منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن عقلاً وشرعاً ضمنها بمجرد ذلك ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه.

مسألة ٧١٠ : لو كانت الوديعة في كيس مختوم أو ما بحكمه ففتحه وأخذ بعضها ضمن الجميع ، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق ، وأما لولم تكن كذلك فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي ، وأما لو كان من قصده عدم الاقتصار بل أخذ التمام شيئاً فشيئاً فلا يبعد أن يكون ضامناً للجميع.

مسألة ٧١١ : لو أودعه كيسين فتصرف في أحدهما ضمنه دون الآخر.

مسألة ٧١٢ : إذا كان التصرف لا يوجب صدق الخيانة كما إذا كتب على الكيس بيتاً من الشعر أو نقش عليه نقشاً أونحو ذلك فإنه لا يوجب ضمان الوديعة وإن كان التصرف حراماً لكونه غير مأذون فيه.

مسألة ٧١٣ : لو سلم الوديعة إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ضمن إلا أن يكونوا كآلاته لكون ذلك بمحضره وباطلاعه ومشاهدته.

مسألة ٧١٤ : إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه بإن جعلها في الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها ، أو تعدى ثم رجع كما إذا لبس الثوب ثم نزعه فهل يبقى الضمان أولا؟ وجهان أوجههما العدم.

مسألة ٧١٥ : لو ادعى الودعي تلف الوديعة فإن كان مأموناً عند المودع لم يطالبه بشيء وإلا جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي ، ويكون القول قوله ـ أي الودعي ـ بيمينه بشرط أن لا يكون مخالفاً لظاهر الحال ، كما لو كانت بين أمواله فادعى تلفها بحريق أصابها وحدها دون غيرها.

مسألة ٧١٦ : لو اتفقا على تلف الوديعة ولكن اختلفا في التفريط أو التعدي أو في قيمة العين ـ ولو لأجل الاختلاف في خصوصياتها ـ كان القول قول الودعي بيمينه بالشرط المتقدم.

٢٢١

مسألة ٧١٧ : لو اختلفا في الرد فالأظهر أن القول قول المالك مع يمينه بالشرط المتقدم ، وكذلك الحال لو اختلفا في أنها دين أو وديعة مع التلف.

مسألة ٧١٨ : لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن من المالك فأنكر المالك ولا بينة فالقول قول المالك بيمينه بالشرط المتقدم ، وكذا لو صدقه على الإذن ولكن أنكر التسليم إلى من إذن له.

مسألة ٧١٩ : إذا أنكر الوديعة ثم أقر بها ـ عند إقامة المالك البينة عليها أو بدون ذلك ـ ولكنه ادعى تلفها لم تقبل دعواه بيمينه ، فإن ادعى أنها تلفت قبل إنكاره من غير تعدٍ ولا تفريط وكذبه المالك كلف الودعي بإقامة البينة على دعواه فإن أقامها فهو ، وإلا توجه الحلف على المالك فإذا حلف كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها ، وأما لو ادعى تلفها بعد الإنكار فللمالك أن يأخذ منه بدلها وله يطالبه بالعين وحينئذٍ فإن أقام البينة على تلفها حكم بضمانه بدلها وإلا توجه الحلف على المالك فإن حلف كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها كما تقدم في الصورة الأولى.

مسألة ٧٢٠ : إذا أقر بالوديعة ثم مات فإن عينها في عين شخصية معينة موجودة حال موته أخرجت من التركة ، وكذا إذا عينها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت ، كما إذا قال إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان ولم يعينها فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورث ولم يميزوا الوديعة عن غيرها إن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالاً بإن إحدى هذه الشياه لفلان ، وإذا عين الوديعة ولم يعين المالك كانت من مجهول المالك فيترتب عليها حكمه وسيأتي في كتاب اللقطة.

وهل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عينها في معين واحتمل صدقه؟ وجهان أظهرهما العدم.

٢٢٢

وإذا لم يعينها بأحد الوجهين المذكورين بحيث لم يظهر من كلامه وجودها في ضمن تركته ولم يعلم الورثة بذلك فلا اعتبار بقوله حتى إذا ذكر الجنس ولم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلا واحد ، إلا إذا علم أن مراده ذلك الواحد.

مسألة ٧٢١ : الأمانة على قسمين مالكية وشرعية :

أما الأول : فهو ما كان باستيمان من المالك وإذنه ، سواء كان عنوان عمله ممحضاً في الحفظ والصيانة كالوديعة أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة ، فإن العين بيد المرتهن والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية ، حيث أن المالك قد استأمنهم عليها وتركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم.

وأما الثاني : فهو ما لم يكن الاستيلاء فيه على العين ووضع اليد عليها باستيمان من المالك ولا إذن منه وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان ، بل أما قهراً كما إذا أطارتها الريح أو جاء بها السيل مثلاً فصارت في يده ، وأما بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما ، كما إذا اشترى صندوقاً فوجد فيه المشتري شيئاً من مال البائع بدون اطلاعه ، أو تسلم البائع أو المشتري زائداً على حقهما من جهة الغلط في الحساب ، وأما برخصة من الشرع كاللقطة والضالة وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه ، وكذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ ، وما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة ، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك ، فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها ، فإن كان يعرف صاحبها لزمه إيصالها إليه في أول أزمنة الإمكان ولو مع عدم المطالبة.

٢٢٣

ويحتمل عدم وجوب الإيصال وكفاية إعلامه بكونها عنده وتحت يده والتخلية بينها وبينه بحيث كلما أراد أن يأخذها أخذها ، بل هذا هو الأقوى. وأما لو كان صاحبها مجهولاً كما في اللقطة والضالة وغيرهما من مجهول المالك فيجب فيها التعريف والفحص عن المالك على تفصيل يأتي في كتاب اللقطة.

ولو كانت العين أمانة مالكية سواء بعنوان الوديعة أو بعنوان آخر فارتفع ذلك العنوان مع بقاء العين في يده من دون طرو عنوان العدوان عليها ، فإن كان البقاء من لوازم ذلك العنوان أو كان برضا المالك فالأمانة مالكية وإن كان مستنداً إلى عجزه من الرد إلى مالكه أو من بحكمه فالأمانة شرعية.

٢٢٤

كتاب العارية

٢٢٥
٢٢٦

العارية هي : ( تسليط الشخص غيره على عين ليستفيد من منافعها مجاناً ).

مسألة ٧٢٢ : تحصل العارية بالإيجاب من المعير والقبول من المستعير ، ولكن لا يعتبر أن يكونا لفظيين فلو دفع ثوبه لشخص بقصد الإعارة وقصد الآخذ بأخذه الاستعارة صحت العارية.

مسألة ٧٢٣ : يعتبر في المعير أن يكون مالكاً للمنفعة أو بحكمه فلا تصح إعارة الغاصب منفعة وإن لم يكن غاصباً عيناً إلا بإجازة المغصوب منه.

مسألة ٧٢٤ : لا تصح إعارة الطفل والمجنون مالهما ، كما لا تصح إعارة المحجور عليه ـ لسفه أو فلس ـ ماله إلا مع إذن الولي أو الغرماء ، وإذا رأى ولي الطفل مصلحة في إعارة ماله جاز إن يكون الطفل وسيطاً في إيصاله إلى المستعير.

مسألة ٧٢٥ : لا يعتبر في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية ، نعم إذا اشترط في الإجارة استيفاء المنفعة بنفسه ليس له الإعارة ، كما ليس له تسليم العين المستأجرة إلى المستعير من غير إذن مالكها على الأحوط.

مسألة ٧٢٦ : يعتبر في المستعير أن يكون أهلاً للانتفاع بالعين فلا تصح استعارة الصيد للمحرم لا من المحل ولا من المحرم ، وكذا يعتبر فيه التعيين ، فلو أعار شيئاً أحد شخصين أو أحد أشخاص لم يصح ، ولا يشترط أن يكون واحداً ، فيصح إعارة شيء واحد لجماعة ، كما إذا قال : ( أعرت هذا الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة ) فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة

٢٢٧

كالعين المستأجرة ، وأما إعارته لعدد غير محدود كما إذا قال : ( أعرت هذا الشيء لكل الناس ) فالظاهر عدم صحتها نعم تصح إباحته كذلك.

مسألة ٧٢٧ : يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها منفعة محللة مع بقاء عينها كالعقارات والدواب والثياب والكتب والأمتعة والحلي وكلب الصيد والحراسة وأشباه ذلك ، فلا يجوز إعارة ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها ، كما لا يجوز إعارة ما تنحصر منافعه المتعارفة في الحرام ـ كآلات اللهو المحرم والقمار ـ لينتفع به في ذلك ، ولا تجوز إعارة آنية الذهب والفضة للأكل والشرب بل ولا لغيرهما من الاستعمالات على الأحوط ، ولا يبعد جواز إعارتها للزينة.

مسألة ٧٢٨ : تصح إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها وإعارة الفحل للتلقيح.

مسألة ٧٢٩ : تصح الإعارة للرهن وليس للمالك حينئذٍ إبطاله وأخذ ماله من المرتهن ، كما ليس له مطالبة الراهن بالفك إذا كان الدين مؤجلاً إلا عند حلول الأجل وأما في غيره فيجوز له ذلك مطلقاً.

مسألة ٧٣٠ : إذا لم يفك الرهن جاز للمرتهن بيعه كما يبيع ما كان ملكاً لمن عليه الدين ـ على تفصيل يأتي في محله ـ ويضمنه المستعير لمالكه بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر وبقيمته تامة لو بيع بالأقل من قيمته ، وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير فك إشكال والظاهر عدم الضمان إلا مع اشتراطه.

مسألة ٧٣١ : لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة ، فلو قال : ( أعرني إحدى دوابك ) فقال : ( أدخل الأصطبل وخذ ما شئت منها ) صحت العارية.

مسألة ٧٣٢ : العين التي تعلقت بها العارية إن انحصرت جهة الانتفاع

٢٢٨

المتعارف بها في منفعة خاصة كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة للاكتنان وأشباه ذلك لا يلزم التعرض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها واستعارتها ، وإن تعددت جهات الانتفاع بها كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس والبناء والسيارة ينتفع بها لنقل الأمتعة والركاب ونحو ذلك ، فإن كانت إعارتها واستعارتها لأجل منفعة أو منافع خاصة من منافعها يجب التعرض لها واختص حلية الانتفاع للمستعير بما خصصه المعير ، وإن كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم ، بأن يقول : ( أعرتك هذه السيارة ـ مثلا ـ لأجل أن تنتفع بها كل انتفاع مباح يحصل منها ) كما أنه يجوز إطلاق العارية بأن يقول : ( أعرتك هذه السيارة ) فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلقة بها ، نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة إلى بعض الأعيان خفاء لا يندرج معه في الإطلاق ، ففي مثله لابد من التنصيص عليه أو التعميم على وجه يعمه ، وذلك كالدفن فإنه وإن كان من أحد وجوه الانتفاعات من الأرض كالبناء والزرع والغرس ومع ذلك لو أعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمه الإطلاق.

مسألة ٧٣٣ : العارية جائزة من الطرفين وإن كانت مؤجلة فلكل منهما فسخها متى شاء ، نعم مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين ـ بمعنى التزام المشروط عليه بأن لا يفسخها إلى ذلك الأجل ـ يصح الشرط ويجب عليه العمل به سواء جعل ذلك شرطاً في ضمن نفس العارية أو في ضمن عقد خارج لازم ، ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخه وإن كان آثماً.

مسألة ٧٣٤ : إذا أعار أرضه للدفن فليس له بعد الدفن والمواراة الرجوع عن الإعارة ونبش القبر وإخراج الميت على الأصح ، وأما قبل ذلك فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته ، وليس على المعير أجرة الحفر ومؤنته إذا رجع بعد الحفر قبل الدفن ، كما أنه ليس على ولي الميت

٢٢٩

طم الحفر بعد ما كان بإذن من المعير.

مسألة ٧٣٥ : لو استعار أرضاً للزرع فالظاهر أنه يتضمن ـ بحسب الارتكاز العرفي ـ اشتراط عدم فسخ العقد بعد شروعه في العمل إلى أن يدرك الزرع ويستحصد وينتهي أمده. فعلى المالك المعير الوفاء للمستعير بشرطه والعمل به ولكن لو عصى وفسخ العقد انفسخ ، وحينئذٍ فهل يجوز له إجبار المستعير على إزالة الزرع مع الأرش أو بدونه ، أو أنه ليس له ذلك بل للمستعير إجباره على الإبقاء ولو بأجرة حتى يدرك ويستحصد؟ وجوه ، والأحوط لهما التراضي والتصالح ، ومثل ذلك ما لو استعار أرضاً للبناء أو جذوعاً للتسقيف ثم رجع المالك بعد ما بنى الأرض أو أثبت الجذوع في البناء.

مسألة ٧٣٦ : حكم العارية في بطلانها بموت المعير أو جنونه أو إغمائه حكم الوديعة في ذلك ، وقد تقدم في المسألتين ( ٦٩٨ ـ ٦٩٩ ).

مسألة ٧٣٧ : يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عينها المعير ، فلا يجوز له التعدي إلى غيرها ولو كانت أدنى وأقل ضرراً على المعير ، وكذا يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة ، فلو أعاره سيارة للحمل لا يحملها إلا القدر المعتاد بالنسبة إلى تلك السيارة وذلك المحمول والزمان والمكان ، فلو تعدى نوعاً أو كيفية كان غاصباً وضامناً وعليه أجرة ما استوفاه من المنفعة بتمامها ، نعم لو زاد على القدر المسموح له من الانتفاع كما لو أعاره سيارة للركوب إلى مسافة معينة فجاوزها ضمن أجرة ما تجاوز به فقط ، هذا مع عدم التقييد بعدم الزيادة وإلا ضمن أجرة الجميع.

مسألة ٧٣٨ : العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا بالتعدي أو التفريط ، نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعدٍّ ولا

٢٣٠

تفريط ، كما أنه لو كانت العين المعارة ذهباً أو فضة ضمنها إلا إذا اشترط عدم ضمانها.

مسألة ٧٣٩ : لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلا بإذن المالك ، فتكون إعارته حينئذٍ في الحقيقة إعارة المالك ويكون المستعير وكيلاً عنه ، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك ـ كما إذا مات أو جن مطبقاً ـ بقيت العارية الثانية على حالها.

مسألة ٧٤٠ : حكم العارية في وجوب الإعلام بالنجاسة في إعارة المتنجس حكم البيع في ذلك ، وقد تقدم في المسألة (٨).

مسألة ٧٤١ : إذا تلفت العارية أو نقصت بفعل المستعير ، فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون تعدٍّ عن المتعارف ليس عليه ضمان ، كما إذا هلكت الدابة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملاً متعارفاً ، وإن كان بسبب آخر ضمنها.

مسألة ٧٤٢ : لا يتحقق رد العارية إلا بردها إلى مالكها أو وكيله أو وليه ، ولو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد للمالك ولا إذن منه ، كما إذا رد الدابة إلى الأصطبل وربطها فيه فتلفت أو أتلفها متلف ضمنها.

مسألة ٧٤٣ : إذا علم المستعير بأن العارية مغصوبة وجب عليه إرجاعها إلى مالكها ، ولم يجز دفعها إلى المعير.

مسألة ٧٤٤ : إذا استعار ما يعلم بغصبيته فللمالك أن يطالبه أو يطالب الغاصب بعوضه إذا تلف كما أن له أن يطالب كلا منهما بعوض ما استوفاه المستعير أو تلف في يده أو الأيادي المتعاقبة عليها من المنافع ، وإذا استوفى المالك العوض من المستعير فليس للمستعير الرجوع به على الغاصب.

مسألة ٧٤٥ : إذا لم يعلم المستعير بغصبية العارية وتلفت في يده ورجع المالك عليه بعوضها فله أن يرجع على المعير بما غرمه للمالك إلا إذا

٢٣١

كانت العارية ذهباً أو فضة أو اشترط المعير ضمان العارية عليه عند التلف ، وإن رجع المالك عليه بعوض المنافع جاز له الرجوع إلى المعير بما دفع.

٢٣٢

كتاب اللقطة

٢٣٣
٢٣٤

وهي ـ بمعناها الأعم ـ : ( كل مال ضائع عن مالكه ولم يكن لأحد يد عليه ) ، وهي على قسمين : حيوان ، وغير حيوان ، ويسمى الأول بـ ( الضالة ) ، ويطلق على الثاني ( اللقطة ) بقول مطلق و( اللقطة بالمعنى الأخص ).

وللضائع نوع آخر وهو الطفل الذي لا كافل له ولا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه ودفع ما يضره ويهلكه ، ويقال له ( اللقيط ) ، وفيما يلي جملة من أحكام الأنواع الثلاثة.

أحكام اللقيط

مسألة ٧٤٦ : يستحب أخذ اللقيط ، بل يجب كفاية إذا توقف عليه حفظه سواء أكان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما ـ عجزا عن النفقة أو خوفاً من التهمة ـ أم غيره ، ولا يعتبر عدم كونه مميزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له.

مسألة ٧٤٧ : من أخذ اللقيط فهو أحق من غيره بحضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره إلى أن يبلغ فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدى حضانته غير من له حق الحضانة تبرعاً بحق النسب ـ كالأبوين والأجداد ـ أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد للأب ، فإذا وجد أحد هؤلاء خرج بذلك عن عنوان ( اللقيط ) لما تقدم من أنه الضائع الذي لا كافل له.

مسألة ٧٤٨ : كما أن لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه ، كذلك عليهم ذلك ، فلو امتنعوا أجبروا عليه.

٢٣٥

مسألة ٧٤٩ : الظاهر وجوب تعريف اللقيط إذا أحرز عدم كونه منبوذاً من قبل أهله واحتمل الوصول إليهم بالفحص والتعريف.

مسألة ٧٥٠ : يشترط في ملتقط الصبي : البلوغ والعقل فلا اعتبار بالتقاط الصبي والمجنون ، بل يشترط فيه الإسلام إذا كان اللقيط محكوماً بالإسلام.

مسألة ٧٥١ : ما كان مع اللقيط من مال فهو محكوم بأنه ملكه.

مسألة ٧٥٢ : اللقيط إن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع فهو ، وإلا فإن كان له مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك كحلي ونحوه جاز للملتقط صرفه في إنفاقه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي أو وكيله إن أمكن ، وإلا فبإذن بعض عدول المؤمنين ، وإن لم يمكن أيضاً فله أن يتصدى لذلك بنفسه ولا ضمان عليه.

ولو أنفق عليه من مال نفسه مع وجود من ينفق عليه من أمثال ما ذكر أو مع وجود مال للقيط نفسه لم يكن له الرجوع عليه بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه ، وأما إذا لم يكن له مال ولا من ينفق عليه أنفق الملتقط عليه من مال نفسه وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.

مسألة ٧٥٣ : لا ولاء للملتقط على اللقيط بل له أن يتولى بعد بلوغه من شاء ، فإن لم يتول أحداً ومات ولا وارث له فميراثه للإمام عليه‌السلام كما أنه عاقلته.

مسألة ٧٥٤ : لا يجوز للملتقط أن يتبنى اللقيط ويلحقه بنفسه ، ولو فعل لم تترتب عليه شيء من أحكام البنوة والأبوة والأمومة.

٢٣٦

أحكام الضالة

مسألة ٧٥٥ : إذا وجد حيوان مملوك في غير العمران كالبراري والجبال والآجام والفلوات ونحوها ، فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن صغار السباع كالذئب والثعلب لكبر جثته أو سرعة عدوه أو قوته كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه ، سواء أكان في كلاء وماء أم لم يكن فيهما إذا كان صحيحاً يقوى على السعي إليهما ، فإن أخذه الواجد حينئذٍ كان آثماً وضامناً له وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك ، وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته وإذا ركبه أو حمله حملاً كان عليه أجرته ، ولا تبرأ ذمته من ضمانه إلا بدفعه إلى مالكه ولا يزول الضمان ولو بإرساله في الموضع الذي أخذه منه ، نعم إذا يئس من الوصول إليه ومعرفته تصدق به عنه بإذن الحاكم الشرعي.

مسألة ٧٥٦ : إذا كان الحيوان المذكور لا يقوى على الامتناع من صغار السباع ـ سواء أكان غير ممتنع أصلاً كالشاة أم لم يبلغ حد الامتناع كصغار الإبل والخيل أم زال عنه لعارض كالمرض ونحوه ـ جاز أخذه ، فإن أخذه عرفه في موضع الالتقاط إن كان فيه نزال ، فإن لم يعرف المالك جاز له تملكه والتصرف فيه بالأكل والبيع ـ والمشهور أنه يضمنه حينئذ بقيمته وقيل لا يضمن بل عليه دفع القيمة إذا جاء صاحبه من دون اشتغال ذمته بمال وهذا هو الأوجه ـ ويجوز له أيضاً إبقاؤه عنده إلى أن يعرف صاحبه ما دام لم ييأس من الظفر به ولا ضمان عليه حينئذٍ.

مسألة ٧٥٧ : إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق والصحاري والبراري فإن كان قد أعرض عنه وأباح تملكه لكل أحد جاز أخذه

٢٣٧

كالمباحات الأصلية ولا ضمان على الآخذ ، وإذا تركه للعجز عن الإنفاق عليه أو عن معالجته أو لجهد الحيوان وكلاله بحيث لا يتيسر له أن يبقى عنده ولا أن يأخذه معه فإن كان الموضع الذي تركه فيه آمناً مشتملاً على الكلاء والماء أو يقوى الحيوان فيه على السعي إليهما بحيث يقدر على التعيش فيه لم يجز لأي أحد أخذه فمن أخذه كان ضامناً له ، وأما إذا كان الموضع مضيعة لا يقدر الحيوان على التعيش فيه فإن لم يكن مالكه ناوياً للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه جاز لكل أحد أخذه وإلا لم يجز ذلك.

مسألة ٧٥٨ : إذا وجد الحيوان في العمران ـ وهي مواضع يكون الحيوان مأموناً فيها من السباع عادة كالبلاد والقرى وما حولها مما يتعارف وصول الحيوان منها إليه ـ لم يجز أخذه ، ومن أخذه ضمنه ويجب عليه حفظه من التلف والإنفاق عليه بما يلزم وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق ، كما يجب عليه تعريفه ويبقى في يده مضموناً إلى أن يؤديه إلى مالكه ، فإن يئس منه تصدق به بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط ، نعم إذا كان غير مأمون من التلف لبعض الطوارئ كالمرض ونحوه جاز له أخذه لدرء الخطر عنه من دون ضمان ويجب عليه أيضاً الفحص عن مالكه ، فإن يئس من الوصول إليه تصدق به كما تقدم.

مسألة ٧٥٩ : إذا دخلت الدجاجة أو السخلة مثلاً في دار إنسان ولم يعرف صاحبها لم يجز له أخذها ، ويجوز له إخراجها من الدار وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها ، وأما إذا أخذها فالظاهر عدم جريان حكم اللقطة عليها ، بل يجري عليها حكم مجهول المالك الآتي في المسألة (٧٦٥) ، نعم لا يبعد جواز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعرف صاحبه من دون فحص عنه.

مسألة ٧٦٠ : إذا احتاجت الضالة إلى النفقة فإن وجد متبرع بها أنفق

٢٣٨

عليها ، وإلا أنفق عليها من ماله فإن كان يجوز له أخذها ولم يكن متبرعاً في الإنفاق عليها جاز له الرجوع بما أنفقه على المالك وإلا لم يجز له ذلك.

مسألة ٧٦١ : إذا كان للضالة نماء أو منفعة جاز للآخذ ـ إذا كان ممن يجوز له أخذها ـ أن يستوفيها ويحتسبها بدل ما أنفقه عليها ، ولكن لابد أن يكون ذلك بحساب القيمة على الأقوى.

أحكام اللقطة

مسألة ٧٦٢ : يعتبر فيها الضياع عن مالكها المجهول ، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه ، بل لابد في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال ، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد ونحوها لا يترتب عليه أحكام اللقطة وكذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام ونحوه لاحتمال تقصد المالك في التبديل أو حصوله اشتباهاً ومعه يكون من مجهول المالك لا اللقطة.

مسألة ٧٦٣ : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط ، فلو رأى شيئاً وأخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن تسبب منه ، ولو قال ناولنيه ، فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر ، وكذا لو أخذه للآمر وناوله إياه على الأقرب.

مسألة ٧٦٤ : لو عثر على مال وحسب أنه له فأخذه ثم ظهر أنه ضائع عن غيره كان لقطة وتجري عليه أحكامها ، ولو رأى مالاً ضائعاً فنحاه من جانب إلى آخر من دون أخذه فالظاهر عدم صيرورته بذلك لقطة وإن ضمنه ، ولو دفعه برجله أو عصاه مثلاً ليتعرفه فالظاهر عدم الضمان أيضاً.

مسألة ٧٦٥ : المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه ، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلا إذا كان في معرض التلف فإنه يجوز

٢٣٩

أخذه في هذه الحالة بقصد الحفظ أما بعينه أو ببدله ـ حسب اختلاف الموارد كما سيأتي ـ ويكون عندئذ أمانة شرعية في يد الآخذ لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط ، وعلى كل من تقديري جواز الأخذ وعدمه إذا أخذه وجب الفحص عن مالكه مع احتمال ترتب الفائدة عليه وإلا لم يجب وحينئذٍ فما دام لم ييأس تماماً من الوصول إلى المالك حفظ المال له ومع اليأس يتصدق به أو يبيعه أو يقومه على نفسه ويتصدق بثمنه.

هذا إذا كان المال مما يحتفظ بصفاته الدخيلة في ماليته إلى أن يفحص عن المالك ويحصل له اليأس من الوصول إليه وإلا فلابد أن يتصدق به أو بثمنه مع صيرورته في معرض فقدان بعض تلك الصفات فإنه يسقط التحفظ والفحص إذا صار كذلك ، والأحوط لزوماً أن يكون التصدق وكذا البيع التقويم في الموردين المذكورين بإذن الحاكم الشرعي ، كما أن الأحوط ضمان المتصدق لو صادف أن جاء المالك ولم يرض بالتصدق.

مسألة ٧٦٦ : كل مال غير الحيوان إن أحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال ـ وهو الذي يطلق عليه ( اللقطة ) كما مر ـ يجوز على كراهة أخذه والتقاطه ، ولا فرق في ذلك بين ما يوجد في الحرم ـ أي حرم مكة زادها الله شرفاً ـ وغيره وإن كانت الكراهة في الأول أشد وآكد.

هذا فيما إذا احتمل أنه لولم يأخذه أحد لطلبه صاحبه وأخذه ، وأما فيما لم يحتمل ذلك احتمالاً معتداً به ـ ولو لقلة قيمته مما يستوجب عادة إعراضه عنه بعد ضياعه ـ فلا كراهة في أخذه سواء أكان مما يجب تعريفه بعد الأخذ أم لا.

مسألة ٧٦٧ : إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يصفه بها من يدعيه كالمسكوكات المفردة وغالب المصنوعات في المصانع المتداولة في هذه الأزمنة جاز للملتقط أن يتملكه وإن بلغت قيمته درهماً أو زادت عليه على

٢٤٠