غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

قلت : قوله (فهنا شرط سبق الوطي وليس بشرط في طلاق العدة) ممنوع ، بل هو شرط في طلاق العدة ، فلا يتصور بدونه ، لأنه (٩٦) طلاق العدة وهو الذي يراجع بعده في العدة ويطأ ، فإذا لم يسبق الطلاق وطي فلا يكون طلاق العدة ، فثبت أن سبق الوطي على الطلاق شرط في طلاق العدة ، كما أن الرجوع في العدة والوطي بعده شرط فيه ، فلا يرد على الجامع بين الروايات اعتراض فخر الدين ، وإنما يرد عليه ما قلناه نحن والله الموفق للصواب ، وقد بينا حجة الجامع ، وهي الفرار من التناقض.

قال رحمه‌الله : وكذا لو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول ، فيه روايتان أيضا ، لكن هنا الأولى ، تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطي.

أقول : أما رواية الجواز فهي رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام ، «قال : قلت له : رجل طلق امرأته ثمَّ بدا له فراجعها بشهود ثمَّ طلقها ثمَّ راجعها بشهود ثمَّ طلقها بشهود ، أتبين؟ قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد؟ قال : تبين منه» (٩٧) ، وأما رواية المنع فرواية عبد الرحمن بن الحجاج ، «قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يطلق امرأته له أن يراجعها؟ قال : لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها» (٩٨) ، وعمل الأصحاب على الأولى لاعتضادها بعموم القرآن (٩٩) ، ويكون هذا الطلاق طلاق السنة بالمعنى الأعم لا

__________________

(٩٦) في النسخ : لأن.

(٩٧) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٥ مع اختلاف يسير.

(٩٨) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٧ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٢ مع اختلاف يسير أيضا.

(٩٩) البقرة : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

٢٢١

بالمعنى الأخص.

قوله رحمه‌الله : (لكن هنا الأولى تفريق الطلاق على الأطهار) ، أي إذا لم تحصل (المواقعة بعد) (١٠٠) المراجعة فالأولى تفريق الطلاق على الاطهار هو (١٠١) ان لا يوقع الطلاق في طهر واحد ، بل إذا راجعها ولم يطأها تركها حتى تحيض وتطهر ثمَّ يطلقها كما في المسألة السابقة ، وليس هذه الأولوية مانعة من النقيض ، لوقوع الاختلاف مع تفريق الطلاق على الأطهار ، إذا لم يحصل الوطي بينها (١٠٢) كما تقرر في المسألة الأولى ، بل هذا أولى من إيقاعه في طهر واحد ، وعمل الطائفة الآن على الجواز.

__________________

(١٠٠) ما بين القوسين ليس في نسخة بدل في الأصل ، وما أثبتناه موافق لنسخة الأصل الأخرى وباقي النسخ.

(١٠١) كذا

(١٠٢) «ن» : (منهما) وفي «ر ١» : بينهما.

٢٢٢

في طلاق المريض

قال رحمه‌الله : ولو قال طلقت في الصحة ثلاثا (١٠٣) قبل منه ولم ترثه والوجه انه لا يقبل بالنسبة إليها.

أقول : إذا أقر المريض أنه طلق زوجته في حال الصحة ثلاثة (١٠٤) قبل منه ، لأنه إقرار بما له أن يفعله فيكون مقبولا ، وهل ترثه؟ يحتمل العدم ، لأن قبول إقراره يقتضي عدم الإرث ، ويحتمل أنها ترثه ، لأن إقراره إنما يقبل بالنسبة إليه بمعنى تحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره (ولا يقبل بالنسبة إليها بمعنى أنها ترثه إن مات في ذلك المرض ما لم تصدقه ، لأن إقرار الغير على غيره غير جائز) (١٠٥) ، (اما بالنسبة إليها فإقراره غير جائز) (١٠٦) ، ولو كان الإقرار في حال الصحة بانت منه قطعا.

قال رحمه‌الله : وهل التوريث لمكان التهمة؟ قيل : نعم ، والوجه تعلق

__________________

(١٠٣) هذه الكلمة ليست في «م».

(١٠٤) هذه الكلمة أيضا ليست في «م».

(١٠٥) ما بين القوسين ساقط في نسخة بدل من الأصل.

(١٠٦) ما بين القوسين ليس في النسخ.

٢٢٣

الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار التهمة.

أقول : اختار الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم اعتبار التهمة وأوجب الإرث مطلقا ، سواء كان متهما أو لم يكن ، واختاره ابن إدريس والمصنف لعموم الأخبار (١٠٧) الواردة بتوريث المريض إلى سنة ما لم تتزوج (١٠٨) أو يبرأ من مرضه ، وقال في الإستبصار : إنما ترثه بعد انقضاء العدة إذا طلقها للإضرار بها ، لما رواه زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض؟ قال : ترثه ما دامت في عدتها ، وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فان زاد على السنة يوم واحد لم ترثه» (١٠٩) ، وروى محمد بن القاسم الهاشمي ، «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان منهن في مرض الزوج وإن مات ، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه» (١١٠) وهذا هو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإرث بعد البينونة فيقف فيه على موضع الوفاق ، وهو إذا لم ترض بالطلاق بل وقع بغير رضاها.

قال رحمه‌الله : وفي ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد ، أشبهه أنه لا ارث ، وكذا لو خالعته أو بارأته.

أقول : هذا التردد مبني على اعتبار التهمة وعدمها ، فان قلنا إنها تعتبر في استحقاق الإرث انتفى هنا قطعا ، لتحقق انتفاء التهمة ، وإن قلنا بعدم اعتبارها احتمل الإرث هنا للعموم (١١١) ، ويحتمل عدمه لتصريح الرواية (١١٢) بسقوط إرث

__________________

(١٠٧) الوسائل ، كتاب المواريث ، باب ١٤ من أبواب ميراث الأزواج.

(١٠٨) في «ر ١» : يزوج.

(١٠٩) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٢ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٤.

(١١٠) الوسائل ، كتاب المواريث ، باب ١٥ من أبواب ميراث الأزواج ، حديث ١.

(١١١) الوسائل ، كتاب المواريث ، باب ١٤ من أبواب ميراث الأزواج ، حديث ١.

(١١٢) لاحظ رواية محمد بن القاسم الهاشمي المتقدمة في المسألة السابقة.

٢٢٤

المختلعة والمبارأة والمستأمرة.

ويكون الفرق بين المسألة الأولى وهذه : أنه إن طلق بغير إذنها فإنها ترثه وإن لم يحصل قرينة دالة على التهمة ، أما إذا سألته الطلاق فقد رضيت بإسقاط حقها فلا ترثه ، فهذا فرق بينهما ولهذا اختلف اختيار المصنف فيهما ، اختار في الأولى الإرث للعموم (١١٣) ، وفي الثانية عدمه لرضاها بإسقاط حقها ، ويترتب على اعتبار التهمة وعدمه ما ذكره المصنف من توريث الأمة إذا أعتقت بعد الطلاق ، ثمَّ مات بعد خروج العدة ، وتوريث الكتابية إذا أسلمت بعد الطلاق ، وحصل الموت بعد العدة ، والمعتمد عدم الإرث.

__________________

(١١٣) لاحظ العموم المقدم في هذه المسألة.

٢٢٥
٢٢٦

في ما يزول به تحريم الثلاث

قال رحمه‌الله : وفي المراهق تردد أشبهه انه لا يحلل.

أقول : يشترط في المحلل كونه بالغا ، وهل يحلل المراهق الذي يقارب البلوغ؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من عموم قوله تعالى (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١١٤) ، ولا شك أن المراهق زوج قادر على الوطي فيدخل ، وهو مذهب ابن البراج (١١٥) ، والشيخ في المبسوط والخلاف ، ومن أن غير البالغ لا يلحقه شي‌ء من أحكام المكلفين ، ولأن الأصل بقاء التحريم حتى يتحقق الرافع له ، ولقوله عليه‌السلام : «حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها» (١١٦) والعسيلة لذة الجماع ، وهي لا تحصل من غير البالغ وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما أنه يهدم.

__________________

(١١٤) البقرة : ٢٣٠.

(١١٥) في النسخ : ابن الجنيد.

(١١٦) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٤ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ١٣.

٢٢٧

أقول : رواية الهدم هي رواية رفاعة بن موسى النخاس (١١٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ويؤيدها قول علي عليه‌السلام لعمر لما قضى أنها تبني (١١٨) على ما بقي من الطلاق : «سبحان الله أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة؟» (١١٩) ، وهذه الرواية أشهر ، وعليها عمل أكثر الأصحاب ، والأخرى رواية الحلبي (١٢٠) عن الصادق عليه‌السلام ، وهي متروكة ، ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا العمل بها.

قال رحمه‌الله : لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا في تلك المدة ، قيل : يقبل ، لأن في جملة ذلك ما لا يعلم الا منها كالوطي ، وفي رواية إذا كانت ثقة صدقت.

أقول : المشهور قبول قولها مع إمكان الصدق ، سواء كانت ثقة أو لم تكن ، لتعذر إقامة البينة (في كل مكان وزمان ، ولأن من شرط التحليل الوطي ، وهو لا يعلم الا بقولها لتعذر إقامة البينة) (١٢١) عليه ، وهو مذهب العلامة ، ولم يجزم به المصنف لمخالفته للأصل ، لأن الأصل بقاء التحريم ما لم يعلم الرافع له ، وأما الرواية المشار إليها ، وهي رواية الحسين بن سعيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه وأراد مراجعتها ، فقال لها : إني أريد أن أراجعك فتزوجي زوجا غيري ، فقالت : قد تزوجت وحللت لك ،  أفيصدقها ويراجعها كيف يصنع؟ قال : إذا كانت ثقة صدقت في دعواها» (١٢٢).

قال رحمه‌الله : إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول ،

__________________

(١١٧) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٦ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ١.

(١١٨) في النسخ : تبقى.

(١١٩) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٦ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٣.

(١٢٠) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٦ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٦.

(١٢١) ما بين القوسين ليس في «ر ١».

(١٢٢) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١١ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ١.

٢٢٨

وإن كذبها ، قيل : يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل ، ولو قيل : يعمل بقولها على كل حال كان حسنا ، لتعذر إقامة البينة لما تدعيه.

أقول : الأول اختيار الشيخ في المبسوط ، لأن الظن مناط الأحكام الشرعية ، والمعتمد قبول قولها مطلقا ، لأنها تصدق في شرطه ، وهو انقضاء العدة ، فتصدق في سببه ، ولتعذر إقامة البينة عليه ، فلو لم يقبل قولها لزم الحرج ، لاحتمال موت الزوج (أو عناده) (١٢٣) فيتعذر العلم به فيلزم الحرج ، وهو ظاهر المصنف واختاره العلامة وابنه.

فرع :

لو ادعت المرأة ان زوجها طلقها وانقضت العدة جاز العقد عليها ، ولا يجب مطالبتها بالبينة ولا بخط الطلاق ، لأن الخط لا يعمل عليه ، وإقامة البينة في كل مكان وزمان متعذر ، فلو لم يقبل قولها إلا ببينة لزم تعطيلها دائما ، وهو ضرر عظيم ، وقال عليه‌السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (١٢٤) فلو جاء الزوج الأول وادعى عدم الطلاق انتزعها من الثاني ما لم تقم البينة بالطلاق.

__________________

(١٢٣) في «ن» بدل ما بين القوسين : لو أعاده.

(١٢٤) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٤ من أبواب أقسام الطلاق ، وأحكامه ، حديث ١٣ وفي «ن» بدل (ولا إضرار) : (ولا ضرار في الإسلام).

٢٢٩
٢٣٠

في الرجعة

قال رحمه‌الله : ولو قال راجعتك إذا شئت أو ان شئت لم يقع ولو قالت شئت وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الطلاق ما لم تتحقق الرجعة ، وهي لا تتحقق إذا كانت معلقة على شرط ، وان وجد فكما (١٢٥) أن النكاح والطلاق لا يقبل التعليق على شرط ، كذلك الرجعة ، وهو مذهب الشيخ ، وجزم به العلامة في القواعد ، ومن الدلالة على (الالتزام بالنكاح) (١٢٦) عند حصول الشرط ، وقد حصل فيصح الرجعة ، لأنها تحصل بجميع ما يدل على التمسك بالنكاح من الأقوال والأفعال ، وهي (١٢٧) ليست كالنكاح والطلاق ، لعدم ثبوتهما (١٢٨) بغير الألفاظ المخصوصة لهما (١٢٩).

__________________

(١٢٥) من النسخ ، وفي الأصل : وكما.

(١٢٦) في «ر ١» : النكاح بالالتزام.

(١٢٧) في النسخ : فهي.

(١٢٨) في «م» : ثبوتها.

(١٢٩) في «م» : لها.

٢٣١

قال رحمه‌الله : ولو طلقها رجعية فارتدت فراجع لم يصح ، كما لا يصح ابتداء الزوجية ، وفيه تردد ، ينشأ من كون الرجعية زوجة ، [ولو أسلمت بعد ذلك استأنفت الرجعة إن شاء ، ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا ثمَّ راجعها في العدة ، قيل : لا يجوز ، لأن الرجعة كالعقد المستأنف ، والوجه الجواز ، لأنها لم تخرج عن زوجيته ، فهي كالمستدامة] (١٣٠).

أقول : ينشأ من أن الرجعية زوجة ، والرجعة استدامة للنكاح السابق والردة لا تنافي الاستدامة (في العدة) (١٣١) ، ومن أنه بالطلاق زال عقد النكاح والمرتدة لا يصح ابتداء النكاح عليها ، فلا تصح مراجعتها ، والمعتمد صحة المراجعة فإن أسلمت في العدة والا بطلت ، وهو اختيار فخر الدين.

(قوله «ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا الى آخره» البحث في هذه كالسابقة ، ويزيد هنا أن الذمية لا يحرم استدامة نكاحها ، فاذا لم يجعل الطلاق مزيلا للنكاح الأول رأسا جازت الرجعة بخلاف المرتدة لتحريم نكاحها) (١٣٢).

قال رحمه‌الله : ورجعة الأخرس بالإشارة الدالة على المراجعة ، وقيل : بأخذ القناع عن رأسها ، وهو شاذ.

أقول : القائل ابنا بابويه فعندهما أن طلاق الأخرس بإلقاء القناع على رأسها ورجعته بأخذه عن رأسها ، لرواية السكوني (١٣٣) ، وقد سبقت في طلاق الأخرس (١٣٤) ، والمشهور أن طلاقه ورجعته بالإشارة الدالة ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته فأنكر

__________________

(١٣٠) ما بين القوسين زيادة اقتضاها بحث المصنف.

(١٣١) ما بين القوسين ليس في «ر ١».

(١٣٢) ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل هو في هامش الأصل.

(١٣٣) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب مقدماته وشروطه ، حديث ٣.

(١٣٤) ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٢٣٢

المولى وادعى خروجها ، قبل الرجعة فالقول قول الزوج ، وقيل : لا يكلف اليمين لتعلق حق النكاح بالزوجين ، وفيه تردد.

أقول : التردد في توجه اليمين على الزوج ، ومنشؤه من تعلق حق النكاح بالزوجين كما قاله المصنف ، وقد تصادقا على الرجعة فلا يمين ، ومن أن المولى يدعي عود البضع إليه بانقضاء العدة ، والزوج ينكر ذلك فيكون عليه اليمين ، لعموم قوله عليه‌السلام : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (١٣٥) ، واختاره العلامة وفخر الدين في شرح القواعد وهو المعتمد.

فرع : لو تزوجها في العدة الرجعية بطل العقد ، لأنها زوجة ، وهل يكون رجعة؟ فيه إشكال من بطلانه شرعا ، فلا يترتب عليه أثر ، ومن دلالته على التمليك (١٣٦) بها ، وقواه الشيخ وفخر الدين وهو المعتمد ، لأن الرجعة تحصل بكل قول أو فعل يدل على التمسك ، والعقد عليها من هذا القبيل.

__________________

(١٣٥) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث ٣.

والمستدرك : كتاب القضاء ، باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث ٤ و ٥.

(١٣٦) في النسخ : (التمسك بها).

٢٣٣
٢٣٤

في العدد

قال رحمه‌الله : ولا تجب العدة بالخلوة منفردة عن الوطي على الأشهر ، ولو خلا ثمَّ اختلفا في الإصابة فالقول قوله مع يمينه.

أقول : الدخول الموجب للعدة هو الدخول الموجب لتقرير المهر وقد سبق البحث فيه في باب الصداق (١٣٧) ، وعلى القول بأن القول قول الرجل إذا أنكر الإصابة وادعتها ، فإن العدة لازمة لها ، لاعتراضها بما يوجبها عليها ، ولا يلزم من عدم (١٣٨) قبول دعواها في حق الزوج بوجوب المهر ، عدم وجوب العدة عليها ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

قال رحمه‌الله : في ذات الأقراء ، وهي المستقيمة الحيض وهذه تعتد بثلاثة أقراء ، وهي الأطهار على أشهر الروايتين.

أقول : المستقيمة الحيض هي التي في سن من تحيض ، ولها عادة مستقرة ، وهذه قد اتفق الفقهاء على ان عدتها من الطلاق ثلاثة أقراء ، لقوله تعالى :

__________________

(١٣٧) ص ١٤٥.

(١٣٨) هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.

٢٣٥

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١٣٩) واختلفوا في تفسير القروء ، وهل هو الطهر أو الحيض؟ ذهب بعضهم إلى أنه الحيض ، وذهب بعضهم إلى أنه الطهر ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وبالطرفين روايات (١٤٠).

قال رحمه‌الله : وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ولكن الأخيرة ليست من العدة ، وانما هي دلالة على الخروج منها ، وقال الشيخ رحمه‌الله : هي من العدة ، لأن الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها ، والأول أحق.

أقول : انما كان أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، لأنه لا يتصور أقل من ذلك ، لأنه أقل الإمكان بأن يبقى الطهر بعد الطلاق لحظة ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة أيام ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة ، ثمَّ ترى لحظه وهل هذه اللحظة من العدة؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، ووجهه ما ذكره المصنف ، وقال ابن إدريس : ليست من العدة ، لأنها غير داخلة فيها ، لأن العدة هي الأطهار ، وقد انقضى لها ثلاثة ، وأختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو راجعها في تلك اللحظة صحت الرجعة عند الشيخ ، وبطلت عند ابن إدريس.

الثاني : لو تزوجت فيها ، صح النكاح عند ابن إدريس ، وبطل عند الشيخ.

الثالث : لو مات أحدهما فيها ورثه الآخر عند الشيخ ، ولم يرثه عند ابن إدريس.

قال رحمه‌الله : وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان أحدهما : أنهما تعتدان

__________________

(١٣٩) البقرة : ٢٢٣.

(١٤٠) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٤ من أبواب العدد.

٢٣٦

بثلاثة أشهر ، والأخرى لا عدة عليهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم وجوب العدة عليهما مذهب ابني بابويه وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن العدة إنما شرعت لاستعلام فراغ الرحم من الحمل غالبا ، وهذه الحكمة منتفية عنهما ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : ثلاثة يتزوجن على كل حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : التي لها أقل من تسع سنين والتي لم يدخل بها والتي يئست من الحيض ، قلت : وما حدها إذا كان لها خمسون سنة» (١٤١) ، ومثلها رواية زرارة (١٤٢) عن الصادق عليه‌السلام ، وكذلك رواية محمد بن مسلم (١٤٣) عن الباقر عليه‌السلام ، وأوجب السيد المرتضى عليها العدة ثلاثة أشهر ، لقوله تعالى (وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (١٤٤) ، قال : وهذا صريح في أن اليائسات من المحيض واللائي لم يبلغن ، عدتهن الأشهر ، ولما رواه أبي بصير ، «قال عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر» (١٤٥) ، وأجيب عن الآية بأنها مشترطة بالريبة ، وعن الرواية بضعف السند ، لأن في طريقها سماعة وابن جبلة وعلي بن أبي حمزة وكلهم منحرفون عن الحق ، وهي غير مسندة الى الامام.

قال رحمه‌الله : وحد اليأس أن تبلغ خمسين سنة ، وقيل : في القرشية والنبطية : ستين سنة.

__________________

(١٤١) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢ من أبواب العدد ، حديث ٤ مع اختلاف يسير.

(١٤٢) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣ من أبواب العدد ، حديث ٣.

(١٤٣) المصدر المتقدم ، حديث ١.

(١٤٤) الطلاق : ٤.

(١٤٥) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢ من أبواب العدد ، حديث ٦.

٢٣٧

أقول : في حد اليأس ثلاثة أقوال :

الأول : خمسين سنة مطلقا (وهو قول الشيخ في النهاية واختاره المصنف) (١٤٦).

الثاني : ستين مطلقا ، وهو قول العلامة في منتهى المطلب ، ورجحه في المختلف.

الثالث : التفصيل ، رواه ابن بابويه في كتابه (١٤٧) ، واختاره العلامة في أكثر كتبه.

ومستند الجميع الروايات (١٤٨) ، وقريش هو النضر بن كنانة ، فمن انتسب اليه فهو قرشي ، والنبط قيل : إنهم قوم يسكنون البطائح بين العراقين البصرة والكوفة ، وقيل : إنهم عرب استعجموا أو عجم استعربوا.

قال رحمه‌الله : اما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة ، صبرت تسعة أشهر ، لاحتمال الحمل ، ثمَّ أعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وهي أطول عدة ، وفي رواية عمار تصبر سنة ، ثمَّ تعتد بثلاثة أشهر ، ونزلها الشيخ في النهاية على احتباس الدم الثالث ، وهو تحكم.

أقول : المرأة التي لا (١٤٩) تحيض ومثلها تحيض تعتد بثلاثة أشهر إجماعا ، وهي المسترابة ، وهذه تراعي الشهور والحيض ، فأيهما سبق خرجت به ، وقد تبتدى العدة بالأشهر ثمَّ تصير من ذوات الأقراء ، كما لو طلقها بعد بلوغ تسع سنين وقبل رؤية الحيض ، فإنه إذا جاءها الدم قبل انقضاء ثلاثة أشهر ولو بيوم بطل الاعتداد بالأشهر ، واحتسبت الماضي قراء وافتقرت الى قرئين آخرين.

__________________

(١٤٦) في الأصل بدل ما بين القوسين قوله : (وقيل في القرشية والنبطية : ستين).

(١٤٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣١ ، حديث ٩ وغيره.

(١٤٨) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٢.

(١٤٩) هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

٢٣٨

وقد ينعكس بأن تبتدئ العدة بالحيض ، ثمَّ تصير من ذوات الشهور ، كما لو رأت قرءا أو قرائن ثمَّ بلغت اليأس ، فهذه تعويض عن كل قرء يبقى بشهر.

وان انقطع الدم لعارض فلا يخلو إما أن يكون معلوما كالحمل والرضاع ، أو غير معلوم ، فان كان معلوما انتظرت الأقراء ، ولا يجوز لها الاعتداد الا بها وإن طالت مدتها ، لأن انقطاع الدم هنا لعارض معلوم الزوال ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

وان كان غير معلوم فهي مسألة الكتاب المبحوث عنها ، وهذه تصير أقصى مدة الحمل ، فان ظهر فيها حمل أعتدت بوضعه ، وإن لم يظهر حمل دل على براءة الرحم وأعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، لأن التربص السابق لم يكن عدة ، وانما اعتبر ليعلم أنها ليست من ذوات الأقراء ، فإذا علم ذلك بمضي مدة الحمل ، ولم يكن حمل ولا رضاع ولا بلغت اليأس ، تحققت الريبة ، فعليها الاعتداد بالأشهر.

والرواية المشار إليها رواية عمار الساباطي ، «قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض في كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ قال أمر هذه شديد ، هذه تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة من غير جماع بشهود ، ثمَّ يتركها حتى تحيض ثلاث حيضات ، متى ما حاضتها انقضت عدتها ، قلت : فان مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيضات؟ قال : تتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثمَّ قد انقضت عدتها. قلت : فان ماتت أو مات زوجها؟ قال : فأيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهر» (١٥٠).

وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية إن كان المحتبس هو الدم الثالث.

قال المصنف : وهو تحكم ، لأن الرواية وردت غير مقيدة بالثالث ، فمن

__________________

(١٥٠) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٣ من أبواب العدد ، حديث ١.

٢٣٩

قيدها به افتقر الى الدليل وليس ، فالتقييد مع عدم الدليل الموجب له يكون تحكما.

فرع :

إذا أعتدت بثلاثة أشهر بعد مدة التربص ، فان مضت ثلاثة لم تر فيها دما انقضت عدتها وحلت لها الأزواج ، وإن رأت فيها دما بطل اعتدادها بالأشهر ، لأنا تبينا أنها من ذوات الأقراء فيلزمها الاعتداد بها وإن طالت مدتها.

وهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخللة بين الطلاق وغاية التربص؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، وذلك لأن مدة التربص ليست من العدة فلا عبرة بها ، ونقل أبو العباس عن الشهيد قولا : إنها تبني على ما بعد الطلاق فيكفيها تمام الثلاثة (١٥١) أقراء وهو قوي ، لأنها لما رأت الدم بعد انقطاعه تبينا أنها من ذوات الأقراء وذوات الأقراء عدتهن ثلاثة أقراء من حين الطلاق لا أزيد من ذلك ، أما لو رأت الدم الثالث قبل مضي مدة التربص ولو بيوم انقضت عدتها إجماعا ، ولو رأته بعد مدة التربص ولو بيوم كان فيه الاحتمالان.

قال رحمه‌الله : ومتى طلقت في أول الهلال أعتدت بثلاثة أشهر أهلة ، ولو طلقت في أثنائه أعتدت بهلالين ، وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ، وقيل : تكمل ثلاثين وهو أشبه.

أقول : إنما يتصور الطلاق في أول الشهر إذا قارن آخر جزء من الطلاق أول جزء من الشهر ، فلو تأخر عن ذلك ولو بساعة حصل الانكسار ، ولا يظن ظان أنه إذا طلقها في أول يوم من الشهر كان ذلك أول الشهر ، واكتفت بثلاثة أشهر أهلة وتبين برؤية الرابع ، لأن ذلك ليس مرادا إجماعا ، لأن الشهر هو ما بين الهلالين من الأيام والليالي ، فإذا وقع الطلاق بعد مضي جزء مما بين الهلالين

__________________

(١٥١) في النسخ : ثلاثة.

٢٤٠