روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

كثيراً في بئرٍ يسيراً في أُخرى.

وليس ببعيد لظهور التأثير باختلافهما. ولأنّهما إضافيّان ، فجاز اعتبارهما بالإضافة إلى المحلّ المنفعل عنهما.

(و) نزح (أربعين) دلواً (في موت السنّور) في البئر (والكلب والخنزير والثعلب والأرنب) على المشهور.

ورواه علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن السنّور ، فقال : «أربعون دلواً وللكلب وشبهه» (١) والمراد بشبه الكلب الخنزيرُ والغزال وما ذُكر.

ويشمل السنّور أهليّة ووحشيّه للمشابهة ، والكلب والخنزير البرّيّ والبحريّ ؛ للمماثلة أيضاً.

ورجّح المحقّق الشيخ عليّ في أكثر فتاويه وجوب أكثر الأمرين من الأربعين ومقدّر ما لا نصّ فيه للخنزير إذا وقع حيّاً ثمَّ مات ، واحتمالَ التضاعف بناءً على عدم النصّ على نجاسته لو وقع حيّاً ، واحتمالَ التضاعف في الكلب إذا وقع حيّاً فمات لوجود النصّ على نجاسته حيّاً (٢).

وهذا إنّما يتمّ لو كان التقدير بالأربعين في وقوعهما ميّتين ، أمّا مع الإطلاق أو إرادة موتهما في الماء فلا للحكم بتداخل النجاستين.

(و) في (بول الرجل) في المشهور ، رواه عليّ بن أبي حمزة أيضاً عن الصادق عليه‌السلام (٣) وفيه روايات أُخرى شاذّة.

وضَعف عليّ بن أبي حمزة بالوقف منجبر بالشهرة وعمل الأصحاب.

وفي المعتبر أنّ تغيّره إنّما كان في زمن (٤) موسى ، فلا يقدح فيما قبله (٥).

وفيه نظر إذ لا يتمّ ذلك إلا مع تحقّق الرواية عنه فيما قبله ، لا إذا أسندها إلى ما قبله لجواز إسناده إلى الصادق عليه‌السلام في زمن الوقف ، وأين التأريخ الذي دلّ على تقدّم الرواية؟

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٥ ٢٣٦ / ٦٨٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦ / ٩٧.

(٢) انظر : جامع المقاصد ١ : ١٤١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٣ / ٧٠٠ ؛ الإستبصار ١ : ٣٤ / ٩٠.

(٤) في المصدر : «موت» بدل «زمن».

(٥) المعتبر ١ : ٦٨.

٤٠١

ومجرّد الاشتباه كافٍ في الطعن ، فالأولى التعليل بالشهرة ، والعمل بمضمونها ، كما قد أكثر مَنْ ذكره في كتابه هذا.

ولا فرق بين بول المسلم والكافر لشمول الرجل لهما.

وأمّا بول المرأة فالمشهور عدم لحوقه به اقتصاراً على موضع النصّ ، خلافاً لابن إدريس ، محتجّاً بدخولها في لفظ الإنسان (١).

ونحن نسلّم ذلك ، لكن نطالبه أين وجد الأربعين معلّقة على بول الإنسان؟ فكأنّه وهم.

وما الذي يجب له؟ قيل : موجب ما لا نصّ فيه (٢). واختاره الشهيد (٣) وجماعة.

وقيل : ثلاثون (٤) لرواية كردويه ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر ، قال : «ينزح منها ثلاثون دلواً» (٥) فإنّ لفظ البول مطلق يشمل المرأة وغيرها ، لكن خرج منها بول الرجل والرضيع والصبي بنصٍ خاصّ ، فيبقى الباقي ، وهو خيرة المعتبر (٦).

ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة على الأقوال الثلاثة ، وكذا لا فرق بين المسلمة والكافرة.

وأمّا بول الخنثى فأطلق جماعة (٧) إلحاقه بما لا نصّ فيه للشكّ في الذكورة.

ولم يذكره المحقّق وابن إدريس حيث ذكرا المرأة ، ودليلهما يشملهما ، فالأقوال يشملها لزوماً.

ولو قيل بوجوب أكثر الأمرين من الأربعين وموجب ما لا نصّ فيه كما اختاره بعض (٨) الأصحاب كان حسناً أخذاً بالمتيقّن.

(و) في (وقوع نجاسة لم يرد فيها نصّ) نقليّ ولو بعمومه أو إطلاقه ، كالإنسان في شموله للمسلم والكافر.

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٨.

(٢) قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٢.

(٣) الذكرى ١ : ١٠٠.

(٤) لم نعثر على القائل بذلك في حدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ٦٩٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٥ ، و ٤٥ / ١٢٥.

(٦) المعتبر ١ : ٦٨.

(٧) منهم : الشهيد في الذكرى ١ : ١٠٠.

(٨) لم نتحقّقه.

٤٠٢

وما ذكره الشهيد رحمه‌الله في الشرح من تعريف النصّ بـ «أنّه القول أو الفعل الصادر عن المعصوم ، الراجح المانع من النقيض ، وغير المنصوص بخلافه» (١) لا يطابق ما ذكره الأصحاب في بعض موارده ، فإنّهم جعلوا من المنصوص الإنسانَ ، وأدخلوا الكافرَ فيه ، كما بيّنّاه في محلّه ، مع أنّ تناول الإنسان له إنّما هو لكونه من جملة أفراد الكلّيّ ، ودلالة الكلّيّ على أفراده ليس نصّاً بهذا التفسير ، بل ظاهراً. وعلى هذا التعريف يكون الإنسان ممّا لا نصّ فيه.

ومثله القول في وقوع الكلب بالنسبة إلى أصنافه ، كالسلوقي وغيره ، حتى أنّ المصنّف ذكر في جملة المنصوص بول وروث ما لا يؤكل لحمه محتجّاً عليه بحديث كردويه ، المشتمل على نزول أرواث الدوابّ وأبوالها (٢) ـ (٣) ، وأين دلالة لفظ الدوابّ على ما لا يؤكل لحمه بالنصّ المذكور في التعريف؟ وإدخال (٤) الفعل والمعصوم في التعريف اصطلاح خاصّ لمناسبته هذه المسألة ، وإلا فالتعريف المشهور للنصّ : «إنّه اللفظ الدالّ على المعنى دلالة راجحة مانعة من احتمال غيره».

وبالجملة ، فإدخال العامّ وأفراده وأفراد المطلق في المنصوص بهذا المعنى أيضاً لا يخلو من إشكال لأنّ دلالة العامّ على مجموع أفراده من حيث مجموعها ظاهر لا نصّ لاحتماله التخصيص احتمالاً راجحاً إذ من المشهور قولهم : «ما من عامّ إلا وقد خُصّ» وكذا دلالته بالنسبة إلى كلّ فردٍ على التعيين لإمكان عدم إرادته. والمطلق يدلّ على الماهيّة من حيث هي هي ، فلا يدلّ على شي‌ء من أفراد الماهيّة إلا ظاهراً ، فإن اعتبر هذا المعنى ، لم يتمّ كثير ممّا ادّعي كونه منصوصاً.

والأولى أن يراد به هنا ما كانت دلالته ظاهرةً وإن لم تكن قطعيّةً. وهذا المعنى للنصّ يوجد في بعض الموارد ، وكلامهم هذا يدلّ عليه.

إذا تقرّر ذلك ، فما اختاره المصنّف من وجوب أربعين دلواً لما لا نصّ فيه ليس له دليل مدّعى إلا ما نُقل عن الشيخ في المبسوط ، حيث احتمل الأربعين بقوله : إنّهم عليهم‌السلام قالوا :

__________________

(١) غاية المراد ١ : ٧٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٥ ؛ التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٣٠٢٩ ، المسألة ٩.

(٤) في «ق ، م» : «إدخاله».

٤٠٣

«ينزح منها أربعون وإن كانت مبخرة» (١).

وهذه الحجّة منظور فيها من حيث عدم العلم بإسناد الحديث ، وعدم وجوده في شي‌ء من أُصوله فضلاً عن سنده حتى نشأ منه عدم العلم بصدره المتضمّن لبيان متعلّق الأربعين.

وربما قال بعض (٢) الأصحاب : إنّ الشيخ رحمه‌الله حجّة ثَبت ، فإرساله غير ضائر لأنّ مثل الشيخ لا يُرسل إلا عمّن علمه ثقة خصوصاً وليس هناك نصّ آخر يدفعه ، والظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محلّ النزاع.

وفيه نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الشيخ لم يُفت بمضمونه وإنّما أوجب في المبسوط نزح الجميع وجَعَل نزح أربعين احتمالاً (٣) ، والخبر المرسل وإن لم يكن حجّةً لكن لا أقلّ من إفادته الاحتمال ، وهو دليل على عدم تحقّقه له ، وإلا لما عدل عن مدلوله.

وأمّا ثانياً : فلأنّ مراسيله لو وثق بها وعمل عليها لمكان قدره وعظم شأنه وثَبته ، لزم العمل بجميع المراسل لأنّ كتبه في الحديث قد صارت أُصول حديث الأصحاب ، واشتملت على ما في غيرها من حديث الفقه غالباً وزيادة مع ذكر بعض أسانيد بعضها وذكر متونها ، ولم يجوّز أحد من الأصحاب العمل بها لمكان شرف مرسلها ، فكيف يسوغ العمل بحديثٍ لم يتحقّق متنه ولا إسناده ، ويجعل مؤسّساً لحكمٍ شرعيّ!؟

وأمّا ثالثاً : فلأنّ صدره المحذوف وإن كان احتجاجه به يثير الظنّ بكونه دالا على محلّ النزاع ، لكن ذلك غير كافٍ لنا في العمل بمقتضاه ، لعدم اطّلاعنا عليه وإن كان للشيخ رحمه‌الله في ذلك فرض آخر.

واستدلّ المصنّف في النهاية للأربعين برواية كردويه (٤). وهو عجيب ، وستقف عليها عن قريب.

(وقيل) : يجب نزح (الجميع) ) لكونه ماءً حُكم بنجاسته يقيناً ، فالقطع بطهارته

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢.

(٢) في هامش «ق» : هو الشيخ عليّ رحمه‌الله في حاشية التحرير.

(٣) المبسوط ١ : ١٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٦٠.

(٥) قال به القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢١ ؛ والسيّد ابن زهرة في الغنية : ٤٨ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٢ و ٨١.

٤٠٤

يتوقّف على نزح الجميع لأنّ نزح البعض دون البعض الآخر ترجيح من غير مرجّح.

والحكم به في مواضع مخصوصة لنصّ خاصّ على خلاف الأصل لا يقتضي مثله في غير المنصوص لعدم وجود دليلٍ نقليّ عليه على الخصوص حتّى لو ورد ذلك لم تكن المسألة لصيرورتها حينئذٍ منصوصةً ، غايتها الإتيان بلفظٍ عامّ يشمل (١) الجميع ، أومأ شاكله.

وذهب بعض (٢) الأصحاب إلى نزح ثلاثين ، ونفى عنه الشهيد في الشرح البأسَ (٣).

وفي المختلف : النقل الذي ادّعاه الشيخ لم يصل إلينا ، وإنّما الذي بلغنا في الباب حديث واحد ، وعنى به حديث كردويه : أنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخُرء الكلاب ، قال «ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مبخرةً» (٤) ومعناها المنتنة ، وروى بفتح الميم والخاء ، ومعناها موضع النتن.

قال : ومع ذلك فكردويه لا أعرف حاله ، فإن كان ثقةً ، فالحديث صحيح (٥).

وفي الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب نظر إذ لا دلالة له على تقدير صحّته على ما نحن فيه ، فإنّ مورده نجاسة مخصوصة ، وإذا ثبت صارت منصوصةً ، والكلام في نجاسةٍ غير منصوصة مطلقاً.

وفيه إشكال من وجه آخر ، وهو : أنّ جملة «إن» الوصليّة فيه تدلّ على مساواة حكم التغيّر بتلك النجاسات لغيره. وسيأتي فيه إشكال آخر إن شاء الله تعالى.

قال في المعتبر : ويمكن أن يقال فيه وجه آخر ، وهو : أنّ كلّ ما لم يقدّر له منزوح لا يجب فيه نزح عملاً برواية معاوية ، المتضمّنة قول أبي عبد اللهُ : «لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا يقع في البئر إلا أن ينتن» (٦) ورواية ابن بزيع «إنّ ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلا أن يتغيّر» (٧) وهذا يدلّ بالعموم ، فيخرج منه ما دلّت عليه النصوص بمنطوقها

__________________

(١) في «ق ، م» : «ليشمل».

(٢) هو السيّد الفقيه جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاوُس في كتاب البُشرى كما في غاية المراد ١ : ٧٨.

(٣) غاية المراد ١ : ٧٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ٥١ ، المسألة ٢٦.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٢ / ٦٧٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٣٠ / ٨٠.

(٧) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٦.

٤٠٥

أو فحواها ، ويبقى الباقي داخلاً تحت هذا العموم.

قال : وهذا يتمّ لو قلنا : إنّ النزح للتعبّد لا للتطهير ، أمّا إذا لم نقل ذلك ، فالأولى نزح مائها أجمع (١). انتهى.

وقد تلخّص من جميع ذلك أنّ المصير إلى القول بنزح الجميع لازم عند القائل بالنجاسة لأنّ كلّ حديث يحتجّ به على المطلوب فإنّ نجاسته منصوصة ، وينعكس إلى قولنا : كلّ نجاسة ليست منصوصةً لم تدلّ عليها الأخبار ، فيستصحب حكم النجاسة إلى أن يثبت المزيل ، ولا ثبوت إلا بنزح الجميع.

(وثلاثين في وقوع ماء المطر مخالطاً للبول والعذرة وخُرء الكلاب) لرواية كردويه ، المتقدّمة (٢).

ولو خالط ماء المطر أحدها ، كفت الثلاثون لمفهوم الموافقة.

هذا إن لم يكن له مقدّر أو كان وهو أكثر ، أمّا لو كان أقلّ كبول الرضيع ، الداخل في إطلاق البول أو عمومه فالظاهر الاكتفاء به لأنّ مصاحبته لماء المطر إن لم تضعف حكمه كما هو الظاهر فلا تزيده.

والشهيد رحمه‌الله أطلق القول بأنّ حكم بعضها كالكلّ (٣). وبعض (٤) الأصحاب خصّ الثلاثين بالجميع. وما ذكرناه من التفصيل أجود.

وأُورد على أصل الحكم إشكال هو (٥) : أنّ العذرة وحدها يجب لها خمسون ، فإذا انضمّ إليها غيرها ، زادها نجاسةً ، فكيف يجتزأ بالثلاثين!؟ فاللازم إمّا عدم إجزاء الثلاثين ، أو عدم وجود الخمسين.

وأيضاً فإنّ ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي المساواة في الحكم بين جميع محتملاتها ، فيستوي حال العذرة رطبةً ويابسةً وحال البول إذا كان بول رجل أو رضيع أو امرأة أو خنثى ، وقد قال بعضهم : إنّ خُرء الكلاب ممّا لا نصّ فيه ، وذهب

__________________

(١) المعتبر ١ : ٧٨.

(٢) في ص ٤٠٥.

(٣) البيان : ١٠٠.

(٤) كالمحقّق الحليّ في شرائع الإسلام ١ : ٦ ؛ والعِمة الحليّ في تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦.

(٥) في «م» : «وهو».

٤٠٦

المصنّف في المختلف إلى أنّ بول وروث ما لا يؤكل لحمه ممّا لا نصّ فيه.

ولو حمل الإطلاق على نجاسات مخصوصة ، أشكل الحال من وجه آخر عند القائل بتضاعف النزح مع اختلاف النجاسات (١).

وأجاب المحقّق الشيخ عليّ عن ذلك بأنّ موضوع الرواية ماء المطر المخالط لهذه النجاسات ، وليس فيها أنّ أعيانها موجودة ، فيمكن تنزيلها على ماء المطر المخالط لهذه النجاسات مع استهلاك أعيانها إذ لا بُعد في أن يكون ماء النجاسة أخفّ منها ، خلافاً للقطب الراوندي.

قال : وهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر إلا أنّا صِرنا إليه جمعاً بين الأخبار (٢).

أقول : إنّك إذا تأمّلت ما ينفعل عنه البئر وما تطهر به تجدها قد جمعت بين المتباينات ، كتساوي الهرّ والخنزير ، وفرّقت بين المتماثلات ، كاختلاف منزوح موت الكلب والكافر وغير ذلك ، فلا تستبعد حينئذٍ أن ينزح لهذه الأشياء المخالطة لماء المطر مع انفرادها عنه أكثر ممّا يُنزح لها مع سقوطها في البئر مصاحبةً له ، فتصير مصاحبتها لماء المطر مضعّفاً لنجاستها ومخفّفاً لها ، وهو أولى من تقييد المطلق ، والحال في البئر ما ذكرناه ، بل مقتضى لفظ الحديث في كون هذه الأشياء في الماء كون أعيانها فيه.

ثمّ لو كان الحكم في ماء المطر المتنجّس بهذه الأشياء من غير أن تكون أعيانها موجودةً ، لم يبق فرق بين ماء المطر وغيره ، فالأولى الانقياد لما تناولته الرواية بإطلاقها من كون الماء ماءَ مطر ومصاحباً لهذه الأشياء ، سواء كانت أعيانها موجودةً أم لا.

(و) نزح (عشر) دلاء (في) وقوع (العذرة اليابسة) والمراد بها غير الذائبة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير في العذرة تقع في البئر : «ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون» (٣) وقد تقدّم (٤) ما المراد من العذرة.

(و) كذا في (الدم القليل غير) الدماء (الثلاثة ، كذبح الطير والرعاف اليسير) لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام حيث سأله عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقع في بئر

__________________

(١) تعرّض للإشكال من قوله : وأيضاً فإنّ ترك الاستفصال ، إلى آخره المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٢.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٤٢ وفيه إلى قوله : أخفّ منها.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ ؛ الإستبصار ١ : ٤١ ـ ٤٢ / ١١٦.

(٤) في ص ٣٩٩.

٤٠٧

هل يصلح أن يتوضّأ منها؟ قال : «ينزح منها دلاء يسيرة» (١).

وقول الرضا عليه‌السلام في قطرات الدم : «دلاء» (٢).

قال الشيخ في التهذيب : وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة ، فيجب أن يؤخذ به إذ لا دليل على ما دونه (٣).

واعترضه في المعتبر بأنّ ذلك إنّما يكون مع الإضافة ، أمّا مع تجريده عنها فلا ؛ إذ لا يعلم من قوله : عندي دراهم ، أنّه لم يخبر عن زيادة عن عشرة ، ولا إذا قال : أعطه دراهم (٤).

وأجاب المصنّف في المنتهي بأنّ الإضافة هنا وإن لم تجر لفظاً لكنّها مقدّرة وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولا بدّ من إضمار عدد يضاف إليه تقديراً ، فيحمل على العشرة التي هي أقلّ ما يصلح إضافته لهذا الجمع أخذاً بالمتيقّن ، وحوالة على الأصل من براءة الذمّة (٥).

وفيه نظر إذ لا يلزم من عدم تقدير الإضافة هنا تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإنّما يلزم ذلك لو لم يكن له معنى بدون هذا التقدير والحال أنّ له معنىً كسائر أمثاله من صيغ الجموع ، ولو سُلّم وجوب التقدير ، لم تتعيّن العشرة.

وفي قوله : «إنّ أقلّ ما يصلح إضافته لهذا الجمع عشرة» منع ، وإنّما أقلّه ثلاثة ، فيحمل عليها لأصالة البراءة من الزائد ، وهو خلاف المدّعى ، وسيأتي (٦) في كلام المحقّق اختيار دلالته على ثلاثة.

قال المصنّف في المختلف : ويمكن أن يحتجّ به من وجه آخر ، وهو أنّ هذا جمع كثرة ، وأقلّه ما زاد على العشرة بواحد [فيحمل] (٧) عليه عملاً بالبراءة الأصليّة (٨).

وأنت خبير بأنّ هذا الدليل لا ينطبق على الدعوى لاستلزامه وجوب أحد عشر ، والمدّعى الاكتفاء بعشرة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦ / ٨ ؛ التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٨ ؛ الإستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ / ٧٠٥ ؛ الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٥ ذيل الحديث ٧٠٥.

(٤) المعتبر ١ : ٦٦.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٨١.

(٦) في ص ٤١٤.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «حُمل». وما أثبتناه من المصدر.

(٨) مختلف الشيعة ١ : ٣٦ ، المسألة ١٥.

٤٠٨

وفي المنتهي ذكر أنّه جمع كثرة ، وقال : فيحمل على أقلّها وهو العشرة (١).

وفيه أيضاً نظر لأنّ أقلّ مراتب جمع الكثرة ما زاد على مراتب جمع القلّة بواحد ، كما نصّ عليه أهل العربيّة واعترف به المصنّف في المختلف (٢) ، فلا تتمّ العشرة ، فتأمّل هذه الاختلافات الغريبة الواقعة بينهم ، بل بين الواحد ونفسه.

(وسبع في موت الطير ، كالحمامة) في طرف الصغر (والنعامة) في طرف الكبر (وما بينهما).

ومستنده مع الشهرة رواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام (٣).

وفُسّر الطير بالحمامة والنعامة وما بينهما ، وأُورد على العبارة أنّ التشبيه يقتضي صدق الطير على غير ما ذُكر (٤) لوجوب المغايرة بين المشبّه والمشبّه به ولو بالجزئيّة والكلّيّة والحال أنّه محصور فيما ذُكر.

ويمكن الجواب بمنع حصره فيما ذُكر لأنّ الطير المساوي للحمامة والنعامة في الحجم تقريباً خارج عنهما وعمّا بينهما مع دخوله في الطير ، فباعتباره يصحّ التشبيه.

(و) كذا في (الفأرة إذا تفسّخت) أي تقطّعت أجزاؤها وتفرّقت لقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي سعيد المكاري : «إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسّخت فانزح منها سبع دلاء» (٥).

وفي رواية عنهُ إطلاق السبع في الفأرة (٦) ، وفي أُخرى إطلاق ثلاث (٧).

وطريق الجمع : حملُ الاولى على التفسّخ ، والثانية على عدمه بقرينة خبر أبي سعيد.

وضعفه لا يمنع من العمل على هذا الوجه لأنّه كالأمارة الدالّة على الفرق وإن لم يكن حجّةً في نفسه.

(أو انتفخت) إلحاقاً بالتفسّخ ، ولا نصّ عليه بالخصوص ، لكن ذكره المفيد (٨) ،

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٨١.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٣٦ ؛ المسألة ١٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٨٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦ / ٩٧.

(٤) المفسّر والمورد هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩ / ١١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٨٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٦ / ٩٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٨٨ ؛ الإستبصار ١ : ٣٩ / ١٠٦.

(٨) المقنعة : ٦٦.

٤٠٩

وتبعه الباقون.

(وبول الصبي) وهو الذكر الذي زاد سنّه على الحولين ولم يبلغ على المشهور ، وبه رواية عن الصادق (١) لا تخرج عن حدّ الإرسال.

وفي حكمه الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه ، كما سيأتي.

ولا تلحق به الصبيّة لعدم النصّ.

(واغتسال الجنب الخالي) بدنه (من نجاسة عينيّة).

وعبّر بالاغتسال الشامل للارتماس وغيره ردّاً على ظاهر الشيخ (٢) وصريح ابن إدريس ، حيث شرط في النزح المذكور ارتماسه (٣).

ولا وجه له لخُلُوّ النصوص من اشتراطه لأنّها واردة بنزول الجنب ، كرواية عبد الله بن سنان (٤) ، ودخوله مع الاغتسال ، كرواية أبي بصير (٥) ، ووقوعه ، كرواية الحلبي (٦) ، ودخوله ، كرواية محمد بن مسلم (٧).

وإنّما قيّد بالاغتسال دون الملاقاة المشترك مدلول الأخبار فيها للتصريح به في بعضها ، ويجب حمل المطلق على المقيّد.

وإنّما شرط خُلُوّ بدنه من نجاسة عينيّة ليتمّ الاكتفاء بالسبع ، إذ لو كان عليه نجاسة ، لوجب لها مقدّرها إن كان ، وإلا فعلى ما مرّ.

والعلّة فيه نجاسة البئر بذلك وإن كان بدنه خالياً من نجاسة ، ولا بُعد فيه بعد ورود النصّ.

وليس الأمر في الماء الذي يغتسل به الجنب على حدّ الماء مطلقاً ، ولهذا قال جمع بعدم طهوريّة قليله ، فلا بُعد حينئذٍ في أن ينفعل عنه البئر الذي قد عُلم تأثّره بما لا يتأثّر به غيره وتأثير غيره في التطهير والتنجيس.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٣ / ٧٠١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٣ ـ ٣٤ / ٨٩.

(٢) المبسوط ١ : ١٢.

(٣) السرائر ١ : ٧٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣٤ ـ ٣٥ / ٩٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢.

(٦) الكافي ٣ : ٦ / ٧ ؛ التهذيب ١ : ٢٤٠ / ٦٩٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٢.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٤.

٤١٠

فقول بعضهم : «إنّ نجاسة البئر بغير منجّسٍ معلومُ البطلان إذ الفرض إسلام الجنب وخُلُوّ بدنه من العينيّة» (١) قد ظهر منعه ، بل هو بمنجّسٍ ، فإنّ الذي نجّس غيره بتلك الأشياء هو الذي نجّسه بهذا الشي‌ء على الوجه المخصوص.

ولو غلّبنا في النزح جانب التعبّد كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب (٢) واختيار بعض (٣) المتأخّرين فالإشكال مرتفع من أصله.

والذي اختاره المصنّف في المختلف تبعاً لشيخه المحقّق (٤) أنّ الحكم بالنزح ؛ لكونه مستعملاً ، فيكون النزح لسلب الطهوريّة (٥).

ويشكل بإطلاق النصوص ، وبحكم سلار وابن إدريس وجماعة من المتأخّرين بوجوب النزح مع طهوريّة المستعمل عندهم (٦) ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ؛ لأنّه فرّعه على القول بسقوط طهوريّة المستعمل وهو لا يقول به ، فيلزم عدم القول بالنزح.

ويتفرّع عليه اشتراط النيّة والحكم بصحّة الطهارة لكون الانفعال مسبباً عنها ومتأخّراً. ورواية أبي بصير عن أبي عبد اللهُ دالّة عليه ، حيث سأله عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها ، قال : «ينزح منها سبع دلاء» (٧) والروايات الباقية كما لا تدلّ على اشتراط الاغتسال الشرعي ، كذلك لا تنافيه ، فيحمل مطلقها عليه جمعاً بين الأخبار.

فيندفع بذلك ما أورده المحقّق الشيخ عليّ من خُلُوّ الأخبار عنه أو كونها أعمّ حتى التزم بعدم الحكم بطهره لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن أبي يعفور : «لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم» (٨) فإنّ النهي المستفاد من الرواية يقتضي فساد الغسل لأنّه عبادة ، فلا يطهر الجنب (٩).

ويجاب : بمنع أنّ النهي عن العبادة ، بل عن الوقوع في الماء وإفساده ، وهو إنّما يتحقّق

__________________

(١) القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٢.

(٣) كالعِمة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٦٨.

(٤) انظر المعتبر ١ : ٧١٧٠.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ٥٥ ، المسألة ٢٩.

(٦) المراسم : ٣٤ و ٣٦٣٥ ؛ السرائر ١ : ٦١ و ٧٩ ؛ الجامع للشرائع : ١٩ و ٢٠.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢.

(٨) الكافي ٣ : ٦٥ / ٩ ؛ التهذيب ١ : ١٥٠١٤٩ / ٤٢٦ ؛ الاستبصار ١ : ١٢٧ ١٢٨ / ٤٣٥.

(٩) جامع المقاصد ١ : ١٤٣.

٤١١

بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرّد دخوله في البئر ، فلا يضرّ هذا النهي لتأخّره ، وعدم كونه عن نفس العبادة ، إلا أن يقال : الوسيلة إلى المحرّم محرّمة وإن كانت قبل زمانه.

ويمكن على هذا فرض صحّة الغسل ووجوب النزح في بئر مملوكة للمغتسل ، فإنّ تنجيسها (١) غير محرّم عليه.

ويرجّح الأوّل أنّه لو لم يطهر لم يتحقّق الإفساد الذي هو متعلّق النهي ، ومتى لم يتحقّق فلا حرج عليه ، فيجوز الاغتسال.

ودفع ذلك كلّه بما تقدّم من أنّ الإفساد متأخّر عن الحكم بصحّة الغسل ، فلا يؤثّر فيه ، فعلى هذا إن اغتسل مرتمساً ، طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّباً ، أجزأه غسل ما غسله قبل وصول الماء إلى البئر إن كان خارجاً عن الماء ، وإلا فما قارن به النيّة خاصّة. كذا قرّره بعض (٢) المتأخّرين.

وللنظر في بعضه مجال لتعليق الحكم كما تحقّق على الاغتسال ، ولا يتحقّق إلا بالإكمال.

وبالجملة ، فالمسألة من المشكلات ، والله أعلم بحقيقة الحال.

(ولخروج الكلب) من الماء (حيّاً) على المشهور ، وروى ذلك عن الباقر عليه‌السلام (٣).

وأوجب ابن إدريس نزح أربعين إذ لا نصّ فيه (٤) ، وكأنّه اطّراحاً لخبر الآحاد ، وإنّما اكتفى هنا بالأربعين مع حكمه بالجميع لما لا نصّ فيه (٥) لأنّها تجزي لموته كما مرّ (٦) فلوقوعه حيّاً أولى ، ولولاه لوجب نزح الجميع. وقد عرفت وجود النصّ.

ولا يلحق به خروج الخنزير حيّاً لعدم النصّ.

(وخمس في ذرق الدجاج) على المشهور ، ولم يوجد به نصّ على الخصوص.

ولم يقيّده المصنّف بالجِل تبعاً للشيخ (٧) ، لكن وجه الإطلاق عند الشيخ ظاهر ؛

__________________

(١) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «مملوك .. تنجيسه». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٧ ٢٣٨ / ٦٨٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨ / ١٠٣ ، وفيهما عن جعفر.

(٤) السرائر ١ : ٧٧٧٦.

(٥) السرائر ١ : ٧٢.

(٦) في ص ٤٠١.

(٧) النهاية : ٧ ؛ المبسوط ١ : ١٢.

٤١٢

لنجاسة ذرقه عنده مطلقاً (١).

وخصّه جماعة كالمفيد (٢) وسلّار (٣) بالجلّال.

قال المصنّف في المختلف : وعلى القولين لم يصل إلينا حديث يتعلّق بالنزح لهما.

ويمكن الاحتجاج بأنّه ماء محكوم بنجاسته ، فلا يطهر بدون النزح.

والتقدير مستفاد من رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع الصحيحة عن الرضا عليه‌السلام في البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شي‌ء من العذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهّرها؟ فوقّع «ينزح منها دلاء» (٤).

قال : والاحتجاج به بعيد لعدم دلالته على التقدير ، وإنّما يستدلّ به على أنّه لا يجزئ أقلّ من خمس من حيث إنّه جمع كثرة (٥). انتهى.

وهذا كلّه يقتضي تخصيصه بالجِل إن لم نقل بنجاسة الجميع.

ويمكن أن يستدلّ على نفي الزيادة عن الخمس بالإجماع على نفي وجوب الزائد.

قال المحقّق في المعتبر : ويقرب عندي أن يكون داخلاً في قسم العذرة ينزح له عشر ، وإن ذاب فأربعون أو خمسون. ويحتمل أن ينزح له ثلاثون لحديث كردويه (٦) ـ (٧).

ويرد على الوجهين عدم القائل بما زاد على الخمس ، والعذرة مخصوصة بفضلة الإنسان كما تقدّم (٨) ، فلا حجّة في الحديثين.

(وثلاث في موت الفأرة) مع عدم الوصفين : التفسّخ والانتفاخ ، وقد تقدّم (٩) المستند.

(و) كذا (الحيّة) على المشهور إحالة على الفأرة. وهو مأخذ ضعيف.

قال المحقّق : ويمكن أن يستدلّ على الحيّة بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا

__________________

(١) النهاية : ٥١ ؛ المبسوط ١ : ٣٦.

(٢) المقنعة : ٦٨ بناءً على نسختي «و، ز» منها.

(٣) المراسم : ٣٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٢٤٥٢٤٤ / ٧٠٥ ؛ الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٤.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ٥٠ ، المسألة ٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٥ ؛ التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠.

(٧) المعتبر ١ : ٧٦.

(٨) في ص ٣٩٩.

(٩) في ص ٤٠٩.

٤١٣

سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء» (١) فينزّل على الثلاث لأنّه أقلّ محتملاته. وعلّله مع ذلك بأنّ لها نفساً سائلة ، فتكون ميتتها نجسةً (٢).

وألحق الشيخان بها العقرب والوزغة (٣) بالتحريك للرواية (٤).

وحملها المصنّف على الاستحباب (٥) تبعاً لشيخه المحقّق لعدم النفس السائلة لهما ، فلا ينجسان بالموت ولا يتنجّس بهما شي‌ء ، بل روي أنّ لهما سُمّاً ، فيكره لذلك (٦).

وكذا القول في سام أبرص.

(ودلو) واحد (في) موت (العصفور وشبهه) ممّا هو دون الحمامة لقول الصادق عليه‌السلام في رواية عمّار : «أقلّه العصفور ينزح منها دلو واحدة» (٧).

وقد تقدّم (٨) الكلام على الرواية في موت الإنسان.

ولا فرق بين كونه مأكول اللحم أولا ، كالخفّاش للإطلاق ، خلافاً للراوندي (٩).

ولا يلحق به الطائر في حال صغره وإن شابهه في الحجم خلافاً للصهرشتي (١٠) لتعليق الحكم على الاسم. ولا بدّ لمدّعي إلحاق المشابه من دليلٍ على التخطّي.

(وبول) الصبي (الرضيع الذي لم يغتذ بالطعام) في الحولين اغتذاء غالباً على اللبن أو مساوياً له ، فلا يضرّ القليل.

والمراد بالطعام نحو الخبز والفاكهة ، أمّا السكّر ونحوه فلا يسمّى طعاماً على الظاهر.

ولا تلحق به الرضيعة لعدم النصّ.

(وكلّ ذلك عندي مستحبّ) لما تقدّم (١١) من اختياره عدم انفعال البئر بمجرّد الملاقاة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦ / ٧ ؛ التهذيب ١ : ٢٤٠ / ٦٩٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٢.

(٢) المعتبر ١ : ٧٥.

(٣) المقنعة : ٦٧ ، وفيها الوزغة فقط ؛ النهاية : ٧ ؛ المبسوط ١ : ١٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٨٨ ، و ٢٤٥ / ٧٠٦ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩ / ١٠٦. ولم نعثر على نصّ في العقرب.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٩.

(٦) المعتبر ١ : ٧٥.

(٧) التهذيب ١ : ٢٣٥٢٣٤ / ٦٧٨.

(٨) في ص ٣٩٨.

(٩) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٧٤ ؛ والشهيد في الذكرى ١ : ١٠١.

(١٠) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٧٤٧٣ ؛ والشهيد في الذكرى ١ : ١٠١.

(١١) في ص ٣٨٧.

٤١٤

فتُحمل الأخبار الواردة بالنزح على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما دلّ على عدم النجاسة بدون التغيّر.

(تتمّة : لا يجوز استعمال الماء النجس) وما هو في حكمه كالمشتبه به (في الطهارة مطلقاً) اختياراً واضطراراً بقرينة قوله فيما بعدُ : «ولا في الأكل والشرب اختياراً».

ويمكن على بُعدٍ أن يريد به ما يشمل الرافعة للحدث والمزيلة للخبث لتسمية الثاني طهارةً مجازاً ، وجواز إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه ، كما يقسّمون الماء في هذا الباب إلى مطلق ومضاف وغير ذلك.

والمراد بعدم الجواز ما هو المتعارف ، وهو التحريم الذي يترتّب على فعل متعلّقه الذمُ والعقابُ بناءً على أنّ استعمال المكلّف الماءَ النجس فيما يُسمّى طهارةً في نظر الشرع أو إزالةِ نجاسة مع اعتقاد شرعيّته يتضمّن إدخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراماً ، أو على تقدير استعماله والاعتداد بالصلاة به فيكون كالمصلّي بغير طهارة ، والاعتداد بذلك محرّم فتكون الوسيلة إليه محرّمةً ، أو بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث مجازاً ، كما أنّهم يُطلقون الوجوب في مواضع ويريدون به الوجوب بمعنى الشرط ، ولمّا كان التحريم مقابلاً للوجوب أُطلق على مقابله كذلك التحريمُ بمعنى عدم الاعتداد به لمقابلته الوجوب الشرطي.

وقد أشار المصنّف إلى إرادة هذا المعنى في النهاية حيث قال بعد التعبير بالتحريم : إنّا لا نعني بالتحريم حصول الإثم بذلك ، بل بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث (١).

ثمّ ينقسم الماء النجس بحسب حكمه ثلاثة أقسام أشار المصنّف إلى قسمين منها : ما لا يجوز اختياراً واضطراراً ، وهو استعماله في الطهارة كما تقدّم ، وعكسه ، كبلّ الطين به وسقيه الدابّة ونحوهما. وما يجوز مع الاضطرار خاصّة. وقد أشار إليه بقوله (ولا في الأكل والشرب اختياراً) أمّا مع الضرورة كإساغة اللقمة وحفظ الرمق وهو بقيّة الحياة وأشباه ذلك فيجوز.

ويجب الاقتصار على ما تندفع به الضرورة ، ولفظ الضرورة يشعر بذلك.

(ولو اشتبه النجس من الإناءين) بالطاهر منهما (اجتُنبا) وجوباً.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٤٦.

٤١٥

ولا يجوز التحرّي وهو الاجتهاد في طلب الأحرى بالاستعمال وهو الطاهر ؛ لقرينةٍ لثبوت النهي عن استعمالهما ، والقرينة التي لا تثمر اليقين غير كافية في الخروج عن النهي. وليس هذا كالاجتهاد في القبلة.

وجوّزه الشافعي (١) هنا.

(وتيمّم) عند عدم التمكّن من غيرهما.

ولا يشترط في صحّته إهراقهما قبله ليتحقّق عدم الماء الطاهر ؛ لأنّه بالاشتباه في حكم المعدوم ، خلافاً للشيخ (٢) ، استناداً إلى خبرٍ (٣) ضعيف.

وربما كانت الإراقة حراماً ؛ لخوف العطش ونحوه.

أمّا لو اشتبه المطلق بالمضاف ، وجبت الطهارة بكلّ واحد منهما ؛ لأنّه محصّل للطهارة بالمطلق المأمور به يقيناً ، فيكون الجمع بينهما مقدّمةً للواجب المطلق فيكون واجباً.

ولا يضرّ عدم الجزم بالنيّة عند كلّ طهارة ؛ لأنّ الجزم إنّما يعتبر بحسب الممكن ، لكن يشترط لوجوبه بل لصحّته فَقدُ ما ليس بمشتبه ، وإلا تعيّن استعماله ؛ لقدرته حينئذٍ على الجزم التامّ في النيّة.

ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة به ، وجبت الطهارة بالآخر ثمّ التيمّم ؛ لما تقدّم من أنّ الجمع مقدّمة الواجب المطلق. ولأنّ الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق وقد كان وجوده مقطوعاً به ، فيستصحب إلى أن يثبت العدم.

ويحتمل ضعيفاً عدم الوجوب ، فيتيمّم خاصّة ؛ لأنّ التكليف بالطهارة مع تحقّق وجود المطلق ، وهو منتفٍ. ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين.

وجوابهما يُعلم ممّا ذكرناه ؛ فإنّ الاستصحاب كافٍ في الحكم بوجود المطلق.

وأصالة البراءة هنا منتفية بوجوب تحصيل مقدّمة الواجب المطلق ، وهي لا تتمّ إلا بفعلهما معاً.

فإن قيل : ما ذكرتم من الدليل يقتضي عدم وجوب التيمّم ، فإنّ استصحاب وجود

__________________

(١) الوجيز ١ : ٩ ـ ١٠ ؛ العزيز شرح الوجيز ١ : ٧٣ ؛ الوسيط ١ : ٢١٤ ؛ حلية العلماء ١ : ١٠٣ ؛ روضة الطالبين ١ : ١٤٥ ؛ المجموع ١ : ١٨٠.

(٢) النهاية : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٩ / ٦٦٢ ، و ٢٤٨ / ٧١٢ ؛ الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٨.

٤١٦

المطلق إن تمّ لا يتمّ معه وجوب التيمّم ؛ إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقّق الوجود.

قلنا : الاستصحاب المدّعى إنّما هو استصحاب وجوب الطهارة به بناءً على أصالة عدم فقد المطلق ، وذلك لا يرفع أصل الاشتباه ؛ لأنّ الاستصحاب لا يفيد ما في نفس الأمر ، فالجمع بين الطهارتين يحصّل اليقين.

(ويستحبّ تباعد البئر عن البالوعة) التي يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات (سبع أذرع إذا كانت الأرض سهلةً) أي رخوة (وكانت البالوعة فوقها) فوقيّة محسوسة بأن يكون قرارها أعلى من قرار البئر. ولا اعتبار بوجه الأرض.

(وإلا) أي وإن لم يجتمع الأمران : فوقيّة البالوعة ورخاوة الأرض ، ويصدق ذلك بعدمهما وعدم أحدهما (فخمس) أذرع.

وفي حكم الفوقيّة المحسوسة الفوقيّةُ بالجهة بأن تكون البالوعة في جهة الشمال وإن استوى القراران ؛ لما ورد من أنّ مجاري العيون مع مهبّ الشمال» (١).

ويدلّ على اعتبار الصلابة وضدّها مع الشهرة مرسلة قدامة (٢) عن أبي عبد اللهُ ، قال : سألته كم أدنى ما يكون بين البئر والبالوعة؟ قال : «إن كان سهلاً فسبعة أذرع ، وإن كان جبلاً فخمسة أذرع» (٣).

وعلى اعتبار الفوقيّة والتحتيّة رواية الحسن بن رباط ، قال : سألته عن البالوعة ، فقال : «إن كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع» (٤).

وما ذكره المصنّف طريق الجمع بين الروايتين.

ويدلّ على اعتبار الجهة ما رواه محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف ، فقال لي : «إنّ مجرى العيون كلّها مع مهبّ الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوقَ الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّها إذا كان بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوقَ النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعاً» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٢.

(٢) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «ابن قدامة». والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٣) الكافي ٣ : ٨ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ؛ الإستبصار ١ : ٤٥ ـ ٤٦ / ١٢٧.

(٤) الكافي ٣ : ٧ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤٥ / ١٢٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٢.

٤١٧

وحمل الزائد عن السبع منها على المبالغة في الاستحباب. واستفيد منها اعتبار المجرى ، فتكون جهة الشمال فوقاً بالنسبة إلى ما يقابلها مع تساوي القرارين ، فيضمّ إلى الفوقيّة والتحتيّة باعتبار القرار وإلى صلابة الأرض ورخاوتها ، ويتحصّل من جميع ذلك أربع وعشرون مسألة ؛ لأنّ الأرض إمّا رخوة أو صلبة ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون قرار البئر فوق قرار البالوعة أو أسفل أو يتساوى القراران ، فالصور ستّ ، ثمّ إمّا أن تكون البئر في جهة الشمال والبالوعة في جهة الجنوب أو بالعكس ، أو تكون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب أو بالعكس ، ومضروب الأربعة في الستّة يبلغ أربعة وعشرين ، لكن لا فرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب وبين العكس ، وإنّما اقتضاه التقسيم ، فترجع المسائل إلى ثمانية عشر ، فالتباعد بخمس في كلّ صورة يوجد فيها أحد الأُمور : صلابة الأرض أو فوقيّة البئر بأحد المعنيين. والسبع في الباقي ، وهو كلّ صورة ينتفي فيها الأمران ، فيصير التباعد بخمس في سبع صورة صورة ، وبسبع في سبع.

وإن أردت توضيح ذلك على وجه التفصيل ، فنقول : إذا كانت البئر إلى جهة الشمال ، فصوره ستّ :

أ ـ قرارها أعلى والأرض صلبة.

ب ـ الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج ـ استوى القراران والأرض صلبة.

د ـ الصورة بحالها والأرض رخوة.

هـ ـ قرار البالوعة أعلى والأرض صلبة. ففي هذه الصور الخمس يكفي التباعد بخمس.

و ـ الصورة بحالها والأرض رخوة ، فالتباعد بسبع.

وإن كانت البئر إلى جهة الجنوب ، فالصور ستّ أيضاً :

أ ـ قرارها أعلى والأرض صلبة.

ب ـ الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج ـ استوى القراران والأرض صلبة.

د ـ قرار البالوعة أعلى والأرض صلبة. وفي هذه الصور الأربع التباعد بخمس.

هـ ـ قرارها أعلى والأرض رخوة.

٤١٨

و ـ استوى القراران ، والأرض رخوة. وفي هاتين الصورتين التباعد بسبع.

وإن كانت البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب ، فصُوره ستّ :

أ ـ قرارها أعلى والأرض صلبة.

ب ـ الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج ـ تساوى القراران والأرض صلبة.

د ـ البالوعة أعلى والأرض صلبة. ففي هذه الأربع التباعد بخمس.

هـ و و ـ رخاوة الأرض مع تساوي القرارين أو فوقيّة البالوعة. وفي هاتين الصورتين التباعد بسبع.

والستّ بعينها آتية في العكس ، وهو ما لو كانت البئر في جهة المغرب والبالوعة في المشرق.

واعلم أنّ في عبارة المصنّف هنا مخالفةً لطيفة لعبارة الأصحاب في المسألة بل لعبارته في غير هذا الكتاب ، وذلك لأنّه اعتبر في التباعد بسبع رخاوة الأرض وفوقيّة البالوعة ، والخمس فيما عدا ذلك ، فتساوي قرارهما مع رخاوة الأرض من صور التباعد بخمس ؛ لعدم اجتماع شرطي السبع ، فإنّ أحدهما : فوقيّة البالوعة ولم تحصل ، وعبارته في القواعد (١) وغيرها (٢) وباقي ما وجدناه من عبارة الأصحاب صريحة في دخول هذه الصورة في صور السبع ؛ لأنّهم شرطوا في التباعد بخمس أحد الأمرين : صلابة الأرض أو فوقيّة البئر ، فتساوي القرارين ليس منه ، والرواية التي هي مستند الحكم ليس فيها ما يدلّ على حكم التساوي ؛ لأنّه جعل السبع مع فوقيّة البالوعة ، والخمس مع فوقيّة البئر ، فالتساوي مسكوت عنه.

ومثله عبارة المصنّف في المختلف (٣).

واعتبار السبع في المسألة المفروضة مع موافقته للمشهور أبلغ في الاستظهار.

(وأسآر الحيوان) جمع سؤر بالهمزة ، وهو لغةً : ما يبقى بعد الشرب. وشرعاً : ماء قليل

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٧.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٥ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٢٩ الفرع الحادي عشر ؛ منتهى المطلب ١ : ١١٠ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٢٣٥.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٨٠ ، المسألة ٤٢.

٤١٩

باشره جسم حيوان وإن لم يشرب منه.

وهو تابع له في الطهارة والنجاسة والكراهة ، فأسآر الحيوان (كلّها طاهرة عدا) سؤر (الكلب والخنزير والكافر و) من أنواعه (الناصب).

وعطفه عليه إمّا من باب عطف الخاصّ على العامّ ، أو يريد بالكافر مَنْ خرج عن الإسلام ، وبالناصب الإشارة إلى كفّار المسلمين.

والمراد به مَنْ نصب العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام أو لأحدهم ، وأظهر البغضاء لهم صريحاً أو لزوماً ، ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والإعراض عن مناقبهم من حيث إنّها مناقبهم ، والعداوة لمحبّيهم بسبب محبّتهم.

وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس الناصب مَنْ نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد رجلاً يقول : أنا أبغض محمداً وآل محمد ، ولكنّ الناصب مَنْ نصب لكم وهو يعلم أنّكم توالوننا وأنّكم من شيعتنا» (١).

والخوارج من جملة النواصب ؛ لإعلانهم ببغض عليّ عليه‌السلام ، بل إنّما هو أبلغ من البغض.

وأمّا الغُلاة فخارجون من الإسلام اسماً ومعنًى. وذكرهم في فِرَق المسلمين تجوّز.

وهل ينجس سؤر غير هذه الثلاثة من فِرَق المسلمين؟ قيل : لا ؛ لعدم نقل اجتناب النبيّ وعليّ عليهما‌السلام ذلك مع ما كان بين عليّ عليه‌السلام وبين أهل عصره من المباينة والمخالفة في العقائد. وسُئل عليّ عليه‌السلام عن الوضوء من ركو أبيض مخمّر أي مغطّى أو من فضل وضوء المسلمين ، فقال : «بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة» (٢) وهو اختيار المحقّق والشهيد رحمه‌الله في الذكرى (٣).

وألحق جماعة منهم : المصنّف في بعض (٤) كتبه ، والشهيد في غيرها (٥) المجسّمة بالحقيقة ، وبعضهم (٦) المجسّمة ولو بالتسمية ، والشيخ رحمه‌الله المجبّرة (٧) أيضاً ،

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٣٢٧ / ٦٠ ، الباب ٣٨٥ ؛ ثواب الأعمال وعقابها : ٢٤٧ / ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٩ ـ ١٠ / ١٦.

(٣) المعتبر ١ : ٩٧ ؛ الذكرى ١ : ١٠٩.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٢٤.

(٥) البيان : ٩١.

(٦) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٤.

(٧) المبسوط ١ : ١٤.

٤٢٠