روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

(ثلاث وعشرين) من شهر رمضان ، وهو إجماع.

ورواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال الغسل في سبعة عشر موطناً : ليلة سبع عشرة ، وهي ليلة التقى الجمعان ، وتسع عشرة فيها يكتب وفد السنة ، وليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي أُصيب فيها أوصياء الأنبياء ، وفيها رُفع عيسى بن مريم عليه‌السلام وقُبض موسى عليه‌السلام وثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر. (١)

(وليلة الفطر) ذكره الشيخان. (٢)

ورواه الحسن بن راشد ، قال : إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل (٣) الحديث ، والحسن بن راشد ضعّفه النجاشي. (٤)

ولم يذكر هذا الغسل جماعة ، لكن أحاديث السنن يتسامح فيها.

(ويومي العيدين) وهو إجماعنا ، ومذهب الجمهور.

وحكي عن أهل الظاهر وجوبه فيهما. (٥)

ووقته مجموع النهار ، عملاً بإطلاق اللفظ ، لكنّ الأفضل فعله عند الصلاة ؛ للتعليل المذكور في الجمعة. ولو فات ، لم يقض ؛ لعدم النصّ.

(وليلة نصف رجب) وهو مشهور ، لكن لم يعلم فيه خبر ، وربما كان ذلك لشرف الوقت ، كما تقدّم.

(و) ليلة نصف من (شعبان) رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال صوموا شعبان ، واغتسلوا ليلة النصف منه (٦) وفي بعض رجالها ضعف.

وذكر الشيخ في المصباح روايةً عن سالم مولى [أبي (٧)] حذيفة عن رسول اللهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال مَنْ تطهّر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر وساق الحديث إلى قوله قضى الله له ثلاث حوائج ، ثمّ إن سأل أن يراني في ليلته رآني. (٨)

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢.

(٢) المقنعة : ٥١ ؛ المبسوط ١ : ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٦٧ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ١١٥ / ٣٠٣.

(٤) رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٦.

(٥) كما في المعتبر ١ : ٣٥٦.

(٦) التهذيب ١ : ١١٧ / ٣٠٨. (٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٨) مصباح المتهجّد : ٨٣٨ ـ ٨٣٩.

٦١

وهذه الرواية أيضاً ضعيفة ، والمعوّل على الاستحباب اتّباعاً.

(ويوم المبعث) وهو السابع والعشرون من رجب ، ذكره الشيخ في الجُمل والمصباح ، (١) ولم يثبت فيه خبر ، والكلام فيه كنصف رجب.

(و) يوم (الغدير) وهو إجماع منّا.

ورواه علي بن الحسين العبدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول مَنْ صلّى فيه ركعتين غتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة إلى قوله ما سأل الله حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلا قُضيت له كائناً ما كانت. (٢)

(و) يوم (المباهلة) وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة على المشهور.

وقيل : الخامس والعشرون ، واختاره المحقّق. (٣)

وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال غسل المباهلة واجب (٤) والمراد تأكيد الاستحباب ؛ للإجماع على عدم وجوبه.

(و) يوم (عرفة) عند الزوال.

(وغسل الإحرام) على الأصحّ.

وأوجبه ابن أبي عقيل. (٥) ونقله المرتضى عن كثير منّا. (٦)

والأولى حمل لفظ «الفرض» في الحديث (٧) به على تأكيد الاستحباب ، أو أنّ ثوابه ثواب الفرض ، كما ذكره الشيخ رحمه‌الله في التهذيب (٨) ؛ جمعاً بين الأخبار ، مع أنّ في الرواية ضعفاً.

(و) غسل (الطواف ، و) غسل (زيارة النبي والأئمّة عليهم‌السلام) للرواية (٩) في ذلك كلّه.

(و) غسل (قضاء) صلاة (الكسوف) العارض للشمس والقمر (للتارك عمداً مع

__________________

(١) الجُمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٧ ؛ مصباح المتهجّد : ١٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٣١٧.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٧.

(٤) الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ؛ التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٠٧.

(٥) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٥٢ ، المسألة ١٠٢.

(٦) مسائل الناصريّات : ١٤٧ ، المسألة ٤٤.

(٧) التهذيب ١ : ٢٧١١٠٥ ؛ الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٦.

(٨) التهذيب ١ : ١٠٥ ذيل الحديث ٢٧١ ؛ وكذا في الاستبصار ١ : ٩٨ ذيل الحديث ٣١٦.

(٩) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢.

٦٢

استيعاب الاحتراق) للقرص كلّه ؛ للخبر. (١)

واقتصر المفيد والمرتضى على تركها متعمّداً. (٢)

وأوجبه سلّار. (٣)

واستقرب المصنّف رحمه‌الله استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضاً. (٤)

(و) غسل (المولود) حين ولادته ، لأنّه خرج من محلّ الخبث ، وللخبر. (٥)

وأوجبه ابن حمزة (٦) محتجّاً برواية (٧) ضعيفة.

(و) غسل (السعي إلى رؤية المصلوب) مع الرؤية (بعد ثلاثة) من صلبه.

وقيل : من موته. (٨) ولا شاهد له.

ولا فرق بين مصلوب الشرع وغيره ، عملاً بالإطلاق.

وربما قيل باستحباب الغسل برؤية مصلوب غير الشرع من أوّل يوم ؛ لمساواته الأوّل بعدها في تحريم وضعه على الخشبة.

وكذا لا فرق بين المصلوب على الهيئة المعتبرة شرعاً وغيره.

ولو قُتل بغير الصلب ، لم يستحبّ الغسل ؛ للأصل.

وأوّل وقته الرؤية.

ونُقل عن أبي الصلاح القول بوجوبه. (٩)

(وللتوبة) من فسق أو كفر وإن كان ارتداداً.

ووقته بعد التوبة والإسلام ؛ لتضيّقهما.

وتقييدهم بالفسق يقتضي عدم الاستحباب للتوبة من صغيرةٍ لا توجبه.

ويمكن دخوله في العموم والتعليل بالتفاؤل بغسل الذنب والخروج من دنسه.

__________________

(١) انظر : التهذيب ١ : ١١٧ ـ ١١٨ / ٣٠٩.

(٢) المقنعة : ٥١ ؛ وحكاه عنه وعن السيّد المرتضى المحقّق في المعتبر ١ : ٣٥٨.

(٣) انظر : المراسم : ٥٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٧٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ؛ الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ؛ التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠.

(٦) الوسيلة : ٥٤.

(٧) نفس المصادر في الهامش (٥).

(٨) نقله العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٨ عن بعض الناس في حاشية البيان.

(٩) الكافي في الفقه : ١٣٣ ـ ١٣٥.

٦٣

(و) غسل (صلاة الحاجة ، (١) و) صلاة (الاستخارة) للخبر. وضعفه معتضد بعمل الأصحاب.

(و) غسل (دخول الحرم والمسجد الحرام ومكة والكعبة والمدينة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله) للنصّ (٢) في ذلك كلّه.

(ولا تتداخل) هذه الأغسال عند اجتماع أسبابها ؛ لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في استحباب الغسل ، والأصل عدم تداخلها. وإن تداخلت في بعض الصور ، فعلى خلاف أصلها ، لأمرٍ عرضيّ من نصّ أو غيره. ولاعتبار نيّة السبب وخصوصاً مع انضمام واجبٍ إليها ، لتضادّ وجهَي الوجوب والندب ، فإنّه إمّا أن ينوي الندب أو الوجوب أو هُما ، ويلزم من الأوّل عدمُ ارتفاع الحدث ؛ لعدم رفع هذه الأغسال المندوبة الحدثَ بل قد تُجامعه ، كما يصحّ غسل الإحرام من الحائض. ومن الثاني نيّةُ وجوب ما ليس بواجب. ومن الثالث الجمعُ بين الضدّين ، فإن اجتمعا ، فظاهر بطلانه. وإن حصل أحدهما ، فهو ترجيح بلا مرجّح.

والحقّ : التداخل مطلقاً وخصوصاً مع انضمام الواجب ؛ لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد قال وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها». (٣)

والأوّل شامل لاجتماع المسنونة خاصّة والواجبة خاصّة واجتماعهما معاً ، والآخر صريح في الاجتزاء بغسلٍ واحد مع انضمام الواجب لكن مع اجتماع الأسباب المندوبة.

والأولى اشتراط نيّة الجميع ؛ لأنّ نيّة السبب في المندوب مطلوبة ، إذ لإيراد به رفع الحدث ، بخلاف الواجبة.

ولو نوى البعض ، فالوجه : اختصاصه بما نواه.

ومع انضمام الواجب يكفي أحد الأمرين : نيّة الواجب أو نيّة الجميع ، صرّح به

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٧٦ / ١ ، و ٤٧٧ / ٣ ؛ الفقيه ١ : ٣٥٣ / ١٥٥١ ؛ التهذيب ١ : ١١٦ / ٣٠٥ ، ١١٧ / ٣٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠ / ١ و ٢ ؛ الفقيه ١ : ٤٤ / ١٧٢ ، و ٤٥ / ١٧٦ ؛ الخصال ٢ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ / ٥ ، و ٦٠٣ / ٩ ؛ عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ ؛ التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، و ١٠٥ / ٢٧٢ ، و ١١٠ ـ ١١١ / ٢٩٠ ، و ١١٤ / ٣٠٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٧٩ ؛ وفي الكافي ٣ : ٤١ (باب ما يجزئ الغسل منه إذا أجمع) الحديث ١ مضمرا.

٦٤

جماعة. (١) ولا يخلو من إشكال ؛ لتضادّ الوجه ، واعتبار نيّة السبب.

ويمكن سقوط اعتبار السبب هنا ودخوله تحت الوجوب ، كما في الأذكار المندوبة خلال الصلاة الواجبة ، والصلاة على جنازتي مَنْ زاد عن الستّ ونقص عنها ، مع أنّ بعض (٢) مشايخنا المعاصرين مع حكمه بالتداخل مطلقاً أسقط اعتبار السبب ، عملاً بظاهر الرواية. قال : ولأنّه حكم شرعيّ ، فلا يتوقّف على اختيار المكلّف ، فيكون معناه سقوط الاستحباب وزيادة ثواب هذا الغسل على غيره. وهو قريب.

(والتيمّم يجب) بأصل الشرع (للصلاة والطواف الواجبين) بل الصواب أنّه يجب لما تجب له الطهارتان (و) يزيد عليهما (لخروج الجنب من المسجدين) ليدخل فيه التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب ، وللصوم إن قلنا بوجوب التيمّم مع تعذّر الغسل لئلا يدخل في قوله والمندوب ما عداه.

وشمل قوله : «لخروج الجنب» مَنْ أجنب في المسجد باحتلام كما ورد به النصّ (٣) وبغيره ، ومَنْ دخل مجنباً ؛ لاشتراك الجميع في العلّة ، وهو قطع شي‌ء من المسجدين جنباً ، فإنّه محرّم بدون الطهارة مع الإمكان.

وإطلاق الحكم بالتيمّم مبنيّ على الغالب من عدم وجود ماءٍ في المسجدين يصلح للغسل من غير تلويث المسجد بالنجاسة خصوصاً في مورد النصّ ، وهو الاحتلام فيهما ، فإنّه يستلزم النجاسة ، أو على الغالب من نقصان زمانه عن (٤) زمان الغسل.

ولو فرض تساوي زمانيهما أو نقصان زمان الغسل وأمكن الغسل في المسجد ، وجب الغسل. وإطلاق الخبر بالتيمّم مقيّد بعدم ذلك ، جمعاً بينه وبين ما دلّ على اشتراط عدم الماء في جواز التيمّم ، مع احتمال التيمّم مطلقاً ؛ لظاهر النصّ في تخصيص التيمّم بالذكر مع حرمة الكون في المسجد.

ويؤيّده ما رُوي أنّ الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك. (٥)

وهو دليل على عدم

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٤٠ ؛ والخلاف ١ : ٢٢١ ، المسألة ١٨٩.

(٢) هو السيّد حسن بن السيد جعفر الأعرجي رحمه‌الله ، كما في هامش «م». وانظر : الدرّ المنثور ٢ : ١٥٩.

(٣) الكافي ٣ : ٧٣ / ١٤ ؛ التهذيب ١ : ٤٠٧ / ١٢٨٠.

(٤) في «ق ، م» والطبعة الحجرية : «على» بدل «عن» والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الكافي ٣ : ٧٣ / ١٤.

٦٥

اعتبار الطهر في هذا التيمّم.

وفي المعتبر نفى الوجوب عن الحائض وإن استحبّ ؛ لأنّه لا سبيل لها إلى الطهارة ، بخلاف الجنب. (١) وردّه الشهيد (٢) رحمه‌الله بأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ ، ثمّ عارضه باعترافه بالاستحباب.

ويشكل بأنّ المحقّق (٣) طعن فيه في الرواية بالقطع ، (٤) فلا حجّة فيها ، فيرجع إلى الاجتهاد. ويصحّ استناد الاستحباب إلى الرواية ؛ للتسامح في دلائل السنن.

ويمكن كون التيمّم مبيحاً لهذا الجواز وإن كان الحدث باقياً.

والظاهر إلحاق النفساء بالحائض هنا ؛ لأنّها حائض في المعنى ، دون المستحاضة المخاطَبة بالغسل ؛ لعدم النصّ.

وإنّما قيّدنا جواز الغسل في المسجد مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمّم أو قصوره عنه مع أنّ الدليل يقتضي تقديمه مطلقاً مع إمكانه ؛ لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقاً ، وإلا كان القول به متوجّهاً.

بقي هنا بحث ، وهو : أنّ هذا التيمّم للخروج من المسجدين هل يُبيح الصلاة ونحوها؟ قيل (٥) لا ؛ لوجوب الخروج عقيبه بغير فصلٍ متحرّياً أقرب الطرق ، فعلى هذا لا ينوي فيه البدليّة.

والتحقيق أن يقال : إن كان الغسل ممكناً في المسجد ولم نقل بتقديمه على التيمّم ، فلا إشكال في عدم إباحة هذا التيمّم ؛ للإجماع على عدم إباحة الصلاة بالتيمّم مع إمكان الغسل.

وإن لم يكن في المسجد ، فلا يخلو إمّا أن يكون الغسل ممكناً خارجه ، (٦) كما لو كان الماء موجوداً ولا مانع لهذا المتيمّم من الغسل من مرضٍ ولا غيره ، وهنا يتوجّه أيضاً عدم

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) الذكرى ١ : ٢٠٧.

(٣) المعتبر ١ : ٢٢٢.

(٤) أي : انّها مقطوعة.

(٥) القائل هو المحقّق الكركي في حاشية الشرائع ، الورقة ٤.

(٦) في الطبعة الحجريّة : «خارجا».

٦٦

إباحته للصلاة (١) ؛ لأنّ وقوعها في المسجد ممتنع ، لوجوب المبادرة إلى الخروج ، وبعد الخروج يتمكّن من الغسل ، فيفسد التيمّم ، وإنّما شُرّع التيمّم هنا مع إمكان الغسل خارجاً ، لتحريم المرور في المسجدين من دون الغسل أو التيمّم ، فإذا تعذّر الغسل داخله ، قام التيمّم مقامه في إباحة قطع مسافته.

وإن كان الغسل غير مقدور خارج المسجد ، فالوجه : كون هذا التيمّم مبيحاً ؛ لعدم المانع ، فإنّ التيمّم مع تعذّر الطهارة المائيّة يبيح ما تبيحه ، إلا على قول ولد المصنّف رحمه‌الله من عدم إباحة دخول المساجد مطلقاً بالتيمّم. (٢)

وسيأتي بطلانه.

ويمنع حينئذٍ وجوب المبادرة إلى الخروج وتحرّي أقرب الطرق ؛ لأنّ ذلك مشروط بإمكان الغسل خارج المسجد ، جمعاً بين قولهم هنا كذلك وقولهم في باب التيمّم : إنّه يبيح ما تبيحه المائيّة ، ومن جملة ما تبيحه المائيّة اللبث في المسجدين وغيرهما ، فيصحّ اللبث والصلاة.

ولا يلحق باقي المساجد بالمسجدين في شرعيّة التيمّم ؛ لعدم النصّ.

وقرّب في الذكرى استحبابه لها ، للقرب إلى الطهارة ، وعدم زيادة الكون فيها على الكون له في المسجدين. (٣)

والفرق واضح بعد ورود النصّ ، ولأنّ قطع المسجدين مشروط بالغسل مع إمكانه ، بخلاف غيرهما من المساجد. واستحباب قطعها بالغسل مع عدم اللبث لا يقتضي جوازه هنا ، مع استلزامه اللبث المحرّم ، لأنّ ذلك يحصل مع الغسل خارجها ، فلا يعارض ما دلّ على تحريم اللبث فيها للجنب. ولو سلّم فتركه أولى ؛ لأنّ ترك ما هو عرضة للتحريم أولى من الطمع في تحصيل المندوب.

(و) التيمّم (المندوب) بأصل الشرع (ما عداه) فيستحبّ بدلاً من الوضوء المستحبّ في كلّ موضع يكون الوضوء رافعاً ، لتحقّق البدليّة.

__________________

(١) في «ق ، م» : «الصلاة».

(٢) قال فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ١ : ٦٦ : لا يبيح ـ أي التيمّم ـ للجنب الدخول في المسجدين ولا الاستقرار في باقي المساجد ، إلى آخره.

(٣) الذكرى ١ : ٢٠٧.

٦٧

وهل يستحبّ بدلاً من غير الرافع ، كنوم الجنب وذِكْرِ الحائض؟ يحتمله ؛ لحلوله محلّ الرافع ، فغيره أولى. والعدم ؛ لعدم النصّ.

ويستحبّ أيضاً بدلاً من غسل الإحرام مع تعذّره.

وهل يستحبّ بدلاً من غيره؟ وجهان أرجحهما : العدم ؛ لعدم النصّ.

وعلى القول برفع الغسل المندوب الحدث كما هب إليه المرتضى (١) ـ لا إشكال في الاستحباب ، ويكون مبيحاً للصلاة.

ويستحبّ أيضاً للنوم مع وجود الماء. ولصلاة الجنازة على المشهور. وادّعى عليه الشيخ (٢) الإجماعَ. وحجّيّة المنقول منه بخبر الواحد كما قرّر في الأُصول يدفع منع المحقّق له في المعتبر (٣) بعدم معرفته.

والظاهر في نيّتهما البدليّة ، كغيرهما ؛ لعدم المانع.

ورجّح بعضُ (٤) المحقّقين عدمَها فيهما.

فهذه ستّة أقسام من الاثني عشر واجبة ومندوبة بأصل الشرع.

ثمّ أشار إلى الثلاثة الواجبة بسببٍ من المكلّف بقوله (وقد تجب الثلاثة بالنذر وشبهه) كالعهد واليمين.

ويشترط في انعقاد نذر كلّ منها أن يكون راجحاً لولا النذر ، سواء كان واجباً أم مندوباً على الأصحّ في الأوّل ، فالوضوء ينعقد نذره دائماً ؛ لرجحان فعله دائماً.

وهل ينصرف النذر إلى الرافع للحدث أو المبيح للصلاة أم الأعمّ؟ وجهان ، والثاني لا يخلو من قوّة.

ثمّ إن أطلق ، كان وقته العمر ، ويتضيّق عند ظنّ الوفاة ، كنظائره من أفراد النذر المطلق. وإن قيّده بوقتٍ واتّفق فيه محدثاً ، فالأمر واضح ، وإلا بني على الوجهين. فإن لم نعتبر أحد الأمرين ، وجب التجديد. وإن اعتبرناه ، لم يجب الوضوء ؛ لامتناع تحصيل

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ١٩٦ ؛ والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٧٨ ، المسألة ١٢٤ ؛ والشهيد في الدروس ١ : ٨٧ ؛ والذكرى ١ : ٢٠٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، المسألة ١١٢.

(٣) المعتبر ١ : ٤٠٥.

(٤) لم نتحقّقه.

٦٨

الحاصل ، ولا الحدث ؛ لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط.

ويجي‌ء على القول برفع المجدّد احتمال وجوبه ؛ لإمكان أن يظهر بعد ذلك الخلل في الأوّل ، بل يحتمل وجوبه وإن لم يظهر.

ويضعّفان معاً بأنّه الآن غير رافع ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل ، فلا يخاطب به.

ولو اتّفقت المرأة حائضاً في الوقت المعيّن وحضر وقت صلاة ، بُني على الوجهين أيضاً.

وأمّا الغسل فإن قيّده في نذره بأحد أسبابه الراجحة ، انعقد. وإن أطلق ، أوقعه على أحد تلك الأسباب. وفي إجزاء الواجب حينئذٍ منه ومن الوضوء وجه.

ثمّ إن عيّن زماناً ولم يوجد السبب فيه ، بطل النذر.

وأمّا التيمّم فلمّا كانت مشروعيّته مشروطةً بعدم الماء أو عدم التمكّن من استعماله اشترط ذلك في انعقاد نذره ، فيتوقّع مع الإطلاق ، ويبطل مع التعيين حيث لا يتعذّر استعمال المائيّة ولا يجب عليه تحصيل سببه بالحدث ، كما مرّ.

ويشترط في صحّة نذره إطلاقه أو تعليقه بأحد أسبابه الراجحة ، ففي الواجبِ الحكمُ ظاهر ، وفي بدل المندوب من الوضوء يشترط كونه رافعاً ، كما تقدّم ، ومن الغسل يختصّ بغسل الإحرام.

هذا كلّه إذا نذر كلّ واحد من الثلاثة على حدته أو نذرها بلفظ يشملها ، كأن نذر الطهارة ملاحظاً إطلاقها على الأنواع الثلاثة ، أمّا لو نذر الطهارة مطلقاً ، ففي تخييره بين الثلاثة أو حمله على المائيّة خاصّة أو على الترابيّة أوجُه مبنيّة على ما سلف من الكلام على أنّ مقوليّة الطهارة على الثلاثة هل هو بطريق الاشتراك أو التواطؤ أو التشكيك أو الحقيقة والمجاز؟

فعلى الأوّلين يبرّ بكلّ واحد من الثلاثة ، لكن يشترط في التيمّم تعذّر الآخَرَين. وعلى الثالث يحتمل قويّاً ذلك أيضاً. ويحتمل انصرافه إلى الفرد الأقوى ، وهو المائيّة مخيّراً بين فرديها ؛ لأنّه المتيقّن ، وإلى الأضعف وهو التيمّم لأصالة البراءة. وهو أضعفها. وعلى الرابع ينصرف إلى المائيّة خاصّة قطعاً ، وقد سبق تحقيقه.

٦٩
٧٠

(النظر الثاني : في أسباب الوضوء)

بضمّ الواو اسم للفعل مأخوذ من الوضاءة بالمدّ. وهي : النظافة والنظارة ، وهو اسم مصدر ؛ لأنّ قياس المصدر : التوضّؤ ، كالتعلّم والتكلّم ، وتقول : «توضّأت» بالهمزة. ويجوز على قلّة «توضّيت» بالياء. وكذا «قرأت» ونحوهما. والوضوء بفتح الواو اسم للماء الذي يتوضّأ به.

وقيل : هُما جميعاً بالفتح. (١) وقيل بالضمّ. (٢)

وإطلاق الأسباب على الأحداث المعهودة باعتبار استلزامها الطهارة إمّا وجوباً أو ندباً ، فإنّ السبب عند الأُصوليّين هو كلّ وصفٍ ظاهرٍ منضبطٍ دلّ الدليل على كونه معرّفاً لإثبات حكمٍ شرعيّ لذاته ، وهو هنا عبارة عن الوصف الدالّ على المخاطبة بالطهارة وجوباً أو ندباً.

ولا يرد حدث الصبي والمجنون والحائض ، فإنّ حدثهم بحسب ذاته دالّ عليها مستلزم لها ، وإنّما تخلّف الحكم لعارضٍ ، وهو فَقدُ الشرط في الأوّلين ووجود المانع في الأخير ، وتخلّف الحكم لفقد الشرط أو وجود المانع لا يقدح في السببيّة ، كما قرّر في محلّه. وعدم تكليفهما لا يدلّ على عدم ترتّب حكم السببيّة ولو بالقوّة ، ولهذا تجب عليهما الطهارة عند الكمال بالسبب الحاصل قبله ، كما صرّح به الشهيد (٣) رحمه‌الله وغيره.

ويعلم من ذلك أنّ التعبير عن الأحداث بالأسباب أولى من التعبير بالنواقض والموجبات ،

__________________

(١) انظر : الصحاح ١ : ٨١ ، «وض أ».

(٢) انظر : الصحاح ١ : ٨١ ، «وض أ».

(٣) انظر : الحاشية النجّاريّة ، الورقة ٣.

٧١

كما فَعَله غيره ؛ لأنّ تسميتها نواقض باعتبار تعقّبها لطهارةٍ سابقة ، وظاهر أنّ الحدث أعمّ من ذلك. وتسميتها موجباتٍ باعتبار وجودها عند تكليف المكلّف بما يشترط فيه الطهارة ، أو عند وجود السبب فيما وجب منها لنفسه ، كغسل الجنابة عند المصنّف ، (١) وغسل الأموات ، وظاهر أيضاً أنّ الأحداث أعمّ من ذلك ، فالأسباب أعمّ منهما مطلقاً.

أمّا من النواقض : فلاجتماعهما في حدثٍ تعقّب طهارةً وتخلّف الأسباب فيما عدا ذلك ، ولا يتصوّر ناقض غير سبب بعد ما تلوناه.

وأمّا من الموجبات : فلأنّه يصدق على الأحداث السببيّة عند وجودها حال براءة ذمّة المكلّف من مشروطٍ بالطهارة ، ولا تصدق الموجبيّة حينئذٍ.

وأمّا النواقض : فبينها وبين الموجبات عموم من وجه ؛ لصدق الناقض بدون الموجب في حدثٍ تعقّب طهارةً صحيحة مع خلوّ ذمّة المكلّف من مشروطٍ بها ، ويصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاةٍ واجبة من غير سبق طهارة.

ولا يرد أنّ الوجوب حاصل من قبلُ حيث لم يكن متطهّراً ، فيلزم تحصيل الحاصل أو اجتماع علّتين أو عِلَل على معلولٍ شخصيّ.

لأنّا نقول : إنّ كلّ واحد من الحدث السابق والمفروض لو انفرد كان موجباً ، وليس للاجتماع مدخل في نفي هذا الحكم ، والأحداث كلّها معرّفات شرعيّة للأحكام لا علل عقليّة.

ويصدقان معاً في الحدث المتعقّب لطهارةٍ شرعيّة مع اشتغال ذمّة المكلّف بمشروطٍ بها.

(و) نبحث في هذا النظر أيضاً عن (كيفيّته) أي الوضوء. وإطلاق الكيفيّة على الذات من حيث إنّه يُسأل عنها بكيف هي؟.

(إنّما يجب الوضوء) خاصّةً (من) خروج (البول والغائط والريح من) الموضع (المعتاد) لخروج هذه الثلاثة منه ، وهو المخرج الطبيعيّ. وإطلاق المعتاد عليه باعتبار التعريف ، لا لملاحظة اشتراط اعتياد الخروج منه ، فيجب الوضوء بالخارج منه بأوّل مرّة بمعنى كون الخروج سبباً فيه وإن تخلّف تأثيره لفقد شرطٍ ، كالصغر.

ولو خرجت الثلاثة من غير الموضع الطبيعيّ ، أوجبت إن اعتيد ، وإلا فلا ويمكن

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٥٩ ، المسألة ١٠٧.

٧٢

دخوله في العبارة أيضاً سواء كان فوق المعدة أم تحتها.

هذا مع عدم انسداد الطبيعيّ ، ومعه لا يعتبر في غيره الاعتياد ، ويصير معتاداً بالخروج منه مرّتين متواليتين عادةً.

ويعلم من الحصر المستفاد بـ «إنّما» عدم الوجوب بالخارج غير الثلاثة من حبّ ودود وغيرهما مع عدم مصاحبته لشي‌ء من الثلاثة ، ومعها ينقض لا باعتباره ، بل باعتبار ما خرج معه منها.

ويستفاد أيضاً عدم الوجوب من الريح الخارج من القُبُل ، سواء الرجل والمرأة على الأصحّ.

والمتعارف من الخروج ما كان معه انفصال ، فلو خرجت المقعدةُ ملطّخةً بالغائط ثمّ عادت ولمّا ينفصل ، لم يجب الوضوء على الأصحّ.

(و) من (النوم الغالب) غلبة مستهلكة معطّلة للحاسّتين لا مطلق الغلبة (على الحاسّتين) وهُما : السمع والبصر.

وإنّما خصّهما بالذكر من بين الحواسّ مع اشتراط زوال الجميع قطعاً ؛ لأنّهما أقوى الحواسّ ، فغلبته عليهما تقتضي غلبته على باقي الحواسّ من غير عكسٍ.

والمعتبر في غلبته عليهما التحقيق على تقدير سلامتهما من الآفة ، أو التقدير مع عدمها.

(و) يجب الوضوء ممّا يغلب على العقل من (الجنون والإغماء والسكر).

واستدلّ على ذلك بقول الباقر والصادق عليه‌السلام» حين عدّدا موجبات الوضوء

والنوم حتى يذهب العقل (١) فيعلم منه حكم مزيل العقل.

وبقول الصادق (٢) عليه‌السلام إذا خفي عليه الصوت وجب الوضوء. (٣)

وفي الاستدلال بهما بحث.

(و) من (الاستحاضة القليلة) خلافاً لابن أبي عقيل ، فإنّه لم يوجبه بها. (٤)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ / ٦ ؛ الفقيه ١ : ٣٧ / ١٣٧ ؛ التهذيب ١ : ٨ / ١٢.

(٢) كذا في «ق ، م» والطبعة الحجريّة والذكرى ١ : ٢١٠ ؛ وفي الكافي والتهذيب عن أبي الحسن عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٤ ؛ التهذيب ١ : ٩ / ١٤.

(٤) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٢٤٢.

٧٣

وإنّما خصّ القليلة بالذكر ؛ لأنّ المتوسّطة والكثيرة توجبان الغسل في الجملة وإن أوجبتا الوضوء خاصّةً على بعض الوجوه.

ولا (١) يرد ما قيل : إنّه إن أراد ما يوجب الوضوء خاصّةً ، فكان عليه أن يذكر مع الاستحاضة القليلة قسمَي المتوسّطة ، أعني ما عدا الصبح. وإن أراد موجب الوضوء في الجملة ، فكان عليه أن يذكر الموجبات الأحد عشر. (٢)

لأنّا قد بيّنّا أنّ المتوسّطة من حيث هي موجبة للغسل وإن كانت بالنظر إلى بعض أحوالها موجبةً للوضوء خاصّةً.

وأيضاً فما ذُكر لو تمّ ، لورد في الكثيرة أيضاً ؛ لإيجابها الوضوء خاصّةً على بعض الوجوه ، وهو لصلاة العصر وصلاة العشاء ، فلا وجه للنقض بالمتوسّطة خاصّة ، والجواب عنهما واحد.

ثمّ أكّد الحصر بـ «إنّما» في إيجاب الوضوء خاصّةً بهذه الأشياء بقوله (لا غير) أي : لا غير هذه الأشياء الثمانية موجب للوضوء خاصّةً.

ويحتمل ضعيفاً أن يتعلّق بالاستحاضة القليلة ، أي : لا غيرها من حالتيها المتوسّطة والكثيرة.

وهذا المعنى يحصل على التقدير الأوّل مع إفادة ما هو أعمّ منه ، فكان الأوّل أولى.

ولمّا كان من ضرورات بعض هذه الأسباب موضع خاصّ وتلحقه أحكام خاصّة انجرّ البحث منه إليه هنا ، فقال : (ويجب على المتخلّي) للبول أو الغائط (ستر العورة) عن ناظرٍ بشريّ محترم ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. (٣)

وخرج بالمحترم الطفلُ غير المميّز ومَنْ ذُكر في الرواية وما ساواه ، كالزوج.

والمراد بملك اليمين الأُنثى غير المزوّجة ، والمعتدّة ، وأمة المرأة بالنظر إليها.

(وعدم استقبال القبلة) على حدّ ما يعتبر في الصلاة ؛ لاتّحاد المعنى والدليل.

ومعنى وجوب عدم الاستقبال إيجاد ضدّه ، فإنّ الأعدام غير مقدورة والتكليف

__________________

(١) في «ق ، م» : «فلا» بدل «ولا».

(٢) الحاشية النجارية ، والورقة ٣ و ٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٨ / ١٩٢٠ ؛ سنن أبي داود ٤ : ٤٠ ـ ٤١ / ٤٠١٧ ؛ سنن الترمذي ٥ : ١١٠ / ٢٧٩٤ ؛ سنن البيهقي ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ / ٩٦٠ ؛ المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ١٨٠ ؛ مسند أحمد ٥ : ٦٢٤ / ١٩٥٣٠ ، و ٦٢٥ / ١٩٥٣٦.

٧٤

مقدور ، كما حقّق في الأُصولَين.

(و) عدم (استدبارها) بالمعنى المذكور في الاستقبال ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرّقوا أو غرّبوا (١) والنهي للتحريم ، والأمر للوجوب.

وهذا الحكم والخبر مطلقان يتناولان الفعل (في الصحاري) بفتح الراء على الأفصح ، جمع صحراء ، كعذراء وعذارى. وربما كُسرت في لغة قليلة. وهي البرّيّة ، والمراد بها هنا ما خرج عن البنيان (و) في (البنيان) فيحرم فيهما ؛ لعدم دليلٍ يقيّد المطلق.

وخالف ابنُ الجنيد فيهما معاً ، وإنّما استحبّ ترك الاستقبال في الصحراء خاصّة ، (٢) وسِرُ في البنيان ، وإنّما جعل تجنّبه أفضل. (٣)

واختلف النقل عن المفيد في ذلك ، فنقل عنه المصنّف في المختلف كراهة الاستقبال والاستدبار معاً في الصحاري والمواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة ، وعدمها في دارٍ قد بُني فيها المقعد على استقبال القبلة أو استدبارها. (٤)

قال المصنّف بعد حكاية ذلك عنه : وهذا الكلام يُعطي الكراهة في الصحاري ، والإباحة في البنيان. (٥)

قلت : وفي إعطائه ذلك نظر واضح.

ونقل الشهيد رحمه‌الله في الذكرى عن المفيد الكراهة في الصحاري ، دون البنيان ، (٦) وأطلق.

ويفهم من الدروس (٧) أنّ المفيد إنّما خالف في التحريم في الأبنية خاصّةً. والظاهر أنّه سهو إلا بتقدير حمله على أنّه عمل بالمفهوم ، فمخالفته في الأبنية لا تدلّ على عدم مخالفته في الصحاري ؛ فإنّ العمل بالمفهوم ضعيف ، لكن لا يخفى أنّه خلاف الظاهر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥ / ٦٤ ؛ الاستبصار ١ : ٤٧ / ١٣٠.

(٢) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ١٢٢ ؛ والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦.

(٣) المراسم : ٣٢.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦ ؛ وانظر : المقنعة : ٤١.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦.

(٦) الذكرى ١ : ١٦٣.

(٧) الدروس ١ : ٨٨.

٧٥

ونقل المحقّق في المعتبر عن سلار والمفيد الكراهةَ في البنيان ، (١) وأطلق. وهو يقتضي الكراهة في الصحاري بطريق أولى (٢) بل التحريم ؛ للاتّفاق على أنّ حكم الصحاري أغلظ من البنيان ، فحينئذٍ يوافق ما نقله عنه في الدروس.

ويؤيّد التحريم أنّ سلار مصرّح بعدم الترخّص في الصحاري ؛ فإنّه قال بعد النهي عن الاستقبال والاستدبار : هذا إذا كان في الصحاري والفلوات ، وقد رخص ذلك في الدُّور ، وتجنّبه أفضل. (٣)

تنبيه : قال المصنّف رحمه‌الله في المختلف بعد أن حكى كلام ابن الجنيد بمعنى ما حكيناه عنه : وهو موافق لكلام المفيد. (٤) وأنت خبير باختلافهما من وجهين :

أحدهما : أنّ المفيد شرّك في الكراهة بين الصحاري وبين المواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة ، والمراد بها البنيان ؛ لأنّها قسيمة للصحارى ، فلا تكون قسماً منها. وابن الجنيد خصّ الاستحباب بالصحراء.

والثاني : أنّ المفيد رحمه‌الله عمّم الحكم بالكراهة فيما ذكر في الاستقبال والاستدبار ، وابن الجنيد رحمه‌الله إنّما ذكر الاستقبال خاصّةً ، كما حكاه المصنّف عنه. وهو لفظه في كتاب الأحمدي (٥) مختصر التهذيب.

وإنّما أطنبنا القول في تحرير هذا الخلاف ؛ لكثرة ما قد رأيت فيه من الاختلاف ، وما ذكره المصنّف في المختلف كلّه منقول بعباراتهم. ولا يرد احتمال اختلاف مواضع النقل مع بُعد إطلاق النقل عن أحد بقولٍ له في المسألة خلافه من غير بيان.

(و) يجب (غَسل موضع البول بالماء خاصّة) عند علمائنا أجمع ؛ للأصل من بقاء حكم النجاسة الشرعيّة إلى أن يرد المزيل شرعاً.

ولقول الباقر عليه‌السلام : وأمّا البول فلا بدّ من غسله. (٦)

وإطلاق الوجوب هنا باعتبار توقّف الصلاة ونحوها على إزالة النجاسة ، فيكون واجباً

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٢٣.

(٢) في «ق ، م» : «الأولى».

(٣) المراسم : ٣٢.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ٩٩ ، المسألة ٥٦.

(٥) هذا الكتاب مفقود.

(٦) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ٥٠ / ١٤٤ ؛ الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠.

٧٦

موسّعاً يتضيّق بتضيّق عبادة متوقّفة على ذلك. وإطلاق الوجوب قبل الوقت مجاز.

(وكذا) يجب الماء في غسل (مخرج الغائط) وهو لغةً : ما انخفض من الأرض. وسُمّي الحدث المعلوم غائطاً باسم ما كان يفعل فيه ؛ لأنّ الرجل كان إذا أراد الحاجة قصد الغائط ، ولذلك قال تعالى (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) (١) (مع التعدّي) للمخرج ، وهو حواشي الدُّبُر وإن لم يبلغ التعدّي إلى الأليين.

وهذا الحكم إجماعيّ من الكلّ.

ولقوله عليه‌السلام يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة. (٢)

وغاية الغسل فيهما (حتى تزول العين والأثر) وهو الرسم الدالّ عليها.

قيل : وهو اللون ؛ لأنّه عَرَض لا يقوم بنفسه ، فلا بدّ له من محلّ جوهريّ يقوم به ؛ إذ الانتقال على الأعراض محال ، فوجود اللون دليل على وجود العين ، فتجب إزالته ، ولا يلزم مثل ذلك في الرائحة ؛ لأنّها قد تحصل بتكيّف الهواء ، فوجودها لا يستلزم وجود العين. (٣)

وفيه نظر ؛ لأنّ اللون معفوّ عنه في سائر النجاسات ففي الاستنجاء أولى. ولأنّه لا يلزم من عرضيّته واستحالة الانتقال عليها نجاسته ؛ إذ لا تلازم (٤) بين عدم قيامه بنفسه وقيامه بالنجاسة ؛ لأنّ هنا قسماً ثالثاً ، وهو : قيامه بمحلّ طاهر ، وهو الجسم. ولانتقاضه بالرائحة ؛ فإنّها من جملة الأعراض ولا تقوم بنفسها ، والهواء إنّما يتكيّف بوصف النجاسة ، والكلام فيهما واحد.

(ويتخيّر مع عدمه) أي التعدّي (بين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها) من كلّ جسمٍ طاهرٍ جافّ صلب غير صقيل ولا لزج ولا محترم. فخرج النجس ذاتاً وعرضاً ؛ لأنّ النجاسة لا تُزال بالنجس ، وحينئذٍ يتحتّم الماء ؛ لأنّ الحجر رخصة وتخفيف فيما تعمّ به البلوى ، فيقف على موردها ، وهي نجاسة الغائط المختصّ بالمحلّ ، فلا يلحق به غيره.

واحتمل المصنّف بقاءَ الرخصة ؛ لأنّ النجس لا يتأثّر بالنجاسة ، والتفصيل ، فإن كانت

__________________

(١) النساء (٤) : ٣ ؛ المائدة (٥) : ٦.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) القائل هو السيوري في التنقيح الرائع ١ : ٧٢.

(٤) في «ق ، م» لا ملازمة.

٧٧

نجاسته بغير الغائط ، تعيّن الماء ، وإلا اكتفى بثلاثة غيره. (١)

ويدخل في إطلاق العبارة الحجرُ الثاني والثالث على تقدير النقاء بدونهما ، فيجوز استعمالهما مرّة أُخرى ؛ لحصول الشرط. وقطع به المصنّف في غير (٢) هذا الكتاب.

وخرج بالجافّ الرطبُ ؛ لأنّ البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة له ونفوذ شي‌ء منه إلى محلّ النجو ، فيحصل عليه نجاسة أجنبيّة ، فيكون قد استعمل الحجر النجس ، كذا قرّره المصنف في النهاية (٣) واختاره.

وردّه الشهيد رحمه‌الله ـ بأنّ النجاسة العارضة للبلل من نجاسة المحلّ ، فلا يؤثّر. وبأنّه كالماء لا ينجس حتى ينفصل. (٤) وسيأتي جوابه.

وبالصلبِ الرخوُ ، كالتراب والفحم الرخو ؛ لالتصاقه بالنجاسة ، فلا يسقط الفرض به لكن يجزئ بعده الحجر ما لم ينقل النجاسة وينشرها.

ولو اتّفق نقاء العين به هل يجزئ أم لا؟ قطع المصنّف في النهاية (٥) بعدمه. ويحتمله ؛ لحصول الفرض وإن ندر.

وكذا القول في الصقيل الذي يزلق عن النجاسة واللزج.

والمحترم أقسام ما كُتب عليه شي‌ء من كلام الله تعالى ، أو العلم ، كالحديث والفقه ، والتربة المقدّسة الحسينيّة ، وفي هذه يحكم بكفر الفاعل بها مع علمه ، فلا تتصوّر حينئذٍ الطهارة بها ، وأمّا مع جهله فالظاهر أنّها مطهّرة ، وقد صرّح به جماعة (٦) ؛ لعدم المنافاة بين التطهير وبينه ، ودليل المانع لا يتناول الجاهل بأصل هذه الأشياء.

ومن المحترم : المطعوم ؛ لأنّ له حرمةً تمنع من الاستهانة به. ولأنّ طعام الجنّ منهيّ عنه ، فطعام أهل الصلاح أولى ، ومنه العظم والروث بإجماع علمائنا وأكثر مَنْ خالفنا ؛ لقوله عليه‌السلام : لا تستنجوا بالعظم ولا بالروث فإنّه زاد إخوانكم من الجنّ. (٧)

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٨٨.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٨٩.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٨٨.

(٤) الذكرى ١ : ١٧٤.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٨٨.

(٦) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٨ عن شرح الألفية ؛ وانظر : رسائل المحقّق الكركي ٣ : ٢١٧.

(٧) سنن الترمذي ١ : ٢٩ / ١٨ ؛ المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٠ : ٧٧ / ١٠٠١٠ ؛ مسند أحمد ٢ : ٧ / ٤١٣٨.

٧٨

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّهما طعام الجنّ ، وذلك ممّا اشترطوا على رسول اللهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله. (١)

ولو استعمل هذه الأشياء ، فَعَل حراماً ، وطهر المحلّ على الأصحّ ؛ لما تقدّم. ومَنَعه المحقّق في المعتبر ، (٢) والشيخ في المبسوط (٣) وابن إدريس. (٤)

وإنّما يكتفى بالثلاثة الأحجار وشبهها مع اتّصافها بكونها (مزيلةً للعين).

ولا يشترط هنا زوال الأثر ، كالرائحة ، بخلاف الرطوبة ، قاله في الذكرى. (٥) وهو يشعر بأنّ الرائحة من الأثر.

ويشكل بأنّ الرائحة لا يعتبر إزالتها بالماء مع اشتراط إزالة الأثر به ، إلا أن يريد بذلك أنّه لا تجب إزالة الأثر بالأحجار ، كما أنّه لا تجب إزالة الرائحة بها. وهو بعيد ؛ لما عرفت من عدم اشتراط زوالها بما هو أقوى من الأحجار.

وقوله (وبين الماء) تتمّة الفردين المخيّر بينهما مع عدم التعدّي ، لكن هذا الفرد أفضل من الآخر ؛ لأنّه أقوى المطهّرين ؛ لإزالته العينَ والأثرَ.

ولمّا نزل قوله تعالى (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) (٦) الآية ، قال رسول اللهُ يا معشر الأنصار قد أحسن الله عليكم الثناء ، فماذا تصنعون قالوا : نستنجي بالماء ، (٧) وروى أنّهم قالوا : نتبع الغائط بالأحجار ثمّ نتبع الأحجار بالماء. (٨) فيكون حينئذٍ دليلاً على استحباب الجمع ، كما يأتي.

(ولو لم ينق) المحلّ من عين النجاسة (بالثلاثة ، وجب الزائد) عليها ، ولا حدّ له ، بل ما يحصل به النقاء ، لكن يستحبّ أن لا يقطع إلا على وترٍ ؛ للخبر. (٩)

ولا فرق في وجوب الزائد بين تحقّق عدم البقاء وعدم تحقّق النقاء ، فيجب مع الشكّ فيه

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٣.

(٢) المعتبر ١ : ١٣٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٧.

(٤) السرائر ١ : ٩٦.

(٥) الذكرى ١ : ١٧٠.

(٦) التوبة (٩) : ١٠٨.

(٧) التبيان ٥ : ٣٠٠ ، مجمع البيان ٥ ـ ٦ : ٧٣.

(٨) الكشّاف ٢ : ٣١١.

(٩) التهذيب ١ : ٤٥ / ١٢٦ ؛ الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٤٨ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٢١ / ٣٣٧ ؛ سنن أبي داود ١ : ٩ / ٣٥ ؛ سنن البيهقي ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨ / ٥٠٤ ـ ٥٠٧.

٧٩

حتى يتيقّن.

(ولو نقي) المحلّ منها (بالأقلّ) من الثلاثة (وجب الإكمال) لها ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جلست لحاجة فامسح ثلاث مسحات. (١)

وقول سلمان رضي‌الله‌عنه : نهانا رسول اللهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار. (٢)

وقول أبي جعفر عليه‌السلام جرت السّنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار. (٣)

واختار المصنّف في المختلف الاكتفاء بالواحد لو نقي المحلّ به ، (٤) تبعاً للمفيد (٥) وظاهر الشيخ (٦) رحمهما‌الله.

(ويكفي ذو الجهات الثلاث) على المشهور ؛ لأنّ المراد ثلاث مسحات بحجرٍ ، كما لو قيل : اضربه عشرة أسواط ، فإنّ المراد عشر ضربات ولو بسوطٍ. ولأنّ المقصود إزالة النجاسة وقد حصل. ولأنّها لو انفصلت لأجزأت فكذا مع الاتّصال ، وأيّ عاقلٍ يفرق بين الحجر متّصلاً بغيره ومنفصلاً. ولأنّ ثلاثة لو استجمروا بهذا الحجر ، لأجزأ كلّ واحد عن حجرٍ.

وفي الكلّ نظر.

أمّا الأوّل : فلأنّه ليس بين المشبّه والمشبّه به تطابق ، فإنّ قوله عليه‌السلام جرت السّنّة بثلاثة أحجار (٧) ونظائرها لا يطابق اضربه ثلاثة أسواط بل اضربه بثلاثة أسواط وفرق بين الصيغتين ؛ إذ لو كان كذلك ، لمنع أنّ المراد به ثلاث ضربات بسوط.

وقوله : إنّ المقصود إزالة النجاسة ، إن أراد إزالتها على الوجه المعتبر شرعاً ، فمسلّم ، لكنّه محلّ النزاع ؛ لعدم تحقّق نقله شرعاً ، أو مطلقاً ، فهو ممنوع ؛ لأنّها حكم شرعيّ ، فيتوقّف زوالها على الإذن الشرعيّ.

وقياس الاتّصال على الانفصال استبعاد غير مسموع ، مع أنّه لا ملازمة بينهما ؛ فإنّ

__________________

(١) أورده الشهيد في الذكرى ١ : ١٧٠ بتفاوت يسير ؛ وانظر : مسند أحمد ٤ : ٢٩١ / ١٤١٩٨.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٢٣ / ٢٦٢ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١١٥ / ٣١٦ ؛ سنن أبي داود ١ : ٣ / ٧ ؛ سنن الترمذي ١ : ٢٤ / ١٦ ؛ سنن النسائي ١ : ٣٨ ـ ٣٩ ؛ سنن البيهقي ١ : ١٨١ / ٥٤٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٠٢ ، المسألة ٦٠.

(٥) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ١ : ٩٦.

(٦) انظر : النهاية ١٠ ؛ والخلاف ١ : ١٠٤ ، المسألة ٥٠. (٧) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩.

٨٠