وقال ابن البراج : يستعمل القرعة ، واستحسنه المصنف لما فيه من العدل والمعتمد الأول ، والثاني أفضل ، ومع عدم الوسط يجمع بين نجمين فالثاني والثالث وسط للأربعة ، والثالث والرابع وسط للستة ، وهكذا.
قال رحمهالله : إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة ، فإن برأ فقد لزم العتق والإبراء ، وإن مات خرج من الثلث ، وفيه قول آخر : إنه من أصل التركة.
أقول : هذا القول مبني على خروج منجزات المريض من الأصل ، وقد مضى البحث فيه (٥٨).
__________________
(٥٨) تقدم في الجزء الثاني ، كتاب الوصايا ص ٤٥١.
كتاب الاستيلاد
في الأحكام
قال رحمهالله : ولو أولد أمة غيره مملوكا ثمَّ ملكها لم تصر أم ولده ، ولو أولدها حرا ثمَّ ملكها ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، وفي رواية ابن مارد : لا تصير أم ولد.
أقول : إذا وطئ أمة الغير بشبهة أو بعقد فأولدها حرا ثمَّ ملكها بعد ذلك ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، لأن طريقة الاشتقاق تقتضيه ، فالضابط عنده اجتماع نسب الولد منه وحريته وملك أمه ، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة شروط صارت أم ولد ، والمعتمد عدم صيرورتها أم ولد الا مع علوقها منه في ملكه للأصل ، ولما رواه الشيخ في التهذيب يرفعه الى ابن مارد ، عن الصادق عليهالسلام : «في رجل يتزوج الأمة ويولدها ثمَّ يملكها ولم تلد عنده بعد ذلك؟ قال : هي أم ولد إن شاء باعها ، ما لم يحدث بعد ذلك حمل ، وإن شاء أعتق» (١).
قال رحمهالله : ولو وطأ المرهونة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد ، وكذا لو وطأ الذمي أمته فحملت منه ، ولو أسلمت بيعت عليه ، وقيل : يحال بينه
__________________
(١) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٤ من أبواب الاستيلاد ، حديث ١ ولم نجدها في التهذيب.
وبينها ، وتجعل على يد امرأة ثقة ، والأول أشبه.
أقول : البيع على الذمي مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في التحرير والشهيد في شرح الإرشاد ، لوجوب انتفاء سبيل الكافر على المؤمن ، وهو لا ينتفي إلا بالبيع.
وقال الشيخ في الخلاف : يحال بينه وبينها ، وتوضع على يد امرأة ثقة ، لعموم المنع (٢) من بيع أمهات الأولاد.
وقال العلامة في المختلف : تستسعى في قيمتها فإذا أدت عتقت للنهي عن بيع أمهات الأولاد ، وإبقاؤها في يد المولى لا يجوز ، وعتقها مجانا إضرارا على المولى ، وكذا الحيلولة بينه وبينها ، فيتعين السعي ، واختاره فخر الدين والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا مات مولاها وولدها حر جعلت في نصيب ولدها ، وعتقت عليه ، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها ، وسعت في الباقي ، وفي رواية : تقوم على ولدها إن كان موسرا ، وهي مهجورة.
أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بصير (٣) ، عن الصادق عليهالسلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط وابن الجنيد ، وهو بناء على أن من ملك بعض قريبه بغير اختياره هل يقوم عليه أم لا؟ وقد سبق البحث فيه (٤) ، والمشهور الاستسعاء وهو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا أوصى لأم ولده ، قيل : تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية ، وقيل : تنعتق من الوصية ، فإن فضل منها شيء عتق من نصيب ولدها ،
__________________
(٢) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٢ من أبواب الاستيلاد ، حديث ١.
(٣) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٥ من أبواب الاستيلاد ، حديث ٢.
والاستبصار ، كتاب العتق ، باب ٨ ، حديث ٤١.
(٤) ص ٣٧٩.
وهو أشبه.
أقول : قال الشيخ في النهاية تعتق من نصيب ولدها وتعطي الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من أمه فينعتق عليه وتعطي الوصية.
وقال ابن إدريس : تنعتق من الوصية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير وأبو العباس في باب الوصايا من المقتصر ، وهو المعتمد ، لأن الإرث متأخر عن الوصايا ، لقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (٥).
قال رحمهالله : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، وللمولى فكها وبكم يفكها؟ قيل : بأقل الأمرين من الجناية وقيمتها ، وقيل : بأرش الجناية ، وهو الأشبه ، وإن شاء رفعها إلى المجني عليه ، وفي رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : «جنايتها في حقوق الناس على سيدها» (٦).
أقول : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، لأنها مملوكة وجناية المملوك متعلقة برقبته ، فلو أراد المولى فكها في الخطأ كان ذلك اليه.
وبكم يفكها؟ قال الشيخ في المبسوط : بأقل الأمرين ، واختاره العلامة ، لأنه ان كانت الجناية أقل فلا يجب غيرها ، وإن كانت أكثر فلا يجب عليه غير قيمة الجاني ، وقال في الخلاف : يفكها بالأرش سواء زاد عن قيمتها أو نقص ، لأنه هو الذي تعلق برقبتها ، فاذا اختار المولى فكها كان الواجب فكها بما تعلق برقبتها ، واختاره المصنف. واختار الشهيد الأول وهو المعتمد ، ورواية مسمع (٧)
__________________
(٥) النساء : ١١ ـ ١٢.
(٦) الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب ١٤ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ، حديث ٢.
(٧) المتقدمة.
محمولة على أن للمولى الفداء.
وقال الشيخ في باب الديات من المبسوط : جناية أم الولد على سيدها بلا خلاف إلا أبو ثور جعلها في ذمتها تتبع به بعد العتق ، وقال في باب الاستيلاد من المبسوط ، أيضا : يتعلق أرش جنايتها برقبتها بلا خلاف.
قال رحمهالله : روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام في وليدة نصرانية أسلمت عند رجل ، وولدت منه غلاما ومات ، فأعتقت وتزوّجت نصرانيا وتنصرت وولدت ، فقال عليهالسلام : ولدها لابنها من سيدها ، وتحبس حتى تضع فإذا ولدت فاقتلها ، وفي النهاية : يفعل بها ما يفعل بالمرتدة ، والرواية شاذة.
أقول : رواية محمد بن قيس (٨) هذه مخالفة للأصول في شيئين ، لأنها تضمنت استرقاق الولد وهو حر ، والحر لا يجوز استرقاقه ، وتضمنت تحتم القتل على المرأة بالارتداد وهو ممنوع ، والمعتمد اطراح الرواية والحكم بحرية الولد ، وتحبس هي وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت.
__________________
(٨) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٨ من أبواب الاستيلاد ، حديث ١.
كتاب الإقرار
النظر الأول في الصيغة
قال رحمهالله : ولو قال : ان شهد لك فلان فهو صادق ، لزمه الإقرار في الحال ، لأنه إذا صدق وجب الحق وان لم يشهد.
أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، ونقلها المصنف والعلامة في كتبه كما قالها الشيخ ولم يترددوا (١) فيها ، ومنع الشهيد ذلك ، قال : لإمكان اعتقاد المخبر أن شهادته محال ، والمحال جاز ان يستلزم المحال ، ولأن الإقرار المعلق على شرط ممكن باطل.
وعلل المصنف لزوم الإقرار في الحال : لأنه إذا صدق وجب الحق وإن لم يشهد ، وبيانه : أن المقر قد اعترف بصدق الشاهد على تقدير الشهادة ، ويلزم من صدقه ثبوت المال في ذمة المقر ، وينعكس الى قولنا كلما لم يكن المال ثابتا في ذمة المقر لم يكن الشاهد صادقا ، وقد ثبت كونه صادقا بإقراره ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (٢) ، فيكون المال ثابتا في ذمته ، فيلزم به في الحال وان لم
__________________
(١) كذا.
(٢) الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب ٣ ، حديث ٢.
يشهد ، لأن الشهادة ليس لها تأثير في ثبوت الصدق ولا عدمه ، لأنه لو لا ثبوت الصدق عند المقر لما علقه على الشهادة ، إذ يستحيل أن تجعله الشهادة صادقا إذا كان غير صادق ، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق وقد حكم به ، وجب أن يلزم بالمال وإن لم يشهد الشاهد.
ووجه اختيار الشهيد أن تعليق الصدق على شهادته يوجب توقفه على الشهادة ، لأن المعلق على شرط متوقف على حصول ذلك الشرط ، والشهادة وإن كانت ممكنة في نفس الأمر فإنها قد تكون محالة بالنسبة إلى اعتقاد المخبر ، لأنه قد يعتقد عدم ثبوت المال في ذمته ويعتقد صدق الشاهد ، وأنه لم يشهد بغير الحق ويجزم بذلك.
ويلزم من هذا الاعتقاد عدم وقوع الشهادة من الشاهد الذي أشار إليه ، لاعتقاده صدقه وعدالته ، وعدم ثبوت المال في ذمته فلا يشهد عليه بما ليس في ذمته ، فتعليق الإقرار على شهادته لا يكون إقرارا ، وأيضا فإن الإقرار المعلق على شرط باطل باتفاقهم ، لأن الواجب لا يقبل التعليق وهذا معلق فيكون باطلا ، وهذا في غاية القوة الا انه مخالف لجمهور الأصحاب.
قال رحمهالله : إذا قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر ، لزمه الالف ، وكذا لو قال : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، ومنهم من فرّق ، وليس شيئا.
أقول : الفرق هو إن بدأ بالمال لزمه ولغت الضميمة ، وان بدأ بالشهر لم يلزمه شيء ، وهذا مذهب العلامة في التحرير ، أما اللزوم مع تقدم ذكر المال.فلأن قوله : علي ألف ، إقرار صحيح وقوله : إذا جاء رأس الشهر ، تعقيب له بما يبطله ، فيلزم الإقرار وتلغو الضميمة ، واما البطلان مع تقديم فلأن قوله : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، تعليق على الصفة ، والإقرار المعلق غير جائز.
والمصنف استضعف هذا الفرق ، إذ لا فرق بين تقديم حرف الشرط
وتأخيره ، فكما يلزم الإقرار مع تأخير الشرط ، كذا يلزم مع تقديمه.
والشهيد رحمهالله أطلق البطلان في الصورتين معا للتعليق ، ولعدم الفرق بين تقديم الشرط وتأخيره ، وجزم العلامة في القواعد والإرشاد بالصحة مع قصد التأجيل ، وبالبطلان مع قصد الشرط وهذا هو المعتمد ، فعلى هذا يستفسر ويقبل قوله بالقصد.
قال رحمهالله : ولو قال : كثيرا ، قال الشيخ رحمهالله : يكون ثمانين ، رجوعا في تفسير الكثرة إلى رواية النذر(٣) ، وربما خصها بعض بموضع الورود ، وهو حسن ، وكذا لو قال : عظيم جدا ، كان كقوله : عظيم ، وفيه تردد.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : إذا قال له عندي مال كثير ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يلزم ثمانون درهما ، وتبعه ابن البراج ، لأنه قد ثبت في عرف الشرع هذا المقدار في النذر فكذا في غيره ، والا لزم الاشتراك والأصل عدمه ، وقال ابن إدريس يرجع في تفسيره اليه ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن حمله على النذر قياس وهو باطل ، ولأنه مجهول فيرجع في تفسيره اليه وهو المعتمد.
الثانية : إذا قال له عندي مال عظيم جدا ، هل يقبل تفسيره بالقليل كما يقبل لو قال عظيم واقتصر؟ قال الشيخ وابن إدريس : يقبل ، واختاره العلامة والشهيد وهو المعتمد ، وتردد المصنف ، ومنشؤه من أن لفظة جدا موضوعة للمبالغة في الكثرة فلا يقبل تفسيره لها بأقل ما لا يمكن حمل الكثرة عليه ، ومن أن كل مال فهو عظيم جدا لعظم خطره (وهو كفر مستحله) (٤) والأصل براءة الذمة من الزائد على ما يفسره المقر.
__________________
(٣) الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب ٣ ، حديث (١ ، ٢ ، ٣ ، ٤).
(٤) ما بين القوسين ليس في «م» و «ر ١».
قال رحمهالله : لو قال له كذا درهم ، كان اليه تفسيره ، كما لو قال : شيء ، ولو فسره بالدرهم نصبا أو رفعا ، كان إقرارا بدرهم ، وقيل : إن نصب كان له عشرون ، ويمكن هذا مع الاطلاع على القصد ، وإن خفض احتمل بعض الدرهم ، واليه تفسير البعضية ، وقيل : يلزمه مائة مراعاة لتجنب الكسر ، ولست أدري من أين نشأ هذا الشرط.
أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا قال له على كذا درهم ، بالرفع لزمه درهم ، فان خفض لزمه مائة ، وإن نصب لزمه عشرون ، ووجهه : أن أقل عدد مفرد تفسيره بمفرد مجرور مائة ، وأقل عدد مفرد تفسيره بمفرد منصوب عشرون ، وقال ابن إدريس : يرجع بالتفسير إليه ، لأن كذا لفظ مفرد مبهم مجمل ، ولا يعلق على الذمم شيئا بلفظ مجمل ، لأصالة براءة الذمة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وهو المعتمد ، ويكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة ، لأن الجر يحصل بعد الجزء من الدرهم مثل نصف درهم وربع درهم وما شابه ذلك.
وقال العلامة في المختلف : ان كان المقر من أهل اللسان لزمه ما قاله الشيخ ، وإلا رجع الى تفسيره كما اختاره ابن إدريس ، واختاره المقداد في شرح المختصر وهو معارض بالبراءة الأصلية ، وكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة كما قلناه أولا ، فلا يخرج بذلك عن كونه (٥) من أهل اللسان.
قال رحمهالله : ولو قال : كذا كذا ، فان اقتصر فإليه التفسير ، وإن أتبعه بالدرهم نصبا أو رفعا ، لزمه درهم ، وقيل : إن نصب لزمه أحد عشر ، ولو قال : كذا وكذا درهما نصبا ، أو رفعا لزمه درهم ، وقيل : ان نصب لزمه أحد
__________________
(٥) في «ر ١» : من.
وعشرون ، والوجه الاقتصار على التعيين [اليقين] الا مع العلم بالقصد.
أقول : إذا كرر كذا (٦) بغير عطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد عشر درهما ، لأن أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما أحد عشر ، وعند ابن إدريس والمصنف والعلامة ومن تابعهم يلزمه درهم ، كأنه قال : شيء شيء ، وفي الجر يحتمل أنه أضاف الجزء الى جزء ثمَّ (٧) أضاف الأخر إلى الدرهم كنصف ربع درهم ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وهذا هو المعتمد.
وإذا كرر مع العطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد وعشرون ، وقال ابن إدريس. ومتابعوه : يلزمه درهم ، لأنه مجمل فيرجع الى تفسيره ، لأصالة براءة الذمة من الزائد وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، كان إقرارا ، ولو قال : نعم ، لم يكن إقرارا ، وفيه تردد من حيث يستعمل الأمران استعمالا ظاهرا.
أقول : منشأ التردد من تعارض العرف واللغة ، لأن أهل العرف لا يفرقون بين لفظي نعم وبلى في كونهما إقرارا ، لأن تقدير الكلام : نعم لك عندي ، والإقرار انما يحمل على مفهوم العرف دون دقائق العربية ، ومن حيث أن نعم في جواب السؤال تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ، فقوله : نعم ، أي ليس لك علي كذا وبلى تكذيب لما دخل عليه حرف الاستفهام ، لأن أصل بلى بل وهي للرد والاستدراك ، وقوله : بلى ، رد لقوله : أليس لي عليك كذا ، لأنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ، ونفي النفي إثبات ، قال تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى) (٨) ، فلو قالوا : نعم كفروا ، وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ
__________________
(٦) هذه الكلمة ليست في النسخ.
(٧) هذه الكلمة ليست في الأصل.
(٨) الأعراف : ١٧٢.
عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ) (٩) ، والمشهور عند (١٠) الأصحاب أن قوله (نعم) بعد الاستفهام ليس إقرارا ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة وابنه وأبو العباس في مقتصره ، وتردد المصنف في كتابه (١١).
واستقرب الشهيد في دروسه عدم الفرق بين بلى ونعم في كونهما إقرارا ، وربما قيل : بالتفصيل ، وهو إن كان المقر من أهل العربية لم يكن إقرارا ، والا كان إقرارا ، وهو غير بعيد من الصواب.
قال رحمهالله : الاستثناء من الجنس جائز ، ومن غير الجنس على تردد.
أقول : منشؤه من ان الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ ، وغير الجنس غير داخل في اللفظ فلا يخرج بالاستثناء ، ولان ثبوت الاستثناء في الإقرار على خلاف الأصل ، لما يتضمن من الإنكار بعد الإقرار ، فيقتصر على موضع الوفاق ، ومن أن استعمال الاستثناء من غير الجنس كاستعماله من الجنس ، وقد ورد ذلك في قوله تعالى وفي أشعار العرب ، أما قوله تعالى (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (١٢) ، (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (١٣) وأمثال ذلك ، وأما أشعار العرب فمثل قولهم :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
الا اليعافير والا العيس (١٤) |
وأمثال ذلك كثير ، وإذا ورد استعماله من غير الجنس كاستعماله من
__________________
(٩) القيامة : ٢ ، ٣.
(١٠) في «ر ١» : بين.
(١١) في «م» : كتابه.
(١٢) الشعراء : ٧٧.
(١٣) الواقعة : ٢٥ ، ٢٦.
(١٤) أوضح المسالك ، ج ٢ ، الشاهد رقم ٢٦١.
الجنس ، ثبت الجواز فيهما ، لثبوت الاستثناء في الإقرار وهو المعتمد ، لكن يجب أن يبقي شيئا بعد رفع قيمة المستثنى ، فلو لم يبق شيء ، قال ابن الجنيد : بطل الاستثناء ووجب ما أقرّ به أولا ، لأن الاستثناء باطل وإذا بطل بقي ما أقرّ به ، والمعتمد بطلان التفسير ويطالب بتفسير غيره ، بحيث يبقى بعد قيمة المخرج شيء.
قال رحمهالله : إذا قال : له عشرة إلا درهما ، كان إقرارا بتسعة ونفيا للدرهم ، ولو قال : الا درهم ، كان إقرارا بالعشرة.
أقول : الفرق بين النصب والرفع كون النصب على الاستثناء ، لأن الاستثناء من الموجب يوجب النصب ، فإلّا هنا حرف استثناء ، والرفع يكون على الوصف فلا يكون إلا حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها مرفوعا ، قال ابن إدريس : لأن المعنى غير درهم ، ومثله قول الشيخ في المبسوط.
قال رحمهالله : ولو قال : ما له عندي شيء إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، وكذا لو قال : ما له عشرة إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، ولو قال : إلا درهما ، لم يكن إقرارا بشيء.
أقول : الفرق بين الرفع والنصب هنا كون الرفع على البدل من العشرة ، فكأنه قال : ما له علي إلا درهم ، أبدل الدرهم من العشرة فيثبت عليه درهم ، وأما عدم لزوم شيء مع النصب ، فلأنه أدخل حرف النفي ، وهو (ما) على الجملة الموجبة المشتملة على الاستثناء ، وذلك ما له على عشرة إلا درهما ، فلما أدخل حرف النفي وهو (ما) على هذه الجملة يكون قد نفى ثبوت ذلك عن ذمته ، ومعناه أن هذا المقدار الذي هو عشرة إلا درهما ليس له علي ، فلهذا لم يلزمه شيء.
النظر الثاني في المقر
قال رحمهالله : ويقبل إقرار المفلس ، وهل يشارك المقر له الغرماء ، أو يأخذ حقه من الفاضل؟ فيه تردد.
أقول : منشؤه من تعلق حقوق الغرماء بأعيان ماله فلا يشارك المقر له ، بل يعطي من الفاضل عن الغرماء إن كان والا بقي في ذمة المقر ، ومن أن المقر له صار غريما فيشارك الغرماء ، في أعيان ماله ، وقد مضى البحث في هذه في باب المفلس (١٥).
والتحقيق : إن كان المفلس غير متهم في إقراره اختص المقر له بالعين ويشارك الغرماء في الدين ، وإن كان منهما وكان الإقرار بعين أوقفت ، فإن فضلت عن دين الغرماء أخذها المقر له ، وإن لم تفضل أخذها الغرماء وتبع المقر له المفلس في قيمتها ، وإن كان الإقرار بدين لم يشارك الغرماء مع التهمة ، فإن فضل عن الغرماء شيء أخذه المقر له والا بقي في ذمة المقر.
قال رحمهالله : ويقبل وصية ، المريض في الثلث وان لم يجز الورثة ، وكذا
__________________
(١٥) ج ٢ ص ١٦٣.
إقراره للوارث والأجنبي مع التهمة على أظهر القولين.
أقول : اختلف علماؤنا في إقرار المريض إذا مات في مرضه على أربعة أقوال :
الأول : أنه يمضي من الأصل مع عدالة المقر وانتفاء التهمة في إقراره ، ومن الثلث إن كان متهما ، سواء كان الإقرار لوارث أو لأجنبي ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج والمصنف هنا ، واختاره العلامة والشهيد ، ومستندهم الروايات الصحاح ، كرواية إسماعيل بن جابر (١٦) في الصحيح وصحيحة الحلبي (١٧) وصحيحة منصور بن حازم (١٨) ، عن الصادق عليهالسلام.
الثاني : قال المفيد : إقرار العاقل في مرضه للأجنبي والوارث سواء ، وهو ماض واجب لمن أقر له به ، وإذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة وأقر لقوم آخرين بدين مضافا الى ذلك ، كان إقراره ماضيا عليه ، وللقوم أن يحاصبوا (١٩) باقي الغرماء فيما تركه بعد وفاته ، وإذا كان عليه دين يحيط بما في يده فأقر بأنه وديعة لوارث أو غيره قبل إقراره إن كان عدلا مأمونا ، وإن كان متهما لم يقبل إقراره انتهى كلام المفيد رحمهالله.
ومضمونه قبول الإقرار بالدين ، ووجوبه لمن أقر له به سواء كان وارثا أو غير وارث ، وسواء كان هناك دين أو لم يكن ، وسواء كان متهما أو غير متهم ، وهو قول سلار وابن إدريس ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (٢٠) ، ولم
__________________
(١٦) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٦ من أبواب أحكام الوصايا ، حديث ٣.
(١٧) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٦ من أبواب أحكام الوصايا ، حديث ٥ ـ ٧.
(١٨) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٦ من أبواب أحكام الوصايا ، حديث ١ وكتاب الإقرار ، باب ١ ، حديث ١.
(١٩) من النسخ وفي الأصل غير واضح وكأنها : يحاسبوا.
(٢٠) الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب ٣ ، حديث ٢.