غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

في النفقات

قال رحمه‌الله : وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين.

أقول : منشؤه من ان مطلق العقد غير كاف في وجوب النفقة كسقوط (٤٥٩) نفقة الناشز إجماعا ، فصار مشروطا بالتمكين فلا يجب قبله لأصالة براءة الذمة ما لم يعلم السبب الشاغل لها ، وهو غير متحقق قبل التمكين.

ومن عموم الآيات (٤٦٠) والروايات (٤٦١) الدالة على وجوب النفقة بالعقد حتى يتحقق النشوز ، والمعتمد عدم الوجوب قبل التمكين ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير والإرشاد.

ويتفرع على الاحتمالين فروع :

الأول : لو تعاقد النكاح ولم يطالبها ولا بذلته بأن (٤٦٢) قالت : (سلمت نفسي

__________________

(٤٥٩) «م» «ن» «ر ١» : لسقوط.

(٤٦٠) البقرة : ٢٣٣ ، الطلاق : ٧ ، النساء : ٣ و ٣٤.

(٤٦١) الوسائل ، كتاب النكاح باب (١ ، ٢ ، ٤ ، ٦) من أبواب النفقات.

(٤٦٢) «م» «ن» «ر ١» : فإن.

١٨١

إليك) بل سكتا ومضى زمان ، لم يكن لها نفقة عن ذلك الزمان على القول باشتراط التمكين ، لأن النفقة تجب بالتمكين لا بإمكانه ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز يجب نفقة ذلك الزمان لعدم تحقق النشوز قبل الطلب والامتناع.

الثاني : لو سافر قبل التمكين لم يستحق شيئا على اشتراطه ، فان حضرت عند الحاكم وبذلت التمكين لم تستحق شيئا قبل اعلامه ووصوله أو وكيله ، ويجب عليه (٤٦٣) المبادرة بعد العلم ، وان علم ولم يبادر ولم ينفذ وكيلا مع الإمكان سقط عنه بقدر وصوله والزم بما زاد.

الثالث : لو تنازعا في التمكين كان عليها إقامة البينة على القول بأنه شرط ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز كان عليه إقامة البينة بالنشوز.

قال رحمه‌الله : أما لو كانت كبيرة وزوّجها صغيرا قال الشيخ لا نفقة لها ، وفيه إشكال ، منشؤه تحقق التمكين من طرفها ، والأشبه وجوب الإنفاق.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف إذا كان الزوج كبيرا والمرأة صغيرة أو بالعكس ، فلا نفقة ، وتبعه ابن البراج في المهذب لأصالة براءة الذمة.

وقال ابن الجنيد بسقوط النفقة عن الزوج مع صغر الزوجة وان كان الزوج كبيرا ، ووجوبها للزوجة الكبيرة وان كان الزوج صغيرا. وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

أما سقوط نفقة الصغيرة ، لأن الموجب للنفقة التمكن (٤٦٤) التام المستند الى العقد الصحيح ، وهو غير معلوم الثبوت هنا ، وإذا لم يعلم وجود السبب لم يعلم وجود المسبب.

وأما وجوب النفقة للكبيرة مع صغر الزوج إذا حضرت عند الحاكم وبذلت

__________________

(٤٦٣) في الأصل : عليها.

(٤٦٤) «م» «ن» «ر ١» : التمكين.

١٨٢

التمكين فلوجود المقتضي ، وهو التمكين التام من طرفها المستند الى العقد الصحيح ، وتعذر الوطي من طرفه لا يسقط حقها مع تمكينها كالمريض.

قال رحمه‌الله : وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، نعم لو كانت المطلقة حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وكذا السكنى ، وهل النفقة للحمل أو لأمّه؟ قال الشيخ رحمه‌الله : هي للحمل ، وتظهر الفائدة في مسائل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : قيل : فيه قولان أحدهما النفقة لها لأجل الحمل ، وهو أصحهما عند المخالف ، والثاني النفقة للحمل وهو أقواهما عندي ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنها لو كانت حائلا لم يكن لها نفقة ، وإذا كانت حاملا كان لها النفقة ، وهي دائرة معه وجودا وعدما فتكون له ، ولأنه لما كانت النفقة له إذا كان منفصلا ، فهي له إذا كان متصلا.

احتج المخالف بأن نفقتها مقدرة بحال الزوج وكانت لها دون الحمل ، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة ، فلما كانت نفقتها مقدرة دل على انها للزوجة ، ولأنها لو كانت للحمل لوجبت على الجد مع فقد الأب ، فلما لم تجب عليه دل على انها لها.

وفائدة الخلاف تظهر في أماكن.

أ ـ إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد ثمَّ ابانها الزوج ، فعلى القول بأنها للحمل ، نفقتها على سيدها ، لأنه مالك الولد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي على الزوج.

ب ـ إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ، ثمَّ اشترط سيده رق الولد لنفسه ثمَّ ابانها وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على سيد العبد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي اما على سيده أو في كسب العبد على الخلاف.

ج ـ إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ولم يشترط سيده رق الولد ثمَّ ابانها وهي [حامل]

١٨٣

حامل فالولد هنا حر ، فعلى القول بأن النفقة للولد فهي على الزوجة ، لأن المملوك لا يجب عليه نفقة أقاربه ، ومن قال للزوجة فهي في كسب العبد أو في ذمة مولاه على الخلاف.

د ـ إذا كان النكاح فاسدا فافترقا لفساد النكاح وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على أبيه ، وعلى القول بأنها للزوجة فليس عليه شي‌ء ، لأن النفقة للمعتدة من نكاح صحيح دون النكاح الفاسد ، وانما يتساوى الصحيح والفاسد في لحوق النسب خاصة وسقوط الحد.

ه ـ لو أخر الدفع ومضى زمان علم فيه الحمل وجب القضاء على القول بأنها للزوجة ، ولا يجب على القول بأنها للحمل ، لأن نفقة الأقارب لا تقضى.

و ـ لو لم ينفق عليها ثمَّ أسقطت الحمل فعلى القول بأنها للزوجة بشرط الحمل ترجع عليه بالنفقة من حين الطلاق الى حين الأسقاط ، وعلى القول بأنها للحمل لم ترجع عليه بشي‌ء ، ولو أنفق عليها ثمَّ أسقطت لم يرجع عليها بشي‌ء على القولين ، وتسقط النفقة بعد الاسقاط على القولين أيضا.

قال رحمه‌الله : وفي الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان أشهرهما انه لا نفقة لها ، والأخرى ينفق من نصيب ولدها.

أقول : الرواية المتضمنة للنفقة رواية أبي الصباح (٤٦٥) الكناني ، عن الصادق عليه‌السلام «قال ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها» (٤٦٦) وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح والرواية المتضمنة لعدم النفقة حسنة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : المرأة الحبلى

__________________

(٤٦٥) «م» «ن» «ر ١» : الصلاح.

(٤٦٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٠ من أبواب النفقات ، حديث ١.

١٨٤

المتوفى عنها لا نفقة لها» (٤٦٧) وبمضمونها افتى الحسن بن أبي عقيل وابن إدريس ، وهو اختيار العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم وجوب النفقة في مال الغير ما لم يحصل الدليل الشرعي ، ولأن الحمل لا يملك مستقرا ، بل ملكه مشروط بانفصاله حيا ، وهو غير متحقق لجواز سقوطه ميتا ، فيرجع نصيبه إلى باقي الورثة ، فيكون هذا الإنفاق قبيحا لاشتماله على التغرير بمال الغير ، ولأن نسبة الملك الى الحمل على سبيل المجاز ، وانما يجب الإنفاق فيما يملكه المنفق حقيقة ، وهو قبل انفصاله لم يملك شيئا حقيقة.

قال رحمه‌الله : وفي تقدير الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ، ومنهم من لم يقدر واقتصر على سد الخلة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ ـ التقدير بحال الزوج لا بحالها ، فان كان موسرا فعليه مدان في كل يوم ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فمد ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ب ـ قوله في الخلاف ، وهو التقدير بمد للموسر والمعسر ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم.

ج ـ قول ابن إدريس ، قال : نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه ، فإنه ذهب الى أنها مقدرة ، ومبلغها مد ، وقدره رطلان وربع ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، وهذا عجيب منه رضي‌الله‌عنه والسبر بيننا وبينه ، فان أخبارنا لم يرد فيها خبر بتقدير نفقة ، وأما أصحابنا المصنفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة الا من قلده

__________________

(٤٦٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٩ من أبواب النفقات ، حديث ١ (مع اختلاف يسير).

١٨٥

وتابعه ، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤٦٨) ، أي بما يتعارف الناس ، وأيضا الأصل براءة الذمة من التقدير ، فمن ادعى شيئا بعينه فإنه يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة (٤٦٩). الى هنا كلام ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح ، ولو أخلقتها قبل المدة لم يجب عليه بدلها ، ولو انقضت المدة والكسوة باقية طالبته بكسوة لما يستقبل.

أقول : تحقيق هذا الكلام يحتاج إلى معرفة الأصل الذي يبنى عليه وهو ان الكسوة هل هي إمتاع أو تمليك؟ يحتمل الأول ، لأن المقصود من الكسوة يحصل بالإمتاع دون التمليك ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب التمليك فيكون امتاعا كالمسكن ، وجزم به العلامة في الإرشاد.

ويحتمل الثاني لعطف الكسوة على الرزق في الآية ، وهي قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤٧٠) وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، ولا شك في تمليك الرزق فكذلك الكسوة للعطف عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه في شرحه.

إذا عرفت هذا ، فاذا دفع إليها كسوة لمدة كما فرضه المصنف فاخلقتها قبلها ، فالعلامة في القواعد بنى استحقاق المطالبة بغيرها قبل انقضاء المدة ، وعدمه على القولين ، جعل لها المطالبة على القول بالامتناع ، والعدم على القول بالتمليك ، ومع انقضاء المدة والكسوة باقية أوجب لها غيرها على القول بالتمليك ، ولم

__________________

(٤٦٨) النساء : ١٩.

(٤٦٩) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٤٧٠) البقرة : ٢٣٣.

١٨٦

يوجب شيئا على القول بالإمتاع ، ثمَّ فرّع على المذهبين ما لو طلقها أو مات أحدهما قبل مضي المدة ، فعلى القول بالإمتاع تكون الكسوة للزوج ، وعلى القول بالتمليك يحتمل اختصاصها بها كما لو دفع لها نفقة يوم ثمَّ طلقها أو مات أحدهما قبل مضيه ، فإنها تملك مجموع النفقة إجماعا ، فكذلك الكسوة ، ويحتمل التشريك على قدر المدة (٤٧١) بين الماضية والمستقبلة ، وهو اختيار فخر الدين ، ويكون للزوجة أو ورثتها ما قابل الماضية ، وللزوج أو ورثته ما قابل المستقبلة ، لأنه إنما ملكها إياها لمجموع المدة بسبب الزوجية المقتضية لوجوب الكسوة.

وقد ظهر انتفاء الزوجية في بعضها ، فوجب ان يكون مقسومة على المدتين فان كان الماضي نصف المدة كان لها نصف ما بقي من الكسوة ، وان كان ثلث المدة كان لها ثلث الباقي ، وهكذا.

فاذا تحقق هذا كان كلام المصنف متناقضا ، لأنه منعها من غيرها إذا أخلقتها قبل مضي المدة المضروبة ، وأوجب عليه غيرها بعد المدة وان كانت الأولى باقية ، وهو بناء على القول بالتمليك ، كما قاله العلامة في قواعده ، ثمَّ قال المصنف : (ولو سلم إليها نفقة لمدة ثمَّ طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف الا نصيب يوم الطلاق ، اما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقص المدة المضروبة لها) وانما يستعاد مجموع الباقي من الكسوة على القول بأنها إمتاع على ما تقدم من كلام العلامة ، فقد ظهر مناقضة كلام المصنف رحمه‌الله.

قال رحمه‌الله : ولا ينفق على بائن غير المطلقة [الحامل] ، وقال الشيخ : ينفق لأن النفقة للولد.

أقول : البائن غير المطلقة كالمعتدة من نكاح الشبهة أو الملاعنة إذا كانت حاملا ثمَّ اعترف بالحمل ، قال الشيخ : ينفق عليها ، لأن النفقة للحمل ، وقد

__________________

(٤٧١) «م» «ن» «ر ٢» : المدتين.

١٨٧

سبق (٤٧٢) البحث في ذلك.

قال رحمه‌الله : نفقة زوجة المملوك تتعلق برقبته ان لم يكن متكسبا ويباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه ، وقال آخرون : يجب في كسبه ، ولو قيل : يلزم السيد لوقوع العقد بأذنه كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا تزوج بإذن مولاه وكان متكسبا فالنفقة في كسبه ويكون اذن السيد في التزويج إذنا في تعلق نفقة الزوجة بكسبه ، وان لم يكن متكسبا قال قوم : يتعلق برقبته ، لأن الوطي في النكاح بمنزلة الجناية ، ومنهم من قال : يتعلق بذمته ، لأنه حق لزم باختيار من له الحق ، فكان في ذمته كالقرض ، والأول أليق بمذهبنا.

ثمَّ قال : فمن قال : يتعلق برقبته على ما اخترناه قال ان أمكن ان يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وان لم يمكن بيع كله كما قيل في الجناية ووقف ثمنه ينفق عليها منه ، وقد انتقل ملك سيده عنه الى ملك سيد آخر.

وقال ابن إدريس : النفقة على السيد ، لأنه اذن في شي‌ء فيلزمه توابعه.واختاره المصنف والعلامة.

وقال ابن حمزة : إذا كان العبد مكتسبا تخير السيد بين جعل النفقة من كسبه والإنفاق من خالص ماله. واختاره العلامة في المختلف ، لأن السيد مخير في جهات القضاء كالدين ، وهو قول ابن إدريس ، لأن كسب العبد مال السيد ، فان وفى بالنفقة ، وإلا تممه السيد من خاصه (٤٧٣).

قال : وقال رحمه‌الله : ولو كان مكاتبا لم تجب نفقة ولده من زوجته ويلزمه نفقة الولد من أمته ، لأنه ماله ، ولو تحرر منه شي‌ء كانت نفقته في ماله

__________________

(٤٧٢) ص ١٨٤.

(٤٧٣) «ن» «ر ١» : خاصته.

١٨٨

بقدر ما تحرر منه.

أقول : الضمير في قوله (قال رحمه‌الله) عائد إلى الشيخ رحمه‌الله ، وهذه المسألة لم أجد فيها خلافا ، الا ان المصنف نقلها عن الشيخ وكذلك العلامة في التحرير ، وجزم بها في القواعد ، والمراد بالزوجة المنكوحة بالعقد سواء كانت حرة أو امة أو مكاتبة ، فان ولده منها لا يجب نفقته عليه ، لأن نفقة الأقارب انما تجب مع اليسار ، والمكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يتحرر منه شي‌ء غير موسر ، لأن جميع ما في يده لسيده ، ولهذا لو رد في الرق كان الجميع له ، فان كانت الأم حرة كانت النفقة عليها مع يسارها ، ومع إعسارها أو فقدها وفقد من يقوم مقامها من الأجداد فعلى بيت المال ، وان كانت امة أو مكاتبة فالنفقة تابعة لملك الولد ، فمن كان ملكه كانت نفقته عليه ، واما وجه وجوب نفقته على ولده من أمته ، لأن المكاتب له ابتياع الرقيق ، لأن له تنمية المال ، فاذا ابتاع امه لم يجز له وطأها ، لأن في ذلك تغريرا لمال سيده ، فان اذن له جاز فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فالولد لاحق به ، اما مع الاذن فظاهر ، واما مع عدمه فلحصول الشبهة فهو وطي لا يجب فيه الحد ، وكل وطي يسقط فيه الحد عن الوطئ فالنسب لاحق به والولد هنا مملوك ، لأنه تولد من مملوكين ، فيكون مملوكا لأبيه (٤٧٤) ، لأنه ولد أمته ، ولا يعتق عليه ، لأنه ناقص الملك ، ولا يجوز له بيعه ، لأن الشرع منع من بيع الآباء والأولاد ، ولا يملك عتقه ، لأن فيه إتلاف لمال سيده ، بل يوقف فإن أدى الأب وتحرر تحرر الولد ، وان استرق الأب استرق الولد ، وعليه نفقته ، لأن المكاتب يجب عليه نفقة رقيقه ، لأن التنمية لا يحصل الا بها.

ولو تحرر من الأب شي‌ء كان عليه من نفقة ولده من الحرية بقدر ما تحرر منه ، والباقي على الأم.

__________________

(٤٧٤) «ر ١» : لابنه.

١٨٩
١٩٠

في نفقة الأقارب

قال رحمه‌الله : تجب النفقة على الأبوين ، والأولاد إجماعا وفي وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد ، أظهره الوجوب.

أقول : فتاوي الأصحاب كلها متطابقة على وجوب الإنفاق على الأبوين وان علوا والأولاد وان نزلوا ، وتردد المصنف فيما علا من الآباء لعدم صدق الأبوة عليهم حقيقة وان صدقت مجازا ، ولأصالة براءة الذمة وهو مذهب مالك ، والمعتمد الأول.

وأوجبها الشيخ لكل وارث والمعتمد الاقتصار على العمودين.

قال رحمه‌الله : ويشترط في وجوب الإنفاق الفقر وهل يشترط العجز عن الاكتساب؟ الأظهر اشتراطه.

أقول : وجه الاشتراط قد ذكره المصنف ، ووجه عدم الاشتراط صدق اسم الفقر عليه ، لأن الفقير هو الأذى لا مال له ، وهذا كذلك ، والمعتمد الاشتراط ، والمراد التكسب اللائق بحاله ، فلو كان قادرا على مكسب غير لائق بحاله ولا مروءته وجب الإنفاق عليه ولا يكلف ذلك ، وعلى القول ان المتكسب

١٩١

غني لا يجب عليه الإنفاق على قريبه المعسر ، ويجب عليه التكسب لذلك.

تنبيه : قال فخر الدين رحمه‌الله : فائدة : المانع من الإرث كالرق والقتل والكفر مانع من وجوب الإنفاق ، قلت : اما الرق فمسلم لا نزاع فيه ، واما الكفر فجميع الأصحاب أوجبوا النفقة على القريب وان كان كافرا ، وبه قال أبوه في قواعده وتحريره ، وأما القتل فإنما يتصور الإنفاق بعده من المتقرب اليه بالمقتول ، ولم يتعرض الأصحاب لإسقاط نفقة القريب لغير الرق ، لأنها تجب على مولاه دون قريبه ، فاذا حصل القرابة والفقر وجبت النفقة على القريب الغني ما لم يعلم سقوطها ، وهو غير معلوم بغير الرق ، فيثبت الوجوب.

١٩٢

كتاب الطلاق

١٩٣
١٩٤

في المطلق

قال رحمه‌الله : فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه عشرا ، وفيمن بلغ عشرا عاقلا وطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الصدوق في كتابه عن زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته؟ قال : إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس» (١) ، وهو جائز ، ورواية ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام ، «قال يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين» (٢) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن البراج وابن حمزة ، ومنعه ابن إدريس لضعف سند الرواية ، لأن سماعة واقفي ، وابن بكير ملعون كذاب ، وهو واقفي أيضا ، مع المعارضة بروايات (٣) أصح طريقا ، وكون الصبي محجورا عليه قبل البلوغ ، فلا يصح طلاقه قبل البلوغ وهو المعتمد.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٢ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث ٧ ـ والفقيه ، كتاب الطلاق ، باب ١٥٧ في طلاق الغلام حديث ١.

(٢) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٢ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث ٦.

(٣) في «م» و «ن» و «ر ١» : (برواية). لاحظ المصدر المتقدم.

١٩٥

قال رحمه‌الله : فلو بلغ فاسد العقل(٤) طلق وليه مع مراعاة الغبطة ومنع منه قوم ، وهو بعيد.

أقول : جواز طلاق الولي عمن بلغ فاسد العقل مع مراعاة الغبطة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الحاجة تشتد إليه وتدعو الضرورة إلى إيقاعه ، وهو غير ممكن من المجنون (٥) لسلب أهلية التصرفات عنه ، فلو لم يشرع للولي ذلك لزم الضرر الدائم على المجنون ، وعلى الزوجة أيضا وهو منفي بقوله عليه‌السلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (٦) ، ولهم عليه روايات (٧).

ومنع ابن إدريس ، لقوله عليه‌السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (٨) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وتجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأصح.

أقول : منع الشيخ في النهاية ، وابن حمزة وابن البراج من وكالة الحاضر في البلد ، لرواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق» (٩) ، قال الشيخ في التهذيب والإستبصار (١٠) : وهذا الحديث لا ينافي

__________________

(٤) وفي نسخة في الأصل زيادة في المتن بعد قوله (ره) فاسد العقل : فيطلق عنه الولي مع الغبطة ، فإن فقد فالوصي ، فإن فقد فالحاكم ، فلو تجدد جنونه بعد عقله ورشده فالولاية عليه للحاكم.

(٥) في الأصل الجنون وباقي النسخ على ما أثبتناه.

(٦) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ٧ ، حديث ٢ ، وكتاب المواريث ، باب موانع الإرث ، حديث ١٢. وفي «م» : (ولا إضرار) بدل (ولا ضرار).

(٧) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٥ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٨) كنز العمال : ج ٥ ، ص ١٥٥ ، حديث ٣١٥١.

(٩) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٩ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث ٥. وفي الأصل زيادة قوله (لحاضر) في ذيل الرواية.

(١٠) هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.

١٩٦

الأخبار الأولة (١١) ، لأنا نحمل هذا الخبر على الحال التي يكون الرجل فيها حاضرا غير غائب عن بلده ، فإنه متى كان الأمر كما وصفناه لم تجز وكالته في الطلاق.

وابن إدريس يجوز (١٢) الوكالة مطلقا ، وهو المعول (١٣) عليه عند المتأخرين ، لأصالة الصحة ، ولعدم اشتراط وقوعه من مباشر معين ، فاذا جاز (١٤) الوكالة للغائب جاز للحاضر ، ولهم عليه روايات (١٥) ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ : لا يصح ، والوجه الجواز.

أقول : حجة الشيخ (رحمه‌الله) أن القابل لا يكون فاعلا ، وهي (١٦) مفعول بها (١٧) الطلاق فلا تكون فاعله ، وجوزه ابن إدريس والمتأخرون ، لأن كل فعل قبل النيابة لا يشترط فيه خصوصية النائب ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : لو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وكذا لو قال : طلقي واحدة فطلقت ثلاثا ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف ، بعدم وقوع شي‌ء لمخالفتها أمر الموكل ،

__________________

(١١) في «م» : الدالة.

(١٢) في النسخ : (جوز).

(١٣) في الأصل و «م» : المعمول.

(١٤) كذا

(١٥) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٩ من أبواب مقدماته وشرائطه.

(١٦) في الأصل : وهي.

(١٧) هذه الكلمة ليست في «ن».

١٩٧

واختاره فخر الدين وهو قوي ، لاختلاف الحكم بين ما أمرها به (١٨) وبين ما أوقعته ، لأن البائن تقتضي إسقاط النفقة والرجعة و (الطلقة) (١٩) ، الواحدة تقتضي ثبوتهما ، وربما كان (٢٠) غرضه متعلق بحكم ما أمرها به ، وقد أوقعت ضده فلا يقع صحيحا.

وقيل : يقع (٢١) واحدة في الصورتين ، لأن الاذن في الثلاثة يستلزم الاذن في (٢٢) الواحدة قطعا ، فاذا فعل الوكيل بعض المأمور به لا يجب عليه فعل الباقي ، ويصح ما فعله لكونه مأمورا به ، وكذلك لو أمرها بواحدة فأوقعت ثلاثا ، لأنها أوقعت المأمور به وغيره فيصح المأمور به ويبطل غيره ، واختاره المصنف والعلامة.

__________________

(١٨) هذه الكلمة ليست في الأصل.

(١٩) هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر ١».

(٢٠) ليست في الأصل.

(٢١) في النسخ : يصح.

(٢٢) هاتان الكلمتان ليستا في الأصل.

١٩٨

في المطلقة

قال رحمه‌الله : ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر ، عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض ، ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر ، عملا برواية جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والمحصل ما ذكرناه.

أقول : اختلف علماؤنا في قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب على خمسة مذاهب (٢٣).

الأول : عدم وجوب الانتظار وجواز الطلاق في أي وقت شاء ، وهو مذهب المفيد وسلار وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وابن أبي عقيل ، ومستندهم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، «قال سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال : يجوز طلاقه على كل حال ، وتعتد المرأة من يوم طلقها (٢٤)».

الثاني : عدم جوازه قبل مضي شهر ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه

__________________

(٢٣) في «ن» : أقوال.

(٢٤) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٦ من أبواب مقدماته ، حديث ١.

١٩٩

قال ابن حمزة ، والمستند رواية إسحاق (٢٥) بن عمار.

الثالث : عدم جوازه قبل مضي ثلاثة أشهر ، وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف ، لصحيحة جميل بن دراج (٢٦).

الرابع : تحديد أقل المدة بشهر ، وأوسطها بثلاثة أشهر ، وأقصاها بخمسة أشهر أو ستة ، وهو مذهب محمد بن بابويه ، والمستند رواية إسحاق (٢٧) بن عمار.

الخامس : اعتبار مدة يعلم انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر بحسب عادتها ، والمراد بالعلم هنا غلبة الظن المستند إلى العادة التي يعلمها من شأنها (٢٨) ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، ووجهه الجمع بين الروايات (٢٩) ، فاذا علم انتقالها من طهر الى آخر صح طلاقها وإن صادف الحيض ، وكذا إذا علم حيضها حالة الطلاق ، أما لو رجع من غيبته فوجدها حائضا فإنه لا يصح طلاقها ، ولو علم انتقالها في حال الغيبة من طهر الى آخر لعموم (٣٠) منع الحاضر من طلاق الحائض.

قال رحمه‌الله : ولو كان له زوجتان أو زوجات فقال : زوجتي طالق ، فان نوى معينة صح ويقبل تفسيره ، وإن لم ينو ، قيل : يبطل الطلاق ، لعدم التعيين ، وقيل : يصح ، وتستخرج بالقرعة وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في اشتراط تعيين المطلقة بالاسم أو الإشارة أو

__________________

(٢٥) المصدر السابق ، حديث ٣.

(٢٦) المصدر السابق ، حديث ٧.

(٢٧) المصدر السابق ، حديث ٨ إلا أنه لم يتضمن الشهر الواحد ، لكن الحديث رقم ٣ المقدم يتضمن ذلك.

(٢٨) في «ن» : نسائها.

(٢٩) الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣٠) الوسائل ، كتاب الطلاق ، لاحظ أحاديث الباب ٩ والباب ٢٥ من أبواب المقدمات.

٢٠٠