منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

أجرة إلا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجاناً كما لو صرح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذٍ ويجب عليه العمل بالوصية إن كان قد قبل ، أما إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال والأقرب العدم.

هذا بالنسبة إلى العمل الذي أوصى إليه به كالبيع والشراء وأداء الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته.

أما لو أوصى إليه بأعمال أخرى مثل أن يحج عنه أو يصلي عنه أونحو ذلك لم يجب عليه القبول حتى لولم يعلم بذلك في حياة الموصي ، وإن كان أوصى إليه بالعمل مجاناً كالحج مثلاً فقبل في حياته لم يبعد جواز الرد بعد وفاته.

مسألة ١٤٤٩ : إذا أوصى إلى زيد أن يحج عنه وجعل له أجرة معينة بأن قال له : ( حج عني بمأة دينار ) كان إجارة فإن قبل في حياته وجب العمل بها ويستحق الأجرة ، والا لم يجب.

ولو كان بأجرة غير معينة عندهما بأن قال له : ( حج عني بأجرة المثل ) ولم تكن الأجرة معلومة عندهما فقبل في حياته لم يبعد أيضاً عدم وجوب العمل وجريان حكم الإجارة الفاسدة.

ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل ، لكنه يستحق الأجرة على تقدير العمل لصدق الوصية حينئذٍ.

مسألة ١٤٥٠ : تثبت الوصية التمليكية بشهادة مسلمين عادلين وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصى له وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين كغيرها من الدعاوي المالية.

مسألة ١٤٥١ : تختص الوصية التمليكية بأنها تثبت بشهادة النساء منفردات فيثبت ربعها بشهادة مسلمة عادلة ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات وتمامها بشهادة أربع مسلمات

٤٤١

عادلات بلا حاجة إلى اليمين في شهادتهن.

مسألة ١٤٥٢ : الوصية العهدية ـ وهي الوصاية بالولاية ـ تثبت بشهادة عدلين من الرجال ولا تقبل فيها شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال.

مسألة ١٤٥٣ : تثبت الوصية التمليكية وكذا العهدية على الأقرب بشهادة ذميين عدلين في دينهما عند عدم عدول المسلمين ولا تثبت بشهادة غيرهما من الكفار.

مسألة ١٤٥٤ : تثبت الوصية التمليكية بإقرار الورثة جميعهم إذا كانوا عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولاً.

وإذا أقر بعضهم دون بعض تثبت بالنسبة إلى حصة المقر دون المنكر ، نعم إذا أقر منهم اثنان وكانا عدلين تثبت الوصية بتمامها ، وأذا كان عدلاً واحداً تثبت أيضاً مع يمين الموصى له.

مسألة ١٤٥٥ : تثبت الوصية العهدية بإقرار الورثة جميعهم ، وأذا أقر بعضهم ثبت بعض الموصى به على نسبة حصة المقر وينقص من حقه ، نعم إذا أقر اثنان عدلان منهم ثبتت الوصية بتمامها.

مسألة ١٤٥٦ : إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي ، فليس له إنكار وصاية من يدعي الوصاية ، ولا يسمع منه هذا الإنكار كغيره ، نعم لو كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد أو الميت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصاً إذا رأى منه الخيانة الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة ، لكن الوارث والأجنبي في ذلك سيان ، نعم فيما إذا تعلقت بأمور الميت لا يبعد أولوية الوارث من غيره وأختصاص حق الدعوى به مقدماً على غيره.

٤٤٢

مسألة ١٤٥٧ : إذا تصرف الإنسان في مرض موته ، فإن كان معلقاً على موته ـ كما إذا قال : أعطوا فلاناً بعد موتي كذا ، أوهذا المال المعين أو ثلث مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي ونحو ذلك ـ فهو وصية وقد تقدم أنها نافذة مع اجتماع الشرائط مالم تزد على الثلث ، وفي الزائد موقوف على إجازة الورثة كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حالة الصحة ، وإن كان منجزاً ـ بمعنى كونه غير معلق على الموت وإن كان معلقاً على أمر آخر ـ فإن لم يكن مشتملاً على المجانية والمحاباة كبيع شيء بثمن المثل وأجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال ، وإن كان مشتملاً على المحاباة بأن لم يصل ما يساوي ماله إليه سواء كان مجاناً محضاً كالوقف والعتق والإبراء والهبة غير المعوضة أم لا كالبيع بأقل من ثمن المثل والإجارة بأقل من أجرة المثل والهبة المعوضة بما دون القيمة وغير ذلك ـ ففي نفوذه مطلقاً أو كونه مثل الوصية في توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة؟ قولان أقواهما الثاني كما تقدم في كتاب الحجر.

مسألة ١٤٥٨ : إذا وهب المالك في مرض موته بعض أمواله وأوصى ببعض آخر ثم مات نفذا جميعاً إذا وفى الثلث بهما وكذا إذا لم يف بهما ولكن أمضاهما الورثة ، وإن لم يمضوهما أخرجا معاً من الثلث ـ كما مر ـ ويبدأ أولاً بالمنجزة فإن بقي شيء صرف فيما أوصى به.

مسألة ١٤٥٩ : إذا قال : ( هذا وقف بعد وفاتي ) أونحو ذلك مما يتضمن تعليق الإيقاع على الوفاة فهو باطل لا يصح وإن أجاز الورثة ، فالإنشاء المعلق على الوفاة إنما يصح في مقامين : أحدهما : إنشاء الملك ـ وهي الوصية التمليكية ـ وإنشاء الولاية كما في موارد الوصية العهدية ، ثانيهما : إنشاء العتق وهو التدبير ، ولا يصح في غيرهما من أنواع الإنشاء ، فإذا قال بعت أو آجرت أو صالحت أو وقفت بعد وفاتي بطل ، ولا يجري عليه حكم الوصية

٤٤٣

بالبيع أو الوقف مثلاً ، بحيث يجب على الورثة ان يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته الا اذا فهم من كلامه أنه يريد الوصية بالبيع او الوقف فحينئذٍ كانت وصيته صحيحة ووجب العمل بها مع تحقق شرائطها.

مسألة ١٤٦٠ : اذا قال للمدين : (أبرأت ذمتك بعد وفاتي) واجازه الوارث بعد موته برئت ذمة المدين ، فان اجازة الابراء بنفسها تنازل من قبل الورثة عن حقهم وابراء لذمة المدين.

٤٤٤

كتاب الوقف

٤٤٥
٤٤٦

وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

مسألة ١٤٦١ : الوقف على قسمين فإنه أما يتقوم بأمرين هما الواقف والعين الموقوفة ، وأما يتقوم بثلاثة أمور ثالثها الموقوف عليه ، ويختص الأول بوقف المساجد ويكون الثاني في غيرها من الأوقاف ، وحقيقة الوقف في القسم الأول هو التحرير وفك الملك ، وأما في القسم الثاني فحقيقته ـ على الأظهر ـ تمليك العين الموقوفة للموقوف عليه ملكاً غير طلق.

مسألة ١٤٦٢ : إذا وقف مكاناً على المسلمين لينتفعوا منه ببعض ما ينتفعون به في المساجد أو بجميعها من الصلاة والذكر والدعاء والتدريس وغير ذلك لم يصر مسجداً ولم تجر عليه أحكام المساجد من حرمة التنجيس ونحوها ، وإنما يصير وقفاً على الصلاة وغيرها مما لاحظه الواقف من المنافع ويكون من القسم الثاني المتقدم الذي مر أنه يتقوم بأمر ثالث غير الواقف والعين الموقوفة وهو الموقوف عليه.

مسألة ١٤٦٣ : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى أقسام :

الأول : ما يكون وقفاً على عين أو أعيان خاصة ، سواء أكانت إنساناً أم غيره كوقف الدار أو البستان على الكعبة المشرفة أو على مسجد أو مشهد معين أو على زيد وذريته ونحو ذلك.

الثاني : ما يكون وقفاً على عنوان عام قابل للانطباق على عين أو أعيان خاصة سواء لم يكن له إلا مصاديق طولية كأوقاف الشيعة على الأئمة عليهم‌السلام في زمان الحضور أو على المرجع الأعلى في زمن الغيبة ، أو كان له مصاديق طولية وعرضية كالوقف على الفقراء أو علماء البلد أو الطلبة أو الأيتام

٤٤٧

ونحو ذلك.

الثالث : ما يكون وقفاً على عنوان غير منطبق على الأعيان ويعبر عنه بالجهة ، سواء أكانت جهة خاصة أو عامة كوقف البستان ليصرف وارده على عزاء الحسين عليه‌السلام في الدار الفلانية أو على إطعام ذرية فلان أو على معالجة المرضى أو تعليم القرآن أو تبليغ المذهب أو تعبيد الطرق أو على سبل الخير عامة أونحو ذلك.

مسألة ١٤٦٤ : كما أن العين الموقوفة في القسم الأول المتقدم تكون ملكاً للموقوف عليه كذلك منافعها تكون ملكاً له ، فالبستان الموقوف على المسجد أو المشهد المعين أو زيد وذريته يكون بنفسه ونماآته ملكاً للموقوف عليه ، نعم قد يشترط الواقف مباشرة الموقوف عليه في الانتفاع بالعين الموقوفة ، كما لو وقف الدار على زيد وأولاده ليسكنوا فيها بأنفسهم ، أو وقف البستان عليهم ليأكلوا من ثماره ، ويصطلح على هذا بوقف الانتفاع ، وحينئذ فلا يكون للموقوف عليه إيجار الدار والانتفاع بأجرتها ، ولا بيع ثمار البستان والاستفادة من ثمنه وإن جاز لهم إجارة البستان للتنزه فيه ونحوه.

نعم إذا لم يمكنهم السكنى في الدار الموقوفة أو الأكل من ثمار البستان لهجرتهم عن المكان أو للضرر أو الحرج أو لغير ذلك فإن كان قيد المباشرة ملحوظاً على نحو تعدد المطلوب كما هو الغالب جاز لهم الاستفادة من منافعها بوجه آخر والا بطل الوقف ورجع إلى الواقف أو إلى ورثته.

مسألة ١٤٦٥ : إذا كان الموقوف عليه عنواناً عاماً كما في القسم الثاني المتقدم فالعين الموقوفة تكون ملكاً للموقوف عليه ، وأما منافعها فتكون لها إحدى الحالات الثلاث التالية :

أ ـ إن تكون ملكاً للعنوان ولا تدخل في ملك الأفراد أصلاً كما في

٤٤٨

وقف المدارس على الطلاب ووقف الخانات على المسافرين والغرباء ووقف كتب العلم والزيارة على أهل العلم والزوار.

ب ـ أن تكون ملكاً للعنوان وتدخل في ملك الأفراد بتمليكها لهم من قبل المتولي وقبضهم إياها كما في وقف البستان على الفقراء.

ج ـ أن تكون ملكاً للأفراد الموجودين في كل زمان على سبيل الإشاعة من دون أن تتوقف ملكيتهم لها على أعمال الولاية من قبل المتولي كما في وقف البستان على علماء البلد على إن يكون نماؤه ملكاً للموجودين منهم من أول ظهوره.

مسألة ١٤٦٦ : إذا كان الموقوف عليه من الجهات العامة أو الخاصة ـ كما في القسم الثالث المتقدم ـ تكون العين والمنافع ملكاً للجهة ، ولو اشترط الواقف صرف المنافع بأعيانها على الجهة الموقوف عليها لم يجز تبديلها والمعاوضة عليها.

مسألة ١٤٦٧ : الظاهر أن غصب الوقف بجميع أقسامه ـ عدا ما يكون من قبيل التحرير ـ يستتبع الضمان عيناً ومنفعة ، فلو غصب مدرسة أو رباطاً أو داراً موقوفة على الفقراء أو بناية موقوفة ليصرف واردها في علاج المرضى أونحو ذلك فتلفت تحت يده كان ضامناً لعينها ، ولو استولى عليها مدة ثم ردها كان عليه أجرة مثلها كما هو الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة.

مسألة ١٤٦٨ : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالغنم والبقر والإبل لم تجب الزكاة فيها وإن اجتمعت فيها شرائط ثبوتها ، وأما إذا كان نماؤها زكوياً كما إذا وقف بستاناً مشتملاً على أشجار النخيل والعنب فإن صار النماء ملكاً شخصياً للمكلف قبل وقت تعلق الزكاة بحيث تعلقت في ملكه وجبت عليه الزكاة إذا كان بالغاً حد النصاب والا لم تجب ، وقد تقدم توضيح ذلك في المسألة ١٠٨٦ من كتاب الزكاة.

٤٤٩

مسألة ١٤٦٩ : لا يتحقق الوقف بمجرد النية ، بل لابد من إنشائه بلفظ كـ ( وقفت ) و ( حبست ) ونحوهما من الألفاظ الدالة عليه ولو بمعونة القرائن ، أو فعل سواء أكان معاطاة مثل أن يعطي آلات الإسراج أو الفرش إلى قيم المسجد أو المشهد ، أولم يكن كذلك مثل أن يعمر الجدار أو الاسطوانة الخربة من المسجد أو يبني بناءً على طراز ما تبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً ونحو ذلك فإنه يكون وقفاً بذلك.

مسألة ١٤٧٠ : الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه وإن كان الاعتبار أحوط ولا سيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية فيقبله الموقوف عليهم وإن كانوا صغاراً قام به وليهم ، ويكفي قبول الموجودين ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده.

مسألة ١٤٧١ : الأظهر عدم اعتبار القربة في صحة الوقف ولا سيما في الوقف الخاص مثل الوقف على الذرية.

مسألة ١٤٧٢ : يعتبر في صحة الوقف الخاص قبض الموقوف عليه أو قبض وكيله أو قبض وليه فإذا مات قبل القبض بطل وكان ميراثاً ، نعم يكفي قبض الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن يوجد منها بعد ذلك ، ولو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض وبطل بالنسبة إلى من لم يقبض.

مسألة ١٤٧٣ : المشهور إنه يشترط أن يكون القبض بإذن الواقف ، فلو قبض الموقوف عليه بدون الإذن لم يكف ولكنه لا يخلو عن إشكال.

مسألة ١٤٧٤ : إذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده وكانت العين في يده كفى ذلك في تحقق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر ، وأذا كانت العين في يد غيره فلابد من أخذها منه ليتحقق قبض وليهم.

مسألة ١٤٧٥ : إذا كانت العين بيد الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها

٤٥٠

ولم يحتج إلى قبض جديد ، نعم لابد أن يكون بقاؤها في يده بعنوان الوقفية بإذن الواقف بناء على اشتراط كون القبض بإذنه كما تقدم.

مسألة ١٤٧٦ : يتحقق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء الموقوف عليه على العين الموقوفة وصيرورتها تحت يده وسلطانه ، والظاهر اختلاف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.

مسألة ١٤٧٧ : لا يعتبر في القبض الفورية فلو وقف عيناً في زمان ثم أقبضها في زمان متأخر كفى وتم الوقف من حينه.

مسألة ١٤٧٨ : الظاهر عدم اعتبار القبض في صحة الوقف على العناوين والجهات العامة ولا سيما إذا كان من نية الواقف أن تبقى في يده ويعمل بها على حسب ما وقف ، وعلى تقدير اعتباره فالظاهر عدم الحاجة إلى قبض الحاكم ، فإذا وقف مقبرة كفى في تحقق القبض الدفن فيها ، وأذا وقف مكاناً للصلاة تكفي الصلاة فيه ، وأذا وقف حسينية تكفي إقامة العزاء فيها ، وكذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين والدار على سكنى العلماء والفقراء فإنه يكفي في قبضها السكنى فيها.

مسألة ١٤٧٩ : إذا وقف حصيراً للمسجد كفى في قبضه ـ على تقدير اعتباره ـ وضعه في المسجد بقصد استعماله ، وكذا الحال في مثل آلات المشاهد والحسينيات والمساجد ونحوها.

مسألة ١٤٨٠ : إذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو نحوهما فعمره عامر فالظاهر كفاية ذلك في تمامية الوقف وإن لم يقبضه قابض ، وأذا مات لم يرجع ميراثاً لوارثه.

مسألة ١٤٨١ : يجوز التوكيل في إيقاع الوقف ، وفي جريان الفضولية فيه إشكال وإن كان هو الأقرب.

مسألة ١٤٨٢ : الوقوف التي تتعارف عند الأعراب بأن يقفوا شاة على

٤٥١

أن يكون الذكر المتولد منها ( ذبيحة ) أي يذبح ويؤكل والأنثى ( منيحة ) أي تبقى وينتفع بصوفها ولبنها ، وأذا ولدت ذكرا كان ( ذبيحة ) وأذا ولدت أنثى كانت ( منيحة ) وهكذا ، فإذا كان وقفهم معلقاً على شفاء مريض أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من الغزو أو المرض أونحو ذلك فهي باطلة.

وأما إذا كانت منجزة غير معلقة فالظاهر صحتها إذا أريد بها وقف الشاة على أن تذبح الذكور من نتاجها ونتاج نتاجها وتصرف على الجهة الموقوفة عليها ، وتبقى الأناث للإنتاج مع استثناء صوفها ولبنها للواقف ومن يتولى شؤون الشاة والنتاج من بعده.

مسألة ١٤٨٣ : لا يجوز في الوقف توقيته بمدة ، فإذا قال : داري وقف على أولادي سنة أو عشر سنين بطل وقفاً ، وهل يصح حبساً إذا قصد كونه كذلك أم لا؟ الظاهر هو الصحة.

مسألة ١٤٨٤ : إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده صح وقفاً ويسمى : ( الوقف المنقطع الآخر ) فإذا انقرضوا رجع إلى الواقف أو ورثته حين الموت لا حين الانقراض ، فإذا مات الواقف عن ولدين ومات أحدهما قبل الانقراض وترك ولداً ثم انقرض الموقوف عليهم كانت العين الموقوفة مشتركة بين العم وأبن أخيه.

مسألة ١٤٨٥ : لا فرق فيما ذكرناه من صحة الوقف ورجوعه إلى الواقف أو إلى ورثته بين كون الموقوف عليه مما ينقرض غالباً وبين كونه مما لا ينقرض غالباً فاتفق انقراضه.

هذا إذا لم يفهم من القرائن أن خصوصية الموقوف عليه ملحوظة بنحو تعدد المطلوب ، وأما إذا فهم منها ذلك ـ كما لعله الغالب في الوقف على من لا ينقرض غالباً ـ بأن كان الواقف قد أنشأ التصدق بالعين وإنشأ أيضاً كونه على نحو خاص بحيث إذا بطلت الخصوصية بقي أصل التصدق فلا إشكال

٤٥٢

في أنه إذا انقرض الموقوف عليه لم ترجع العين إلى الواقف أو ورثته بل تبقى وقفاً وتصرف منافعها في جهة أخرى الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف.

مسألة ١٤٨٦ : من الوقف المنقطع الآخر ما إذا كان الوقف مبنياً على الدوام لكن كان وقفاً على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره كما إذا وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلاً فيصح وقفاً بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه ويبطل بالنسبة إلى ما لا يصح.

مسألة ١٤٨٧ : الوقف المنقطع الأول باطل سواء أكان بجعل الواقف كما إذا أوقفه من أول الشهر القادم أو بحكم الشرع بأن وقف أولاً على ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره ، وإن كان الأحوط في الثاني تجديد الوقف عند انقراض الأول.

مسألة ١٤٨٨ : إذا وقف عيناً على غيره وشرط عودها إليه عند الحاجة ففي صحته قولان والأظهر البطلان.

مسألة ١٤٨٩ : يشترط في صحة الوقف التنجيز ، فلو علقه على أمر مستقبلي معلوم الحصول أو متوقع الحصول أو أمر حالي محتمل الحصول مع عدم كونه مما تتوقف عليه صحة العقد بطل ، فإذا قال : وقفت داري إذا جاء رأس الشهر أوإذا ولد لي ذكر أوإن كان هذا اليوم يوم الجمعة بطل ، وأذا علقه على أمر حالي معلوم الحصول أو علقه على أمر مجهول الحصول ولكنه كان تتوقف عليه صحة العقد كما إذا قال زيد : وقفت داري إن كنت زيداً أو وقفت داري إن كانت لي صح.

مسألة ١٤٩٠ : إذا قال هذا وقف بعد وفاتي بطل إلا أن يفهم منه عرفاً أنه أراد الوصية بالوقف فيجب العمل بها عند تحقق شرائطها فيوقف بعده.

مسألة ١٤٩١ : يشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف فإذا وقف على نفسه بطل ، وأذا قال : ( داري وقف عليّ وعلى أخي ) مثلاً

٤٥٣

على نحو التشريك بطل الوقف في نصف الدار ، وأذا كان على نحو الترتيب بأن قصد التلف على نفسه ثم على غيره كان الوقف من المنقطع الأول فيبطل مطلقاً ، وإن قصد الوقف على غيره ثم على نفسه بطل بالنسبة إلى نفسه فقط وكان من الوقف المنقطع الآخر ، وإن قال : ( هي وقف على أخي ، ثم على نفسي ، ثم على زيد ) بطل الوقف بالنسبة إلى نفسه وزيد ، وكان من الوقف المنقطع الوسط.

مسألة ١٤٩٢ : إذا استثنى في ضمن إجراء الوقف بعض منافع العين الموقوفة لنفسه فالظاهر صحته لأنه يعد خارجاً عن الوقف لا من الوقف على نفسه ليبطل ، فيصح أن يوقف البستان ويستثني السعف وغصون الأشجار وأوراقها عند اليبس ، أو يستثني مقدار أداء ديونه سواء أكان بنحو التوزيع على السنين كل سنة كذا أو بنحو تقديم أداء الديون على الصرف من مصارف الوقف.

مسألة ١٤٩٣ : إذا وقف بستاناً على من يتبرع من أولاده ـ مثلاً ـ بأداء ديونه العرفية أو الشرعية صح ، وكذا إذا أوقفها على من يقوم من جيرانه مثلاً بالتبرع بأكل ضيوفه أو مؤنة أهله وأولاده حتى في مقدار النفقة الواجبة عليه لهم فإنه يصح الوقف في مثل ذلك.

مسألة ١٤٩٤ : إذا وقف عيناً على وفاء ديونه الشرعية أو العرفية بعد الموت لم يصح وكذا لو وقفها على أداء العبادات عنه بعد الوفاة.

مسألة ١٤٩٥ : يمكن التخلص من إشكال الوقف على النفس بطرق أخرى غير استثناء مقدار من منافع العين الموقوفة لنفسه.

منها : أن يملك العين لغيره ثم يقفها الغير على النهج الذي يريد من إدرار مؤنته ووفاء ديونه ونحو ذلك ، ويجوز له أن يشترط ذلك عليه في ضمن عقد التمليك.

٤٥٤

ومنها : أن يؤجرها مدة ويجعل لنفسه خيار الفسخ وبعد الوقف يفسخ الإجارة فترجع المنفعة إليه لا إلى الموقوف عليهم.

مسألة ١٤٩٦ : يجوز انتفاع الواقف بالعين الموقوفة في مثل وقف المساجد والوقف على الجهات العامة ، وكذا الوقف على العناوين الكلية إذا كان الواقف داخلاً في العنوان أو صار داخلاً فيه فيما بعد وكان الوقف عليه من قبيل القسم الأول من الأقسام الثلاثة المذكورة في المسألة (١٤٦٥) حيث لا تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم أصلاً ، وأما إذا كان من قبيل القسم الثالث حيث تكون المنافع ملكاً للموقوف عليهم على سبيل الإشاعة فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصة منها ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين العقد من عدا نفسه ويقصد خروجه عنه ، وأما في القسم الثاني حيث تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم بتمليك المتولي وأقباضهم إياها ففي جواز دخول الواقف في العنوان وأخذه حصة من المنافع إشكال ، لاسيما إذا كان مقتضى الوقف توزيع المنافع على الموقوف عليهم على نحو الاستيعاب.

مسألة ١٤٩٧ : إذا تم الوقف كان لازماً لا يجوز للواقف الرجوع فيه ، وإن وقع في مرض الموت لم يجز للورثة رده إلا فيما زاد على الثلث كما تقدم في كتاب الحجر.

٤٥٥

فصل في شرائط الواقف

مسألة ١٤٩٨ : يعتبر في الواقف : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر عن التصرف في الموقوف لسفه أو فلس ، فلا يصح وقف الصبي وإن بلغ عشراً أو أذن فيه الولي ، ولا وقف المجنون ولا المكره ولا الغافل والساهي ولا المحجور عليه ، نعم إذا أوصى الصبي بأن يوقف ملكه بعد وفاته على وجوه الخير أو المبرة لأرحامه وأقربائه وكان قد بلغ عشراً وعقل نفذت وصيته كما تقدم.

مسألة ١٤٩٩ : لا يشترط في الواقف الإسلام ، فيصح وقف الكافر إذا كان واجداً لسائر الشرائط على الأقوى.

٤٥٦

فصل فيما يتعلق بالمتولي والناظر

مسألة ١٥٠٠ : يجوز للواقف في وقف غير المسجد أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ما دام الحياة أو إلى مدة مستقلاً أو مشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر التولية لنفسه أو لشخص آخر ، بأن يكون المتولي كل من يعينه نفسه أو ذلك الشخص ، بل يجوز أن يجعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده ، وهكذا كل متول يعين المتولي بعده.

مسألة ١٥٠١ : إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إنشاء الوقف وأما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف ، فليس له جعل التولية لأحد ولا عزل من جعله متولياً عن التولية إلا إذا اشترط إلا إذا اشترط لنفسه ذلك ، بأن جعل التولية لشخص وشرط أنه متى أراد أن يعزله عزله ، ولو فقد المتولي شرط الواقف كما إذا جعل الولاية للعدل ففسق أو جعلها للأرشد فصار غيره أرشد أونحو ذلك انعزل بذلك بلا حاجة إلى عزل.

مسألة ١٥٠٢ : يعتبر في متولي الوقف أن تكون له الكفاية لإدارة شؤونه ولو بالاستعانة بالغير ، كما يعتبر أن يكون موثوقاً به في العمل على وفق ما يقتضيه الوقف ، فلا يجوز جعل التولية ـ خصوصاً في الجهات والمصالح العامة ـ للخائن أو لمن ليس له الكفاية لذلك وإن كان بالغاً عاقلاً غير سفيه ، ولو كان غير البالغ واجداً للشرطين المذكورين جاز جعله متولياً على الأقرب.

مسألة ١٥٠٣ : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ، سواء أكان حاضرا في مجلس إيقاع الوقف أم لم يكن حاضراً فيه ثم بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف ، ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم

٤٥٧

لم يجب القبول على المتولين بعده ، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متول منصوب ، ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا؟ لا يبعد الجواز وإن كان الأحوط أن لا يعزل نفسه ، ولو عزل يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم.

مسألة ١٥٠٤ : إذا ظهرت خيانة من المتولي للوقف كعدم صرفه منافع الوقف في الموارد المقررة من الواقف فللحاكم أن يضم إليه من يمنعه عنها وإن لم يمكن ذلك عزله ونصب شخصاً آخر متولياً له.

مسألة ١٥٠٥ : لو شرط التولية لاثنين ، فإن فهم من كلامه استقلال كل منهما استقل ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وأذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر ، وإن فهم من كلامه الاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن قرينة على إرادة الاستقلال ، وفي الصورتين الأخيرتين لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر.

مسألة ١٥٠٦ : لو عين الواقف وظيفة المتولي وشغله فهو المتبع ، ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف وأجارته وتحصيل أجرته وقسمتها على أربابه وأداء خراجه ونحو ذلك ، كل ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح ، وليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم ، ويجوز أن ينصب الواقف متولياً في بعض الأمور وأخر في الآخر ، كما إذا جعل أمر التعمير وتحصيل المنافع إلى أحد وأمر حفظها وقسمتها على أربابها إلى آخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده ويحفظه وللآخر التصرف ، ولو فوض إلى واحد التعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متول منصوب فيجري عليه حكمه وسيأتي.

مسألة ١٥٠٧ : يجوز أن يجعل الواقف للمتولي مقدارا معينا من ثمرة

٤٥٨

العين الموقوفة أو منفعتها أو من غيرهما سواء أكان أقل من أجرة المثل أم أكثر أم مساوياً ، فإن لم يجعل له شيئاً كانت له أجرة المثل إن كانت لعمله أجرة إلا أن يظهر من القرائن أن الواقف قصد المجانية.

مسألة ١٥٠٨ : ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدي إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولياً ، نعم يجوز له توكيل الغير فيما كان تصديه من وظيفته إذا لم يشترط عليه المباشرة في تنفيذه.

مسألة ١٥٠٩ : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولي ، فإن أحرز أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله وأشرافه عليها لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته ولا يعتبر إذن الناظر في صحتها ونفوذها وإنما اللازم عليه اطلاعه ، وإن أحرز أن المقصود إعمال نظره وتصويبه عمل المتولي لم يجز له التصرف إلا بإذنه وتصويبه ، ولولم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين.

مسألة ١٥١٠ : ما تقدم في المتولي من عدم إمكان عزله بعد النصب إلا مع الشرط ، وجواز جعل شيء له أزاء عمله ، وعدم وجوب قبول التولية على المعين لها ونحو ذلك من الأحكام يجري نظيرها على الناظر أيضاً.

مسألة ١٥١١ : إذا لم يجعل الواقف متولياً للوقف ولم يجعل حق نصبه لنفسه أو لغيره فالمال الموقوف إن كان موقوفا على أفراد معينة على نحو التمليك كأولاد الواقف مثلاً جاز لهم التصرف في العين الموقوفة بما يتوقف عليه انتفاعهم منها فعلاً من دون أخذ إجازة أحد فيما إذا كانوا بالغين عاقلين رشيدين وإن لم يكونوا كذلك كان زمام ذلك بيد وليهم ، وأما التصرف فيها بما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة مصلحة البطون من تعميرها وأجارتها على الطبقات اللاحقة فالأمر فيه بيد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

وإن كان المال موقوفاً على جهة عامة أو خاصة أو عنوان كذلك

٤٥٩

كالأموال الموقوفة على الفقراء أو الخيرات فالمتولي له في حال عدم نصب الواقف أحداً للتولية وعدم جعل النصب لنفسه أو لغيره هو الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

مسألة ١٥١٢ : الأوقاف التي تكون توليتها للحاكم ومنصوبة إذا فقدا أولم يمكن الوصول إليهما تكون توليتها لعدول المؤمنين.

مسألة ١٥١٣ : لا فرق في رجوع الأمر إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين الواقف متولياً وبين ما إذا عين ولم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهلية ، فإذا جعل التولية للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان كأن لم ينصب ولياً.

مسألة ١٥١٤ : لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلاً ولم يكن فيهم إلا عدل واحد ضم الحاكم إليه عدلاً آخرا ، وأما لولم يوجد فيهم عدل أصلاً نصب الحاكم عدلين ، والظاهر كفاية نصب عدل واحد أيضاً إذا كان كافياً للقيام بشؤون الوقف.

٤٦٠