غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

أكثر الأصحاب.

د ـ اشتراط خمس عشرة رضعة ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، والدليل الروايات (١٠٧).

وابن إدريس اختار في أول بحثه التحريم بالعشر رضعات ، وشنع على الشيخ ، وجعل قوله مذهب الشافعي ثمَّ رجع الى قول الشيخ في آخر بحثه ، فشنع عليه العلامة في المختلف في ذلك.

قال رحمه‌الله : ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه.

أقول : القولان للشيخ رحمه‌الله ، والمشهور اعتبار العرف ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل لفظ أطلقه الشارع ولم يبين (١٠٨) له حدّا رجع فيه الى العرف ، والثاني اختيار فخر الدين.

قال رحمه‌الله : ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، إلا ابن الجنيد فإنه لم يشترط الامتصاص من الثدي ، بل اكتفى بالوجور في حلقه لرواية جميل بن دراج في الصحيح (١٠٩) ، عن الصادق عليه‌السلام.

والأول هو المعتمد ، لأنه لا يسمى رضاعا الا مع الامتصاص من الثدي.

قال رحمه‌الله : ولو ارتضع من ثدي الميتة أو رضع بعض الرضعات وهي حية وأكملها وهي ميتة لم ينشر الحرمة ، لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام وهي كالبهيمة المرتضعة ، وفيه تردد.

__________________

(١٠٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١ و ١٤.

(١٠٨) «م» : يعين.

(١٠٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ٣.

٤١

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن عموم قوله عليه‌السلام : «حرمة الميتة كحرمة الحية» (١١٠) ومن جملته انتشار التحريم بالرضاع ، ولم أجد به قولا لأصحابنا ، بل هو قول أكثر الجمهور كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي ، وفتاوي أصحابنا كلها متطابقة على عدم انتشار الحرمة بلبن الميتة.

قال رحمه‌الله : الثالث : أن يكون في الحولين ويراعى ذلك في المرتضع ، لقوله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» ، وهل يراعى في ذلك ولد المرضع؟ الأصح انه لا يعتبر.

أقول : اما اعتبار الحولين في المرتضع فهو إجماع الا من ابن ابي عقيل ، فإنه نشر الحرمة بالرضاع بعد الحولين كما قبلهما إذا لم يتخلله فطام ، والمشهور الأول ، لما رواه حماد بن عثمان في الموثق : «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : جعلت فداك ، وما الفطام؟ قال : الحولان اللذان قال الله عزوجل» (١١١).

أما المرتضع الذي حصل اللبن بولادته فالمشهور عدم اعتبار الحولين فيه ، لأن المرأة إذا كان لها لبن من نكاح حلال ومضى لها أكثر من حولين ثمَّ أرضعت به من له أقل من حولين رضاعا محرما انتشرت الحرمة بينهما.

وقال أبو الصلاح وابن حمزة وابن زهرة باعتبارهما في ولد المرضعة كاعتبارهما في المرتضع ، لأن الرضاع المعتبر ما حصل قبل الفطام ، وكما (١١٢) اعتبر في أحد المرتضعين اعتبر في الآخر ، ولعموم قوله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» (١١٣) والأول هو المعتمد ، وهو اختيار المصنف والعلامة في أكثر كتبه ،

__________________

(١١٠) الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب ١٩ من أبواب حد السرقة ، حديث ٦.

(١١١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥ من أبواب ما يحرم الرضاع ، حديث ٥.

(١١٢) «م» : فكما. وفي «ن» : فلما.

(١١٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الأحاديث (٢ و ٥ و ٩ و ١١ و ١٢).

٤٢

وتوقف في المختلف.

فرع (١١٤) : لو حصل الاشتباه في الرضاع ، هل وقع قبل الحولين أو بعدهما؟ فقد تعارض أصل البقاء وأصل الإباحة ، لأن الأصل عدم خروج الحولين ما لم تتحقق ، والأصل عدم التحريم ما لم يتحقق السبب المحرم وهو غير متحقق ، لأن مطلق الرضاع غير محرم ، بل إذا حصلت شروطه (١١٥) وبعض شروطه غير متحقق ، وهو وقوعه في الحولين فيرجع أصل الإباحة لثبوته قبل الرضاع ، والسبب الناقل عنه غير متحقق.

قال رحمه‌الله : ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنا ، وروي : أنه إذا أحلها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهة ، وهو شاذ.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : سألته عن غلام لي وثب على جارية فأحبلها فولدت ، واحتجنا الى لبنها ، فإذا أحللت لهما ما صنعا يطيب لبنها؟ قال : نعم» (١١٦) وبمضمون الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، واطرحها الباقون لمخالفتها للأصل ، لأن التحليل انما يبيح إذا وقع قبل الفعل لا بعده.

قال رحمه‌الله : وهل ينكح أولاده الذين لم يرضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل : لا ، والوجه الجواز.

أقول : قال (١١٧) الشيخ في الخلاف بعدم الجواز معولا على رواية أيوب بن

__________________

(١١٤) «ن» : فروع : الأول.

(١١٥) «ن» : شرائطه.

(١١٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٥ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ٥.

(١١٧) «م» : قول.

٤٣

نوح (١١٨) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، والجواز مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، لأن أخ الأخ إذا لم يكن أخا يحل من النسب فحله من الرضاع أولى ، وهو المعتمد.

فرع : المشهور بين أصحابنا انه يجوز للفحل ان يتزوج (١١٩) بأخت المرتضع وجدته ، لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع ، وخالف ابن إدريس في ذلك ، لأنه لا يجوز ان يتزوج بجدة ولده ولا أخته من النسب ، فكذا لا يجوز من الرضاع.

وأجيب بأن التحريم من جهة النسب لأجل المصاهرة ، ولا مصاهرة في الرضاع.

قال رحمه‌الله : ولو تولت المرضعة إرضاعها مختارة ، قيل : كان للصغيرة نصف المهر ، لأنه فسخ حصل قبل الدخول ولم يسقط ، لأنه ليس من الزوجة ، وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن قصدت الفسخ ، وفي الكل تردد ، مستنده الشك في ضمان منفعة البضع.

أقول : لا شك (١٢٠) ان ضمانها والرجوع عليها مبني على ضمان منفعة البضع بالتفويت ، وهو مشكوك فيه من أصالة براءة الذمة ، لأنه ليس بمال ، ولأن منفعة البضع لا تضمن بغير الوطي المباح لها ظاهرا.

ومن قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) الى قوله (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) (١٢١) وأراد بذلك المهر عوض المنفعة ، ولأن المهر عوض المنفعة ، فإذا أتلف أحد المنفعة التي قابلها يكون ضامنا لها ، فعلى هذا يتحقق الضمان ، وهل يفتقر الضمان الى قصد الفسخ؟ ظاهر المصنف افتقاره إليه ،

__________________

(١١٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١.

(١١٩) «ن» : يزوج.

(١٢٠) «ن» : لأن.

(١٢١) الممتحنة : ١٠.

٤٤

وظاهر العلامة ومذهب فخر الدين عدم الافتقار ، لأن جميع المتلفات لا يفتقر في ضمانها الى قصد الإتلاف.

وهل الضمان للجميع أو للنصف؟ المشهور ضمان النصف ، لأنها فرقته (١٢٢) حصلت قبل الدخول ، ويحتمل وجوب الجميع ، لأنه يجب جميعه بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، ولم يحصل ، فيجب الجميع.

قال رحمه‌الله : وللصغيرة مهرها لانفساخ العقد بالجميع(*)، وقيل : يرجع به على الكبيرة.

أقول : سبق البحث في هذه ، لأن مبناه على ضمان منفعة البضع ، وقد سبق (١٢٣) البحث فيها.

قال رحمه‌الله : نعم لو كانت موطوءة بالعقد رجع عليها ، وعندي في ذلك تردد.

أقول : منشؤه من القول بضمان منفعة البضع وعدمه ، وقد سبق (١٢٤).

قال رحمه‌الله : إذا قال : هذه أختي من الرضاع أو بنتي على وجه يصح فان كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا ، وان كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها ، فان كان قبل الدخول فلا مهر ، وان كان بعده كان لها المسمى ، وان فقد البينة وأنكرت الزوجة ، لزمه المهر كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور ، ولو قالت المرأة : ذلك بعد العقد ، لم تقبل دعواها في حقه إلا ببينة ، ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.

أقول : هنا مسئلتان :

__________________

(١٢٢) «م» و «ن» : فرقة.

(١) في الشرائع المطبوع : بالجمع.

(١٢٣) ص ٣٣.

(١٢٤) ص ٣٣.

٤٥

الأولى : ان يكون المدعي هو الزوج ولا يخلو اما ان يدعي ذلك قبل الدخول أو بعده ، وعلى التقديرين لا يخلو اما ان تصدقه المرأة أو تكذبه ، فالأقسام أربعة :

أ ـ ان يكون قبل الدخول وتصدقه المرأة ، فيبطل العقد ولا مهر ولا متعة.

ب ـ قبل الدخول أيضا وتكذبه المرأة ولا بينة فيحكم عليه بالمحرمية دونها ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١٢٥) ، واما المهر فالمشهور انه يجب عليه نصفه ، لأنها فرقة حصلت من جهته قبل الدخول فأشبهت الطلاق.

ويحتمل وجوب الجميع عليه ، لأن الجميع قد ثبت بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، وهو لم يحصل ، فيجب الجميع ، وهو المعتمد.

ج ـ ان يكون الدعوى بعد الدخول وتصدقه المرأة ، فإن كانت جاهلة حالة العقد وجب لها المهر المسمى على المشهور ، لأن العقد هو سبب ثبوت المهر ، ولأنه السبب في إباحة الوطي ، وكان كالصحيح المقتضي لوجوب المسمى.

ويحتمل ثبوت مهر المثل دون المسمى لظهور بطلان العقد والمهر ما لزمه من جهة العقد ، بل هو من جهة الوطي بالشبهة ، فيكون لها عوض البضع ، وهو مهر أمثالها ، وهو المعتمد والضابط ان كل عقد حكم ببطلانه من أصله ثمَّ تعقبه وطي مع جهل المرأة وجب فيه مهر المثل ، وكل عقد تعقبه الفسخ وجب فيه المسمى.

د ـ ان يكون بعد الدخول وتكذبه المرأة ولا بينة ، فهنا يجب المسمى قطعا ، وتحرم عليه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولا يحل لها الزواج لاعترافها بأنها زوجة.

ويستحب له ان يطلقها بأن يقول : (ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق) فان امتنع لم يجبر على ذلك ، وفسخ الحاكم ان كان ، والا فسخت هي دفعا

__________________

(١٢٥) الوسائل ، كتاب الإقرار باب ٣ ، حديث ٢.

٤٦

للضرورة.

الثانية : أن تكون المرأة هي المدعية والأقسام الأربعة آتية هنا :

أ ـ ان يكون قبل الدخول ويصدقها ، فحينئذ تثبت الفرقة ولا مهر ولا متعة.

ب ـ ان يكون قبله ويكذبها ، فلا تحصل الفرقة ، وليس لها المطالبة بشي‌ء ، وان ادعت علمه بذلك وجبت اليمين على نفي العلم ، فان حلف ثبت العقد بمعنى عدم حلها للأزواج لا بمعنى (١٢٦) وجوب تسليم نفسها إليه ، لأنها أقرت على نفسها بأنها محرمة عليه ، فلا يحل لها تمكينه من نفسها ، وان نكل حلفت على الجزم وبطل العقد.

ج ـ ان يكون بعد الدخول وتصدقها ، فحينئذ يثبت المحرمية قطعا ، اما المهر فان ادعت جهلها حالة العقد ثمَّ حصل لها العلم بذلك بعد العقد والدخول بقول الثقات كان لها المسمى أو مهر المثل على الاحتمال السابق.

د ـ أن يكون بعد الدخول ويكذبها ، والحكم فيه كما لو كان قبل الدخول ثمَّ كذبها فلا تحصل الفرقة بينهما ، الا ان هناك ليس لها المطالبة بشي‌ء خلافه هنا ، إلا في المهر فان هناك لا مهر وهنا يثبت لها مع الجهل لها مهر المثل.

فروع :

الأول : إذا استقر العقد بيمين الزوج أو بنكولها بعد نكوله بقيت معطلة ما لم يطلقها أو تموت ، وليس للحاكم ولا لها فسخ النكاح ، كما لها فسخه إذا كان الزوج هو المدعي.

والفرق إذا كان الزوج هو المدعي فان الضرورة قد حصلت لها بفعل الزوج لا بفعلها فساغ الفسخ دفعا للضرورة ، وإذا كانت هي المدعية فالضرورة

__________________

(١٢٦) من «م» و «ن» وفي غيرهما : معنى.

٤٧

قد حصلت لها بفعلها بنفسها ، فلا يباح الفسخ ، لأصالة عدم جواز اشتراط (١٢٧) حق الغير بغير رضاه ، خرج منه الضرورة الأولى ، لأنه أنزل الضرورة بغيره فساغ للشارع دفعها بإسقاط حق من أنزله بها.

الثاني : ليس لها المطالبة بشي‌ء من حقوق الزوجية المتضمنة للاستمتاع قطعا لاعترافها بتحريم ذلك عليها ، ولا يجوز لها تمكينه منه لو أراده منها ، وهل لها المطالبة بالنفقة؟ استشكل العلامة ذلك ، لأنه معترف باستحقاق النفقة عليها ، وقد عطلها عن الأزواج فيجب النفقة دفعا للضرورة.

وهذا ضعيف جدا ، لأن النفقة لا تجب مع عدم التمكين من الزوجية ، فكيف تجب مع انتفاء التمكين واعتراف الزوجة بعدم الزوجية؟!

الثالث (١٢٨): لو كذب المقر نفسه أو ادعى الغلط بعد الفرقة لم يقبل ، لأنه أقر بما يقتضي التحريم ظاهرا ، فلا يباح برجوعه عن الإقرار.

قال رحمه‌الله : وهي تتحقق مع الوطي الصحيح ، وتشكل مع [الزنا و] الوطي بالشبهة والنظر واللمس.

أقول : يأتي تحقيق البحث في ذلك إنشاء الله تعالى (١٢٩).

قال رحمه‌الله : ولو تجرد العقد عن الوطي حرمت الزوجة على أبيه وولده ، ولم تحرم بنت الزوجة عينا ، بل جمعا ، ولو فارقها جاز له نكاح بنتها ، وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان : أشهرهما أنها تحرم.

أقول : إذا عقد الإنسان على امرأة ثمَّ فارقها قبل ان يدخل عليها لم تحرم عليه بنتها إجماعا ، وهل تحرم أمها؟ المشهور بين الأصحاب التحريم ، وهو

__________________

(١٢٧) «م» و «ن» : إسقاط.

(١٢٨) كذا «م» و «ن» وفي الأصل : فحينئذ.

(١٢٩) ص ٤٠ وص ٤٢.

٤٨

المعتمد لقوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) (١٣٠) وجه الاستدلال انه أطلق تحريم أم الزوجة ولم يقيده بالدخول بالبنت ، وقيد تحريم الربيبة التي هي بنت الزوجة بالدخول بالأم ، فوجب العمل بمقتضى إطلاق الآية ، ولما رواه إسحاق بن عمار ، عن الصادق (١٣١) عليه‌السلام : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير في الحجور سواء ، والأمهات مبهمات ، دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله» (١٣٢).

وقال الحسن بن أبي عقيل ومحمد بن بابويه في كتابه بعدم تحريم الأم إلا مع الدخول بالبنت لأصالة الإباحة ، ولتقييد تحريم الربائب بالدخول ، وهو معطوف على تحريم الأمهات فيكون أيضا تحريم الأمهات مقيدا بالدخول لتساوي المعطوف والمعطوف عليه بالحكم ، ولرواية جميل بن دراج ، عن الصادق عليه‌السلام («قال : الأم والبنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثمَّ طلقها قبل ان يدخل بها فإنه ان شاء تزوج أمها وان شاء ابنتها» (١٣٣) تهذيب) (١٣٤).

قال رحمه‌الله : ولو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة ، لم تحرم على الابن لسبق الحل ، وقيل : تحرم ، لأنها منكوحة الأب ، ويلزم الأب مهرها ، ولو عاودها الولد فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ، وان قلنا : لا يحرم ـ وهو

__________________

(١٣٠) النساء : ٢٣.

(١٣١) «م» و «ن» : عن الباقر عليه‌السلام.

(١٣٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣ وباب ٢٠ ، حديث ٢.

(١٣٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث (٣ و ٤).

(١٣٤) ما بين المعقوفتين ليس في «م» و «ن».

٤٩

الصحيح ـ فلا مهر سوى الأول.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي التحريم وعدمه (١٣٥) ، والمعتمد عدم التحريم ، وقوله : فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ان المراد به وطي الأب المذكور في هذه المسألة ، وانما وجب عليه مهران على تقديم التحريم ، لأنه يجب عليه مهر بالعقد السابق على وطي أبيه ثمَّ يجب عليه مهر آخر بالوطي الآخر المتأخر عن وطي أبيه ، لأنها صارت محرمة عليه وقد وطأها للشبهة فيجب عليه مهر آخر لوطي الشبهة.

قال رحمه‌الله : ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلا ، وقيل : كان للعمة وللخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق والاعتزال ، والأول أصح.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف وأبو العباس لكونه منهيا عنه ، والثاني قول الشيخين وسلار وابن إدريس (١٣٦) وابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، والدليل الروايات (١٣٧).

والثالث نقله العلامة في المختلف عن أكثر الأصحاب ، قال : ويحتمل ان يقال : ليس لها فسخ نكاحها ، بل فسخ نكاح الداخلة ، قال : وهو اختيار شيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ، لأن المنهي عنه انما هو العقد الثاني ، فيختص الحكم به ، ولا فرق بين العمة والخالة الدنيا كأخت الأب وأخت الأم ، أو العليا كأخت أب الأب وان علا وأخت أم الأم وان علت ، ولا بين كونها (١٣٨) من النسب أو الرضاعة ، ولا بين الحرة والأمة في العقد.

__________________

(١٣٥) ليس في «م» و «ن».

(١٣٦) ليس في «م» و «ن».

(١٣٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(١٣٨) «م» و «ن» : كونهما.

٥٠

أمّا (١٣٩) ملك اليمين فالعلامة في القواعد ذهب الى جواز نكاح بنت الأخت وبنت الأخ على العمة والخالة لأصالة الإباحة ، ولأن الأمة لا اعتراض لها على سيدها ، ولا تملك معه من أمر نفسها شيئا. وذهب فخر الدين الى التحريم أيضا لعموم قوله عليه‌السلام : «لا ينكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (١٤٠) نهى عن النكاح على العمة والخالة ، وهو عام في العقد وملك اليمين ، وهو أحوط.

قال رحمه‌الله : وان كان الزنا سابقا على العقد ، فالمشهور تحريم العمة والخالة إذا زنى بأمهما ، أما الزنى بغيرهما ، هل ينشر حرمة المصاهرة كالوطي الصحيح؟ فيه روايتان : إحداهما ينشر ، وهي أصحهما طريقا ، والأخرى لا ينشر.

أقول : الزنا بالمرأة هل ينشر حرمة التزويج في أمها وبنتها؟ وهل يحرم على أبي الزاني وابنه؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، والبحث هنا يقع في أماكن :

أ ـ في الزنا المتأخر عن العقد والوطي كمن زنا بأم زوجته أو بنتها أو بزوجة أبيه أو ابنه بعد الدخول بالزوجة ، فهذا الزنا لا ينشر الحرمة إجماعا.

ب ـ في الزنا المتأخر عن العقد المتقدم على الوطي ، وهذا لا ينشر الحرمة أيضا عند الأكثر ، وخالف ابن الجنيد في ذلك ونشر الحرمة به ، فعنده من عقد على امرأة ثمَّ زنا بأمها أو بنتها ، أو لاط بأبيها أو ابنها أو أخيها قبل دخوله بالزوجة حرمت الزوجة عليه وانفسخ عقده ، وكذا لو زنى بزوجة أبيه أو ابنه قبل دخول الأب أو الابن عليها ، والمعتمد الأول لسبق الحل ، وقوله عليه‌السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (١٤١).

ج ـ في الزنا السابق على العقد ، وهو محل الخلاف ، وهو على قسمين : زنا

__________________

(١٣٩) «ر ١» : أو.

(١٤٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٤١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

٥١

بالعمة والخالة ، وزنا بغيرهما.

أما الزنا بالعمة والخالة فهو محرم لبنتيهما على المشهور بين الأصحاب إلا ابن إدريس ، فظاهره التوقف في ذلك ، والمعتمد التحريم ، والمستند رواية أبي أيوب ، عن الصادق عليه‌السلام (١٤٢) وأما الزنا بغيرهما فهو ينشر الحرمة عند الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة (١٤٣) ، واختاره العلامة في المختلف ، وقواه فخر الدين ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وهو (١٤٤) أحوط ، والخطر في تحريم النكاح عظيم ، والخطر وان كان هنا غير متيقن فهو مظنون لورود الأخبار الصحاح بالتحريم ، كصحيحة محمد بن مسلم (١٤٥) ، وصحيحة عيص بن القسم (١٤٦) ، وصحيحة منصور بن حازم (١٤٧) وغير ذلك ، والضرر المظنون يجب التحرز منه بترك ما لا ضرر فيه.

وقال المفيد وسلار والسيد وابن إدريس : لا ينشر الحرمة ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في الإرشاد ولم يختر في القواعد والتحرير شيئا ، واستدلوا بقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) (١٤٨) ولأصالة الإباحة ، ولأنه وطي لا حرمة له فلا يوجب تحريما ، ولهم عليه روايات ، منها رواية هشام بن المثنى (١٤٩) ، ورواية حنان بن سدير (١٥٠) ، والأول مجهول والثاني واقفي.

__________________

(١٤٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١ ـ ٢.

(١٤٣) ليس في «ن».

(١٤٤) «م» و «ن» : لأنه.

(١٤٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

(١٤٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٤٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣.

(١٤٨) النساء : ٣.

(١٤٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٧ ـ ١٠.

(١٥٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١١.

٥٢

وأجيب عن الآية : ان المراد ب (ما طابَ لَكُمْ) أي مما حل وأبيح ، وهذه ليست حلالا. وعن الأصل : بوجوب مخالفته للدليل وقد بيناه ، وعن الروايات : بحملها على وقوع الزنا بعد العقد أو على ما يكون دون الوطي لتفصيل رواية منصور بن حازم الصحيحة ، عن الصادق عليه‌السلام : «في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ قال : ان كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وان كان إجماعا فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها هي» (١٥١).

قال رحمه‌الله : وأما الوطي بالشبهة فالذي خرجه الشيخ ان ينزل منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد ، والأظهر انه لا ينشر ، لكن يلحق مع النسب.

أقول : منشأ التردد من ان حكمه حكم الصحيح في الإباحة ، ولحوق النسب ، ووجوب المهر ، فيكون حكمه كذلك في نشر الحرمة ومن أصالة الإباحة.

والأول مذهب الشيخ والعلامة في أكثر كتبه ، والثاني مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، وعلى القول بنشر الحرمة بالزنا فهو هنا اولى.

قال رحمه‌الله : اما النظر واللمس مما يسوغ لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة ، وما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد ، أظهره أنه يثمر كراهية.

أقول : إذا نظر الإنسان من (١٥٢) مملوكته أو لمس بشهوة ما يحرم على غيره ، هل تحرم على أبيه وابنه؟ وهل تحرم أمها وبنتها على الناظر واللامس أم لا؟البحث هنا في أماكن.

أ ـ في تحريمها على أبيه وابنه ، وقد تردد المصنف فيه ، من عموم قوله

__________________

(١٥١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣ ـ ٤.

(١٥٢) ليست في «م».

٥٣

تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) (١٥٣)وشراء الأمة مع النظر واللمس بشهوة أقوى في الاستمتاع من نشر الحرمة في العقد المجرد عن الوطي ، وهذه (١٥٤)تحرم على الأب والابن بمجرد العقد ، وكذلك تحرم بالشراء مع النظر واللمس لما لا يباح لغير المالك ، ومن أصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١٥٥) وقوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١٥٦) ولموثقة علي بن يقطين ، عن العبد الصالح عليه‌السلام : «في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لأبيه وابنه؟ قال : لا بأس» (١٥٧).

وبنشر الحرمة قال الشيخ وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في التذكرة والمختلف ، وبعدمه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو مذهب المصنف.

ب ـ في تحريم أمها وبنتها على الناظر واللامس ، وبه قال الشيخ في الخلاف ، فإنه جزم فيه بتحريم أم المنظورة وان علت ، وبنتها وان نزلت ، وهو مذهب أحمد بن الجنيد.

وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بعدم التحريم ، وهو المعتمد.

ج ـ قد تقدم انه إذا عقد على امرأة ثمَّ فارقها قبل الدخول حلت له بنتها ، فلو نظر أو لمس من زوجته ما لا يحل لغيره ثمَّ فارقها قبل الوطي ، هل تحرم بنتها عليه؟ قال الشيخ في الخلاف وابن الجنيد : نعم ، والمعتمد عدم التحريم.

قال رحمه‌الله : ولو تزوج بأختين كان العقد للسابقة ويبطل عقد الثانية ،

__________________

(١٥٣) النساء : ٢٢.

(١٥٤) «م» و «ن» : وهي.

(١٥٥) النساء : ٣.

(١٥٦) النساء : ٢٤.

(١٥٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث ٣.

٥٤

ولو تزوجهما في عقد واحد ، قيل : بطل نكاحهما ، وروي أنه يتخير أيتهما شاء ، والأول أشبه ، وفي الرواية ضعف.

أقول : القول بالبطلان قول ابن إدريس وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، وبه قال فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأنه عقد منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، وقال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج : يتخير أيتهما شاء ، واختاره العلامة في المختلف لرواية جميل بن دراج (١٥٨) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، ولان العقد عليهما عقد على كل واحدة منهما والانضمام لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو جمع بين المحرم والمحلل في البيع ، والرواية مرسلة ، ولهذا أشار إليها المصنف بالضعف.

وحكم الجميع بين الخمس بعقد واحد وبين الاثنتين لصاحب الثلاث كحكم الجمع بين الأختين ، فإن القائل بالبطلان في الأختين قائل بالبطلان هنا ، والقائل بالتخيير هناك قائل به هنا.

فرع : لو تزوج الأختين على التعاقب ثمَّ اشتبه السابق منهما منع منهما لوجوب اجتناب غير الزوجة ولا يتم الا باجتنابهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، ويجب عليه طلاقهما لقوله تعالى (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١٥٩) والإمساك متعذر فتعين التسريح ، ولا يتم الا بطلاقهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فاذا حصل الطلاق فان كان قبل الدخول وجب عليه دفع (١٦٠) ربع المهرين فيوقف (١٦١) حتى يصطلحا عليه.

وان كان بعد الدخول وجب المهران ، فان اتفق المسميان ومهر المثل فلا

__________________

(١٥٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٥٩) البقرة : ٢٢٩.

(١٦٠) ليست في «م» و «ن».

(١٦١) «ن» : فيوفق.

٥٥

بحث ، وان حصل الاختلاف (١٦٢) بين المسمين ومهر المثل أو مسمى أحدهما ومهر مثلهما فالقرعة أو الاتفاق حتى يصطلحا.

قال رحمه‌الله : ولو وطئ أمة بالملك ثمَّ تزوج بأختها ، قيل : يصح وحرمت الموطؤة بالملك أولا.

أقول : هذا هو المشهور ، لأن النكاح أقوى من الوطئ بالملك لتضمنه وجوب القسمة والمهر ، بخلاف الوطئ بالملك.

قال رحمه‌الله : ولو كان له أمتان فوطئهما ، قيل : حرمت الأولى حتى تخرج الثانية عن ملكه ، وقيل : ان كان بجهالة لم تحرم الأولى ، وان كان مع العلم حرمت حتى تخرج الثانية لا للعود إلى الأولى ، ولو أخرجها للعود والحال هذه لم تحل الأولى ، والوجه ان الثانية تحرم على التقديرين دون الأولى.

أقول : إذا ملك أختين جاز له وطئ أيتهما شاء ، فاذا وطئ أحدهما حرم عليه وطئ الأخرى حتى تخرج الموطوءة عن ملكه ، فان وطئ الثانية بعد وطيه للأولى ، قال الشيخ في النهاية : ان كان عالما بتحريمها حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية أو تخرج عن ملكه ، فإن أخرج الثانية ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها وإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع الى الاولى وان لم يعلم تحريم (١٦٣) ذلك عليه جاز له الرجوع الى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ببيع أو هبة.

والفرق بين العالم والجاهل عند الشيخ ان العالم لا تحل له الأولى إذا أخرج الثانية لأجل العود إلى الأولى ، والجاهل يحل له الأولى إذا أخرج الثانية ، سواء كان الإخراج للعود أو لغير العود ، فهذا فرق بينهما ، ولا فرق عنده في تحريمهما إذا

__________________

(١٦٢) «م» و «ن» : اختلاف.

(١٦٣) «م» و «ن» : بتحريم.

٥٦

أبقاهما في ملكه ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (١٦٤).

وقال ابن إدريس : ان أبقاهما في ملكه حرمت الثانية دون الأولى وان اخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان الإخراج للعود أو لغيره ، ولا فرق عنده بين العالم والجاهل ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد لسبق حل الأولى (فلا تحرم عليه الا الثانية) (١٦٥) لقوله عليه‌السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (١٦٦) فإن أخرج الأولى حلت الثانية ، ويشترط في الإخراج ان يكون محرما للوطئ تحريما لا يقدر على دفعه ، فهو يحصل بأمور :

أ ـ بالبيع اللازم ، فلو كان بخيار للبائع لم يجز ، ويجزي لو كان الخيار للمشتري.

ب ـ بالهبة مع القبض ولا تكفي قبله.

ج ـ قال في التحرير : يكفي الكتابة واستشكله في القواعد لعدم الخروج عن الملك.

د ـ الرهن والتزويج لا يكفي وان كان محرما للوطئ لبقائها على ملكه.

قال رحمه‌الله : قيل : لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين : عدم الطول وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو المشقة من الترك وقيل : يكره ذلك من دونهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم الجواز مع وجود الشرطين مذهب المفيد وابي الصلاح وابن الجنيد وابن البراج ، لقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ

__________________

(١٦٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(١٦٥) «م» و «ن» : فلا يحرمه وطئ الثانية.

(١٦٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

٥٧

الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) إلى قوله (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) (١٦٧) الآية ، وهي دالة على عدم الاستطاعة وخوف العنت في (إباحة) (١٦٨) نكاح الإماء بالعقد.

والجواز على كراهية مع وجود الشرطين مذهب الشيخ في النهاية ، والمصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (١٦٩) ، وأصالة الإباحة.

ويتفرع على القول بالمنع مع وجود الشرطين.

فروع :

الأول : لا فرق بين الدائم والمنقطع.

الثاني : المرجع الى قوله في خوف العنت وعدم الطول ولو كان في يده مال وادعى ان عليه دينا بقدره قبل قوله من غير نيّة ولا يمين.

الثالث : حدوث الشرطين بعد العقد لا يبطله وان كان قبل الدخول ، وكذا لو حدثا بعد الطلاق الرجعي ، فإنه يباح له الرجوع ، لأنها ليست ابتداء عقد.

قال رحمه‌الله : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها ، فإن بادر كان العقد باطلا ، وقيل : كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء ، ولها فسخ عقد نفسها ، والأول أشبه ، اما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا ولها الخيار في نفسها ان لم تعلم ، ولو جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرة دون الأمة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في أماكن :

أ ـ إذا تزوج الأمة على الحرة ولم تأذن الحرة ، وقلنا بصحة العقد على الأمة لمن عنده حرة ، هل يقع باطلا أو موقوفا على إجازة الحرة؟ بالأول قال ابن

__________________

(١٦٧) النساء : ٢٥.

(١٦٨) من «م» و «ن».

(١٦٩) النور : ٣٢.

٥٨

الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ، وحكاه عن الشيخ في التبيان ، واختاره المصنف لكونه منهيا عنه ، ولهم عليه روايات (١٧٠).

وبالثاني قال الشيخان (١٧١) وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، ولهم عليه روايات.

وهل للحرة فسخ عقد نفسها إذا أدخلت الأمة عليها؟ قال الشيخان : نعم ، وبه قال ابن البراج وسلار وابن حمزة ، والوجه فيهما ما تقدم في العمة والخالة ، ومنعه المصنف والعلامة لوقوع عقدها صحيحا ، والمنهي عنه عقد الأمة فيختص بالحكم.

ب ـ إذا تزوج الحرة على الأمة ، قال الشيخ : تتخير الحرة بين الصبر والاعتزال ، وبه قال القاضي وابن زهرة ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال الشيخ في التبيان : لها فسخ عقد الأمة ، ومنعه ابن إدريس لوقوعه صحيحا ، بل تتخير في فسخ عقد نفسها.

ج ـ ان يجمع بينهما في عقد واحد ، بأن يقول : تزوجتكما على ألف ، فيقولا : زوجناك ، قال المصنف : يصح عقد الحرة ويبطل عقد الأمة ، وهو بناء على مذهبه.

اما على القول بوقوعه موقوفا ، فان قبلتا لم يكن للحرة الفسخ بعد ذلك ، ولو قالت في القبول : زوجتك نفسي وفسخت عقد الأمة ثبت عقدها ، وبطل عقد الأمة.

قال رحمه‌الله : إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم

__________________

(١٧٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وباب ٤٧ منه ، حديث ٢ (وراجع حول روايات الثاني ما ذكره في الحدائق ٢٣ : ٥٧٣).

(١٧١) «م» : الشيخ.

٥٩

تخرج من حباله ، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.

أقول : أطلق الشيخ تحريمها بنفس الوطي سواء أفضاها أم لم يفضها ، لما رواه يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام : «قال إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل ان تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا» (١٧٢).

والمشهور أن التحريم منوط بالإفضاء تمسكا بالعقد الصحيح وأصالة الإباحة ، خرج ما وقع عليه الإجماع ، وهو التحريم مع الإفضاء ويبقى الباقي على أصالة الإباحة واللزوم ، وهو المعتمد.

ولهذه أحكام :

أ ـ هل تخرج من حباله بنفس الإفضاء ، أو لا تخرج الا بالطلاق؟ نص ابن حمزة على خروجها من حباله بغير طلاق ، وهو ظاهر الشيخ ، لأن خروج البضع عن الإباحة يقتضي البينونة ، ولأن التحريم كما يبطل العقد سابقا يبطله لاحقا كالرضاع ، ونص ابن إدريس على عدم الخروج بغير طلاق ، وهو ظاهر المفيد ، واختاره المصنف (١٧٣) لأصالة بقاء العقد ، ولرواية بريد العجلي (١٧٤) الدالة على مطلوبهم ، ولما رواه محمد بن بابويه في كتابه ، يرفعه الى حمزة (١٧٥) بن حمران ، عن الصادق عليه‌السلام (١٧٦) ، وهي دالة على المطلوب أيضا ، ويتفرع عليه تحريم الأخت والخامسة والتوارث قبل الطلاق ، وعلى الأول تنتفي هذه الأحكام بنفس

__________________

(١٧٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٧٣) «ر ١» : العلامة.

(١٧٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٣.

(١٧٥) «ن» : ابن حمزة.

(١٧٦) الفقيه ٣ : ٢٧٢ ، حديث ٧٩ ، والوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١. لكن فيهما (حمران) بدل (حمزة بن حمران).

٦٠