منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨١

العلماء وغيرهم ، والعدول والفساق ، والسلطان والرعية ، والأغنياء والفقراء ، والظاهر عدم سقوطه ما دام كون الشخص تاركاً للمعروف وفاعلا للمنكر وإن قام البعض بما هو وظيفته من المقدار المتيسر له منه.

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب :

الأولى : أن يأتي بعمل يظهر به انزجاره القلبي وكراهته للمنكر أو ترك المعروف ، كإظهار الانزعاج من الفاعل ، أو الإعراض والصد عنه ، أو ترك الكلام معه ، أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل على كراهة ما وقع منه.

الثانية : الأمر والنهي باللسان والقول ، بأن يعظ الفاعل وينصحه ، ويذكر له ما أعد الله سبحانه للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم ، أو يذكر له ما أعده الله تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنات النعيم ، ومنه التغليظ في الكلام والوعيد على المخالفة وعدم الإقلاع عن المعصية بما لا يكون كذباً.

الثالثة : إعمال القدرة في المنع عن ارتكاب المعصية بفرك الأذن أو الضرب أو الحبس ونحو ذلك ، وفي جواز هذه المرتبة من غير إذن الإمام عليه‌السلام أو نائبه إشكال ، ولكل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف وأشد ، والمشهور الترتب بين هذه المراتب ، فإن كان إظهار الإنكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه ، والا أنكر باللسان ، فإن لم يكف ذلك أنكره بيده ، ولكن الظاهر أن القسمين الأولين في مرتبة واحدة فيختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما ، وقد يلزمه الجمع بينهما. وأما القسم الثالث فهو مترتب على عدم تأثير الأولين ، والأحوط بل الأقوى في الأقسام الثلاثة الترتيب بين مراتبها فلا ينتقل إلى الأشد إلا إذا لم يكف الأخف إيذاءً أو هتكاً ، وربما يكون بعض ما تتحقق به المرتبة الثانية أخف من بعض ما تتحقق به المرتبة الأولى ،

٤٢١

بل ربما يتمكن البصير الفطن أن يردع العاصي عن معصيته بما لا يوجب إيذاءه أو هتكه فيتعين ذلك.

مسألة ١٢٧٣ : إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال إلى الجرح والقتل وجهان ، بل قولان أقواهما العدم ، وكذا إذا توقف على كسر عضومن يد أو رجل أو غيرهما ، أو إعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما ، فإن الأقوى عدم جواز ذلك ، وإذا أدى الضرب إلى ذلك ـ خطأ أو عمداً ـ فالأقوى ضمان الآمر والناهي لذلك ، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية ، إن كان عمداً ، والخطأية إن كان خطأ. نعم يجوز للإمام ونائبه ذلك إذا كان يترتب على معصية الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله ، وحينئذ لا ضمان عليه.

مسألة ١٢٧٤ : يتأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة إلى أهله ، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات ، كالصلاة وأجزائها وشرائطها ، بأن لا يأتوا بها على وجهها ، لعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة ، أولا يتوضئوا وضوءاً صحيحاً أولا يطهروا أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدم ، حتى يأتوا بها على وجهها ، وكذا الحال في بقية الواجبات ، وكذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة والنميمة ، والعدوان من بعضهم على بعض ، أوعلى غيرهم ، أو غير ذلك من المحرمات ، فإنه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية ، ولكن في جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الأبوين بغير القول اللين وما يجري مجراه من المراتب المتقدمة نظر وإشكال.

مسألة ١٢٧٥ : إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق ، وعلم أنه غير عازم على العود إليها لكنه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة ، فإنها

٤٢٢

واجبة عقلاً لحصول الأمن من الضرر الأخروي بها ، هذا مع التفات الفاعل إليها ، أما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال ، والأحوط ـ استحباباً ـ ذلك.

فائدة :

قال بعض الأكابر قدس‌سره : إن من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدها ، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه ، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه ، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة ، وينزهها عن الأخلاق الذميمة ، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ، ونزعهم المنكر ، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة ، فإن لكل مقام مقالاً ، ولكل داء دواء ، وطب النفوس والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة ، وحينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٤٢٣

ختام

وفيه مطلبان :

المطلب الأول : في ذكر أمور هي من المعروف :

منها : الاعتصام بالله تعالى ، قال الله تعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « أوحى الله عز وجل إلى داود : ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن ».

ومنها : التوكل على الله سبحانه ، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه والقادر على قضاء حوائجهم. وإذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل أعلى نفسه ، أم على غيره مع عجزه وجهله؟ قال الله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « الغنى والعز يجولان ، فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا ».

ومنها : حسن الظن بالله تعالى ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما قال : «والذي لا إله إلا هولا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن ، لأن الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه ، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه».

ومنها : الصبر عند البلاء ، والصبر عن محارم الله ، قال الله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث أنه قال : « فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ،

٤٢٤

واعلم أن النصر مع الصبر ، وإن الفرج مع الكرب ، فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً » ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه قال : « لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان » ، وعنه عليه‌السلام أيضاً : « الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل ، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك ».

ومنها : العفة ، فعن أبي جعفر عليه‌السلام : « ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج » ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر » عليه‌السلام.

ومنها : الحلم ، روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « ما أعز الله بجهل قط ، ولا أذل بحلم قط » ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه قال : « أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل » وعن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليما ».

ومنها : التواضع ، روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله تعالى ».

ومنها : إنصاف الناس ، ولومن النفس ، روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك ، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال ».

ومنها : اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس ، فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين » وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن أسرع الخير ثواباً البر ، وإن أسرع الشر عقاباً البغي ، وكفى بالمرء عيباً

٤٢٥

أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه ، وإن يعير الناس بما لا يستطيع تركه ، وإن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

ومنها : إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر ، روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه قال : « من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ».

ومنها : الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها ، روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وإنطلق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام » ، وروي إن رجلاً قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به؟ فقال عليه‌السلام : « أوصيك بتقوى الله ، والورع والاجتهاد ، وإياك أن تطمع إلى من فوقك ، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) وقال تعالى : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنما كان قوته من الشعير ، وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده ، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط ».

المطلب الثاني : في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر :

منها : الغضب. فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل » وعن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « الغضب مفتاح كل شر » وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إن الرجل ليغضب فما

٤٢٦

يرضى أبداً حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان ، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه ، فإن الرحم إذا مست سكنت».

ومنها : الحسد ، فعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب » ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال ذات يوم لأصحابه : « إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم ، وهو الحسد ليس بحالق الشعر ، ولكنه حالق الدين ، وينجى فيه أن يكف الإنسان يده ، ويخزن لسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن ».

ومنها : الظلم ، روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده » ، وروي عنه أيضاً إنه قال : « ما ظفر بخير من ظفر بالظلم ، أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم ».

ومنها : كون الإنسان ممن يتقى شره ، فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم » ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « ومن خاف الناس لسانه فهو في النار » وعنه عليه‌السلام أيضاً : « إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه » ولنكتف بهذا المقدار.

والحمد لله أولاً وآخراً ، وهو حسبنا ونعم الوكيل

٤٢٧

مستحدثات المسائل

٤٢٨
٤٢٩

بسم الله الرحمن الرحيم

أعمال المصارف والبنوك

( ١ )

الاقتراض ـ الإيداع

المصارف والبنوك على ثلاثة أصناف :

( ١) الأهلي : وهوما يتكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين.

(٢) الحكومي : وهو الذي يكون رأس ماله مكوناً من أموال الدولة.

(٣) المشترك : وهو الذي تشترك الدولة والأهالي في تكوين رأس ماله.

مسألة ١ : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع الزيادة لأنه ربا محرم ، ولو اقترض كذلك صح القرض وبطل الشرط ، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وفاءً للشرط.

وقد ذكر للتخلص من الربا طرق :

٤٣٠

منها : أن يشتري المقترض من صاحب البنك أومن وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية ١٠ % أو ٢٠ % مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيناً من النقد لمدة معلومة يتفقان عليها ، أو يبيعه متاعاً بأقل من قيمته السوقية ، ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيناً لمدة معلومة فيقال : أنه يجوز الاقتراض عندئذ ولا ربا فيه.

ولكنه لا يخلو عن إشكال ، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه ، ومثله الحال في الهبة والإجارة والصلح بشرط القرض.

وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الإمهال في أداء الدين شرطاً فيها.

ومنها : تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدة شهرين مثلاً.

ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير أن صحته بيعاً محل إشكال.

نعم لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً ، ويجعل الثمن المؤجل عملة أخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقررة أوما يساويها من الدنانير ، ليكون من الوفاء بغير الجنس.

ومنها : أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقدا بما ينقص عنها كمائة دينار.

وهذا أيضاً لا يصح إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك بشراء البضاعة نقدا بالأقل من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنياً على ذلك ، وأما مع خلوه عن الشرط فلا بأس به.

٤٣١

ويلاحظ أن هذه الطرق ونحوها ـ لو صحت ـ لا تحقق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخر عن أداء دينه عند نهاية الأجل وازدياده كلما زاد التأخير ، فإن أخذ الفائدة بأزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً.

مسألة ٢ : لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لأنه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه ، ولو اقترض كذلك بطل القرض والشرط معاً ، لأن البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملكه للمقترض.

وللتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض ، والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، ثم يتصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، ولا يضره العلم بأن البنك ، سوف يستوفي منه أصل المال والزيادة قهراً ، فلو طالبه البنك جاز له الدفع حيث لا يسعه التخلف عن ذلك.

مسألة ٣ : يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة ، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة ، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أن البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه ، فإن البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر.

مسألة ٤ : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة ، ولو فعل ذلك صح الإيداع وبطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، ولكن يجوز له التصرف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ.

٤٣٢

مسألة ٥ : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى إقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة ، فإنه ربا ، بل إعطاء المال إليها ولومن دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً ، لأن ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك ، بل من المال المجهول مالكه ، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها ، لأنه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه ، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه.

مسألة ٦ : لا فرق في الإيداع ـ فيما تقدم ـ بين الإيداع الثابت الذي له أمد خاص ـ بمعنى أن البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ وبين الإيداع المتحرك ـ المسمى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزما بوضع المال تحت الطلب.

مسألة ٧ : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدم من الأحكام ، لأن الأموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرف فيها من دون مراجعة الحاكم الشرعي.

مسألة ٨ : ما تقدم كان حكم الإيداع والاقتراض من البنوك الأهلية والحكومية في الدول الإسلامية ، وأما البنوك التي يقوم غير محترمي المال من الكفار بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا منهم على الأظهر.

وأما الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، ويمكن التخلص منه بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل استنقاذاً ، فيجوز له التصرف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي.

٤٣٣

(٢)

الاعتمادات

الاعتماد على قسمين :

١ ـ اعتماد الاستيراد : وهوإن من يريد استيراد بضاعة أجنبية يتقدم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهد البنك بموجبه بتسلم مستندات البضاعة المستوردة وتسليمها إلى فاتح الاعتماد وتسديد ثمنها إلى الجهة المصدرة ، وذلك بعد تمامية المعاملة بين المستورد والمصدر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد ، وإرسال القوائم المحددة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط والمواصفات المتفق عليها ، وقيام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ، فإنه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلم مستندات البضاعة وأداء ثمنها إلى الجهة المصدرة.

٢ ـ اعتماد التصدير : وهولا يختلف عن اعتماد الاستيراد إلا في الاسم ، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم المستورد الأجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهد البنك بموجبه بتسلم مستندات البضاعة وتسديد ثمنها إلى البائع المصدر بعد طي المراحل المشار إليها آنفاً.

فالنتيجة أن القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد سواء أ كان للاستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك للبائع بأداء دين المشتري وهو ثمن البضاعة المشتراة وتسلم مستنداتها وتسليمها إلى المشتري.

نعم هنا قسم آخر من الاعتماد ، وهوإن المصدر يقوم بإرسال قوائم البضاعة كماً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة ، والبنك بدوره يعرض تلك القوائم على تلك الجهة ، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها. ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم

٤٣٤

البضاعة وقبض الثمن.

مسألة ٩ : الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع الأقسام المذكورة ، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من الخدمات.

مسألة ١٠ : يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من الفائدة :

الأول : ما يكون بإزاء خدماته له من التعهد بأداء دينه والاتصال بالمصدر وتسلم مستندات البضاعة وتسليمها إليه ، ونحو ذلك من الأعمال.

وهذا النحومن الفائدة يجوز أخذه على أساس أنه داخل في عقد الجعالة ، أي أن فاتح الاعتماد يعين للبنك جعلاً إزاء قيامه بالأعمال المذكورة ، ويمكن إدراجه في عقد الإجارة أيضاً مع توفر شروط صحته المذكورة في محلها.

الثاني : ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده إلى الجهة المصدرة من ماله الخاص لا من رصيد فاتح الاعتماد ، فإن البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع أزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدة معلومة.

وقد يصحح أخذ هذا النحومن الفائدة بأن البنك لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد ، ولا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون رباً ، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه وأمره ، وعليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الإتلاف ، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة.

ولكن من الواضح أن فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه أداء دينه إلا نفس مقدار الدين ، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه يكون من الربا المحرم.

نعم ، لو عين فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جعلاً بمقدار أصل الدين والزيادة المقررة نسيئة لمدة شهرين مثلاً ، اندرج ذلك في عقد الجعالة ، وصحته حينئذ لا تخلو عن وجه.

هذا ، ويمكن التخلص من الربا في أخذ هذا النحومن الفائدة بوجه آخر ، وهو إدراجه في البيع ، فإن البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة بالعملة

٤٣٥

الأجنبية إلى المصدر ، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الأجنبية في ذمة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه ، وبما أن الثمن والمثمن يختلفان في الجنس فلا بأس به.

هذا كله إذا كان البنك أهلياً ، وأما إذا كان حكومياً أو مشتركاً فحيث أن البنك يسدد دين فاتح الاعتماد من المال المجهول مالكه ، فلا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء ، فلا يكون التعهد بأداء الزيادة إليه من قبيل التعهد بدفع الربا المحرم.

( ٣ )

خزن البضائع

قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدر إلى المستورد فربما يقوم بتخزينها على حساب المستورد كما إذا تم العقد بينه وبين المصدر ، وقام البنك بتسديد ثمنها له ، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصولها ، فإن تأخر المستورد عن تسلمها في الموعد المقرر ، قام البنك بخزنها وحفظها على حساب المستورد إزاء أجر معين وقد يقوم بحفظها على حساب المصدر ، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد واتفاق مسبق مع جهة مستوردة ، فعندئذ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدر إزاء أجر معين.

مسألة ١١ : يجوز للبنك أخذ الأجرة إزاء عملية التخزين في كلتا الصورتين المتقدمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدر أوالمستورد ، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ وإن كان الشرط ارتكازياً ـ والا فلا يستحق شيئاً.

٤٣٦

(٤)

بيع البضائع عند تخلف أصحابها عن تسلمها

إذا تخلف صاحب البضاعة عن تسلمها ودفع المبالغ المستحقة للبنك ـ بعد إعلان البنك وإنذاره بذلك ـ يقوم البنك ببيع البضاعة لاستيفاء حقه من ثمنها.

مسألة ١٢ : يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة ، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لأن البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلفهم عن دفع ما عليهم من بقية المبالغ المستحقة له وتسلم البضاعة ، وذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً.

( ٥ )

الكفالة عند البنوك

إذا تعهد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها ، فتم الاتفاق بينهما على ذلك ، فإن المتعهد له قد يشترط على المتعهد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع وإتمامه في الوقت المقرر عوضا عن الخسائر التي قد تصيبه ، ولكي يطمئن المتعهد له بذلك يطالب المتعهد بكفيل على هذا ، وفي هذه الحالة يرجع المتعهد والمقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفل فيه للمتعهد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهد عن دفعها بعد تخلفه عن القيام

٤٣٧

بإنجاز المشروع في الموعد المقرر.

مسألة ١٣ : تعهد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحومن الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هي عبارة عن التعهد لشخص بإحضار شخص آخر له حق عليه عند طلبه.

وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أن الضامن تشتغل ذمته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفائه أخرج من تركته مقدماً على الإرث ، وأما الكفيل المالي فلا تشتغل ذمته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل ذلك لم يخرج من تركته شيء إلا بوصية منه.

ويصح عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده والتزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، وبقبول من المكفول له بكل ما يدل على رضاه بذلك.

مسألة ١٤ : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معينة من المقاول المتعهد لإنجاز المشروع إزاء كفالته وتعهده ، ويمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعين المقاول العمولة المطلوبة جعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحل له أخذها حينئذ.

مسألة ١٥ : إذا تخلف المقاول عن إنجاز المشروع في المدة المقررة ، وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحق للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا؟

الظاهر أنه يحق له ذلك ، لأن تعهد البنك وكفالته كان بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهده ، فيحق له أن يرجع إليه ويطالبه به.

٤٣٨

( ٦ )

بيع السهام

قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها ، ويقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها وتصريفها إزاء عمولة معينة بعد الاتفاق بينه وبين الشركة.

مسألة ١٦ : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنها ـ في الحقيقة ـ لا تخلومن دخولها أما في الإجارة بمعنى أن الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، وأما في الجعالة على ذلك ، وعلى كلا التقديرين فالمعاملة صحيحة ويستحق البنك الأجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور.

مسألة ١٧ : يصح بيع هذه الأسهم وشراؤها.

نعم إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها والاشتراك في تلك المعاملات.

( ٧ )

بيع السندات

السندات : صكوك تصدرها جهات مخولة قانونياً بقيمة إسمية معينة مؤجلة إلى مدة معلومة ، وتبيعها بالأقل منها ، مثلا يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً نقداً على أن يؤدي المائة بعد سنة مثلاً ، وقد تتولى البنوك عملية البيع ، وتأخذ على ذلك عمولة معينة.

مسألة ١٨ : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين :

٤٣٩

١ ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممن يشتريه مبلغ خمسة وتسعين دينارا ـ في المثال المذكور ـ وتدفع إليه مائة دينار في نهاية المدة المحددة وفاء لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة على القرض ، وهذا رباً محرم.

٢ ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة وتسعين ديناراً نقداً.

وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، ولكن صحته بيعاً محل إشكال كما سبق.

فالنتيجة أنه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية وغيرها.

مسألة ١٩ : لا يجوز للبنوك التوسط في بيع السندات وشرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك.

(٨)

الحوالات الداخلية والخارجية

مسألة ٢٠ : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، ولكنها ـ هنا ـ تستعمل في الأعم من ذلك ، وفيما يلي نماذج للحوالات المصرفية :

الأول : أن يصدر البنك صكاً لعميله بتسلم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك ، وعندئذ يأخذ البنك منه عمولة معينة إزاء قيامه بهذا الدور ، والظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأن للبنك حق الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض فيجوز له أخذ

٤٤٠