غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

في العقد

قال رحمه‌الله : والعبارة عن الإيجاب لفظان : زوجتك وأنكحتك ، وفي متعتك تردد ، وجوازه أرجح.

أقول : منشأ التردد من أصالة عصمة الفرج وصيانته عن الغير ، خرج اباحته بما اتفق عليه من الألفاظ يبقى الباقي على أصالة المنع ، ولأن المتعة حقيقة في العقد المنقطع في العرف الشرعي فيكون مجازا في الدائم ، لأصالة عدم الاشتراك ، والمجاز لا يكفي في صيغ العقود والا لم تنحصر الألفاظ.

ومن أنهم قالوا : المنقطع إذا لم يذكر (٦٠) فيه الأجل ينقلب دائما ، فلو لم يكن من صيغة لم ينعقد. والاقتصار على اللفظين خاصة مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف وهو أحوط.

ونقل عن بعض علمائنا انعقاده بلفظ المتعة ورجحه المصنف هنا ، وجزم به في المختصر وجزم به العلامة أيضا في القواعد والإرشاد.

__________________

(٦٠) «م» و «ن» : يكن.

٢١

فرعان :

الأول : يجب توقي اللحن المخل بالمعنى المقصود.

الثاني : لا يشترط في القبول لفظ معين ، بل كل ما دل على الرضا جاز وقوعه به ، لأنه كالمعلول للإيجاب والأثر له فلا يشترط غير ما يدل على الرضا بالإيجاب.

قال رحمه‌الله : ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح الإنشاء اقتصارا على المتعين وتحفظا من الاشتمار المشبه للإباحة ، ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء كقوله : زوجنيها ، فقال : زوجتك ، قيل : يصح كما في خبر سهل الساعدي وهو حسن ، ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله : أتزوجك ، فيقول : زوجتك جاز ، وقيل : لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول ، وفي رواية أبان بن تغلب في المتعة ، «أتزوجك متعة ، فإذا قالت : نعم ، فهي امرأتك».

أقول : لا خلاف في وقوع العقد بلفظ الماضي ، لأنه دال على صريح الإنشاء لدخول الماضي في الوجود فيحصل اليقين بوقوعه ، والمستقبل لا وثوق بحصوله ، لاحتمال (٦١) الوعد والاستفهام ، ولمشاركة الحال في الصيغة ، فهو لفظ مشتمر (٦٢) أي غير منحصر بوجه ، ولهذا قال المصنف : وحفظا من الاشتمار المشبه المشتمل للإباحة ، اي (موقع للشبه) (٦٣) في الإباحة ، لاحتمال ارادة الوعد أو الاستفهام ، فلا تحصل الإباحة بخلاف الماضي ، فإنه لا يحتمل غير المقصود لدخوله في الوجود ولا يحصل شبهة في الإباحة فتعين (٦٤) الإتيان به دون ما يحصل فيه الشبهة ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما بيناه.

__________________

(٦١) «م» : لاحتماله.

(٦٢) «م» و «ن» : مستمر.

(٦٣) «م» و «ن» : الموقع للشبهة.

(٦٤) «م» و «ن» : فيتعين.

٢٢

وظاهر المصنف هنا جواز الإتيان بلفظ المستقبل لرواية أبان بن تغلب (٦٥) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وأمّا وقوعه بلفظ الأمر فهو (٦٦) مذهب الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف هنا ، لخبر سهل الساعدي : «ان امرأة أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إني وهبت نفسي لك يا رسول الله إن يكن لك في رغبة ، فقال : لا رغبة لي في النساء ، فقامت طويلا فقال رجل : يا رسول الله صلى الله عليك وآلك زوجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعندك شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أعطيتها جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل معك من القرآن شي‌ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، وسماهما ، فقال رسول الله : زوجتك بما معك من القرآن» (٦٧).

قال رحمه‌الله : ولو قال الولي أو الزوجة : متعتك بكذا ، ولم يذكر الأجل ، انعقد دائما ، وهو دلالة على انعقاد الدائم بلفظ التمتع.

أقول : انعقاد المنقطع دائما مع الإخلال بذكر الأجل مذهب الشيخ وابن البراج وابي الصلاح والسيد وابن زهرة ، واختاره المصنف رحمه‌الله لرواية عبد الله بن بكير في الموثق (٦٨) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وقال ابن إدريس : يبطل العقد ، واختاره العلامة ، لأن المتعة من شرطها ذكر الأجل ، ومع الإخلال يبطل المشروط رواه زرارة في الصحيح ، عن الصادق

__________________

(٦٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٨ من أبواب المتعة ، حديث ١.

(٦٦) من «م» ، وفي باقي النسخ : وهو

(٦٧) المستدرك ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب المهور ، حديث ٢ (مع اختلاف يسير).

(٦٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب المتعة ، حديث ١.

٢٣

عليه‌السلام ، «قال لا يكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى وأجر مسمى» (٦٩).

ومثله ما رواه إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة؟ فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم» (٧٠).

قال رحمه‌الله : ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم ، فقال الزوج : قبلت ، صح ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ولو لم يعد اللفظ ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ من ان نعم صريحة في إعادة السؤال وكأنه (٧١) قال : زوجت وقد حصل لفظ الإيجاب ، فإذا قبل الزوج صح النكاح لأصالة الصحة. ومن ان قوله : زوجت بنتك من فلان استخبار ، وقول الأب : نعم زوجت خبر ، لأنه جواب الاستخبار ، والجواب لا يصلح ان يكون إنشاء ، لأن الإنشاء لغة الابتداء ، واصطلاحا إيجاد عقد بلفظ يقارنه في الوجود ، فالجواب لا يكون إنشاء ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وفي السكران الذي لا يعقل تردد ، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز ، وفي رواية : إذا زوجت سكرى نفسها ثمَّ أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضيا.

أقول : لا فرق بين السكران والسكرى ، ومنشأ التردد ، من ان السكران الذي لم يحصل كالمجنون في زوال العقل ، فيكون حكمه حكمها في عدم الالتفات إلى عقده فيقع باطلا ، وإذا وقع باطلا لم يؤثر فيه الإجازة بعد الانعقاد.

ومن الرواية التي أشار إليها المصنف ، وهي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح ، «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ابتليت بشرب

__________________

(٦٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٧ من أبواب المتعة ، حديث ١.

(٧٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٧ من أبواب المتعة ، حديث ٣.

(٧١) «ن» : فكأنه.

٢٤

النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت فأنكرت ، ثمَّ ظننت انه يلزمها فوزعت منه ثمَّ أقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : إذا أقامت عنده بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، فقلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : نعم» (٧٢).

وبمضمونها أفتى الشيخ رحمه‌الله في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

__________________

(٧٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٤ من أبواب عقد النكاح ، حديث ١. (وفيه : ففزعت منه).

٢٥
٢٦

في أولياء العقد

قال رحمه‌الله : وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل : نعم ، مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف ، والوجه أنه لا يشترط.

أقول : اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وابي الصلاح ، لرواية الفضل بن عبد الملك ، عن الصادق عليه‌السلام «قال الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز» (٧٣) مفهوم هذه الرواية على اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد لقوله : «وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا» ، وذهب المفيد وسلار والسيد المرتضى وابن إدريس الى عدم الاشتراط ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن ولاية الجد ثابتة في حياة الأب فتثبت بعد وفاته عملا بالاستصحاب ، ولأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب ، لأنهما لو زوجاها برجلين دفعة صح عقد الجد وبطل عقد الأب.

ولو اختار الأب زوجا واختار الجد غيره قدم اختيار الجد وكان ولايته

__________________

(٧٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١ من أبواب عقد النكاح ، حديث ٤.

٢٧

أقوى ، والأقوى لا يكون مشروطا بالأضعف ، والرواية قاصرة عن المطلوب ، لضعف سندها ، لأن في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وجعفر بن سماعة ، وهما واقفيان ، ولضعف دلالة المفهوم.

ولا فرق في ثبوت ولايتهما على الصغيرين والمجنونين ، قال أبو العباس في مهذبه : سواء كان جنونهما مستمرا قبل البلوغ أو عرض بعد زوال الولاية عنهما لرشدهما بعد البلوغ ، وهو جيد.

قال رحمه‌الله : ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين ، وكذا لو زوج الأب أو الجد الولد الصغير لزمه العقد ، ولا خيار له بعد بلوغه ورشده على الأشهر ، وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات ، أظهرها : سقوط الولاية عنها ، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع حتى لا يجوز لهما ان ينفردا عنها بالعقد.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

أ ـ في ثبوت الخيار للصبية بعد البلوغ إذا زوجها أبوها أو جدها له ، والمشهور عدم ثبوته لها ، ولم يتردد فيه أحد من الأصحاب ، وجزم به المصنف في المختصر ، ولم يجزم به هنا ، بل قال على أشهر الروايتين (٧٤) ، لأن محمد بن مسلم روى عن الباقر عليه‌السلام قال ، «سألته عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : ان كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، لكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بعد فالمهر على الأب» (٧٥) فهذه الرواية دالة على ثبوت الخيار لهما ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب ، لأنه عقد صدر من ولي شرعي لا ضرر فيه على المولى عليه

__________________

(٧٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث (١ و ٢ و ٣ و ٧).

(٧٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث ٨.

٢٨

فكان (٧٦) ثابتا.

ب ـ في ثبوت الخيار للصبي إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه ، وأثبته الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، وهو مذهب ابن حمزة ، لرواية يزيد الكناني (٧٧) ، والمعتمد لزوم العقد ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، لأنه عقد صدر من أهله وهو الولي الإجباري ، فيكون لازما كالصبية.

ويمكن الفرق بينهما فإن الصبي ربما تطرق اليه الضرر في ذلك ، لأنه أثبت لها في ذمته مهرا ونفقة ، ولا فائدة له في النكاح حالة الصبي ، بخلاف الصبية فإنه أثبت لها مهرا في ذمة الزوج ونفقة ، ولا ضرورة عليها.

والمعتمد المساواة بينهما في عدم ثبوت الخيار ، لأن الولي أعرف بالمصلحة ، وهي غير منتفية ، فيلزم العقد لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٧٨).

ج ـ في ثبوت ولايتهما على البكر البالغة الرشيدة وقد اختلف الأصحاب هنا على خمسة أقوال :

الأول : لا ولاية عليها في الدائم والمنقطع ، بل الولاية لنفسها خاصة ، وهو قول المفيد في أحكام النساء ، وبه قال سلار والسيد المرتضى وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

الثاني : ثبوت الولاية عليها للأب خاصة ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه.

الثالث : اشتراك الولاية بينها وبين الأب والجد بحيث لا ينفرد احد منهم دون الآخر ، وهو أحد قولي المفيد.

__________________

(٧٦) من «ن» و «م» وفي غيرهما : وكان.

(٧٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث ٩.

(٧٨) المائدة : ١.

٢٩

الرابع : اشتراك الولاية بينها وبين الأب خاصة ، وهو قول أبي الصلاح.

الخامس : استقلالها دونهما بعقد المتعة خاصة ، لكن لا يطأها الزوج في الفرج ، وهو قول ابن حمزة ، وذكره الشيخ في النهاية رواية.

ونقل المصنف قولا سادسا : وهو استقلالها بالدائم دون المنقطع ، ولم أقف على قائله ، ومستند الجميع الروايات (٧٩).

قال رحمه‌الله : ولا ولاية للوصي وان نص له الموصي على النكاح على الأظهر.

أقول : قال الشيخ في الخلاف بثبوت الولاية للوصي إذا نص الموصي على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف لرواية أبي بصير (٨٠) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وقيل : ليس له ذلك وان نص الموصي ، واختاره المصنف والعلامة في باقي كتبه.

قال رحمه‌الله : ولو وكلته في تزويجها منه ، قيل : لا يصح لرواية عمار ، ولأنه يلزم ان يكون موجبا قابلا ، والجواز أشبه.

أقول : المشهور الجواز ، وهو المعتمد ، وقد تقدم البحث (٨١) في عدم المنع من كونه موجبا قابلا ، والرواية ضعيفة ، لأن عمارا فطحي ، وفي طريقها مصدق بن صدقة ، وهو فطحي أيضا.

وصورة العقد على نفسه ان يقول : زوجت موكلتي فلانة من نفسي ، قبلت النكاح.

قال رحمه‌الله : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، هل لها أن تعترض؟ فيه

__________________

(٧٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب (٣ و ٤ و ٦ و ٩) من أبواب عقد النكاح ، وباب ١١ من أبواب المتعة.

(٨٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب عقد النكاح ، حديث ٤.

(٨١) ج ٢ ، ص ١٧ ـ ١٨ ، وص ٣٥٥.

٣٠

تردد ، والأظهر أن لها الاعتراض.

أقول : منشأ التردد من ان النكاح معاوضة على الفرج ، فكما لها الاعتراض إذا باع مالها بدون ثمن المثل ، كذا لها الاعتراض إذا زوجها بدون مهر المثل.

ومن انه ليس بمعاوضة محضة لجواز أخلاء النكاح عن ذكر المهر ، ولأن المقصود من النكاح النسل وكف الشهوة ، والمهر تابع ، بخلاف بيع المال فان المقصود منه العوض فقط ، والأصل الصحة.

وذهب المصنف والعلامة في القواعد ان لها الاعتراض ، واختاره فخر الدين ، وهل الاعتراض في فسخ المهر؟ أو فسخ النكاح أطلق المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين ذلك ، وجزم العلامة في التحرير بان لها فسخ المسمى ، قال : وهل لها فسخ النكاح؟ فيه نظر.

قلت : هذا نظر غريب من العلامة ، لأن الذي يقتضيه الأصل عدم جواز فسخ النكاح قطعا ، لجواز النكاح عن ذكر المهر ، وانما الاعتراض في فسخ المسمى إذا كان دون مهر المثل ، وقد نصوا على ذلك في باب تفويض المهر.

قال المصنف : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد. منشأ التردد من أن الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

وقال العلامة في القواعد ولو زوج الولي مفوضة أو بدون مهر المثل صح ، وقيل : يثبت مهر المثل بنفس العقد ، وفيه إشكال ينشأ من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر الولي.

وقال في التحرير نحو ذلك. فقد ثبت ان التردد في المهر دون العقد.

قال رحمه‌الله : عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر.

٣١

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يكون موقوفا ، والعمل على المشهور ، وقد تقدم احتجاج الفريقين في باب البيع.

قوله : ويقع من البكر بالسكوت عند عرضه عليها.

الأصل في ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «البكر تستأذن ، واذنها صماتها ، والثيب يعرب عنها لسانها» (٨٢) والاعراب هو التبيين أي يبين عنها لسانها ، وقال ابن إدريس : لا بد من النطق ولا يكفي السكوت ، لأنه أعم.

قال رحمه‌الله : وإذا زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا (لو زوج)(*) الطفل ، وقيل : بالمنع في الطفل ، لأن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ولا خوف في جانب الصبي.

أقول : قوله : (وكذا الطفل) أي لو زوجه بالمملوكة ليس له خيار بعد البلوغ ، وسيأتي وجه الخلاف في ذلك إنشاء الله تعالى.

قال رحمه‌الله : لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ، ولو كانت امرأة ، وقيل : لها ان تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية استنادا إلى رواية سيف بن عميرة (٨٣) ، عن الصادق عليه‌السلام ، والأول هو المعتمد ، لعموم قوله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (٨٤).

قال رحمه‌الله : إذا اذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح ، واقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر أمثاله ، فإن زاد كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر ، ويكون

__________________

(٨٢) سنن ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب استئمار البكر والثيب ، حديث ١٨٧٢ (قريب منه).

(١) من المطبوعة.

(٨٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٤ من أبواب المتعة ، حديث ١ و ٢ و ٣.

(٨٤) النساء : ٢٥.

٣٢

مهر المثل على مولاه ، وقيل : في كسبه ، والأول أظهر ، وكذا القول في نفقتها.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

أ ـ ان المهر والنفقة على المولى ، لأنهما من توابع العقد المأذون فيه ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في قواعده وفخر الدين ، وهو المعتمد.

ب ـ في كسب العبد وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج ـ التفصيل وهو ان كان مكتسبا كان في كسبه ، وان لم يكن مكتسبا كان على المولى ، وهو قول ابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء الله تعالى.

قال رحمه‌الله : إذا زوجها الأخوان برجلين ، فان وكلتهما فالعقد للأول ، ولو دخلت بمن تزوجها أخيرا فحملت ألحق الولد به وألزم مهرها وأعيدت إلى السابق بعد انقضاء العدة ، وان اتفقا في حالة واحدة ، قيل : يقدم الأكبر ، وهو تحكم.

أقول : القائل بتقديم عقد الأكبر مع الاقتران هو الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، لرواية وليد بياع الاصفاط (٨٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

ومنع ابن إدريس من ذلك ، ونسب المصنف تقديم الأكبر إلى التحكم ـ وهو القول بغير دليل ـ لأنهما وكيلان ، ومع الاقتران يبطل العقدان لتدافعهما ، فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، فلهذا نسبه الى التحكم.

قال العلامة في المختلف : وليس ببعيد عندي من الصواب ان يجعل لها الخيار في إمضاء عقد أيهما كان إذا عقد كل واحد منهما قد قارن زوال ولايته ، لأنه

__________________

(٨٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧ من أبواب عقد النكاح ، حديث ٤.

٣٣

حالة عقد الآخر فبطلت هيئة عقد كل واحد منهما وهي (ونهى) (٨٦) اللزوم ، ويبقى كل واحد منهما كأنه فضولي في العقد ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وفيه نظر ، لأنهم قد حكموا ببطلان العقدين مع التقارن ، فتخصيص البطلان بالهيئة التي هي اللزوم دون بطلان أصل العقد تخصيص من غير مخصص.

فروع :

الأول : إذا تحقق سبق عقد أحد الوكيلين أو الوليين كالأب والجد له واشتبه ، فيه احتمالات ، أقواها انهما يؤمران بالطلاق ، بأن يقول كل واحد منهما : ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق ، ثمَّ ينكح من شاءت بعد ذلك ، فان امتنعا أو أحدهما من الطلاق لم يجبرا عليه ولا أحدهما ، للإجماع على عدم وقوع طلاق المكره ، ولا يقرع بينهما ، لأن القرعة امارة ضعيفة تفيد الظن ، فلا يباح بها الفروج المترتب عليها إلحاق النسب ، وتحريم المحارم ، وجواز النظر إليهن ، وما شاكل ذلك من الأمور المهمة المبنية على الاحتياط ، ولا يجب التربص الى حين التذكر لما في ذلك من الإضرار بالمرأة ، بل يفسخ الحاكم ان كان والا المرأة دفعا للضرر المنفي ، والا لزم تعطيلها ومنعها من حقوقها ، وذلك ضرر عظيم ، وهو منفي بقوله عليه‌السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (٨٧) ، ولا مهر مع الفسخ ، لأنه كفسخ العيب.

الثاني : لو اشتبه الحال ، فلم يعلم السبق ولا الاقتران ، فالعلامة في القواعد جعل حكمه كما لو علم سبق أحدهما واشتبه ، وقال الشيخ : مع الاشتباه يبطل العقد ، لأنه إن اقترنا بطلا (٨٨) ، وان ترتبا لم يمكن العلم به ولا بخصوصية السابق فيبطل ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأن العلم به غير مقدور لنا ، فلا يمكن

__________________

(٨٦) كذا في الأصل ، وليست في «م» و «ن».

(٨٧) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ٢١٢ حديث ٣ و ٤ و ٦ ، وكتاب الشفعة ، باب ٥ ، حديث ١.

(٨٨) «م» و «ن» : بطل.

٣٤

إمضاؤه ، وكل عقد تعذر إمضاؤه فهو باطل.

ومذهب العلامة أحوط لاحتمال ترتيبهما ، فيكون أحدهما صحيحا فلا يباح لها نكاح غيره بغير الطلاق أو الفسخ.

الثالث : لو ادعى كل منهما السبق وصدقت (٨٩) أحدهما احتمل ثبوت عقده ، لأنه ادعى عليها حقا فاعترفت به فيثبت ما ادعاه. ويحتمل العدم ، لأن الخصم هو الزوج الآخر فلا ينفذ تصديقها في حقه ودعواه ثابتة ، فعلى القول بعدم اعتبار تصديقها يكون الحكم كما في الفرع الأول ، وعلى القول باعتباره ، هل يسقط دعوى الآخر ، لأن الحق قد ثبت لغيره ، أو لا تسقط؟ والفائدة ثبوت مهر المثل للثاني لو اعترفت له على القول بضمان منفعة البضع بالتفويت ، وسيأتي تحقيقه في بابه إنشاء الله تعالى.

ولو نكلت عن اليمين فحلف ، فان قلنا : اليمين مع النكول كالبينة ، انتزعت من الأول الى الثاني ، لأن البينة أقوى من الإقرار ، وان قلنا : كالإقرار فهي للأول وتغرم للثاني.

قال رحمه‌الله : ولا ولاية للأم على الولد ، فلو زوجته فرضي لزمه العقد ، وان كره لزمها المهر ، وفيه تردد ، وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة ذمة الأم من المهر ، لأن عقدها فضولي كالأجنبي وكما (٩٠) لا يضمن الأجنبي مع عدم الرضا بعقده شيئا ، كذا لا تضمن الأم مع عدم الرضا بعقدها شيئا.

ومن رواية محمد بن مسلم (٩١) ، عن الباقر عليه‌السلام الدالة على لزوم المهر

__________________

(٨٩) «م» و «ن» : فصدقت.

(٩٠) «م» و «ن» : فكما.

(٩١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧ من أبواب عقد النكاح ، حديث ٣.

٣٥

للأم ، وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، والحمل على دعوى الوكالة ضعيف ، لأن الرواية خالية عن ذلك.

قال رحمه‌الله : إذا زوج الأجنبي امرأة ، فقال الزوج : زوّجك العاقد من غير إذنك ، فقالت : بل أذنت ، فالقول قولها مع يمينها على القولين ، لأنها تدعي الصحة.

أقول : المراد بالقولين القول بان عقد الفضولي يقف على الإجازة والقول بأنه يقع باطلا ، فعلى القولين يكون القول قولها.

فان قيل : أما على القول بوقوعه باطلا فقد يتصور لهذه الدعوى فائدة : وهي لو اعترفت له بما ادعاه أو نكلت فحلف بطل العقد ، أما على القول بوقوفه على الإجازة ، فلا يتصور للدعوى فائدة ، لأنها لو اعترفت بعدم الاذن ثمَّ اجازته لزم العقد ، فما الفائدة في قوله : (على القولين)؟

قلنا : الفائدة هنا ـ مع التصديق ـ انتفاء اللزوم ، (إذ لو صدقت) (٩٢) بما ادعاه لم يلزمه العقد حالة وقوعه ، وكان لها فسخه ، وربما رجا (٩٣) ذلك منها ، لأنه إذا قال : زوّجك العاقد بغير إذنك وأريد أن تفسخي العقد ، ربما أجابت الى ذلك ، فيتصور للدعوى فائدة ، وانما كان القول قولها على القولين ، لأن على أحدهما تدعي الصحة ، وعلى الآخر تدعي اللزوم فيقدم قولها ، لأن الأصل في العقد الصحة واللزوم.

__________________

(٩٢) في «م» و «ن».

(٩٣) «ن» : جاز.

٣٦

في أسباب التحريم

قال رحمه‌الله : فلو زنا فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب اليه شرعا ، وهل يحرم على الزاني والزانية؟ الوجه انه يحرم ، لأنه مخلوق من مائه ، فهو يسمى ولدا لغة.

أقول : أجمعت الإمامية على التحريم هنا ، إلا أنهم اختلفوا في وجهه ، قال الشيخ في الخلاف : دليلنا انه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة وهذه بنتها ، ثمَّ قال : وأيضا قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) (٩٤) وهذه بنته لغة وان لم يكن شرعا.

وابن إدريس جعل الوجه كفر ولد الزنا ، والكافر لا يجوز نكاحه للمسلم.

والمصنف والعلامة وغيرهما من المتأخرين جعلوا الوجه ثاني وجهي الشيخ رحمه‌الله ، وهو أنسب.

والمعتمد انه لا يثبت من توابع النسب غير تحريم النكاح فقط ، وما عداه فالحكم فيه كالأجانب.

__________________

(٩٤) النساء : ٢٣.

٣٧

قال رحمه‌الله : ولو احتمل ان يكون منهما استخرج بالقرعة على تردد ، أشبهه ان يكون للثاني.

أقول : إنما يحتمل ان يكون منهما إذا كان لستة أشهر من وطي الثاني ولغيره (٩٥) لعشرة ، فما (دون من وطي الأول ، فهنا) (٩٦) يحتمل ان يكون منهما ، وتردد المصنف بين القرعة وبين لحاقه بالثاني (٩٧) من عموم قوله عليه‌السلام : «الولد للفراش» (٩٨) والمراد به الوطي (المباح ، فهي فراش للثاني) (٩٩) حقيقة ، لأن الأول قد زال فراشه بالطلاق.

ومن احتمال الحاقه بكل (واحد منهما ، فاختصاص) (١٠٠) أحدهما دون الآخر من غير قرعة ترجيح من غير مرجح ، فلا بد من القرعة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره فخر الدين ، والأول اختيار المصنف والعلامة في القواعد.

__________________

(٩٥) ليست في «م» و «ن».

(٩٦) من «م» و «ن».

(٩٧) هنا زيادة في «م» و «ن» : (من غير قرعة ومنشأ التردد).

(٩٨) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٩ ، حديث ٣.

(٩٩) من «م» و «ن».

(١٠٠) ما بين القوسين من «م» و «ن».

٣٨

في الرضاع

قال رحمه‌الله : الأول : أن يكون اللبن عن نكاح ، فلو درّ لم ينشر ، وكذا لو كان عن زنا ، وفي نكاح الشبهة تردد ، أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح.

أقول : منشؤه من ان اللبن تابع للنسب ، ونكاح الشبهة يلحق به النسب بلا خلاف ، وقال عليه‌السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (١٠١) ، فيكون حكم لبن الشبهة حكم لبن النكاح الصحيح لتساويهما في التحاق النسب فيتساويان في حكم الرضاع.

ومن أصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.

والأول هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، والثاني مذهب ابن إدريس (فإنه قال : الشبهة لا تنشر حرمة ، ثمَّ بعد ذلك بلا فصل قوى التحريم ، ثمَّ قال : في ذلك نظر وتأمل ، وحاصله يرجع الى تردده فيه) (١٠٢).

قال رحمه‌الله : ولا حكم لما دون العشر إلا في رواية شاذة ، وهل يحرم

__________________

(١٠١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(١٠٢) ليس في «م» و «ن».

٣٩

بالعشر؟ فيه روايتان ، أصحهما : أنه لا يحرم ، وينشر الحرمة ان بلغ خمس عشرة رضعة ، أو رضع يوما وليلة.

أقول : يعتبر تقدير الرضاع المحرم بأمور ثلاثة :

أ ـ ما أنبت اللحم وشد العظم والمرجع فيه الى عرف أهل الخبرة.

ب ـ رضاع يوم وليلة بشرط ان لا يمنعه من الرضاع في اليوم والليلة مانع من مرض أو غيره ، ولا بد ان يحصل مسمى الارتضاع ، فاذا حصل ذلك نشر الحرمة من غير اعتبار عدد ولا اشتداد.

ج ـ العدد ، وقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال أربعة :

أ ـ ما يصدق عليه اسم الرضعة ـ وهو ملأه بطن الصبي ، إما بالمص أو بالوجر ـ محرم للنكاح ، وهو قول ابن الجنيد محتجا برواية علي بن مهزيار (١٠٣) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة ، وإليها أشار المصنف بقوله : (في رواية شاذة).

ب ـ ما رواه محمد بن بابويه : «انه لا يحرم الإرضاع خمسة عشر يوما» (١٠٤) ، وروي «انه لا يحرم الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» (١٠٥).

ج ـ حصول التحريم بعشر رضعات ، وهو قول المفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في كتابيه ، لأنه أحوط ، وعليه روايات (١٠٦) كثيرة ، وهو قول

__________________

(١٠٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١٠.

(١٠٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث ٥. راجع المقنع : ١١٠.

(١٠٥) المصدر المتقدم ، حديث ١٧ ، ومن لا يحضره الفقيه ٣ : ص ، حديث ١٣ ـ ١٤ (١٤٧٥ ـ ١٤٧٦).

(١٠٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث ١١ وغيره.

٤٠