روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

وجمع الأكثر بين الأخبار بالتفصيل لأنّ اختلاف الأحاديث يقتضي اختلاف الحكم ، صوناً لها عن التناقض ، والوضوء مخفّف الحكم ، والغسل مثقّلة ، فتكون الضربة للوضوء لأنّه أخفّ.

قال في الذكرى : وليس التخيير بذلك البعيد إن لم يكن إحداث قول ، أو تحمل المرّتان على الندب ، كما قاله المرتضى ، واستحسنه في المعتبر. (١)

واعلم أنّه على القول المشهور لا تجزئ ضربة في بدل الغسل قطعاً ، وهل تجزئ في بدل الوضوء ضربتان؟ ظاهر كلامهم : عدم مشروعيّة الثانية ، فيأثم بها ، لكن لا يبطل التيمّم ، إلا أن يخرج بها عن الموالاة.

(ويجب الترتيب) فيه بين الأعضاء كما وقع في الذكر : يبدأ بالضرب ثمّ يمسح الجبهة ثمّ اليد اليمنى ثمّ اليسرى للإجماع نَقَله المصنّف في التذكرة ، (٢) وغيرُه ، (٣) وللأخبار ، (٤) فلو أخلّ به ، استدرك ما يحصل معه الترتيب إن لم يطل الزمان كثيراً بحيث يفوّت الموالاة ، وإلا وجب الاستئناف من رأس.

ولم يذكر المصنّف وجوب الموالاة ، ولا بدّ منه ، وقد صرّح به في التذكرة ، (٥) وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب. (٦)

ويدلّ عليه العطف بـ «الفاء» في قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا .. فَامْسَحُوا) (٧) لدلالتها على التعقيب بغير مهلة في مسح الوجه بعد تيمّم الصعيد الذي هو قصده والضرب عليه ، فيلزم فيما عدا ذلك من الأعضاء لعدم القائل بالفصل. وللمتابعة في التيمّم البياني عن النبيّ وأهل بيته عليهم‌السلام ، فيجب التأسّي. والأولى الاستناد إلى الإجماع.

والمراد بالموالاة هنا هي المتابعة عرفاً ، ولا يضرّ التراخي اليسير الذي لا يخلّ بصدق التوالي عرفاً لعسر الانفكاك منه.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٢٦٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٨٨ ٣٨٩ ، وفيهما حكاية قول السيّد المرتضى عن شرح الرسالة له.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٩٦ ، المسألة ٣٠٨.

(٣) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٩٢.

(٤) منها ما في الكافي ٣ : ٦٢ / ٤ ؛ والتهذيب ١ : ٢٠٧ / ٥٩٨ ؛ والاستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩١.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٩٧ ، المسألة ٣٠٩.

(٦) الذكرى ٢ : ٢٦٧.

(٧) المائدة (٥) : ٦.

٣٤١

ولو أخلّ بها ، فالظاهر البطلان وفاءً لحقّ الواجب.

ويحتمل الصحّة وإن أثم لصدق التيمّم مع عدمها. وهو ضعيف.

(و) كذا يجب (الاستيعاب) للأعضاء الممسوحة بالمسح ، وقد عُلم ذلك من التحديد المتقدّم ، ولا خلاف في وجوب استيعاب ما ذُكر ، إنّما الخلاف في الزائد عليه.

وأمّا الأعضاء الماسحة فلا يجب استيعابها بحيث يمسح بجميع بطن الكفّ للأصل.

ولقول الباقر عليه‌السلام في قصّة عمّار ثمّ مسح جبينه بأصابعه. (١)

(ولا يشترط فيه) أي في التيمّم (ولا في الوضوء طهارة) بدن المتطهّر (غير) أعضاء الطهارة ، التي هي (محلّ الفرض من) النجاسة (العينيّة) الخبثيّة.

أمّا الوضوء : فظاهر لجوازه مع السعة ، فيمكن إزالة النجاسة بعد الوضوء في الوقت.

وكذا القول في التيمّم مع القول بجوازه مع السعة مطلقاً أو بالتفصيل كما هو مذهب المصنّف في أكثر كتبه (٢) إذا كان التيمّم لعذرٍ غير مرجوّ الزوال في الوقت.

وأمّا على القول بمراعاة التضيّق أو كان العذر مرجوّ الزوال فيحتمل وجوب تقديم إزالة النجاسة على التيمّم ليتحقّق الضيق إذ لا بدّ على تقدير تقديم التيمّم من زيادة الوقت على وقت التيمّم والصلاة لاستلزام إزالة النجاسة وقتاً ، فيلزم وقوع التيمّم في السعة. واختاره الشيخ في النهاية (٣) والمحقّق في المعتبر. (٤) ويحتمل جواز تقديم التيمّم بناءً على أنّ المراد بالضيق غلبة ظنّ المكلّف بمساواة ما بقي من الوقت للصلاة وشروطها ، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن من جملة الشروط ، فيجب أن يستثني وقته مع وقت الصلاة ، ولا ينافي (٥) التضيّق على القول به ، كستر العورة واستقبال القبلة ، وهذا هو الظاهر من إطلاق عبارة الكتاب.

ويظهر من الذكرى أنّه لا خلاف في عدم وجوب تحصيل القبلة والساتر قبل التيمّم. (٦)

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٢.

(٢) منها : قواعد الأحكام ١ : ٤ ؛ ونهاية الإحكام ١ : ٢١٧.

(٣) النهاية : ٥٠.

(٤) المعتبر ١ : ٣٩٤.

(٥) في «ق ، ك» : «فلا ينافي».

(٦) الذكرى ٢ : ٢٦٨.

٣٤٢

فإن تمّ ذلك ، لم يكن بدّ من جواز تقديم التيمّم على إزالة النجاسة ؛ لعدم الفرق بين مقدّمات الصلاة.

واعلم أنّ إطلاق الطهارة في العبارة على إزالة النجاسة مجاز مشهور لأنّها حقيقة في أحد الثلاثة ، كما تقدّم.

(ولو أخلّ بالطلب) حتى ضاق الوقت وتيمّم وصلّى (ثمّ وجد الماء مع أصحابه) الباذلين (أو في رحله ، أعاد) الصلاة.

ولو استمرّ الحال مشتبهاً ، لم يُعد لسقوط السعي بالضيق.

وإطلاق الإعادة على القضاء مع ظهور خلل في الأداء غير مشهور خصوصاً عند المصنّف فإنّه يخصّ الإعادة في كتبه الأُصوليّة (١) بفعل الشي‌ء ثانياً في وقته. نعم ، هو مصطلح لبعض الأُصوليّين.

ولو كانت الصلاة مع ظنّ الضيق ثمّ تبيّن السعة ووجد الماء ، فكذلك.

وإطلاق الإعادة تامّ عند الجميع ، وإنّما يقع التكلّف في استعمال لفظ «الإعادة» في القضاء على ما قيّدنا به العبارة ، ولو لا التقييد ، كانت مستعملةً في بابها.

ومستند الحكم خبر مرويّ عن الصادق. (٢) عليه‌السلام وضعفه منجبر بالشهرة ، كما نبّه عليه في الذكرى. (٣)

وفي حكم الرحل والأصحاب ما لو وجد في الغلوات لأنّ مناط الإعادة وجدانه في محلّ الطلب.

وإنّما قيّدنا المسألة بالضيق تبعاً للرواية وفتوى الأصحاب. ولأنّه لو تيمّم كذلك مع السعة ، بطل تيمّمه وصلاته وإن لم يجد الماء بعد ذلك لمخالفة الأمر وإن جوّزنا التيمّم مع سعة الوقت بعد الطلب.

وإنّما أطلق المصنّف الحكم ولم يقيّد بالضيق كما قيّده في غير هذا الكتاب (٤) ؛ لما أسلفه

__________________

(١) منها : مبادئ الوصول إلى علم الأُصول : ٨٦ ، ونهاية الوصول إلى علم الأُصول ، المقصد الأوّل : في المقدّمات ، الفصل السابع : في تقسيم الحكم ، البحث الخامس : في القضاء والأداء والإعادة.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ / ١٠ ؛ التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٦ ، وفيهما مضمراً ؛ وفي جامع المقاصد ١ : ٤٦٧ عن الإمام الصادقُ.

(٣) الذكرى ١ : ١٨٣.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٢٢ ؛ نهاية الإحكام ١ : ١٨٦.

٣٤٣

فيه من اعتبار التضيّق (١) في فعل التيمّم مطلقاً.

ولو جعلنا الأولويّة للاستحباب ، فلا بدّ من تقييد العبارة هنا بالضيق لئلا تتناول الصحّة مع السعة حيث لا يتحقّق وجود الماء على ذلك الوجه.

واعلم أنّ الأصل يقتضي عدم وجوب إعادة الصلاة مع مراعاة التضيّق وإن أساء بترك الطلب لإيجابه الانتقال إلى طهارة الضرورة. لكن لا سبيل إلى ردّ الحديث (٢) المشهور ومخالفة الأصحاب ، فإنّهم بين موجب للإعادة مطلقاً ، كالشيخ (٣) رحمه‌الله حيث حكم بأنّه مَنْ أخلّ بالطلب وتيمّم وصلّى فتيمّمه وصلاته باطلان للمخالفة ، ولم يقيّد بالسعة ، وبين موجب للإعادة على تقدير ظهور الماء على الوجه المذكور ، وهُم المصنّف والجماعة العاملين بمقتضى الخبر.

ويتفرّع على ذلك ما لو كان الماء موجوداً عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة به والصلاة ، فهل يتيمّم ويؤدّي ، أم يتطهّر به ويقضي؟ ظاهر إطلاق الشيخ (٤) بطلان التيمّم والصلاة قبل الطلب للفاقد يقتضي الثاني بطريق أولى. وبه صرّح المحقّق بل بما هو أبلغ منه حيث قال : مَنْ كان الماء قريباً منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت ، لم يجز التيمّم ، ويسعى إليه لأنّه واجده. (٥)

واختار المصنّف في المنتهي (٦) والتذكرة الأوّل ، قال فيها بعد حكاية هذا الفرع : الوجه عندي وجوب التيمّم لتعذّر استعماله. نعم ، لو تمكّن من استعماله و [أداء (٧)] وركعة ، لم يجز التيمّم. (٨)

وفرّق المحقّق الشيخ علي بين ما لو كان الماء موجوداً عنده بحيث يخرج الوقت لو استعمله وبين مَنْ كان الماء بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت ، فأوجب الطهارة

__________________

(١) في «م» : «الضيق».

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ / ١٠ ؛ التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٦.

(٣) النهاية : ٤٨.

(٤) النهاية : ٤٨.

(٥) المعتبر ١ : ٣٦٦.

(٦) منتهى المطلب ٣ : ٣٨.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٨) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، المسألة ٢٩١.

٣٤٤

المائيّة على الأوّل دون الثاني ، مستنداً إلى انتفاء شرط التيمّم وهو عدم الوجدان في الأوّل ، وعدم صدق الوجدان في الثاني. (١)

وأنت خبير بأنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم وفي الآية (٢) فعلاً أو قوّةً ، ولهذا يجب على الفاقد الطلبُ والشراء لصدق الوجدان. ولو كان المراد بالوجدان بالفعل ، لم يجب عليه ذلك لأنّه تعالى شرط في جواز التيمّم عدم الوجدان ، فلا يتمّ حينئذٍ ما ذكره من الفرق لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعاً ، فلا بدّ من الحكم باتّفاقهما إمّا بالتيمّم كما ذكره المصنّف ، أو بالطهارة المائيّة كما ذكره المحقّق.

وقريب من ذلك ما لو ضاق الوقت عن إزالة النجاسة وستر العورة.

(ولو عدم الماء والتراب) الطاهرين وما في حكم التراب من غبار ووحل (سقطت) الصلاة (أداءً وقضاءً).

أمّا سقوطها أداءً : فهو ظاهر الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفاً لأنّ الطهارة شرط للصلاة مطلقاً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا صلاة إلا بطهور (٣) وقد تعذّر فيسقط التكليف به لامتناع التكليف بما ليس بمقدور ، ويلزم من سقوط التكليف بالشرط سقوط التكليف بالمشروط ، وإلا فإن بقي الاشتراط ، لزم تكليف ما لا يطاق ، وإن انتفى ، خرج المشروط المطلق عن كونه مشروطاً مطلقاً ، وهو باطل.

وأمّا القضاء : ففيه قولان :

أحدهما وهو الذي اختاره المصنّف : سقوطه لانتفاء المقتضي لوجوبه ، فإنّ القضاء إنّما يجب بأمرٍ جديد على أصحّ القولين للأُصوليّين ، ولم يثبت الأمر في المتنازع. ولأنّ الأداء لم يتحقّق وجوبه فلا يجب القضاء.

وفي الدليلين ضعف.

أمّا الأوّل : فلثبوت الأمر الجديد في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ فاته فريضة (٤) وسيأتي تحقيقه.

وأمّا الثاني : فلعدم الملازمة بين وجوب الأداء والقضاء وجوداً وعدماً.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٤٦٧.

(٢) النساء (٤) : ٤٣ ؛ المائدة (٥) : ٦.

(٣) التمهيد لابن عبد البر ٨ : ٢١٥.

(٤) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

٣٤٥

والثاني واختاره الشهيد (١) رحمه‌الله : وجوب القضاء لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (٢) وهو شامل لصورة النزاع لأن «مَنْ» من أدوات العموم.

وأُجيب : بأنّ المراد : مَنْ فاتته فريضة يجب عليه أداؤها فليقضها إذ مَنْ لا يجب عليه الأداء لا يجب عليه القضاء ، كالصبي والمجنون. (٣)

ويؤيّده أنّ الفريضة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي مفروضة ، وهي الواجبة.

ويبعد أن يراد وجوبها على غيره بأن يكون التقدير : مَنْ فاتته صلاة مفروضة على غيره لأنّ ذلك خلاف الظاهر من حيث إنّ المتبادر غيره ، وأنّه يحتاج إلى زيادة التقدير.

وفيه نظر لأنّ القضاء قد يجب على مَنْ لا يجب عليه الأداء ، كما في النائم وشارب المُرقد ، فإنّ القضاء يتبع سبب الوجوب كالوقت مثلاً ، لا الوجوب ، كما حقّق في الأُصول.

وأمّا استفادته من الفريضة فبعيد لأنّ هذا اللفظ قد صار علماً على الصلوات المخصوصة التي من شأنها أن تكون مفروضةً مع قطع النظر عمّن فُرضت عليه. ألا ترى كيف يطلقون عليها هذا الاسم من غير نظر إلى الفاعل ، فيقولون الصلوات المفروضة حكمها كذا ، وعددها كذا وصلاة فريضة خير من كذا ويتبادر المعنى إلى ذهن السامع من غير ملاحظة مَنْ فُرضت عليه ، وهما آية الحقيقة. ولفظ «الفريضة» وإن كان وصفاً في الأصل فقد صار علماً بالغلبة.

وليس الاستدلال بإمكان إرادة هذا المعنى حتى يرد أنّ ذلك غير كافٍ في وجوب القضاء لإمكان العدم ، وأصالة براءة الذمّة ، بل تتحتّم إرادته لأنّه المتبادر إلى الأفهام ، الشائع في الاستعمال ، ومن هنا قال المصنّف في المختلف بعد جوابه بأنّ المراد : مَن فاتته صلاة يجب أداؤها : ولقائلٍ أن يقول : وجوب القضاء معلّق على الوجوب مطلقاً ، والتخصيص بوجوب الأداء لم يدلّ اللفظ عليه ، وإخراج الصبيّ والمجنون بدليلٍ خاصّ ـ

__________________

(١) الذكرى ١ : ١٩٠.

(٢) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٣) المجيب هو العلامة في مختلف الشيعة ١ : ٢٨٤ ذيل المسألة ٢١٠.

٣٤٦

وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع القلم عن ثلاثة (١) لا يوجب إخراج غيرهما. (٢) وهو موافق لما ذكرناه مع زيادة تحقيق للمقام فيما قرّرناه ، وسيأتي في قضاء الصلوات إن شاء الله زيادة تحقيق لهذا المحلّ ، وشواهد من الأخبار على وجوب القضاء غير هذه الرواية.

(وينقضه) أي التيمّم (كلّ نواقض الطهارة) الكبرى والصغرى (ويزيد) نواقض التيمّم على نواقضها (وجود الماء مع تمكّنه من استعماله) في الطهارة التي تيمّم عنها بحيث لا يكون له مانع حسّي ، كما لو وجد الماء وله مانع من استعماله ، كمتغلّب نزل على نهر فمنع من وروده ، أو كان في بئر ولا وصلة له إليه ، أو كان الماء بيد مَنْ لا يبذله أصلاً أو بعوضٍ غير مقدور ، أو شرعيّ ، كما لو كان به مرض يخشى عليه من الماء ، أو يخشى حدوث مرض.

وخرج بقيد استعماله في الطهارة التي تيمّم عنها ما لو تمكّن من استعماله في الوضوء وهو متيمّم عن الجنابة ، فإنّ تيمّمه لا ينتقض كما لا ينتقض في الصور المتقدّمة ، لعدم التمكّن ، وعدم صدق الوجدان.

ولو كان متيمّماً عن الطهارتين فتمكّن من إحداهما خاصّة ، انتقض تيمّمها دون الأُخرى.

وهل يشترط في انتقاضه مضيّ مقدار زمان الطهارة متمكّناً من فعلها ، أم ينتقض بمجرّد وجود الماء مع التمكّن من استعماله وإن لم يمض الزمان المذكور؟ ظاهر عبارة الكتاب وغيره وإطلاق الأخبار مثل : قول الباقر عليه‌السلام ما لم يحدث أو يصب ماءً (٣) الثاني. ولأنّ توجّه الخطاب إلى الطهارة المائيّة ينافي بقاء التيمّم. ولعدم الجزم بالنيّة على هذا التقدير.

ويشهد للأوّل استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها ، ويدلّ عليه حقيقة التمكّن من فعلها للقطع بأنّه لو علم من أوّل الأمر أنّه لا يتمكّن من الإكمال ، لم ينتقض تيمّمه ، وتوجّه الخطاب إنّما هو بحسب الظاهر ، فإذا تبيّن فوات شرطه ، انتفى ظاهراً وباطناً ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ / ٢٠٤١ ؛ سنن أبي داوُد ٤ : ١٤٠ / ٤٤٠١ ؛ و ١٤١ / ٤٤٠٣ ؛ سنن النسائي ٦ : ١٥٦ ؛ مسند أحمد ١ : ١٩٠ / ٩٥٩ ، و ٧ : ١٦٣ ـ ١٦٤ / ٢٤١٧٣.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٢٨٤ ، ذيل المسألة ٢١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٦٣ / ٤ ؛ التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٥ ، و ١٦٤ / ٥٧٠.

٣٤٧

فيراعى الخطاب بفعل الطهارة المائيّة بمضيّ زمان يسعها. فإذا مضى ، تبيّن استقرار الوجوب ظاهراً وباطناً ، وإلا تبيّن العدم.

ومثله ما لو شرع المكلّف في الصلاة أوّل الوقت فإنّه لا يعلم بقاءه مكلّفاً إلى آخر الصلاة. وكذا الشارع في الحجّ عام الاستطاعة ، فإنّه يجوّز تلف المال وعروض الحصر والصدّ قبل الإكمال ، مع أنّ نيّة الوجوب مبنيّة على أصالة البقاء ، فإذا استمرّت الشرائط ، كشف عن مطابقة الفعل للواقع ، وإلا تبيّن عدم الوجوب.

وتظهر الفائدة فيما لو تلف الماء قبل إتمام الطهارة ، فالتيمّم بحاله على الأوّل دون الثاني.

وحيث كان وجود الماء مع التمكّن من استعماله ناقضاً للتيمّم (فإن وجده قبل دخوله) في الصلاة ، انتقض تيمّمه إجماعاً ، و (تطهّر) فلو أهمل ، ثمّ فقده بعد ذلك بحيث لو ابتدأ الطهارة لأكملها ، أعاد التيمّم كما أسلفناه.

(وإن وجده وقد تلبّس) بالصلاة ولو (بالتكبيرة ، أتمّ) صلاته ، سواء ركع أم لأعلى المشهور لعموم قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا) (أَعْمالَكُمْ.) (١)

ولما رواه محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المتيمّم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قاليمضي في الصلاة. (٢)

وقال الشيخ في النهاية : يرجع ما لم يركع (٣) لقول أبي عبد الله عليه‌السلامإن كان لم يركع انصرف وليتوضّأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته. (٤)

وقيل : ما لم يركع للثانية. (٥)

وقيل : ما لم يقرأ. (٦)

وشهرة الأوّل ترجّح العمل به. ورجّح في المعتبر روايته مع الشهرة : بأنّ ابن حمران أشهر في العلم والعدالة. (٧)

__________________

(١) سورة محمد (٤٧) : ٣٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٠٩ ؛ الإستبصار ١ : ١٦٦ / ٥٧٥.

(٣) النهاية : ٤٨.

(٤) الكافي ٣ : ٦٤ / ٥ ؛ التهذيب ١ : ٢٠٤ / ٥٩١ ؛ الإستبصار ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ٥٧٦.

(٥) القائل هو ابن الجنيد كما حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٧٥ ، المسألة ٢٠٥.

(٦) القائل هو سلار في المراسم : ٥٤.

(٧) المعتبر ١ : ٤٠٠.

٣٤٨

وحيث قلنا : لا يرجع ، فهو للتحريم : للنهي عن إبطال العمل.

وتفرّد المصنّف بجواز العدول إلى النفل (١) جمعاً بين صيانة الفريضة عن الإبطال وأدائها بأكمل الطهارتين.

ورُدّ : بأنّه في معنى الإبطال لأنّ النافلة يجوز قطعها وجواز النقل (٢) في موضعٍ لدليلٍ كناسي الأذان والجمعة (٣) لا يقتضي الجواز مطلقاً ، والقياس باطل. (٤)

ولو ضاق الوقت ، حرم قطعاً.

فرع : على القول بإكمال الصلاة بالتيمّم إمّا مطلقاً أو لتجاوزه محلّ القطع فهل يعيد التيمّم لو فقد الماء بعد الصلاة؟ قيل (٥) نعم لأنّه متمكّن عقلاً من الماء. ومَنعُ الشرع من الإبطال لا يُخرجه عن التمكّن ، فإنّه صفة حقيقيّة لا تتغيّر بالأمر الشرعي أو النهي. وعدم فساده بالنسبة إلى الصلاة التي كان فيها للإذن في إتمامها حذراً من إبطال العمل ، أمّا غيرها فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه.

وهو ضعيف لأنّ الإذن في إتمامها يقتضي بقاء الإباحة ، فلا تجتمع الصحّة والفساد في طهارةٍ (٦) واحدة. والمنع الشرعي كافٍ في عدم النقض كالمرض ، فهو بمنزلة المنع الحسّي بل أقوى. ولأنّ التيمّم لم ينتقض بوجود الماء فبعد فقده أولى. ولأنّ صحّة أداء الصلاة تقتضي عدم ثبوت المنع من فعلها ، وهو أمر مشترك بين جميع الصلوات ، فعدم النقض أصحّ.

ولا فرق في الصلاة بين الفرض والنفل.

(ويستباح به كلّ ما يستباح ب) الطهارة (المائيّة) من صلاةٍ وطوافٍ واجبين أو ندبين ، ودخول مسجدٍ ولو كان الكعبة ، وقراءة عزيمة ، وغير ذلك من واجب ومستحب ؛ لقوله تعالى (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (٧) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وطهوراً» (٨) ويكفيك

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢١١ ، الفرع «أ» ؛ قواعد الأحكام ١ : ٢٣.

(٢) كذا ، وفي جامع المقاصد : «القطع» بدل «النقل».

(٣) أي : سورة الجمعة.

(٤) الرادّ هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٥٠٩.

(٥) القائل هو الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣.

(٦) في «م» : «عبادة» بدل «طهارة».

(٧) المائدة (٥) : ٦.

(٨) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ؛ الخصال ١ : ٢٠١ / ١٤ ، و ٢٩٢ / ٥٦ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ / ٥٦٧ ؛ سنن النسائي ١ : ٢١٠ ، و ٢ : ٥٦ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ / ٧٢٢٥ ؛ المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٦١ / ١١٠٨٥.

٣٤٩

الصعيد عشر سنين. (١)

ومَنَع فخر المحقّقين ولد المصنّف من استباحة المساجد به للجنب لقوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٢) حيث جعل غاية التحريم الغسل ، فلا يزول بالتيمّم. وكذا مسّ كتابة القرآن به معلّلاً بعدم فرق الأُمّة بينهما هنا. (٣) ويلزمه تحريم الطواف للجنب أيضاً بالتيمّم لاستلزامه دخول المسجد وإن لم يصرّح به.

وهو ضعيف لمعارضته بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر يكفيك الصعيد عشر سنين (٤) فإنّ إطلاقه يقتضي الاكتفاء به في العبادات إذ لو أراد الاكتفاء في الصلاة في البيت ، لوجب البيان ، حذراً من الإجمال في وقت الخطاب ، الموجب للإغراء.

وبقول الصادق عليه‌السلام إنّ الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً (٥) وقوله عليه‌السلام التراب أحد الطهورين. (٦)

ولأنّ إباحة الصلاة المشترطة (٧) بالطهارة الصغرى والكبرى أعظم من دخول المساجد ، فإباحتها تستلزم إباحته بطريق أولى. وذكر الغسل في الآية (٨) لكونه أصلاً اختياريّاً ، وهو لا ينفي الاضطراري إذا دخل بدليلٍ آخر.

واعلم أنّ هذه العبارة أيضاً أوفى ممّا في صدر الكتاب من قوله والتيمّم يجب للصلاة والطواف إلى آخره ، وقد بيّنّاه هناك.

(ولا يعيد) المتيمّم تيمّماً مشروعاً (ما صلّى به) لأنّ امتثال المأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء.

ولا فرق في ذلك بين متعمّد الجنابة حال عجزه عن الغسل وغيره ، ولا بين مَنْ منعه زحام الجمعة عن الخروج للطهارة المائيّة فتيمّم ، وغيره لتحقّق الامتثال في الجميع ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ؛ التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، و ٢٠٠١٩٩ / ٥٧٨.

(٢) النساء (٤) : ٤٣.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٦٧٦٦.

(٤) راجع المصادر في الهامش (١).

(٥) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣.

(٦) الكافي ٣ : ٦٤٦٣ / ٤ ؛ التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ، وفيهما : «التيمّم أحد الطهورين». والحديث عن الإمام الباقرُ.

(٧) في «م» : «المشروطة».

(٨) النساء (٤) : ٤٣.

٣٥٠

وما ورد خلاف ذلك ضعيف أو معارض بما هو أشهر منه.

ويدخل في إطلاقه مَنْ صبّ الماء في الوقت ثمّ تيمّم وصلّى. وفي حكمه نقله عن ملكه حيث يتمّ الملك ، ومروره على نهر ونحوه ، وتمكّنه من الشراء وقبول الهبة فلم يفعل ، وجنابته فيه عمداً إذا كان عنده ما يكفيه للوضوء خاصّة ، أو كان متطهّراً وحدثه كذلك ، فلا يجب القضاء في جميع ذلك.

وقد صرّح بعدم القضاء في الأصل وهو إراقة الماء في الوقت في التذكرة ، (١) واختاره الشهيد (٢) رحمه‌الله لكونه مأموراً بالتيمّم في آخر الوقت ، لعدم وجدانه الماء ، فيقتضي الإجزاء وإن أساء قبل ذلك.

واختار في القواعد (٣) وجوب القضاء لمخاطبته بعد الوقت بفعل الصلاة بالطهارة المائيّة لأنّه متمكّن منها ، فإذا تيمّم وصلّى بعد الإراقة ، لم يخرج من العهدة إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فتجب الإعادة.

وهذا إنّما يتمّ إذا لم يكن مأموراً بالتيمّم والصلاة آخر الوقت ، أمّا مع الأمر به فيتعيّن الإجزاء كما قلناه ، وحيث كان المأمور به الثاني بدلاً من المأمور به الأوّل سقط اعتبار الأوّل وإن أساء لاستحالة الأمر بالبدل والمبدل معاً مع ثبوت البدليّة.

ومتى قلنا بالإعادة فإنّما يعيد ما أراق الماء في وقتها. ولو كان في وقت مشترك ، أعاد صلاتية معاً.

والظاهر أنّ الصوم كالصلاة في ذلك ، ولكن لم يصرّحوا به ، واشتراطه بالطهارة يلحقه بها.

(و) لو اجتمع جنب ومحدث حدثاً أصغر وميّت وعندهم من الماء ما يكفي أحدهم خاصّة ، فإن كان الماء ملكاً لأحدهم ، اختصّ به ، ولا يجوز له بذله لغيره مع تضيّق وقت مشروط بها عليه ، أو اتّساعه وعدم رجاء غير هذا الماء لأنّ الطهارة قد تعيّنت عليه وهو متمكّن من الماء فلا يعدل إلى التيمّم. والمخاطب بذلك في الميّت وليّه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٦٦ ، المسألة ٢٩٤.

(٢) الذكرى ١ : ١٨٣.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٢.

٣٥١

ولو كان الماء مباحاً استوى الحيّان ووليّ الميّت في إثبات اليد عليه ولم يكف إلا لواحد منهم ، أو مع مالك يسمح ببذله لأحدهم ، أو منذوراً أو موصى به للأحوج ، فالمشهور أنّه (يخصّ الجنب بالماء المباح والمبذول) للأحوج (ويتيمّم المحدث ويُيمّم الميّت) لصحيحة الحسن (١) الأرمني عن الرضا عليه‌السلام في القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميّت ، ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم أيّهم يبدأ به؟ قال يغتسل الجنب ويترك الميّت. (٢)

ويؤيّدها أنّه متعبّد بالغسل ، والميّت قد خرج عن التكليف بالموت ، وقوّة حدثه بالنسبة إلى المحدث.

قال في الذكرى : وفيه إشارة إلى عدم طهوريّة المستعمل ، وإلا لأمر بجمعه. (٣)

وفيه نظر لأنّ جمعه لا يلزم منه أن يجتمع منه ما يكفي واحداً ، فإنّه أعمّ من ذلك ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، وجاز أن يعلم عليه‌السلام منه عدم اجتماع ما يرفع حدثاً آخر. اللهمّ إلا أن يستدلّ بترك الاستفصال.

وفي رواية محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام أنّ الميّت أولى منه. (٤) وعمل بمضمونها بعض (٥) الأصحاب.

ويؤيّدها أنّ غسل الميّت خاتمة طهارته ، فينبغي إكمالها ، والجنب قد يستدرك مع وجود الماء. وأيضاً فالقصد في غسل الميّت التنظيف ولا يحصل بالتيمّم ، وفي الحيّ الدخول في الصلاة وهو يحصل به.

والرواية الأُولى أرجح لعمل الأكثر ، واتّصالها ، وإرسال الثانية.

وهذا الاختصاص المذكور في العبارة بالنسبة إلى المباح بالمعنى المذكور والمبذول على سبيل الاستحباب لاشتراك الواردين في تملّكه باستوائهم في حيازته ، والفرض أنّ حصّة كلّ واحد لا تفي بحاجته ، فيستحبّ له بذلها للأحوج وهو الجنب مع عدم رجاء ما به يحصل الإكمال ، ولو خصّ غيره ، جاز. وكذا القول في المالك الباذل.

__________________

(١) في التهذيب : الحسين.

(٢) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٧ ؛ الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣١.

(٣) الذكرى ١ : ١٨٨.

(٤) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٨ ؛ الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢.

(٥) كالشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، المسألة ١١٨ ؛ والاستبصار ١ : ١٠٢ ذيل الحديث ٣٣٢.

٣٥٢

ولو تغلّب أحدهم على حيازته بعد استوائهم في الوصول إليه ، أثم وملك وبه جزم المصنّف في التذكرة ، (١) والمحقّق في المعتبر (٢) لأنّ الوصول لا يفيد الملك لافتقار تملّك المباحات إلى الحيازة مع النيّة ولم يحصل الشرطان إلا للمتغلّب.

واستشكله في الذكرى بإزالة أولويّة غيره ، وهي في معنى الملك ، قال : وهذا مطّرد في كلّ أولويّة ، كالتحجير والتعشيش ودخول الماء. (٣) وقد عرفت ما فيه.

ولو سبق أحدهم ، اختصّ ، ولا يجوز له بذله لغيره ، كالمالك له ابتداءً.

وأمّا المنذور والموصى به للأحوج فإنّ الجنب يختصّ به على المشهور على وجه الاستحقاق لا الاستحباب.

ولو دفع لغيره ، لم يجز إن كان للحيّ قطعاً ، وإن كان للميّت ، بني على أنّ غسله هل هو طهارة حقيقيّة وإن اشتملت على تنظيف ، أو هو تنظيف كما اختاره في المعتبر (٤) أو إزالة نجاسة؟ فعلى الأوّل يبطل الغسل ، ويتيمّم الحيّان ويُيمّم الميّت ، وعلى الآخَرَين يأثم المتولّي مع علمه ويجزئ.

ولو أمكن الجمع بأن يتوضّأ المحدث ويجمع ماء الوضوء ، ثمّ يغسل الجنب الخالي بدنه عن نجاسة ثمّ يُجمع ماؤه ويُغسّل به الميّت ، جاز لأنّ المستعمل باقٍ على حاله عندنا ، وقد يجب الجمع.

ولو لم يكف الماء إلا للمحدث بالأصغر خاصّة ، فهو أولى لعدم المشاحّة ، وعدم تبعّض الطهارة خصوصاً مع إمكان تمام الإباحة بالنسبة إلى بعضهم. ولو لم يكن جنب ، فالميّت أولى لشدّة حاجته ، ولحديثه (٥) المرسل.

ولو جامعهم ماسّ ميّتٍ ، لم يتغيّر الحكم لأنّ حدثه ضعيف بالنسبة إلى حدث الجنب.

ولو جامعهم حائض أو نفساء ، فلا نصّ فيه ، لكن قيل : يقدّم الجنب لضعف حدثهما حيث إنّ انقطاع دمهما يبيح ما لا يستبيحه الجنب بدون الغسل ، وللاكتفاء بغسله في

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٢٣ ، الفرع «و».

(٢) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٣) الذكرى ١ : ١٨٩.

(٤) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٥) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٨ ؛ الإستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٢.

٣٥٣

استباحة الصلاة. (١) وبه قطع الشهيد في الذكرى ، قال : ولو قلنا بتوقّف وطئ الزوج على الغسل ، أمكن أولويّتهما على الجنب لقضائهما حقّ الله تعالى وحقّ الزوج. (٢)

وهذا التعليل إنّما يتمّ في ذات الزوج الحاضر أو في حكمه ، فلو كانت خاليةً أو كان غائباً عنها بحيث لا يحضر حتى تتمكّن من الغسل غالباً ، قدّم.

وكما يرجّح الجنب عليهما يرجّح على المستحاضة بطريق أولى لضعف حدثها بالنسبة إليهما.

وفي ترجيحهما على المستحاضة وجه يظهر من المصنّف في النهاية (٣) اختياره.

وفي ترجيح الميّت عليهنّ أو بالعكس وجهان ، وكذا في ترجيحهنّ على الماسّ والمحدث بالأصغر ، وإن كان الترجيح أوجَه لقوّة حدثهنّ بالنسبة إليهما. والظاهر تقديم الماسّ على المحدث.

ومزيل الخبث عن الحيّ مقدّم على الجميع لما تقدّم من أنّ للماء في رفع الحدث بدلاً ، دون الخبث. ويجب تقييده بإمكان التراب وحكمه ، وإلا قدّم رفع الحدث لقوّة شرطيّته في العبادة.

ومزيل الخبث عن الميّت أولى ، قاله المصنّف في النهاية. (٤)

قيل (٥) ومزيل الطيب عن المُحرم أولى منهما.

والعطشان أولى من الجميع قطعاً. والمعصوم أولى مطلقاً.

(ولو أحدث المجنب المتيمّم ، أعاد بدلاً من الغسل وإن كان) الحدث (أصغر) لأنّ التيمّم لا يرفع الحدث إجماعاً ، وإنّما يفيد الإباحة ، فإذا بطل بالحدث ، أعاده بدلاً من الغسل لبطلان التيمّم بالحدث الطارئ ، وحدث الجنابة باقٍ ، فلا حكم للحدث الأصغر.

وقال المرتضى : لو وجد هذا المحدث ما يكفيه للوضوء ، توضّأ به لأنّ حدثه الأوّل قد

__________________

(١) قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٥١٣.

(٢) الذكرى ١ : ١٨٩.

(٣) انظر : نهاية الإحكام : ١٩٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٩٢.

(٥) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

٣٥٤

ارتفع بالتيمّم ، وإلا لما جاز الدخول في الصلاة به ، وجاء ما يوجب الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها ، فيجب عليه استعماله ، ولا يجزئه تيمّمه ، فعلى هذا لو لم يجد ماءً للوضوء ، تيمّم بدلاً منه. (١)

وهو ضعيف للإجماع على عدم ارتفاع حدثه الأوّل.

قال في الذكرى : ويمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة ، وأنّ الجنابة لم تبق مانعةً ، فلا ينسب إلى مخالفة الإجماع. (٢)

وهذه الإرادة لا تدفع الضعف لأنّ الاستباحة إذا لم تستلزم الرفع ، فبطلانها بالحدث يوجب تعلّق حكم الحدث الأوّل ، وقد روى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل أجنب في سفر ومعه قدر ما يتوضّأ به ، قال يتيمّم ولا يتوضّأ. (٣)

(ويجوز التيمّم مع وجود الماء للجنازة) لصحّتها من دون الطهارة ، وللرواية ، (٤) وضعفها منجبر بالشهرة ، وادّعى الشيخ عليه إجماع الفرقة ، (٥) وشهادة الواحد به مقبولة فلا ، يقدح حينئذٍ استشكال المحقّق في المعتبر بعدم علمه بالإجماع وضعف الرواية. (٦)

قال في المعتبر : ولو قيل : إذا فاجأته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة ، تيمّم لها ، كان حسناً لأنّ الطهارة لمّا لم تكن شرطاً وكان التيمّم أحد الطهورين ، فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمّم لأنّ حال المتيمّم أقرب إلى شبه المتطهّرين من المتخلّي منه. (٧)

وفيه نظر لأنّ مثل ذلك لا يسمّى تعذّراً لاستعمال الماء ، فإن كان حمل الرواية على ذلك كما هو ظاهر سياقه فالقول بها يوجب العمل بإطلاقها ، وإلا فمجرّد المشابهة غير كافية في هذه الأحكام.

وهذا التيمّم مغاير لغيره بوجهين : أحدهما : جوازه مع وجود الماء. والثاني : عدم اشتراط نيّة البدليّة على القول باشتراطها في غيره لجوازه مع القدرة على البدل ، مع

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٩٥ ؛ والشهيد في الذكرى ٢ : ٢٨٣ نقلاً عن شرح الرسالة له.

(٢) الذكرى ٢ : ٢٨٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٥ / ١٢٧٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٨ ١٧٩ / ٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٠٣ / ٤٧٧.

(٥) الخلاف ١ : ١٦١١٦٠ ، المسألة ١١٢.

(٦) المعتبر ١ : ٤٠٥.

(٧) المعتبر ١ : ٤٠٥.

٣٥٥

احتمال اشتراطها لجواز كونه بدلاً اختياريّاً.

قيل : ومثله تيمّم المحدث للنوم. (١)

(ولا يدخل) المتيمّم (به في غيرها) من الصلوات وما يشترط فيه الطهارة لأنّ شرعيّة التيمّم مع وجود الماء مقصورة على مواضع مخصوصة على خلاف الأصل ، فيقتصر به على موارده.

__________________

(١) القائل هو يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٤٦.

٣٥٦

(النظر الخامس : فيما به تحصل الطهارة)

بقسميها.

(أمّا) الطهارة (الترابيّة : فقد بيّنّاها) وإنّما قدّم الكلام في المطهّر فيها مع أنّه متأخّر عن الكلام على الماء ؛ لأنّه مطهّر اختياريّ لا اضطراريّ ؛ لقلّة مباحثه ، فأدرجه مع الكلام عليها.

(وأمّا) الطهارة (المائيّة فبالماء المطلق لا غير) لتعليق التيمّم في الآية (١) على عدم وجدان الماء المطلق ، فسقطت الواسطة.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن الوضوء باللبن؟ فقال إنّما هو الماء والصعيد (٢) و «إنّما» للحصر.

واختصاصه بذلك من بين المائعات إمّا تعبّداً ، أو لاختصاصه بمزيد رقّة وسرعة اتّصال بالمحلّ وانفصال عنه.

وقول الصدوق بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد (٣) استناداً إلى رواية (٤) ضعيفة السند شديدة الشذوذ مردود بسبق الإجماع له وتأخّره عنه. ومثله حَملُ ابن أبي عقيل لها على الضرورة ، مطّرداً للحكم في المضاف (٥).

__________________

(١) النساء (٤) : ٤٣ ؛ المائدة (٥) : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٨ / ٥٤٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ٦ ؛ الهداية : ٦٥.

(٤) الكافي ٣ : ٧٣ / ١٢ ؛ التهذيب ١ : ٢١٨ / ٦٢٧ ؛ الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٧.

(٥) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٥٧ ، المسألة ٣٠.

٣٥٧

(وكذا إزالة النجاسة) تكون بالماء المطلق دون المضاف ، فالانحصار المستفاد من مساواة المعطوف للمعطوف عليه بالنسبة إلى مطلق الماء ، لا بالنسبة إلى مطلق المزيل لها ؛ لعدم انحصارها (١) في الماء المطلق ؛ فإنّ باقي المطهّرات العشر يشاركه في ذلك.

وأشار بذلك إلى خلاف المرتضى حيث جوّز رفع الخبث بالمضاف (٢) ، استناداً إلى إطلاق قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٣) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر المستفيض لا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها (٤) ونحوه. والمضاف يصدق عليه التطهير والغسل.

ويدفعه الإجماعُ المتقدّم والمتأخّر ، كما تقدّم ، والمعارضةُ بتخصيص الغسل بالماء في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّيه ثمّ اغسليه بالماء (٥) وقول الصادق عليه‌السلام إذا وجد الماء غسله (٦) والمطلق يُحمل على المقيّد.

ولمّا انحصر رفع الحدث وإزالة الخبث في الماء المطلق فلا بدّ من تعريفه ليتميّز من غيره من أقسام المياه ، وتمام معرفته يحصل بمعرفة قسيمه أعني المضاف أيضاً ، فلذلك عرّفه بقوله :

(و) الماء (المطلق : ما يصدق عليه إطلاق الاسم) أي يصدق عليه اسم الماء عند إطلاقه (من غير قيد).

وهذا التعريف رسم ناقص ؛ لتعريفه بالخاصّة من دون ذكر الأعمّ ، وهذه الخاصّة من علامات الحقيقة.

ولا يرد عليه ماء البئر والبحر ونحوهما ممّا يغلب عليه التقييد ؛ لأنّ ذلك غير مستحقّ له ، ولهذا لو أُطلق عليه اسم الماء بدون القيد ، صحّ.

ويمكن كون التعريف لفظيّاً ، وهو إبدال لفظٍ بلفظٍ أشهر منه في الاستعمال أو أوضح ، مثل «الحنطة بُرّ.

__________________

(١) في «ق ، م» زيادة : حينئذٍ.

(٢) مسائل الناصريّات : ١٠٥ ١٠٦ ، المسألة ٢٢ ؛ وحكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٨٢ نقلاً عن شرح الرسالة له.

(٣) المدّثّر (٧٤) : ٤.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٢٣٣ / ٢٧٨ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ٢٥ / ١٠٣ ؛ سنن البيهقي ١ : ٧٥ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٥) سنن أبي داوُد ١ : ٩٩ ـ ١٠٠ / ٣٦٢ ؛ سنن الترمذي ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ / ١٣٨ ؛ سنن النسائي ١ : ١٥٥ ؛ سنن البيهقي ١ : ٢٠ / ٣٦ ، و ٢١٨ / ٦٥٩ بتفاوت يسير.

(٦) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٥ ؛ التهذيب ١ : ٢٧١ / ٧٩٩ ؛ الاستبصار ١ : ١٨٧ / ٦٥٥.

٣٥٨

ويؤيّده الإتيان فيه بـ «ما» وهي من الأدوات العامّة التي لا تدخل التعريفات الصناعيّة ؛ إذ المقصود منها كشف الحقيقة من غير نظر إلى الأفراد.

(والمضاف بخلافه) لا يصدق عليه إطلاق الاسم إلا بقيدٍ زائد على اسم الماء ، كماء الورد ونحوه ، ويلزم من ذلك أنّه لا يصدق عليه الماء حقيقةً بل مجازاً ؛ إذ من علامة المجاز عدم تناول الاسم عند الإطلاق.

(وهما) أي المطلق والمضاف (في الأصل) أي في أصل خلقتهما قبل عروض نجاسة طارئة لهما (طاهران) لأنّ الأصل في الأشياء كلّها الطهارة إلا ما نصّ الشرع (١) على نجاسته ؛ لأنّها مخلوقة لمنافع العباد ، ولا يحصل الانتفاع أو لا يكمل إلا بطهارتها.

(فإذا) خرجا عن الأصل (٢) بأن (لاقتهما نجاسة ، فأقسامهما أربعة) ونسبة الأقسام إليهما مع أنّ المنقسم إنّما هو أحدهما جائز باعتبار كون غير المنقسم أحد الأقسام ، أو لكون المنقسم هو المجموع من حيث هو مجموع ، وذلك لا ينافي عدم انقسام بعض الأفراد.

وانقسامهما إلى الأربعة باعتبار اختلاف الأحكام باختلافها ، والأمر فيها ظاهر في غير البئر ، أمّا فيه فلا يتمّ على مذهب المصنّف من عدم نجاسته بالملاقاة (٣) ، فيلحق بالجاري ، فتتداخل الأقسام.

ومجرّد وقوع الخلاف فيه إن كفى في جَعله قسماً آخر برأسه ، لزم زيادة الأقسام على الأربعة ؛ لوقوع الخلاف في مياه الحياض والأواني في انفعالها بالملاقاة وإن كثرت ، فينبغي جَعلها قسماً آخر.

ويمكن ترجيح جَعل البئر قسماً وإن ساواه غيره ، جرياً على ما ألفوه من أفراده بناءً على ما اختاره الأكثر (٤) حتى كاد يكون إجماعاً من انفعاله بمجرّد الملاقاة. ولكثرة أحكامه وتشعّب مسائله ، فناسب ذلك إفراده بالذكر.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : «الشارع».

(٢) في الطبعة الحجريّة : «عن ذلك» بدل «عن الأصل».

(٣) إرشاد الأذهان ١ : ٢٣٦ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥ ، المسألة ٦ ؛ تحرير الأحكام ١ : ٤ ؛ مختلف الشيعة ١ : ٢٥ ، المسألة ٧ ؛ منتهى المطلب ١ : ٥٦ و ٦٨ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٢٣٥.

(٤) منهم : السيّد المرتضى في الانتصار : ٨٩ ٩٠ ؛ والشيخ المفيد في المقنعة : ٦٤ ؛ والشيخ الطوسي في النهاية : ٦ ؛ والمبسوط ١ : ١١ ؛ وسلار في المراسم : ٣٤ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢١ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ٦٩ ؛ والمحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٥٤.

٣٥٩

القسم (الأوّل : المضاف) وهو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه إلا بقيدٍ وإن كان في أصله مطلقاً ، كالمتغيّر منه بطول مكثه بحيث لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه ، و (كالمعتصر من الأجسام ، كماء الورد و) الماء المطلق في أصله (الممتزج بها) أي بالأجسام (مزجاً يسلبه الإطلاق ، كالمرق) التي ماؤها مطلق خرج عنه بمزجه بالأجسام.

ومثله المطلق الممتزج بما عصر من الأجسام بل بأيّ صنف كان من أصناف المضاف بحيث خرج المطلق عن الإطلاق.

أمّا لو بقي المطلق الممتزج بالأجسام بعد المزج على إطلاقه ، أو صار الجميع مطلقاً في الممتزج بالمضاف ، لم يؤثّر المزج ، بل يجوز استعمال الجميع فيما يتوقّف على المطلق ، خلافاً لبعض العامّة (١) حيث أوجب إبقاء قدر المضاف.

وضعفه ظاهر ؛ لأنّ الحكم تابع للإطلاق ، وهو موجود في الجميع.

وعلى هذا لو توقّفت الطهارة على المزج ، وجب عيناً من باب مقدّمة الواجب المطلق الذي لا يتمّ إلا بالمزج ، خلافاً للشيخ (٢) رحمه‌الله حيث لم يوجبه وإن جوّزه. وهو مع ضعفه متناقض (٣).

(وهو) أي المضاف (ينجس) بفتح العين وضمّها ، كـ «يعلم» و «يكرم» فعين ماضيه مضمومة ومكسورة (بكلّ ما يقع فيه من النجاسة ، قليلاً كان) المضاف (أو كثيراً) وسواء غيّرت النجاسة أحدَ أوصافه أم لا ؛ لقصوره عن دفع النجاسة عن غيره فكذا عن نفسه ، كالقليل.

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سُئل عن فأرة وقعت في سمن إن كان مائعاً فلا تقربوه (٤) وترك الاستفصال دليل العموم.

وللإجماع.

القسم (الثاني : الجاري من) الماء (المطلق) والمراد به النابع غير البئر ، سواء جرى أم

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١ : ٢٦ ؛ المجموع ١ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٩.

(٣) في «م» : «مناقض».

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٣٦٤ / ٣٨٤٢ ؛ سنن البيهقي ٩ : ٥٩٣ / ١٩٦٢١ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ١ : ٨٤ / ٢٧٨ ؛ مسند أحمد ٢ : ٥٢١ / ٧٥٤٧.

٣٦٠