منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨١

١

٢

٣

٤

٥

٦
٧

التقليد

٨
٩

مسألة ١ : يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد ، أن يكون في جميع عباداته ، ومعاملاته ، وسائر أفعاله ، وتروكه : مقلداً ، أو محتاطاً ، الا ان يحصل له العلم بانه لا يلزم من فعله او تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع ، أو يكون الحكم من ضر ضروريات الدين اوالمذهب ـ كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ـ ويحصل له العلم الوجداني أو الاطمينان الحاصل من المناشىء العقلائية كالشياع وإخبار الخبير المطلع عليها بكونه منها.

مسألة ٢ : عمل غير المجتهد بلا تقليد ولا احتياط باطل ، بمعنى انه لا يجوز له الاجتزاء به ما لم يعلم بمطابقته للواقع الا ان يحصل له العلم بموافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً ، أوما هو بحكم العلم بالموافقة ، كما سيأتي بيان بعض موارده في المسألة الحادية عشرة.

مسألة ٣ : الأقوى جواز ترك التقليد ، والعمل بالاحتياط ، سواء اقتضى التكرار ـ كما إذا ترددت الصلاة بين القصر والتمام ـ أم لا ، كما إذا احتمل وجوب الاقامة في الصلاة. لكن معرفة موارد الاحتياط متعذرة غالباً ، أو متعسرة على العوام.

مسألة ٤ : يكفي في التقليد تطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه فعلاً مع احراز مطابقته لها ، ولا يعتبر فيه الاعتماد ، نعم الحكم بعدم جواز العدول الآتي في المسألة الرابعة عشرة مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتمادا على فتوى المجتهد.

مسألة ٥ : يصح التقليد من الصبي المميز ، فاذا مات المجتهد الذي

١٠

قلده الصبي قبل بلوغه فحكمه حكم غيره الآتي في المسألة السابعة إلا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ.

مسألة ٦ : يجوز تقليد من اجتمعت فيه أمور : البلوغ ، والعقل ، والايمان ، والذكورة ، والاجتهاد ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والضبط بالمقدار المتعارف ، والحياة فلا يجوز تقليد الميت ابتداءً.

مسألة ٧ : اذا قلد مجتهداً فمات ، فان لم يعلم ـ ولو اجمالاً ـ بمخالفة فتواه لفتوى الحي في المسائل التي هي في معرض ابتلائه جاز له البقاء على تقليده ، وان علم بالمخالفة ـ كما هو الغالب ـ فان كان الميت أعلم وجب البقاء على تقليده ، ومع كون الحي أعلم يجب الرجوع اليه ومع تساويهما في العلم يجري عليه ما سيأتي في المسألة التالية ويكفي في البقاء على تقليد الميت ـ وجوباً او جوازاً ـ الالتزام حال حياته بالعمل بفتاواه ولا يعتبر فيه التعلم او العمل على الاظهر.

مسألة ٨ : اذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع الى الاعلم (اي الاقدر على استنباط الاحكام ، بان يكون اكثر احاطة بالمدارك ، وبتطبيقاتها ، بحيث يكون احتمال اصابة الواقع في فتاويه اقوى من احتمالها في فتاوي غيره). ولو تساووا في العلم ، او لم يحرز وجود الاعلم بينهم ، فان كان احدهم اورع من غيره في الفتوى ـ اي اكثر تثبتاً واحتياطاً في الجهات الدخيلة ـ في الافتاء ـ تعين الرجوع اليه ، وإلا فالاحوط الاحتياط بين اقوالهم مطلقاً ، وان كان الاظهر كون المكلف مخيراً في تطبيق عمله على فتوى اي منهم مالم يحصل له علم اجمالي منجز او حجة اجمالية كذلك في خصوص المسألة ، كما اذا افتى بعضهم بوجوب القصر وبعض بوجوب التمام فيجب عليه الجمع بينهما ، او افتى بعضهم بصحة المعاوضة وبعض ببطلانها فانه يعلم بحرمة التصرف في احد العوضين فيجب عليه الاحتياط حينئذٍ.

١١

مسألة ٩ : اذا علم ان احد الشخصين اعلم من الاخر ـ مع كون كل واحد منهما اعلم من غيرهما ، اوإنحصار المجتهد الجامع للشرائط فيهما ـ فان لم يعلم الاختلاف بينهما في الفتوى تخير بينهما. وان علم الاختلاف وجب الفحص عن الاعلم ، فان عجز عن معرفته كان ذلك من اشتباه الحجة باللاحجة في كل مسألة يختلفان فيها في الرأي ، ولا أشكال في وجوب الاحتياط فيها مع اقترانه بالعلم الاجمالي المنجز ، كما لا محل للاحتياط فيما كان من قبيل دوران الأمر بين المحذورين الذي يحكم فيه بالتخيير مع تساوي احتمال الاعلمية في حق كليهما ، والا فيتعين العمل على وفق فتوى من يكون احتمال اعلميته اقوى من الاخر.

واما في غير الموردين فالاحوط مراعاة الاحتياط بين قوليهما مطلقاً ، وان كان الاقوى هو التفصيل : ووجوب الاحتياط فيما كان من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة في الاحكام الالزامية ، سواء أكان في مسألة واحدة كما اذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر والاخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييري ، أم في مسألتين كما اذا افتى أحدهما بالحكم الترخيصي في مسألة والاخر بالحكم الالزامي فيها وانعكس الامر في مسألة اخرى.

واما اذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم وجوب الاحتياط ، كما اذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو الا في مسألة واحدة ، أو علم به في أزيد مع كون المفتي بالحكم الالزامي في الجميع واحداً.

مسألة ١٠ : إذا قلد من ليس أهلاً للفتوى وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها. وكذا إذا قلد غير الأعلم وجب العدول إلى الأعلم مع العلم بالمخالفة بينهما. وكذا لو قلد الأعلم ثم صار غيره أعلم.

مسألة ١١ : إذا قلد مجتهداً ثم شك في أنه كان جامعاً للشرائط أم لا ، وجب عليه الفحص. فإن تبين له أنه كان جامعاً للشرائط بقي على

١٢

تقليده ، وإن تبين أنه كان فاقداً لها ، أو لم يتبين له شيء عدل إلى غيره.

وأما أعماله السابقة : فإن عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشرائط ، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزي به ، بل يحكم بالاجتزاء في بعض موارد المخالفة ايضاً كما اذا كان تقليده للاول عن جهل قصوري وأخل بما لا يضر الاخلال به لعذر ، كالاخلال بغير الاركان من الصلاة ، أو كان تقليده له عن جهل تقصيري واخل بما لا يضر الاخلال به الا عن تعمد كالجهر والاخفات في الصلاة.

واما ان لم يعرف كيفية اعماله السابقة بنى على الصحة الا في بعض الموارد ، كما اذا كان بانيا على مانعية جزء أو شرط واحتمل الاتيان به غفلة ، بل حتى في هذا المورد اذا لم يترتب على المخالفة أثر غير وجوب القضاء ، فانه لا يحكم بوجوبه.

مسألة ١٢ : إذا بقي على تقليد الميت ـ غفلة أو مسامحة ـ من دون أن يقلد الحي في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد ، وعليه الرجوع إلى الحي في ذلك ، والتفصيل المتقدم في المسألة السابقة جارٍ هنا أيضاً.

مسألة ١٣ : إذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط ، والتفت إليه ـ بعد مدة ـ فان كان معتمدا في ذلك على طريق معتبر شرعا وقد تبين خطأه لاحقاً كان كالجاهل القاصر ، والا فكالمقصر ، ويختلفان في المعذورية وعدمها ، كما قد يختلفان في الحكم بالاجزاء وعدمه ، كما مر بيانه في المسألة الحادية عشر.

مسألة ١٤ : لا يجوز العدول من الحي إلى الميت الذي قلده أوّلاً ، كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي إلا إذا صار الثاني أعلم أو كانا متساويين لم يعلم الاختلاف بينهما.

مسألة ١٥ : إذا تردد المجتهد في الفتوى ، أو عدل من الفتوى إلى

١٣

التردد ، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره والاحتياط إن أمكن.

مسألة ١٦ : إذا قلد مجتهداً يجوز البقاء على تقليد الميت مطلقاً أو في الجملة ، فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة ، بل يجب الرجوع فيها إلى الاعلم من الاحياء.

وإذا قلد مجتهداً فمات فقلد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي أو بوجوبه مطلقاً ، او في خصوص ما لم يتعلمه من فتاوى الاول ، فعدل اليه ثم مات ، يجب الرجوع في هذه المسألة الى أعلم الاحياء ، والمختار فيها وجوب تقليد اعلم الثلاثة مع العلم بالاختلاف بينهم في الفتوى ـ كما هو محل الكلام ـ فلو كان المجتهد الاول هو ـ الاعلم في نظره ـ من الآخرين لزمه الرجوع الى تقليده في جميع فتاواه.

مسألة ١٧ : إذا قلد المجتهد وعمل على رأيه ، ثم مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحي لم يجب عليه إعادة الأعمال الماضية ، وإن كانت على خلاف رأي الحي في ما إذا لم يكن الخلل فيها موجباً لبطلانها مع الجهل القصوري ، كمن ترك السورة في صلاته اعتماداً على رأي مقلده ثم قلد من يقول بوجوبها فلا تجب عليه إعادة ما صلاها بغير سورة. بل لا يبعد عدم وجوب اعادتها والاجتزاء بها مطلقاً حتى في غير هذه الصورة.

مسألة ١٨ : يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها ، ويكفي أن يعلم ـ إجمالاً ـ أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط ، ولا يلزم العلم ـ تفصيلاً ـ بذلك. وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها جاز له العمل على بعض الاحتمالات ، ثم يسأل عنها بعد الفراغ ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل ، وإن تبين البطلان أعاده.

مسألة ١٩ : يجب تعلم مسائل الشك والسهو ، التي هي في معرض ابتلائه ، لئلا يقع ـ لولا التعلم ـ في مخالفة تكليف الزامي متوجه اليد عند

١٤

طروّهما.

مسألة ٢٠ : تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور :

الأول : العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشىء العقلائية كالاختبار ونحوه.

الثاني : شهادة عادلين بها.

الثالث : حسن الظاهر ، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني وهو يثبت ايضا باحد الامرين الاولين.

ويثبت اجتهاده ـ وأعلميته أيضا ـ بالعلم ، وبالاطمئنان ، بالشرط المتقدم ، وبشهادة عادلين من أهل الخبرة ، بل لا يبعد ثبوتها بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وان كان واحداً ، ولكن يعتبر في شهادة أهل الخبرة ان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف ، ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منهما اكثر خبرة بحد يكون احتمال اصابة الواقع في شهادته اقوى من احتمالها في شهادة غيره.

مسألة ٢١ : يحرم الافتاء على غير المجتهد مطلقاً ، واما من يفقد غير الاجتهاد من سائر الشرائط فيحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها.

ويحرم القضاء على من ليس اهلاً له ، ولا يجوز الترافع اليه ، ولا الشهادة عنده اذا لم ينحصر استنقاذ الحق المعلوم بذلك ، وكذا المال المأخوذ بحكمه حرام اذا لم يكن شخصياً او مشخصاً بطريق شرعي والا فهو حلال حتى فيما اذالم ينحصر استنقاذه بالترافع اليه وان أثم في طريق الوصول اليه.

مسألة ٢٢ : المتجزي في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه ، بل الظاهر انه يجوز لغيره العمل بفتواه إلا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الافضل ، أو فتوى من يساويه في العلم ـ على تفصيل علم مما سبق ـ وينفذ قضاؤه ولومع وجود الاعلم اذا عرف مقداراً معتداً به من الاحكام التي

١٥

يتوقف عليها القضاء.

مسألة ٢٣ : إذا شك في موت المجتهد ، أو في تبدل رأيه ، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده ، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبين الحال.

مسألة ٢٤ : الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكله ، لا تقليد نفسه فيما لا يكون مأخوذاً بالواقع بلحاظ نفس العمل او آثاره ، والا فاللازم مراعاة كلا التقليدين ، وكذلك الحكم في الوصي.

مسألة ٢٥ : المأذون ، والوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد. وكذلك المنصوب من قبله ولياً وقيماً فإنه ينعزل بموته على الاحوط.

مسألة ٢٦ : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة. نعم لا يكون حكمه مغيراً للواقع ، مثلاً من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكا له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته.

مسألة ٢٧ : إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد ، وجب عليه على الاحوط إعلام من سمع منه ذلك اذا كان لنقله دخل في عدم جري السامع على وفق وظيفته الشرعية ، والا لم يجب اعلامه. وكذا الحال فيما اذا اخطأ المجتهد في بيان فتواه.

وأما إذا تبدل رأي المجتهد ، فلا يجب عليه إعلام مقلديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد.

مسألة ٢٨ : اذا تعارض الناقلان في فتوى مجتهد فان حصل الاطمينان الناشىء من تجميع القرائن العقلائية بكون ما نقله أحدهما هو فتواه فعلاً فلا إشكال ، والا فان لم يمكن الاستعلام من المجتهد عمل بالاحتياط ، او رجع الى غير الاعلم ، او أخر الواقعة الى حين التمكن من الاستعلام.

١٦

مسألة ٢٩ : العدالة ـ المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن ـ : الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس. وينافيها ترك واجب ، او فعل حرام من دون مؤمن ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة. وفي عدد الكبائر خلاف.

وقد عد من الكبائر : الشرك بالله تعالى. واليأس من روح الله تعالى. والامن من مكر الله تعالى. وعقوق الوالدين ، وهو الاساءة إليهما. وقتل النفس المحترمة. وقذف المحصنة. وأكل مال اليتيم ظلماً. والفرار من الزحف. وأكل الربا بعد البينة. والزنا. واللواط. والسحر. واليمين الغموس الفاجرة وهي : الحلف بالله تعالى كذباً في مقام فصل النزاع. ومنع الزكاة المفروضة. وشهادة الزور. وكتمان الشهادة. وشرب الخمر.

ومنها : ترك الصلاة أو غيرها مما فرضه الله متعمداً. ونقض العهد. وقطيعة الرحم بمعنى : ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك. والتعرب بعد الهجرة وقيل إنه الإقامة في البلاد التي ينقص بها الدين. والسرقة. وإنكار ما أنزل الله تعالى. والكذب على الله أوعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوعلى الأوصياء عليهم‌السلام بل مطلق الكذب. وأكل الميتة. والدم. ولحم الخنزير. وما أهل به لغير الله. والقمار. وأكل السحت ، وقد مثل له : بثمن الخمر ، والمسكر ، وأجر الزانية ، وثمن الكلب الذي لا يصطاد والرشوة على الحكم ولو بالحق ، وأجر الكاهن ، وما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ، وثمن الجارية المغنية ، وثمن الشطرنج ، وثمن الميتة. ولكن في حرمة الأخير فضلا عن كونه من الكبائر إشكال.

ومما عد من الكبائر ايضا : البخس في المكيال والميزان. ومعونة الظالمين والركون إليهم والولاية لهم. وحبس الحقوق من غير عسر. والكبر. والإسراف والتبذير. والاستخفاف بالحج. والمحاربة لأولياء الله

١٧

تعالى. والاصرار على الذنوب الصغار. والاشتغال بالملاهي ، كضرب الاوتار ونحوها مما يتعاطاه اهل الفسوق. والغناء ، والظاهر انه الكلام اللهوي الذي يؤتى به بالالحان المتعارفة عند اهل اللهو واللعب ، وفي مقومية الترجيع والمد في صدقه اشكال ، والعبرة بالصدق العرفي.

ومما عد من الكبائر : البهتان على المؤمن ، وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه. وسب المؤمن واهانته واذلاله. والنميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم. والقيادة ، وهي : السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرم. والغش للمسلمين. واستحقار الذنب ، فان أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. والرياء. والغيبة ، وهي : أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته ، سواء أكان بقصد الانتقاص ، أم لم يكن؛ وسواء أكان العيب في بدنه ، ام في نسبه ، أم في خلقه ، أم في فعله ، أم في قوله ، أم في دينه ، أم في دنياه ، أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس. كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول ، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب. والظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه اوما هو في حكم ذلك. كما أن الظاهر أنه لا بد من تعيين المغتاب ، فلو قال : واحد من أهل البلد جبان لا يكون غيبة ، وكذا لو قال : أحد أولاد زيد جبان. نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة. ويجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم والاحوط ـ استحباباً ـ الاستحلال من الشخص المغتاب إذا لم تترتب على ذلك مفسدة ـ أو الاستغفار له.

وقد تجوز الغيبة في موارد : منها المتجاهر بالفسق ، فيجوز اغتيابه في غير العيب المتستر به. ومنها : الظالم لغيره ، فيجوز للمظلوم غيبته والأحوط ـ وجوباً ـ الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً. ومنها : نصح المؤمن ، فتجوز الغيبة بقصد النصح ، كما لو استشار شخص في

١٨

تزويج امراة فيجوز نصحه ، ولو استلزم اظهار عيبها بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء بدون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة. ومنها : ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر ، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها. ومنها : ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب ، فتجوز غيبته ، لئلا يترتب الضرر الديني. ومنها : جرح الشهود. ومنها : ما لو خيف على المغتاب الوقوع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه ، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه. ومنها : القدح في المقالات الباطلة ، وإن أدى ذلك إلى نقص في قائلها ، وقد صدر من جماعة كثيرة من العلماء القدح في القائل بقلة التدبر ، والتأمل ، وسوء الفهم ونحو ذلك ، وكأن صدور ذلك منهم لئلا يحصل التهاون في تحقيق الحقائق. عصمنا الله تعالى من الزلل ، ووفقنا للعلم والعمل ، إنه حسبنا ونعم الوكيل.

وقد يظهر من الروايات عن النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام أنه : يجب على سامع الغيبة أن ينصر المغتاب ، ويرد عنه. وأنه إذا لم يرد خذله الله تعالى في الدنيا والآخرة. وأنه كان عليه كوزر من اغتاب.

مسألة ٣٠ : ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية وتعود بالتوبة والندم. وقد مر أنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة.

مسألة ٣١ : الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة إن كان مسبوقاً بالفتوى أو ملحوقاً بها فهو استحبابي يجوز تركه ، وإلا تخير العامي بين العمل بالاحتياط والرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم.

وكذلك موارد الإشكال والتأمل ، فإذا قلنا : يجوز على إشكال أوعلى تأمل فالاحتياط في مثله استحبابي.

وإن قلنا : يجب على إشكال ، أوعلى تأمل فإنه فتوى بالوجوب.

وإن قلنا المشهور كذا ، أو قيل كذا ، وفيه تأمل ، أو فيه إشكال ،

١٩

فاللازم العمل بالاحتياط ، أو الرجوع إلى مجتهد آخر.

مسألة ٣٢ : إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولما لم تثبت عندنا فيتعين الاتيان بها برجاء المطلوبة. وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

٢٠