روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

آخر الثاني عشر ومن التاسع عشر إلى آخر الثاني والعشرين.

ورتّب على هذه الفروع ما يرد عليك من نظائرها.

(وكلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض) سواء كان بصفة دم الحيض أم لا ، كما صرّح به المصنّفُ في غير هذا الكتاب ، (١) وغيرُه. (٢)

وقد تقدّم أنّ الصفرة والكدرة في أيّام إمكان الحيض حيض ، فلو رأت ثلاثة إلى العشرة ثمّ انقطع عشرة ثمّ رأت ثلاثة ، فهُما حيضان.

والإمكان إمّا باعتبار المرأة ، كالبلوغ وعدم اليأس ، أو المدّة ، كعدم نقصه عن ثلاثة وعدم زيادته على عشرة ، أو المحلّ ، كخروجه من الجانب الأيسر مع اعتباره مطلقاً أو عند الاشتباه بالقرحة ، أو دوام الوقت ، كتوالي الثلاثة ، أو الحال ، كعدم الحمل إن لم نقل بحيض الحامل ، أو تأخّر الولادة عنه عشرة فصاعداً إن قلنا به ؛ لاستحالة قصور الطهر عن أقلّه.

والنفاس كالحيض هنا ، وكذا ما يتعقّب النفاس من الدم يعتبر في الحكم بكونه حيضاً مضيّ أقلّ الطهر ، وقد نبّه عليهما المصنّف في النهاية ، (٣) أو أوصاف الدم كالحمرة مع السواد حيث يتحقّق التمييز.

وإنّما يعتبر الإمكان بعد استقرار الحال فيما يتوقّف عليه ، فلا يرد النقض بيومي الاستظهار مع عبور الدم العشرة ، فإنّهما وإن أمكن كونهما حيضاً قبل التجاوز لكنّ الحكم فيهما موقوف على اعتبار التجاوز وعدمه. وكذا القول في أوّل رؤية الدم مع انقطاعه دون الثلاثة ونحوه.

ولا يخفى افتقار العبارة في تأدية ذلك إلى فضل تكلّف.

(ولو رأت) المرأة الدم (ثلاثة) أيّام (وانقطع ثمّ رأت) اليوم (العاشر خاصّة) بأن انقطع عليه وإن تجدّد بعد ذلك (فالعشرة حيض) سواء في ذلك المعتادةُ وغيرها.

وكذا الحكم لو انقطع على ما دون العشرة بطريق أولى.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٣ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥٧ ، الفرع الثاني ؛ قواعد الأحكام ١ : ١٤ ؛ منتهى المطلب ٢ : ٢٨٧ ، نهاية الإحكام ١ : ١١٨.

(٢) كالمحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢٠٣.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١١٧.

٢٠١

والضابط : أنّ كلّ دمين فصاعداً في العشرة تخلّلهما نقاء أو أكثر وحكم على الأوّل بكونه حيضاً فإنّ الجميع حيض.

وإن عبر الثاني العشرةَ ، فالحيضُ الأوّلُ خاصّة إن لم تكن ذات عادة أو كانت ولم يصادف الدم الثاني جزءاً منها ، ولو صادف ، فجميع العادة حيض.

أمّا زمان الدمين : فظاهر.

وأمّا النقاء : فلكونه محفوفاً بدمي الحيض.

ولو تعدّد النقاء مع تجاوز أحد الدماء ، فما في العشرة (١) من الدماء المنقطعة والنقاء حيض.

(ويجب عليها الاستبراء) وهو طلب براءة الرحم من الدم (عند الانقطاع لدون العشرة) بأن تضع قطنةً وتصبر عليها ثمّ تنظر (فإن خرجت القطنة نقيّةً ، فطاهر) تجري عليها الأحكام.

وفي رواية شرحبيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال : تعمد برِجْلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى فإن كان مثل رأس الذباب خرج على الكرسف. (٢)

وكلام المصنّف خالٍ عن الكيفيّة.

ويدلّ على إطلاقه رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنةً فإن خرج عليها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل. (٣)

ولا استظهار حينئذٍ ، خلافاً لظاهر المختلف. (٤)

(وإلا) أي : وإن لم تخرج القطنة نقيّةً من الدم بأيّ لون اتّفق (صبرت المعتادة) عدداً ووقتاً أو عدداً خاصّة بعد عادتها (يومين) وهُما المعبّر عنهما بيومَي الاستظهار ، وهو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو طهراً.

__________________

(١) في «م» : «العادة» بدل «العشرة».

(٢) الكافي ٣ : ٨٠ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦١.

(٣) الكافي ٣ : ٨٠ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٠.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٩٩ ، المسألة ١٤٤.

٢٠٢

ولها الاقتصار على يوم ؛ لوجوده مع اليومين في خبر (١) محمد بن مسلم وغيره ، (٢) وفي بعضها «أو ثلاثة. (٣)

وفي خبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام تنتظر عادتها (٤) ثمّ تستظهر بعشرة أيّام (٥) والمراد إلى تمام العشرة ، واختاره المرتضى (٦) وابن الجنيد ، (٧) وقوّاه في الذكرى (٨) مطلقاً.

وفي البيان مقيّداً بظنّها بقاء الحيض ، (٩) وكأنّه يريد به ظنّ الانقطاع على العشرة ، وإلا فمع التجاوز ترجع ذات العادة إليها وإن ظنّت غيرها. ودلالة الأخبار على التخيير بين الجميع ظاهرة.

والاستظهار المذكور على سبيل الاستحباب عند الأكثر ؛ لقوله عليه‌السلام تحيّضي أيّام أقرائك (١٠) ومفهومه الصلاة بعدها وأوضح منه دلالةً : خبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام المستحاضة إذا مضى أيّام أقرائها اغتسلت (١١) وغيرهما من الأخبار الدالّة على الإذن في العبادة بعد العادة.

ولا فرق في الاستظهار والرجوع إلى العادة بين تقدّمها وتأخّرها أو أن ترى قبلها وبعدها وفيها.

والتقييد بالمعتادة يقتضي عدم استظهار المبتدئة والمضطربة إذا لم ينقطع دمهما على العدد الذي تحيّضتا به.

وصرّح الشهيد في الدروس باستظهارهما ، (١٢) وفي الذكرى باستظهار المبتدئة بيوم (١٣) ؛

__________________

(١) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢١٥ نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب.

(٢) التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٨ ؛ الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٢١٧١ / ٤٨٩ و ٤٩٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٣ و ٥١٤.

(٤) في المصدر : «عدّتها».

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٩ ؛ الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٦.

(٦) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢١٤.

(٧) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٠٢ ، المسألة ١٤٥.

(٨) الذكرى ١ : ٢٣٨.

(٩) البيان : ٥٨.

(١٠) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢١٢.

(١١) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٨.

(١٢) الدروس ١ : ٩٨.

(١٣) الذكرى ١ : ٢٣٩.

٢٠٣

لرواية محمد بن مسلم عن الباقر. (١) عليه‌السلام (ثمّ) بعد الاستظهار المذكور (تغتسل وتصوم) وتتعبّد (فإن انقطع) الدم (على العاشر) تبيّن أنّ الجميع حيض ، وأنّ ما عملته في أيّام الاستظهار موافق للواقع ، وما فَعَلَته بعد الاستظهار باطل ؛ لوقوعه في الحيض ، لكن لا حرج عليها فيما فَعَلَته من صلاةٍ وصومٍ ووقاعٍ ؛ للإذن فيه ظاهراً.

و (قضت ما صامت) من العشرة بعد الاستظهار (وإلا) أي : وإن لم ينقطع على العاشر (فلا) قضاء لما صامت ؛ لتبيّن وقوعه في الطهر. ولا ريب في قضاء صوم أيّام الاستظهار ؛ لوجوبه على تقديري الحيض والطهر ، وكذا صلاته على المشهور ؛ لظهور طهر ما زاد على العادة ، وجواز تركها ارتفاقاً من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبيّن فساد الاحتمال بعبور العشرة ، ولعموم مَنْ فاته صلاة. (٢)

ونقل عن المصنّف أنّه أفتى في المنتهي (٣) بعدم الوجوب وجَعَله احتمالاً في النهاية (٤) لأنّها مأمورة بالترك إمّا وجوباً أو استحباباً ، فلا يتعقّب القضاء.

وقد عرفت جوابه ، ولأنّ وجوب القضاء لا يتبع وجوب الأداء ، وإنّما يجب بأمرٍ جديد وهو موجود هنا.

هذا حكم المعتادة (و) أمّا (المبتدئة) : فإنّها (تصبر حتى تنقى أو تمضي العشرة) فإذا مضت ولم ينقطع ، رجعت حينئذٍ إلى التمييز ثمّ إلى ما بعده ، فتقضي العبادة على وفق ما قُرّر لها.

هذا في الشهر الأوّل ، وفي الثاني إن وجدت تمييزاً ، عملت به وإن كانت في الأوّل قد أخذت بما بعده ؛ لعدمه.

فلو رأت في الأوّل أحمر وعبر العشرة فرجعت إلى نسائها وأخذت السبعة مثلاً وفي الشهر الثاني رأت خمسةً سواداً ثمّ أحمر وعبر العشرة ، أخذت الخمسة ؛ عملاً بالتمييز. وإن فقدته ، اغتسلت وتعبّدت بعد تمام العدد المأخوذ المستفاد من عادة نساءٍ أو رواية. ثمّ إن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٢ ؛ الإستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٢.

(٢) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٣) لم نعثر على الحاكي عنه ؛ وفي منتهى المطلب ٢ : ٣٢١ استوجه القضاء.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٢٣ ، واستشكل فيها في وجوب القضاء.

٢٠٤

عبر العشرة ، ظهر صحّة عملها وقعودها ، وإن انقطع عليها ، تبيّن أنّ الجميع حيض ، فتقضي ما صامت كالمعتادة ، وظهر بطلان الغسل ، ولا إثم في الصلاة والصوم والوقاع بعد الغسل كما مرّ ، وكذا القول فيما بعده من الأدوار.

وأمّا المضطربة : فتغتسل بعد ما تأخذه من الروايات مع عدم التمييز ، ويجي‌ء عند انقطاعه على العشرة ما ذُكر. وقد تقدّم (١) اختيار الشهيد رحمه‌الله استظهارهما كالمعتادة بعد العدد المأخوذ.

(ولو ) رأت) ذات العادة الدم في (العادة و) في (الطرفين) قبلها وبعدها (أو) رأته في العادة وفي (أحدهما ولم يتجاوز) الجميع عشرة أيّام (فالجميع) وهو العادة وما قبلها ومابعدها (حيض) لإمكانه ، ولأنّ كلّ دم ينقطع على العشرة فما دون لا يفرق فيه بين المعتادة وغيرها في الحكم بكونه حيضاً (وإلا) أي : وإن تجاوز العشرة (فالعادة) حيض دون الطرفين ؛ لما تقدّم من أنّ الدم متى تجاوز العشرة رجعت ذات العادة إليها.

ولا فرق في اختصاص العادة بالحيض بين إمكان ضميمة الطرف الأوّل إليها وعدمه ؛ لما تقدّم ، ولاستواء نسبة الطرفين إلى العادة ، فضمّ الأوّل إليها خاصّةً ترجيح من غير مرجّح.

ولا يقال : إنّ المرجّح هو قولهم : كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، وضميمة الأوّل إذا لم يستلزم عبور العشرة منه ؛ لأنّ ذلك مقيّد بعدم عبوره العشرة ، وإلا لوجب الحكم بالعشرة مع العبور مطلقاً ؛ للإمكان بهذا المعنى.

واعلم أنّه مع رؤية المعتادة الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل تترك العبادة بمجرّد رؤيته ، أم يجب الصبر إلى مضيّ ثلاثة أو وصول العادة؟ يبنى على إيجاب الاحتياط بالثلاثة على المبتدئة والمضطربة ، وعدمه ، فإن لم نوجبه عليهما كما هو اختيار المصنّف في المختلف (٣) لم يجب عليها بطريق أولى ، وإن أوجبناه كما اختاره المرتضى (٤) وابن الجنيد (٥)

__________________

(١) في ص ٢٠٣.

(٢) في إرشاد الأذهان : «وقد تتقدّم العادة وتتأخّر ، فلو».

(٣) مختلف الشيعة ١ : ١٩٨١٩٧ ، المسألة ١٤٣.

(٤) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢١٣.

(٥) كما في الذكرى ١ : ٢٣٦.

٢٠٥

والمحقّق في المعتبر (١) احتمل إلحاقها بهما ؛ لأنّ تقدّمه على العادة الملحقة بالأُمور الجبليّة يوجب الشكّ في كونه حيضاً ، فتكون فيما سبق على أيّام العادة كمعتادة العدد مضطربةَ الوقت.

ولظاهر قول الصادق عليه‌السلام «إذا رأت الدم أيّام حيضها تركت الصلاة (٢) إذ الظاهر أنّ المراد بأيّام حيضها العادة.

ومثله قوله عليه‌السلام «المرأة ترى الصفرة أيّام حيضها فلا تصلّي. (٣)

ويحتمل قويّاً عدمه ؛ لصدق الاعتياد عليها ، ولأنّ العادة تتقدّم وتتأخّر.

ولعموم رواية منصور بن حازم عنه عليه‌السلام «أيّ ساعة رأت الصائمة الدم تفطر (٤) ومثله خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «تفطر إنّما فطرها من الدم. (٥)

وهذان الحديثان كما يشملانها يشملان المبتدئة والمضطربة ، والخبران الأوّلان لا ينافيانهما ؛ لما تقدّم من اختيار أنّ المراد بأيّام الحيض أيّام إمكانه.

وأجاب في المعتبر بأنّ الحكم بالإفطار عند الدم مطلقاً غير مراد ، فيصرف إلى المعهود ، وهو دم الحيض ، ولا يحكم بكونه حيضاً إلا إذا كان في العادة ، فيحمل على ذلك. (٦)

وفيه منع ؛ لأنّ اللام مع عدم سبق عهدٍ لها تُحمل على الجنسيّة أو الاستغراق ، وكلاهما محصّل للمدّعى. ولو فرض خروج بعض الأفراد بنصٍ خاصّ ، بقي الاستغراق حجّةً على الباقي. ولو سلّم حملها على العهد ، لم يضرّنا ؛ لأنّ المراد به ما يمكن كونه حيضاً ، لا ما تحقّق كونه حيضاً ؛ للقطع بأنّ تحقّق الحيض لا يتّفق في أوّل رؤية الدم كما هو المفروض في الرواية وإن كان في أيّام العادة ؛ لإمكان انقطاعه قبل الثلاثة ، وإمكان الحيض مشترك بين المعتادة وغيرها.

واختار الشهيد في البيان عدم وجوب الاحتياط على المضطربة إذا ظنّت الدم حيضاً ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ؛ التهذيب ١ : ١٥٨١٥٧ / ٤٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٧٨ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٣٩٦ / ١٢٣٠.

(٤) التهذيب ١ : ٣٩٤ / ١٢١٨ ؛ الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩.

(٥) التهذيب ١ : ١٥٣ / ٤٣٥.

(٦) المعتبر ١ : ٢١٤.

٢٠٦

وحمل عليه رواية إسحاق بن عمّار (١) عن الصادق عليه‌السلام في المرأة ترى الصفرة «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض. (٢) (٣)

وهو عجيب ؛ فإنّ المضطربة ليس لها أيّام للحيض حتى يسبقها الدم المذكور بيومين ، بل هو دالّ على ما قدّمناه من رؤية المعتادة الدم قبل عادتها إلا أنّه لا يدلّ على حكم ما زاد على اليومين.

ويمكن أن يقال : جواز ترك العبادة قبل العادة بيومين يستلزم جوازه مطلقاً ؛ لانحصار الخلاف في المنع مطلقاً ، فالتقييد باليومين إحداث قولٍ ثالث.

(ويجب) عليها (الغسل عند الانقطاع) وجوباً مشروطاً بوجوب ما لا يتمّ إلا به ، كالصلاة والطواف ؛ للإجماع على وجوب هذا الغسل لغيره.

وإنّما علّق الوجوب على الانقطاع ؛ لأنّه وقت تمام السبب ، فأطلق الوجوب عند حصوله وإن كان وجوب المسبّب معلّقاً على الشرط ، كما تقول : يجب على الحائض القضاء وإن كان لا يتحقّق إلا مع الطهر.

وكيفيّته (كغسل الجنابة) ترتيباً وارتماساً ، فتلحقه أحكامهما ، لكن لا بدّ معه من الوضوء سابقاً على الغسل أو لاحقاً له ، والأوّل أفضل. وتتخيّر بين الرفع والاستباحة فيهما في الحالين.

(ويحرم عليها) في زمان رؤية الدم فعل (كلّ مشروط بالطهارة ، كالصلاة) الواجبة والمندوبة (والطواف) الواجب دون المندوب ، خلافاً للمصنّف في النهاية ، (٤) كما تقدّم.

(و) كذا يحرم عليها (مسّ كتابة القرآن) لقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٥) وهو خبر معناه النهي.

وفي معناه اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام وفاطمة عليها‌السلام ، كما تقدّم.

(ولا يصحّ منها الصوم) في زمان رؤية الدم أيضاً ؛ لقوله عليه‌السلام صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا حاضت المرأة

__________________

(١) في المصدر : إسحاق بن عمّار عن أبي بصير.

(٢) الكافي ٣ : ٧٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ / ١٢٣١.

(٣) البيان : ٦٤.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١١٨ و ١٢٠.

(٥) الواقعة (٥٦) : ٧٩.

٢٠٧

لم تصلّ ولم تصم. (١)

وإنّما غيّر الأُسلوب في الصوم من التحريم إلى عدم الصحّة ؛ لينبّه على اختلاف حكم الثلاثة المتقدّمة وحكم الصوم ؛ فإنّ مشروطيّتها بالطهارة أقوى منه ؛ للإجماع على عدم صحّتها بعد النقاء قبل الغسل ، والخلاف فيه. وكذا القول في تحريم طلاقها.

(و) كذا (لا يصحّ طلاقها) في زمان رؤية الدم (مع الدخول) بها (وحضور الزوج) عندها (أو حكمه) أي : حكم الحضور ، وهو قربه منها بحيث يمكنه استعلام حالها أو غيبته عنها من دون أن يعلم انتقالها من الطهر الذي فارقها فيه إلى غيره بحسب عادتها الغالبة ، فغير المدخول بها يصحّ طلاقها في حال الحيض ، وكذا مَنْ غاب عنها زوجها مع العلم المذكور ، أو كان في حكم الغائب ، وهو القريب منها مع عدم إمكان استعلام حالها له ، كالمحبوس.

ولا تقدير للغيبة المجوّزة للطلاق شرعاً ، فيرجع فيها إلى العرف ؛ لأنّه المرجع عند تعذّر الحقيقة الشرعيّة. وتقريبه : كلّ مَن ليس من شأنه الاطّلاع على أحوالها عادةً ؛ لبُعد المنزل أو حكمه.

وينبغي مراعاة الاحتياط في مواضع الاشتباه ؛ حفظاً لحرمة الفروج والأنساب.

ويشترط أيضاً في عدم صحّة طلاقها انتفاء حملها ، فلو كانت حاملاً ، صحّ طلاقها وإن كانت حائضاً بناءً على إمكان اجتماعهما ، وسيأتي في باب الطلاق وجه ذلك كلّه.

(ويحرم) عليها (اللبث) بفتح اللام وسكون الباء (في المساجد) وهو المكث مُثلّث الميم.

وهذا في غير المسجدين الحرمين ، وفيهما يحرم الدخول مطلقاً ، رواه محمد بن مسلم عن الباقر. (٢) عليه‌السلام والذي دلّت عليه الأخبار كخبر محمد بن مسلم (٣) وظاهر الآية (٤) الإذن في الاجتياز وعبور السبيل ، وهُما يقتضيان المرور من أحد بابي المسجد إلى الآخر.

ويلحق باللبث التردّدُ في جوانب المسجد ؛ لأنّ التردّد في غير جهة الخروج كاللبث ،

__________________

(١) أورده العمة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ١١٩.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢.

(٤) النساء (٤) : ٤٣.

٢٠٨

كما نبّه عليه المصنّف في النهاية. (١)

ولا فرق في الجواز بين أن يكون لها سبيل إلى المقصد غير المسجد أو لا يكون ؛ للعموم ، كما في الجنب ؛ لاشتراكهما في الحدث ودليل المنع والإباحة.

ويحرم عليها وضع شي‌ء في المساجد أيضاً كالجنب ، رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ قال : «لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه. (٢)

وعدّ سلار اللبثَ في المساجد للجنب والحائض ووضع شي‌ء فيها ممّا يستحبّ تركه ، (٣) ولم يفرّق بين المسجدين وغيرهما.

ويدفعه النصّ والإجماع.

(و) كذا يحرم عليها (قراءة العزائم) الأربع وأبعاضها ؛ للنصّ والإجماع.

ولو فرض منها تلاوة إحداها ، وجب عليها السجود وإن أثمت ، كما أشار إليه بقوله (وتسجد) وهو خبر معناه الأمر بالسجود (لو تلت) إحدى السجدات (أو استمعت) لمن يقرؤها. ولا تحريم فيه. والمراد بالاستماع الإصغاء. وكذا تسجد لو سمعت السجدة من غير قصدٍ ؛ لاشتراك الجميع في المقتضي ، وعدم صلاحيّة الحيض للمانعيّة.

أمّا الأوّل : فلما روي في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام حيث سُئل عن الطامث تسمع السجدة ، قال «إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها. (٤)

ولما رواه أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام قال «إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي. (٥)

وأمّا الثاني : فلأنّ احتمال المنع إنّما نشأ من كون السجود جزءاً من الصلاة المشترطة بالطهارة ، كما هو حجّة الشيخ على عدم السجود (٦). ؛ وهو ممنوع ؛ لأنّ المساواة في الهيئة

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٠٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٧١٠٦ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٣.

(٣) المراسم : ٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٦ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٣ ؛ الإستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٧١.

(٦) النهاية : ٢٥.

٢٠٩

لا تقتضي المشاركة في الشرائط. ولأنّ اشتراط المجموع بشي‌ء لا يقتضي اشتراط الأجزاء بذلك.

وما ورد من قوله عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن في الحائض تقرأ ولا تسجد (١) محمول على السجدات المستحبّة ؛ بدليل قوله عليه‌السلام : «تقرأ» فلا يصلح حجّةً للشيخ.

وإنّما ترك مسألة السماع ؛ لأنّ بحثه عن الوجوب ؛ لدلالة ظاهر الأمر عليه ، والسماع لا يوجب السجود عنده. ولأنّ القصد التنبيه على خلاف الشيخ رحمه‌الله.

وقال الشهيد رحمه‌الله في بعض تحقيقاته : إنّ المصنّف إنّما ترك السماع ؛ لأنّه مدلول عليه بالالتزام.

وفي تحقيق اللزوم نظر.

واعلم أنّ هذه الأُمور المحرّمة عليها ليست غاية زوال التحريم فيها واحدةً ، بل منه ما غايته الطهارة ، كالصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم ، ومنه ما غايته انقطاع الدم ، كالطلاق ؛ فإنّ تحريمه مرتفع (٢) بالنقاء وإن لم تغتسل ، ومنه ما اختلف في إلحاقه بأحد القسمين ، وهو الصوم ، فالمشهور إلحاقه بالصلاة ، فلا يصحّ الصوم بدون الغسل وإن لم يتوقّف على الوضوء.

واختار المصنّف في النهاية تبعاً لابن أبي عقيل (٣) انتهاء غاية التحريم فيه إلى النقاء وإن لم تغتسل ، (٤) ولم يذكر في النهاية عليه دليلاً ، لكنّه مذهب العامّة ، وهو باصولهم أشبه ؛ لعدم اشتراط الطهارة في الصوم عندهم ؛ لصحّته من الجنب ، والترجيح مع المشهور بأُمور :

أحدها : أنّ الحيض مانع من الصوم في الجملة ، فيستصحب حكم المنع إلى أن يحصل المنافي له شرعاً باليقين ، وهو غير حاصل قبل الغسل ؛ لعدم الدليل الصالح على ذلك.

ولا يعارض بأنّ عموم الأوامر بالصوم يدخل المتنازع ، ولا يخصّ إلا بدليل ، وليس المتنازع كذلك ؛ لأنّ الحائض قد خرجت من عموم الأوامر بحصول الدم المحكوم بكونه حيضاً ، فلا تعود حتى يتحقّق ارتفاع المانع ، وهو إنّما يتمّ بالغسل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٣ ، وفيه : «لا تقرأ ..».

(٢) في «م» : «يرتفع».

(٣) انظر : مختلف الشيعة ٣ : ٢٧٨ ٢٧٩ ، المسألة ٢٩.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١١٩.

٢١٠

وثانيها : أنّ الصوم من الحائض غير صحيح قطعاً والوصف ثابت بعد النقاء بل وبعد الغسل ؛ لما تقرّر في الأُصول من أنّه لا يشترط لصدق الاشتقاق بقاء المعنى المشتقّ منه ، لكن خرج من ذلك ما أخرجه الدليل ، وهو ما بعد الغسل ، فيبقى الباقي على أصله.

وثالثها : أنّ المستحاضة الكثيرة الدم لا يصحّ صومها بدون الغسل إجماعاً مع أنّها أخفّ حدثاً من الحائض قطعاً ، فعدم صحّة صوم الحائض قبله أولى.

وليس هذا من باب القياس الممنوع ، بل من باب مفهوم الموافقة.

وكذا القول في النفساء بعد النقاء بتقريب الدليل.

(ويحرم على زوجها وطؤها) قُبُلاً في زمان الدم بإجماع المسلمين حتى أنّ مستحلّه كافر مرتدّ ؛ لإنكاره ما عُلم من الدين ضرورةً ، فتجري عليه أحكامه ما لم يدّع شبهةً ممكنة في حقّه ، كقُرب عهده من الإسلام ، ونشوئه في بادية بعيدة عن العلم بمعالم الدين.

ولو كان غير مستحل ، فإن كان عالماً بالحيض والتحريم ، فَعَل محرّماً (فيعزّر) كما في كلّ فاعلِ محرّمٍ عالم به بما يراه الحاكم.

ونقل عن أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر تقديره بثُمن حدّ الزاني. (١) ولا نعلم المأخذ ، فالمرجع فيه إلى رأي الحاكم كما في غيره من التعزيرات غير المنصوصة.

ولو جهل الحيض أو التحريم أو نسيهما ، فلا شي‌ء عليه ؛ لرفع حكم الخطأ والنسيان.

ويجب القبول من المرأة لو أخبرت بالحيض إن لم تتّهم بتضييع حقّه ؛ لقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ) (٢) الآية ، ولو لا وجوب القبول لما ظهر لتحريم الكتمان فائدة.

ولو اشتبه الحال ، فإن كان لتحيّرها ، فقد تقدّم حكمه. وإن كان لغلبة ظنّه بكذبها ، فقد أوجب المصنّف في النهاية والمنتهى ، والشهيد في الذكرى الامتناع. (٣) وفيه نظر.

ولو اتّفق الحيض في أثناء الوطي ، وجب التخلّص منه في الحال ، فإن استدام فكالمبتدي.

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، فيجب عليها الامتناع بحسب الإمكان ، فتعزّر أيضاً مع المطاوعة لكن لا كفّارة عليها إجماعاً. ولأصالة البراءة ، وعصمة المال.

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ٣٢٠.

(٢) البقرة (٢) : ٢٢٨.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١٢٢ ؛ منتهى المطلب ٢ : ٣٩٣ ، الفرع الثاني عشر ؛ الذكرى ١ : ٢٧٨.

٢١١

(و) هل يجب عليه مع ذلك كفّارة؟ قيل : لا ، بل (تُستحبّ الكفّارة) كما اختاره المصنّف والشيخ في النهاية ، (١) وجماعة (٢) من المتأخّرين.

والمشهور خصوصاً بين المتقدّمين كالمفيد والمرتضى وابن بابويه (٣) وغيرهم (٤) الوجوب حتى ادّعى الشيخ فيه الإجماع. (٥)

ومنشأ القولين من اختلاف الروايات.

فالأوّل استند مع أصالة البراءة إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله أن يقربها قلت : فإن فعل عليه كفّارة؟ قال لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله تعالى (٦) وهذا الخبر دالّ على عدم الكفّارة بأبلغ وجه ؛ لأنّ ما لا يعلم الإمام وجوبه لا يكون واجباً ، وإلا لعلمه ؛ لامتناع أن يخفى عليه شي‌ء من الأحكام والحال أنّه حافظ للشرع ، وإلى غيره من الأخبار الدالّة على عدم الكفّارة صريحاً مع صحّة سندها.

واستند الثاني إلى روايات ضعيفة الإسناد ، مختلفة التقدير ، موجبة على تقدير دلالتها على الوجوب لتأخّر البيان عن وقت الحاجة ، فحملها على الاستحباب أوجَه ، فإنّ اختلاف التقادير في المستحبّ واقع ، كـ «تصدّقوا بتمرة» و «بشقّ تمرة» و «بصاع» و «بنصف صاع» ولا ريب أنّ الاحتياط طريق اليقين ببراءة الذمّة.

وعلى تقديري الوجوب والاستحباب فالكفّارة في الوطي (في أوّله) وهو ثلثه الأوّل على المختار ، كالأوّل لذات الثلاثة (بدينار) أي : مثقال ذهباً خالصاً مضروباً كانت قيمته في زمانهُ عشرة دراهم ، فلا تجزئ القيمة ولا التبر ؛ لعدم تناول النصّ لهما ، كباقي الكفّارات.

ولو طرأ نقصان قيمته أو زيادتها على ما كان في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله كهذا الزمان ، احتمل بقاء حكم القيمة واعتبار الدينار بالغاً ما بلغ.

__________________

(١) النهاية : ٢٦.

(٢) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٢٢٩ و ٢٣١ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٢١.

(٣) المقنعة : ٥٥ ؛ الانتصار : ١٢٦ ، المسألة ٢٦ ؛ الفقيه ١ : ٥٣.

(٤) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٥ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ١٤٤ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ٥٨.

(٥) الخلاف ١ : ٢٢٦ ، المسألة ١٩٤.

(٦) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٢ ؛ الإستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠.

٢١٢

وفي الذكرى نسب تقديره بعشرة دراهم إلى الشيخين ، (١) وهو يشعر بتوقّفه فيه وأن يراد به المثقال.

(و) مع الوطي (في أوسطه) وهو الثلث الأوسط ، كالثاني لذات الثلاثة (بنصفه) أي : بنصف الدينار ، كما تقدّم.

(و) مع الوطي (في آخره) وهو الثلث الأخير (بربعه).

ومستند التفصيل رواية داوُد بن فرقد المرسلة عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام (٢) ولا رادّ لها ولا معارض.

وحيث كان الاعتبار في الأوّل والأوسط والأخير بالعادة ، فتختلف باختلافها ، فالأوّل لذات الثلاثة اليومُ الأوّل ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأوّلان ، وعلى هذا القياس. ومثله الأوسط والأخير.

وقال سلار : الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة. (٣)

واعتبر الراوندي العشرة دون العادة. (٤)

وعليهما قد يخلو بعض العادات عن الوسط والآخر ، ورجوع الضمير في قوله عليه‌السلام : «يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار» (٥) إلى الحيض من غير تفصيل يدفعهما ، مع ندورهما.

والنفساء في ذلك كالحائض غير أنّه قد يمكن اجتماع زمانين أو ثلاثة في وطئ واحد بالنسبة إلى النفساء ، وحينئذٍ فيحتمل تعدّد الكفّارة ؛ لصدق الأزمنة لغةً ، واختاره الشهيد في الذكرى ، (٦) واحتمله في البيان. (٧) وعدمُه ؛ لعدم صدقها عرفاً ، وهو مقدّم على اللغة مع أصالة البراءة.

وفي شهادة العرف بذلك نظر ، ولو تمّ لم يكن بُدّ من القول به ؛ لتقدّمه عليها.

ومصرف هذه الكفّارة الفقراء والمساكين من أهل الإيمان ، ولا يجب التعدّد ، فيكفي

__________________

(١) الذكرى ١ : ٢٧٩ ؛ وانظر : المقنعة : ٥٥ ؛ والنهاية : ٢٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧١ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩.

(٣) المراسم : ٤٤.

(٤) فقه القرآن ١ : ٥٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧١ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩.

(٦) الذكرى ١ : ٢٧٩.

(٧) البيان : ٦٧.

٢١٣

الواحد.

ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة ، الحرّة والأمة ؛ للعموم.

وهل تلحقها الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها؟ وجهان منشؤهما استلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوتَه في الأعلى ، وعدم النصّ ، مع احتمال كون الكفّارة مسقطةً للذنب ، فلا تتعدّى إلى الأقوى.

واختار الأوّل المصنّف والشهيد (١) رحمه‌الله.

ويشهد له أيضاً رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام مَنْ أتى حائضاً (٢) حيث علّق الحكم على المطلق من غير تقييدٍ ، فكان كالعامّ.

ولو كانت الحائض الموطوءة أمتَه ، تصدّق بثلاثة أمداد من طعام على ما اختاره المصنّف (٣) تبعاً للشيخ في النهاية والصدوق (٤) وجوباً أو استحباباً. والمستند رواية (٥) لا تنهض بحجّيّة المدّعى.

ولا فرق حينئذٍ بين أوّل الحيض وأوسطه وآخره ؛ لإطلاق الرواية والفتوى ، ولا بين الأمة القِنّة والمدبّرة وأُمّ الولد والمزوّجة وإن حرم الوطء.

وفي المكاتبة المشروطة والمطلقة وجهان مبنيّان على الأجنبيّة ، وأولى بالوجوب.

أمّا المعتق بعضها فكالأجنبيّة ، مع احتمال التقسيط وإعطاء كلّ من الجهتين حكمها.

فرع : لو كرّر الوطء ، ففي تكرّر الكفّارة مطلقاً أو عدمه مطلقاً أو تكرّرها مع اختلاف الزمان أو سبق التكفير لا بدونهما أقوال اختار أوّلها الشهيد في مختصريه. (٦)

ويشهد له كون كلّ وطئ سبباً في الوجوب ، وتداخل الأسباب على خلاف الأصل ، وإنّما الأصل أنّ اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسبّبات ، وعلى هذا فيصدق تكرّر الوطي بالإدخال بعد النزع في وقتٍ واحد. ويتحقّق الإدخال بغيبوبة الحشفة ؛ لأنّه مناط

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٢٢ ؛ الذكرى ١ : ٢٧٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٨ ؛ الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٦.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١٢٢.

(٤) النهاية : ٥٧٢٥٧١ ؛ المقنع : ٥٢ ؛ الفقيه ١ : ٥٣ ذيل الحديث ٢٠٠.

(٥) انظر : التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ؛ والاستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨.

(٦) البيان : ٦٣ ؛ الدروس ١ : ١٠١.

٢١٤

الوطي شرعاً.

واستند ابن إدريس في عدم التكرّر مطلقاً إلى أصالة براءة الذمّة ، فشغلها بواجبٍ أو ندبٍ يحتاج إلى دلالة شرعيّة ، واستشهد عليه بعدم تكرّر الكفّارة على مَنْ كرّر الأكل في شهر رمضان اتّفاقاً. (١)

وقد عرفت جواب الاستدلال بالبراءة ؛ فإنّ تعليق الحكم في النصوص على الوطي وجَعله سبباً أوجب شغل الذمّة ، فمدّعي التداخل يحتاج إلى الدليل.

والقياس على تكرّر الأكل في الصوم إن كان مع تكرّر الأيّام ، فالاتّفاق على عدم التكرّر فيه ممنوع ، بل المختار فيه التكرّر.

وإن عنى به مع اتّحاد اليوم ، فهو أخصّ من الدعوى ، مع أنّه عين المتنازع. وإن لم يكن عليه إجماع ، فالمختار فيه كما هنا.

والثالث اختيار المصنّف (٢) والشهيد في الذكرى (٣) ؛ استناداً مع تغاير الوقت إلى أنّهما فعلان مختلفان في الحكم ، فلا يتداخلان ، كغيرهما من العقوبات المختلفة على الأفعال المختلفة. ومع تخلّل التكفير إلى أنّ الكفّارة إنّما تجب أو تستحبّ بعد موجب العقوبة ، فلا تؤثّر المتقدّمة في إسقاط ما يتعلّق بالفعل المتأخّر. وفي عدم التكرّر مع عدم الأمرين إلى أنّ الكفّارة متعلّقة على الوطي من حيث هو هو ، وكما يصدق في الواحد يصدق في المتعدّد ، فيكون الجزاء واحداً.

وجوابه : أمّا عن الأوّل : فيمنع أنّ عدم التداخل ثَمَّ معلّل باختلافها في الحكم. والاستشهاد بالعقوبات قياس لا نقول به ، بل الوجه في ذلك إنّما هو كون تداخل الأسباب على خلاف الأصل ، وهو ثابت مع اتّفاق الحكم. ومثله القول في تعليل الثاني.

وعن الثالث : بأنّه لو تمّ ، للزم مثله مع تغاير الوقت ، فإنّ وجوب الكفّارة إن كان معلّقاً على الوطي من حيث هو هو بحيث لا مدخل للأفراد ، لم يؤثّر في ذلك تغاير الوقت على وجه يقتضي التعدّد.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٤٤ و ١٤٥.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١٢٢.

(٣) الذكرى ١ : ٢٧٨.

٢١٥

ثمّ يمكن القول بموجب دليله وسوقه على وجه يستلزم التعدّد مطلقاً بأن يقال : الكفّارة مسبّبة عن الوطي ، وصدقه في المتعدّد كصدقه في كلّ واحد من آحاده ، فيتكرّر السبب ، والأصل فيه عدم التداخل ، فقد ظهر أنّ القول الأوّل أوجَه. ومثله القول في تكرّر الإفطار في شهر رمضان مطلقاً.

(ويكره) وطء الحائض (بعد انقطاعه) سواء كان في زمان العادة أم لا (قبل الغسل) من غير تحريم على أشهر القولين ؛ لدلالة القرآن والأخبار عليه.

أمّا الأوّل : فقوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ.) (١)

والاستدلال به على وجهين :

أحدهما : دلالة صدر الآية على اختصاص النهي بزمان المحيض أو بمكانه ؛ فإنّ المحيض إمّا بمعنى الزمان أو المكان ، كالمجي‌ء والمبيت ، أو أنّه مصدر يقدّر معه الزمان أو المكان ، وإنّما يكون كذلك مع وجود الدم ، والتقدير عدمه ، فينتفي التحريم.

والثاني : جَعله سبحانه غاية التحريم خروجهنّ من الحيض بقوله (حَتّى يَطْهُرْنَ) بالتخفيف ، كما قرأ به السبعة ، (٢) أي : يخرجن من الحيض ، يقال : طهرت المرأة : إذا انقطع حيضها ، فيثبت الحلّ بعده بمقتضى الغاية.

ولا يعارض بقراءة التضعيف ؛ حيث إنّ ظاهرها اعتبار التطهير ، أعني الاغتسال ؛ لإمكان حملها على الطهر ؛ توفيقاً بين القراءتين ، فقد جاء في كلامهم «تفعّل» بمعنى «فعل» مثل : تطعّمت الطعام وطعمته ، وقطعت الحبل فتقطّع ، وكسرت الكوز فتكسّر ، فإنّ الثقيل في هذه الأمثلة بمعنى الخفيف. ومثله المتكبّر في أسماء الله تعالى ، فإنّه بمعنى الكبير ، أو تُحمل قراءة التضعيف على الاستحباب ؛ صوناً للقراءتين عن التنافي ، كما ذكره في المعتبر. (٣)

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٢) كما في جامع المقاصد ١ : ٣٣٣. والقُرّاء السبعة هُمْ : حمزة بن حبيب الزيّات ، وعاصم بن أبي النجود ، وعليّ بن حمزة الكسائي ، من الكوفة ، وأبو عمرو بن العلاء ، من البصرة ، وابن عامر ، من الشام ، ونافع بن عبد الرحمن ، من المدينة ، وعبد الله بن كثير ، من مكة. السبعة في القراءات : ١٨٢ ؛ حجّة القراءات : ١٣٥١٣٤ ؛ الحجّة للقرّاء السبعة لأبي علي الفارسي ٢ : ٣٢١ ؛ التذكرة في القراءات ٢ : ٣٣٣.

(٣) المعتبر ١ : ٢٣٥.

٢١٦

ولا يعارض أيضاً بمفهوم الشرط في قوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) (١) لأنّ غايته تعارض مفهوم الغاية والشرط فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل وهو الحلّ حتى يقوم الدليل على التحريم ، أو أنّه مستأنف منقطع عمّا قبله ، ولا يكون غايةً لزمان الحظر ولا شرطاً لإباحة قربهنّ. سلّمنا ، لكنّ (٢) المراد به غَسل الفرج.

وأمّا الأخبار : فمنها : ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها ، قال إن أصابه شبق فليأمرها أن تغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء. (٣)

ومنها : ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ (٤) وهذا الحديث دالّ على الكراهة.

وذهب الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه إلى التحريم (٥) ؛ محتجّاً بالآية مفسّراً معنى «يطهرن» مخفّفاً ومثقّلاً بمعنى يغتسلن ، وبمفهوم الشرط.

وبما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال لا ، حتى تغتسل. (٦)

وبما رواه سعيد بن يسار عنه عليه‌السلام ، إلى قوله : أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : لا ، حتى تغتسل. (٧)

وأُجيب بالحمل على الكراهة ؛ توفيقاً بين الأخبار ، كما وُفّق بين القراءتين.

هذا أقصى ما وجّهوا به القولين حجّةً وجواباً.

وأقول : في حجّة الحلّ نظر من وجوه :

الأوّل : حمل الطهر مطلقاً على انقطاع الدم مع أنّه حقيقة شرعيّة في أحد الثلاثة أعني

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٢) في «م» والطبعة الحجريّة : «أو أنّ» بدل «سلّمنا ، لكنّ».

(٣) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٨١ ؛ الإستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨.

(٤) الكافي ٥ : ٥٣٩ ٥٤٠ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٨١ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨.

(٥) الفقيه ١ : ٥٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٨ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥.

(٧) التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٧٩ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٦.

٢١٧

الوضوء والغسل والتيمّم كما لا يخفى. وغاية ما ذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة ، والحقائق الشرعيّة مقدّمة على اللغويّة والعرفيّة ، فقراءة التخفيف وإن صلحت لهما لغةً لكنّها محمولة شرعاً على الحالة الحاصلة لهنّ بعد فعل الطهارة الشرعيّة ، وقراءة التشديد كالصريحة فيها.

الثاني : حمل قراءة التشديد على التخفيف استناداً إلى الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من القواعد العربيّة من أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني ، وهذا هو الكثير الشائع.

وما وقع من اتّفاقهما نادراً لا يوجب المصير إليه وترك الأكثري ، مع أنّ أكثر الشواهد ليست مطابقةً ؛ فإنّ باب «تفعّل» الجاري عليه كسرت الكوز فتكسّر ونحوه قطعت الحبل فتقطّع ليس ممّا نحن فيه.

الثالث : أنّ صدر الآية وهو قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (١) إنّما دلّ على تحريم الوطي في وقت الحيض ، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته ؛ إذ لا يلزم من تحريم شي‌ء في وقت أو مكان مخصوص اختصاص التحريم به ؛ لأنّه أعمّ منه ، ولا دلالة لعامّ على أفراده المعيّنة.

نعم ، ربما دلّ بمفهوم الوصف على الاختصاص ، وهو ليس بحجّة عند المصنّف (٢) والجماعة فكيف يحتجّون به!؟

الرابع : قولهم في جواب الغاية والشرط : إنّه قد تعارض مفهومان ، إلى آخره ، لا يتمّ بعد ما قرّرناه ، فإنّه لو حمل على الطهارة الشرعيّة أعني الغسل لم يقع تنافٍ أصلاً ، واستغني عن التكلّف.

ويؤيّده قوله في آخر الآية (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٣) فإنّ الموصوف بالمحبّة مَنْ فَعَل الطهارة بالاختيار حتى يستحقّ المدح والثناء ، وأمّا مَنْ حصل له الطهارة بغير اختياره كانقطاع الدم ، لا يستحقّ لذلك (٤) ؛ الوصفَ بالمحبوبيّة خصوصاً وقد قرنها بالتوبة

__________________

(١) صدر الآية قوله تعالى : فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ.

(٢) مبادئ الوصول : ١٠٠ ؛ نهاية الوصول ، المقصد الرابع : في الأمر والنهي ، الفصل الثالث ، البحث التاسع.

(٣) البقرة (٢) : ٢٢٢.

(٤) في «ق ، م» : بذلك.

٢١٨

الصادرة عن الاختيار. ولو سُلّم ، فمفهوم الشرط أقوى.

الخامس : اعتمادهم في دفع التنافي على كون قوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) كلاماً مستأنفاً كما قرّره المصنّف في المختلف (١) لا يدفع التنافي بوجه ؛ لأنّ الحجّة ليست في كونه معطوفاً على ما قبله حتى يدفعه الحمل على الاستئناف ، بل في تصديره بأداة الشرط ، الدالّة على اشتراط الإتيان بالتطهّر.

السادس : حَملُ الطهارة على غَسل الفرج كما حمله المصنّف (٢) فيه أيضاً لا يوافق مذهبه ، فإنّه لا يشترط في الإباحة غسل الفرج ، (٣) فلا وجه لجَعله شرطاً ، مع مخالفته لمدلول الطهارة شرعاً وعرفاً.

وإن حمل غَسل الفرج على كونه شرطاً في الاستحباب كما ورد في بعض (٤) الأخبار عُورض بأنّ حمله على الغسل أولى ، فإنّ استحبابه ثابت عنده ، فيكون أوفق بظاهر اللفظ إن لم يتعيّن المصير إليه.

السابع : حَملُ قراءة التضعيف على الاستحباب بمعنى توقّف الوطي على الغسل استحباباً عدول عن الحقيقة والظاهر ؛ فإنّ صدر الآية النهي عن القرب المغيّا بالطهارة ، والنهي دالّ على التحريم فكيف يعلّق على المستحبّ!؟

الثامن : حَملُ الأخبار الدالّة على النهي الذي هو حقيقة في التحريم على الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار غير مطابق للواقع ؛ لوجهين :

أحدهما : أنّ هذه الروايات دلّت على الحظر ، وما ذكروه من الروايات دلّ على الإباحة ، وإذا تعارض خبر الحظر والإباحة ، قدّم الخبر الدالّ على الحظر ، كما قرّر في الأُصول.

الثاني : أنّ ذلك إنّما يكون مع تكافؤ الأخبار والحال أنّ أخبار الحظر أقوى وأكثر ، يعلم ذلك مَنْ راجع فيه كُتُبَ الحديث.

والذي استفيد من ذلك كلّه قوّة ما ذهب إليه الصدوق رحمه‌الله ؛ لدلالة الآية ظاهراً عليه ، وورود الأخبار الصحيحة به وإن عارضها ما لا يساويها.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٩٠ ، المسألة ١٣٤.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٩٠ ، المسألة ١٣٤.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١٢٠.

(٤) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٥ ، و ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٢ ؛ الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٣.

٢١٩

اللهمّ إلا أن يدّعى الإجماع على خلافه بناءً على عدم العلم بموافقٍ له ، وكونه معلوم النسب ، فلا يقدح فيه ، كما قرّر في الأُصول ، أو يدّعى انعقاد الإجماع بعده ، فإنّ الأئمّة الذين تصدّوا لنقل الخلاف لم يذكروا له موافقاً على ذلك فيجاب بمنع الإجماع ؛ إذ لم يدّعه أحد ، وبأنّا كما لا نعلم له موافقاً لا نعلم انتفاء الموافق ، وهو كافٍ في عدم انعقاد الإجماع على خلافه ، ومثل هذا القدر كافٍ في الحجّة.

وقد أشار إليه المحقّق في المعتبر في مسألة وجوب الكفّارة بوطي الحائض حيث نقل عن الشيخ والمرتضى دعوى الإجماع على وجوبها.

ثمّ قال ما هذا لفظه : أمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدى بالإجماع : فلا نعلمه ، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف!؟ ولو قال : المخالف معلوم ، قلنا : لكن لا نعلم أنّه لا مخالف غيره ، ومع الاحتمال لا يبقى وثوق في خلافه. (١) انتهى.

فانظر كيف لم يعتمد المحقّق على الإجماع المنقول بخبر هذين الكبيرين ، وجَعَل احتمال الموافقة للمعلوم كافياً في القدح فيه ، فكيف في مسألةٍ لم يدّع أحد فيها الإجماع!؟

وهذه فائدة تتمشّى في كثيرٍ من المسائل التي يظنّ مَنْ لا تحصيل له صحّة دعوى الإجماع عليها مع علمه بمخالفة الواحد والأكثر متوهّماً ما سلف ، مع أنّه يمكن المعارضة بمثله بأن يقال : المخالف في الجانب الآخر جماعة كلّهم معلومو الأصل والنسب ، فلا عبرة بخلافهم ، فيمكن دعوى الإجماع في الجانب الآخر.

وقد قال المحقّق في المعتبر أيضاً : الإجماع عندنا حجّة بانضمام المعصوم ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله ، لما كان حجّةً ، ولو حصل في اثنين ، لكان قولهما حجّةً ، فلا تغترّ إذن بمن يتحكّم فيدّعي الإجماع باتّفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول الإمام. (٢) انتهى.

وهذا يدلّك على تعذّر دعوى الإجماع الآن إلا ما نقله الأصحاب منه أو واحد منهم ، فإنّ المنقول منه بخبر الواحد حجّة ، كما حقّق في محلّه ، فتأمّل.

وقد أفردنا لتحقيق الإجماع في حال الغيبة رسالة تنفع في هذا المقام مَنْ أرادها

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) المعتبر ١ : ٣١.

٢٢٠