منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ المعاملات - ج ٢

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨٨

مسألة ١٢٩١ : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله ، فإذا أقر وكيل المدعي بالقبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأن الحق مؤجل أوإن الشهود فسقة أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها ، سواء أقر في مجلس الحكم أو في غيره ، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة لأنه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

مسألة ١٢٩٢ : الوكيل في المرافعة لا يملك الصلح عن الحق ولا الإبراء منه إلا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً.

مسألة ١٢٩٣ : يجوز أن يوكل اثنين فصاعداً في المرافعة كسائر الأمور ، فإن لم يفهم من كلامه استقلال كل واحد منهما فيها لم يستقل بها أحدهما ، بل يتشاوران ويعضد كل واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوض إليهما.

مسألة ١٢٩٤ : إذا وكل الرجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته وأستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصية ثم قدم الوكيل خصماً لموكله ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه ، وكذا إذا ادعى عند الحاكم أنه وكيل في الدعوى وأقام البينة عنده على وكالته ، وأما إذا ادعى الوكالة من دون بينة عليها فإن لم يحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدقه في وكالته لم يسمع دعواه ، وأما إذا صدقه فيها فالظاهر أن يسمع دعواه لكن لن يثبت بذلك وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقية المدعي يلزم المدعى عليه بالحق ، وأما إذا قضت بحقية المدعى عليه فالمدعي على حجته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها.

مسألة ١٢٩٥ : إذا وكله في الدعوى وتثبيت حقه على خصمه وثبته لم يكن له قبض الحق فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى

٤٠١

الوكيل.

مسألة ١٢٩٦ : لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه الحق لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحق عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.

مسألة ١٢٩٧ : يجوز جُعلٍ جعل للوكيل ولكنه إنما يستحق الجُعل بتسليم العمل الموكل فيه ، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً كان للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة وإن لم يتسلم الموكل الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكله في المرافعة وتثبيت حقه استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة وثبوت الحق وإن لم يتسلمه الموكل.

مسألة ١٢٩٨ : لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء بطلت الوكالة ولم يكن له مطالبة وارثه ، نعم لو كانت الوكالة شاملة لأخذ الدين ولو من الورثة لم تبطل الوكالة وكان حينئذٍ للوكيل مطالبة الورثة بذلك.

مسألة ١٢٩٩ : لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل خذ هذه الدراهم وأقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ولو بوكيله أو وليه ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله ، ولو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضاً للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد.

مسألة ١٣٠٠ : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما دفعه إليه الموكل لا يضمنه إلا مع التعدي أو التفريط ، فلو تلف اتفاقاً من دون أن يقصر في حفظه أو يتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل فيه لم يكن عليه شيء ، وأما لو قصر في حفظه أو تعدى وتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل وتلف ضمنه ، فلو لبس

٤٠٢

الثوب الذي وكل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه ، وأما لو رجع عن تعديه ثم تلف فالظاهر براءته عن الضمان.

مسألة ١٣٠١ : لو تصرف الوكيل في المال الذي دفعه الموكل إليه بغير ما أجازه لم تبطل وكالته ، فيصح منه الإتيان بما هو وكيل فيه ، فلو توكل في بيع ثوب فلبسه ثم باعه صح البيع.

مسألة ١٣٠٢ : يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل أو وكيله مع القدرة والمطالبة ، فلو تخلف عنه كان ضامناً.

مسألة ١٣٠٣ : لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الإشهاد ـ ولو لانصراف إطلاقه إليه ـ فأودع بلا إشهاد ، وكذا الحال فيما لو وكله في قضاء دينه فأداه بلا إشهاد وإنكر الدائن.

مسألة ١٣٠٤ : إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فالظاهر أنه يعم نفس الوكيل فيجوز له أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه إلا مع انصراف الإطلاق إلى غيره.

مسألة ١٣٠٥ : لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلا بشاهدين عدلين.

مسألة ١٣٠٦ : لو زوجه فأنكر الموكل الوكالة حلف وعلى الوكيل نصف المهر لها وعلى الموكل إن كان كاذباً في إنكاره الزوجية طلاقها ، ولولم يفعل وقد علمت الزوجة بكذبه رفعت أمرها إلى الحاكم ليطلقها.

مسألة ١٣٠٧ : إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها بيمينه ، ولو اختلفا في التلف أو في تقصير الوكيل أو في العزل أو العلم به أو في التصرف فالقول قول الوكيل بيمينه ، وأذا ادعى الوكيل الإذن في البيع بثمن معين وإنكره

٤٠٣

الموكل فالقول قوله بيمينه فإن وجدت العين استعيدت وإن فقدت أو تعذرت فالمثل ، أو القيمة إن لم تكن مثلية.

مسألة ١٣٠٨ : إذا اختلفا في رد المال إلى الموكل فالقول قول الموكل بيمينه ، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصي والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، أو اختلف الأولياء ـ حتى الأب والجد ـ مع المولى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه ، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك ، نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلق بهم في زمان ولايتهم كان القول قول الأولياء بيمينهم.

مسألة ١٣٠٩ : قبول قول الوكيل أو غيره مع اليمين في الموارد المتقدمة منوط بعدم كونه مخالفاً للظاهر ، مثلاً لو ادعى الوكيل تلف ما دفعه إليه الموكل بحريق أصابه وحده وقد كان بين أمواله لم يقبل قوله إلا بالبينة.

٤٠٤

كتاب الهبة

٤٠٥
٤٠٦

الهبة هي : ( تمليك عين من دون عوض عنها ) ويعبر عن بعض أقسامها بالعطية والنحلة والجائزة والصدقة.

مسألة ١٣١٠ : الهبة عقد يتوقف على إيجاب وقبول ، ويكفي في الإيجاب كل ما دل على التمليك المذكور من لفظ أو فعل أو إشارة ولا يعتبر فيه صيغة خاصة ولا العربية ويكفي في القبول كل ما دل على الرضا بالإيجاب من لفظ أو فعل أونحو ذلك.

مسألة ١٣١١ : يعتبر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر عليه من التصرف في الموهوب لسفه أو فلس ، وتصح الهبة من المريض بمرض الموت على تفصيل تقدم في كتاب الحجر.

مسألة ١٣١٢ : يعتبر في الموهوب له قابليته لتملك الموهوب شرعاً فلا تصح هبة الخنزير للمسلم ولو من قبل الكافر ، ولا يعتبر فيه البلوغ والعقل والقصد والاختيار إلا إذا كان هو القابل بنفسه أو بوكيله دون ما إذا كان القائل وليه.

مسألة ١٣١٣ : يعتبر في الموهوب أن يكون عيناً فلا تصح هبة المنافع ، وأما الدين فتصح هبته لغير من هوعليه ويكون قبضه بقبض مصداقه ، وأما هبته لمن هوعليه بقصد إسقاطه فهو إبراء ولا يحتاج إلى القبول.

مسألة ١٣١٤ : يشترط في صحة الهبة القبض ولابد فيه من إذن الواهب إلا أن يهب ما في يده فلا حاجة حينئذٍ إلى قبض جديد وإن كان

٤٠٧

الأحوط لزوماً اعتبار الإذن في القبض بقاءً.

مسألة ١٣١٥ : للأب والجد من جهته ولاية القبول والقبض عن الصغير والمجنون إذا بلغ مجنوناً ، أما لو جن بعد البلوغ والرشد ففي كون ولاية القبول والقبض لهما أو للحاكم الشرعي إشكال فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معاً ، ولو وهب الولي أحدهما وكانت العين الموهوبة بيد الولي لم يحتج إلى قبض جديد.

مسألة ١٣١٦ : يتحقق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء الموهوب له على الموهوب وصيرورته تحت يده وسلطانه ، والظاهر اختلاف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.

مسألة ١٣١٧ : تصح هبة المشاع ويمكن قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل الموهوب له إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء الموهوب له عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، وترتب الأثر عليه وإن فرض كونه تعدياً بالنسبة إليه.

مسألة ١٣١٨ : لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد فيجوز فيه التراخي عن العقد بزمان كثير ، ومتى تحقق القبض صحت الهبة من حينه فإذا كان للموهوب نماء سابق على القبض قد حصل بعد الهبة كان للواهب دون الموهوب له.

مسألة ١٣١٩ : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وإنفسخ ، وإنتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الإقباض. فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم وبين الموهوب له ، كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم.

مسألة ١٣٢٠ : إذا تمت الهبة بحصول القبض فإن كانت لذي رحم

٤٠٨

أباً كان أوأما أو ولداً أو غيرهم لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، كما لا يحق له الرجوع فيها بعد التلف أو مع التعويض عنها ولو بشيء يسير ، من غير فرق بين ما كان دفع العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره بأن أطلق في العقد لكن الموهوب له أثاب الواهب وأعطاه العوض ، وكذا لا يحق له الرجوع فيها لو قصد بهبته القربة وأراد بها وجه الله تعالى.

مسألة ١٣٢١ : في إلحاق الزوج والزوجة بذي الرحم في لزوم الهبة إشكال ، والأقرب عدمه ، وإن كان الأحوط عدم الرجوع فيها ولو قبل القبض.

مسألة ١٣٢٢ : يلحق بالتلف في عدم جواز الرجوع في الهبة التصرف الناقل كالبيع والهبة والتصرف المغير للعين بحيث لا يصدق معه كون الموهوب قائماً بعينه كطحن الحنطة وخبز الدقيق وصبغ القماش أو تقطيعه وخياطته ثوباً ونحو ذلك ، وأما التصرف غير المغير كلبس الثوب وفرش السجادة وركوب الدابة وأمثال ذلك فلا يمنع من الرجوع ، ومن الأول الامتزاج الموجب للشركة كما أن من الثاني قصارة الثوب.

مسألة ١٣٢٣ : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل والبعض فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهب شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو معيناً ومفروزاً.

مسألة ١٣٢٤ : الهبة أما معوضة أو غير معوضة ، والمراد بالأولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض وما عوض عنها وإن لم يشترط فيها العوض.

مسألة ١٣٢٥ : إذا وهب وأطلق لم يلزم على الموهوب له إعطاء الثواب والعوض ، سواء أكانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاؤه ، ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له

٤٠٩

الرجوع فيما وهبه ولم يكن للموهوب له أيضاً الرجوع فيما أعطاه.

مسألة ١٣٢٦ : إذا شرط الواهب في هبته على الموهوب له أن يعوضه عليها كأن يهبه شيئاً مكافاة لهبته ووقع منه القبول على ما اشترط وكذا القبض للموهوب وجب عليه العمل بالشرط ، فإذا تعذر أو امتنع من العمل به جاز للواهب الرجوع في الهبة ولولم يكن الموهوب قائماً بعينه ، بل الظاهر جواز الرجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشرط أيضاً ، نعم إذا كان تدريجياً وشرع فيه الموهوب له لم يكن للواهب الرجوع إلا مع عدم الإكمال في المدة المضروبة أو المتعارفة.

مسألة ١٣٢٧ : لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين ويلزم على الموهوب له بذل ما عين ، ولو أطلق ـ بأن شرط عليه أن يعوض ولم يعين العوض ـ فإن اتفقا على شيء فذاك ، والا فالأحوط أن يعوض بالمساوي من مثل أو قيمة إلا إذا كانت قرينة من عادة أو غيرها على الاجتزاء باليسير.

مسألة ١٣٢٨ : لا يعتبر في الهبة المعوضة سواءً أكان التعويض وفاءً بالشرط أم تبرعاً أن يكون العوض هبة الموهوب له عيناً للواهب بل يجوز أن يكون غيرها من العقود أو الإيقاعات كبيع شيء على الواهب بأقل من قيمته السوقية مثلاً أو إبراء ذمته من دين له عليه ونحو ذلك ، بل يجوز أن يكون عملاً خارجياً ـ ولو في العين الموهوبة ـ يتعلق به غرض الواهب كأن يشترط على الموهوب له أن يبني في الأرض الموهوبة مدرسة أو مسجداً أو غيرهما.

مسألة ١٣٢٩ : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع وكان للموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض كالولد كان من مال الموهوب له ولا يرجع إلى الواهب ، وإن كان النماء متصلاً فإن كان غير قابل للانفصال كالسمن والطول فهو تابع للعين فيرجع الواهب إلى العين كما هي

٤١٠

إلا إذا كان النماء كثيراً كما سيأتي ، وإن كان قابلاً للانفصال كالصوف والثمرة ونحوهما ففي التبعية إشكال والأظهر عدمها وإن الزيادة للموهوب له بعد رجوع الواهب أيضاً.

مسألة ١٣٣٠ : إذا كان النماء المتصل غير القابل للانفصال بحيث لا يصدق معه كون الموهوب قائماً بعينه ، كما لو وهبه فرخاً في أول خروجه من البيضة فصار دجاجاً لم يكن للواهب الرجوع.

مسألة ١٣٣١ : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبي ولم تكن معوضة وليس لورثته الرجوع ، وكذلك لو مات الموهوب له ، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً.

مسألة ١٣٣٢ : لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز الموهوب له صح والا بطل ، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه من الواهب وكان رجوعاً في الهبة ، هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته ، وأما لو كان ناسياً أو غافلاً وذاهلاً ففي كونه رجوعاً قهرياً إشكال فلا يترك الاحتياط.

مسألة ١٣٣٣ : الرجوع أما بالقول ، كأن يقول : ( رجعت ) وما يفيد معناه ، وأما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد الموهوب له بقصد الرجوع ، ومن ذلك بيعها بل وأجارتها ورهنها إذ كان ذلك بقصد الرجوع.

مسألة ١٣٣٤ : لا يشترط في الرجوع اطلاع الموهوب له ، فلو أنشأ الرجوع من غير علمه صح.

مسألة ١٣٣٥ : يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيداً بصلتهم ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن الباقر عليه‌السلام : ( في كتاب علي عليه‌السلام : ثلاثة لا يموت صاحبهن أبداً حتى يرى وبالهن : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز الله بها ، وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة

٤١١

الرحم ، وإن القوم ليكونون فجاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها ) وخصوصاً الوالدين الذين أمر الله تعالى ببرهما ، فعن الصادق عليه‌السلام : ( أن رجلاً أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أوصني قال : لا تشرك بالله شيئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان ).

ولا سيما الأم التي يتأكد برها وصلتها أزيد من الأب فعن الصادق عليه‌السلام : ( جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله من أبر؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال ثم من؟ قال : أمك ، قال ثم من؟ قال : أباك ).

مسألة ١٣٣٦ : يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية ، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد ، كما أنه ربما يفضل التفضيل فيما إذا أمن من الفساد وكان لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

٤١٢

كتاب الوصية

٤١٣
٤١٤

وهي قسمان :

١ ـ الوصية التمليكية : وهي أن يجعل الشخص شيئاً مما له من مال أو حق لغيره بعد وفاته ، كأن يجعل شيئا من تركته لزيد أو للفقراء بعد مماته ، فهي وصية بالملك أو الاختصاص.

٢ ـ الوصية العهدية : وهي أن يعهد الشخص بتولي أحد بعد وفاته أمراً يتعلق به أو بغيره كدفنه في مكان معين أو في زمان معين أو تمليك شيء من ماله لأحدٍ أو وقفه أو بيعه ، أو الاستنابة عنه في صلاة أو صوم أو حج أو القيمومة على صغاره ونحو ذلك ، فهي وصية بالتولية.

مسألة ١٣٣٧ : تتضيق الواجبات الموسعة إذا لم يطمئن المكلف بالتمكن من الامتثال مع التأخير كقضاء الصلاة والصيام وأداء الكفارات والنذور ونحوها من الواجبات البدنية وغيرها فتجب المبادرة إلى أدائها.

وإن ضاق الوقت عن أدائها فإن كان له مال لزمه الاستيثاق من أدائها عنه بعد وفاته ولو بالوصية به ، وإن لم يكن له مال وأحتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ أن يؤديها شخص آخر عنه تبرعاً وجبت عليه الوصية به أيضا ، وربما يغني الإخبار عن الوصية كما لو كان له من يطمئن بأدائه لما وجب عليه كالولد الأكبر فيكفي حينئذٍ إخباره بما عليه من الواجبات.

وأما أمانات الناس من الوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها مما يكون تحت يده فإن أمكنه إيصاله إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو إعلامه بذلك تعين عليه ذلك على الأحوط ، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من وصوله إلى

٤١٥

صاحبه بعد وفاته ولو بالإيصاء به والاستشهاد على ذلك وأعلام الوصي والشاهد باسم صاحبه وخصوصياته ومحله.

وأما ديون الناس فإن كان له تركة لزمه الاستيثاق من وصولها إلى أصحابها بعد مماته ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها ، هذا في الديون التي لم يحل أجلها بعد أو حل ولم يطالبه بها الديان أو حل وطالبوا ولم يكن قادراً على وفائها ، والا فتجب المبادرة إلى وفائها فوراً وإن لم يخف الموت.

وأما الحقوق الشرعية مثل الزكاة والخمس والمظالم فإن كان متمكناً من أدائها فعلاً وجبت المبادرة إليه ولا يجوز التأخير وإن علم ببقائه حياً ، وإن عجز عن الأداء وكانت له تركة وجب عليه الاستيثاق من أدائها بعد وفاته ولو بالوصية به إلى ثقة مأمون ، وإن لم يكن له تركة وأحتمل أن يؤدي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً وأحساناً وجبت الوصية به أيضاً ونحوه في ديون الناس إذا لم يكن له تركة.

مسألة ١٣٣٨ : يكفي في تحقق الوصية كل ما دل عليها من لفظ ـ صريح أو غير صريح ـ أو فعل وإن كان كتابة أو إشارة ، بلا فرق فيه بين صورتي الاختيار وعدمه ، بل يكفي وجود مكتوب بخطه أو بإمضائه بحيث يظهر من قرائن الأحوال إرادة العمل به بعد موته.

مسألة ١٣٣٩ : إذا قيل للشخص هل أوصيت؟ فقال : لا ، فقامت البينة على أنه قد أوصى ، كان العمل على البينة ولم يعتد بخبره ، نعم إذا كان قد قصد من إنكاره إنشاء العدول عن الوصية صح العدول منه.

وكذا الحكم لو قال : نعم ، وقامت البينة على عدم الوصية منه فإنه إن قصد الإخبار كان العمل على البينة ، وإن قصد إنشاء الوصية صح الإنشاء وتحققت الوصية.

مسألة ١٣٤٠ : الوصية التمليكية لها أركان ثلاثة : الموصي ،

٤١٦

والموصى به ، والموصى له ، وأما الوصية العهدية فيكون قوامها بأمرين : الموصي ، والموصى به ، نعم إذا عين الموصي شخصاً لتنفيذها كانت أطرافها ثلاثة بإضافة الموصى إليه وهو الذي يطلق عليه الوصي ، وأذا كان الموصى به أمراً متعلقاً بالغير كتمليك مال لزيد مثلاً كانت أطرافها أربعة بإضافة الموصى له.

مسألة ١٣٤١ : إذا لم يعين الموصي في الوصية العهدية وصياً لتنفيذها ، تولى الحاكم أمرها أو عين من يتولاه ، ولولم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاه بعض عدول المؤمنين.

مسألة ١٣٤٢ : الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول ، نعم إذا كان الموصى به أمراً متعلقاً بالغير فربما احتاج إلى قبوله ، كما أنه إذا عين وصياً لتنفيذها فلابد من عدم ردها من قبله ـ كما سيأتي ـ ولكن هذا معتبر في وصايته لا في أصل الوصية.

وأما الوصية التمليكية فإن كانت تمليكاً لعنوان عام كالوصية للفقراء والسادة والطلبة فهي كالعهدية لا يعتبر فيها القبول وإن كانت تمليكاً للشخص فالأظهر أنه يعتبر فيها القبول من الموصى له والقول بعدم اعتباره وكفاية عدم الرد ضعيف.

مسألة ١٣٤٣ : يكفي في القبول كل ما دل على الرضا قولاً أو فعلاً ، كأخذ الموصى به بقصد القبول.

مسألة ١٣٤٤ : لا فرق في القبول بين وقوعه في حياة الموصي أو بعد موته ، كما أنه لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلاً به أو متأخراً عنه مدة.

مسألة ١٣٤٥ : الظاهر أن رد الموصى له الوصية في الوصية التمليكية مبطل لها إذا كان الرد بعد الموت ولم يسبق بقبوله ، أما إذا سبقه القبول بعد

٤١٧

الموت أو في حال الحياة فلا أثر له وكذا الرد حال الحياة.

مسألة ١٣٤٦ : لو أوصى له بشيئين فقبل أحدهما ورد الآخر صحت فيما قبل وبطلت فيما رد إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع ، وكذا لو أوصى له بشيء واحد فقبل في بعضه ورد في البعض الآخر.

مسألة ١٣٤٧ : لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من الرد والقبول ، وليس لهم إجباره على الاختيار معجلاً إلا إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم فيجبره الحاكم حينئذٍ على اختيار أحدهما.

مسألة ١٣٤٨ : لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه رد أو قبول قام ورثته مقامه في الرد والقبول ، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورثهم لولم يرجع الموصى عن وصيته قبل موته.

مسألة ١٣٤٩ : إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم صحت الوصية فيمن قبل وبطلت فيمن رد بالنسبة إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع فتبطل مطلقاً.

مسألة ١٣٥٠ : الظاهر أن الوارث يتلقى المال الموصى به من الموصي ابتداءً لا أنه ينتقل إلى الموصى له أولاً ثم إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة في صورة التعدد على حسب قسمة المواريث ، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه.

مسألة ١٣٥١ : المدار على الوارث للموصى له عند موته لا الوارث عند موت الموصي.

مسألة ١٣٥٢ : إذا مات الوارث في حياة الموصي أيضاً ففي انتقال الموصى به إلى ورثته أيضاً إشكال ، والانتقال أظهر.

مسألة ١٣٥٣ : إذا أوصى إلى أحد أن يعطي بعض تركته لشخص مثلا

٤١٨

فهل يجري الحكم المذكور من الانتقال إلى الوارث لو مات في حياة الموصي بتمليكه؟ الظاهر ذلك.

مسألة ١٣٥٤ : يشترط في الموصي أمور :

الأول : البلوغ فلا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشراً فإنه تصح وصيته في المبرات والخيرات العامة وكذا لأرحامه وأقربائه ، وأما الغرباء ففي نفوذ وصيته لهم إشكال ، وكذا في نفوذ وصية البالغ سبع سنين في الشيء اليسير فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.

الثاني : العقل ، فلا تصح وصية المجنون والمغمى عليه والسكران حال جنونه وأغمائه وسكره ، وأذا أوصى حال عقله ثم جن أو سكر أو أغمي عليه لم تبطل وصيته.

الثالث : الرشد ، فلا تصح وصية السفيه في أمواله وتصح في غيرها كتجهيزه ونحوه.

الرابع : الاختيار ، فلا تصح وصية المكره.

الخامس : الحرية ، على تفصيل مذكور في محله.

السادس : أن لا يكون قاتل نفسه ، فإذا أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم أونحو ذلك لم تصح وصيته إذا كانت في ماله ، أما إذا كانت في غيره من تجهيز ونحوه صحت ، وكذا تصح الوصية في ماله وغيره إذا فعل ذلك لا عن عمد بل كان خطأً أو سهواً أو كان لا بقصد الموت بل لغرض آخر ، أو على غير وجه العصيان مثل الجهاد في سبيل الله ، وكذا إذا عوفي ثم أوصى ، بل الظاهر الصحة أيضاً إذا أوصى بعد ما فعل السبب ثم عوفي ثم مات.

مسألة ١٣٥٥ : إذا أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم أحدث فيها صحت وصيته وإن كان حين الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.

٤١٩

مسألة ١٣٥٦ : تصح الوصية من كل من الأب والجد بالولاية على الطفل مع فقد الآخر ولا تصح مع وجوده.

مسألة ١٣٥٧ : لا يجوز للحاكم الوصية بالولاية على الطفل بعد موته ، بل بعد موته يرجع الأمر إلى حاكم آخر غيره.

مسألة ١٣٥٨ : لو أوصى وصية تمليكية لصغير من أرحامه أو من غيرهم بمال ولكنه جعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم لم يصح هذا الجعل بل يكون أمر ذلك المال للأب والجد مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما ، نعم لو أوصى أن يبقى ماله بيد الوصي حتى يبلغ فيملكه إياه صح ، وكذا إذا أوصى أن يصرف ماله عليه من دون أن يملكه إياه بشرط عدم منافاته لحقي الحضانة والولاية.

مسألة ١٣٥٩ : يجوز أن يجعل الأب والجد الولاية والقيمومة على الأطفال لاثنين أو أكثر كما يجوز جعل الناظر على القيم المذكور بمعنى كونه مشرفاً على عمله أو بمعنى كون العمل بنظره وتصويبه كما يأتي في الوصية بالمال.

مسألة ١٣٦٠ : إذا قال الموصي لشخص : أنت ولي وقيم على أولادي القاصرين وأولاد ولدي ولم يقيد الولاية بجهة بعينها جاز له التصرف في جميع الشؤون المتعلقة بهم من حفظ نفوسهم وتربيتهم وحفظ أموالهم والإنفاق عليهم وأستيفاء ديونهم ووفاء ما عليهم من نفقات أو ضمانات أو حقوق شرعية واجبة كالخمس أو مستحبة كالزكاة في بعض الموارد ، وغير ذلك من الجهات ، نعم في ولايته على تزويجهم كلام سيأتي إن شاء الله.

مسألة ١٣٦١ : إذا قيد الموصي الولاية بجهة دون جهة وجب على الولي الاقتصار على محل الإذن دون غيره من الجهات وكان المرجع في الجهات الأخرى الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

٤٢٠