ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

جون لويس بوركهارت

ترحال في الجزيرة العربية - ج ١

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: صبري محمّد حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المركز القومي للترجمة
الطبعة: ١
ISBN: 977-437-387-1
الصفحات: ٣٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

المحتويات

مقدمة الترجمة............................................................................................ ٧

ـ تصدير المعد.......................................................................................... ١٥

ـ مقدمة المؤلف........................................................................................ ٢٣

الوصول إلى جدة..................................................................................... ٢٥

ـ الطريق من جدة إلى الطائف..................................................................... ٨٠

ـ الإقامة فى الطائف.................................................................................. ٩٨

ـ الرحلة إلى مكة.................................................................................... ١١٦

ـ الوصول إلى مكة.................................................................................. ١٢٤

ـ وصف مكة........................................................................................ ١٣٣

ـ أحياء مكة.......................................................................................... ١٤٣

ـ وصف بيت الله................................................................................... ١٧١

ـ ملاحظات تاريخية................................................................................ ٢٠٥

ـ ملاحظات عن سكان مكة وسكان جدة.................................................. ٢٢٥

ـ حكومة مكة....................................................................................... ٢٧٠

ـ مناخ كل من مكة وجدة وأمراضهما.......................................................... ٢٩٤

٥
٦

تقديم المترجم

إذا كان بالجريف قام برحلته فى عام كامل وأسفرت عن كتابه المعنون : «وسط الجزيرة العربية وشرقها» الذى يقع فى جزأين ، ومن بعده دوتى الذى أمضى عامين فى الجزيرة العربية ، وأسفرا عن كتابه المعنون : «ترحال فى صحراء الجزيرة العربية» ، الذى يقع فى جزأين كذلك ، ومن بعد بالجريف ودوتى يجىء فيلبى الذى أصدر كتابا بعنوان : «قلب الجزيرة العربية» (*) فى جزأين أيضا ، فإن بوركهارت قد سبق كل هؤلاء فى العام ١٨١٠ م ، وزار الجزيرة العربية ليؤلف كتابى : «تجوال فى الجزيرة العربية» فى جزأين ، و «ملاحظات عن البدو والوهابيين» فى جزأين أيضا ، والذى لم ينشر إلا فى العام ١٩٢٨ م.

ترحال فى الجزيرة العربية

أحد الكتب القيمة التى ألفها واحد من أدق الرحالة ، وأكثرهم علما ، فضلا عن أنه أيضا من الرحالة المحدثين الذين يشيعون الأنس والود فيما يكتبون.

الكتاب عبارة عن تاريخ للحجاز خلال عام ١٨١٠ م ، أو إن شئت فقل إنه تاريخ للأرض المقدسة والمسلمين ، وهذه المنطقة لم تكن معروفة فى أوروبا فى زمن بوركهارت. كما يشمل الكتاب أيضا وصفا لمدينة مكة [المكرمة] ، والمدينة [المنورة] ،

__________________

(*) هذه الكتب الثلاثة من منشورات المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومى للترجمة ، وكلها ترجمة صبرى محمد حسن.

٧

وينبع. والكتاب يستثير فضول قارئه إلى أبعد حد ممكن ، وبخاصة إذا ما عرفنا أن بوركهارت أقام فى تلك المدن على أنه مسلم بين أناس كان يعلم أن أحدا من الرحالة لم يستطع أن يكتب أى شىء عنهم ، وبخاصة غير المسلمين الذين لم يكن مسموحا ببقائهم فى البلاد. هذا الكتاب كنت أبحث عنه منذ زمن طويل ، ولم أوفق إلا فى العثور على الجزء الثانى منه لدى كتبى عتيق يعيش خارج مصر.

يقسم بوركهارت الجزء الأول إلى اثنى عشر فصلا ، أولها : الوصول إلى جدة. وثانيها: الطريق إلى الطائف. وثالثها : الإقامة فى الطائف. أما الفصل الرابع فقد اختار بوركهارت له عنوان : الرحلة إلى مكة. وأعطى الفصل الخامس عنوان : الوصول إلى مكة. وأطلق على الفصل السادس عنوان : وصف مكة. أما الفصل السابع فقد تناول الرجل فيه وصف أحياء مكة. وخصص الفصل الثامن لوصف بيت الله. أما الفصل التاسع فهو عبارة عن : بعض الملاحظات التاريخية عن الكعبة والمسجد المكى. والفصل العاشر : ملاحظات عن سكان مكة وسكان جدة. والفصل الحادى عشر خصصه المؤلف لحكومة مكة. وفى الفصل الأخير يتناول المؤلف مناخ وأمراض كل من مكة وجدة.

يقسم بوركهارت الجزء الثانى إلى عشرة فصول ، أولها بعنوان : الرحلة من مكة إلى المدينة المنورة. وثانيها بعنوان : المدينة المنورة. أما الفصل الثالث فعنوانه : وصف المدينة المنورة. اختار بوركهارت للفصل الرابع عنوان : مزارات المدينة المنورة. وأعطى الرجل الفصل الخامس عنوان : سكان المدينة المنورة. والفصل السادس يتناول : حكومة المدينة المنورة. والفصل السابع يقع تحت عنوان : سكان ومناخ وأمراض المدينة المنورة. والفصل الثامن عنوانه : رحلة من المدينة المنورة إلى ينبع.أما الفصل التاسع فقد اختار المؤلف له عنوان : ينبع ، أما الفصل العاشر فعنوانه : من ينبع إلى القاهرة.

يضاف إلى ذلك مجموعة الملاحق القيمة. التى ذيل بها المؤلف الكتاب.

٨

مكانة بوركهارت بين الباحثين

فى عالم البحث والباحثين ، وبخاصة فيما يتعلق بمن جاءوا بعد بوركهارت ، لا نجد اسما من بين أسماء أولئك الذين استكشفوا الجزيرة العربية ، يستحق الثناء والتقدير أكثر من اسم بوركهارت ، وهو لا يستحق كل هذا الثناء والتقدير على كبر اكتشافاته وزخمها (على الرغم من ادعائه الأولوية فى كثير من الأمور) ، وإنما لأن ترحّل هذا الرجل غطى مساحة أقل من المساحة التى غطاها نيبور. لم يواجه بوركهارت أخطارا كبيرة ، ولم يواجه صعوبات غير مسبوقة ، ولم يدخل فى مغامرات تثير الدهشة والعجب. كان إبراهيم بن عبد الله (بوركهارت) واحدا من تلك الجماعة الصغيرة صاحبة الحكمة الحكيمة ، وواحدا من أولئك الرحالة المستبصرين الذين يمضون فيما يفعلون بسهولة ويسر ، فى الوقت الذى يكابد فيه رحالة آخرون المتاعب والمشاق ، ولا يعلمون شيئا عن اللحظات المثيرة فى أرض يمكن أن تعمر بالمخاطر فى أى وقت من الأوقات. وإبراهيم بن عبد الله هذا يشهد ويقر أنه لم ينعم بالسلام والطمأنينة إلا عند ما كان فى مكة ، كما يشهد ويقر أيضا أنه لم يلاق فى الجزيرة العربية أحداثا أسوأ من الأحداث التى يمكن أن تقع لعابرى السبيل أو الحجاج العاديين فى الحجاز ، ولو لا الأمراض الكثيرة التى أصابت جسمه لسجل لنا ذلك الرجل رواية مثيرة. كان إبراهيم بن عبد الله (بوركهارت) ضليعا فى الشريعة والأعراف الإسلامية ، ولم يكن ينكر أنه أوروبى ، ولكنه كان يدعى ادعاء منطقيا بأنه مرتد عن دينه ودخل فى دين الإسلام منذ بضع سنين ، وأن الرجل لم يفعل فى حياته اليومية أى شىء غير ذلك الذى يفعله أى رجل من الرجال المتعلمين المستنيرين أصحاب الدين ، كما كان الرجل يتكلم العربية بطلاقة ، وكانت لغته العربية سليمة ، يزاد على ذلك أن بوركهارت لم يهيئ الفرصة التى يمكن أن تمكن منه أيّا من الباشا المصرى الذكى ، أو أهل المدينتين المقدستين الواعين المتنبهين ، أو أولئك المتشددين الذين يتجمعون فى موسم الحج ، أو البدو الأجلاف الذين صادفهم على الطريق.

بقى أن نقول أن بوركهارت كان يحكم على الأمور من وجة نظره الميثولوجية المحدودة وهذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

٩

فضل بوركهارت

الفضل المنسوب إلى بوركهارت لا يرجع إلى رؤية هذا الرجل لأشياء كثيرة فى الجزيرة العربية ، وإنما للأشياء الكثيرة التى وقف عليها فى هذا العدد القليل من الأشياء التى رآها ، وهذا راجع إلى رؤية الرجل الواضحة واستعداده الذهنى نتيجة دراسته للسلطات المحلية. عظمة بوركهارت لا تتجلى فيما هو جديد على العلم الغربى ، وإنما فى أنه صادق ولا يزال صادقا وحقيقيا إلى الآن. كان بوركهارت الأول من بين رحالة الجزيرة العربية ، الذى فهم مسألة التزام المستكشف باستخدام التقصى بكل أنواعه وصنوفه ، كما أن قلة قليلة من المستكشفين هم الذين تركوا وراءهم شيئا قليلا لذلك الرجل الذى جاء بعدهم. يضاف إلى ذلك أن وصف بوركهارت لكل من جدة ومكة [المكرمة] إنما هو وصف موسوعى ، الثمرة الطيبة لعين متأنية وفاحصة لم تغمض مطلقا عن الاهتمام بكل ما يتعلق بالبشر. وبيرتون عندما تحتم عليه تقديم روايته الخاصة لزيارته التى قام بها إلى العاصمة الدينية بعد ذلك بأربعين عاما لم يكن أمامه أفضل من الاقتباس عن بوركهارت ، وعندما يجد بيرتون Burton ما يضيفه إلى الوصف الذى قدمه سلفه للمدينة [المنورة] ، فإن السبب فى ذلك يكون راجعا إلى المرض الذى أصاب بوركهارت وأودى بحياته خلال عامين.

ليس لدينا ما يزيد على ما قلناه عن الرحلات الحقيقية التى قام بها بوركهارت فى الجزيرة العربية. كل ما فى الأمر أن الرجل ذهب مباشرة من جدة إلى الطائف ، مارا بذلك على ركن من أركان مكة [المكرمة] ، كما مر أيضا من فوق جبل قورة. وبعد أن تحسنت علاقته بمحمد على عاد فى ثوب التقوى والدين إلى المدينة المقدسة ليكون فى انتظار مجىء قوافل الحج. وبصحبة المؤمنين أدى الرجل فريضة الحج فى شهرى نوفمبر وديسمبر ، ولكن ضاعت منه فرصة العودة ، وغادر مكة [المكرمة] مع بعثة الحج السورية ، وكان السبب فى ذلك هو هروب الجمّالة المرافقين له ومع ذلك ، عندما عثر الرجل على جماعة صغيرة متجهة إلى المدينة [المنورة] فى شهر يناير

١٠

من العام ١٨١٥ الميلادى ، رافق تلك الجماعة على الطريق الساحلى وزار قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يلازم الفراش إلى شهر إبريل. وبعد أن تعافى الرجل تراجع عن الرحلة البرية إلى مصر ، لأنه كان يود زيارة الآثار الحجرية فى الحجر (مدائن صالح) ، ووصل الرجل إلى ينبع ، ومنها استقل سفينة من السفن ليصل إلى القاهرة التى وافته المنية فيها.

بقى أن أقول إن الجزء الثانى مذيّل بملحق قيم يحتوى على الرسالة التى أرسلها محمد على باشا إلى المدينة [المنورة] يعلمهم فيها بانتصاره على الوهابيين ، ورسالة أخرى أرسلها عبد الله بن سعود إلى طوسون باشا ولد محمد على بعد أن قرر مغادرة القصيم عائدا إلى المدينة [المنورة]. والغريب فى الأمر أن رعاة بوركهارت يقولون إنه لديه الأصل العربى لهاتين الرسالتين. وهذا يعنى أن بوركهارت كان من المقربين إلى محمد على باشا ، وهذه نقطة غاية فى الأهمية. كما تحتوى الملاحق على خطبة من خطب عبد الله بن سعود الدينية الموجهة إلى أهل مكة وهى تستحق الدراسة بعناية فائقة.

صبرى محمد حسن

١١
١٢

١٣
١٤

تصدير المعد

مضت الآن بضع سنوات على تقديم قسمين من مؤلفات بوركهارت (هما : أسفار فى النوبة وسوريا) للجمهور ، واستقبال الجمهور لهذين القسمين استقبالا لائقا. كان نجاح هذين الكتابين مؤكدا لا بحكم فائدتهما ، وإنما بحكم شهرة من قام بإعدادهما للنشر ؛ حيث إنه كان باحثا وأثريا ، ورحالا وجغرافيا أيضا. وهنا يجب ألا ينظر إلى التأخر فى نشر هذين الجزأين على أن محتوياتهما أقل أو أدنى أهمية من تلك الأجزاء التى ثبتت أهميتها وغزارة مادتها عند جمهور كبير من القراء. كان قد تقرر لهذه اليوميات ، والمؤلفات الأخرى لذلك المؤلف الذى لقى ربه ، أن تصدر متتالية من المطبعة على حد قول العقيد ليك فى التصدير الذى كتبه لكتاب ترحال فى سوريا : «كانت المخطوطات كافية لإصدار جزأين : جزء منهما خاص بأسفار الرجل فى الجزيرة العربية ، التى كانت مقصورة على الحجاز أو أرض المسلمين المقدسة ، ذلك الجزء الذى يصعب وصول المسيحيين إليه.

وفيما يتصل بذلك الجزء المعروض حاليا على القارئ ، نجد العقيد ليك ، يعبر فى موضع آخر عن رأى ينطوى على كثير من التملق. يقول العقيد ليك : «نقل بوركهارت إلى الجمعية أكمل رواية وأدقها عن الحجاز ، بما فى ذلك مكة [المكرمة] والمدينة [المنورة] ، وقد تمكن بوركهارت بفضل معرفته للغة العربية والعادات الإسلامية من انتحال شخصية المسلم انتحالا دقيقا ، إلى حد أنه أقام فى مكة طوال فترة الحج ، وأدى المناسك ، دون أن يتطرق الشك إلى شخصيته». (راجع سيرة بوركهارت الملحقة بكتابه أسفار فى النوبة ، طبعة عام ١٨١٩ م.

١٥

فى ضوء الاحتياج الشديد إلى هذه النوعية من الكتب ، قام المعد القدير الذى سبق أن أشرف على مؤلفات بوركهارت السابقة ، بتصحيح هذه المخطوطة فى بعض أجزائها ، بحيث تصبح صالحة للنشر ، لكن بعض المشكلات الأدبية المهمة التى حالت بين العقيد ليك وبين الإشراف على نشر هذا الجزء من الخطة التى سار عليها العقيد ليك ، وبخاصة ما يتعلق بتعبير المؤلف عن مشاعره فى المناسبات كلها ، والمحافظة على رشاقة الأسلوب ، واختيار المصطلحات ، وعلى لغة المؤلف الأصلية فى المناسبات التى يتعذر فيها تماما الاتفاق مع عباراتنا وأساليبنا التعبيرية ، وكذلك التراكيب النحوية الخاصة ببعض المصطلحات المسكوكة الأجنبية ، التى تسللت إلى مؤلفاتنا الإنجليزية (*).

قد تبدو الخريطة الملحقة ببداية الكتاب غير ذات بال ، من منطلق أن مواقع كل من جدة ومكة والمدينة ، وكذلك ينبع ، وهى المدن الرئيسية التى زارها بوركهارت فى الحجاز ، سبق التعرف عليها من خلال خرائط سبق نشرها توضح ترحال الرجل فى كل من النوبة وسوريا. ولكن نظرا لأن قارئ هذا الكتاب سيكون بحاجة دوما إلى مرجع يعاود الرجوع إليه ، فقد رأينا إيراد هذه الخريطة عوضا عن المؤلفين السابقين من مؤلفات بوركهارت هذه الخريطة جرى إعدادها بواسطة السيد سيدنى هول Hall ، الذى التزم فى تنفيذ الخارطة بكل ما أوصى به معد الكتاب : الذى جرى ـ بناء على توصية منه ـ تدوين أسماء الأماكن من الناحية الهجائية بطريقة بوركهارت بغض النظر عن اختلاف هذه الطريقة عن الطريقة المعتادة(**).

__________________

(*) رأينا من باب الإسراع والتعجيل بإصدار الكتاب أن نورد الكلمات العربية الواردة فى النص الأصلى عقب الكلمة الإنجليزية مباشرة ، ولكن ارتأينا فى النهاية وضعها فى نهاية الكتاب فى شكل فهرس ، مع الإشارة إلى الصفحة التى وردت فيها الكلمة.

(**) من هنا نجد أن بعض الأسماء مثل Mekka كان يمكن أن تكون Mecca ، والحجازHejaz ، وجدةJedda ، ونجدNajed يمكن أن تكون معبرة عن الأصوات الصحيحة فى هذه الكلمات : Hedjaz ، Djidda ، ونجدNadjed ، يضاف إلى ذلك أن هذا الهجاء أقرب ما يكون إلى الحروف العربية التى يجرى فيها استعمال حرف j الإنجليزى (كما هو فى كلمةJar ، وجيمس James ، إلخ) بدون إضافة حرف d ؛ وذلك على الرغم من أن وضع حرف d قبل حرف j يمنع المواطن الفرنسى من نطقها على النحو الذى ترد عليه فى الكلمةJour (يوم) ، jamais (مطلقا) ، إلخ.

١٦

وعملا بنصيحة معد الكتاب ، جرى فى الخريطة إدراج كثير من الأماكن الواقعة على الحدود الشرقية للحجاز ، وذلك من منظور بعض المواضع التى وردت فيها هذه الأماكن ، وتطرق بوركهارت إلى ذكرها ، على الرغم من عدم زيارته لها.

يزاد على ذلك أن مسألة عدم دخول هذه الأماكن ضمن منطقة الحجاز تعد أمرا شديد الوضوح ، لكن إلى أى مدى يمتد إقليم الحجاز ، تلك قضية لا يسهل تحديدها. أضف إلى ذلك أن الصعوبة نفسها تتكرر فى مواضع مختلفة ، وقد رجع معد الكتاب ـ من باب تأكيد تسليمنا بانفصال الحجاز عن مناطق الجزيرة العربية الأخرى ـ إلى عدد كبير من المؤلفين الأوروبيين والشرقيين. ومع ذلك ، لم يكن التحرى والاستقصاء الذى قام به معد الكتاب أمرا طيبا أو مرضيا ؛ وسبب ذلك أن بعض هؤلاء المؤلفين نسبوا إلى البلدان المحيطة مدنا بعينها ومحطات بعينها ، بل وأحياء بعينها ، وأن هذه المدن والمحطات والأحياء نسبها إلى الحجاز مؤلفون ثقات آخرون.

هذا الخلط يرجع فى بعض أجزائه إلى التصريحات المختلفة عن عدد ومدى وأسماء الأقسام الداخلة ضمن الاسم نفسه ، فى الوقت الذى قد يكون الخطأ فيه من منظور المؤلفين الأوروبيين ، واقعا ضمن الأقاليم الثلاثة الكبيرة : الحجرى ، والصحراء ، أو اليمن السعيد ، وإذا كان المؤرخون الشرقيون يقسمون المكان إلى قسمين ، أو خمسة أقسام أو ستة أو سبعة أو أكثر من ذلك تحت مسميات لا علاقة لها بالكنى والنعوت التى أوردناها ، والتى اقترضناها بدورنا من الإغريق والرومان.

مسألة صعوبة ، أو بالأحرى استحالة ، تحديد كل منطقة من المناطق العربية تحديدا دقيقا ، أمر يقره ويعترف به دانفيل ذلك الجغرافى الشهير ، بسبب الخلط بين الإقليم الذى يشمل كلا من مكة وجدة وينبع (وكلها على حد علمنا من مناطق الحجاز) وبين اليمن السعيد. (*) وهذا أيضا هو هربيلوت ، فى أحد المواضع يقول إن

__________________

(*) دانفيل ، الجغرافيا القديمة.

١٧

الحجاز هو الجزيرة العربية ، (*) ونراه فى موضع آخر يشير إلى الحجاز باعتباره صحراء الجزيرة العربية (**).

بعض المؤلفين الشرقيين يقسمون الجزيرة العربية إلى قسمين : اليمن والحجاز ، وبعض آخر يقسمونها إلى خمسة أقسام كبيرة : اليمن والحجاز ونجد وتهامة واليمامة. وقد أدرجت البحرين أيضا ضمن هذا التقسيم ؛ كما جرى أيضا تسمية العارض على أنها منطقة من مناطق الجزيرة العربية ، لكن يبدو أن العارض هذه مثل اليمامة تماما. يرى بعض المؤلفين أن حضرموت ، والمهرة ، وشيجر ، وعمان ، والتقسيمات الأخرى مناطق مستقلة ، كما يخلط بعض المؤلفين الآخرين بين هذا ، والمناطق والأقاليم الأكبر منها مثل اليمن ، الحجاز. بل تجرى إضافة نجد نفسها ، فى كثير من الأحيان ، إلى الحجاز.

فيما يتصل بحدود هذه المناطق ، نجد أن الأقوال المتعارضة الصادرة عن كثير من الجغرافيين الشرقيين ، أسفرت عن كثير من الخلط والتعارض ؛ عند كل من الإدريسى ، وأبى الفداء ، والميدانى ، وابن حوقل ، وابن الفارض ، وآخرين. يقول السيد روميل ، أحد المعلقين النجباء على أبى الفداء : تضطر «الجزيرة العربية» فى أحيان كثيرة إلى الاعتراف بصعوبة الوقوف على بداية التقسيم وعلى نهايته أيضا. وفيما يتعلق بحدود الحجاز بصفة خاصة ، نجد أبا الفداء يلزم الصمت ، لكن يبدو أن رأى أبى الفداء ، فى ضوء ما استطاع السيد / روميل جمعه من الروايات المتفرقة عن

__________________

(*) راجع المكتبة الشرقية حيث ورد الآتى : الحجازHegiaz أو ـ Higiaz اسم إقليم من أقاليم الجزيرة العربية ، ونحن نطلق على هذه المنطقة اسم Pierreuse. وهذا ريتشاردسون فى معجمه العربى الفارسى يشرح الحجاز قائلا : «مكة والبلاد المجاورة لها». وهذا أيضا ديمترياس السكندرى الذى ترجم بعض أجزاء من جغرافية أبى الفداء إلى اللغة اليونانية ، (طبع فيينا ، فى العام ١٨٠٧ الميلادى ، ٨ أجزاء) يقول أيضا إن الحجاز هو الجزيرة العربيةpetraea.

(**) منطقة تهامة ومنطقة اليمامة ... نحن نسميها «الصحراء العربية». المكتبة الشرقية ، مادة «عرب».

١٨

الأماكن التى فى هذه المنطقة والمناطق المجاورة ، لم ينطبق فى كل الأحيان على ما قاله كبار الجغرافيين الآخرين (*).

قد نتساءل عن السبب الذى جعل رحالنا البحاثة فى كل الأحيان لا يتعلم من أحد المواطنين النابهين الامتداد الدقيق للحجاز والحدود الدقيقة له ، والرد على هذا السؤال نجده فى المقطوعة التى كتبها بوركهارت فى نهاية الكتاب ، والتى هى موجهة للملاحق) ، كما توضح هذه المقطوعة أيضا أن السكان أنفسهم لا يتفقون على مدلول اسم الحجاز ومداه. يقول بوركهارت : «الاسم حجاز لا يستخدمه بدو الجزيرة العربية بالمدلول المعتاد لهذا الاسم ؛ البدو يقصرون دلالة الحجاز على المنطقة الجبلية التى تضم كثيرا من الوديان الخصبة الواقعة جنوبى الطائف ، والممتدة إلى مضارب سكن عرب عسير ، التى تبدأ عندها زراعة أشجار البن على نطاق واسع. هذا هو التطبيق العام ، أو إن شئت فقل : الدلالة العامة لذلك المصطلح بين بدو هذه البلاد ، وحضر مكة وجدة يستعملون هذا المصطلح فيما بينهم بهذه الدلالة نفسها. لكنهم عندما يتحدثون مع الآخرين ، الذين يحترمون أفكارهم ، يسحبون دلالة هذا المصطلح على كل من الطائف ، ومكة والمدينة المنورة ، وينبع ، وجدة. والبدو يطلقون اسم الغور أو إن شئت فقل : الأرض الخفيضة ، على المنطقة كلها الواقعة غربى الجبال من مكة إلى بدر وينبع ، فى حين نجد أن الجبال الواقعة شمالى الطائف يسميها البدو باسم حجاز الشام ، أو بالأحرى حجاز الشمال (**)».

__________________

(*) راجع كتاب كريستوفورى روميل عن أبى الفداء طبع جوتنجاى فى العام ١٨٠٢ الميلادى ، أربعة أجزاء.

(**) هذا يؤكد اشتقاق الحجاز (التى وردت عند جوليوس (Golius من كلمة (ahhtedjezet) التى معناهاHhegiaz) ، لكن آخرين يشتقون كلمة حجاز من الكلمة العربية «يحجز» ، وسبب ذلك أن الحجاز يفصل نجد عن تهامة ، أو لأن الحجاز يصل اليمن بسوريا ، وهو (الحجاز) يقع فيما بينهما. ويجب أيضا النظر إلى الملاحظة بالغة القصر التى كتبها بوركهارت على أن لها قيمتها ، وبخاصة أنها تجىء على النحو التالى : «أنا أقدر سكان المنطقة التى يطلق عليها بصورة عامة اسم الحجاز ، والتى تشمل أرض شريف مكة كلها ، وأرض المدينة المنورة ، والبلدان الواقعة فى هذه الأراضى ، وكل القبائل البدوية ، بما يصل إلى حوالى مائتين وخمسين ألف نسمة ، وأنا على يقين أن هذا الرقم أزيد وليس أقل من الرقم الصحيح ، والقسم الأكبر من هؤلاء السكان من البدو الذين يعيشون فى الجبال ، وبخاصة القبائل الكبيرة من بنى حرب».

١٩

ونحن إذا ما عدنا إلى الجزء الثانى من الكتاب ، وبالتحديد فى صفحتى ٢٨٧ و ٢٨٨ نجد أن هناك ملاحظة خاصة بالاستعمالات المختلفة للاسم «حجاز» بين هؤلاء الذين يسكنون ساحل البحر ، وأولئك البدو الذين يعيشون فى الداخل ، ويتبدى لنا أن هناك شكوكا حول عدم دخول المدينة [المنورة] ضمن نجد باعتبارها أقرب إلى الحجاز.

محاولة تتبع حدود أى بلد من البلدان تتبعا دقيقا باستخدام العبارات القديمة التى من هذا القبيل لا تفضى إلى شىء وتبوء بالفشل ، ذلك الإقليم الذى يقع على حدود البحر الأحمر ، والذى نعرف أن المواطنين يطلقون عليه بشكل بيّن اسم «الحجاز» ، موقّع على خرائطنا ، وفى الخرائط المنشورة بهذا الاسم وحده ، وأول حرف من هذا الاسم يوضع فى المكان الذى يقصد به المعد منطقة الحجاز ، أما الحرف الأخير فهو يضعه فى المكان الذى يفصل الحجاز عن تهامة (*).

وأنا هنا أزكى لمن يبحثون عن أدق المعلومات الخاصة بالأماكن التى لا يعرف الناس عنها سوى النزر اليسير ، ذلك السفر الذى وضعه بوركهارت ، هو والبلاد التى أتى الرجل على وصفها فى هذا الكتاب ، يقول السير وليام جونز : «منذ زمن [سيدنا] سليمان ، وإلى يومنا هذا ، لا تزال سلوكيات عرب الحجاز مستمرة ومتواصلة ، مع ذلك يتعين على من يقرأ هذا التصدير ألا يتراجع عن تتبع رواية بوركهارت الأصلية والمهمة عن الأماكن التى زارها ، وروايته عن الطقوس غير العامية التى شهدها ، وروايته أيضا عن البشر الذين عاش بينهم منتحلا شخصية المسلم» (**).

__________________

(*) فى كتابه المعنون «أسفار سورية» ، وفى الصفحة رقم ٥١١ يقتبس بوركهارت عن المقريزى ، المؤرخ المصرى قوله فى الفصل الذى أورده عن عيلةAila (أى العقبة): «من هذه المنطقة يبدأ الحجاز ، فى الزمن السابق كان ذلك أحد الحدود الخاصة بالإغريق ، إلخ».

(**) الإمبراطورية الرومانية ، الفصل رقم ٥٠ ، ملاحظة رقم ١٨.

٢٠