باسم خدام السلطان ، كما كانوا يتسلمون أيضا البليسه السنوية كل عام ، كما كانوا يقرون ويعترفون أيضا بالقاضى الموفد من إسطنبول ، وكانوا أيضا يدعون للسلطان فى المسجد الحرام. استطاع محمد على باشا إعادة السلطة العثمانية على الحجاز ، كما اغتصب لنفسه سلطان الشريف كلها ، ولم يبق الرجل للشريف يحيى الحالى سوى السلطة الاسمية فقط.

جرى اختيار شريف مكة من بين أفراد واحدة من قبائل الأشراف الكثيرة ، أو من أحفاد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين استوطنوا الحجاز ، هؤلاء الأحفاد كانت أعدادهم كبيرة فى يوم من الأيام لكنهم فى الوقت الراهن أصبحوا يقتصرون على قلة قليلة من الأسر والعائلات المكية. فى أواخر القرن الماضى ، كان حق الولاية مقصورا على ذوى (*) بركات ، الذين سموا بهذا الاسم ، تيمنا باسم بركات ولد السيد حسان العجلان ، الذى خلف والده فى العام ٨٢٩ الهجرى ، كان الرجل ينتمى إلى قبيلة الأشراف المسماة قتادة التى استقرت أو استوطنت وادى القامية مشكلة بذلك جزءا من ينبع النخل ، وكانت ترتبط من ناحية الإناث ، بقرابة مع بنى هاشم ، الذين جرى تجريدهم من حكم مكة فى العام ٦٠٠ الهجرى ، بعد وفاة آخر الهاشميين ، المدعو مقزر. طوال القرن الماضى تعين على دوى (ذوى) بركات خوض حروب كثيرة مع القبائل المنافسة لهم ، ثم

__________________

(*) المقصود ب «دوى» (ذوى) بركات هم : أهل أو «عائلة» بركات.

٢٧١

استسلموا فى نهاية المطاف لذوى زيد الذين يفوقونهم عددا ، والذين ينتمى إليهم الشريف الحالى ، والذين يكونون مع قتادة جزءا من قبيلة أبو نيمة الكبيرة. وقد نزع القسم الأكبر من ذوى بركات ، واستقر الكثيرون منهم فى وديان الحجاز الخصبة ، كما استقر البعض منهم فى اليمن. وقد ذكر الناس لى من الأشراف الحاليين الموجودين فى مكة وحولها خمسة أشخاص هم ؛ العبادلة ، وأهل سرور ، والحرازى ، وذوى حمود والسواملة (*).

مسألة تولى الحكم فى مكة ، شأنها شأن تولى المشيخة بين البدوى ، لم تكن وراثية ، على الرغم من بقاء المشيخة فى القبيلة نفسها مادامت القبيلة قوية. فى حال وفاة الشريف يصبح أحد أقربائه خلفا له سواء أكان ولده ، أو ابن عمه ، ما دام ذلك الشخص هو صاحب الطرف القوى ، أو صاحب الصوت المسموع بين أفراد قبيلته. لم تكن هناك حفلات أو مراسيم تنصيب أو قسم للولاء. كان الشريف الجديد يتلقى التهانى من المكيين على شكل زيارات يقومون بها لمنزل الشريف ، وكانت الفرقة الموسيقية تقوم بالعزف أمام باب المنزل ، الأمر الذى يبدو إشارة من إشارات السيادة ، مثلما هو الحال فى بلاد السودان ، ومن ثم يجرى الدعاء لاسم الشريف فى الصلاة العامة.

على الرغم من أن اعتلاء المنصب لم يكن يحدث بلا صراع ، فإن مسألة سفك الدماء كانت قليلة إلى حد كبير ، وعلى الرغم من حدوث بعض مظاهر القسوة فى بعض الأحيان فإن مبادئ الشرف وحسن النية التى تميز حروب قبائل الصحراء كانت

__________________

(*) يزاد على هؤلاء ، تلك الأسماء التى وردت عند العصمى ، مثل ذوى مسعود ، وذوى شمير ، وذوى الحارث ، وذوى ثقابة ، وذوى جازان ، وذوى باز. مسألة تأليف تاريخ لمكة من المصادر السابقة يحتاج إلى المزيد من الوقت. لقد أورد دهسون ملاحظة تاريخية عن الأشراف فى مكة ، وهذه الملاحظة فيها أخطاء عدة. أشجار الأنساب الطويلة التى يتعين تتبعها ، ابتغاء الوصول إلى فكرة واضحة عن حكام أى جزء من أجزاء الجزيرة العربية يجعل من تاريخ هذا البلد أمرا متشابكا وبالغ التعقيد.

٢٧٢

تجرى مراعاتها والالتزام بها. هذا يعنى أن المتمردين والغرماء كانوا يستسلمون ، وعادة ما كانوا يبقون فى المدينة ، ولا يحضرون استقبالات الأصيل التى يقيمها قريبهم المنتصر ، ولا يخشون غضبه أو استياءه ، بعد إقرار السلام بينهم. أثناء الحرب ، كانت حقوق الضيافة والكرم تعد أمورا مقدسة كما هو الحال فى الصحراء ، كان حق الدخيل يحترم احتراما كاملا ، كما كان يجرى تسوية مسألة سفك الدماء على الجانبين عن طريق دفع الغرامات (الدية) لأهالى القتلى ، وكان الناس أيضا يعملون طبقا لقوانين الثأر السائدة بين البدو. كان هناك دوما طرف معارض للسلطة الحاكمة ، وكانت تلك المعارضة تتجلى بصورة أوضح فى الحماية التى كان الرئيس يوفرها للأشخاص المضطهدين ، وليس للمحاولات العلنية التى تستهدف الخروج على سلطته. كانت الحروب ، تحدث فى كثير من الأحيان ، وكان لكل طرف مؤيدين من بين البدو المجاورين له ، ولكن هذه الحروب كانت تجرى طبقا لمنظومة الصراعات البدوية ، ولم تكن تلك الحروب تستمر زمنا طويلا.

على الرغم من أن العادات التى من هذا القبيل يغلب عليها القضاء على سلطة الشريف الحاكم ، فإنها كانت تسفر عن نتائج سيئة للجماعة ، هذا يعنى أن كل فرد من الأفراد يتعين عليه الانضمام إلى هذا الجانب أو ذاك ، وأن يخضع لحام ، يعامل أتباعه بنفس الظلم والاستبداد الذى يقع عليه هو نفسه من رئيسه ، أو من هو أعلى منه. وقد أدى سرور إلى التقليل من سلطة الأشراف إلى حد بعيد ، هذا السرور تولى الحكم فى الفترة من ١٧٧٣ إلى ١٧٨٠ ، والأدهى من ذلك ، أنه غالبا فى الأزمات الأخيرة ، كان دائم الشجار والصراع مع أقاربه ، على الرغم من أن سلطته وسلطانه كانا أوسع وأكبر من سلطات أولئك الذين جاءوا قبله.

هذه المشاجرات الحادة والمستمرة ، وكذلك الحروب والصراعات التى دارت بين مختلف الأطراف ، إضافة إلى عثرات الحظ التى صاحبت كل ذلك ، علاوة على الفنون والحيل التى كان الروساء يلجأون إليها لزيادة شعبيتهم ، كل ذلك أضفى على حكم الحجاز طابعا مختلفا عن طابع السواد الأعظم من حكومات الشرق الأخرى ، هذا

٢٧٣

الطابع المميز لحكم الحجاز ، أبقى على شكله الظاهرى إلى ما بعد اعتلاء الشريف غالب لسدة الحكم المستبد. لم يجر مراعاة مراسم الحكم ، التى تمثل حدا فاصلا بين الحكام الشرقيين ونوابهم من ناحية ، وبينهم وبين الشعب من ناحية أخرى. هذا يعنى أن بلاط الشريف كان صغير العدد ، وخاليا من العظمة والأبهة. لم يكن لقب ذلك الحاكم سلطانا أو سلطانا شريفا ، أو حتى «منشئ» على حد قول على بك العباسى. كان رعاياه يستخدمون لقب «سيدنا» ، فى حوارهم معه ، أو قد يقولون له «سادتكم» ، وهو اللقب الذى يعطى للباشوات جميعهم. هذا يعنى أن المسافة بين الرعايا والحاكم لم تكن كبيرة ، بحيث تحول بين الرعايا ، فى حالة الحاجة ، وبين تعبيرهم عن أحزانهم الشخصية ، ويطالبون مطالبة جريئة بالإصلاح ، فى إطار لغة وأسلوب مؤدبين.

الشريف الحالى ليس لديه هيئة كبيرة من القوات النظامية ، لكنه كان يستدعى أعوانه من بين الأشراف ، وأتباعهم ، إذا ما احتدم الأمر ودقت أجراس الحرب. هؤلاء الأشراف كان يجرى ربطهم بشخص الشريف غالب ، وذلك عن طريق احترامه لمنزلتهم ونفوذهم ، هؤلاء الأشراف بدورهم كانوا يبادلون الرجل المعاملة نفسها إذ كانوا ينظرون إليه باعتباره الأول بين المتساويين والأنداد.

مسألة سرد تاريخ للأحداث التى وقعت فى مكة اعتبارا من الفترة التى توقف عندها المؤرخون العرب (حوالى منتصف القرن السابع عشر على حد تقديرى) ، سوف تتحول إلى عمل مضن ؛ إذ يتطلب الأمر استخلاص تلك الأحداث من بين الروايات الشفهية ، هذا البلد ليس فيه أحد ، ممن يفكرون فى تدوين الأحداث التى وقعت فى أزمانهم ، يزاد على ذلك أن الظروف التى زرت البلد فى ظلها ، كان يمكن أن تحول بينى وبين الحصول على المعلومات الوافية والدقيقة عن الوضع السياسى لهذه البلاد ، حتى وإن توفر لى الوقت اللازم لذلك ، نظرا لأن التحريات والاستقصاءات التى من هذا القبيل ربما تضطرنى إلى الاختلاط بالناس ، وبخاصة أصحاب المناصب والمقامات ، والاختلاط أيضا بأهل الحل والربط ، وهذه الطبقة من المجتمع هى التى حاولت جاهدا

٢٧٤

تحاشيها دوما لأسباب واضحة. وفيما يلى أورد المعلومات التى استطعت جمعها فيما يتصل بتاريخ مكة الحديث.

فى العام ١٧٥٠ الميلادى عين الشريف مسعد حاكما لمكة ، وشغل هذا المنصب مدة عشرين عاما. أدت قوة الأشراف إلى دخول الرجل فى حروب ضدهم فى كثير من الأحيان ، وقد أدى عدم نجاح الرجل فى حروبه ضد الأشراف إلى استمرار نفوذهم ، بعد أن كشف مسعد عن دلائل عدائه تجاه على بك ، حاكم مصر فى ذلك الزمان ، قام على بك بإيفاد أبى الدهب ، عبده القوى المفضل ، بعد أن منحه لقب بك ، على رأس مجموعة كبيرة من الجنود ، بصفته رئيسا لقافلة الحج المسافرة إلى مكة ، لطرد مسعد ، لكن الشريف مسعد وافته المنية قبل أيام قلائل من وصول أبى الدهب.

فى العام ١٧٦٩ أو ١٧٧٠ بعد أن لقى مسعد ربه ، قامت جماعة حسين ، الذى كان من القبيلة نفسها التى ينتمى إليها مسعد ، بتوصيل حسين العدو اللدود لمسعد فى كل المناسبات إلى سدة الحكم ، وأيدهم فى ذلك أبو الدهب. وبقى حسين فى الحكم إلى العام ١٧٧٣ أو ١٧٧٤.

فى العام ١٧٧٣ أو ١٧٧٤ قتل حسين فى الحرب التى دارت بينه وبين سرور ولد مسعد. هذا الاسم سرور الذى حكم مدة ثلاثة عشر عاما أو أربعة عشر ، لا يزال يحظى بالتقدير والاحترام من قبل المكيين ؛ كان سرور أول من كسر كبرياء الأشراف وقوتهم ، وأول من أقام العدل فى المدينة. قبل عهد الشريف سرور كان كل شريف من الأشراف يحتفظ فى منزله بمؤسسة مكونة مما يتردد بين ثلاثين عبدا وأربعين عبدا مسلحا ، ومن الخدم ، والأقارب ، فضلا عن أصدقائه الأقوياء من بين البدو. ونظرا لأن كل هؤلاء الأشراف لم يكونوا يعرفون من المهن سوى صناعة السلاح راحوا يعيشون على الماشية التى كانوا يحفظونها عند البدو ، وفى أجزاء مختلفة من الحجاز ، وكانوا يعتمدون أيضا على الصرة التى كانت تأتيهم من إسطنبول مع الحج ، كما كانوا يعتمدون أيضا على الهدايا التى كانوا يحصلون عليها من الحجاج ، من أتباعهم فى

٢٧٥

البلد. كان بعض هؤلاء الأشراف يحصلون إلى جانب هذه المصادر ، على بعض الرسوم الجمركية المفروضة على السفن ، أو بعض السلع التجارية ، كما كانوا يحصلون على دخل أيضا من رسوم المرور التى كانوا يحصلونها على بوابات جدة ، كما كانوا يحصلون أيضا على دخل من ضريبة الرءوس التى كانوا يفرضونها على الحجاج الفارسيين إلخ إلخ. يضاف إلى ذلك أن سلوك هؤلاء الناس فى مكة كان سلوكا بريا وغير متحضر أو منظم ، يزاد على ذلك أن أوامر كبير الأشراف كان يجرى إهمالها والتغاضى عنها ، كان كل واحد من هؤلاء الأشراف يستغل نفوذه الشخصى لزيادة ثروته ، كانت المشادات والصراعات العائلية تجرى فى كثير من الأحيان ، وفى زمن الحج كان أولئك الأشراف يضللون جماعات صغيرة من الحجاج وهم قادمون من المدينة المنورة أو من جدة إلى مكة ، ويقومون بسلب ما معهم ونهبه ، ويقتلون الذين يعترضون أو يمانعون ذلك السلب والنهب.

نجح سرور ، بعد نضال طويل ، فى إلجام الأشراف وإجبارهم على الطاعة وذلك عن طريق كسب الرأى العام لعامة المكيين إلى جانبه ، وعن طريق كسب البدو أيضا إلى جانبه ، عن طريق تبسطه معهم فى السلوك ، وعن طريق بشاشته وبشره الشخصى وعن طريق كرمه مع أصدقائه ، فضلا عن ذيوع صيت شجاعته المفرطة ، ورجاحة عقله. كان الرجل يؤثر دوما مسالمة أعدائه ، ومع ذلك كانت الحروب تنشب بينه وبين أعدائه فى كثير من الأحيان. يروى أن الرجل اكتشف ذات مرة مؤامرة كانت تهدف إلى اغتياله ، أثناء طوافه فى الليل حول الكعبة ، ومع ذلك عفا عن المتآمرين ، واكتفى فقط بنفيهم من مكة ، كان لدى سرور مجموعة كبيرة من العبيد المسلحين ، والبدو الذين كانوا يعملون دوما لخدمته ، وأنه كان يدفع تكاليف هذه المجموعة الكبيرة ومصروفاتها من أرباحه التجارية ؛ نظرا لأنه كان يمارس تجارة نشطة مع اليمن ، واستطاع الرجل ، فى نهاية المطاف ، إجبار أسر الأشراف الأقوياء على نفى أنفسهم بأنفسهم ، ويبحثون لأنفسهم عن ملجأ فى اليمن ، فى حين أجهز الرجل على عدد كبير من الأشراف فى إحدى المعارك ، ووقع بعض آخر من هؤلاء الأشراف فى قبضة الجلاد (عشماوى). بعد

٢٧٦

كل ذلك آلى سرور على نفسه إقامة العدل بين الناس ، وهناك أشياء كثيرة يرويها الناس عن الشريف سرور وحبه للعدل والحكمة ، وقد قام الشريف سرور بطرد اليهود من جدة ، التى جمعوا فيها ثروات طائلة عن طريق المسرة والتدليس ، وحمى الرجل الحجاج أثناء تجوالهم فى الحجاز ، ونظم تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب التى سبق فرضها بطريقة عرفية تماما. وبعد أن لقى الرجل ربه ، قام سكان مكة كلهم بتشييع جنازته إلى مثواه الأخير. ولا يزال المكيون ينظرون إلى الشريف سرور باعتباره وليا ، بل إن الوهابيين يوقرون أيضا اسمه ويحترمونه.

العام ١٧٨٥ أو ١٧٨٦ بعد وفاة الشريف سرور خلفه عبد المعين ، أحد إخوانه ، لمدة أربع سنوات أو خمس ، فى حين قام أخوه غالب الأصغر منه سنا ، مستفيدا من مهارته فى التآمر ، ومستفيدا أيضا من ذيوع شجاعته وقدرته على الفهم ، وأقبل على تجريد شقيقه عبد المعين من سلطته وأجبره على التقاعد. كان الشريف غالب ، طوال سنى حكمه الأولى ، أداة فى أيدى عبيد الشريف سرور وطواشيّه ، الذين كانت لهم سلطة كاملة على مكة ، وراحوا يسلكون السلوك المستهتر نفسه ، ويمارسون الظلم والقمع الذى تميز به حكم الأشراف من قبل. ومع ذلك ، سارع غالب إلى تحرير نفسه من نفوذ هؤلاء العبيد ، وأصبحت له ، فى نهاية الأمر ، سلطة قابضة على الحجاز ، وكانت تلك السلطة أكثر حزما وأكثر قوة من سلطات أولئك الذين سبقوه أو جاءوا قبله ، وأفلح غالب فى الإبقاء على هذه السلطة إلى أن وضعت الحروب الوهابية ، وخيانة غالب لمحمد على باشا ، حدا لحكم هذا الرجل (الشريف غالب). كان حكم الشريف غالب أسلس وأعدل من حكم الشريف سرور ، على الرغم من ابتعاد حكم الشريف غالب ابتعادا كبيرا عن إقامة العدل وتحقيق العدالة. صحيح أن الذين أعدموا بأوامر منه كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة ، لكن الرجل أصبح جشعا ، وكان يسمح فى كثير من الأحيان للمجرمين بافتداء حياتهم عن طريق دفع أثمان كبيرة ، أو بالأحرى غرامات باهظة. وتحقيقا لهذا الهدف راح الرجل يملأ سجونه بالمجرمين لكن الدماء كانت تسيل فى تعامل الرجل مع الوهابيين. وأثناء حروب الشريف غالب مع الوهابيين حاول ولدا

٢٧٧

الشريف سرور الصغيرين : عبد الله بن سرور وسيد بن سرور ، اغتصاب الحكم من عمهما لكنهما فشلا فى ذلك ، وبعد أن تصالحا مع غالب ، سمح لهما أن يعودا هادئين إلى مكة ، وأقام الابنان فى مكة عندما وصل إليها محمد على باشا. أرسل محمد على باشا عبد الله مع الشريف غالب إلى القاهرة ، ولكن الباب العالى أصدر أوامره لمحمد على بإطلاق سراح عبد الله بن سرور. كان عبد الله قد سافر ذات مرة إلى إسطنبول ليطلب عون السلطان له فى مواجهة غالب. تهور عبد الله وطيشه أكسبه كثيرا من المعجبين منهم أصدقاء فى مكة ، لكن من المرجح أنه إذا ما تحتم على الأتراك التخلى عن الحجاز من جديد ، فإن عبد الله بن سرور سوف يحل محل أخيه يحيى ، الشريف الحالى لمكة ، الذى تسلم حكم المدينة من محمد على باشا فى العام ١٨١٣ الميلادى ، والذى تتوافق سمعته ونفوذه فى مكة مع منصبه المشرف. بعد أن استولى الباب على مداخيل مكة ، حدد الشريف راتبا شهريا مقداره خمسين كيسا (صرة) ، أى ما يقرب من ثمانمائة جنيه إنجليزى ، كما يعول قواته وأهل بيته. أهل البيت هؤلاء كانوا هم أهل البيت نفسه قبل الغزو التركى ، ويشملون بعض الأشراف ، وبعض المكيين ، وبعض الأحباش ، أو العبيد السود ، المعينين فى وظائف محددة ومعينة خاصة بالشريف والمأخوذة أسماؤها من الكتاب الأحمر الخاص بالمحكمة التركية. كان غالب يحتفظ فى كل من ينبع ، والطائف ، ومكة وجدة بنائب له ، كانوا يطلقون عليه اسم الحاكم فى مكة والطائف. هذا الحاكم كان له خازندار ، أى وزيرا للخزانة ، كما كان له أيضا سلحدار ، أو حامل السيف ، كما كان له أيضا موهردار ، أى حامل الأختام ، كما كان معه أيضا قلة قليلة من الموظفين الذين كانوا بعيدين كل البعد عن مراعاة مراسم الإتيكيت والذوق العام المعمول بها فى البلاط التركى. كان إجمالى مؤسسة الشريف غالب عبارة عن خمسين خادما وموظفا أو ستين ، وعدد كبير من العبيد والطواشى. كان الشريف غالب يحتفظ بحوالى أربع وعشرين أمة حبشية إلى جانب زوجاته ، فضلا عن ضعف هذا العدد من الإماء اللاتى يقمن على رعاية أمور النساء وتربية الأطفال. كان عدد الخيول التى فى إسطبلات الشريف غالب يتردد بين ثلاثين حصانا وأربعين حصانا من أحسن السلالات العربية ، وحوالى ستة بغال ، التى كان يركبها فى بعض

٢٧٨

الأحيان ، وكان هناك عدد كبير أيضا من الإبل. أبلغنى واحد من كبار خدم الشريف غالب الطاعنين فى السن ، أن المخزن كان يصرف يوميا إردبا واحدا (حوالى خمسة عشر بوشل) للاستهلاك المنزلى كل يوم ، كان يصرف مع هذا الإردب حوالى خمسين وزنة من الزبد ، وخروفين ، وهذا بحد ذاته يشكل الإنفاق الرئيسى اليومى على المؤن والتموينات. هذا الإردب هو والزبد كان يجرى استهلاكه يوميا بواسطة البدو ، الذين كانوا يفدون على مكة لإنجاز بعض الأعمال ، والذين اعتادوا على التردد على منزل الشريف ، طلبا فى كرمه كما لو كانوا ينزلون عند خيمة شيخ من الشيوخ فى مخيم من مخيمات الصحراء. هؤلاء البدو عندما كانوا يرحلون كانت خرجهم تملأ بالمؤن والتموينات تحسبا للطريق ، وهذه عادة من عادات العرب ، يضاف إلى ذلك أن أشراف مكة كانوا يكشفون دوما عن استعدادهم للتعامل مع البدو تعاملا يقوم على الكرم والحنان.

ملابس الشريف لا تختلف عن ملابس عملاء أسر الأشراف فى مكة ، وعادة ما تتكون هذه الملابس من رداء من الحرير الهندى ، ومن فوقه عباءة بيضاء اللون ، مصنوعة فى الأحساء ، على الخليج الفارسى ، وشال كشمير يضعه الشريف على رأسه ، ومركوب أصفر اللون ، أو قد يلبس بلغة فى رجليه فى بعض الأحيان. لم أر أحدا من أشراف مكة يلبس عمامة خضراء اللون. النوعيات التى من هذا القبيل إما تلتحق بخدمة الحكومة أو تعمل بالجندية ، وهنا نجد المكيين يطلقون عليهم اسم «الأشراف» وعادة ما يضعون على رءوسهم شيلانا كشميرية ملونة ، النوعية الأخرى من الأشراف الذين يحيون حياة خاصة ، أو يعملون فى مجال الشريعة والمسجد الحرام ، يلفون شالا أبيض صغيرا من الموسلين حول طواقيهم. الأشراف عادة ما تكون لهم علامة مميزة فى لباسهم ، هذه العلامة عبارة عن طاقية صوفية عالية خضراء اللون ، يلفون حولها شالا أبيض من الموسلين أو الكشمير ، ويبرز غطاء الرأس من هذا الشال لكى يحجب الشمس عن وجه لابس ذلك الشال ، بعض كبار السن يستعملون الشال فى هذا الغرض ، لكن هذه المسألة ليست تقليدا عاما بين الجميع.

٢٧٩

عندما يخرج الشريف فى موكب ويكون راكبا دابته فإنه يحمل فى يده عصا قصيرة مستدقة يسمونها المطرق ، شبيهة بالعصا التى يستعملها البدو فى سياقه الإبل ، الخيال الذى يكون قريبا من الشريف ، يحمل فى يده مظلة ، صينية الصنع ، لها شراريب من الحرير ، ليظلل بها رأس الشريف من أشعة الشمس. وهذه هى العلامة الوحيدة من علامات الملكية التى تميز الشريف عندما يكون بين رعاياه ، هذه المظلة لا تستعمل عندما يمشى الشريف فى الشارع. وقد أجبر الوهابيون الشريف غالب على التخلى عن المظلة وأن يذهب إلى المسجد سيرا على قدميه ، بدعوى أن ذلك يتعارض مع التواضع ، إذا ما وصل الرجل الكعبة المشرفة راكبا على ظهر حصان. لكن غالب عندما كانت له السلطة كلها فى مكة ، كان يجبر الباشوات المصاحبين للحج على أن تكون له الأولوية فى المناسبات كلها ، كما أذاع الرجل فى سائر أنحاء الحجاز زعما مفاده أن مرتبته أرقى من أية مرتبة أخرى بين العاملين فى خدمة الباب العالى ، كما أشاع الرجل أيضا أنه عندما يكون فى إسطنبول فإن الباب العالى ، من باب اللياقة يقف لتحية الشريف غالب. يزاد على ذلك ، أنى أتيت على ذكر مسألة الزى الذى يحصل الشريف عليه سنويا من القفطانجى. جرت العادة من حيث المراسم أن يقوم الشريف بالزيارة الأولى لباشا الحج فور وصول القافلة ، وباشا الحج هذا يسمونه أيضا أمير إلخ. وعندما يقوم باشا الحج برد الزيارة ، يقبل من الشريف حصانا على سبيل الهدية. وبعد عودة الحج من وادى منى ، يقوم الباشا بإهداء الشريف فى اليوم الأول ، حصانا أيضا ، ويقوم الاثنان بتبادل الزيارات فى خيمتيهما فى منى. وعندما تستعد القافلة لمغادرة مكة ، عائدة إلى الوطن ، يقوم الشريف بزيارة أمير الحج مرة ثانية ، فى مخيمه خارج المدينة ، حيث يجرى إهداؤه حصانا آخر.

المفترض أن تكون قبائل الحجاز البدوية كلها تحت إمرة الشريف من منطلق أن هذه القبائل مدونة فى سجل كل من الباب العالى وسجلات الشريف أيضا. عندما كان الشريف غالب فى أوج قوته ، كان له نفوذ كبير على القبائل ، لكنه لم تكن له سلطة مباشرة على تلك القبائل. كانت القبائل تنظر إلى الشريف وجنوده كأنه شيخ من

٢٨٠