منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني

منهاج الصالحين ـ العبادات - ج ١

المؤلف:

فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٨١

من ماله المخمس فزادت قيمتها ـ حين الاستهلاك في أثناء السنة ـ لم يجز له استثناء قيمة زمان الاستهلاك على الأحوط ، بل يستثنى قيمة الشراء.

مسألة ١٢٢٥ : ما يدخره من المؤن ، كالحنطة والدهن ونحو ذلك إذا بقي منه شئ إلى السنة الثانية ـ وكان أصله مخمساً ـ لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته ، كما أنه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح.

مسألة ١٢٢٦ : إذا اشترى بعين الربح شيئاً ، فتبين الاستغناء عنه وجب إخراج خمسه ، والأحوط ـ استحباباً ـ مع نزول قيمته عن رأس المال مراعاة رأس المال ، وكذا إذا اشتراه عالماً بعدم الاحتياج إليه كبعض الفرش الزائدة ، والجواهر المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة ، والبساتين والدور التي يقصد الاستفادة بنمائهما ، فإنه لا يراعي في الخمس رأس مالها ، بل قيمتها وإن كانت أقل منه ، وكذا إذا اشترى الأعيان المذكورة بالذمة ، ثم وفى من الربح لم يلزمه إلا خمس قيمة العين آخر السنة ، وإن كان الأحوط ـ استحباباً ـ في الجميع ملاحظة الثمن.

مسألة ١٢٢٧ : من جملة المؤن مصارف الحج واجباً كان أو مستحباً وإذا استطاع في أثناء السنة من الربح ولم يحج ـ ولو عصياناً ـ وجب خمس ذلك المقدار من الربح ولم يستثن له ، وإذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية ، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراج الخمس وجب الحج والا فلا ، أما الربح المتمم للاستطاعة في سنة الحج فلا خمس فيه ، نعم إذا لم يحج ـ ولو عصيانا ـ وجب إخراج خمسه.

مسألة ١٢٢٨ : إذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشترى في السنة الأولى عرصة لبناء دار ، وفي الثانية خشباً وحديداً ، وفي الثالثة آجراً مثلاً ، وهكذا لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنة ، لأنه مؤونة للسنين

٤٠١

الآتية التي يحصل فيها السكنى ، فعليه خمس تلك الأعيان ، نعم إذا كان المتعارف لمثله تحصيل الدار تدريجاً على النحوالمتقدم بحيث يعد تحصيل ما اشتراه في كل سنة من مؤنته فيها لكون تركه منافياً لما يقتضيه شأنه فيها فالظاهر عدم ثبوت الخمس.

مسألة ١٢٢٩ : إذا آجر نفسه سنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الإجارة من أرباحها ، وما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية من أرباح تلك السنين ، وأما إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع ، ووجب فيه الخمس بعد المؤونة ، وبعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان ، من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية بعد انتهاء السنة ، مثلاً : إذا كان له بستان يسوي ألف دينار ، فباع ثمرته عشر سنين بأربعمائة دينار ، وصرف منها في مؤونته مائة دينار فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار لم يجب الخمس في تمامه ، بل لابد من استثناء مقدار يجبر به النقص الوارد على البستان ، من جهة كونه مسلوب المنفعة تسع سنين ، فإذا فرضنا أنه لا يسوي كذلك بأزيد من ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلا في مائة دينار فقط ، وبذلك يظهر الحال فيما إذا آجر داره ـ مثلاً ـ سنين متعددة.

مسألة ١٢٣٠ : إذا دفع من السهمين أو أحدهما ، ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها ، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة استثنى منها اربعة اضعاف ما دفعه في اثناء الحول وخمس الباقي وان كان ما دفعه من مال مخمس او مما لم يتعلق به الخمس استنثى من ارباحها خمسة اضعاف ما دفعه اثناء الحول واخرج خمس الباقي.

مسألة ١٢٣١ : أداء الدين من المؤونة سواء أ كان حدوثه في سنة الربح أم فيما قبلها ، تمكن من أدائه قبل ذلك أم لا ـ إلا فيما سيأتي ـ نعم إذا لم

٤٠٢

يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس ، من دون استثناء مقدار وفاء الدين إلا أن يكون الدين لمؤونة السنة فإن استثناء مقداره من ربحه لا يخلومن وجه ، ولا يحسب ـ حينئذ ـ أداؤه في العام اللاحق من مؤونة ذلك العام ، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون سبب الدين أمراً اختيارياً كالاقتراض والشراء بثمن في الذمة أو قهرياً كأروش الجنايات وقيم المتلفات ونفقة الزوجة الدائمة ، كما لا فرق فيه بين كونه من قبيل حقوق الناس ـ كالأمثلة المتقدمة ـ أومن الحقوق الشرعية كما إذا انتقل الخمس أو الزكاة إلى ذمته ، وتلحق بالدين فيما تقدم الواجبات المالية كالنذور والكفارات ، ففي جميع ذلك إن أداه من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه وإن كان حدوثه في السنة السابقة والا وجب الخمس ـ على التفصيل المتقدم ـ وإن كان عاصياً بعدم أدائه.

مسألة ١٢٣٢ : إذا اشترى ما ليس من المؤونة بالذمة ، أو استدان شيئاً لإضافته إلى رأس ماله ونحو ذلك ، مما يكون بدل دينه موجوداً ، ولم يكن من المؤونة جاز له أداء دينه من أرباح السنة اللاحقة ، نعم يعد البدل حينئذ من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه بعد انقضائها إذا كان زائداً على مؤونتها ، ولو فرض اعداده للتجارة في السنة السابقة وارتفاع قيمته في السنة السابقة بحيث زادت على قيمة الدين كان الزائد من أرباح تلك السنة لا هذه.

مسألة ١٢٣٣ : إذا اتجر برأس ماله ـ مراراً متعددة في السنة ـ فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت ، وربح في آخر ، يجبر الخسران بالربح ، وإن كان الربح بعد الخسران على الأقوى ، فإن تساوى الخسران والربح فلا خمس ، وإن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة ، وإن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه وصار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة. وكذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال ، أو صرفه في

٤٠٣

نفقاته ، كما هو الغالب في أهل مخازن التجارة فإنهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح ، وربما يظهر الربح في أواخر السنة فيجبر التلف بالربح أيضاً بل إذا أنفق من ماله غير مال التجارة قبل حصول الربح كما يتفق كثيراً لأهل الزراعة فإنهم ينفقون لمؤونتهم من أموالهم قبل حصول النتاج جاز له أن يجبر ذلك من نتائج الزرع عند حصوله ، وليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها ، وإنما عليه خمس الزائد لا غير ، وكذلك حال أهل المواشي ، فإنه إذا خمس موجوداته في آخر السنة وفي السنة الثانية باع بعضها لمؤونته ، أو مات بعضها أو سرق فإنه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له في السنة الثانية ، ففي آخر السنة يجبر النقص الوارد على الأمهات بقيمة السخال المتولدة ، فإنه يضم السخال إلى أرباحه في تلك السنة ، من الصوف والسمن واللبن وغير ذلك ، فيجبر النقص ، ويخمس ما زاد على الجبر ، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال ـ مع أرباحه الأخرى ـ لم يكن عليه خمس في تلك السنة.

مسألة ١٢٣٤ : إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة كما إذا اشترى ببعضه حنطة وببعضه سكراً فخسر في أحدهما وربح في الآخر جاز جبر الخسارة بالربح على الأظهر ، نعم إذا تمايزت التجارات فيما يرتبط بشؤون التجارة من رأس المال والحسابات والأرباح والخسائر ونحوها ففي جواز الجبر إشكال ، والأحوط لزوماً عدم الجبر ، وكذا الحال فيما إذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة والزراعة فربح في أحدهما وخسر في الآخر ، فإنه لا تجبر الخسارة بالربح على الأحوط.

مسألة ١٢٣٥ : إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب ، ولا من مؤونته ففي الجبر ـ حينئذ ـ إشكال ، والأظهر عدم الجبر.

مسألة ١٢٣٦ : إذا انهدمت دار سكناه ، أو تلف بعض أمواله ـ مما هو

٤٠٤

مؤونته ـ كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج إليها ونحو ذلك ، ففي الجبر من الربح إشكال ، والأظهر عدم الجبر ، نعم يجوز له تعمير داره وشراء مثل ما تلف من المؤن أثناء سنة الربح ، إذا احتاج إليه فيما بقي منها ، ويكون ذلك من الصرف في المؤونة المستثناة من الخمس.

مسألة ١٢٣٧ : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً ، فاستقاله البائع فأقاله ، لم يسقط الخمس إلا إذا كان من شأنه أن يقيله ـ كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن ـ وحصلت الإقالة قبل انقضاء السنة.

مسألة ١٢٣٨ : إذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف الخمس ورجع عليه الحاكم ، وكذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاءً لدين أو هبة ، أو عوضاً لمعاملة ، فإنه ضامن للخمس ، ويرجع الحاكم عليه ، ولا يجوز الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمناً ، وإذا كان ربحه حباً فبذره فصار زرعاً وجب خمس الزرع لا خمس الحب ، وإذا كان بيضاً فصار دجاجاً وجب عليه خمس الدجاج لا خمس البيض ، وإذا كان ربحه أغصاناً فغرسها فصارت شجراً وجب عليه خمس الشجر ، لا خمس الغصن وهكذا.

مسألة ١٢٣٩ : إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه لم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية ، نعم يجوز له أن يرجع به على الفقير ، مع بقاء عينه ، وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال.

مسألة ١٢٤٠ : إذا جاء رأس الحول ، وكان ناتج بعض الزرع حاصلاً دون بعض فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته ، ويخمس بعد إخراج المؤن ، وما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة. نعم إذا كان له قيمة حسب بما له من القيمة الفعلية من أرباح هذه السنة وبالنسبة إلى ما

٤٠٥

سواه من أرباح السنة اللاحقة ، مثلاً في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل ، وبعضه قصيل لا سنبل له وجب إخراج خمس الجميع ، وإذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها ، لا من أرباح السنة السابقة.

مسألة ١٢٤١ : إذا كان الغوص وإخراج المعدن مكسباً كفاه إخراج خمسهما ، ولا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب بعد إخراج مؤونة سنته إلا إذا ربح فيهما فيجب الخمس في الربح.

مسألة ١٢٤٢ : المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس في جميع أرباحها إذا عال بها الزوج فلم تصرف شيئاً منها في مؤونتها وكذا يجب عليها الخمس إذا لم يعل بها الزوج وزادت فوائدها على مؤونتها ، بل وكذا الحكم إذا لم تكتسب ، وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره ، فإنه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال ؛ وبالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها ، قليلاً كان أم كثيراً ، ويخرج خمسه ، كاسباً كان أم غير كاسب.

مسألة ١٢٤٣ : الظاهر عدم اشتراط البلوغ والعقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس من أرباح المكاسب والكنز ، والغوص ، والمعدن ، والحلال المختلط بالحرام فيجب على الولي إخراجه من مال الصبي والمجنون ، وإن لم يخرج فيجب عليهما الإخراج بعد البلوغ والإفاقة.

مسألة ١٢٤٤ : إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤونة ، فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عيناً أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح ، وأما إذا اشترى شيئاً بعد انتهاء سنته ووجوب الخمس في ثمنه ، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضاً عيناً أو قيمة بعد تصحيحها بإجازة الحاكم الشرعي إذا لم يكن المنتقل إليه مؤمناً ، وأما إذا كان الشراء في الذمة ، كما هو الغالب ، وكان الوفاء به من الربح غير المخمس

٤٠٦

فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به ، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته إذا لم يكن معداً للتجارة ما لم يبعه ، وإذا علم أنه ادى الثمن من ربح لم يخمسه ، ولكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب خمس نفسه المرتفع قيمته على الفرض أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا في مقدار الثمن الذي اشتراه به فقط ، فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعي.

مسألة ١٢٤٥ : إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين وقد ربح فيها واستفاد أموالاً ، واشترى منها أعياناً وأثاثاً ، وعمر دياراً ثم التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الفوائد فالواجب عليه إخراج الخمس من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه ، مما لم يكن معدوداً من المؤونة ، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكنى والأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله ، وكذا الحيوان والغرس وغيرها على تفصيل مر في المسألة السابقة ، أما ما يكون معدوداً من المؤونة مثل دار السكنى والفراش والأواني اللازمة له ونحوها ، فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد استعمله فيها لم يجب إخراج الخمس منه ، وإن كان قد اشتراه من ربح السنة السابقة ، بأن كان لم يربح في سنة الاستعمال أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليومية وجب عليه إخراج خمسه ، على التفصيل المتقدم ، وإن كان ربحه يزيد على مصارفه اليومية ، لكن الزيادة أقل من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه إخراج خمس مقدار التفاوت ، مثلاً إذا عمر دار سكناه بألف دينار وكان ربحه في سنة التعمير يزيد على مصارفه اليومية بمقدار مائتي دينار وجب إخراج خمس ثمانمائة دينار ، وكذا إذا اشترى أثاثاً بمائة دينار واستعمله في مؤونته ، وكان قد ربح زائداً على مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة ، وجب تخميس تسعين ديناراً ، وإذا لم يعلم أن الأعيان التي اشتراها ، واستعملها في مؤونته

٤٠٧

يساوي ثمنها ربحه في سنة الاستعمال أو أقل منه ، أوإنه لم يربح في تلك السنة زائداً على مصارفه اليومية فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعي ، وإذا علم أنه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه ، وإنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة وجب إخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة.

مسألة ١٢٤٦ : قد عرفت أن رأس السنة في الفوائد غير المكتسبة أول حصول الفائدة وفي الفوائد المكتسبة حين الشروع في الاكتساب لكن إذا أراد المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة واتخاذ رأس سنته الشروع في الاكتساب بعده أو حصول الفائدة الجديدة ، ويجوز جعل السنة هلالية وشمسية.

مسألة ١٢٤٧ : يجب على كل مكلف ـ في آخر السنة ـ أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مؤونته مما ادخره في بيته لذلك ، من الأرز ، والدقيق ، والحنطة ، والشعير والسكر ، والشاي ، والنفط ، والحطب ، والفحم ، والسمن ، والحلوى ، وغير ذلك من أمتعة البيت ، مما أعد للمؤونة فيخرج خمس ما زاد من ذلك. نعم إذا كان عليه دين استدانه لمؤونة السنة وكان مساوياً للزائد لم يجب الخمس في الزائد ، وكذا إذا كان أكثر ، أما إذا كان الدين أقل أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير ، وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية ، فوفى الدين في أثنائها صارت معدودة من أرباح السنة الثانية ، فلا يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مؤونة تلك السنة وكذا الحكم إذا اشترى أعياناً لغير المؤونة ـ كبستان ـ وكان عليه دين للمؤونة يساويها لم يجب إخراج خمسها ، فإذا وفى الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها ، ووجب إخراج خمسها آخر السنة ، وإذا اشترى بستاناً ـ مثلاً ـ بثمن في الذمة مؤجلاً فجاء رأس السنة لم يجب إخراج خمس

٤٠٨

البستان ، فإذا وفى تمام الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية ووجب إخراج خمسها ، وإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة ، ووجب إخراج خمس النصف ، وإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة ، وهكذا كلما وفى جزءاً من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة. هذا إذا كان ذاك الشئ موجوداً ، أما إذا تلف فلا خمس فيما يؤديه لوفاء الدين ، وكذا إذا ربح في سنة مائة دينار ـ مثلاً ـ فلم يدفع خمسها العشرين ديناراً حتى جاءت السنة الثانية ، فدفع من أرباحها عشرين ديناراً وجب عليه خمس العشرين ديناراً التي هي الخمس ، مع بقائها ، لا مع تلفها ، وإذا فرض أنه اشترى داراً للسكنى فسكنها ، ثم وفى في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار ، وكذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار ، ويجري هذا الحكم في كل ما اشترى من المؤن بالدين.

مسألة ١٢٤٨ : إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية ـ مثلاً ـ في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه ، وإن لم يصرفه حتى انتهت السنة وجب عليه إخراج خمسه كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه ، بعد إكمال مؤونته.

مسألة ١٢٤٩ : إذا كان رأس ماله مائة دينار مثلاً فاستأجر دكاناً بعشرة دنانير ، واشترى آلات للدكان بعشرة ، وفي آخر السنة وجد ماله بلغ مائة كان عليه خمس الآلات فقط ، ولا يجب إخراج خمس أجرة الدكان ، لأنها من مؤونة التجارة ، وكذا أجرة الحارس ، والحمال ، والضرائب التي يدفعها إلى السلطان ، والسرقفلية التي يدفعها للحصول على الدكان ، فإن هذه المؤن مستثناة من الربح ، والخمس إنما يجب فيما زاد عليها ، كما عرفت ، نعم إذا

٤٠٩

كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقاً في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة ، وإخراج خمسه ، فربما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية ، وربما تنقص ، وربما تساوي.

مسألة ١٢٥٠ : إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه ولو تدريجاً من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن ، إلا مع تلف الربح السابق عيناً وبدلاً ، وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة لم يكن وفاء مال المصالحة من أرباح السنة الثانية من المؤن إلا إذا كان عوضاً عن خمس عين تالفة ، ولو كان عوضاً عن خمس عين موجودة فوفاه من ربح السنة الثانية قبل تخميسه صار خمس العين المزبورة من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه عند انقضائها إذا لم يصرف في المؤونة.

مسألة ١٢٥١ : إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها ديناً في ذمة الناس ، فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه ، وإن لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة ، فإذا استوفاه أخرج خمسه وكان من أرباح السنة السابقة ، لا من أرباح سنة الاستيفاء ، وبين أن يقدر مالية الديون فعلاً فيدفع خمسها ، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء.

مسألة ١٢٥٢ : يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله وإن جاز تأخير الدفع إلى آخر السنة ـ احتياطاً ـ للمؤونة ، فإذا أتلفه ضمن الخمس ، وكذا إذا أسرف في صرفه ، أو وهبه ، أو اشترى أو باع على نحوالمحاباة ، إذا كانت الهبة ، أو الشراء ، أو البيع غير لائقة بشأنه ، وإذا علم أنه ليس عليه مؤونة في باقي السنة ، فالأحوط ـ وجوباً ـ أن يبادر إلى دفع الخمس ، ولا يؤخره إلى نهاية السنة.

مسألة ١٢٥٣ : إذا مات المكتسب ـ أثناء السنة بعد حصول الربح ـ

٤١٠

فالمستثنى هوالمؤونة إلى حين الموت ، لإتمام السنة.

مسألة ١٢٥٤ : إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه ، وإذا علم أنه أتلف مالاً له قد تعلق به الخمس وجب إخراج خمسه من تركته ، كغيره من الديون ، نعم إذا كان المورث ممن لا يعتقد الخمس أو ممن لا يعطيه فلا يبعد تحليله للوارث المؤمن في كلتا الصورتين.

مسألة ١٢٥٥ : إذا اعتقد أنه ربح ، فدفع الخمس فتبين عدمه ، انكشف أنه لم يكن خمس في ماله ، فيرجع به على المعطى له مع بقاء عينه ، وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال ، وأما إذا ربح في أول السنة ، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤونة زائدة ، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤونة لم تكن محتسبة ، لم يجز له الرجوع إلى المعطى له ، حتى مع بقاء عينه فضلاً عما إذا تلفت.

مسألة ١٢٥٦ : الخمس بجميع أقسامه وإن كان يتعلق بالعين ، إلا أن المالك يتخير بين دفع العين ودفع قيمتها ، ولا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه بل لا يجوز له التصرف في بعضها أيضاً وإن كان مقدار الخمس باقياً في البقية على الأظهر ، وإذا ضمنه في ذمته بالمداورة مع الحاكم الشرعي صح ، ويسقط الحق من العين ، فيجوز التصرف فيها.

مسألة ١٢٥٧ : لا بأس بالشركة مع من لا يخمس ، إما لاعتقاده ـ لتقصير أو قصور ـ بعدم وجوبه ، أو لعصيانه وعدم مبالاته بأمر الدين ، ولا يلحقه وزر من قبل شريكه. ويجزيه أن يخرج خمسه من حصته في الربح.

مسألة ١٢٥٨ : لا يجوز التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس ، ولو تصرف فيها بالاتجار فإن كان الاتجار بما في الذمة وكان الوفاء بالعين غير المخمسة صحت المعاملة ولكن يلزمه دفع خمس تلك العين ولومن مال آخر ، وإن كان الاتجار بعين ما فيه الخمس فالظاهر صحة المعاملة

٤١١

أيضاً إذا كان طرفها مؤمناً من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي ولكن ينتقل الخمس حينئذ إلى البدل كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة ، وينتقل الخمس إلى ذمة الواهب ، وعلى الجملة كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجاناً يملكه فيجوز له التصرف فيه ، وقد أحل الأئمة ـ سلام الله عليهم ـ ذلك لشيعتهم تفضلاً منهم عليهم ، وكذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء ، فيما إذا أباحوها لهم ، من دون تمليك ، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس ، إذا كان مقصراً.

٤١٢

المبحث الثاني

مستحق الخمس ومصرفه

مسألة ١٢٥٩ : يقسم الخمس في زماننا ـ زمان الغيبة ـ نصفين ، نصف لإمام العصر الحجة المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه وجعل أرواحنا فداه ـ ونصف لبني هاشم : أيتامهم ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، ويشترط في هذه الأصناف جميعاً الإيمان ، كما يعتبر الفقر في الأيتام ، ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم ، ولو كان غنياً في بلده إذا لم يتمكن من السفر بقرض ونحوه على ما عرفت في الزكاة. والأحوط وجوباً اعتبار أن لا يكون سفره معصية ولا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده ، والأظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم.

مسألة ١٢٦٠ : الأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ أن لا يعطى الفقير أكثر من مؤونة سنته ، ويجوز البسط والاقتصار على إعطاء صنف واحد ، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف.

مسألة ١٢٦١ : المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب ، أما إذا كان بالأم فلا يحل له الخمس وتحل له الزكاة ، ولا فرق في الهاشمي بين العلوي والعقيلي والعباسي وغيرهم وإن كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي.

مسألة ١٢٦٢ : لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة ، ويكفي في الثبوت الشياع والاشتهار في بلده الأصلي أوما بحكمه كما يكفي كل ما

٤١٣

يوجب الوثوق والاطمئنان به.

مسألة ١٢٦٣ : لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المعطي على الأحوط لزوماً ، نعم إذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي جاز ذلك ، كما لا يجوز إعطاؤه لمن يصرفه في الحرام بل الأحوط اعتبار أن لا يكون في الدفع إليه إعانة على الإثم وإغراء بالقبيح وإن لم يكن يصرفه في الحرام كما أن الأحوط عدم إعطائه لتارك الصلاة أو شارب الخمر أوالمتجاهر بالفسق.

مسألة ١٢٦٤ : يجوز للمالك دفع النصف المذكور إلى مستحقيه مع استجماع الشرائط المتقدمة وإن كان الأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعي.

مسألة ١٢٦٥ : النصف الراجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه ، ومصرفه ما يوثق برضاه عليه‌السلام بصرفه فيه ، كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم الله تعالى شرفاً وغيرهم ، والأحوط استحباباً نية التصدق به عنه عليه‌السلام ، واللازم مراعاة الأهم فالأهم ، ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه ، وترويج الشرع المقدس ، ونشر قواعده وأحكامه ومؤونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين ، وإرشاد الضالين ، ونصح المؤمنين ووعظهم ، وإصلاح ذات بينهم ، ونحو ذلك مما يرجع إلى إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم ، وعلو درجاتهم عند ربهم تعالى شأنه وتقدست أسماؤه ، والأحوط لزوماً مراجعة المرجع الأعلم المطلع على الجهات العامة.

مسألة ١٢٦٦ : يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود

٤١٤

المستحق ، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلاً وتسامحاً في أداء الخمس ويجوز دفعه في البلد إلى وكيل الفقير وإن كان هو في البلد الآخر كما يجوز دفعه إلى وكيل الحاكم الشرعي ، وكذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله إليه.

مسألة ١٢٦٧ : إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك ولم يكن متمكناً من إعطائه من نفس العين إلا مع التأخير ولكن كان متمكناً من إعطاء قيمته فوراً لم يجب عليه ذلك بل يجوز له التأخير إلى أن يتيسر الدفع من العين ولكن اللازم عدم التساهل والتسامح في ذلك.

مسألة ١٢٦٨ : في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال بل منع ، وعليه فإذا نقله إلى بلد لعدم وجود المستحق فتلف بلا تفريط لا تفرغ ذمة المالك ، نعم إذا قبضه وكالة عن المستحق أو عن الحاكم فرغت ذمته ، ولو نقله بإذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن.

مسألة ١٢٦٩ : إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس بلا مراجعة الحاكم الشرعي إشكال ، فإن أراد الدائن ذلك فالأحوط أن يتوكل عن الفقير الهاشمي في قبض الخمس وفي إيفائه دينه ، أوإنه يوكل الفقير في استيفائه دينه وأخذه لنفسه خمساً.

٤١٥

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

٤١٦
٤١٧

من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال الله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ).

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر» فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم » فقال : « كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ، ونهيتم عن المعروف » فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك؟ فقال : « نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟».

وقد روي عنهم ـ عليهم‌السلام : ـ أن بالأمر بالمعروف تقام الفرائض وتأمن المذاهب ، وتحل المكاسب ، وتمنع المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظالم ، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.

مسألة ١٢٧٠ : يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون المعروف واجباً والمنكر حراماً وفي كون وجوبه عينياً أو كفائياً وجهان ، ولا يبعد الأول في إظهار الكراهة قولاً أو فعلاً والثاني فيما يتوقف على إعمال القدرة كالضرب والحبس مما كان من وظائف المحتسب في بعض الأزمنة السالفة.

مسألة ١٢٧١ : إذا كان المعروف مستحباً كان الأمر به مستحباً ،

٤١٨

فإذا أمر به كان مستحقاً للثواب ، وإن لم يأمر به لم يكن عليه إثم ولا عقاب. ويلزم أن يراعى في الأمر بالمستحب أن لا يكون على نحو يستلزم إيذاء المأمور أو إهانته ، كما لا بد من الاقتصار فيه على ما لا يكون ثقيلاً عليه بحيث يزهده في الدين ، وهكذا الحال في النهي عن المكروه.

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب ، والنهي عن المنكر أمور :

الأول : معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً ، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف والمنكر ولكن قد يجب التعلم مقدمة للأمر بالأول والنهي عن الثاني.

الثاني : احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر ، وإنتهاء المنهي عن المنكر بالنهي ، فإذا لم يحتمل ذلك ، وعلم أن الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر أو النهي ، ولا يكترث بهما لا يجب عليه شيء على المشهور ، ولكن لا يترك الاحتياط بإظهار الكراهة فعلاً أو قولاً ولومع عدم احتمال الارتداع به.

الثالث : أن يكون الفاعل مصراً على ترك المعروف ، وارتكاب المنكر فإذا كانت أمارة على ارتداع العاصي عن عصيانه لم يجب شيء ، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك ، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً واحتمل كونه منصرفاً عنه أو نادماً عليه لم يجب شيء ، هذا واعتبار الإصرار لعله المشهور بين الفقهاء ولكن الظاهر كفاية إحراز عزمه على ترك المعروف وفعل المنكر حدوثاً أو بقاءً بحيث يكون توجيه الأمر أو النهي الشخصي إليه في محله عند العقلاء ولو لم يكن متلبساً بالمعصية فضلاً عن توقف الوجوب على الإصرار.

الرابع : أن يكون المعروف والمنكر منجزاً في حق الفاعل ، فإن كان

٤١٩

معذوراً في فعله المنكر ، أو تركه المعروف ، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس بحرام ، أوإن ما تركه ليس بواجب ، وكان معذوراً في ذلك للاشتباه في الموضوع ، أو الحكم اجتهاداً ، أو تقليداً لم يجب شيء ، وكذا إذا لم يكن معذوراً في فعله في بعض الموارد كما إذا عجز عن الجمع بين امتثال تكليفين بسوء اختياره وصرف قدرته في امتثال الأهم منهما فإنه لا يكون معذوراً في ترك المهم وإن كانت وظيفته عقلاً الإتيان بالأهم انتخاباً لأخف القبيحين بل والمحرمين ، هذا ولو كان المنكر مما لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك فلا بد من الردع عنه ولو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عما إذا كان جاهلاً بالموضوع أو بالحكم.

الخامس : أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به وكذا لا يلزم منه وقوعه في حرج لا يتحمله فإذا لزم الضرر أو الحرج لم يجب عليه ذلك إلا إذا أحرز كونه بمثابة من الأهمية عند الشارع المقدس يهون دونه تحمل الضرر أو الحرج ، والظاهر أنه لا فرق فيما ذكر بين العلم بلزوم الضرر أو الظن به أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف. وإذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به فالظاهر سقوط وجوبهما ، نعم إذا كان المعروف والمنكر من الأمور المهمة شرعا فلا بد من الموازنة بين الجانبين بلحاظ قوة الاحتمال وأهمية المحتمل فربما لا يحكم بسقوط الوجوب وربما يحكم به.

مسألة ١٢٧٢ : لا يختص وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف ، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على

٤٢٠