روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

للظهرين ، ووضوء للعشاءين كالغسل. (١)

وهذا كالتكرار لقوله قبل والوضوء لكلّ صلاة وإن كان قد يعتذر عنه بأنّ وجوب الوضوء لكلّ صلاة أعمّ من جواز الصلاة بدون الوضوء ، فإنّ مطلق الوجوب لا يقتضي الشرطيّة ، فذكره هنا تنبيهاً على الاشتراط مع الوجوب.

وما يقال من أنّ وجوب الطهارات بمعنى الشرط للصلاة أمر مشتهر غني عن الإيضاح لا يدفع أصل الاحتمال وتوهّم كونه أعمّ من الشرط ، فلا يدلّ عليه بالخصوص.

وعلى كلّ حال فليس للمستحاضة أن تجمع بين صلاتين بوضوءٍ واحد ، سواء في ذلك الفرضُ والنفلُ ، بل لا بدّ لكلّ صلاة من وضوء ، أمّا غسلها فللوقت تصلّي به ما شاءت من الفرض والنفل أداءً وقضاءً مع الوضوء لكلّ صلاة وتغيير القطنة والخرقة وغَسل المحلّ إن أصابه الدم.

ولو أرادت الصلاة في غير الوقت ، اغتسلت لأوّل الورد ، وعملت باقي الأفعال لكلّ صلاة.

وكذا القول لو أرادت صلاة الليل ، لكن يكفيها الغسل عن إعادته للصبح على ما مرّ من التفصيل.

تنبيه : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم من التعدّي بحسب الإمكان ، وقد ورد ذلك في خبر معاوية بن عمّار ، قال تحتشي وتستثفر. (٢)

والاستثفار مأخوذ من ثفر الدابّة ، يقال : استثفر الرجل بثوبه : إذا ردّ طرفه بين رِجْليه إلى معقد إزاره.

والمراد به هنا التلجّم بأن تشدّ على وسطها خرقة ، كالتكّة ، وتأخذ خرقة أُخرى وتعقد أحد طرفيها بالأُولى من قُدّام ، وتُدخلها بين فخذيها وتعقد الطرف الآخر من خلفها بالأُولى ، كلّ ذلك بعد غَسل الفرج وحشوه قطناً قبل الوضوء.

ولو احتبس الدم بالحشو خاصّة ، اقتصرت عليه ، كلّ ذلك مع عدم الضرر باحتباس الدم ، وإلا سقط الوجوب للحرج.

__________________

(١) المقنعة : ٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٨٨ ٨٩ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ١٠٦ ١٠٧ / ٢٧٧ ، و ١٧٠ / ٤٨٤.

٢٤١

وكذا يجب الاستظهار على السلس والمبطون ؛ لرواية حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان في الصلاة اتّخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه ثمّ صلّى يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذانٍ وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذانٍ وإقامتين ، ويفعل مثل ذلك في الصبح. (١)

ولاشتراك الجميع في النجاسة ، فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان ، فلو خرج الدم أو البول بعد الاستظهار والطهارة ، أُعيدت بعد الاستظهار إن كان لتقصيرٍ فيه ، وإلا فلا ؛ للحرج. ويمتدّ الاستظهار إلى فراغ الصلاة.

ولو كانت صائمةً ، فالظاهر وجوبه جميع النهار ؛ لأنّ تأثير الخارج في الغسل وتوقّف الصوم عليه يشعر بوجوب التحفّظ كذلك ، وبه قطع المصنّف. (٢)

أمّا الجرح الذي لا يرقأ وما ماثله فلا يجب شدّه ، بل تجوز الصلاة وإن كان سائلاً.

ويفارق السلس والمبطون والمجروح المستحاضةَ في عدم وجوب تغيير الشداد عند كلّ صلاة عليهم دونها ؛ لاختصاصها بالنصّ ، والتعدّي قياس لا يتمّ عندنا.

وجَعَل في الذكرى وجوب تغييره للسلل والمبطون أحوط. (٣)

(وأمّا النِّفاس) بكسر النون (فدم الولادة) مأخوذ من تنفّس الرحم بالدم ، أو من النفس التي هي الولد ؛ لخروج الدم عقيبه ، يقال : نفست المرأة ونفست بضمّ النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما ، وفي الحيض بفتح النون لا غير ، والولد منفوس. ومنه الحديث

لا يرث المنفوس حتى يستهلّ صائحاً (٤)

والمرأة نفساء بضم النون وفتح الفاء ، والجمع نِفاس بكسر النون ، مثل عشراء وعشار ، ولا ثالث لهما.

ولا خلاف عندنا في كونه دم الولادة ، فلو ولدت ولم تر دماً ، فلا نفاس بل ولا حدث ؛ لأصالة البراءة من ثبوت الأحكام المترتّبة عليه ، وعدم الدليل.

والمراد بدم الولادة ، الخارج (معها) وتصدق المعيّة بمقارنته خروج جزء ممّا يُعدّ آدمياً أو مبدأ نشوء آدميّ وإن كان مضغةً مع اليقين ، إمّا العلقة وهي القطعة من الدم الغليظ فلا ؛

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٦ ؛ التهذيب ١ : ٣٤٨ / ١٠٢١.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١٢٦.

(٣) الذكرى ١ : ٢٥٧.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٦ / ٦ نحوه.

٢٤٢

لعدم اليقين.

وألحقها المصنّف في النهاية بالمضغة مع شهادة القوابل. (١)

وقال في الذكرى : ولو فرض العلم بأنّه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل ، كان نفاساً. (٢)

وتوقّف فيه بعض المحقّقين ؛ لانتفاء التسمية. (٣)

ولا وجه له بعد فرض العلم. ولأنّا إن اعتبرنا مبدأ النشوء ، فلا فرق بينها وبين المضغة مع العلم.

نعم ، قد يناقش في إمكان العلم بذلك ، وهو خارج عن الفرض.

وتصدق المعيّة بخروج الجزء وإن كان منفصلاً ، ولو لحقه الباقي ، كان كولادة التوأمين ، فابتداء النفاس من الأوّل ، وغايته من الأخير ، وسيأتي تحقيقه.

وهذا الحكم وهو كون الخارج مع الولادة نفاساً هو المشهور ؛ لتناول إطلاق النصوص له ، وحصول المعنى المشتقّ منه فيه.

وخالف فيه السيّد المرتضى ، وخصّه بالخارج بعدها. (٤)

ولا فرق عند غيره بين الخارج معها (أو بعدها) لكنّه هنا إجماع.

وتتحقّق البعديّة بخروج الدم بعد تمام الولد أو ما هو مبدأ نشوية ، كما تقدّم.

و (لا) يتحقّق النفاس بخروج الدم (قبلها) وإن كان في زمن الطلق ، بل هو استحاضة تلحقه أحكامها إلا مع إمكان كونه حيضاً بناء على إمكان حيض الحامل ، كما هو الأصحّ.

لكن هل يشترط فيه كونه بحيث يتخلّل بينه وبين النفاس أقلّ الطهر إمّا بنقاء أو بما يحكم بكونه استحاضةً ، كالخارج بعد العادة متجاوزاً لأكثره؟ يحتمله ؛ لحكمهم بأنّ النفاس كالحيض ، ولأنّه حيض محتبس. وعدمه ؛ لعدم كون النفاس حيضاً حقيقيّا ، وعدم استلزام المشابهة اتّحاد الحقيقة وعموم الأحكام بل فيما حصلت به المشابهة ، فالمتّصل بالولادة ممّا دون العشرة استحاضة وإن كان بصفة الحيض على الأوّل ، وحيض مع بلوغه أقلَّه

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٣٠.

(٢) الذكرى ١ : ٢٥٩.

(٣) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٤٦.

(٤) جُمل العلم والعمل : ٥٧ ؛ مسائل الناصريّات : ١٧٣ ، المسألة ٦٤.

٢٤٣

فصاعداً على الثاني.

واستقرب المصنّف في النهاية الأوّل. (١)

والوجهان آتيان في الدم المتعقّب للنفاس متّصلاً به مع اتّصافه بصفة الحيض أو وقوعه في العادة أو منفصلاً من دون انقضاء أقلّ الطهر.

لكن في الأخبار الصحيحة دلالة على اشتراط تخلّل الطهر بين النفاس والحيض المتعقّب له ، فيحكم به. ويلزم مثله في الأوّل ؛ إذ لا قائل بالفرق. وفي حديث عمّار الساباطي (٢) في الطلق ما يدلّ على الأوّل أيضاً.

(ولا حدّ لأقلّه) فجاز أن يكون لحظةً باتّفاقنا ، بل يجوز عدمه أصلاً ، كالمرأة التي ولدت في عهد رسول اللهُ ، فسُمّيت [ذات (٣)] الجفوف. (٤)

وتقدير القلّة باللحظة لا يفيد التقدير ؛ لعدم انضباط زمانها ، وإنّما يذكر مبالغةً في القلّة ، كقوله عليه‌السلام تصدّقوا ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة (٥) فإنّ ذلك ليس لتقدير الصدقة المندوبة ؛ إذ لا تقدير لها شرعاً ، وإنّما يذكر ذلك مبالغةً في قبول القليل.

واختلف في أكثره.

والذي دلّت عليه الأخبار الصحيحة ما اختاره المصنّف هنا (و) هو : أنّ (أكثره عشرة أيّام للمبتدئة) في الحيض (والمضطربة) العادة فيه إمّا بنسيانها وقتاً وعدداً ، أو عدداً وإن ذكرت الوقت ، (أمّا ذات العادة المستقرّة في الحيض فأيّامها) تجعلها نفاساً ، والباقي إن اتّفق استحاضة ، كلّ ذلك مع تجاوز دمها العشرة ، وإلا فالجميع نفاس مطلقاً.

وقد نبّه المصنّف (٦) على ذلك في غير هذا الكتاب ، وفي قوله بَعدُ ولو رأت العاشر فهو النفاس من غير تفصيل إيماء إليه أيضاً ، وسيأتي توضيحه.

ويجوز لذات العادة دون العشرة الاستظهار بيوم أو يومين ، كما تقدّم في الحائض ، وقد

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٣١.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٠ / ٣ ؛ الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١١ ؛ التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦١.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) المغني لابن قدامة ١ : ٣٩٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤ / ١١.

(٦) انظر : نهاية الإحكام ١ : ١٣٢.

٢٤٤

ورد ذلك في عدّة أحاديث. (١)

ويجوز لها الاستظهار إلى تمام العشرة ، كالحائض ، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث عن الصادق. عليه‌السلام (٢) ولا اعتبار بعادة النفاس اتّفاقاً ، لقوله عليه‌السلام تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها (٣) ونحوه ، وهو صريح في عادة الحيض.

واعلم أنّ الأخبار الصحيحة لم يصرّح فيها برجوع المبتدئة والمضطربة إلى عشرة ، بل إنّما صرّح فيها بأنّه لذات العادة في الحيض عادتها ، ولكن فيها إشعار بذلك ؛ لأنّه ورد في بعضها الاستظهار إلى العشرة ، (٤) كالحائض ، فلو كان أكثره أقلّ منها ، لم يستظهر إليها.

وقال الشيخ في التهذيب : جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس عشرة ، وعليها أعمل ؛ لوضوحها عندي. (٥) وذَكَر الأخبار التي لم تصرّح إلا بالرجوع إلى العادة.

وجَعَل المصنّف في المختلف أكثره لذات العادة عادتها ؛ للأخبار المؤمى إليها ، وللمبتدئة ثمانية عشر (٦) ؛ لما روي أنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللهُ أن تغتسل لثمانية عشر ، (٧) وغيره (٨) من الأخبار. وحُملت على التقيّة.

وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه‌السلام أن سؤال أسماء كان عقيب الثمانية عشر فأمرها بالغسل ، ولو سألته قبلها لأمرها. (٩)

قال الشيخ رحمه‌الله بعد اختياره العشرة بالأخبار المعتمدة : وما فيه الزيادة عن العشرة فالكلام عليه من وجوه :

أحدها : أنّها أخبار آحاد مختلفة الألفاظ متضادّة المعاني لا يمكن العمل على جميعها ؛

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٩٩ / ٦ ؛ والتهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٦ ، و ١٧٥ / ٥٠١ ؛ والاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢١.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٥ ١٧٦ / ٥٠٢ ؛ الإستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢.

(٣) الكافي ٣ : ٩٧ ٩٨ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ ، و ١٧٥ / ٤٩٩ ؛ الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٩.

(٤) انظر : الهامش (٢).

(٥) التهذيب ١ : ١٧٤ ذيل الحديث ٤٩٨ ؛ ولا يخفى أنّ قوله : «جاءت .. عندي» من كلام الشيخ المفيد في المقنعة : ٥٧ أورده الشيخ الطوسي في التهذيب.

(٦) مختلف الشيعة ١ : ٢١٦ ، المسألة ١٥٧.

(٧) التهذيب ١ : ١٧٨ / ٥١١ ، و ١٨٠ / ٥١٥ ؛ الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١.

(٨) التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٨ ؛ الإستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥.

(٩) الكافي ٣ : ٩٨ ٩٩ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ١٧٨ ١٧٩ / ٥١٢ ؛ الاستبصار ١ : ١٥٣ ١٥٤ / ٥٣٢.

٢٤٥

لتضادّها ، ولا على بعضها ؛ لأنّه ليس بعضها بالعمل عليه أولى من بعض.

والثاني : أنّه يحتمل أن يكون خرجت مخرج التقيّة ؛ لأن كلّ مَنْ يخالفنا يذهب إلى أن أيّام النفاس أكثر ممّا نقوله ، ولهذا اختلفت ألفاظ الأحاديث كاختلاف العامّة في مذاهبهم ، فكأنّهم عليهم‌السلام أفتوا كلّ قوم منهم على حسب ما عرفوا من رأيهم ومذاهبهم.

والثالث : أنه لا يمتنع أن يكون السائل سألهم عن امرأة أتت عليها هذه الأيّام فلم تغتسل ، فأمروها بعد ذلك بالاغتسال وأن تعمل كما تعمل المستحاضة ، ولم يدلّ على أنّ ما فعلت المرأة في هذه الأيّام كان حقّا.

قال : والذي يكشف عمّا قلناه ما رواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه رفعه ، قال : سألت امرأة أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتى أفتوني بثمانية عشر يوماً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً؟

فقال الرجل : للحديث الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّ أسماء سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل المستحاضة (١) و (٢) ثمّ ساق أحاديث كثيرة تدلّ على ذلك.

وأمّا حمل المصنّف لحديث أسماء على المبتدئة (٣) فبعيد جدّاً ؛ لأنّها تزوّجت بأبي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب ، (٤) وولادتها من جعفر عدّة أولاد ، ويبعد حينئذٍ عدم حيضها في جميع هذه المدّة مع ولادتها عدّة أولاد وإن كان ذلك داخلاً في حيّز الإمكان.

(وحكمها كالحائض في كلّ الأحكام) الواجبة والمندوبة والمحرّمة والمكروهة والغسل والوضوء ؛ لأنّه في الحقيقة دم حيض احتبس (إلا) في أُمور :

الأوّل (الأقلّ) فإنّ الإجماع على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة في الجملة ، ولا حدّ لأقلّ النفاس.

الثاني : في الأكثر ؛ للخلاف في أكثره ، كما عرفت ، والاتّفاق على أكثر الحيض.

الثالث : أنّ الحيض دليل على سبق البلوغ ، بخلاف النفاس ؛ فإنّ الدلالة حصلت

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٨ ـ ٩٩ / ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٨ ١٧٩.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٢١٧ ، المسألة ١٥٧.

(٤) أُسد الغابة ٧ : ١٥١٤ / ٦٧٠٦.

٢٤٦

بالحمل ؛ لأنّه أسبق من النفاس ، فدلّ على سبق البلوغ على الوضع بستّة أشهر فما زاد. وهذا الوجه ذكره المصنّف في النهاية ، (١) وتبعه عليه في الذكرى. (٢)

وفيه نظر ؛ لأنّ دلالة الحمل عليه لا تمنع من دلالة النفاس أيضاً ؛ لإمكان اجتماع دلالات كثيرة ، فإنّ هذه الأُمور معرّفات شرعيّة لا علل عقليّة ، فلا يمتنع اجتماعها ، كما أنّ الحيض غالباً لا يوجد إلا بعد سبق البلوغ بغيره.

الرابع : أنّ العدّة تنقضي بالحيض دون النفاس غالباً ، وخرج من الغالب ما لو طُلّقت الحامل من زنا ، فإنّ النفاس حينئذٍ يُعدّ قُرءاً ، فإن رأت قُرءين في زمان الحمل ، انقضت العدّة بظهور النفاس أو انقطاعه على الخلاف ، ولو لم يتقدّمه قُرءان ، عدّ في الأقراء.

الخامس : أنّ الحائض ترجع إلى عادتها في الحيض عند التجاوز ، بخلاف النفساء ؛ فإنّها إنّما ترجع إلى عادة الحيض لا النفاس.

السادس : أنّ الحائض ترجع إلى نسائها في الحيض على بعض الوجوه ، ولا ترجع النفساء إليهنّ في النفاس إلا على رواية (٣) شاذّة.

السابع : أنّ النفساء لا ترجع إليهنّ أيضاً في الحيض إذا كانت مبتدئةً ، ولا هي والمضطربة إلى الروايات ، ولا هُما وذات العادة إلى التمييز.

الثامن : قيل : لا يشترط أن يكون بين الحيض والنفاس أقلّ الطهر سابقاً ولاحقاً ، بخلاف الحيضتين ، وقد تقدّم الكلام فيه.

التاسع : أنه لا يشترط في النفاسين أقلّ الطهر ، كما في التوأمين ، بخلاف الحيضتين أيضاً.

العاشر : في نيّة الغسل إذا أرادت تخصيص الحدث الموجب للغسل ، فإنّ هذه تنوي النفاس وتلك الحيض. فهذه اثنا عشر فرقاً ؛ لأنّ السابع يشتمل على ثلاثة.

تنبيه : ممّا يترتّب على اتّفاقهما في الأحكام غير ما ذُكر أنّ النفساء لو استُحيضت بأن تجاوز دمها العشرة ، فإن كانت مبتدئةً أو مضطربةً ، جعلتا ما بعد العشرة استحاضةً حتى يدخل الشهر المتعقّب للذي ولدتا فيه ، فترجعان في الدم الموجود في الشهر الثاني إلى

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٣٣.

(٢) الذكرى ١ : ٣٦٤.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦٢.

٢٤٧

التمييز ، ثمّ ترجع المبتدئة إلى نسائها ، ثمّ ترجعان إلى الروايات. وإن كانت ذات عادة ، جعلت بقدر عادتها في الحيض من الدم نفاساً ، والباقي استحاضةً إلى تمام طهرها المعتاد ، ثمّ ما بعده حيضاً.

اللهمّ إلا أن يتغيّر لون الدم بحيث تستفيد منه تمييزاً لا ينافي أيّام النفاس ، فتجعل أيّام التمييز حيضاً ، كما لو رأت بعد عشرة أيّام فصاعداً من انقضاء أيّام النفاس دماً أسود بعد أن كانت تراه أحمر أو دونه واستمرّ السواد ثلاثة فما زاد ولم يعبر عشرة ، إلى آخر ما ذُكر في التمييز ، فتجعل السواد حيضاً ؛ لأنّ أيّام النفاس قائمة مقام العادة في الحيض.

وقد أسلفنا في الحيض أنّ العادة تُقدّم على التمييز مع تنافيهما لا مع إمكان الجمع بينهما. وعلى ما فرضناه يمكن الجمع.

هذا كلّه مع استمرار الدم ، أمّا لو انقطع ثمّ عاد بعد مضيّ أقلّ الطهر من انقضاء النفاس ، فالعائد حيض مع إمكانه وإن كان في شهر الولادة ، فتأمّل ذلك" فقلّما يستفاد بأجمعه من كلام مجتمع مع عموم البلوى به.

(ولو تراخت ولادة أحد التوأمين) وهما الولدان في بطنٍ واحد ، يقال : هذا توأم هذا ، وهذه توأمة هذه (فعدد أيّامها من) التوأم (الثاني) لصدق الولادة عنده ، فما بعده دم الولادة قطعاً.

(وابتداؤه) أي ابتداء نفاسها (من) ولادة (الأوّل) لصدق الاسم فيه ، غايته تعدّد العلّة.

وظاهر العبارة كونهما نفاساً واحداً ، وهو مبنيّ على الغالب من تعاقب ولادتهما ، فيتّحد النفاس بحسب الصورة. وفي التحقيق لكلّ واحد نفاس مستقلّ ؛ لانفصال كلّ من الولادتين عن الأُخرى ، فإن وضعت الثاني لدون عشرة ، أمكن اتّصال النفاسين.

ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضة بين النفاسين ، حكم به ، بل يمكن فرض حيض أيضاً وإن بَعُدَ.

ويتفرّع على كونهما نفاسين ما لو ولدت الثاني لدون عشرة من ولادة الأوّل ولم تر بعد ولادة الأوّل إلا يوماً واحداً مثلاً وانقطع في باقي الأيّام المتخلّلة بينهما ، فإنّه يحكم بكونها طهراً وإن رأت بعد ولادة الثاني في العشرة وانقطع عليها ، بخلاف ما لو حكم بكونهما نفاساً واحداً كما يقتضيه ظاهر العبارة ، فإنّه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلّل بينهما

٢٤٨

نفاساً ، كما سيأتي.

وتردّد المحقّق في المعتبر في كون الدم الحاصل قبل ولادة الثاني نفاساً من حيث إنّها حامل ، ولا نفاس مع الحمل. ثمّ اختار كونه نفاساً أيضاً ؛ لحصول مسمّى النفاس فيه ، وهو تنفّس الرحم به بعد الولادة ، فيكون لها نفاسان. (١) (ولو رأت) الدم (يوم العاشر) خاصّة (فهو النفاس) لما تقدّم من أنّه متى انقطع على العشرة فما دون فالجميع نفاس كالحيض ، ولمّا كان النفاس هو الدم ولم يوجد إلا في العاشر ، كان هو النفاس خاصّة. ولو فرض رؤية العاشر وتجاوزه ، لم يتمّ ما ذُكر إلا عند مَنْ يرى أكثره عشرة مطلقاً.

أمّا على مذهب المصنّف فإنّما يحكم بكونه نفاساً مع التجاوز للمبتدئة والمضطربة ولمن عادتها عشرة ، أمّا لو كان عادتها أقلّ ، لم يكن لها نفاس إلا مع رؤيته في جزء من العادة ، فيكون هو النفاس خاصّة ، وهذا كلّه واضح وإن كانت العبارة لا تفي به.

(ولو رأته) أي العاشر (والأوّل) خاصّة (فالعشرة نفاس) كما أنّ الحائض لو رأته ثلاثة وانقطع ثمّ رأت العاشر وانقطع ، فالدمان وما بينهما حيض.

هذا مع انقطاعه على العاشر ، كما تقدّم.

ولو فرض تجاوزه العشرة ، فكذلك إن كانت مبتدئةً أو مضطربةً أو عادتها عشرة ، وإلا فنفاسها الأوّل خاصّة ، إلا أن يصادف الثاني جزءاً من العادة ، فجميع العادة نفاس ، لكن يجب عليها الاستبراء بالقطنة ، والاغتسال مع النقاء بعد الانقطاع الأوّل ، والعبادة ؛ لجواز عدم عوده ، وأصالة عدمه ، فإذا عاد في العشرة كما ذكر ، تبيّن بطلان ما فعلَت ، فتقضي صومه. وحكمها في هذا النقاء في اغتفار الوطئ والعبادة كما تقدّم في الحائض.

ويتفرّع على الحكم بكون الأوّل خاصّة نفاساً إمكان الحكم بالحيض من الثاني عشر فصاعداً إن استفادت منه تمييزاً ، أو لم تر في العاشر ورأت الثاني عشر وما بعده ثلاثة ، فإنّه يحكم بكونه حيضاً ؛ لإمكانه.

ولو فرض رؤيتها لحظةً بعد الولادة وانقطع ثمّ عاد بعد لحظة من الحادي عشر واستمرّ ثلاثة فصاعداً ولم يتجاوز العشرة ، حكم بكونها حيضاً أيضاً.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٥٧.

٢٤٩

(المقصد الرابع : في غسل الأموات)

وما يتبعه من التكفين والتحنيط والدفن ، وما يندرج فيه من غسل المسّ.

وإنّما عنون هذا المقصد بغسل الأموات ، وذكر في المقاصد السابقة ماهيّات الأسباب ؛ لاشتراك الأغسال السابقة في الماهيّة ، فاكتفى بذكرها في الجنابة ، وبحث في الباقية عن الأسباب ، بخلاف غسل الأموات ؛ لمغايرته لها في الكيفيّة والحكم ، فعنون المقصود به.

(وهو) أي غسل الأموات (فرض) واجب على الأحياء المكلّفين إجماعاً ، وفيه مع وجوبه أجر جزيل وفضل عظيم.

روى الشيخ أبو جعفر الكليني بإسناده إلى سعد الإسكاف عن الباقر قال أيّما مؤمن غسّل مؤمناً فقال إذا قلّبه : اللهمّ إنّ هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجتَ روحه منه وفرّقتَ بينهما ، فعفوك عفوك ، إلا غفر الله عزوجل له ذنوب سنة إلا الكبائر. (١)

وعنه عليه‌السلام مَنْ غسّل مؤمناً فأدّى فيه الأمانة غفر الله له ، وهو أن لا يخبر بما يرى. (٢)

وعنه عليه‌السلام فيما ناجى به موسى ربّه تبارك وتعالى : يا ربّ ما لمن غسّل الموتى؟ قال : أغسله من ذنوبه كما ولدته امّه. (٣)

ووجوبه (على الكفاية) لأعلى الأعيان ؛ لأنّ الغرض إدخاله في الوجود ، وهو يحصل بالوجوب الكفائي ، ولا غرض (٤) يتعلّق فيه بالمباشر المعيّن.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٤ / ١

(٢) الكافي ٣ : ١٦٤ / ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٤ / ٤.

(٤) في «ق ، م» : «إذ لا غرض» بدل «ولا غرض».

٢٥٠

(وكذا) القول في (باقي الأحكام) المتعلّقة بالميّت من توجيهه إلى القبلة وتكفينه وتحنيطه وحفر قبره ونقله إليه ، لا بذل الكفن والحنوط وماء الغسل ، فإنّه مستحبّ ، كما سيأتي.

والمراد بالواجب الكفائي هنا : مخاطبة كلّ مَنْ علم بموته من المكلّفين ممّن يمكنه مباشرة ذلك الفعل به استقلالاً أو منضمّاً إلى غيره حتى يعلم تلبّس مَنْ فيه الكفاية به ، فيسقط حينئذٍ عنه سقوطاً مراعىً باستمرار الفاعل عليه حتى يفرغ. ولو لا اعتبار المراعاة ، لزم عدم وجوب الفعل عند عروض مانع للفاعل عن الإكمال ، وهو باطل.

واعتبر المصنّف (١) وجماعة (٢) في [سقوط] التكليف به الظنّ الغالب ؛ لأنّ العلم بأنّ الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ولا تكليف به ، والممكن تحصيل الظنّ ، ولاستبعاد وجوب حضور جميع أهل البلد الكبير عند الميّت حتى يدفن ، ونحو ذلك.

وفرّعوا عليه : أنّه لو ظنّ قوم قيام غيرهم به ، سقط عنهم ، ولو ظنّوا عدمه ، وجب عليهم حتى لو ظنّ كلّ فرقة قيام غيرهم ، سقط عن الجميع ، كما أنّهم لو ظنّوا عدم القيام ، وجب عليهم عيناً.

ويشكل بأنّ الظنّ إنّما يقوم مقام العلم مع النصّ عليه بخصوصه أو دليل قاطع ، وما ذُكر لا تتمّ به الدلالة ؛ لأنّ تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأُمور المثمرة له.

والاستبعاد غير مسموع ، وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير به ، وامتناع نيّة الفرض من الظانّ عند إرادته المباشرة ، وبأنّ الوجوب معلوم والمسقط مظنون ، والمعلوم لا يسقط بالمظنون.

وقال بعض (٣) المحقّقين من تلامذة المصنّف : إن كان الظنّ ممّا نصبه الشارع حجّةً كشهادة العَدلَين ، جاز الاستناد في إسقاط الوجوب إليه ، وإن كان دون ذلك كشهادة الفاسق بل العدل الواحد فلا ؛ لما مرّ.

وفيه : أنّ شهادة العَدلَين إن كانت بأنّ الفعل قد وقع ، فمسلّم ، وإن كانت أنّه يقع أو

__________________

(١) مبادئ الوصول : ١٠٦ ؛ نهاية الوصول ، المقصد الرابع : في الأمر والنهي ، الفصل الرابع : في أقسام الأمر ، البحث الثاني : في الواجب على الكفاية.

(٢) منهم : المحقّق الحلّي في معارج الأُصول : ٧٥.

(٣) لم نتحقّقه.

٢٥١

تلبّس به ، فجميع ما مرّ (١) آتٍ فيه. وتنقيح هذه المسألة في الأُصول.

وفرض الغسل متحقّق (لكلّ ميّت مسلم ومَنْ هو بحكمه) كالطفل والسقط لأربعة أشهر ، والبالغ مجنوناً إذا كان أحد أبويه مسلماً ، ولقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد بحيث يمكن إلحاقه به.

وفي كون الطفل المسبيّ إذا كان السابي مسلماً ، والطفل المتخلّق من ماء الزاني المسلم بحكم المسلم فيجب تغسيله ، نظر من الشكّ في تبعيّة المسبيّ في جميع الأحكام وإنّما المعلوم تبعيّته في الطهارة ، وعدم لحوق الثاني بالزاني شرعاً. ومن إطلاق الحكم بالتبعيّة وكون الثاني ولداً لغةً فيتبعه في الإسلام كما يحرم نكاحه.

أمّا البالغ المُظهر للإسلام فإنّه يغسّل قطعاً ؛ لصحّته منه.

ويدخل في الكلّيّة جميع فِرَق المسلمين ، فيجب تغسيل الميّت منهم وإن كان مخالفا للحقّ (عدا الخوارج) وهُم أهل النهروان ومَنْ دان بمقالتهم ، وتطلق هذه الفرقة على مَنْ كفّر عليّاً عليه‌السلام ، والموجود منهم مَنْ ذُكر (والغلاة) جمع غالٍ ، وهو من اعتقد إلهيّة أحدٍ من الناس ، والمراد هنا : من اعتقد إلهيّة عليّ عليه‌السلام ، واستثناؤهم من المسلمين باعتبار تستّرهم بظاهر الإسلام ، وإلا فليسوا منه على شي‌ء ، وكان انقطاع الاستثناء بالنسبة إليهم أولى.

وكذا يجب استثناء كلّ مَنْ حُكم بكفره من المسلمين ، كالنواصب والمجسّمة ، بل كلّ مَنْ قال أو فَعَل ما يقتضي كفره منهم. وترك ذلك خلل في العبارة.

وخرج بالمسلم أنواع الكفّار ممّن لا ينتحل الإسلام ، وأولادهم يتبعونهم في ذلك ، ولا فرق بين القريب منهم والبعيد والزوجة وغيرها.

ولا ريب في عدم جواز تغسيل مَنْ ذُكر وإن كان الاستثناء في العبارة إنّما دلّ على نفي الوجوب.

وكما يحرم تغسيلهم يحرم باقي الأفعال من التكفين والدفن والصلاة ؛ للآية (٢) ؛ ولقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ). (٣)

ولأنّ ذلك إكرام لا يصلح للكافر.

__________________

(١) في «م» : «مضى» بدل «مرّ».

(٢) التوبة (٩) : ٨٤.

(٣) المائدة (٥) : ٥١.

٢٥٢

ولرواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن النصراني يموت مع المسلمين

لا يغسّله ولا كرامة ، ولا يدفنه ، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه. (١)

وجوّز المرتضى مواراته إذا لم يكن له مَن يواريه ؛ لئلا يضيع. (٢)

(ويُغسّل المخالف غُسلَه) إن أراد المؤمن تغسيله إمّا لتعيّنه عليه أو لا ، على كراهة في الثاني.

والمراد بغسله الثابتُ في مذهبه. ولو لم يعرف كيفيّة الغسل عندهم ، جاز تغسيله غسل أهل الحقّ.

ومنع المفيد من تغسيله إلا لضرورة ، كتقيّة ، فيغسّله غسل أهل الخلاف ، ولا يترك معه جريدة. (٣)

وعلّله الشيخ في التهذيب : بأنّ المخالف للحقّ كافر ، فيجب أن يكون حكمه حكمهم إلا ما خرج بالدليل ، والكافر لا يجوز تغسيله. (٤) ونحوه قال ابن البرّاج (٥).

ولا يخفى أنّ المراد بالمخالف غير الناصبي وما ماثله.

والمشهور : الجواز على كراهية.

(ويجب) على مَنْ حضر عند المريض ، بل على مَنْ سمع به (عند الاحتضار) وهو السَّوق سُمّي به ؛ لحضور المريض الموت ، أو لحضور إخوانه وأهله عنده ، أو لحضور الملائكة عنده لقبض روحه (توجيهه إلى القبلة).

وكيفيّته أن يوضع (على ظهره) ويجعل باطن قدميه إلى القبلة (بحيث لو جلس كان مستقبلاً) لها.

والحكم بوجوب الاستقبال هو المشهور خبراً وفتوى.

ومستنده من الأخبار السليمة دلالةً وسنداً ما رواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٩ / ١٢ ؛ الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٧ ؛ التهذيب ١ : ٣٣٦٣٣٥ / ٩٨٢.

(٢) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٢٨.

(٣) المقنعة : ٨٥.

(٤) التهذيب ١ : ٣٣٥.

(٥) المهذّب ١ : ٥٦.

٢٥٣

يقول إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلاً بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة. (١)

وأمّا غيره من الأخبار التي استدلّ بها على الوجوب فلا تخلو من شي‌ء إمّا في السند أو في الدلالة إمّا لعدم التصريح بالأمر أو لوروده في واقعة معيّنة.

وعلّل في بعضها : بأنه إذا استقبل به أقبلت عليه الملائكة روي ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قاله في هاشميّ كان في السَّوق. (٢)

واختار الشيخ في الخلاف الاستحباب ، (٣) وتبعه في المعتبر ناقلاً عن سائر الجمهور ، خلا سعيد بن المسيّب ، فإنّه أنكره مستضعفاً للروايات الدالّة على الوجوب. ولأنّ التعليل في الرواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كالقرينة الدالّة على الفضيلة ، مع أنّه أمر في واقعةٍ. (٤)

ونحن قد ذكرنا ما هو المستند.

وقد تقدّم أنّ فرض الاستقبال به كفاية ، كباقي أحكامه.

ويسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة ؛ لعدم إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى الجهات المختلفة. واحتمله في الذكرى. (٥)

والأولى عود ضمير «توجيهه» إلى المسلم ومَنْ في حكمه المذكور سابقاً ليفيد اختصاص الحكم به ، كما هو الواقع ، لا إلى الميّت ؛ لاحتياجه حينئذٍ إلى التقييد.

ولا فرق بين الصغير والكبير في هذا الحكم ؛ للعموم.

ولقد كان ينبغي اختصاص الحكم بوجوب الاستقبال بمن يعتقد وجوبه ، فلا يجب توجيه المخالف إلزاماً له بمذهبه ، كما يغسّل غسله. ويقتصر في الصلاة عليه على أربع تكبيرات.

وهل يسقط الاستقبال بالموت ، أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن؟ كلّ محتمل.

ووجه الثاني : عموم الأمر ، وعدم ذكر الغاية ، وينبّه عليه ذكره حال الغسل في الخبر السابق ، (٦) ووجوبه حال الصلاة والدفن وإن اختلفت الهيئة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٧ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ٢٨٦ / ٨٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢.

(٣) الخلاف ١ : ٦٩١ ، المسألة ٤٦٦.

(٤) المعتبر ١ : ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٥) الذكرى ١ : ٢٩٦.

(٦) أي خبر سليمان بن خالد ، المتقدّم آنفاً.

٢٥٤

وفي الذكرى : أنّ ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن يموت إلى القبلة. قال : وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال. (١)

وفي استفادة سقوط الاستقبال بموته منها نظر.

(ويستحبّ التلقين) للمحتضر (بالشهادتين والإقرار بالأئمّة ، وكلمات الفرج).

والمراد بالتلقين التفهيم ، يقال : غلام لقن ، أي : سريع الفهم.

فعن الصادق عليه‌السلام ما من أحدٍ يحضره الموت إلا وكّل به إبليس من شياطينه مَن يأمره بالكفر ، ويشكّكه في دينه حتى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه ؛ فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله حتى يموت. (٢)

وفي رواية

يلقّنه كلمات الفرج والشهادتين ، ويسمّي له الإقرار بالأئمّة واحداً بعد واحد حتى ينقطع منه الكلام. (٣)

وعن أبي بكر الحضرمي : أنّه لقّن رجلاً الشهادتين ، والإقرار بالأئمّة رجلاً رجلاً ، فرئي الرجل بعد وفاته ، فقال : نجوت بكلمات لقّنيهنّ أبو بكر ، ولو لا ذلك كدت أهلك ، في حديثٍ (٤) طويل.

وقال الصادق عليه‌السلام [اعتقل لسان (٥)] رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : قل : لا إله إلا الله ، فلم يقدر عليه ، فأعاد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل أُمّ؟ فقالت : نعم يا رسول الله أنا امّه ، فقال لها : أراضية أنتِ عنه أم لا؟ فقالت : بل ساخطة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي أُحبّ أن ترضي عنه ، فقالت : قد رضيتُ عنه لرضاك يا رسول الله ، فقال له : قل : لا إله إلا الله ، فقال : لا إله إلا الله ، فقال : قل : يا مَن يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير إنّك أنت العفوّ الغفور ، فقالها ، فقال له : ماذا ترى؟ قال : أسودين قد دخلا عليّ ، قال : فأعدها ، فأعادها ، فقال :

__________________

(١) الذكرى ١ : ٢٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٣ / ٦ ؛ الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٣ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٤ ذيل الحديث ٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / ٤.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة و «ق ، م» : «اعتلّ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٥٥

ما ترى؟ قال : قد تباعدا عنّي ودخل الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ، ودنا الأبيضان منيّ فأخذا نفسي ، فمات من ساعته. (١)

ولا بدّ من متابعة المريض بلسانه وقلبه إن أمكن ، وإلا عقد بها قلبه ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنّة». (٢)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن كان آخر قوله عند الموت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلا هدمت ما قبلها من الخطايا والذنوب ، فلقّنوها موتاكم فقيل : يا رسول الله كيف هي للأحياء؟ قال هي أهدم وأهدم. (٣)

وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فلقّنه كلمات الفرج إلى قوله (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فقالها ، فقال الحمد لله الذي استنقذه من النار. (٤)

وينبغي أن يكون ذلك من الملقّن بلطف ومداراة من غير تكرار يوجب الإضجار. وليكن آخره لا إله إلا الله.

(ونقله إلى مصلاه) وهو الموضع الذي أعدّه في بيته للصلاة ، أو الذي كان يكثر فيه الصلاة أو عليه إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع لا مطلقاً وإن كانت العبارة تحتمله ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «إذا عسر على الميّت موته قرّب إلى مصه الذي كان يصلّي فيه». (٥)

وفي حديث زرارة قال إذا اشتدّ عليه النزع ، فضعه في مصه الذي كان يصلّي فيه أو عليه. (٦)

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ أبا سعيد الخدريّ قد رزقه الله هذا الرأي وأنّه اشتدّ نزعه ، فقال : احملوني إلى مصي ، فحملوه فلم يلبث أن هلك. (٧)

وفي حديثٍ آخر عنه عليه‌السلام أنّ أبا سعيد الخدريّ كان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٥٠.

(٢) الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٤٨ ؛ أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ٥.

(٣) ورد نحوه في المحاسن : ١ : ١٠٢ ١٠٣ / ٧٨ ؛ وثواب الأعمال : ١٦ / ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٤ / ٩ ؛ الفقيه ١ : ٧٧ ٧٨ / ٣٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٢٥ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٦.

(٦) الكافي ٣ : ١٢٦ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٧.

(٧) الكافي ٣ : ١٢٦ / ٤.

٢٥٦

مستقيماً فنزع ثلاثة أيّام فغسّله أهله ثمّ حمل إلى مصه فمات فيه. (١)

(والتغميض) لعينيه بعد موته معجّلاً ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا حضرتم موتاكم فأغمِضوا البصر ، فإنّ البصر يتبع الروح». (٢)

ولأنّ فتح عينيه يقبح منظره ، ويجوزمعه دخول الهوامّ إليهما ، وبعد الإغماض يشبه النائم.

(وإطباق فيه) بعده كذلك ؛ للاتّفاق عليه ، ولئلا يقبح منظره بدونه وتدخل الهوامّ إلى بطنه.

وكذا يستحبّ شدّ لحييه بعصابة ؛ لأمر الصادق عليه‌السلام به في ابنٍ له ، (٣) وفَعَله في ابنه إسماعيل. (٤)

ولئلا تسترخي لحياه فينفتح فوه ويلزم ما تقدّم.

(ومدّ يديه) إلى جنبيه وساقيه إن كانتا منقبضتين ، ذكره الأصحاب.

قال المحقّق في المعتبر : ولم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم‌السلام ، ولعلّ ذلك ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج. (٥)

(وتغطيته بثوب) لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سُجّي بحِبَرَة. (٦) وغطّى الصادق عليه‌السلام ابنه إسماعيل بملحفة (٧). ؛ ولأنّ فيه ستراً للميّت وصيانةً.

(والتعجيل) لتجهيزه ؛ للإجماع.

ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عجّلوا بهم إلى مضاجعهم. (٨)

وقوله عليه‌السلام إذا مات الميّت لأوّل النهار ، فلا يقيل (٩) إلا في قبره. (١٠)

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٥ / ١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٨ / ١٤٥٥ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٠٧ / ١٦٦٨٦ ؛ المعجم الكبير للطبراني ٧ : ٢٩١ / ٧١٦٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢.

(٥) المعتبر ١ : ٢٦١.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦٥١ / ٩٢٤ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٥٤١ / ٦٦١٢.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢.

(٨) الكافي ٣ : ١٣٧ / ١ ؛ الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٩ ؛ التهذيب ١ : ٤٢٧ ٤٢٨ / ١٣٥٩.

(٩) القائلة : الظهيرة. القيلولة : نومة نصف النهار. لسان العرب ١١ : ٥٧٧ ، «ق ى ل».

(١٠) الكافي ٣ : ١٣٨ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٠.

٢٥٧

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرامة الميّت تعجيله. (١)

وقد ورد استحباب إيذان إخوان الميّت بموته ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يموت منكم أحد إلا آذنتموني. (٢)

وقول الصادق عليه‌السلام ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميّت يشهدون جنازته ويصلّون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر وللميّت الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار. (٣)

ولو كان حوله قرى ، اوذنوا ، كما فعل الصحابة من إيذان قرى المدينة لمّا مات رافع بن خديج. (٤)

وينبغي مراعاة الجمع بين السّنّتين ، فيؤذن من المؤمنين والقرى مَن لا ينافي التعجيل عرفاً.

ولو نافى إعلام بعضهم تعجيله على وجهٍ لا يلزم منه فساد الميّت ولا تشويه خلقته ، ففي تقديم أيّهما نظر. ولعلّ مراعاة التعجيل أولى ؛ جمعاً بينه وبين أصل سنّة الإيذان ، بخلاف ما لو انتظر الجميع ، فإنّ سنّة التعجيل تفوت ، أمّا لو استلزم الانتظار وقوع أحد الوصفين بالميّت ، فلا ريب في تضيّق وجوب التعجيل.

(إلا مع الاشتباه) فلا يجوز التعجيل فضلاً عن رجحانه ، بل يرجع إلى الأمارات ، أو يصبر عليه ثلاثة أيّام إلا أن يتغيّر قبلها لئلا يعان على قتل امرئ مسلم ؛ لقول الصادق عليه‌السلام خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيّروا : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخّن. (٥)

وعنه عليه‌السلام وقد سئل كيف يستبرأ الغريق؟

يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن إلا أن يتغيّر فيغسّل ويدفن. (٦)

وروى عن الكاظم عليه‌السلام أنّ أُناساً دُفنوا أحياءً ما ماتوا إلا في قبورهم. (٧)

قال المصنّف في النهاية : شاهدت واحداً في لسانه وقفة فسألته عن سببها ، فقال :

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٨.

(٢) المستدرك للحاكم ٣ : ٥٩١.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٦ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٤٥٢ / ١٤٧٠.

(٤) انظر : سنن البيهقي ٤ : ١٢٤ / ٧١٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٠ / ٥ ؛ التهذيب ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٩٨٨.

(٦) التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩٠.

(٧) الكافي ٣ : ٢١٠ / ٦ ؛ التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩١.

٢٥٨

مرضت مرضاً شديداً واشتبه الموت ، فغُسّلتُ ودُفنتُ في أزج ، (١) ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد ليلة أو ليلتين إمّا زوجته أو امّه أو أُخته أو ابنته ، فتنوح عنده ساعة ثمّ تطبق عليه هكذا يومين أو ثلاثة ، ففتح عليّ فعطست ، فجاءت أُمّي بأصحابي فأخذوني من الأزج ، وذلك منذ سبع عشرة سنة. (٢)

والمراد بالأمارات نحو : انخساف صُدغيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع كفّه من ذراعه ، واسترخاء قدميه ، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.

قيل : ومنه زوال النور من بياض العين وسوادها ، وذهاب النفس وزوال النبض. (٣)

ونقل في الذكرى عن جالينوس : أنّ أسباب الاشتباه : الإغماء ، ووجع القلب ، وإفراط الرعب أو الغمّ أو الفرح أو الأدوية المخدّرة ، فيستبرأ بنبض عروق بين الأُنثيين ، أو عِرق يلي الحالب (٤) والذكر بعد الغمز الشديد ، أو عِرق في باطن الألية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر ، ومنع الدفن قبل يوم وليلة إلى ثلاثة. (٥)

واعلم أنّ الاستحباب في هذه المواضع كفائيّ ، فلا يختصّ بالوليّ وإن كان الأمر فيه آكد ، وفي بعض الأخبار وعبارات الأصحاب ما يدلّ على اختصاصه بذلك.

(ويكره طرح الحديد على بطنه) ذكر ذلك الشيخان (٦) وجماعة (٧) من الأصحاب.

قال الشيخ في التهذيب : سمعناه مذاكرةً من الشيوخ رحمهم‌الله. (٨)

واحتجّ في الخلاف على الكراهية بإجماعنا. (٩)

وكما يكره طرح الحديد عليه يكره غيره أيضاً ، ذكره المصنّف (١٠) وجماعة.

__________________

(١) الأَزَجُ : بيت يُبنى طولاً. لسان العرب ٢ : ٢٠٨ ، «أزج».

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٢١٨.

(٣) القائل هو ابن الجنيد كما في الذكرى ١ : ٢٩٩.

(٤) الحالبان : عِرْقان يبتدّان الكُلْيتين من ظاهر البَطْن. وهُما أيضاً عِرْقان أخضران يكتنفان السّرّة إلى البطن. لسان العرب ١ : ٣٣٣ ، «ح ل ب».

(٥) الذكرى ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٦) المقنعة : ٧٤ ، المبسوط ١ : ٧٤ ؛ الخلاف ١ : ٦٩١ ، المسألة ٤٦٧.

(٧) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٣٦ ؛ وسلار في المراسم : ٤٧ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٥٤ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ٦٢ ؛ والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٨ ؛ والعِمة الحلّي في نهاية الإحكام ٢ : ٢١٦.

(٨) التهذيب ١ : ٢٩٠.

(٩) الخلاف ١ : ٦٩١ ، المسألة ٤٦٧.

(١٠) نهاية الإحكام ٢ : ٢١٦ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٣٤٢ ، المسألة ١١٣.

٢٥٩

وقال ابن الجنيد : يضع على بطنه شيئاً يمنع من رَبوها. (١) ـ (٢) والإجماع على خلافه.

(وحضور الجنب والحائض عنده) لثبوت النهي (٣) عنه في الأخبار ، وفي بعضها أنّ الملائكة تتأذّى بذلك. (٤)

والظاهر اختصاص الكراهة بزمان الاحتضار إلى أن يتحقّق الموت ؛ لأنّه وقت حضور الملائكة.

ولقول الصادق عليه‌السلام لا تحضر الحائض الميّت ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله. (٥)

وقال عليّ بن أبي حمزة للكاظم عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حدّ الموت ، فقال لا بأس أن تُمرّضه ، فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتتنحّ عنه وعن قربه ، فإنّ الملائكة تتأذّى بذلك. (٦)

ويحتمل استمرار كراهة الحضور. والكراهة في الحائض مستمرّة حتى تطهر وتغتسل.

وهل تزول في الجنب بالتيمّم عند تعذّر الغسل ، وفيها بعد الانقطاع مع تعذّره؟ نظر : من إباحته ما هو أقوى من ذلك كالصلاة. ومن أنّ التيمّم لا يرفع الحدث عنهما ، وأنّه لا يشترط في صدق المشتقّ بقاء المعنى المشتقّ منه عندنا ، فيطلق عليهما «حائض» و «جنب» معه (٧) بل بعد الغسل ، لكن خرج ما بعده بالإجماع ، فيبقى الباقي.

(وأولى الناس بغسله) بل بجميع أحكامه (أولاهم بميراثه) لعموم (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.) (٨) ولقول عليّ عليه‌السلام يغسّل الميّت أولى الناس به. (٩)

__________________

(١) الرّبْوُ : الارتفاع. الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ ، «ر ب ا».

(٢) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٢٦٤.

(٣) انظر : الهامش (٥).

(٤) انظر : الهامش (٦).

(٥) التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٣٨ (باب الحائض تمرّض المريض) الحديث ١ ؛ التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦١.

(٧) أي : مع التيمّم.

(٨) الأنفال (٨) : ٧٥.

(٩) التهذيب ١ : ٤٣١ / ١٣٧٦.

٢٦٠