ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-387-1
الصفحات: ٣٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

إلى شفائى من آثار المرض الشديد الذى أصابنى فى جدة. أثناء الليل وصل قاضى مكة قادما من الطائف.

اليوم الثامن من شهر سبتمبر. مع طلوع النهار ذهبت لزيارة القاضى ، وكان يدخن الشيشة ويشرب القهوة ، وكان الرجل بذلك يأتى الرخصة الخاصة بإفطار المسافر فى رمضان ، وبناء على الاتفاق الذى تم بيننا فى الطائف ، تقرر لى أن أصحبه وهو فى طريقه إلى مكة ، وهنا وجدتنى مضطرا إلى الانضمام إليه ومرافقته ، لكنى كنت معارضا تماما للاستمرار معه ، وسبب ذلك هو خوفى من أن يصطحبنى الرجل معه إلى منزله فى مكة ، لأضع نفسى من جديد فى موقف شبيه بذلك الموقف الذى تعرضت له فى الطائف والذى لم يكن مريحا. بدا أيضا على القاضى أنه لم يكن على استعداد لتحمل مشاق ومصاريف ضيف يحل عليه ، والسبب فى ذلك أننى عندما أعربت عن مخاوفى التى مفادها أن حمارى المتعب لن يستطيع مسايرة بغله المتين ، بادرنى الرجل برده الذى يقول : إنه يتطلع إلى لقائى فى مكة تحت أى ظرف من الظروف. وهنا رحلت بصحبة الجنود الأرناءوط ، تاركا القاضى ينال قسطا أكبر من الراحة. أمضينا ساعات الظهيرة فى كوخ القهوة الذى يسمونه شداد ، حيث كان بعض البدو يسلون أنفسهم بالرماية على هدف سبق أن حددوه ، كشف هؤلاء البدو عن مهارة كبيرة فى الرماية ، فقد كانوا قادرين على إصابة القرش ، الذى وضعته أمامهم على مسافة أربعين ياردة.أكواخ القهوة هذه لا يحصل المرء منها على شىء سوى القهوة والماء. القهوة هنا لا تقدم فى أكواب منفردة ، كما هو الحال فى معظم بلدان الليفانت (الشرق) ، لكن كل من يطلب القهوة يحصل على وعاء فخارى صغير ملىء بالقهوة الساخنة يجرى وضعه أمامه ، ويحتوى على ما يتردد بين خمسة عشر كوبا وعشرين كوبا من القهوة ، هذه الكمية يشربها المسافر ثلاث مرات أو أربع مرات يوميا. هذه الأوانى الفخارية يسمونها هنا مشربه (انظر شكل هذه المشارب فى المخطط التوضيحى).

يحشر صاحب المقهى فى فوهة هذا الإناء قبضة من العشب الجاف ، يجرى من خلالها رشف السائل أو صب السائل. لقد سبق أن شربتها بإفراط فى هذا الجزء من

١٢١

الجزيرة العربية ، ويقال إنه أشد من ذلك فى الجنوب ، وفى المناطق القريبة من مناطق إنتاج البن.

على الطريق الذى يبدأ من شداد ، والذى يمتد بطول السهول المنخفضة ، فيما بين الجبال الحارة ، فاجأتنا زخة من زخات المطر العاتية والمصحوبة بالبرد ، الأمر الذى أجبرنا على التوقف ، وما هى إلا فترة قصيرة حتى انهمر الماء نازلا على شكل سيول من الجبال ، وعندما توقف سقوط المطر ، بعد حوالى ساعة تقريبا ، اكتشفنا أن المطر الذى كان لا يزال مستمرا ، كان قد غطى وادى النومان بصفحة من الماء عمقها ثلاثة أقدام ، فى حين كانت هناك أنهار تعذر معها عبور الطريق فى بعض مواقعه. فى مواجهة المواقف التى من هذا القبيل كان يتعذر علينا التقدم أو التراجع ، إدراكا منا أن تيارات ومجار مماثلة قد تكونت من خلفنا ، وهنا اتخذنا لأنفسنا موقعا على جانب الجبل ، إيمانا منا بأن الماء لن يجرفنا من هذا المكان ، كما نستطيع البقاء فيه إلى أن تمر العاصفة. ومع ذلك ، بدأت المياه تتساقط من كل جوانب الجبال ووصل الأمر إلى حد حدوث فيضان عام ، كل ذلك والمطر المصحوب بالرعد والبرق مستمر بعنف لا ينتهى. شاهدت القاضى ، الذى غادر شداد بعدنا ، من على بعد ، يفصله عن جماعتنا سيل عميق ، فى حين اضطرت بعض نسائه اللاتى كن يركبن البغال إلى البقاء بعيدات عنه بمسافة كبيرة. بقينا فى ذلك الوضع السيئ مدة ثلاث ساعات ، توقف المطر بعدها وسرعان ما انحسرت السيول ، لكن كان من الصعب على حميرنا المشى فى أرض زلقة يغطيها الماء ، الأمر الذى اضطرنا إلى النزول من فوق الحمير ورحنا نسوقها أمامنا ، إلى أن وصلنا أرضا أكثر ارتفاعا. كان القاضى وجماعته مضطرين على فعل الشىء نفسه. عندئذ دخل علينا الليل ، وغلفتنا السماء الملبدة بالسحب بظلام دامس ، لكنه بعد مسير مغامر استمر ثلاث ساعات أو أربع ، كنا خلالها نتعثر فى كل خطوة ، وصلنا أخيرا إلى مقاهى عرفات ، الأمر الذى جعل رفاقى يتنفسون الصعداء ، هؤلاء الجنود الذين كانوا يخشون على أكياس نقودهم من السطو واللصوص. أنا بنفسى لم أكن أقل منهم سعادة ، إذ كنت بحاجة إلى إشعال النار بعد أن تشبعت ملابسى بالماء بفعل

١٢٢

المطر ، وبخاصة أنى لم أكن أرتدى سوى ملابس الإحرام. من سوء الطالع أن المقاهى كان الفيضان قد جرفها ، ولم نجد فى تلك المقاهى مكانا جافا نجلس فيه ، وبصعوبة استطعنا إشعال نار فى واحد من تلك الأكواخ المضادة للحريق ، ودخل القاضى هو وبعض رجاله وأنا معهم إلى ذلك الكوخ ، وشربنا شيئا من القهوة ، وفى كوخ من الأكواخ الأخرى كانت نساء القاضى يصحن من قسوة البرد وشدته. ولما كان القاضى لا يريد لنسائه أن تعانين من شدة البرد ، فقد آثر الركوب من جديد ، بعد استراحة دامت نصف الساعة ، وواصل سيره فى اتجاه مكة تاركا إياى أنا وأصحابى حول النار ، التى حاولنا ، بعد مضى شىء من الوقت ، أن ننال قسطا من الراحة حولها.

اليوم التاسع من شهر سبتمبر. بدأنا التحرك فى ساعة مبكرة ، واكتشفنا أن عاصفة الأمس لم تمتد إلى ما هو أبعد من جبل عرفات ، العواصف والفيضانات والسيول التى من هذا القبيل أمر متكرر الحدوث فى هذه الأماكن ، التى تبدو فصول العام فيها غير منتظمة ، على العكس منها فى أماكن أخرى تقع فى نفس دوائر العرض. بلغنى أن موسم الأمطار فى الجبال العليا هو أكثر انتظاما منه فى الأراضى المنخفضة فى كل من مكة وجدة ، اللتان تكون السماء فيهما فى منتصف فصل الصيف ملبدة بالغيوم فى معظم الأحيان بفعل العواصف والأمطار. سجل مؤرخو مكة سيولا وفيضانات مخيفة فى مدينة مكة ، وأخطر تلك الفيضانات والسيول حدث فى الأعوام الهجرية ٨٠ ، ١٨٤ ، ٢٠٢ ، ٢٨٠ ، ٢٩٧ ، ٥٤٩ ، ٦٢٠ ، ٨٠٢ ، ٨٢٩ فى بعض تلك الفيضانات والسيول غرقت مكة والكعبة فى الماء الذى لامس ارتفاعه الحجر الأسود ، كما دمرت هذه السيول كثيرا من المنازل وأزهقت أرواحا كثيرة. هذا هو العصمى المؤرخ يورد تفاصيل واحد من تلك السيول الذى دمر مكة فى العام ١٠٣٩ الهجرى ، أو فى العام ١٦٢٦ ، يوم أن تسببت السيول فى إزهاق أرواح خمسمائة نسمة ، وأسفرت عن تدمير الكعبة. حدث سيل مخيف آخر فى العام ١٦٧٢.

١٢٣

الوصول إلى مكة :

وصلت إلى مكة فى منتصف النهار تقريبا ، وهنا راح رفاقى يبحثون عن معارفهم بين الجنود ، وتركونى أتنقل وحدى ، دون أن أعرف أى أحد فى البلدة ، ولم تكن معى خطابات تقديم لأى أحد أعرفه سوى القاضى ، الذى كنت أود تحاشيه مثلما سبق أن قلت.

كل من يدخل مكة سواء أكان حاجا أم غير ذلك ، يتحتم عليه شرعا زيارة الكعبة على الفور ، وألا يشغل نفسه بأى عمل دنيوى مهما كان قبل قيامه بالطواف حول الكعبة. عبرنا صف الدكاكين والمنازل إلى أن وصلنا إلى بوابات المسجد الحرام ، وعندما أخذ الحمّار أجر حماره وأنزلنى عن الحمار ، وهنا أحاط به ستة من المطوفين ، أو أن شئت فقل : المرشدين فى الأماكن المقدسة ، والذين عرفوا من ملابس الإحرام التى كنت أرتديها أنى قادم لزيارة الكعبة. أخذت واحدا منهم ليكون لى مطوفا ومرشدا ، وبعد أن أودعت أمتعتى فى دكان مجاور للمسجد ، دخلت المسجد من باب السلام ، الذى يوصى الزائر بالدخول منه. طقوس زيارة المسجد الحرام على النحو التالى :

١ ـ طقوس دينية محددة يجرى إتيانها داخل المسجد.

٢ ـ السعى بين الصفا والمروة.

٣ ـ مناسك العمرة.

هذه الطقوس يتعين أن يأتيها كل مسلم يدخل الكعبة [حاجا أو معتمرا] بعد رحلة تزيد على يومين من المسير ، كما يتعين إتيان هذه الطقوس نفسها فى فريضة الحج. وسوف أصف هنا هذه الطقوس وصفا موجزا قدر المستطاع ، وأنا إذا ما أوردت تفاصيل الشريعة الإسلامية وشروحها هنا فسوف يكون ذلك عملا مضنيا ، واقع الأمر أن هناك كتبا متبحرة حول هذا الموضوع باللغة العربية ، وهى لا تعنى بشىء غير هذه الطقوس وتفاصيلها.

١٢٤

١ ـ طقوس يجب أداؤها داخل المسجد الحرام

عند المدخل ، وتحت بهو من الأعمدة يجرى ترديد دعاء معين عند رؤية الكعبة لأول مرة ، ثم يصلى الزائر ركعتين ، أو أربع سجدات لله (شكرا على الوصول إلى البيت الحرام ، وتحية للمسجد نفسه) (*) ، ثم يقترب الحاج بعد ذلك من الكعبة ، عن طريق أحد الطرق الممهدة المؤدية إلى الكعبة ، وذلك انطلاقا من المكان الذى يكون فيه الحاج. وعندما يمر أمام العقد المعزول أمام الكعبة ، والمسمى باب السلام ، يدعو بدعاء محدد. هناك بعض الأدعية الأخرى التى يرددها الحاج بصوت خفيض ، ثم يضع الزائر نفسه فى مواجهة الحجر الأسود أو لمسه فى الكعبة ، ويصلى ركعتين ، وبعد الانتهاء من الركعتين يجرى تقبيل الحجر الأسود ولمسه باليد اليمنى ، إذا لم يكن هناك زحام. ويواصل الزائر الطواف حول الكعبة ، بحيث تكون الكعبة على يساره. هذا الطقس أو الركن يجرى تكراره سبع مرات ، بحيث تكون الأشواط الثلاثة الأولى بالخطوة السريعة ، تأسيا بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الذى قال عنه أعداؤه إنه كان مريضا مرضا خطيرا ، ولكنه اعترض عليهم وراح يطوف جريا حول الكعبة فى الأشواط الثلاثة الأولى. كل دورة يجب أن تكون مصحوبة بأدعية معينة ، يجرى الدعاء بها بصوت خفيض ، وبحيث تكون موزعة على أجزاء المبنى المختلفة التى يتجاوزها الزائر ، ويجرى تقبيل الحجر الأسود أو لمسه فى نهاية كل شوط ، فضلا عن الحجر الآخر الموضوع عند ركن من أركان الحجر الأسود (**) ، وعندما ينتهى الزائر من الدورات أو الأشواط السبعة ، يقترب بعد ذلك من الكعبة ، فى المسافة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة ، وهو المكان الذى يسمونه

__________________

(*) المعروف أن تحية المسجد الحرام بالطواف حوله طواف القدوم ، خلاف غيره من المساجد التى تؤدى فيها ركعتان تحية المسجد ، وللزائر أن يصلى ما يشاء تنفلا لا تحية للمسجد.

(**) ليس فى بناء الكعبة حجر آخر يجرى تقبيله غير الحجر الأسود ، الذى ورد فيه قول عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) «لو لا أنى رأيت رسول الله يقبّلك ما قّبّلتك» أما الموضع الآخر الذى يستحب لمسه أو الإشارة إليه فهو «الركن اليمانى» الذى يسبق الحجر الأسود فى طواف الطائف.

١٢٥

الملتزم ، وعند الملتزم وبأذرع مفتوحة وصدر موضوع بحيث يضغط على جدار الكعبة ، يدعو الله العفو والمغفرة وأن يغفر له خطاياه. ثم يرجع إلى الخلف قليلا حيث مقام إبراهيم ويصلى ركعتين ، تسميان سنة الطواف ، وبعدها يعود إلى بئر زمزم ، وبعد دعاء دينى قصير لتشريف البئر ، يشرب من مائها بغيته ، أو فى مناسبات عندما لا يكون هناك زحام على البئر ، وبذلك تنتهى الطقوس التى ينبغى أداؤها داخل المسجد الحرام.

يمكن أن أضيف هنا ، أن الطواف عبارة عن طقس إسلامى ليس مقصورا كلية على المسجد الحرام فى مكة. فى صيف العام ١٨١٨ الميلادى كنت أحضر مولد سيدى عبد الرحيم القنائى ، فى الوجه القبلى فى مصر ، وهم فى قنا يسمونه سيدى عبد الرحيم القناوى. شاهدت آلافا كثيرة من الناس متجمعين فى السهل ، الذى يوجد فيه قبر الشيخ القنائى ، والذى يبعد مسافة ميل تقريبا عن بلدة قنا. كل من كان يفد على المكان كان يدور سبع مرات حول المسجد الصغير الذى يحتوى على القبر ، يضاف إلى ذلك أن الكسوة الجديدة التى أحضرت للقبر فى ذلك العام ، جرى جلبها فى موكب مهيب ، وطاف الحاضرون كلهم سبع مرات حول المبنى ، جرى بعدها وضع الكسوة الجديدة على القبر.

٢ ـ السعى بين الصفا والمروة

اقتادنى مطوفى أو مرشدى ، الذى كان شديد القرب منى طوال الطقوس سالفة الذكر ، وكان يتمتم بالدعاء الذى كنت أردده وراءه ، اقتادنى هذا الرجل إلى خارج المسجد الحرام من باب الصفا ـ على بعد مسافة حوالى خمسين ياردة من الجانب الجنوبى الشرقى من المسجد ، على أرض هينة الارتفاع ـ لأجد ثلاثة عقود صغيرة مفتوحة تربط بينها عارضة علوية ، توجد أسفلها ثلاث درجات عريضة ، تؤدى إلى تلك العقود الثلاثة.

١٢٦

هذا المكان يسميه الناس هنا جبل الصفا ، هنا يقف الزائر ويوجه وجهه شطر المسجد الذى تحجب رؤيته بعض المنازل التى تتوسط هذه المسافة ، ويرفع يديه إلى السماء ، ويدعو الله بدعاء قصير ، ويطلب عونه له فى السعى كما يسميه الناس هنا ، ثم ينزل الحاج بعد ذلك ، ليبدأ السير فى شارع مستو يبلغ طوله ستمائة خطوة ، يطلق عليه مؤرخو الجزيرة العربية اسم وادى الصفا ، الذى يفضى إلى المروة ، الموجودة فى نهاية ذلك الوادى ، حيث توجد حلبة من الحجر ، يصل ارتفاعها حوالى ستة أقدام أو ثمانية فوق مستوى ارتفاع الشارع ، وفيها بعض الدرج الذى يمكن من الصعود إليها. يتعين على الزائر الهرولة بين الصفا والمروة ، ولمسافة قصيرة ، موضحة بأربعة أحجار ، يطلقون عليها اسم الميلين الأخضرين ، هذه الأحجار مبنية فى جدران المنازل التى على الجانبين ، يتعين على الزائر أن يهرول فى هذه المسافة. اثنان من هذه الأحجار الأربعة يميل لونها إلى الاخضرار ، هذه الأحجار تحمل نقوشا عديدة ، لكن هذين الحجرين على مسافة عالية فى الجدار ، بحيث يصعب قراءة هذه النقوش ، وأثناء هذا السعى يجرى ترديد الدعاء بصورة مستمرة وبلا انقطاع. الاشخاص الذين لا تساعدهم ظروفهم الصحية ، يمكنهم الركوب أو يجرى حملهم فى صناديق ، والحاج عندما يصل إلى المروة يصعد الدرج ، ويرفع يديه ، ويردد دعاء مثل الدعاء الذى يقوله فى الصفا ، والذى ينبغى أن يعود إليها. السعى بين الصفا والمروة يتكرر سبع مرات تنتهى بالمروة ، أربع مرات من الصفا إلى المروة ، وثلاث مرات من المروة إلى الصفا.

٣ ـ أداء العمرة

بالقرب من المروة هناك عدد كبير من دكاكين الحلاقين ، يدخل الحاج واحدا من تلك الدكاكين ، بعد الانتهاء من السعى ، ويحلق الحلاق شعر رأس الحاج ، وهو يدعو بدعاء معين ، يردده الحاج بعده. المذهب الحنفى ، أحد المذاهب الأربعة يقول بحلق ربع الرأس ، أما بقية الرأس فتظل بدون حلق إلى أن يعود الحاج من العمرة. بعد الانتهاء

١٢٧

من الحلق أو التقصير يصبح الحاج حرا ويحق له التحرر من ملابس الإحرام ، ويرتدى ملابسه العادية ، أو يظل مرتديا ملابس الإحرام ، لحين الانتهاء من أداء العمرة ويكتفى فقط بأداء ركعتين عندما يشرع فى العمرة. ومع ذلك فهذا أمر نادر الحدوث ، نظرا لأن الطواف والسعى مرهقان إلى حد أن المرء يكون بحاجة إلى الراحة بعد الانتهاء منهما ، وهنا يرتدى الزائر ملابسه العادية ، لكنه يستطيع فى اليوم التالى أو فى أى يوم بعده (والتعجيل أفضل) ارتداء ملابس الإحرام ، واتباع الطقوس نفسها عند ارتداء ملابس الإحرام لأول مرة ثم يبدأ بعد ذلك فى أداء العمرة ، بأن يذهب إلى مكان يبعد عن مكة مسير ساعة واحدة. فى هذا المكان يصلى الزائر ركعتين فى مسجد صغير موجود هناك ، ثم يعود إلى مكة وهو يردد نداء التلبية قائلا «لبيك ، اللهم لبيك» ، ويتعين عليه بعد ذلك الطواف من جديد ، ثم السعى ، ويحلق شعر رأسه تماما ، ويتحلل ، وبذلك تنتهى طقوس العمرة. أداء العمرة أمر ضرورى من الناحية الشرعية (*) ، لكن كثيرا من الناس يتجاهلون هذا الشرط. وأنا شخصيا ذهبت إلى العمرة ، فى اليوم الثالث بعد وصولى إلى (مكة) ، وقد قطعت هذه المسافة سيرا على الأقدام أثناء الليل ، وتلك عادة درج الناس عليها هنا فى فصل الصيف والحرارة.

فى موسم الحج يتعين تكرار كل هذه الطقوس بعد العودة من وادى منى ، وأيضا عند مغادرة مكة. الطواف حول الكعبة أمر مستحب كلما استطاع المرء إلى ذلك سبيلا ، هناك قلة قليلة من الأجانب الذين يعيشون فى مكة ، لا يجدون أى مانع من الطواف بالكعبة مرتين كل يوم ، مرة فى المساء وأخرى قبل طلوع النهار.

قبل عصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعندما كان الناس يعبدون الأصنام فى الجزيرة العربية ، كانت الكعبة تعد شيئا مقدسا ، وتحظى زيارتها بالوقار الدينى من قبل أشخاص كانوا يؤدون الطواف بطريقة مماثلة إلى حد بعيد لما يفعل خلفهم فى الوقت الراهن. كان الحرم ، فى ذلك الزمان ، مزينا بثلاثمائة وستين صنما ، وكان هناك فارق

__________________

(*) العمرة ليست فريضة واجبة الأداء مثل الحج ، ويجوز للحاج أن يفرده بالأداء دون العمرة ويكون حجه فى هذه الحالة «مفردا».

١٢٨

كبير فى الطقوس ، ذلك أن الرجال والنساء كانوا مجبرين على الظهور فى حال من العرى الكامل (*) حتى يمكن لهم التخلص من ذنوبهم مع التخلص من ملابسهم. كان سكان الجزيرة العربية القدماء يمجدون الصفا والمروة باعتبارهما مكانين مقدسين ، يحتويان على صور ذهنية للإلهين مطعم ونهيك ، وفى هذين المكانين كان من عادة عبدة الأوثان السير من مكان إلى آخر ، بعد عودتهما من الحج. هنا ، إذا كان علينا أن نصدق الحديث الشريف ، نجد أن هاجر ، أم سيدنا إسماعيل عليه‌السلام راحت تتجول فى الصحراء ، بعد أن طردت من بيت (سيدنا) إبراهيم ، حتى لا تشهد وفاة طفلها الصغير ، الذى وضعته ، وهى تكاد تموت ظمأ ، وعندما ظهر جبريل (ضرب الأرض بقدمه ، الأمر الذى جعل عين زمزم تنفجر على الفور. وتأبينا لتجوال (ستنا) هاجر ، التى قطعت فى كربها سبعة أشواط بين الصفا والمروة ، ويقال إن المشى من مكان إلى الآخر أدرج ضمن الطقوس.

يروى المؤرخ الأزرقى ، أن العرب فى الجاهلية بعد أن ينتهوا من الحج إلى عرفات ، كانت كل القبائل المختلفة الموجودة تتجمع عند العودة إلى مكة فى المكان المقدس المسمى الصفا ، ليتغنوا بصوت عال مشحون بالعاطفة ، يمجدون أسلافهم ، ويتذكرون أمجادهم ويذيعون صيت أمتهم. كان ينبرى من كل قبيلة من القبائل شاعر يروح يخاطب الجماهير ، قائلا : «إلى قبيلتنا ينتمى المحاربون الأشاوس فلان وعلان وينتمى إليها أيضا الكرام من أمثال زيد وعبيد ، ونحن الآن نفتخر بآخرين غير هؤلاء وأولئك». ثم يبدأ الشاعر بعد ذلك فى سرد الأسماء ، ويتغنى بأمجادهم ومناقبهم ، ويختم قصيدته بمقطوعة من الشعر البطولى ، مناشدا القبائل الأخرى مستخدما عبارات من قبيل : «هذا الذى ينكر حقيقة ما أقول ، أو من يتساءل عن مثل هذا المجد والشرف

__________________

(*) لم يكن العرى واجبا على كل الحجيج فى الجاهلية ، وإنما طائفة من العرب أطلق عليهم اسم «الحمس» ، وكانوا قلة.

١٢٩

والفضيلة حسبما نراها ، عليه أن يتقدم ليثبت ويدلل على صدق ما يقول». وينهض شاعر آخر ، ويروح يتغنى بلغة مماثلة للغة السابقة ، وجزلة أو أفضل منها ، بأمجاد قبيلته محاولا فى ذات الوقت التقليل من شأن ادعاءات غريمه أو السخرية منها.

لتقليل العداوة والبغضاء الناتجة عن مثل هذه الحالة ، أو ربما لكسر روح الاستقلال عند البدو ، ألغيت هذه العادة بنص من القرآن ، تقول الآية القرآنية : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).

والأرجح أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بذلك على السبب الرئيسى لكثير من المعارك والمشاجرات.

زيارة العمرة هى الأخرى عادة قديمة. وقد أبقى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تلك العادة ، ويروى أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلى العشاء فى ذلك المكان.

بعد أن انتهيت من طقوس الطواف والسعى المرهقة ، حلقت جزءا من رأسى ، ومكثت فى دكان الحلاق ، لأنى لم أكن أعرف أى مكان آخر من أماكن الراحة. رحت أسأل عن السكن والمساكن ، ولكنى عرفت أن المدينة كانت تغص بالناس فعلا وبخاصة الحجاج ، فضلا عن أناس آخرين كثيرين ، كان يتوقع وصولهم ، وأن كل هؤلاء كانوا قد حجزوا مساكن لأنفسهم فى المدينة. ومع ذلك ، وبعد فترة قصيرة عثرت على رجل عرض علىّ غرفة مؤثثة ، استأجرتها ، ولما كنت بلا خادم ، فقد عشت وأقمت مع مالك الغرفة. كانت أسرة ذلك الرجل مكونة من زوجة وطفلين ، وقد انسحبت لتعيش فى فناء (حوش) صغير مكشوف ، بجوار الغرفة التى أقيم فيها. كان صاحب الغرفة واحدا من فقراء المدينة المنورة ، وكان يعمل مطوفا ، على الرغم من أن حياة ذلك الرجل وأسلوب معيشته أدنى من مستوى الطبقة الثانية من المكيين ، فإنها كانت تكلفنى خمسة عشر قرشا يوميا ، واكتشفت بعد الرحيل ، ضياع قطع من ملابسى ، جرى أخذها من جوال سفرى ، لم يكن ذلك هو كل ما حدث. فقد دعانى ذلك الرجل فى يوم العيد على عشاء فخم ، بصحبة ستة من أصدقائه ، فى الغرفة التى كنت أقيم فيها ، وفى صبيحة اليوم التالى قدم الرجل لى فاتورة فيها كل تكاليف هذه العزومة.

١٣٠

آلاف المصابيح التى يجرى إشعالها فى شهر رمضان فى المسجد الحرام ، جعلت منه ملاذا ليليا لكل الأجانب الموجودين فى مكة ، كانوا يتمشون فى المسجد أو يجلسون يتسامرون إلى ما بعد منتصف الليل. كان المشهد يشكل منظرا فريدا يشبه (باستثناء غياب النساء) تجمعات منتصف الليل الأوروبية ، إن المسجد الحرام ينبغى أن يكون الحرم المقدس للدين الإسلامى ، هذه الليلة الأخيرة من رمضان ، لا تعكس تلك المباهج الاحتفائية التى نشاهدها فى أجزاء أخرى من الشرق ، يزاد على ذلك أن الأيام الثلاثة التى تلى هذه الليلة تخلو من المتع العامة. هذه هى قلة قليلة من الأرجوحات الصغيرة جرى وضعها فى الشوارع ليتسلى بها الأطفال ، وهؤلاء هم بعض الحواة المصريين يعرضون ألا عيبهم على الجموع التى فى الشوارع ، ولم يكن هناك أى شىء آخر غير ذلك للاحتفاء بالعيد ، لكن يستثنى من ذلك الملابس غامقة الألوان التى يتفوق فيها أهل الجزيرة العربية على كل من السوريين والمصريين.

قمت بالزيارة المعتادة فى مثل هذه الظروف ، فقد ذهبت لزيارة القاضى بمناسبة العيد ، وبعد انتهاء اليوم الثالث (المصادف للخامس عشر من شهر سبتمبر) توجهت إلى جدة لاستكمال معدات سفرى ، التى يسهل الحصول عليها فى جدة عن مكة. وبينما كنت فى طريقى إلى الشاطئ ، جرى أسرى بواسطة جماعة عابرة من الوهابيين ، وطال مقامى فى جدة مدة ثلاثة أسابيع ، وكان السبب الرئيسى وراء ذلك المقام الطويل هو تورم قدمىّ ، وهذا مرض شائع فى هذا الساحل غير الصحى ، الذى تتحول فيه عضة النملة الواحدة ، إذا ما أهملت ، إلى جرح خطير.

عدت إلى مكة فى حوالى منتصف شهر أكتوبر ، ومعى عبد كنت قد اشتريته من جدة. هذا الصبى كان من بين القافلة التى ذهبت معها من السودان إلى سواكن ، وقد اندهش هذا الصبى أيما اندهاش عندما رآنى على حال غير الحال التى رآنى عليها من قبل ، أخذت معى حمل جمل من المؤن والتموينات ، القسم الأكبر منها عبارة عن

١٣١

دقيق ، وبسكويت ، وزبد ، حصلت عليها من جدة بثلث الثمن الذى تباع به فى مكة ، وعقب وصولى إلى مكة مباشرة استأجرت سكنا لائقا فى حى من أحياء المدينة غير المطروقة ، ويسمونه حارة المسفلة. فى هذا الحى تمتعت بميزة وجود بعض الأشجار الكبيرة التى كانت أمام نافذتى ، كان منظر هذه الأشجار ، بين هذه الصخور القاحلة التى أحرقتها الشمس ، يدخل السرور إلى نفسى أكثر من أى منظر طبيعى آخر من المناظر التى يمكن أن أراها فى ظروف مختلفة عن الظرف الذى أنا فيه حاليا. فى هذا المكان كنت أتمتع بحرية واستقلال أحسد عليهما ، ترددت على أماكن كثيرة ، ورأيت الكثير من المجتمع بالطريقة التى تعجبنى ، واختلطت بكثير من الحجاج الأجانب من كل أنحاء الدنيا ، ولم أكن محطا للملاحظات البذيئة أو الاستفسارات المستفزة. وعندما كان أحد يسأل عن أصلى (وهذا أمر نادر الحدوث فى مكان يعج بالغرباء والأجانب) ، كنت أقول إنى واحد من فيلق المماليك الذين جرى تجريدهم من سلطتهم فى مصر ، وكان سهلا على تحاشى أولئك الأشخاص الذين ربما أدت معرفتهم الوثيقة بالبلاد إلى اكتشاف كذبى وتنكرى ، لكن لم يكن هناك ما يخيفنى من النتائج التى يمكن أن تترتب على أكتشاف أمرى ، ذلك أن مسألة التنكر أمر سائغ بين الرحالة الشرقيين كلهم ، وبخاصة فى مكة ، التى يدعى كل رحال فيها الفقر هربا من تكلفته ما لا يطيق أو تكبيده نفقات أو مصروفات كبيرة. طوال رحلاتى كلها فى الشرق ، لم أتمتع بمثل حرية الحركة التى نعمت بها فى مكة ، وسوف أحتفظ دوما بذكرى طيبة لمقامى فى ذلك البلد ، وذلك على الرغم من أن حالى الصحى لم يسمح لى بالاستفادة من المزايا كلها التى هيأها لى الموقف الذى كنت فيه ، وسوف أبدأ الآن فى وصف المدينة ، وسكانها ، والحج ، ثم أستأنف بعد ذلك قصة أسفارى.

١٣٢

١٣٣

__________________

(*) شرح المخطط : ١ ـ حى جرول.

٢ ـ حى الباب.

٣ ـ شبيكة.

٤ ـ حى الخندريه.

٥ ـ حى هجلة.

٦ ـ منزل من منازل الشرى.

٧ ـ الحى المسمى السوق الصغيرة.

٨ ـ الحى المسمى المسفلة.

٩ ـ الحى المسمى العمرة.

١٠ ـ الحى المسمى الشامية.

١١ ـ الحى المسمى السويقة.

١٢ ـ الحى المسمى قاران.

١٣ ـ منزل أسرة الجيلانى.

١٤ ـ حى شبه مهدم يسكنه الفقراء.

١٥ ـ الحى المسمى رقوية.

١٦ ـ وادى الناقه.

١٧ ـ القصور الرئيسية للشريف.

١٨ ـ الحى المسمى السليمانية.

١٩ ـ الحى المسمى عامر.

٢٠ ـ شارع الحدادين.

٢١ ـ الحى المسمى المعالة.

٢٢ ـ مسجد صغير.

٢٣ ـ الحى المسمى معمولة.

٢٤ ـ الحى المسمى غزة.

٢٥ ـ الحى المسمى شعب المولد.

٢٦ ـ الحى المسمى سوق لويل.

٢٧ ـ الحى المسمى المدعة.

٢٨ ـ مخزنان من مخازن الغلال.

٢٩ ـ المروة.

٣٠ ـ المسعى.

٣١ ـ الحى المسمى زقاق الحجر.

٣٢ ـ مولد ستنا فاطمة.

٣٣ ـ الشارع المسمى الدرب الصينى.

٣٤ ـ الشارع المسمى القشاشية.

٣٥ ـ الحى المسمى شعب على.

٣٦ ـ الصفا.

٣٧ ـ منازل الشريف.

٣٨ ـ آبار مالحة الماء فى أجزاء مختلفة من المدينة.

٣٩ ـ الحى المسمى جياد.

٤٠ ـ أكواخ يعيش فيها عبيد الشريف.

٤١ ـ قصر الشريف المسمى بيت السادة.

٤٢ ـ القلعة الكبيرة.

٤٣ ـ حى مهدم.

٤٤ ـ خان مهدم تابع للحج اليمنى.

٤٥ ـ بركة ماجن ، خزان ماء للحجاج اليمنيين.

٤٦ ـ بعض الحقول المنزرعة.

٤٧ ـ بركة الشامى.

٤٨ ـ بركة المصرى.

٤٩ ـ حقول منزرعة. ٥٠ ـ منزل من منازل الشريف.

١٣٤

مكة ، مكرمة بين العرب بألقاب كثيرة جزلة ومدوية ، وأشهر هذه الألقاب هى أم القرى ، والمشرفة ، والبلد الأمين. وقد ألف الفيروز آبادى صاحب القاموس مقالا كاملا عن أسماء مكة. هذه المدينة تقع فى واد ضيق ورملى فى آن واحد ، والاتجاه الرئيسى لذلك الوادى من الشمال للجنوب ، لكن هذا الوادى يغلب عليه الاتجاه ناحية الشمال الغربى فى اتجاه الطرف الجنوبى من المدينة. من حيث العرض نجد أن اتساع ذلك الوادى يتردد بين مائة خطوة وسبعمائة خطوة ، والقسم الأكبر من المدينة يوجد فى المنطقة التى يزداد فيها عرض الوادى أو اتساعه. فى الجزء الضيق من الوادى توجد صفوف من المنازل فقط ، أو الدكاكين المنفصلة. ومدينة مكة نفسها تغطى مساحة تقدر بحوالى ألف وخمسمائة خطوة من حيث الطول ، وذلك بدءا من الحى الذى يسمونه

__________________

٥٠ ـ منزل من منازل الشرف

٥١ ـ مقام ابن طالب.

٥٢ ـ غدران حجرية كبيرة مليئة بالماء.

٥٣ ـ طريق محمد مؤدى إلى الشيخ محمود.

٥٤ ـ الشيخ محمود فى مكان تخييم الحج السورى.

٥٥ ـ قبر خديجة زوجة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥٦ ـ قصر كبير من قصور الشريف يستخدم ثكنات للجنود.

٥٧ ـ ضواحى تسمى معابدة.

٥٨ ـ سبيل عام يجرى إمداده بالماء من القناة.

٥٩ ـ منتجعات صيفية للشريف.

٦٠ ـ بئر.

٦١ ـ المسجد الكبير الذى يسمى الحرم.

٦٢ ـ منزل القاضى الملحق بالمسجد.

٦٣ ـ قبر سيد عقيل ، التاجر الكبير والملحق بالمسجد.

٦٤ ـ مساكن تابعة لإحدى المدارس العامة يسكن الباشا الذى يجىء إلى مكة.

٦٥ ـ الجبل المسمى جبل هندى.

٦٦ ـ الجبل المسمى جبل ليلا أو جبل كوكخان ،

٦٧ ـ جبل أبو قبيص.

٦٨ ـ أعلى قسم جبال مكة المسمى خندامه.

٦٩ ـ جبل عمر.

(أ) أبراج مراقبة دائرية فى أجزاء مختلفة.

(ب) بطحاء فى أجزاء مختلفة.

(ج) مدافن ، الأول منها هو قبور شبيكة والثانى قبور المعالة.

(د) مخيم بدوى صغير.

(ه) أسبلة عامة يجرى إمدادها بالماء من القناة.

١٣٥

الشبيكة إلى نهاية المعالة ، لكن الطول الكلى للأرض التى تندرج تحت مسمى مكة ، والتى تبدأ من الضاحية التى يسمونها جرول (حيث يوجد المدخل القادم من جدة) وتنتهى عند الضاحية التى يسمونها المعابدة (على طريق الطائف) ، تقدر بحوالى ثلاثة آلاف وخمسمائة خطوة.

الجبال التى تحيط بهذا الوادى (التى أطلق العرب عليها ، قبل بناء المدينة ، اسم وادى مكة أو بكة) يتردد ارتفاعها بين مائتى قدم وخمسمائة قدم ، وهى جبال قاحلة جرداء خالية من الأشجار. والسلسلة الرئيسية من هذه الجبال تقع فى الجانب الشرقى من المدينة ، وينحدر الوادى انحدارا هينا ناحية الجنوب ، حيث يوجد الحى الذى يسمونه المسفلة (بمعنى المكان المنخفض) ، ومياه المطر التى تفقدها المدينة تتجه صوب جنوب المسفلة حيث الوادى المفتوح المسمى وادى الطرافين. القسم الأكبر من المدينة يقع فى هذا الوادى نفسه ، لكن هناك أجزاء أخرى مبنية على جوانب الجبال ، وبخاصة السلسلة الشرقية ، التى يوجد فيها مساكن القرشيين ، والتى يبدو أن المدينة القديمة كانت مقامة عليها.

يمكن القول إن مكة بلد جميل : شوارعها أوسع بشكل عام من شوارع المدن الشرقية الأخرى ، ومنازلها مرتفعة ، ومبنية من الحجر ، ونوافذها المتعددة التى تطل على الشارع تضفى على هذه المنازل المزيد من الحياة والحيوية وتضفى عليها مسحة أوروبية ، وذلك على العكس من المنازل المصرية والسورية التى ليس فيها سوى عدد قليل جدا من النوافذ التى تفتح على الشارع. مكة (شأنها شأن جدة) تحتوى على كثير من المنازل المكونة من ثلاثة طوابق ، لكن اللون الرمادى الغامق للحجر هو اللون المفضل فى مكة ، بعكس اللون شديد البياض الذى يؤذى العيون فى جدة. فى السواد الأعظم من مدن الليفانت ، نجد أن ضيق الشوارع يسهم فى برودتها ، وفى البلدان التى لا تستخدم فيها العربات ذات العجلات ، نجد أن الفرغ الذى يسمح بمرور جملين إلى

١٣٦

جوار بعضهما يعد مساحة كافية لعرض الشارع. ومع هذا كان من الضرورى فى مكة أن يكون المرور واسعا وحرا ، تحسبا للجماهير الغفيرة التى تتجمع فى هذا البلد ، يضاف إلى ذلك أن من الضرورى أن تكون النوافذ على هذا النحو فى المنازل المعدة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج والمسافرين.

مكة ، مدينة مفتوحة من الجوانب كلها ، والجبال القريبة منها إذا ما أحسن الدفاع عنها يمكن أن تكون حاجزا قويا ومانعا قويا أيضا فى وجه العدو. كان لمكة فى الأزمان السابقة ثلاثة أسوار لحماية أطراف المدينة ، واحد من تلك الأسوار الثلاثة جرى بناؤه عبر (الوادى) عند شارع المعالة ، والثانى جرى بناؤه فى حى الشبيكة ، والثالث فى الوادى المفتوح على المسفلة. هذه الأسوار الثلاثة جرى ترميمها فى العامين الهجريين ٨١٨ و ٨٢٨ ، وفى القرن الماضى كانت لا تزال هناك بعض من آثار هذه الأسوار (*).

المكان العام الوحيد فى المدينة كلها هو الميدان الفسيح الخاص بالحرم ، ليس فى المدينة أشجار أو بساتين تسر الناظرين ، والمشهد لا يعج بالحيوية والحياة إلا فى موسم الحج ؛ نظرا للأعداد الكبيرة من الدكاكين المليئة بالبضائع التى توجد فى سائر أحياء المدينة ، وإذا ما استثنينا أربعة منازل أو خمسة مملوكة للشريف غالب ، نجد أن هناك مدرستين (تحولتا إلى مخازن للغلال فى الوقت الراهن) ، ونجد أيضا الجوامع هى والمبانى والمتنزهات الملحقة بها. مكة ليس فيها من المبانى العامة ما يمكن أن تتفاخر أو تتباهى به ، ولذلك فهى فى هذا الصدد تعانى عجزا أكثر من أية مدينة شرقية أخرى لها حجم مكة. والمدينة خالية من الخانات ، المطلوبة لإقامة المسافرين ، أو لتخزين البضاعة ، وليس فيها قصور لعلية القوم والأعيان ، أو مساجد

__________________

(*) راجع الأزرقى ، والفاسى وقطب الدين.

١٣٧

تزين كل حى من أحياء المدينة كما هو الحال فى مدن الشرق الأخرى ، ونحن قد نعزى افتقار مكة إلى المبانى الفخمة ، إلى التوقير والتقدير اللذان يسبغهما أهل مكة على المسجد الحرام ، هذا يمنع أهل مكة من إنشاء أى مبنى يمكن أن يكون منافسا للحرم.

طريقة البناء فى مكة هى أيضا الطريقة المتبعة فى جدة ، إضافة إلى أن نوافذ منازل مكة تطل على الشارع ، عدد كبير من النوافذ فى مكة تبرز من الحائط ، لكن إحدى هذه النوافذ محفورة حفرا جيدا ، أو مدهونة دهانا جيدا ، ومن أمام هذه النوافذ تتدلى بعض الستائر المصنوعة من البوص الرفيع ، وهذه الستائر تمنع الذباب والنمل فى الوقت الذى تسمح فيه هذه النوافذ بتجدد الهواء. كل منزل من منازل مكة له شرفته الخاصة ، وأرضية هذه الشرفة (المكونة من خلطة من الحجر الحجرى) مبنية بميل خفيف ، حتى يمكن لمياه الامطار أن تندفع من خلال الميازيب إلى الشارع ، وسبب ذلك أن المطر شحيح فى مكة ، على نحو لا يساوى مشقة تجميع مثل هذا الماء فى خزانات ، مثلما يحدث فى سوريا. شرفات المنازل هنا بجدران خفيفة على شكل حاجز ، وسبب ذلك هو أن أهل الشرق كلهم ، يعتبرون ظهور الرجل فى شرفة المنزل شيئا سيئا ، إذ يمكن اتهام الرجل الذى يرتكب مثل هذا العمل بأنه يتلصص على النساء فى البيوت المجاورة ؛ نظرا لأن النساء يقضين القسم الأكبر من وقتهن فى شرفات المنازل ، وهن يؤدين الأعمال المنزلية التى من قبيل تجفيف القمح ، ونشر الغسيل إلخ. الأوروبيون الذين فى حلب هم وحدهم الذين يتمتعون بميزة الوقوف فى شرف المنازل ، التى تبنى من الحجر وبطريقة جميلة ، هؤلاء الأوروبيون يلجأون إلى شرف المنازل فى فصل الصيف وبخاصة فى المساء ، ويصل الأمر بهم إلى حد تناول العشاء والنوم فى تلك الشرف. كل مبانى المكيين ، فيما عدا منازل الأثرياء والأعيان ، يجرى إنشاؤها لإقامة المستأجرين إذ يجرى تقسيم المنزل إلى شقق عدة ، منفصلة عن بعضها البعض ، ويتكون كل منها من غرفة جلوس ومطبخ صغير. ومنذ أن بدأ الحج ينحسر ، (حدث ذلك

١٣٨

قبل الغزو الوهابى) لم يعد كثير من المكيين يجنون فائدة من وراء منازلهم ، وبالتالى وجدوا أنفسهم عاجزين عن القيام بأعمال الصيانة المطلوبة لهذه المنازل ، الأمر الذى أدى إلى انهيار كثير من هذه المنازل فى الضواحى البعيدة وتحولت إلى أنقاض ، فضلا عن ظهور كثير من المبانى المتحللة فى المدينة نفسها. شاهدت واحدا من تلك المبانى التى جرى تشييدها مؤخرا ، كان ذلك المنزل فى حى الشبيكة ، وهو من المنازل المملوكة للشريف غالب ، وقد تكلف ذلك المنزل ، على حد قول أحد التقارير ، مائة وخمسين كيسا من أكياس النقود. المنزل الذى من هذا النوع فى القاهرة يتكلف بناؤه ستين كيسا فقط.

شوارع مكة كلها غير ممهدة ، وفى فصل الصيف يشكل الرمل والغبار مصدرا كبيرا للقلق فى هذه الشوارع ، كما يشكل الوحل مصدرا للقلق أيضا فى هذه الشوارع فى موسم الأمطار ، يتعذر تجاوز تلك الشوارع بعد سقوط المطر ؛ وسبب ذلك أن المطر الذى يسقط داخل المدينة لا ينصرف ماؤه ، وإنما يبقى إلى أن يجف. وبذلك يمكن أن نعزى سقوط المساكن القديمة فى مكة وانهيارها إلى الأمطار المدمرة رغم عدم استمرارها مدة طويلة ، كما هو الحال فى المناطق الاستوائية الأخرى ، الكعبة نفسها جرت صيانتها مرات عدة ، فى عهود عدد كبير من السلاطين ، إلى حد أننا يمكن أن نقول إن المسجد الحرام حديث البناء ، وفيما يتعلق بالمنازل ، فأنا لا أظن أن هناك منزلا واحدا يزيد عمره على أربعة قرون ، وهذا ليس هو المجال الذى يتعين على الرحال البحث فيه عن عينات ونماذج معمارية مهمة ، أو بقايا المنشآت الإسلامية الجميلة مثل تلك التى فى سوريا ، ومصر ، وباربارى ، وإسبانيا. فى هذا المجال بالذات نجد أن مكة صاحبة الشهرة العريقة تتفوق عليها أصغر البلدان فى كل من سوريا ومصر. الشىء نفسه يمكن أن يقال ، مع احترامى أيضا للمدينة المنورة ، كما أشك أيضا فى أن تكون بلدان اليمن تفتقر إلى الآثار المعمارية.

١٣٩

مكة تفتقر أيضا إلى القواعد المنظمة للشرطة التى تسود المدن الشرقية الأخرى. شوارع مكة شديدة الظلمة أثناء الليل ، ولا يجرى إضاءة أية مصابيح فى شوارع هذا البلد أثناء الليل ، مختلف أحياء مكة ليس لها بوابات وبذلك فهى تختلف فى ذلك عن سائر السواد الأعظم من المدن الشرقية ، التى لكل حى من أحيائها بوابته الخاصة التى يجرى إغلاقها بعد صلاة العشاء. هذا يعنى أن المدينة يمكن التنقل خلالها فى أية ساعة من ساعات الليل ، والشىء نفسه ينسحب على عدم تأمين التجار والزراع (الذين تغلق البوابات بسببهم ومن أجل الحفاظ عليهم) مثلما يحدث فى كل من مدن سوريا ومصر. المخلفات ، ونفايات الكنس يجرى وضعها أمام المنازل فى الشوارع ، وبذلك تتحول تلك النفايات إلى تراب أو وحل حسب الطقس السائد. يبدو أن هذه العادة كانت سائدة أيضا فى الأزمان القديمة ، وسبب ذلك أنى لم ألاحظ على حدود البلدة الخارجية أكوام النفايات التى غالبا ما توضع بالقرب من المدن الكبيرة فى تركيا.

لا يوجد فى مكة سوى قلة قليلة من الخزانات التى تستخدم فى تجميع مياه المطر ، ونجد أيضا أن مياه آبار مكة مالحة المذاق ، وهى لا تستخدم إلا فى أغراض الطهى والتنظيف ، فيما عدا موسم الحج الذى يضطر الحجاج من الطبقات المتدنية إلى شرب ذلك الماء المالح. بئر زمزم الشهيرة ، الموجودة فى المسجد الحرام ، غزيرة المياه على نحو يكفى لإمداد المدينة كلها بالماء ، لكن بغض النظر عن قداستها فإن ماءها ثقيل المذاق ويقاوم عسر الهضم ، الطبقات الفقيرة المحيطة بالبئر ليس لديها تصريح أو إذن بملء قرابها من هذا المكان حسبما يشاءون. أعذب ماء فى مكة هو الذى يجلب عن طريق قناة من المنطقة المجاورة لعرفات ، الذى يبعد عنها مسير ست ساعات أو سبع. الحكومة الحالية بدلا من إنشاء أعمال جديدة مماثلة لتلك القناة ، تهمل حتى صيانة المجرى المائى الحالى وتنظيفه. هذا المجرى المائى مبنى كله من الحجر ، والأجزاء

١٤٠