منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

كتاب الإقرار

٣٨١
٣٨٢

الإقرار هو : ( إخبار الشخص عن حق ثابت عليه أو نفي حق له سواء أكان من حقوق الله تعالى أم من حقوق الناس ).

مسألة ١٢٢٩ : لا يعتبر في الإقرار لفظ خاص فيكفي كل لفظ مفهم له عرفاً ، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضاً.

مسألة ١٢٣٠ : يعتبر في الإقرار الجزم بمعنى عدم اشتمال الكلام على الشك والترديد ، فلو قال أظن أو احتمل أنك تطلبني كذا لم يكن إقراراً.

مسألة ١٢٣١ : يعتبر في الإخبار الذي يعد بلحاظ نفسه أو لوازمه إقراراً أن يكون واضحاً في مدلوله أما على نحو الصراحة أو الظهور ، فلا عبرة بالكلام المجمل وإن كان إجماله طارئاً ناشئاً من اقترانه ببعض الخصوصيات التي تمنع من انعقاد الظهور له عند أهل المحاورة.

مسألة ١٢٣٢ : لا يعتبر في تحقق الإقرار دلالة الكلام عليه بأحد طرق الدلالة اللفظية ( المطابقة والتضمن والالتزام ) ولا كونه مقصوداً بالإفادة فيؤخذ المتكلم بلازم كلامه وإن لم ينعقد له ظهور فيه ـ بعد أن كان ظاهراً في ملزومه ـ بل وحتى مع جهل المقر بالملازمة أو غفلته عنها ، فإذا نفى الأسباب الشرعية لانتقال مال إليه واحداً بعد واحد كان ذلك إقراراً منه بعدم مالكيته له فيلزم به.

مسألة ١٢٣٣ : يعتبر في المقر به أن يكون مما لو كان المقر صادقاً في إخباره لأمكن إلزامه به شرعاً وذلك بأن يكون المقر به مالاً في ذمته أو عيناً خارجية أو عملاً أو حقاً كحق الخيار والشفعة وحق الاستطراق في ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره أو يكون فعلاً مستوجباً

٣٨٣

للحد شرعاً كالزنا وشرب الخمر وما شاكل ذلك ، وأما إذا أقر بما لا يمكن إلزامه به شرعاً فلا أثر له ، فإذا أقر بأن عليه لزيد شيئاً من ثمن خنزير ونحو ذلك لم ينفذ إقراره.

مسألة ١٢٣٤ : إنما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقر ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه لا فيما يكون ضرراً على غيره ولا فيما يكون فيه نفع المقر إذا لم يصدقه الغير ، فإذا أقر بزوجية امرأة ولم تصدقه نفذ إقراره بالنسبة إلى حرمة تزويجه من أمها مثلاً لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه.

مسألة ١٢٣٥ : يصح الإقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقر ، وللمقر له أن يلزمه بالتفسير والبيان ورفع الإبهام ، ويقبل منه ما فسره به ويلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مرادا منه ، فلو قال : ( لك عليّ شيء ) فله إلزامه بالتفسير ، فإذا فسره بأي شيء يصح أن يكون في ذمة المقر للمقر له يقبل منه وإن لم يكن متمولاً كحبة من حنطة ومثلها الخمر والخنزير إذا كان الطرفان ذميين ، وأما لو قال : ( لك عليّ مال ) لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به من الأموال وإن كانت ماليته قليلة لا مثل حفنة من التراب.

مسألة ١٢٣٦ : إذا أقر بنقد أو وزن أو كيل يرجع في تعيينه إلى القرائن إن وجدت ومع الإبهام يرجع إلى تفسيره وتعيينه فإذا اتحد بلد الإقرار والمقر والمقر له حمل على المتعارف فيه وإن تعدد البلد أو تعدد المتعارف في البلد الواحد ولم توجد قرينة على التعيين يرجع إلى تفسير المقر.

مسألة ١٢٣٧ : لو أقر بشيء وإنكره المقر له ، فإن كان المقر به ديناً على ذمة المقر فلا أثر للإقرار ولا يطالب المقر بشيء ، وإن كان عيناً خارجية قيل أن للحاكم انتزاعها من يده ولكن الأظهر عدمه.

هذا بحسب الظاهر وأما بحسب الواقع فعلى المقر بينه وبين الله تفريغ

٣٨٤

ذمته من الدين وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسه في أمواله ، ولو رجع المقر له عن إنكاره فله إلزام المقر بالدفع إليه لو كان باقيا على إقراره.

مسألة ١٢٣٨ : لو أبهم المقر به وأدعى عدم معرفته به حتى يعينه فإن صدقه المقر له في ذلك وقال أنا أيضاً لا أدري فلا محيص عن الصلح إن أمكن والا فالقرعة ، وإن ادعى المعرفة وعينه فإن صدقه المقر فذاك والا فله أن يطالبه بالبينة ، ومع عدمها فله أن يحلفه ، وإن نكل أولم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا فلا محيص عن الصلح وإن لم يمكن فالقرعة.

مسألة ١٢٣٩ : كما لا يضر الإبهام والجهالة في المقر به لا يضران في المقر له ، فلو قال : ( هذه الدار التي بيدي لأحد هذين ) يقبل ولهما إلزامه بالتعيين ، فمن عينه يقبل ويكون هو المقر له ، فإن صدقه الآخر فذاك والا تقع المخاصمة بينه وبين من عينه المقر ، ولو ادعى عدم المعرفة وصدقاه في ذلك سقط عنه لزوم التعيين ، ولو ادعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر كما مر في نظائره.

مسألة ١٢٤٠ : لو أقر بالمظروف لم يدخل الظرف.

مسألة ١٢٤١ : لو أقر بالدين المؤجل ثبت المؤجل ولم يستحق المقر له المطالبة به قبل الأجل ، ولو أقر بالمردد بين الأقل والأكثر ثبت الأقل.

مسألة ١٢٤٢ : يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا ينفذ إقرار الصبي والمجنون والسكران وكذا الهازل والساهي والغافل وكذا المكره ، نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بما يحق له أن يفعله كبيع الأشياء اليسيرة كما مر في المسألة (٦٢).

مسألة ١٢٤٣ : السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل ويقبل فيما عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما ، وإن أقر بأمر مشتمل على مال

٣٨٥

وغيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال وقبل بالنسبة إلى غيره ، فيحد إذا أقر بالسرقة ولا يلزم بأداء المال.

مسألة ١٢٤٤ : لا ينفذ إقرار المفلس فيما يتعلق بماله الذي حجر عليه وينفذ فيما عداه كدار سكناه وأثاث بيته ونحوهما ، وكذا ينفذ إقراره في الدين سابقاً ولاحقاً ولكن لا يشارك المقر له الغرماء كما مر في كتاب الحجر.

مسألة ١٢٤٥ : ينفذ إقرار المريض كالصحيح إلا إذا كان في مرض الموت مع التهمة ، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث سواء أقر لوارث أو أجنبي كما مر في كتاب الحجر.

مسألة ١٢٤٦ : إذا ادعى الصبي البلوغ ، فإن ادعاه بالإثبات اختبر ولا يثبت بمجرد دعواه ، وكذا إن ادعاه بالسن فإنه يطالب بالبينة ، وأما لو ادعاه بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محل إشكال.

مسألة ١٢٤٧ : يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق ، فلو أقر بدين لدابة مثلاً لغى ، نعم لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال فالظاهر قبوله وصحته ، حيث أن المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.

مسألة ١٢٤٨ : إذا أقر بشيء ثم عقبه بما يضاده وينافيه يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه ، فلو قال : ( له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة ) ، ولو قال : ( له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار ) يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقبه ، وكذا لو قال : ( له عندي وديعة وقد هلكت ) ، فإن إخباره بتلف الوديعة وهلاكها ينافي قوله : ( له عندي ) الظاهر في وجودها عنده ، نعم لو قال ( كانت له عندي وديعة وقد هلكت ) فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقا ولا

٣٨٦

تنافي بينه وبين طرو الهلاك عليها ، لكن هذا دعوى منه لابد من فصلها على الموازين الشرعية.

مسألة ١٢٤٩ : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقر به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي. فلو قال له عليّ عشرة إلا درهما أوهذه الدار التي بيدي لزيد إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بالتسعة وبالدار ما عدا الغرفة ، ولو قال ما له عليّ شيء إلا درهم أوليس له من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بدرهم والغرفة ، هذا إذا كان الإخبار بالإثبات أو النفي متعلقاً بحق الغير عليه ، وأما لو كان متعلقاً بحقه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال لي عليك عشرة إلا درهماً أو لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقه عن الدرهم الزائد على التسعة ونفي ملكية الغرفة ، فلو ادعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتى الغرفة لم يسمع منه ، ولو قال ليس لي عليك إلا درهم أوليس لي من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً منه بنفي استحقاق ما عدا الدرهم وما عدا الغرفة.

مسألة ١٢٥٠ : لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر ـ كما إذا قال هذه الدار لزيد ثم قال بل لعمرو ـ حكم بكونها للأول وأعطيت له وأغرم للثاني قيمتها.

مسألة ١٢٥١ : لو ادعى البائع إن إقراره بقبض الثمن كان مواطأة للإشهاد عليه عند الحاكم لغرض تصديقه وثيقة البيع مثلاً وأنه لم يقبض الثمن في الواقع كان عليه إقامة البينة على دعواه أو إحلاف المشتري على إقباض الثمن.

مسألة ١٢٥٢ : إذا أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع احتمال صدقه فيما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث

٣٨٧

ونحو ذلك ، وأما بالنسبة إلى غير ذلك مما عليه من الأحكام ففيه تفصيل ، فإن كان الإقرار بالولد فيثبت النسب بإقراره مع احتمال صدقه عادة وشرعاً وعدم المنازع إذا كان الولد صغيراً وكان تحت يده ، ولا يشترط فيه تصديق الصغير ، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ويثبت بذلك النسب بينهما وكذا بين أولادهما وسائر الطبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة الاحتياط ، وأما في غير الولد الصغير فلا أثر للإقرار إلا مع تصديق الآخر فإن لم يصدقه الآخر لم يثبت النسب وإن صدقه ـ ولا وارث غيرهما ـ توارثا ، وفي ثبوت التوارث مع الوارث الآخر إن لم يكن مقراً إشكال والاحتياط لا يترك وكذلك في تعدي التوارث إلى غيرهما ، ولا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقر بولد أو غيره ثم نفاه بعد ذلك.

مسألة ١٢٥٣ : لو أقر الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه ولو كان مساوياً دفع بنسبة نصيبه من الأصل ، ولو أقر باثنين دفعة فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما فيعمل بالإقرار ، ولكن تبقى الدعوة قائمة بينهما ، ولو أقر بأولى منه في الميراث ثم أقر بأولى من المقر له أولاً كما إذا أقر العم بالأخ ثم أقر بالولد فإن صدقه المقر له أولاً دفع إلى الثاني والا فإلى الأول ويغرم الثاني.

مسألة ١٢٥٤ : لو أقر الولد بآخر ثم أقر بثالث وإنكر الثالث الثاني كان للثالث النصف وللثاني السدس ، ولو كانا معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكاره فيكون المال بينهم أثلاثاً.

مسألة ١٢٥٥ : إذا كان للميت ولدان وأقر أحدهما له بثالث وإنكر الآخر لم يثبت نسب المقر به فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقر الثلث ، حيث أن هذا نصيبه بمقتضى إقراره ويأخذ المقر به السدس ، وهو تكملة نصيب المقر وقد تنقص بسبب إقراره.

مسألة ١٢٥٦ : إذا كانت للميت زوجة وأخوة مثلا وأقرت الزوجة بولد

٣٨٨

له فإن صدقتها الأخوة كان ثمن التركة للزوجة والباقي للولد ، وإن لم تصدقها أخذت الأخوة ثلاثة أرباع التركة وأخذت الزوجة ثمنها والباقي وهو الثمن للمقر له.

مسألة ١٢٥٧ : إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته قيل ثبت بذلك نسبه ويكون ميراثه للمقر إذا كان له مال ولكنه محل إشكال.

مسألة ١٢٥٨ : يثبت النسب بشهادة عدلين ولا يثبت بشهادة رجل وأمرأتين ولا بشهادة رجل ويمين.

مسألة ١٢٥٩ : لو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين كان أولى منهما ويثبت النسب ، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب ويثبت الميراث إذا لم يكن لهما ثالث والا كان إقرارهما نافذاً في حقهما دون غيرهما.

مسألة ١٢٦٠ : لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً لأنه كإقرار الميت ، ولو أقر بعضهم وإنكر البعض فإن أقر اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميت ، وكذا العين للمقر له بشهادتهما ، وإن لم يكونا عدلين أو كان المقر واحداً نفذ إقرار المقر في حق نفسه خاصة ، ويؤخذ منه للدين الذي أقر به مثلاً بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كل من الوارثين خمسين فأقر أحدهما لأجنبي بخمسين وكذبه الآخر أخذ المقر له من نصيب المقر خمسة وعشرين ، وكذا الحال فيما إذا أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى لأجنبي بشيء وإنكر البعض.

٣٨٩
٣٩٠

كتاب الوكالة

٣٩١
٣٩٢

الوكالة هي : ( تسليط الغير على معاملة من عقد أو إيقاع أو ما هو من شؤونهما كالقبض والإقباض ) ، وتفترق عن الإذن المجرد ـ الذي هو إنشاء الترخيص للغير في مقام بعمل تكويني كالأكل أو اعتباري كالبيع ـ في جملة أمور :

منها : توقف الوكالة على القبول وعدم توقف الإذن عليه.

ومنها : انفساخ الوكالة بفسخ الوكيل وعدم ارتفاع الإذن برفضه من قبل المأذون له.

ومنها : نفوذ تصرف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه العزل وعدم نفوذ تصرف المأذون له إذا ثبت رجوع الإذن عن إذنه قبل وقوعه.

وتختلف الوكالة عن النيابة ـ التي هي الإتيان بالعمل الخارجي المعنون بعنوان اعتباري قصدي الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلاً عنه ـ في جملة أمور :

منها : إن العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكل ويعد عملاً له فيقال باع زيد داره وإن كان المباشر للبيع وكيله ، وأما العمل الصادر من النائب كالصلاة والحج فلا يعد عملاً للمنوب عنه ولا ينسب إليه فلا يقال حج زيد لو كان الحاج نائبه.

ومنها : إن النيابة على قسمين : ما تكون عن استنابة وما تكون تبرعية ، وأما الوكالة فلا تقع على وجه التبرع.

مسألة ١٢٦١ : الوكالة من العقود فلابد فيها من الإيجاب والقبول

٣٩٣

بكل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل ، فلو دفع ماله إلى شخص ليبيعه وقبضه الوكيل بهذا العنوان صحت الوكالة.

مسألة ١٢٦٢ : يصح التوكيل بالكتابة ، فإذا قبل الوكيل صحت الوكالة وإن كان الوكيل في بلد آخر وتأخر وصول الكتاب إليه.

مسألة ١٢٦٣ : لا يعتبر التنجيز في الوكالة على الأظهر ، فيجوز تعليقها على شيء كأن يقول مثلاً إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي في أمر كذا ، وأما تعليق متعلق الوكالة والتصرف الذي سلطه عليه فلا إشكال فيه أصلاً كما لو قال أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكلتك في شراء كذا في وقت كذا.

مسألة ١٢٦٤ : يعتبر في الموكل والوكيل : العقل والقصد والاختيار ، ويعتبر في الموكل البلوغ أيضا إلا فيما تصح مباشرته من الصبي المميز ، ولا يعتبر البلوغ في الوكيل فيصح أن يكون الصبي المميز وكيلا ولو بدون إذن وليه.

مسألة ١٢٦٥ : يعتبر في الموكل كونه جائز التصرف فيما وكل فيه فلا يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه دون غيره كالطلاق ونحوه ، كما يعتبر في الوكيل كونه متمكناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما وكل فيه فلا يجوز وكالة المحرم فيما يحرم عليه كابتياع الصيد وقبضه وأيقاع عقد النكاح.

و يعتبر فيما وكل فيه أن يكون في نفسه أمراً سائغاً شرعاً فلا تصح الوكالة في المعاملات الفاسدة كالبيع الربوي وبيع الوقف من دون مسوغ له والطلاق الفاقد للشرائط الشرعية ونحو ذلك.

مسألة ١٢٦٦ : لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصح وكالة الكافر بل والمرتد وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر ، نعم في وكالته على المسلم

٣٩٤

في استيفاء حتى منه أو مخاصمة معه إشكال ولا يبعد جوازها أيضاً.

مسألة ١٢٦٧ : تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممن لا حجر عليه لاختصاص ممنوعيتها بالتصرف في أموالهما.

مسألة ١٢٦٨ : الظاهر أنه لا يشترط في الموكل أن يكون حال التوكيل مالكاً للتصرف في العمل الموكل فيه ، فيجوز للشخص أن يوكل غيره فيما لا يتمكن شرعاً أو عقلاً من إيقاعه إلا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل كطلاق امرأة سيتزوجها أو بيع دار سيشتريها أو أداء دين سيستدينه ونحو ذلك ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون الوكالة شاملة لما يتمكن منه حين الوكالة بأن يوكله في إيقاع الموقوف عليه ثم ما يتوقف عليه كأن يوكله في تزويج امرأة ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه ونحو ذلك ، وبين أن تكون مختصة بالموقوف سواء أكان الموقوف عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدة أو قابلاً له كالزواج والشراء في المثالين المتقدمين.

مسألة ١٢٦٩ : لا تصح الوكالة فيما يعتبر إيقاعه مباشرة ، ويعرف ذلك ببناء العرف والرجوع إلى مرتكزات المتشرعة ، ومنه اليمين ولا سيما إذا كانت في مقام فصل الخصومة ، ولا يبعد أن يكون منه أيضاً النذر والعهد واللعان والإيلاء والظهار والشهادة والإقرار.

مسألة ١٢٧٠ : إذا وكل غيره في إرجاع مطلقته الرجعية إليه قيل : إن ذلك بنفسه رجوع إليها ، ولو وكله في الإقرار عليه لزيد مثلاً بمال قيل : أنه يعد بنفسه إقراراً منه لزيد به ، ولكنهما محل إشكال أو منع.

مسألة ١٢٧١ : يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصية والوقف وفي الطلاق والإبراء والأخذ بالشفعة

٣٩٥

وإسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وأسقاطه.

مسألة ١٢٧٢ : يصح التوكيل ـ كما تقدم ـ في القبض والإقباض ، سواء في موارد لزومهما كما في القرض بالنسبة لمتعلقة والصرف بالنسبة إلى العوضين والسلم بالنسبة إلى الثمن وفي موارد عدم لزومهما كما إذا باع داره من زيد ووكل عمراً في قبض الثمن فإن قبض الوكيل في جميع هذه الموارد بمنزلة قبض الموكل وكذلك الحال في الإقباض ، ولا يعتبر في صحة التوكيل حينئذٍ قدرة الموكل على القبض خارجاً فيجوز للبائع غير القادر على أخذ الثمن من المشتري أن يكون من يقدر على أخذه منه فيكون أخذه بمنزلة أخذ الموكل.

مسألة ١٢٧٣ : يجوز التوكيل في الطلاق غائباً كان الزوج أم حاضراً ، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها ، أو بأن توكل الغير عن الزوج أو عن نفسها.

مسألة ١٢٧٤ : يشترط في الموكل فيه التعيين ، بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : ( وكلتك ) من غير تعيين ( أو في أمر من الأمور ) ( أو في شيء مما يتعلق بي ) ونحو ذلك لم يصح ، نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق ولو كان بدلياً كما سيأتي.

مسألة ١٢٧٥ : الوكالة : أما خاصة ، وأما عامة ، وأما مطلقة :

فالأولى ما تعلقت بتصرف معين في مورد معين ، كما إذا وكله في شراء كتاب شخصي معين ، وهذا مما لا إشكال في صحته.

وأما الثانية فأما عامة من جهة التصرف وخاصة من جهة متعلقه ، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة المشروعة في داره المعينة من بيعها وهبتها وأجارتها وغيرها ، وأما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه ، وأما عامة في كلتا الجهتين ، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة المشروعة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما يحق له بحيث يشمل

٣٩٦

التزويج له وطلاق زوجته.

وأما الثالثة فقد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقة ، كما إذا وكله في أن يبيع داره المعينة بيعاً لازماً أو خيارياً أو يرهنها أو يؤجرها أونحو ذلك وأوكل التعيين إلى نظره ، وقد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابه أو غيرها فوكل شخصاً في أن يبيع أحدها وفوض الأمر في تعيينه بنظره ومصلحته ، وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين ، كما إذا وكله في إيقاع أحد العقود المعاوضية من البيع أو الصلح أو الإجارة مثلاً على أحد أملاكه من داره أو دكانه أو مخزنه مثلاً وأوكل التعيين من الجهتين إلى نظره ، والظاهر صحة الجميع.

مسألة ١٢٧٦ : الوكيل في معاملة يكون على ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون وكيلاً في مجرد إجراء العقد.

الثاني : أن يكون وكيلاً مفوضاً إليه أمر المعاملة وما يتبعها كعامل المضاربة ، والظاهر أنه حينئذٍ بحكم المالك المباشر للعقد ، فيرجع عليه البائع بالثمن ويدفع إليه المبيع ويرجع عليه المشتري بالمثمن ويدفع إليه الثمن ، ويثبت له الخيار عند تحقق موجبه ولو ثبت الخيار للطرف الآخر لعيب أو غيره رد عليه العين وأخذ منه العوض.

الثالث : أن يكون وكيلاً مفوضاً في المعاملة فقط دون ما يتبعها ، والحال فيه كما في سابقه إلا فيما إذا ثبت الخيار للطرف الآخر فإنه إذا فسخ رجع إلى المالك في الرد والاسترداد لا إلى الوكيل.

مسألة ١٢٧٧ : يقتصر الوكيل في التصرف على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية ، ولو كانت هي العادة الجارية على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا ، كما لو أعطى المال بيده ووكله في بيعه أو الشراء به فإنه يشمل تسليم المبيع حال قبض الثمن في البيع وتسليم الثمن حال قبض المثمن في الشراء دون إعمال الخيار بعيب أو

٣٩٧

غبن أو غيرهما إلا إذا شهدت قرائن الأحوال على أنه قد وكله فيه أيضاً.

مسألة ١٢٧٨ : الإطلاق في الوكالة في البيع يقتضي البيع حالاً بثمن المثل بنقد البلد وفي الشراء يقتضي ابتياع الصحيح والرد بالعيب.

مسألة ١٢٧٩ : إذا خالف الوكيل عما عين له وأتى بالعمل على نحولم يشمله عقد الوكالة ، فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على إجازة الموكل والا بطل ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة ، كما إذا وكله في بيع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصيات كما إذا وكله في أن يبيع نقداً فباع نسيئة أو بالعكس ، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس ، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا ، وليس منه ما لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضاً كما إذا وكله في أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين إذا كان الظاهر منه عرفاً أن تحديد الثمن بدينار إنما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف النقيصة والزيادة معاً فكأنه قال (أن بعها بما لا يقل عن دينار) ، نعم لولم يكن كذلك بأن احتمل أن يكون مقصوده التحديد به زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضولياً يحتاج إلى الإجازة ، ومن هذا القبيل ما إذا وكله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معين فباعها في غيرها بذلك الثمن ، فإنه ربما يفهم عرفاً أنه ليس الغرض إلا تحصيل الثمن المحدد ، فيكون ذكر السوق المخصوص من جهة أنه أحد الإفراد التي يحصل فيها الغرض ، وربما يحصل الإجمال عرفاً ويحتمل ـ احتمالاً معتدا به ـ تعلق غرضه بخصوص السوق التي ذكرها فلا يجوز التعدي عنه.

مسألة ١٢٨٠ : يجوز للولي كالأب والجد من جهته للصغير أن يوكل غيره فيما يتعلق بالمولى عليه مما له الولاية فيه.

مسألة ١٢٨١ : لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في إيقاع ما وكل فيه لا عن نفسه ولا عن الموكل إلا بإذن الموكل ، ويجوز بإذنه بكلا النحوين ، فإن

٣٩٨

عين الموكل في إذنه أحدهما أو الجامع بينهما صريحاً بأن قال مثلاً ( وكل غيرك عني أو عنك ) فهو المتبع ، وكذا لولم يصرح بالتعيين ولكنه فهم من كلامه لقرينة حالية أو مقالية ، وأما مع الإجمال والإبهام فيتوقف على التفسير والتعيين لاحقاً.

مسألة ١٢٨٢ : لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكل كان في عرض الوكيل الأول ، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله ، بل لو مات الأول يبقى الثاني على وكالته ، وأما لو كان وكيلاً عن الوكيل كان له أن يعزله وكانت وكالته تبعاً لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته ، وهل للموكل أن يعزله حينئذٍ من دون أن يعزل الوكيل الأول؟ الظاهر أن له ذلك.

مسألة ١٢٨٣ : يجوز أن يتوكل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن فهم من كلام الموكل إرادته انفرادهما فيه جاز لكل منهما الاستقلال في التصرف من دون مراجعة الآخر ، والا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه سواء صرح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلاً : ( وكلتكما ) أو ( أنتما وكيلاي ) ونحو ذلك ، ولو مات أحدهما بطلت وكالة الجميع مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزل منزلته ، وبقي وكالة الباقي فيما لو فهم منه إرادة الانفراد.

مسألة ١٢٨٤ : الوكالة عقد جائز من الطرفين ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل وغيبته ، وكذا للموكل أن يعزله ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إياه ، فلو أنشأ عزله ولكن لم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه العزل بطريق معتبر شرعاً كان ماضياً نافذاً.

مسألة ١٢٨٥ : تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل وكذا بجنون أحدهما أو إغمائه إن كان مطبقاً ، وأما إن كان أدوارياً فبطلانها في زمان الجنون أو الإغماء ـ فضلاً عما بعده ـ محل إشكال ، وتبطل الوكالة أيضاً

٣٩٩

بتلف موردها كالحيوان الذي وكل في بيعه وبفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة كما لو وكله في بيع سلعة ثم باعها وبفعل الموكل ما ينافيه كما لو وكله في بيع دار ثم أوقفه.

مسألة ١٢٨٦ : إذا عرض الحجر على الموكل فيما وكل فيه كان ذلك موجباً لعدم صحة تصرف الوكيل ما دام الموكل محجوراً عليه ولكن في كونه مبطلاً للوكالة بحيث لا يصح تصرفه بعد زوال الحجر أيضاً إشكال بل منع.

مسألة ١٢٨٧ : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة ، فيجوز لكل من المدعي والمدعى عليه أن يوكل شخصاً عن نفسه ، بل يكره لذوي المروات أن يتولوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذي اللسان ، ولا يعتبر رضا صاحبه فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.

مسألة ١٢٨٨ : يجوز للحاكم التوكيل لمن له الولاية عليه من سفيه أو غيره إذا حصل بينه وبين غيره منازعة استدعت المرافعة عند الحاكم فيتخذ له وكيلاً ليدافع عن حقه أمامه.

مسألة ١٢٨٩ : الوكيل في المرافعة إن كان وكيلاً عن المدعي كانت وظيفته بث الدعوى على المدعى عليه عند الحاكم وأقامة البينة وتعديلها وطلب تحليف المنكر والحكم على الخصم والقضاء عليه ، وبالجملة كل ما يقع وسيلة إلى الإثبات ، وأما الوكيل عن المدعى عليه فوظيفته الإنكار والطعن على الشهود وأقامة بينة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها ، وبالجملة عليه السعي في الدفع ما أمكن.

مسألة ١٢٩٠ : لو ادعى منكر الدين مثلاً في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البينة على هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم ، وصارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار والطعن في الشهود وغير ذلك.

٤٠٠