منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

الحوالة هي : ( تحويل المدين ما في ذمته من الدين إلى ذمة غيره بإحالة الدائن عليه ) فهي متقومة بأشخاص ثلاثة : ( المحيل ) وهو المديون و ( المحال ) وهو الدائن و ( المحال عليه ).

مسألة ١١٦٩ : يعتبر في الحوالة الإيجاب من المحيل والقبول من المحال وأما المحال عليه فيعتبر قبوله في الحوالة على البريء وفي الحوالة على المدين بغير جنس الدين وفيما إذا كان الدين المحال به معجلاً والدين الذي على ذمته للمحيل مؤجلاً ، أو كانا مؤجلين جميعاً مع تأخر أجل الثاني عن الأول ، وهل يعتبر قبوله في غير هذه الموارد أيضاً أم لا؟ الأظهر اعتباره.

مسألة ١١٧٠ : يكفي في الإيجاب والقبول من الأطراف الثلاثة كل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل أو كتابة.

مسألة ١١٧١ : يعتبر في المحيل والمحال والمحال عليه : البلوغ والعقل والقصد والرشد والاختيار ، ويعتبر في الأولين عدم الحجر لفلس أيضاً ، إلا في الحوالة على البريء فإنه يجوز فيها أن يكون المحيل مفلساً.

مسألة ١١٧٢ : يعتبر في الحوالة أن يكون الدين ثابتاً في ذمة المحيل فلا تصح في غير الثابت في ذمته وإن وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل فضلاً عما إذا لم يوجد سببه كالحوالة بما سيقترضه.

مسألة ١١٧٣ : يعتبر أن يكون المال المحال به معيناً ، فإذا كان الشخص مديناً لآخر بمن من الحنطة ودينار لم يصح أن يحيله بأحدهما من غير تعيين.

٣٦١

مسألة ١١٧٤ : للدائن أن لا يقبل الحوالة وإن كان المحال عليه ملياً غير مماطل في أداء الحوالة.

مسألة ١١٧٥ : يستحق المحال عليه البريء أن يطالب المحيل بالمحال به ولو قبل أدائه على الأظهر ، نعم إذا كان الدين المحال به مؤجلاً لم يكن له مطالبة المحيل به إلا عند حلول أجله وإن كان قد أداه قبل ذلك ، ولو تصالح المحال مع المحال عليه على أقل من الدين لم يجز له أن يأخذ من المحيل إلا الأقل.

مسألة ١١٧٦ : الحوالة عقد لازم فليس للمحيل ولا المحال عليه فسخها وكذلك المحال وإن أعسر المحال عليه بعد ما كان موسراً حين الحوالة ، بل لا يجوز فسخها مع إعسار المحال عليه حين الحوالة إذا كان المحال عالماً به ، نعم لولم يعلم به ـ حينذاك ـ كان له الفسخ إلا إذا صار المحال عليه غنياً حين استحقاق المحال للدين فإن في ثبوت حق الفسخ له في هذه الصورة إشكالاً ، والمراد بإعسار المحال عليه أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنيات الدين.

مسألة ١١٧٧ : يجوز اشتراط حق الفسخ للمحيل والمحال والمحال عليه أو لأحدهم.

مسألة ١١٧٨ : إذا أدى المحيل الدين برأت ذمة المحال عليه ، فإن كان ذلك بطلبه وكان مديوناً للمحيل فله أن يطالبه بما أداه ، وإن لم يكن بطلبه أولم يكن مديوناً فليس له ذلك.

مسألة ١١٧٩ : إذا تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته ، وكذا إذا ضمن شخص عنه برضا المحال.

مسألة ١١٨٠ : لا فرق في المحال به بين كونه عيناً في ذمة المحيل وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصح إحالة مشغول الذمة

٣٦٢

بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن ونحو ذلك على بريء أو على من اشتغلت ذمته له بمثل ذلك ، وكذلك لا فرق بين كونه مثلياً كالحنطة والشعير أو قيمياً كالحيوان ، فإذا اشتغلت ذمته بشاة موصوفة مثلاً بسبب كالسلم جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً.

مسألة ١١٨١ : لا إشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال به مع الدين الذي على المحال عليه جنساً ونوعاً ، كما إذا كان عليه لرجل دراهم وله على آخر دراهم فيحيل الأول على الثاني ، وأما مع الاختلاف ـ بأن كان عليه دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأول على الثاني ـ فهو يقع على أنحاء : فتارة يحيل الأول على الثاني بالدنانير بأن يستحق عليه بدل الدراهم دنانير ، وأخرى يحيله عليه بالدراهم بأن يستحق عليه الدراهم بدل ما عليه للمحيل من الدنانير ، وثالثة يحيله عليه بالدراهم بأن يستحق عليه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها ، والأظهر صحة الأنحاء الثلاثة.

مسألة ١١٨٢ : إذا تحققت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمة المحيل عن الدين وأشتغلت ذمة المحال عليه للمحال بما أحيل عليه ، هذا حال المحيل مع المحال ، والمحال مع المحال عليه ، وأما حال المحال عليه مع المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمته مما عليه وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأول أو الثاني من الأنحاء الثلاثة المتقدمة ، وأما إذا وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على البريء اشتغلت ذمة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه وإن كان له عليه دين يبقى على حاله.

مسألة ١١٨٣ : إذا أحال البائع دائنه على المشتري بدينه وقبلها المشتري على أساس كونه مديناً للبائع بالثمن ثم تبين بطلان البيع بطلت الحوالة وكذا إذا أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثم ظهر بطلان البيع فإنه تبطل الحوالة أيضاً بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو

٣٦٣

بالإقالة فإنه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع فيه.

مسألة ١١٨٤ : إذا كان للمدين عند وكيله أو أمينه مال خارجي فأحال دائنه عليه فرجع إليه لأخذه لم يجز له الامتناع من دفعه إليه مع علمه بالحوالة ، ولولم يتحقق الدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته.

مسألة ١١٨٥ : إذا طالب المحال عليه المحيل بما حوله عليه ، وأدعى المحيل أن له عليه مالاً مثل ما حوله عليه وإنكره المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البينة فيحلف على براءته.

مسألة ١١٨٦ : إذا اختلف الدائن والمدين في أن العقد الواقع بينهما كان حوالة أو وكالة ، فمع عدم قيام البينة يقدم قول المنكر الحوالة ، سواء أكان هو الدائن أم المدين ، ما لم يكن مخالفاً للظاهر وهكذا الحال فيما تقدم كما مضى في نظائرهما.

٣٦٤

كتاب الكفالة

٣٦٥
٣٦٦

الكفالة هي : ( التعهد لشخص بإحضار شخص آخر له حق عليه عند طلبه ذلك ) ويسمى المتعهد ( كفيلاً ) وصاحب الحق ( مكفولاً له ) ومن عليه الحق ( مكفولاً ).

مسألة ١١٨٧ : تصح الكفالة بالإيجاب من الكفيل بلفظ أو بفعل مفهم ـ ولو بحسب القرائن ـ للتعهد المذكور وبالقبول من المكفول له ، وفي اعتبار رضا المكفول إشكال والأحوط اعتباره بل الأحوط كونه طرفاً للعقد بأن يكون عقدها مركباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول.

مسألة ١١٨٨ : يعتبر في الكفيل والمكفول له وكذا في المكفول بناءً على اعتبار رضاه : البلوغ والعقل والاختيار ، كما يعتبر في الكفيل القدرة على إحضار المكفول وعدم الحجر عليه من التصرف في ماله لسفه أو فلس إذا كان إحضار المكفول يتوقف على التصرف فيه.

مسألة ١١٨٩ : لا تعتبر في الكفالة أن يكون الحق للمكفول له بشخصه فيجوز أن يكون لمن هو ولي عليه شرعاً كالصبي والمجنون ، فلو كان لهما حق على الغير جاز للولي أن يأخذ الكفيل عليه.

مسألة ١١٩٠ : تصح الكفالة بالتعهد بإحضار المكفول إذا كان عليه حق مالي ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال.

مسألة ١١٩١ : إذا كان المال ثابتاً في الذمة فلا شبهة في صحة الكفالة ، وأما إذا لم يكن ثابتاً في الذمة فعلاً ، ولكن وجد سببه كالجعل في عقد الجعالة وكالعوض في عقد السبق والرماية وما شاكل ذلك ففي صحة

٣٦٧

الكفالة البدنية في هذه الموارد إشكال ، نعم يصح فيها الكفالة المالية بمعنى الالتزام بدفع الجعل أو العوض المقرر في السبق مثلاً للمكفول له على تقدير تخلف من عليه الدفع عن ذلك.

مسألة ١١٩٢ : تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشرع ، بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البينة عليه بالحق ، ولا تصح كفالة من عليه حد أو تعزير.

مسألة ١١٩٣ : إذا كان الحق حالاً صح إيقاع الكفالة حالة ومؤجلة ، ومع الإطلاق تكون حالة ، وأذا كان الحق مؤجلاً صح إيقاعها مؤجلة فقط ، ويلزم في المؤجلة تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة ونقصاً.

مسألة ١١٩٤ : الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل إلا بالإقالة أو بجعل الخيار له.

مسألة ١١٩٥ : إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة حالة ، وبعد الأجل إن كانت مؤجلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل إحضاره ، فإن أحضره وسلمه تسليماً تاماً بحيث يتمكن المكفول له منه فقد برئ مما عليه وإن امتنع عن ذلك كان له رفع أمره إلى الحاكم فيحبسه حتى يحضره ، نعم إذا كان ما عليه من الحق قابلاً للأداء من قبل الغير كالدين فأداه الكفيل أخلي سبيله ، وإن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً ويمكن الكفيل إحضاره أمهل بقدر ذهابه ومجيئه ، فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذر حبس كما مر ، وإن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وإنقطع خبره ولا يرجى الظفر به لم يكلف الكفيل إحضاره ، وهل يلزم بأداء ما عليه؟ الأقرب عدمه إلا فيما إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل بأن طالبه المكفول له وكان متمكناً منه فلم يحضره حتى هرب.

٣٦٨

مسألة ١١٩٦ : إذا لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال ، فإن لم تكن الكفالة ولا الأداء بطلب المكفول لم يكن له الرجوع عليه بما أداه ، وإن كان الأداء بطلبه كان له أن يرجع به عليه ، سواء أكانت الكفالة بطلبه أيضاً أم لا ، وأما إذا كان قد طلب منه الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا؟ الظاهر عدم الرجوع وإن كان غير متمكن من إحضاره عند طلب المكفول له ذلك.

مسألة ١١٩٧ : إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين فلا يجب عليه تسليمه في غيره ، ولو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته ، كما أنه لو سلمه في غير ما عين لم يجب على المكفول له تسلمه ، وفي حكم التعيين صريحاً وجود قرينة حالية أو مقالية عليه كقيامها على تعيين بلد المكفول له ، ومع فقدها فإن وجدت قرينة صارفة عن بعض الأمكنة بالخصوص ـ كوجود الموانع الخارجية عادة من إحضاره فيه أو احتياجه إلى مؤونةٍ غير متعارفة ـ كان ذلك في حكم تعيين غيره ولو إجمالاً ، وحينئذ فالظاهر وجوب إحضاره على الكفيل لو طالب به المكفول له في أي مكان غيره.

مسألة ١١٩٨ : يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول ، فإذا احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر ولم تكن فيها مفسدة دينية وجبت الاستعانة به.

مسألة ١١٩٩ : إذا كان المكفول غائباً وأحتاج إحضاره إلى مؤونة فالظاهر أنها على الكفيل إلا إذا كان صرفها بطلب من المكفول.

مسألة ١٢٠٠ : تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليم نفسه تسليماً تاماً ، وكذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعاً أو كرهاً بحيث تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم ، أو أبرأ المكفول

٣٦٩

عن الحق الذي عليه أو أبرأ الكفيل من الكفالة.

مسألة ١٢٠١ : لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة.

مسألة ١٢٠٢ : إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات المكفول له فإنه تكون الكفالة باقية وينتقل حق المكفول له منها إلى ورثته.

مسألة ١٢٠٣ : من خلى غريماً من يد صاحبه قهراً أو حيلة ضمن إحضاره أو أداء ما عليه من الحق إن كان قابلاً للأداء كالدين ، ولو خلى القاتل عمداً من يد ولي الدم لزمه إحضاره ويحبس لو امتنع عن ذلك ، فإن تعذر الإحضار لموت أو غيره دفع إليه الدية.

مسألة ١٢٠٤ : يكره التعرض للكفالات فعن مولانا الصادق عليه‌السلام : الكفالة خسارة ، غرامة ، ندامة.

٣٧٠

كتاب الصلح

٣٧١
٣٧٢

الصلح هو : ( التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حق بعوض مادي أو مجانا ) ولا يشترط كونه مسبوقا بالنزاع ، ويجوز إيقاعه على كل أمر وفي كل مقام إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا لحرام ، وقد مر المقصود بهما في المسألة (١٧٢) من كتاب التجارة.

مسألة ١٢٠٥ : الصلح عقد مستقل بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود وإن أفاد فائدتها ، فيفيد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض وفائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حق أو دين وهكذا ، فعلى ذلك فلا يلحقه أحكام سائر العقود ولا يجري فيه شروطها وإن أفاد فائدتها ، فما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه وشروطه فلا يجري فيه الخيارات المختصة بالبيع كخياري المجلس والحيوان ، ولا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين ، وما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة وهكذا.

مسألة ١٢٠٦ : لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً حتى فيما أفاد فائدة الإبراء وأسقاط الحق ، فإبراء المديون من الدين وأسقاط الحق عمن عليه الحق وإن لم يتوقفا على قبول من عليه الدين أو الحق لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقفا على القبول.

مسألة ١٢٠٧ : يتحقق الصلح بكل ما يدل عليه من لفظ أو فعل أونحو ذلك ، ولا تعتبر فيه صيغة خاصة ، نعم لفظ ( صالحت ) كالصريح في إفادة

٣٧٣

هذا المعنى من طرف الموجب فيقول مثلاً : ( صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا أو على كذا ) فيقول المتصالح : ( قبلت المصالحة ).

مسألة ١٢٠٨ : عقد الصلح لازم في نفسه حتى فيما إذا كان بلا عوض وكانت فائدته فائدة الهبة ولا ينفسخ إلا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصلح.

مسألة ١٢٠٩ : لا يجري خيار المجلس ، ولا خيار الحيوان في الصلح كما مر ، وفي جريان خيار الغبن فيه إشكال بل الظاهر عدم جريانه في الصلح الواقع في موارد قطع النزاع والخصومات ، وكذا لا يجري فيه خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم لو أخر تسليم المصالح به عن الحد المتعارف ، أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة ، وأما بقية الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضاً.

مسألة ١٢١٠ : لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ ، وأما أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه إشكال.

مسألة ١٢١١ : متعلق الصلح أما عين أو منفعة أو دين أو حق ، وعلى التقادير أما أن يكون مع العوض أو بدونه ، وعلى الأول أما أن يكون العوض عيناً أو منفعة أو ديناً أو حقاً ، فهذه عشرون صورة كلها صحيحة ، فيصح الصلح عن عين بعين ومنفعة ودين وحق وبلا عوض وعن منفعة بمنفعة وعين ودين وحق وبلا عوض وهكذا.

مسألة ١٢١٢ : إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح ، سواء أكان مع العوض أم بدونه ، وكذا إذا تعلق بدين للمصالح على ثالث أو حق قابل للانتقال كحقي التحجير والاختصاص وحق الأولوية لمن بيده الأرض الخراجية ، وأذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه ، وكذا الحال إذا تعلق بحق قابل للإسقاط وغير قابل للنقل والانتقال كحق

٣٧٤

الشفعة ونحوه ، وأما مالا يقبل الانتقال ولا الإسقاط فلا يصح الصلح عليه.

مسألة ١٢١٣ : يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين ، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدة ، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه ، أو يجري ماءه على سطح داره ، أو يكون ميزابه على عرصة داره ، أو يكون له الممر والمخرج من داره أو بستانه ، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه ، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه ، وغير ذلك ، ولا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه.

مسألة ١٢١٤ : يعتبر في المتصالحين : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة أن يتصرف في ماله من الطرفين أن لا يكون محجوراً عليه من ذلك لسفه أو فلس.

مسألة ١٢١٥ : يجري الفضولي في الصلح ـ كما يجري في البيع ونحوه ـ حتى فيما إذا تعلق بإسقاط دين أو حق وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لا تجري فيهما الفضولية.

مسألة ١٢١٦ : يجوز الصلح على ثمار وخضر وزرع العام الواحد قبل ظهورها من دون ضميمة وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر.

مسألة ١٢١٧ : لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين ، ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذراً وما إذا لم يكن متعذراً.

مسألة ١٢١٨ : لو علم المديون بمقدار الدين ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقل مما يستحقه لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد ، إلا أن يعلم رضا الدائن بالمصالحة حتى لو علم بمقدار الدين أيضاً ، وهكذا لولم يعلم

٣٧٥

بمقدار الدين تحديداً ولكنه علم إجمالاً زيادته على المقدار المصالح به فإنه لا تبرأ ذمته عن المقدار الزائد إلا في الحالة المذكورة ، ويجري نظير هذا الكلام في العين أيضاً.

مسألة ١٢١٩ : إذا كان شخصان لكل منهما مال في يد الآخر أو على ذمته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر ، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما أيضاً ، لأن حرمة الربا تعم الصلح على هذا النحو على الأظهر ، وهكذا الحكم في صورة احتمال الزيادة وعدم العلم بها على الأحوط ، ويمكن الاستغناء عن الصلح على المبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما لصاحبه في الفرض الأول : ( صالحتك على أن تهب لي ما في يدي وأهب لك ما في يدك ) فيقبل الآخر ، ويقول في الفرض الثاني : ( صالحتك على أن تبرأني مما لك في ذمتي وأبرأك مما لي في ذمتك ) فيقبل الآخر.

مسألة ١٢٢٠ : لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مر في المسألة السابقة ، مثلاً إذا كان أحد الدينين الحالين من الحنطة الجيدة والآخر من الحنطة الرديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما بالآخر ، ومع فرض زيادة أحدهما ـ في المثال ـ لا تجوز المصالحة على المبادلة بينهما على الأظهر.

مسألة ١٢٢١ : يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان الغرض إبراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً ، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون ، وأما في غير ذلك فيجوز الصلح والبيع بالأقل نقداً من المديون وغيره ، وعليه فيجوز للدائن تنزيل ( الكمبيالة ) في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر على

٣٧٦

ما مر في المسألة (٢٣٤).

مسألة ١٢٢٢ : يجوز للمتنازعين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدعى به أو بشيء آخر حتى مع إنكار المدعى عليه ، ويسقط بهذا الصلح حق الدعوى ، وكذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر ، فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة ، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً ولا يحل به لغير المحق ما يأخذه بالصلح ، وذلك مثل ما إذا ادعى شخص على آخر ديناً فأنكره ثم تصالحا على النصف فهذا الصلح وإن أثر في سقوط الدعوى ، ولكن المدعي لو كان محقاً فقد وصل إليه نصف حقه ويبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر وإن لم يكن عليه إثم إن كان معذوراً في اعتقاده ، نعم لو فرض رضا المدعي باطناً بالصلح عن جميع ماله في الواقع فقد سقط حقه ، ولو كان المدعي مبطلاً في الواقع حرم عليه ما أخذه من المنكر إلا مع فرض طيب نفسه واقعاً بأن يكون للمدعي ما صالح به لا أنه رضي به تخلصاً من دعواه الكاذبة.

مسألة ١٢٢٣ : لو قال المدعى عليه للمدعي ( صالحني ) لم يكن ذلك منه إقراراً بالحق ، لما عرفت من أن الصلح يصح مع الإقرار والإنكار ، وأما لو قال ( بعني ) أو ( ملكني ) كان إقراراً.

مسألة ١٢٢٤ : يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.

مسألة ١٢٢٥ : لو تصالح مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلاً بإزاء لبنها ، وأشترط عليه أن يعطي له مقداراً معيناً من الدهن صحت المصالحة ، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض مقدار معين من الدهن غير المقيد بالدهن المأخوذ منها صحت الإجارة أيضاً.

٣٧٧

مسألة ١٢٢٦ : إذا كان لواحدٍ ثوب اشتراه بعشرين درهماً ولآخر ثوب اشتراه بثلاثين وأشتبها ، ولم يميز كل منهما ماله عن مال صاحبه ، فإن خير أحدهما صاحبه فلا إشكال ، فكل ما اختاره يحل له ويحل الآخر لصاحبه ، وأما مع عدمه فإن توافقا على بيعهما بيعا وقسم الثمن بينهما بنسبة رأس مالهما فيعطي صاحب العشرين في المثال سهمين من خمسة والآخر ثلاثة أسهم منها ، ولو تعاسرا في البيع ولو من جهة كون مقصود أحدهما أو كليهما نفس المال لا ثمنه فلابد من القرعة.

مسألة ١٢٢٧ : لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهة خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهة عامة في حياة المصالح أو بعد وفاته صح ، ولزم الوفاء بالشرط.

مسألة ١٢٢٨ : إذا كان شخصان لكل منهما مال فاختلطا ثم تلف البعض من المجموع ، فإن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في الخليط حسب التالف عليهما بنسبة المالين ، وإن لم يكن يوجب الشركة فيه ـ سواء أكانا مثليين أو قيميين ـ فإن تساوى المالان في المقدار حسب التالف عليهما وقسم الباقي بينهما نصفين ، وأما مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال وقوع التلف ممن ماله أقل ضعيفاً يوثق بخلافه حكم بوقوعه في مال الآخر ، كما إذا كان المجموع عشرة آلاف درهم ، لأحدهما درهم أو درهمان والبقية للآخر وكان التالف درهماً أو درهمين أيضاً فإن احتمال كون التالف ممن ماله أقل واحد من عشرة آلاف أو خمسة آلاف وهو احتمال ضعيف لا يعبأ به العقلاء.

وأما إذا لم يكن كذلك فالأقوى احتساب التالف عليهما بنسبة ماليهما فلو كان المجموع عشرة لأحدهما درهم واحد وللآخر تسعة دراهم وكان التالف درهماً واحداً أعطي لصاحب الواحد تسعة أعشار الدرهم ولصاحب

٣٧٨

التسعة ثمانية دراهم وعشر الدرهم ، ولو كان التالف في المثال خمسة أعطى لصاحب الدرهم نصف درهم ولصاحب التسعة أربعة دراهم ونصف وهكذا.

٣٧٩
٣٨٠