غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

في الأحكام

قال رحمه‌الله : الظهار محرم لاتصافه بالمنكر ، وقيل : لا عقاب فيه ، لتعقيبه بالعفو.

أقول : أجمع أصحابنا على تحريم الظهار ، لقوله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (٣٧) وكل منكر حرام ، وكذا كل زور ، ثمَّ اختلفوا.

قال بعضهم : إنه يعفى عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة ، لقوله تعالى (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٣٨) ، عقب بالعفو ، أو هو يستلزم نفي العقوبة ، (وقيل نفي العقوبة) (٣٩) غير متحتم ، بل تفضل من الله تعالى ، إن شاء عفى وإن شاء عاقب.

قال رحمه‌الله : لا تجب الكفارة بالتلفظ وانما تجب بالعود ، وهو إرادة الوطي ، والأقرب أنه لا استقرار لها ، بل معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر.

أقول : إذا أراد المظاهر الوطي وجبت عليه الكفارة قبله ، لقوله تعالى :

__________________

(٣٧) المجادلة : ٢.

(٣٨) المجادلة : ٢.

(٣٩) ما بين القوسين ليس في «ن».

٢٨١

(ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (٤٠) والعود إرادة الوطئ ، وهل يستقر بمجرد هذه الإرادة وتستقر في ذمته ، أو معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر؟ أكثر الأصحاب على الثاني ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والأول مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واختاره العلامة في التحرير.

وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو أراد الوطي ثمَّ مات قبله ، وجبت الكفارة في ماله على الأول دون الثاني.

الثاني : لو طلق بعد إرادة الوطي قبله ، وجبت الكفارة على الأول خاصة.

الثالث : وجوب إخراجها على الفور عند الإرادة ، على الأول دون الثاني.

الرابع : سقوط الزكاة لو كانت الكفارة تمام النصاب ، وأراد الوطي قبل دخول الحول ، ولم يطأ حتى حال الحول ، على الأول دون الثاني.

قال رحمه‌الله : ولو ظاهر من واحدة مرارا وجب عليه بكل مرة كفارة ، فرّق الظهار أو تابعه ، ومن فقهائنا من فصّل.

أقول : تعدد الكفارة بتعدد المرات مطلقا ، سواء كان الثاني متراخيا أو غير متراخ ، وسواء اتحدت المشبه بها أو تعددت ، هو مذهب الشيخ في النهاية ، والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل ظهار سبب مستقل يوجب التكفير لعموم الآية (٤١) ، ولأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، وأحكام الظهار معلقة على حصوله ، فيكون علة ، وهو موجود في كل مرة.

وقال الشيخ في المبسوط وابن حمزة بتكرر الكفارة مع تراخي الثاني عن

__________________

(٤٠) المجادلة : ٣.

(٤١) المجادلة : ٣.

٢٨٢

الأول ، ومع تتاليه ، إن قصد بالثاني ظهارا مستأنفا تعدد (٤٢) وإن قصد به تأكيد الأول لم يتعدد ، وادعى الشيخ الإجماع على عدم التعدد مع قصد التأكيد ، وهو ظاهر فخر الدين.

وقال العلامة في المختلف : قول الشيخ لا بأس به.

وقال ابن الجنيد : يتعدد إن تعدد المشبه بها ، كقوله : أنت علي كظهر أمي ، أنت علي كظهر أختي ، لأنهما حرمتان انهتكتا ، وتتحد إن اتحد المشبه بها.

والمعتمد التعدد مطلقا ، ما لم يقصد بالثاني تأكيد الأول.

قال رحمه‌الله : ولو كان الوطي هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله ، ولا تستقر الكفارة حتى يعود ، وقيل : تجب بنفس الوطي ، وهو بعيد.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه‌الله ، بناء على أن الاستمرار وطي ثان ، ووجه بعده أن الوطي من ابتدائه إلى النزع واحد في العرف ، والإطلاق انما يحمل على العرف ، والمشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله ، وقبل النزع لم يتحقق الشرط.

قال رحمه‌الله : يحرم الوطي على المظاهر ما لم يكفر ، سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام ، ولو وطأها خلال الصوم استأنف ، وقال شاذ منا : لا يبطل التتابع لو وطأ ليلا.

أقول : أجمع المسلمون على وجوب تتابع صيام كفارة الظهار ، وأجمعوا على وجوب الاستئناف مع الإفطار لغير عذر ، قبل (٤٣) مضي شهر ويوم من الثاني ، واختلفوا في موضعين :

__________________

(٤٢) هذه الكلمة في النسخ وليست في الأصل.

(٤٣) في «ن» : وقبل.

٢٨٣

الأول : إذا حصل الوطي ليلا في خلال الشهر (٤٤) ، هل يبطل التتابع أم لا؟ قال ابن إدريس : لا يبطل التتابع ، وهو مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقربه العلامة في القواعد ، لأنه لم يبطل من الصوم شي‌ء ، فلا يجب الاستئناف ، لأصالة براءة الذمة ، لأن التتابع : هو إتباع صوم يوم لاحق بصوم يوم (٤٥) سابق وهو حاصل ، لعدم بطلان الصوم بالوطي ليلا ، ويجب عليه كفارة أخرى للوطي قبل التكفير.

والمشهور الاستئناف ، لقوله تعالى (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا) (٤٦) ، وهو لم يأت بالمأمور به فلا يجزيه ، وهو مذهب الشيخ ، والمصنف ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وفخر الدين ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا وطى نهارا قبل أن يمضي من الثاني شي‌ء ، قال الشيخ : إن تعمد الوطي بطل التتابع مطلقا ، سواء كان (عمدا أو سهوا) (٤٧) ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، والسهو يسقط الإثم لا الإعادة ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وهل يحرم عليه ما دون الوطي ، كالقبلة والملامسة؟ قيل : نعم ، لأنه مماسة ، وفيه إشكال ، ينشأ من اختلاف التفسير.

أقول : تحريم الجميع مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو اختيار فخر الدين ، لصدق اسم المسيس على التقبيل واللمس ، لأن حقيقة المسيس تلاقي الأبدان لغة ، والأصل عدم النقل ، وقال ابن إدريس : لا يحرم غير الوطي ، وقواه العلامة في المختلف ، لأن المسيس يراد به الوطي

__________________

(٤٤) في «م» و «ن» : (الشهرين).

(٤٥) ليست هذه الكلمة في «ر ١».

(٤٦) المجادلة : ٣.

(٤٧) في النسخ بدل ما بين القوسين : (عامدا أو ساهيا).

٢٨٤

لا غير ، لقوله تعالى (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) (٤٨).

قال رحمه‌الله : إذا عجز المظاهر عن الكفارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار ، قيل : تحرم عليه حتى يكفر ، وقيل : يجزيه الاستغفار ، وهو أكثر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في قوله أو ما تقوم مقامها ، فنقول الكفارة عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا ، ومع العجز عن الجميع ، هل لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي أو لا؟

قال المفيد وابن الجنيد : لا بدل لها بل يحرم عليه وطؤها ، حتى يكفر بإحدى الثلاث المذكورة ، واختاره فخر الدين ، لأن نص القرآن (٤٩) انما جاء على هذه الثلاث الخصال ، فلا يجزى غيرها ، ولما رواه أبو بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة ، ما خلا يمين الظهار ، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه وفرق بينهما ، الا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها» (٥٠).

وقال كثير من الفقهاء (٥١) لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي ، واختلفوا فيه ، قال الشيخ في النهاية : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز عن ذلك كان حكمه ما قدمناه من أنه يحرم عليه وطؤها حتى يكفر (٥٢).

__________________

(٤٨) البقرة : ٢٣٧ ، والأحزاب : ٤٩.

(٤٩) المجادلة : ٣ ـ ٤.

(٥٠) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٦ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

(٥١) في «م» و «ر ١» : (الأصحاب).

(٥٢) ص

٢٨٥

وقال علي بن بابويه في الرسالة ، وابنه في المقنع : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا (تصدق بما يطيق ، ثمَّ قال في المقنع أيضا : وروي إذا لم يطق إطعام ستين مسكينا) (٥٣) ، صام ثمانية عشر يوما (٥٤).

وقال ابن البراج : يصوم ثمانية عشر يوما.

وقال ابن حمزة : فإن عجز عن الإطعام صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز تصدق عن كل يوم بمدين من طعام.

والمصنف أتى بما يشمل الجميع ، فقال : إن عجز عن الكفارة أو ما يقوم مقامها ، ومثله قال العلامة في القواعد.

الثاني : في حكم العاجز عن الكفارة وما يقوم مقامها ، هل يكفيه الاستغفار ويحل له الوطي؟ مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد ، وابن الجنيد ، وفخر الدين عدم ذلك ، وقد تقدم (٥٥) وجهه.

وقال ابن إدريس : يكفيه الاستغفار ويستحل به الوطي ، واختاره المصنف ، والعلامة ، وأبو العباس ، لما رواه إسحاق بن عمار في الموثق ، عن الصادق عليه‌السلام ، «إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر الله ، وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ، وقد أجزي ذلك عن الكفارة» (٥٦) ، ولأن إيجاب الكفارة عند (٥٧) العجز عنها يكون تكليفا بما لا يطاق وهو محال.

ونقل ابن إدريس عن الشيخ في الإستبصار قولا ثالثا ، وهو إباحة الوطي بعد الاستغفار ، وبكون الكفارة في ذمته إذا قدر عليها كفر.

__________________

(٥٣) ما بين القوسين ليس في «ر ١».

(٥٤) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٨ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

(٥٥) ص ٢٨٥.

(٥٦) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٦ من أبواب الكفارات ، حديث ٤.

(٥٧) في النسخ : مع.

٢٨٦

والمعتمد مذهب ابن إدريس ، ولا بد في الاستغفار (من نية التكفير ، فيقول : أستغفر الله عن كفارة الظهار ، لوجوبه قربة الى الله ، والندم على ما صدر منه) (٥٨) من الظهار ، والعزم على ترك العود الى مثله ، والتلفظ بالاستغفار ، ويكفي مرة واحدة ، ولا يكفي التلفظ من دون النية والندم والعزم على ترك المعاودة.

__________________

(٥٨) ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

٢٨٧
٢٨٨

في الكفارات

قال رحمه‌الله : وكفارة من أفطر يوما نذر صومه على أشهر الروايتين ، وكذا كفارة الحنث في العهد وفي النذر على التردد ، والواجب في كل واحدة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من أفطر يوما نذر صومه ، وكفارته كفارة رمضان كبيرة مخيرة عند الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال ابن بابويه : من نذر أن يصوم في كل سبت فليس عليه أن يتركه الا من علة ، وإن أفطر من غير علة تصدق لكل يوم على عشرة مساكين.

الثانية : كفارة الحنث في النذر ، قال الشيخ : إنها كبيرة مخيرة ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن حمزة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال سلار : أنها كبيرة مرتبة.

٢٨٩

وقال ابن بابويه : هي كفارة يمين.

ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى أنها كبرى (٥٩) إن كان النذر صوما ، وكفارة يمين إن كان النذر غير الصوم ، واختاره العلامة في الإرشاد.

واستند الجميع الى الروايات (٦٠) ، ووجه الأخير الجمع بينهما.

الثالثة : كفارة خلف العهد ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة وهو المعتمد.

وقال المفيد : كفارة خلف العهد كفارة قتل الخطأ ، وهو يعطي وجوب الترتيب ، والمستند الروايات (٦١) أيضا.

قال رحمه‌الله : من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار فإن عجز فكفارة يمين ، وقيل : يأثم ولا كفارة ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : الحلف بالبراءة من الله أو الرسول أو الأئمة عليهم‌السلام حرام ، وهل تجب به كفارة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يأثم ولا كفارة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وقال المفيد وسلار والشيخ في باب الكفارات من النهاية : تجب الكفارة.

واختلفوا في تقديرها ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج : إنها كفارة ظهار ، فان عجز فكفارة يمين ، وقال ابن حمزة : إنها كفارة النذر ، وروى ابن بابويه ، «قال : كتب محمد بن الحسن إلى العسكري عليه‌السلام في رجل حلف بالبراءة من الله أو من رسوله فحنث فما توبته وكفارته؟ فوقع عليه‌السلام : يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ، ويستغفر الله عزوجل» (٦٢) ، وعلى هذه الرواية

__________________

(٥٩) في «ن» : كبيرة.

(٦٠) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٢٣ من أبواب الكفارات.

(٦١) المصدر المتقدم ، باب ٢٤.

(٦٢) المصدر المتقدم ، باب ٢٠ حديث ١.

٢٩٠

عمل العلامة في التحرير والمختلف.

تنبيه : هل يترتب الحكم على الحلف لكل واحد من الثلاثة ، أو لا بد من الجميع (٦٣)؟ صرح الشيخ بالأول وهو المعتمد ، لدلالة الرواية (٦٤) عليه ، وسلار رتب الحكم على المجموع.

وهل تستقر الكفارة بمجرد الحلف أو لا تستقر الا بالحنث؟ قال المفيد وسلار : إنما تجب مع المخالفة ، وقال ابن بابويه تجب بمجرد القول ، وهو يقتضي إلزامه بها معجلا عقيب الحلف.

ويتفرع على مذهب ابن بابويه وجوبها بالغموس وإن كان صادقا ، وعدم وجوبها على مذهب المفيد وإن كان كاذبا.

الثانية : في جز المرأة شعرها في المصاب ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب كفارة كبرى مرتبة ، قاله سلار وابن إدريس.

الثاني : وجوب كفارة مخيرة ، وهو مذهب ابن البراج ، وظاهر النهاية ، واختاره أبو العباس اعتمادا على رواية (خالد بن) (٦٥) سدير (٦٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

الثالث : عدم وجوب الكفارة ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين.

فروع :

الأول : لو جزته في غير المصاب لغير حاجة ، احتمل قويا وجوب الكفارة ، لأن وجوب الكفارة في المصاب يقتضي وجوبها في غير المصاب بطريق

__________________

(٦٣) في النسخ : (المجموع).

(٦٤) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٢٠ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

(٦٥) ما بين القوسين ليس في النسخ.

(٦٦) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٣١ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

٢٩١

الأولى ، ويحتمل عدمه ، لعدم النص عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، أما لو جزته لحاجة فلا كفارة قطعا.

الثاني : الجز هو القص ، واستقرب العلامة إلحاق الحلق به ، وزاد الشهيد إلحاق الإحراق بهما ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثالث : لا فرق بين جزء الكل أو البعض ، لصدق اسم الجز على القليل والكثير.

الرابع : لا فرق ان تفعله مباشرة أو يفعله الغير بإذنها.

الثالثة : كفارة الحيض مع التعمد ، والعلم بالتحريم ، والتمكن من التكفير ، قيل : تستحب ، وقيل : تجب ، وهو الأحوط ، ولو وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من طعام ، وقد سبق البحث في هذه في باب الحيض (٦٧).

الرابعة : من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصواع من دقيق ، وهل هذه الكفارة واجبه أو مستحبة؟ بالوجوب قال ابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وهو ظاهر التحرير والدروس ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، وقال ابن إدريس : إنه مستحب ، واختاره المصنف ، والمستند الروايات (٦٨) ، والشيخ أطلق التكفير ولم ينص على الوجوب ولا الاستحباب.

فروع :

الأول : لا فرق بين العدة البائنة والرجعية وعدة الوفاة.

الثاني : لو تزوج بذات بعل ، وجبت الكفارة أيضا لصريح الرواية (٦٩) ، وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ،

__________________

(٦٧) الجزء الأول ، ص ٧٢.

(٦٨) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٣٦ من أبواب الكفارات حديث ١ ، وكتاب الحدود ، باب ٢٧ من أبواب حد الزنا ، حديث ٥.

(٦٩) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٣٦ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

٢٩٢

«في رجل تزوج امرأة ولها زوج؟ فقال : إذا لم يرفع خبره الى الامام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع من دقيق هذا بعد ان يفارقها» (٧٠).

الثالث : أطلق أكثر الأصحاب وجوب التكفير ، ولم يفصلوا بين العالم والجاهل ، ونص العلامة في التحرير على عدم الفرق بين العالم (بالعدة والتحريم) (٧١) والجاهل بهما أو بأحدهما ، ثمَّ استشكل ذلك وهو في محل الإشكال ، لأن رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام مصرحة بالعلم ، «قال سألته عن امرأة تزوجها رجل في عدتها فوجد لها زوجا؟ قال : عليه الجلد وعليها الرجم ، لأنه تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم ، وكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا» (٧٢). فهذه الرواية مصرحة بعلمه ، وأيضا وجوب الحد والكفارة يقتضي العلم ، لأنهما عقوبة ، والجاهل لا عقوبة عليه.

والمعتمد عدم وجوبها على الجاهل ، وقوله في الرواية (فكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا ، تدل على أنه إذا أقيم عليه الحد لم تجب عليه الكفارة) (٧٣) وانما تجب مع عدم رفع أمره الى الحاكم ، وإقامة الحد عليه.

الرابع : لا فرق بين الحرة والأمة ، ولا بين الدخول وعدمه.

الخامس : لا تجزي الصدقة من غير الدقيق وإن كان أصلا له ، كالحنطة والشعير ، ومنع المقداد رحمه‌الله من إجزاء غير دقيق الحنطة والشعير ، وجزم (٧٤) العلامة في التحرير بإضافة دقيق الذرة والدخن الى دقيق الحنطة والشعير ،

__________________

(٧٠) الفقيه : كتاب النكاح ، باب ١٤٤ في النوادر ، حديث ٢٣ (١٤٤٠). ولاحظ المصدر المتقدم أيضا.

(٧١) ما بين القوسين ليس في «م».

(٧٢) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٧ من أبواب حد الزنا ، حديث ٥.

(٧٣) ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

(٧٤) من «ن» وفي باقي النسخ والأصل : (وجزم به).

٢٩٣

واستقرب فيه أجزاء الخمسة الأصواع من الخبز.

الخامسة : من نام عن العشاء حتى جاوز نصف الليل أصبح صائما ، وهل الصوم واجب أو ندب؟ قال المرتضى وأبو الصلاح هو واجب ، لرواية عبد الله بن المغيرة ، عمن حدثه ، عن الصادق عليه‌السلام ، «في رجل نام عن العتمة ولم يقم الا بعد انتصاف الليل؟ قال : يصليها ويصبح صائما» (٧٥) ، وهي مرسلة.

وأطلق الشيخ وكثير من الأصحاب الصوم ، ولم يقيدوا بالوجوب ولا بالاستحباب.

ونص ابن إدريس على الاستحباب ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

فروع :

الأول : يجب الصوم على غير النائم كالعامد والسكران والناسي ، ولا صوم على النائم عن غير العتمة ، اقتصارا على مورد النص (٧٦).

الثاني : لو أفطر ذلك اليوم على القول بوجوبه ، احتمل وجوب الكفارة لتعين صوم ذلك اليوم ، وكل من أفطر في صوم معين وجبت عليه الكفارة ، ويحتمل العدم ، لأن صوم ذلك اليوم كفارة ، ولا كفارة في إفطار صوم الكفارة.

الثالث : لو اتفق ذلك اليوم(٧٧) في السفر أو في العيد ، فلا شي‌ء عليه لعدم قبول الزمان للصوم.

الرابع : لو وافق ذلك(٧٨) صوما معينا تداخلا ، قاله الشهيد ، وعلى القول به لا بد من نية السببين معا.

__________________

(٧٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢٩ من أبواب المواقيت ، حديث ٨.

(٧٦) المصدر المتقدم.

(٧٧) من «م».

(٧٨) هذه الكلمة ليس في النسخ.

٢٩٤

السادسة : من نذر صوم يوم معين فعجز عنه ، قال المصنف : أطعم مسكينا مدين ، فان عجز تصدق بما استطاع ، فان عجز استغفر الله تعالى.

واقتصر الشيخ في النهاية على إطعام المدين.

وقال المفيد : إن أفطره لغير عذر كان عليه القضاء والكفارة ، وإن كان لعذر كان عليه القضاء دون الكفارة ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال ابن إدريس : إن كان عجز لمرض لا يرجى زواله عادة ـ كالعطاش الذي لا يرجى برؤه ـ كان قول الشيخ صحيحا ، وإن كان لمرض يرجى زواله كالحمى كان عليه القضاء خاصة ، وهو حسن.

قال رحمه‌الله : الأول الإيمان وهو معتبر في كفارة القتل إجماعا ، وفي غيرها على التردد ، والأشبه اشتراطه ، والمراد بالإيمان هنا الإسلام أو حكمه.

أقول : أجمع المسلمون على اعتبار الإيمان في كفارة القتل لنص القرآن (٧٩) ، واختلفوا في صحة عتق الكافر في غير (٨٠) ذلك من الكفارات ، فالمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس وسلار منعوا من عتق الكافر ، وكذلك الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وجزم في المبسوط والخلاف بجواز عتق الكافر في جميع الكفارات عدا القتل ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الرقبة المؤمنة ، ولأن الله لم يقيدها بالمؤمنة في غير القتل ، فحمل غيرها عليها يحتاج الى دليل.

احتج الأولون بحمل المطلق على المقيد ، وبقوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٨١) ، ولا شك في خبث الكافر ، ولأن دليل الاحتياط

__________________

(٧٩) النساء : ٩٢.

(٨٠) هذه الكلمة من النسخ.

(٨١) البقرة : ٢٦٧.

٢٩٥

يقتضيه لحصول يقين البراءة بعتق المؤمن وحصول الشك فيما عداه.

إذا عرفت هذا فأكثر مصنفات الأصحاب بأن (٨٢) المراد بالايمان هنا الإسلام ، فيدخل فيه كل مظهر للشهادتين عدا الناصب والغالي.

وقال العلامة في القواعد : وهل يشترط الإيمان؟ الأقوى ذلك.

قال فخر الدين في شرحه : اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان ، قال المرتضى وابن إدريس : لا يجزى الا المؤمن ، وهو الأصح عندي وعند والدي ، لما تقدم من الاحتياط ، ولقوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٨٣) ، والكافر خبيث إجماعا.

وهذا الكلام فيه نظر من وجهين :

الأول : نسبته قول المرتضى وابن إدريس إلى اشتراط الإيمان الحقيقي الذي يعتقده الإمامية دون غيرهم من أهل الخلاف ، مع أن عبارة ابن إدريس لا تدل على ذلك ، وهذه عبارته : قال شيخنا أبو جعفر الطوسي لا يعتبر الإيمان في العتق في جميع أنواع الكفارات إلا في كفارة قتل الخطأ خاصة وجوبا ، وما عداه يجوز أن يعتق من ليس بمؤمن وإن كان المؤمن أفضل ، وقال المرتضى وباقي أصحابنا باعتبار الإيمان في جميعها ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، لقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) والكافر خبيث بغير خلاف ، وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وهذا يدل على أن المراد بالإيمان هو الإسلام الذي هو ضد الكفر ، بدليل تقسيمه المسألة إلى قولين ، قول الشيخ بعدم اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل ، وقول المرتضى وباقي الأصحاب باشتراطه في الجميع ، مع أن الفريقين إنما

__________________

(٨٢) كذا

(٨٣) البقرة : ٢٦٧.

٢٩٦

اختلفوا في جواز عتق الكافر وعدمه ، ولم يقع بينهم اختلاف في عتق المخالف ، ويدل عليه قوله : (والكافر خبيث بغير خلاف) ، فلو أراد بالمؤمن ضد المخالف من المسلمين لقال : والمخالف خبيث.

وأيضا يلزم من قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، خروج السيد وابن إدريس من هذا التقسيم ، لأنهما قائلان بعدم إسلام المخالفين ، والخلاف (٨٤) الذي ذكره بين القائلين بإسلامهم ، فلا يدخلان فيه ، فلا يصح الاستدلال بقولهما على مطلوبه.

وانما يصح استدلاله بقول من يقول بإسلام المخالف ، وهو يمنع من عتقه.

الوجه الثاني : الذي فيه النظر ، قول فخر الدين : والكافر خبيث إجماعا ، فهذا الاستدلال غير مطابق للقاعدة التي يبحث عنها ، لأن بحثه في جواز عتق غير المؤمن من المسلمين ، بدليل قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، فالكافر لا مدخل له في هذا البحث ، فكان ينبغي الاستدلال (بخبث المخالف ، لأنه المبحوث عنه (عنده) (٨٥) والكافر قد مضى البحث فيه في المسألة السابقة ، فالاستدلال) (٨٦) بخبث الكافر غير مطابق للبحث.

والتحقيق : أن المسلمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين بعد اتفاقهم على اشتراط الإيمان في كفارة قتل الخطأ ، فالشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد من الإمامية ، وعطا ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه من العامة ، جوزوا عتق الكافر في جميع الكفارات عدا كفارة قتل الخطأ ، وباقي الإمامية والشافعي ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق من العامة منعوا ذلك ، والجميع

__________________

(٨٤) في «م» : (فالخلاف) وفي «ن» : (في الخلاف).

(٨٥) من «ر ١».

(٨٦) ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

٢٩٧

مجمعون أن المراد بالإيمان هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر.

ويلزم من مذهب السيد وابن إدريس عدم جواز عتق غير الإمامي ، لقولهما بكفر من عداه ، ولا يلزم منه خروج المسألة عن القولين ، لأن الناس عندهما على قسمين ، مؤمن وكافر ، والإسلام عندهما قسم واحد وهو الإيمان فقط ، والناس عند غيرهما من الإمامية على ثلاثة أقسام : مؤمن وكافر ومسلم ، فمن قال بإسلام المخالف قال بجواز عتقه عدا العلامة في القواعد ، فإنه قال : وهل يعتبر الإيمان؟ الأقوى ذلك. وهو يشعر بعدم جواز عتق المخالف ، وجزم في التحرير بجواز عتقه ، وكذلك في الإرشاد ، لأنه لم يشترط فيه غير الإسلام ، ولم أجد قولا غير عبارة القواعد تدل على اشتراط غير الإسلام ، ولهذا اقتصر عميد الدين رحمه‌الله في شرحه على بيان وجه القوة ، ولم يذكر أنه مذهب لأحد من الأصحاب.

وانما طولنا البحث في هذه المسألة لاشتباهها على كثير من الأصحاب بسبب تقرير فخر الدين ونسبته القول باشتراط الإيمان الى السيد وابن إدريس ، حتى قلده المقداد في ذلك ، وسطره في كتابه شرح المختصر ، وقد ظهر مما حققناه وحكيناه فساد ذلك ، والله الموفق للصواب.

٢٩٨

في خصال الكفارة

قال رحمه‌الله : والطفل في حكم المسلم ، ويجزي ان كان أبواه مسلمين ، أو أحدهما ولو حين يولد ، وفي رواية : لا يجزى في القتل خاصة ، إلا البالغ الحنث ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه معمر بن يحيى في الحسن ، عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود؟ فقال : كل العتق يجزي فيه عتق المولود إلا في كفارة القتل ، فان الله تعالى يقول : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٨٧) ، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث» (٨٨) ، ومثلها رواية الحسين بن سعيد (٨٩) ، عن الصادق عليه‌السلام ، والمراد بالحنث الطاعة والمعصية ، أي يبلغ مبلغا يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية ، وبمضمون الرواية قال ابن الجنيد.

__________________

(٨٧) النساء : ٩٢.

(٨٨) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٧ من أبواب الكفارات ، حديث ٦.

(٨٩) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٧ من أبواب الكفارات ، حديث ٦.

٢٩٩

وقال ابن البراج : يجزي المولود في الجميع ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين ، لقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٩٠) ، والإلحاق انما هو في الإيمان ، ولهذا يلحق به أحكام الارتداد والإيمان بعد بلوغه وإن لم يسبق منه لفظ الشهادة ، وذلك للحكم بإيمانه ، فيكون مجزيا في الجميع ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على تردد ، وهل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل : نعم ، صونا له أن يستزلاه عن عزمه ، وان كان بحكم الكافر.

أقول : منشأ التردد من وصفه برفع القلم عنه قبل البلوغ ، فلا يحكم بإسلامه ولا بكفره إلا بالتبعية ، ومن ورود الأخبار (٩١) بإمضاء أفعاله المشتملة على المعروف كالوصية والوقف والصدقة وغير ذلك فيصح إسلامه ، ولأن مباشرة الإسلام بعد التمييز أقوى من تبعيته للغير.

والمعتمد عدم الحكم بإسلامه في اعتبار شي‌ء من أحكام الإسلام ، وانما يعتبر في التفرقة بينه وبين اهله لئلا يردوه عن الإسلام ، ولا فرق بين الأبوين وغيرهما من أهله.

قال رحمه‌الله : ويجزي ولد الزنا ، ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر ، أو لقصوره عن صفة الإيمان ، وهو ضعيف.

أقول : جواز عتق ولد الزنا في الكفارة هو المشهور بين علمائنا ، وادعى الشيخ عليه الإجماع ، ولما رواه سعيد بن يسار ، عن الصادق عليه‌السلام ، «

__________________

(٩٠) الطور : ٢١.

(٩١) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٤٤.

٣٠٠