روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-950-X
الصفحات: ٤٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

واختار الشهيد إلحاقه بالحدث الأصغر الخارج من غير المعتاد ، (١) فيعتبر فيه الاعتياد أو انسداد الخلقي.

وإن اعتبرنا هناك المعدة ، احتمل اعتبار الصلب هنا ؛ لأنّه يخرج منه.

وقرّبه المصنّف في النهاية. (٢)

ويعتبر في الخنثى خروجه من فرجَيْه لأمن أحدهما إلا مع الاعتياد. ويأتي على إطلاق المصنّف ، المتقدّم عدم اعتبار الاعتياد هنا مع تحقّق المنيّ.

(وبالجماع في قُبُل المرأة حتى تغيب الحشفة) فيه مع سلامتها ، أو الباقي منها إن لم يذهب المعظم ، أو قدرها من مقطوعها ؛ لأنّه في معناها ؛ لقوله عليه‌السلام إذا التقى الختانان وجب الغسل. (٣) والمراد بالتقائهما تحاذيهما ؛ لعدم إمكان الالتقاء حقيقةً ؛ فإنّ موضع الختان في المرأة أعلى الفرج ، ومدخل الذكر في أسفله ، وبينهما ثُقبة البول. وذكر الختانين لا ينفي الحكم عمّا عداهما ، فلو فرض انتفاؤهما أو أحدهما ، يثبت للحي على الوجه المتقدّم ؛ لقوله عليه‌السلام إذا أدخله فقد وجب الغسل. ؛ (و) الجماع (في دُبُر الآدمي) سواء كان ذكراً أم أُنثى أم خنثى (كذلك) أي : كالجماع في قُبُل المرأة (وإن لم ينزل) الماء على الأصحّ.

أمّا دُبُر المرأة فادّعى السيّد المرتضى عليه الإجماع. ؛ ولقول الصادق عليه‌السلام هو أحد المأتيّين فيه الغسل. (٤)

(و) الجماع (في دُبُر الآدمي) سواء كان ذكرا أم أنثى أم خنثى (كذلك) أي : كالجماع في قبل المرأة (وإن لم ينزل) الماء على الأصحّ.

أمّا دبر المرأة فادّعى السيّد المرتضى عليه الإجماع (٥). ولقول الصادق عليه‌السلام هو أحد المأتيّين فيه الغسل (٦). وما ورد من الأخبار ممّا يدلّ بظاهره على عدم الوجوب فمؤوّل بما يحصل به الجمع بينهما.

وذهب الشيخ في الاستبصار والنهاية إلى عدم الوجوب بالإيلاج في دُبُرها. (٧)

وأمّا الذكر فاستدلّ السيّد عليه أيضاً بالإجماع المركّب ، بمعنى أنّ كلّ مَنْ قال بوجوب

__________________

(١) البيان : ٥٤.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٩٩.

(٣) مسند أحمد ٧ : ٣٤١ / ٢٥٤٩٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨ ، والحديث عن أحدهما».

(٥) كما في الذكرى ١ : ٢٢٠ ؛ وجامع المقاصد ١ : ٢٥٧.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٦١ / ١٨٤٧ ؛ الإستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣.

(٧) الإستبصار ١ : ١١٢ (باب الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج ..) ؛ النهاية : ١٩.

١٤١

الغسل في دُبُر المرأة قال به في دُبُر الذكر (١) ، مع أنّه نقل في الأوّل الإجماع (٢). ويلزم منه أن لا قائل بعدم الوجوب في الثاني.

وردّه المحقّق في المعتبر ، وقال : لم أتحقّق إلى الآن ما ادّعاه ، فالأولى التمسّك فيه بالأصل. (٣) وعنى به عدم وجوب الغسل بسببه.

ويندفع بأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة فكيف بمثل السيّد رحمه‌الله! والخنثى لا يخرج عنهما ، فدليلهما يشمله.

وإطلاق المصنّف الآدمي والمرأة (٤) شامل للحيّ والميّت ، والحكم فيه كذلك ؛ للعموم.

وتقييده بالآدمي يقتضي بظاهره عدم وجوب الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة ، ولا نصّ فيه على الخصوص ، وأصالة البراءة تقتضي عدمه.

واختار المصنّف في النهاية وجوبه (٥) ؛ لفحوى إنكار عليّ عليه‌السلام على الأنصار حيث لم يوجبوا الغسل في وطئ القُبُل من غير إنزال بقوله أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء. (٦)»؟ ويمكن الاحتجاج له أيضاً بقوله عليه‌السلام ما أوجب الحدّ أوجب الغسل (٧)» ولفظة «ما» وإن كانت من صِيَغ العموم إلا أنّها مخصوصة بما عدا الأسباب الموجبة للحدّ ، التي قد أُجمعَ على عدم إيجابها الغسل كالقذف ، فيدخل المختلف فيه في العموم.

وتوقّف المصنّف في النهاية في وطئ البهيمة مع جزمه بوجوب الغسل لو غاب فرج الميّت أو الدابّة في فرجه. (٨)

وفي الفرق نظر.

وشمل إطلاقه الآدمي والمرأة الحيّ والميّت.

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ١٨١ ؛ وشرائع الإسلام ١ : ١٨.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٤١ ، الهامش (٥).

(٣) المعتبر ١ : ١٨١.

(٤) كلمة «والمرأة» لم ترد في «ق ، م».

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٩٦.

(٦) التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤.

(٧) كنز العمّال ٩ : ٥٤٣ / ٢٧٣٣٧.

(٨) نهاية الإحكام ١ : ٩٦.

١٤٢

والفاعل في جميع ذلك كالمفعول.

والخنثى باعتبار الدُّبُر كغيره ، وهو داخل في إطلاق الآدمي ، كما عرفت ، فيجب عليه الغسل بإيلاج الواضح في دُبُره ، دون الخنثى ؛ لاحتمال الزيادة في الفاعل ، وباعتبار القُبُل لا يجب عليه الغسل إلا باستعمال الفرجين منه معاً مع واضح ، فلو أولج أحدهما في واضح وأولج في الآخر من واضحٍ ، وجب عليه الغسل ولا يجب على الواضح على الأصحّ.

وأوجبه المصنّف في التذكرة محتجّاً بصدق التقاء الختانين ووجوب الحدّ به. (١) وفيهما منع.

نعم ، يصير الواضحان كواجدي المنيّ في المشترك ، فيقطع فيهما بجنب ، كما يأتي.

ولو توالج الخنثيان ، فلا شي‌ء ؛ للشكّ في الحدث باحتمال الزيادة.

والمعتبر في الجماع ما كان محقّقاً ، فلو رأى في منامه أنّه جامع وانتبه فلم يجد منيّاً ، فلا غسل وإن وجد رطوبةً لا تشتمل على بعض أوصافه ؛ لأصالة الطهارة.

(ولو اشتبه المنيّ) أي : اشتبه الخارج هل هو منيّ أم لا (اعتبر بالشهوة) المقارنة له بحيث يتلذّذ بخروجه (والدفق) وهو خروجه في دفعات ؛ لقوله تعالى (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٢) (وفتور الجسد) بعده بمعنى انكسار الشهوة.

ويعتبر أيضاً بالرائحة ، فإنّه يشبه رائحة الطلع والعجين ما دام رطباً ، ورائحة بياض البيض جافّاً.

وهذه الخواصّ الأربع متلازمة غالباً ، ولو فرض انفكاكها ، لم يشترط في الحكم به اجتماعها ، بل تكفي واحدة منها.

وقوله (وفي المريض لا يعتبر الدفق) إشارة إلى أنّه لا يشترط اجتماعها ، وهو مبنيّ على الغالب من عدم انفكاكها ، وأنّ الانفكاك يتّفق في المريض ، وإلا فلو فرض الانفكاك ، اكتفى بواحدة منها وإن لم يكن مريضاً كما قلناه ، وقد صرّح به المصنّف في النهاية. (٣)

لكن يفهم من عدم اعتبار الدفق فيه اشتراط اجتماع الشهوة عنده وانكسارها بعده بالمفهوم المخالف ، وليس مراداً بل على تقدير العمل به يبنى على الغالب حتى لو فرض عدم الشهوة

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٢٨٢٢٧ ، الفرع «ز».

(٢) الطارق (٨٦) : ٦.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٩٩.

١٤٣

في المريض أصلاً مضافاً إلى عدم الدفق ؛ لضعف قوّته ، اعتبر الخارج بالرائحة خاصّةً.

وعلى هذا لو خرج المنيّ بلون الدم ؛ لاستكثار الجماع ، وجب الغسل ؛ تغليباً للخواصّ ، مع احتمال العدم ؛ لأنّه في الأصل دم ، فإذا خرج على لونه ، أشبه سائر الدماء.

(ولو وجد) المكلّف (على) شي‌ء من (جسده أو ثوبه) أو فراشه (المختصّ) بلُبْسه أو النوم عليه حين الوجدان وإن كان يلبسه أو ينام عليه هو وغيره تناوباً (منيّاً ، وجب) على الواجد (الغسل) حينئذٍ.

ولو كان صبيّاً ، حُكم ببلوغه إن كان ذلك في سنٍّ يمكن حصوله فيه ، وهو اثنتا عشرة سنة فصاعداً ، كما ذكره المصنّف في المنتهي ، (١) ويحكم بنجاسة الثوب أو البدن في أقرب أوقات احتمال تجدّده ، ويعيد الصلاة ونحوها الواقعة بعد ذلك الوقت خاصّة على الأصحّ ؛ لأصالة عدم التكليف بالزائد ، واستصحاباً ليقين الطهارة ، فلا يرفعه احتمال الحدث ، ويُعبّر عن هذا القول بإعادة كلّ صلاة يعلم عدم سبقها أو لا يحتمل سبقها ، وهو آخر نومةٍ أو جنابة ظاهرة.

واحتاط الشيخ (٢) رحمه‌الله بإعادة كلّ صلاة لا يعلم سبقها ، وهو من أوّل نومةٍ أو جنابة ظاهرة وقعت في الثوب ؛ لتوقّف اليقين بالبراءة عليه.

هذا كلّه بالنسبة إلى الحدث ، وأمّا الخبث فيبنى على إعادة الجاهل بالنجاسة أوّلاً فيما حكم بحصوله فيه ، لكن حكم الخبث هنا يدخل في حكم الحدث ؛ لعدم الانفكاك ولو فرض تمشّي الحكم والخلاف.

(ولا يجب) الغسل لو وجده (في المشترك) ثوباً وفراشاً. نعم ، يستحبّ لهما الغسل وينويان الوجوب ، كما في كلّ احتياط. ولو علم المجنب منهما بعد ذلك ، ففي الإعادة نظر تقدّم مثله في الوضوء.

ويتحقّق الاشتراك بالنوم فيه أو عليه دفعة لا بالتناوب ، كما سبق ، بل يجب على صاحب النوبة خاصّة وإن احتمل سبقه. ولم علم السبق ، سقط عنه ، ولم يجب على مَنْ قبله ما لم يتحقّق أنّه منه.

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ١٧٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٨ ؛ وكما في الذكرى ١ : ٢٢١.

١٤٤

قيل (١) ولا يقطع بجنبٍ ، كما في المشترك ؛ لأصالة بقاء الطهارة ، وعدم الدليل عليه. وفيه نظر.

ولو نسي صاحب النوبة بعينه ، الحق بالمشترك ، ومع تحقّق الاشتراك يقطع بجنبٍ ، فلا يكمل بالمشتركين (٢) عدد الجمعة ؛ مبطلا" صلاة واحدٍ في نفس الأمر قطعاً.

ولو ائتمّ أحدهما بالآخر ، بطلت صلاة المأموم خاصّة ؛ للقطع بحدثه أو حدث إمامه ، فتبطل صلاته على التقديرين.

واستوجه المصنّف الصحّةَ ؛ لسقوط حكم هذه الجنابة في نظر الشرع. (٣)

ولا ريب في جواز دخول المساجد دفعةً ، وقراءة العزائم ونحوهما.

(ويحرم عليه) أي على الجنب المدلول عليه التزاماً (قراءة) كلّ واحدة من سُور السجدات (العزائم) وهي أربع سور : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، وإقرأ.

(و) كذا يحرم عليه قراءة (أبعاضها) حتى البسملة إذا قصدها منها ، بل لفظة «بسم» وهو إجماع.

(و) كذا يحرم عليه (مسّ كتابة القرآن) إجماعاً. ولقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٤) وهو خبر معناه النهي ؛ لعدم الفائدة فيها لو أُريد بها الخبر ، ولعدم مطابقة الواقع ، والنهي للتحريم. وللأخبار.

ولا فرق في المسّ بين باطن الكفّ وغيره من أجزاء البدن ؛ لشمول المسّ له لغةً.

وهل يحرم المسّ بما لا تحلّه الحياة من أجزاء البدن ، كالشعر والظفر؟ الظاهر لا ؛ لعدم كونهما محلّ الحياة ، وحكم الحدث من توابعها ، ومن ثَمَّ يسقط بالموت.

وكذا لا يجب الغسل بمسّ الميّت به وإن نجس ، كما لا يجب بمسّه من الميّت.

ولا يخفى أنّ التحريم من باب خطاب الشرع المختصّ بالمكلّف ، فلا يمنع الصبي منه ؛ لعدم التكليف. نعم ، يستحب للوليّ منعه تمريناً.

ولا فرق بين المنسوخ حكمه منه وغيره دون المنسوخ تلاوته.

__________________

(١) لم نعثر على القائل في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) في الطبعة الحجريّة : «المشترك».

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١٠١.

(٤) الواقعة (٥٦) : ٧٩.

١٤٥

ولا يلحق بالقرآن الكتبُ الدينيّة ، كالحديث.

(أو شي‌ء مكتوب عليه اسم الله تعالى) ولو كان على درهمٍ أو دينار أو غيرهما ؛ لقول الصادق عليه‌السلام لا يمسّ الجنب ديناراً ولا درهماً عليه اسم الله تعالى. (١)» وهذه الرواية ذكرها الأصحاب في الدلالة ، وهي ضعيفة السند ، لكنّها مناسبة لما ينبغي من تعظيم اسم الله تعالى.

(وأسماء أنبيائه والأئمّة عليهم‌السلام) المقصودة بالكتابة ؛ لمناسبة التعظيم أيضاً.

وجوّزه هنا المحقّق في المعتبر (٢) على كراهيةٍ ؛ لعدم الدليل على التحريم ، مع أنّه قد روي عن الصادق عليه‌السلام في الجنب يمسّ الدراهم وفيها اسم الله أو اسم رسوله ، قال لا بأس ربما فعلت ذلك.

(٣)» وهذه الرواية إنّما تدلّ على جواز مسّ الدراهم المكتوب عليها ذلك خاصّة ، فلا يتعدّى إلى غيرها. وجاز اختصاصها بالحكم ؛ لعموم البلوى ودفع الحرج ، وليست مستندَ المحقّق ولا مطابقةً لقوله ؛ لتخصيصه الحكم باسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام ، وتعميمه الرخصة في الدراهم وغيرها.

(و) كذا يحرم عليه (اللبث) بفتح اللام وسكون الباء على غير قياس (في المساجد) للخبر. (٤) ولقوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ.) (٥) والمراد من الصلاة في صدر الآية (٦) مواضع الصلاة ؛ لدلالة العجز عليه ، أو يريد الصلاة ومكانها على طريق الاستخدام ، كما ذكره بعض أهل البيان ، إلا أنّه غير الاستخدام المشهور.

(ووضع شي‌ء فيها) أي في المساجد على الأصحّ ، خلافاً لسلار ؛ فإنّه كرهه خاصّة ، (٧) بل كره اللبث في المساجد أيضاً ، (٨) ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما.

ومستند التحريم ما رواه عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١ / ٨٢ ؛ الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٤.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٨.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٨ ، و ٣٧١ / ١١٣٢.

(٥) النساء (٤) : ٤٣.

(٦) النساء (٤) : ٤٣.

(٧) المراسم : ٤٢.

(٨) المراسم : ٤٢.

١٤٦

والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً.

(١)» وخصّ بعض المتأخّرين تحريمَ الوضع باستلزام اللبث. (٢)

وهو ضعيف ؛ لعموم النصّ ، واستلزامه عدم فائدة ذكر الوضع ؛ لأنّ اللبث سبب تامّ في التحريم ، سواء حصل معه وضع أم لا.

(والاجتياز) أي السلوك (في المسجدين) : مسجد الحرام ومسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيرهما من المساجد ؛ فإنّه يباح الاجتياز فيها على كراهة ؛ لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث سُئل عن الجنب يجلس في المساجد ، قال لا ، ولكن يمرّ فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)» ولا يشترط في جواز الاجتياز في باقي المساجد أن يكون للمسجد (٤) بابان يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر ، بل صدق السلوك وعدم اللبث ، مع احتماله.

نعم ، ليس له التردّد في جوانب المسجد بحيث يخرج عن اسم المجتاز قطعاً ؛ لأنّه كالمكث.

وهذا كلّه مع الاختيار ، فلو اضطرّ ، جاز المكث في جميع المساجد متيمّماً ، فإن أمكن التيمّم خارجاً ، وجب ، وإلا جاز بتراب المسجد ، ويعيده كلّما أحدث ولو أصغر.

(ويكره) له (الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق) أو الوضوء ، للخبر ، (٥) فإن أكل أو شرب قبل ذلك ، خِيف عليه البرص. وروى أنّه يورث الفقر. (٦) ويتعدّد بتعدّد الأكل والشرب مع التراخي لا مع الاتّصال.

(و) كذا يكره له (مسّ المصحف) وحمله بغير علاقة ، أمّا بها فلا بأس ، قاله المصنّف ، (٧) وفيه نظر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١ / ٨ ؛ التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٩.

(٢) ابن فهد الحلّي في المقتصر : ٤٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠ / ٤ ؛ التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٨.

(٤) في الطبعة الحجرية : «للمساجد».

(٥) الكافي ٣ : ٥٠ / ١ و ٥١ / ١٢ ؛ التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٤ ، و ١٣٠ / ٣٥٧.

(٦) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٧٨.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ١٠٤.

١٤٧

(والنوم إلا بعد الوضوء) للخبر. (١) ولاستحباب النوم على طهارة وإن كانت ناقصةً ، كالتيمّم مع وجود الماء ، فكذا يكفي فيه الوضوء عن الغسل والغسل أفضل.

(والخضاب) له بحنّاء وغيره. وكذا يكره أن يجنب وهو مختضب ، كلّ ذلك للرواية. (٢)

(وقراءة ما زاد على سبع آيات) في جميع أوقات جنابته ، فلا يشترط التوالي. قيل (٣) ويصدق السبع ولو بواحدة مكرّرة سبعاً.

وحرّم ابن البرّاج قراءة ما زاد على السبع ، (٤) ونُقل عن سلار في أحد قوليه تحريم القراءة مطلقاً (٥) ؛ لما روي عنه (٦) لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن (٧)» وعن علي عليه‌السلام لم يكن يحجب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قراءة القرآن شي‌ء سوى الجنابة. (٨)»

قلنا : يحمل على الكراهة إن صحّ السند ؛ جمعاً بينهما وبين غيرهما من الأخبار كصحيح الفضيل بن يسارعن الباقر عليه‌السلام لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن (٩)» وصحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الحائض والجنب والمتغوّط «يقرءون ما شاؤا. (١٠)» واحتجّ أيضاً باشتهار النهي عن قراءة القرآن للجنب والحائض في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الرجال والنساء ، ومن ثَمَّ تخلّص عبد الله بن رواحة وكان أحد النقباء من تهمة امرأته بأمته بشعرٍ مُوهماً القراءة ، فقالت : صدق الله وكذب بصري ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فضحك حتى بدت نواجذه. (١١)

(وتشتدّ الكراهة) بل الظاهر من كلام الشيخ في كتابي الأخبار (١٢) التحريم (فيما زاد على سبعين) أية.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٧٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٨١ / ٥١٧ ٥١٩ ؛ الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٦ و ٣٨٧ ، و ١١٧ / ٣٩٢.

(٣) لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) المهذّب ١ : ٣٤.

(٥) نقله عنه الشهيد في الذكرى ١ : ٢٦٩ عن «الأبواب».

(٦) في «م» : «عن النبيّ».

(٧) سنن الترمذي ١ : ٢٣٦ / ١٣١ ؛ سنن الدارقطني ١ : ١١٧ / ١ ؛ سنن البيهقي ١ : ٤٦١ / ١٤٧٩.

(٨) سنن ابن ماجة ١ : ١٩٥ / ٥٩٤ ؛ سنن أبي داوُد : ٥٩ / ٢٢٩ ؛ سنن النسائي ١ : ١٤٤ ؛ مسند أحمد ١ : ١٣٥ / ٦٤٠.

(٩) التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٤٧ ؛ الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨٠.

(١٠) التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٤٨ ؛ الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨١.

(١١) الاستيعاب ٣ : ٩٠١٩٠٠ ؛ مختصر تاريخ دمشق ١٢ : ١٥٨ ؛ سنن الدارقطني ١ : ١٢٠ / ١٣.

(١٢) انظر : التهذيب ١ : ١٢٨ ؛ والاستبصار ١ : ١١٤ ـ ١١٥.

١٤٨

والاحتجاج على تحريم ما زاد بالإذن في قراءة السبع أو السبعين ضعيف ؛ فإنّ قراءة ما زاد على العدد أعمّ من التحريم ، بل يجوز أن يكون مكروهاً أو مباحاً.

(ويجب عليه) أي على المجنب (الغسل) بسبب الجنابة وإن لم يكن مخاطباً بمشروطٍ بالطهارة عند المصنّف ، فوجوبه عنده لنفسه (١) بمعنى أنّه سبب تامّ في وجوب الغسل شرعاً وإن كانت الذمّة بريئةً من عبادةٍ مشروطة بالغسل ، محتجّاً بالأدلّة الدالّة بإطلاقها أو عمومها على ذلك ، كقوله عليه‌السلام إذا التقى الختانان وجب الغسل (٢)» وإنّما الماء من الماء (٣)» (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٤) وقول عليّ عليه‌السلام أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء (٥)»؟! وقوله عليه‌السلام إذا أدخله فقد وجب الغسل. (٦)» ولأنّه لو لم يجب إلا لما يشترط فيه الطهارة ، لما وجب أوّل النهار للصوم ، والتالي باطل إجماعاً فالمقدّم مثله ، والملازمة ظاهرة. (٧)

والأكثر (٨) على أنّ وجوبه مشروط بوجوب شي‌ء من الغايات المتقدّمة ، كباقي أغسال الأحياء ؛ إذ لا خلاف بينهم في وجوبها لغيرها.

وممّا يدلّ على اشتراك هذه الأغسال غير غسل الميّت في تعلّق وجوبها بوجوب الغايات تضيّقها بتضيّق وقتها واتّساعها بسعته ، فلا وجه لإخراج غسل الجنابة من البين.

ويدلّ على الجميع أيضاً ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلا بطهور (٩)» وفي «إذا» معنى الشرط ، فينتفي المشروط بانتفائه ؛ لأنّ مفهوم الشرط حجّة عند كثير من الأُصوليّين ومنهم المصنّف. (١٠)

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٥٩ ، المسألة ١٠٧ ؛ منتهى المطلب ٢ : ٢٥٦.

(٢) مسند أحمد ٧ : ٣٤١ / ٢٥٤٩٤ ، عن النبي ، الكافي ٣ : ٤٦ / ٢ ؛ التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١١ ؛ الاستبصار ١ : ١٠٩١٠٨ / ٣٥٩ عن الإمام الرضا.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، مسند أحمد ٣ : ٤٤٣ / ١١٠٤٢ ، المعجم الكبير للطبراني ٤ : ٢٦٧ / ٤٣٧٤.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) التهذيب ١ : ١١٩ / ٣١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١٠ ؛ الاستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨.

(٧) مختلف الشيعة ١ : ١٦١١٥٩ ، المسألة ١٠٧.

(٨) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ١٢٨.

(٩) التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦.

(١٠) انظر : مبادئ الوصول إلى علم الأُصول : ٩٨ ، ونهاية الوصول إلى علم الأُصول ، المقصد الرابع : في الأمر والنهي ، الفصل الثالث : في مقتضيات الصيغة ، البحث السادس : في أنّ المعلّق بشرطٍ عدم عند عدمه.

١٤٩

قال الشهيد رحمه‌الله : وهذا الخبر لم يذكره المتعرّضون لبحث هذه المسألة ، وهو من أقوى الأخبار دلالةً وسنداً ، أورده في التهذيب في باب تفصيل واجب الصلاة. (١)

ويدلّ على وجوب محلّ النزاع لغيره على الخصوص عطفه على الوضوء المشروط بالصلاة إجماعاً في قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٢) وعطف التيمّم عليه المشروط بها أيضاً اتّفاقاً ، فلو لا كون حكمه كذلك ، لزم تهافت كلامه تعالى بتوسيطه معطوفاً بين عبادتين مشروطتين كذلك مصرّحاً بالاشتراط في أُولاهنّ بقوله (إِذا قُمْتُمْ) (٣) والحكم إذا صدر بأداة الشرط ، لزم من انتفائه انتفاؤه ؛ قضيّةً للاشتراط ، فلا يرد أنّ الإيجاب لأجل الصلاة لا ينفي الوجوب بدونها.

والمصنّف رحمه‌الله أجاب عن ذلك بالمنع من مساواة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم ، (٤) مع أنّه قد ادّعى في غير موضعٍ التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه ، (٥) فمنعه هنا خاصّة غريب ، مع أنّك قد عرفت أنّا لو سلّمنا عدم لزوم المساواة ، فالاحتجاج بها باقٍ باعتبار توسّط الغسل بين طهارتين مشروطتين.

ويدلّ عليه أيضاً صحيح الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام في المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل هل تغتسل؟ قال قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل (٦)» علّل عليه‌السلام عدم الغسل بمجي‌ء ما يفسد الصلاة عاطفاً بفاء التفريع ، فدلّ بالإيماء على أنّ وجوب الغسل إنّما كان ناشئاً عن وجوب الصلاة ، وإلا لزم عدم مطابقة الجواب للسؤال ؛ إذ لا يلزم من إبطال الصلاة إبطال الطهارة ، والمسؤول عنه إنّما هو فعل الغسل حال الحيض ، فالجواب عنه بمجي‌ء مفسد الصلاة لو لم يرد ما قلناه غير مطابق سيّما والإمام عليه‌السلام قد علم من قول السائل بمجي‌ء المفسد لها ، فهو مثل قوله عليه‌السلام أينقص إذا جفّ (٧)»؟

في الإيماء إلى التعليل ، فدلالة الخبر حينئذٍ ليست من باب المفهوم ، كما أورده المصنّف في المنتهي. (٨)

__________________

(١) الذكرى ١ : ١٩٤.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) المائدة (٥) : ٦.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٦١ ، المسألة ١٠٧.

(٥) منتهى المطلب ٢ : ٢٥٧.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٣ / ١ ؛ التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٢٨ ، و ٣٩٥ / ١٢٢٤.

(٧) المستدرك للحاكم ٢ : ٣٨.

(٨) منتهى المطلب ٢ : ٢٥٨.

١٥٠

وما ذكر من الأخبار الدالّة على أنّ وجوبه معلّق على الالتقاء أو الماء ونحوهما غير مقيّد باشتراط وجوب عبادةٍ مشروطة بالغسل معارض بالأوامر الدالّة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال غير مقيّدة بالصلاة كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ نام فليتوضّأ (١)» وقول علي عليه‌السلام مَنْ وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء (٢)» وقول الرضا عليه‌السلام إذا خفي الصوت وجب الوضوء (٣)» وقول الصادق عليه‌السلام غسل الحائض واجب ، وغسل الاستحاضة واجب ، وغسل مَنْ مسّ ميّتاً واجب (٤)» إلى غير ذلك ، وكالحكم بوجوب غسل الثوب والبدن والإناء من النجاسة مع الاتّفاق على أنّ المراد بذلك الواجبُ المشروط ، ومهما أجاب عن ذلك فهو الجواب عمّا احتجّ به لغسل الجنابة.

قال في الذكرى : والأصل في ذلك أنّه لمّا كثر علم الاشتراط أُطلق الوجوب وغلب في الاستعمال. (٥) انتهى.

ولا يرد أنّ تقييد إطلاق تلك الأخبار ليس بأولى من تقييد مفهوم خبر زرارة ، المتقدّم (٦) ونحوه بما عدا غسل الجنابة ؛ فإنّ المرجّح فيه أصالة براءة ذمّة المكلّف من الطهارة عند الخلوّ من مشروطٍ بها ، مضافاً إلى ما ذكر من المعارضة.

وحديث الملازمة بين وجوبه لغيره وعدم وجوبه للصوم ممنوع ، بل قيل (٧) إنّه من قبيل المغالطة ؛ للإجماع من غير الصدوق على اشتراط الصوم بالغسل على بعض الوجوه ، وقد تقدّم القول فيه.

وأمّا غسل الأموات : فلا خلاف في وجوبه لنفسه ، والفرق بينه وبين غيره أنّ تلك شروط لعباداتٍ مخصوصة تتضيّق بتضيّق وقتها ، وتتّسع بسعته ، كما تقدّم ، ولا كذا غسل الأموات ، بل وجوبه بأصل الشرع ثابت باعتبار ذاته ، وترتّب الصلاة عليه على الغسل واشتراط صحّتها به من قبيل الوجوب المرتّب ، كترتّب التكفين على الغسل

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ / ٤٧٧ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ٥٢ / ٣٠٣ ؛ سنن الدارقطني ١ : ١٦١ / ٥ ؛ سنن البيهقي ١ : ١٩٠ / ٥٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٥ ؛ التهذيب ١ : ٨ / ١٠ ؛ الإستبصار ١ : ٨١٨٠ / ٢٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٤ ؛ التهذيب ١ : ٩ / ١٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ؛ الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ؛ التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٩٨٩٧ / ٣١٥ ، وما في المتن موافق لما في الاستبصار نصّاً.

(٥) الذكرى ١ : ١٩٦.

(٦) في ص ١٤٩.

(٧) لم نعثر على القائل في مظانّه.

١٥١

، والدفن على الصلاة.

ومن ثَمَّ ترى وجوب الغسل منفكّاً عن وجوب الصلاة في الطفل ، والصلاة منفكّةً عن وجوب الغسل في الشهيد ، وذلك يدلّ على عدم الاشتراط وجوداً وعدماً ، وباقي الطهارات ليست كذلك ؛ لاستحالة انفكاك المشروط عن الشرط ، قضيّةً للاشتراط ، ولا يلزم مثل ذلك في غسل الجنابة بالنسبة إلى ما يترتّب عليه من العبادة ؛ لما تقدّم من الأدلة ، ولاشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة فيه عند مدّعي وجوبه لنفسه ، وهو آية اشتراطها به ، مع أنّ القول بإخراج غسل الجنابة من بينها غير معروف لأحدٍ من المتقدّمين ، وإنّما هو قول حادث ، والمصنّف اعترف بذلك في المختلف والمنتهى (١) حيث أطلق حكاية الخلاف عن المتأخّرين ، ومن ثَمَّ قال شيخه المحقّق في المسائل المصريّة : إخراج غسل الجنابة من بين سائر الأغسال تحكّم بارد. (٢) وقال الشهيد رحمه‌الله في البيان : تحكّم ظاهر. (٣)

وتظهر فائدة القولين في أمرين :

أحدهما : أنّ الجنابة على الأوّل سبب تامّ في إيجاب الغسل ، فمتى حصلت للمكلّف وجب عليه الغسل وإن كانت ذمّته بريئةً من عبادةٍ مشروطة به ، لكنّ الوجوب موسّع مع عدم تضيّق عبادةٍ مشروطة به ، وعلى الثاني تكون الجنابة سبباً ناقصاً وإنّما يتمّ عند شغل الذمّة بمشروطٍ به ، فينوي الوجوب حينئذٍ ، ولو أراد الاغتسال بعدها وقبل اشتغال الذمّة بالمشروط به ، نوى الندبَ ورَفعَ الحدث أو الاستباحة ، ويدخل به في الصلاة ونحوها بعد تمام سبب الوجوب ، كالوضوء المندوب كذلك.

وثانيهما : لو ظنّ الوفاة قبل شغل ذمّته بالمشروط به ، وجب عليه المبادرة إلى الغسل على الأوّل ، كما في العبادات الموسّعة ، فلو أخّر إلى وقتٍ يظنّ فيه الموت ، عصى ، ولا يجب على الثاني ؛ لعدم تحقّق الوجوب.

(ويجب فيه) أي : في الغسل (النيّة) المشتملة على التقرّب إجماعاً ، والوجه ، وأحد الأمرين على ما فصّل في الوضوء ، وأكثر ما هناك من البحث آتٍ هنا ، ويزيد هنا اشتراط

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٥٩ ، المسألة ١٠٧ ؛ منتهى المطلب ٢ : ٢٥٦.

(٢) كما في الذكرى ١ : ١٩٦ ؛ وفي الرسائل التسع : ١٠٠ المسألة الرابعة من المسائل العزّيّة.

(٣) البيان : ٣٦.

١٥٢

أحد الأمرين ضعيفاً على مذهب المصنّف من وجوبه لنفسه باعتبار عدم دلالة (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) عليه.

ووقتها فعلاً (عند الشروع) في مستحبّات الغُسل ، كغَسل اليدين والمضمضة والاستنشاق ، أو واجباته ، كغَسل الرأس في الترتيب ، وجزءٍ من البدن في الارتماس.

وقد تقدّم تفصيله في الوضوء إلا أنّ المصنّف (٢) وغيره (٣) ذكر أنّ غَسل اليدين هنا غير مشروط بما ذكر في الوضوء. وفيه تأمّل.

(مستدامة الحكم) بمعنى أن لا ينوي منافياً للنيّة أو لبعض مشخّصاتها ، أو البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها ، كما مرّ (حتى يفرغ) من الغسل.

فلو نوى في الأثناء منافياً ، بطلت النيّة ، فلو عاد ، استأنف النيّة للباقي أن لم يطل الفصل مطلقاً أو طال ولم يكن الغسل ممّا يشترط فيه الموالاة كغسل الاستحاضة ، وإلا أعاد الغسل من رأس.

ولو أخلّ بالموالاة فيما لا تعتبر فيه ثمّ عاد إلى الباقي ، لم يفتقر إلى نيّة مستأنفة وإن طال الزمان مع بقاء الاستمرار الحكمي.

وأوجب المصنّف في النهاية (٤) تجديد النيّة متى أخّر بما يعتدّ به ؛ ليتميّز عن غيره ، وتبعه في الذكرى (٥) مع طول الزمان.

ولا فرق في تأثير نيّة المنافي بين وقوعها حالة الذهول والذكر ؛ لضعف الاستدامة الحكميّة في جانب الابتداء الحقيقي.

(و) يجب (غَسل بشرة جميع الجسد بأقلّه) أي بأقلّ الغَسل ، وهو ما اشتمل على الجريان ، كما في الوضوء ؛ تحقيقاً لمسمّى الغَسل ، فلا يكفي الإمساس من دونه.

والمراد بالبشرة ظاهر الجلد. واحترز بها عن الشعر ، ولا يجب غسله إلا أن يتوقّف غَسل البشرة عليه ، فيجب مقدّمةً لا أصالةً ، فلا يجب على المرأة نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى ما تحته بدونه.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٦١ ؛ وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١١٠١٠٩.

(٣) انظر : الذكرى ٢ : ٢٣٩٢٣٨.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٠٧.

(٥) الذكرى ٢ : ١١٥.

١٥٣

(و) كذا يجب (تخليل ما) أي الشي‌ء الذي (لا يصل إليه) أي إلى الجسد المذكور سابقاً. والمراد ما تحته منه. أو يريد بوصوله إليه وصوله إلى ما تحته من البشرة مجازاً ، وليس المراد به ما يظهر من العبارة من أنّ إصابة الماء للشي‌ء المخلّل يكفي عن وجوب تخليله ؛ فإنّ منه ما لا يجب غَسله كالشعر والخاتم ، ولا يكفي وصول الماء إليه ، إلا أن يريد بوصول الماء إليه وصوله إلى جميع أجزائه ، المستلزم ذلك غالباً غَسل ما جاوره من البشرة ، أو يحمل على ما يجب غَسله ، كمعاطف الأُذنين والإبطين وما تحت ثدي المرأة ، فإنّه يجب تخليله إذا لم يصل (الماء) إلى جميع أجزائه (إلا به) أي بالتخليل ، وذلك كالشعر ، سواء خفّ أم كثف ؛ لما روي أنّ تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة. (١)

وسقوط تخليل الكثيف الكائن في وجه المتوضّئ ؛ لأنّ الأمر فيه مختصّ بالوجه ، وأخذه من المواجهة ، فينتقل الاسم إلى الشعر ، بخلافه في الغسل ؛ لخروجه عن اسم البدن والبشرة وعلى هذا فيجب في الوضوء تخليل شعر اليدين وإن كثف ؛ لتوقّف غَسل اليد عليه ، وعدم انتقال الاسم إليه.

واستقرب في الذكرى غَسله أيضاً ؛ لأنّه من توابع اليد. (٢)

(و) كذا يجب في الغسل (الترتيب) بين أعضائه الثلاثة (يبدأ) في الغسل (بالرأس) مع الرقبة (ثمّ) بـ (الجانب الأيمن ثمّ الأيسر) وهو من تفرّدات علمائنا ، ونقل الشيخ إجماعنا عليه ، واحتجّ عليه مع الإجماع بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث سأله كيف يغتسل الجنب؟ فقال إن لم يكن أصاب كفّه شي‌ء (٣) غمسها في الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين ، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه. (٤) (٥)

ونحوه رواية محمد بن مسلم عن أحدهما. (٦) عليهما‌السلام.

__________________

(١) أورده كما في المتن المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٧٨ ؛ وفي سنن ابن ماجة ١ : ١٩٦ / ٥٩٧ ؛ وسنن أبي داوُد ١ : ٦٥ / ٢٤٨ : «.. فاغسلوا الشعر ..» بدل : «.. فبلّوا الشعر ..».

(٢) الذكرى ٢ : ١٣٢.

(٣) في التهذيب : «منّي».

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ / ٣ ؛ التهذيب ١ : ١٣٣ / ٣٦٨.

(٥) الخلاف ١ : ١٣٢ ، المسألة ٧٥.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣ / ١ ؛ التهذيب ١ : ١٣٢ / ٣٦٥ ؛ الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤٢٠.

١٥٤

وروى العامة عن عائشة في وصف وضوء (١) رسول اللهُ مثله. (٢)

وهذه الروايات دلّت صريحاً على تقديم الرأس على غيره ؛ لعطف اليمين عليه بـ «ثمّ» الدالّة على التعقيب.

وأمّا تقديم الأيمن على الأيسر : فاستفيد من خارجٍ إن لم نقل بإفادة الواو الترتيب ، كما هب إليه الفرّاء ، (٣) بل على الجمع المطلق أعمّ من الترتيب وعدمه ، كما هو رأي الجمهور ؛ إذ لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس دون البدن ، فالفرق إحداث قولٍ ثالث.

ولأنّ الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على هذا الوجه ، وكلّ مَنْ قال بالترتيب فيها قال بالترتيب في غسل الجنابة ، فالفرق مخالف للإجماع المركّب فيهما.

وما ورد من الأخبار أعمّ من ذلك يحمل مطلقها على المقيّد.

والترتيب واجب في جميع أنواع الغسل (إلا في) غسل (الارتماس) تحت الماء دفعةً واحدة عرفيّة بحيث يشمل الماء البشرة في زمانٍ قليل ، فإنّه يسقط الترتيب فعلاً ونيّةً وحكماً.

وكذا يسقط الترتيب في شبه الارتماس ، كالوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين ، كما اختاره المصنّف في غير (٤) هذا الكتاب وإن كان ظاهره هنا وجوب الترتيب فيه ، كما اختاره ابن إدريس ، (٥) ومال إليه المحقّق في المعتبر. (٦)

وألحق بعضهم بهما صبّ الإناء الشامل للبدن ، (٧) وهو الظاهر منْ كلام مَن أطلق القول بشبه الارتماس ، كالمصنّف وغيره. وجَعَله في الذكرى لازماً للشيخ (٨) ؛ حيث صرّح بالمطر والمجرى خاصّة. (٩)

ووجه اللزوم مع المساواة في المعنى : أنّ النصّ إنّما ورد في المطر ، (١٠) فذِكرُ الشيخ معه

__________________

(١) كذا ، والظاهر : «غسل» بدل «وضوء».

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٥٣ / ٣١٦ ؛ مسند أحمد ٧ : ٧٩ / ٢٣٧٣٦.

(٣) مغني اللبيب ١ : ٤٦٤.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٠٨ ؛ تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣٢ ، الفرع الثالث.

(٥) السرائر ١ : ١٣٥.

(٦) المعتبر ١ : ١٨٥١٨٤.

(٧) كما في الذكرى ٢ : ٢٢٦.

(٨) الذكرى ٢ : ٢٢٦.

(٩) المبسوط ١ : ٢٩.

(١٠) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٧ ؛ التهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٤ ؛ الاستبصار ١ : ١٢٥ / ٤٢٥.

١٥٥

القعود تحت المجرى (١) يدلّ على التعدية إلى ما يساوي المطر في المعنى ، وهذا لازم أيضاً في الحقيقة لكلّ مَنْ ذكر مع المطر شيئاً من ميزابٍ أو شبهه أو غيرهما ، فلا وجه للتوقّف فيه على الخصوص ، بل ينبغي إمّا إدخاله ، أو تخصيص الحكم بالمطر.

ومستند الأوّل مع الإجماع قول أبي عبد الله عليه‌السلام ولو أنّ رجلاً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده (٢) ونحوه. (٣)

والثاني مع مساواته الأوّل في وحدة شمول الماء عرفاً ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام حين سأله عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك. (٤)

وأجود ما يقرّر في وجه الاستدلال به أنّه عليه‌السلام حكم بصحّة الغسل به على تقدير مساواته للغسل بالماء في غيره ، ومعلوم أنّ الغسل بغيره ينقسم إلى ترتيب وارتماس ، فيلحق بما أشبهه ؛ لأنّه عليه‌السلام ألحقه بالمشابه في قوله إن كان يغسله اغتساله لأنّ كاف التشبيه مقدّرة في «اغتساله» أو يقدّر مصدراً موصوفاً تقديره : إن كان يغسله غسلاً مساوياً اغتساله.

وإذا كان كذلك ، فإن كان الماء غزيراً بحيث يغسله دفعة عرفيّة كالمرتمس ارتماسة واحدة ، كان كالارتماس في الحكم ، وإن تراخي وحصل معه الجريان على الأعضاء ، كان كغسل الترتيب.

وهذا توجيه واضح ، وبه يندفع قول المحقّق في المعتبر : إنّ هذا الخبر مطلق فينبغي أن يقيّد بالترتيب في الغسل (٥) ؛ إذ لا مقابل له حتى يقيّد بالترتيب ؛ للإجماع على صحّة الارتماس.

وما يتخيّل من عدم المساواة ؛ لعدم صدق الدفعة هنا بل لا بدّ في استيعاب جميع البشرة من زمان أطول من زمان الارتماس يندفع بما ذكرناه من أنّ المراد به الدفعة العرفيّة القليلة الزمان ، لا اللغويّة ، لتخلّفها في المرتمس ذي الشعر الكثيف ، وفي السمين ذي العُكَن ببطنه ، فإنّ تخليل ذلك لا بدّ من احتياجه إلى زمان ، مع الإجماع على جواز

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٨ / ٤٢٢ ، و ٣٧١٣٧٠ / ١١٣١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣ / ٥ ؛ التهذيب ١ : ١٤٩١٤٨ / ٤٢٣ ؛ الاستبصار ١ : ١٢٥ / ٤٢٤.

(٤) المصادر في ص ١٥٥ ، الهامش (١٠).

(٥) المعتبر ١ : ١٨٥.

١٥٦

الارتماس فيه. وكذا مَنْ كان قائماً في الماء على شي‌ء لا بدّ في غسل الملاصق من رِجْليه من زمانٍ بعد غمس بدنه إلا بتقدير مشقّة شديدة لا يدلّ عليها ما يدلّ على إجزاء الارتماس ، وإرادة الوحدة العرفيّة تدفع ذلك كلّه ، مع أنّ الحقائق العرفيّة مقدّمة على اللغويّة على ما تقرّر في الأُصول.

ومنه يعلم عدم وجوب مقارنة النيّة في الارتماس لجميع البدن بل لجزء منه مع إتباع الباقي بغير مهلة.

ويندفع أيضاً بما قرّرناه في توجيه الخبر ما ذكره موجب الترتيب قصداً حيث قال كما حكاه عنه المصنّف في المختلف (١) إنّه عليه‌السلام علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره ، وإنّما يتساويان لو اعتقد الترتيب ، كما أنّه في الأصل مرتّب.

وأنت قد علمت أنّه أعمّ من ذلك ، فلا وجه لهذا التخصيص ، كما لا دلالة على اعتبار الترتيب الحكمي ، وأصالة البراءة وإطلاق الأمر في الآية (٢) بالتطهير والإجزاء في الخبر يدفعه.

ونقل الشيخ في المبسوط أنّ الارتماس يترتّب حكماً. (٣) وأطلق.

قال في الذكرى : وهو يحتمل أمرين :

أحدهما وهو الذي عقله الفاضل : أنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس ، ويظهر ذلك من المعتبر حيث قال : وقال بعض الأصحاب : يرتّب حكماً. (٤) فذكره بصيغة الفعل المتعدّي ، وفيه ضمير يعود إلى المغتسل.

والأمر الثاني : أنّ الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتّب بغير الارتماس.

وتظهر الفائدة : لو وجد لمعةً مغفلة ، فإنّه يأتي بها وبما بعدها.

ولو قيل بسقوط الترتيب بالمرّة ، أعاد الغسل من رأس ؛ لعدم الوحدة المذكورة في الحديث. وفيما لو نذر الاغتسال مرتّباً ؛ فإنّه يبرأ بالارتماس ، لأعلى معنى الاعتقاد المذكور ؛ لأنّه ذكره بصورة اللازم المسند إلى الغسل ، أي يترتّب الغسل في نفسه حكماً وإن

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٧٥ ، المسألة ١٢٢.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٩.

(٤) المعتبر ١ : ١٨٤.

١٥٧

لم يكن فعلاً ، وقد صرّح في الاستبصار بذلك. (١) (٢) انتهى.

وأورد عليه المحقّق الشيخ علي الإشكال من وجهين :

أحدهما : منع الفرق بين عبارة الفاضل وما نقله في المعتبر ؛ حيث فاوت الشهيد بينهما ، فجعل ذلك ظاهر المعتبر وصريح الفاضل باعتبار النقل كما يفهم من قوله : وهو الذي عقله الفاضل. وعنى هذا المحقّق بعبارة الفاضل قوله في المختلف حكايةً عن الشيخ : قال : وفي أصحابنا مَنْ قال : رتّب حكماً ؛ لأنّه ذكره في حاشيته على هذا القول.

ثمّ قال : والذي في عبارة الفاضل لا يزيد على ما في عبارة المعتبر ؛ لأنّ العبارتين واقعتان بصيغة الفعل المتعدّي المشتمل على الضمير العائد على المغتسل ، المنتصب بعده حكماً على التمييز ، ولا يمتنع أن يراد به الأمر الثاني بمعنى أنّ المرتمس في حكم المرتب.

الثاني : قوله : إنّ قول الشيخ يحتمل أمرين ، فيه نظر ؛ لأنّ نقل الشيخ أنّه يترتّب لإيراد به إلا الأمر الثاني ؛ لأنّ الترتيب حكماً لا ينطبق على اعتقاد الترتيب ؛ فإنّه أعمّ منه ، فلا يحتمل الأوّل.

على أنّه قد ذكر في توجيه الأمر الثاني أنّه ذكره بصورة اللازم ، إلى آخره ، وهو ينافي الاحتمال الأوّل. (٣)

أقول : هذان الإيرادان ساقطان.

أمّا أوّلاً : فلأنّ الشهيد رحمه‌الله نقل عن الفاضل رحمه‌الله التصريح بتفسير الترتيب الحكمي باعتقاده من غير إشارة إلى موضع النقل ، فمن أين علم المعترض أنّ ذلك هو قوله في المختلف : وفي أصحابنا مَنْ قال : إنّه يرتّب حكماً ، (٤) حتى يدّعي مساواة نقله لنقل المعتبر؟

نعم ، صرّح بنقل المعتبر وبلفظه ، فكيف يتخيّل فهم اختلاف هاتين العبارتين من مثل المحقّق الشهيد رحمه‌الله مع تساويهما!؟ فأوّل ما كان ينبغي عند عدم الوقوف على تصريح الفاضل أن يشار إلى ذلك لا إلى حصر الحال فيما قيل.

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٢٥ ذيل الحديث ٤٢٥.

(٢) الذكرى ٢ : ٢٢٤٢٢٣.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٧٤ ، المسألة ١٢٢.

١٥٨

وأمّا ثانياً : فلأنّ الفاضل قد صرّح بذلك في المختلف بعد ما نقله عنه المعترض بأسطرٍ في الاحتجاج لذلك القول بحديث علي بن جعفر ، المتقدّم (١) إلى قوله : وجه الاستدلال : أنّه عليه‌السلام علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره ، وإنّما يتساويان لو اعتقد الترتيب ، كما أنّه في الأصل مرتّب. (٢) انتهى ، فهذا هو الدالّ على أنّ الفاضل عقل من معنى الترتيب الحكمي اعتقاده ، فإنّ هذا التوجيه لم يذكره الشيخ صريحاً وإنّما قرّره الفاضل له على هذا الوجه حسب ما فهمه من معناه ، فظهر الفرق بين عبارة الفاضل والمحقّق في المعتبر.

وإنّما جعل الشهيد رحمه‌الله ذلك ظاهر عبارة المعتبر ؛ لأنّه غيّر ما عبّر به الشيخ في المبسوط حيث نقل عنه الشهيد الإتيان بلفظ «يترتّب» بالتاء المثنّاة من فوق قبل الراء وبعد الياء ، بخلاف لفظ المعتبر حيث نقله بلفظ المتعدّي وحذف التاء المثنّاة من فوق. وكذا نقله الفاضل في المختلف في الكلام الذي نقله عنه المعترض ، واتّفاق الفاضلين في العبارة عن القول عادلين عن اللفظ اللازم الذي نقله الشهيد عن المبسوط ثمّ تصريح الفاضل بإرادة الاعتقاد في آخر البحث كما ذكرناه عنه يشعر ظاهراً بتساوي فهم الفاضلين في ذلك. فهذا هو السرّ في إطلاق الشهيد التصريح عن الفاضل وجَعله ظاهر المعتبر.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الاعتراض بأنّ كلام الشيخ لا يحتمل إلا الأمر الثاني ولا يحتمل الأوّل مبنيّ على ما فهمه من عدم العلم بتصريح الفاضل ، وأنّ ما حكاه عنه وعن المعتبر يحتمل المعنى الثاني على أنّ المرتمس يكون في حكم المرتب.

وأمّا على ما بيّنّاه فلا بدّ من ذكر الأمرين ، أمّا الأوّل : فلتصريح الفاضل به. وأما الثاني : فلأنّه هو الموافق لتعبير المبسوط بصيغة اللازم وللإستبصار ، كما حكاه عنه. وللأدلّة المبيّنة أيضاً ، بل هو الذي استنبطه الشهيد رحمه‌الله من كلام الشيخ وحقّقه ، وإنّما بدأ بالأوّل ؛ لفهم الفاضل له.

وأمّا رابعاً : فلأنّ قوله في الاستدلال على نفي الأوّل : إنّ الترتيب حكماً أعمّ من اعتقاد الترتيب فلا يحتمل الأوّل ، غريب ؛ فإنّ كونه أعمّ لا يدلّ على نفيه ، بل غايته عدم

__________________

(١) في ص ١٥٦.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٧٥ ، المسألة ١٢٢.

١٥٩

الدلالة عليه على الخصوص ، فكما لا يدلّ عليه لا ينفيه ، فيتخصّص به بدليلٍ خارجيّ.

وأيضاً فإنّه معارَض بمثله في الثاني ؛ فإنّ اعترافه بأنّه أعمّ من الأوّل يستلزم أنّه أعمّ من الثاني تحقيقاً لمفهوم العموم ، فلا يدلّ عليه أيضاً خصوصاً وقد بيّنّا أنّ ذِكرَ الشهيد له لا لترجيحه ، بل لاختيار الفاضل إيّاه.

وأمّا خامساً : فلأنّ قوله : على أنّه قد ذكر في توجيه الأمر الثاني أنّه ذكره بصورة اللازم إلى آخره ، وهو ينافي الاحتمال الأوّل ، إنّما يدلّ على أنّ الشهيد رحمه‌الله مرجّح للاحتمال الثاني ومقرّر لما حكاه عن لفظ كتابَي الشيخ أنّه هو المراد ، وهذا لا ريب فيه ، لكن لا ينفي جَعل ما فهمه الفاضل وصرّح به احتمالاً خصوصاً وقد غيّر عبارة الشيخ إلى صيغة المتعدّي تبعاً للمعتبر ، فإنّ الأصحاب وغيرهم يذكرون الاحتمال وإن ضعف ولم يقل به أحد فكيف بما فهمه الفاضل العلامة رحمه‌الله ، فقوله : إنّ ذكره بصورة اللازم ينافي الاحتمال الأوّل لا يدلّ على نفي الاحتمال الأوّل في نفسه وإن كان المختار الثاني.

وإنّما أطنبنا القول في هذه المسألة ؛ لوجهٍ ما.

(ويستحبّ الاستبراء) للرجل المجنب بالإنزال ، فلا استبراء على المرأة عند المصنّف ، (١) كما لا حكم للخارج منها بعده مشتبهاً ، فتكون كرجلٍ استبرأ ، مع احتمال الإعادة كمن لم يستبرئ.

واستحبّ جماعة استبراءها بالبول أو الاجتهاد.

وهو ضعيف ؛ للأصل ، وعدم النصّ ، واختلاف مخرجي البول والمنيّ ، فلا يفيد.

وكذا الاستبراء على المجنب بالجماع مع الإكسال ؛ لعدم فائدته ، سواء تيقّن عدم الإنزال أم جوّز الإنزال مع عدم تيقّنه.

وليس الاستبراء واجباً ، خلافاً للشيخ (٢) في أحد قوليه.

والمراد بالاستبراء في عبارة الكتاب الاجتهاد في إزالة بقايا المنيّ المتخلّفة في المحلّ بالبول ، أو الاجتهاد بالاستبراء المعهود مع عدم إمكانه ، لا الاستبراء المعهود مطلقاً بدليل قوله (فإن وجد) المغتسِلُ المستبرئ ، المدلول عليه التزاماً بالمصدر ، المُنزل المدلول عليه

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٧٣ ، المسألة ١٢٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩.

١٦٠