في الأركان
قال رحمهالله : ولا يصح من دون الأجل على الأشبه.
أقول : اشتراط الأجل في الكتابة مذهب الشيخ وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وفي موضع (١) من القواعد وفخر الدين والشهيد ، لأن ما في يد العبد لمولاه فلا تصح المعاملة عليه ، وانما يقع على المتوقع حصوله بالكسب (٢) ، فلا بد من الأجل حذرا من جهالة وقت الحصول.
وابن إدريس لم يشترط الأجل وجوزها حاله واختاره العلامة في موضع من القواعد وفي التحرير ، لأصالة عدم الاشتراط ، وعموم قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٣).
قال رحمهالله : وهل يفتقر الى قوله : فإذا أديت فأنت حر ، مع نية ذلك ، قيل : نعم ، وقيل : تكفي النية مع العقد ، فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة أو
__________________
(١) في «ن» : مواضع.
(٢) في «م» و «ن» : بالتكسب ، وفي «ر ١» : في الكسب.
(٣) النور : ٣٣.
أغفلها ، وهو أشبه.
أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، ففي المبسوط لم يشترط قوله في العقد : فإذا أديت فأنت حر ، واشتراط ذلك في الخلاف ، واختار المصنف والعلامة مذهب المبسوط ، لأن الكتابة عقد مشروع بالنص والإجماع ، وغايتها تحرير العبد عند أداء المال ، فلا يفتقر الى ذكر الغاية في العقد ، كما لا يفتقر الى (٤) ذكرها في غير الكتابة كالبيع والإجارة وغير ذلك.
وفخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد رجحا مذهب الخلاف ، لأن لفظ الكتابة مشترك بين المراسلات والكتابة الشرعية ، وهي أعم ، ولا دلالة للعام على الخاص.
قال رحمهالله : وحد العجز أن يؤخر نجما الى نجم ، أو يعلم من حاله العجز عن فك نفسه ، وقيل : أن يؤخر نجما عن محله ، وهو مروي.
أقول : اختلف الأصحاب في حد العجز بالمبيع (٥) للفسخ في المشروط (٦) ، قال المفيد والشيخ في الاستبصار وابن إدريس : حدّه أن يؤخر النجم عن محله ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف والإرشاد وفخر الدين وأبو العباس ، لصحيحة معاوية بن وهب (٧) وقال الشيخ في النهاية : وحدّه أن يؤخر نجما الى نجم أو يعلم من حاله العجز ، ومعناه انه ليس للسيد أن يعجزه بنفس تأخر النجم عن محله ، بل يجب الصبر الى أن يحل نجم آخر الا أن يعلم من حاله العجز علما عاديا ، فلا يجب الصبر حينئذ ، وبه قال ابن البراج ، وهو ظاهر المصنف هنا
__________________
(٤) ليست في الأصل.
(٥) في الأصل : بالبيع.
(٦) في النسخ : المشروطة.
(٧) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٥ من أبواب المكاتبة ، حديث ١ و ٢.
والعلامة في القواعد والتحرير ، والمستند رواية إسحاق بن عمار (٨) ، عن الصادق عليهالسلام ، وقال محمد بن بابويه : حدّه التأخير إلى ثلاثة أنجم.
قال رحمهالله : والكتابة عقد لازم ، مطلقة كانت أو مشروطة ، وقيل : إن كانت مشروطة فهي جائزة من جهة العبد ، لأن له أن يعجز نفسه ، والأول أشبه.
أقول : البحث هنا في موضعين :
الأول : هل هي لازمة أو جائزة؟ وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال : الأول : قول الشيخ وهو لزومها من جهة السيد (٩) (وجوازها من جهة العبد) (١٠) ، ولم يقيد بالمشروطة ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم (١١) على أن المكاتب متى عجز كان للمولى رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة ، وهذا الاستدلال يدل على أن المراد المشروطة ، وصرح ابن إدريس بلزوم المطلقة من الطرفين ، وجواز المشروطة من طرف العبد ، وهو موافق لقول الشيخ.
الثاني : قول ابن حمزة ، وهو جواز المشروطة من الطرفين ، ولزوم المطلقة من جهة السيد ، وجوازها من جهة العبد.
الثالث : لزومها مطلقا ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ، وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، واختاره العلامة وابنه وهو المعتمد ، لأن عقد الكتابة اقتضى وجوب السعي على العبد ، فليس له تركه مع القدرة عليه.
الثاني : في معنى الجواز ، وفسره الشيخ في الخلاف بأنه له الامتناع من أداء ما عليه ، فيتخير السيد حينئذ بين الفسخ وبين البقاء على العقد ، وقال في
__________________
(٨) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٤ من أبواب المكاتبة ، حديث ١٣ وفيه لفظ عام أو عامين.
(٩) في «ر ١» العبد.
(١٠) ما بين القوسين ليس في «ر ١».
(١١) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ٤ وباب ١٠ من أبواب المكاتبة.
المبسوط : ولسنا نريد بقولنا جائزة من جهة العبد ، أن له الفسخ كعامل القراض ، بل له أن يمتنع من أداء ما عليه مع القدرة على ذلك ، فيتخير المالك حينئذ ، والقائل باللزوم يوجب عليه السعي مع القدرة ، ويجبره على ذلك الحاكم أو السيد.
قال رحمهالله : وهل يعتبر الإسلام؟ فيه تردد.
أقول : هل يشترط في صحة الكتابة إسلام السيد؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من أن الكتابة ، هل هي عتق بعوض أو معاملة بين السيد وعبده على عوض معلوم؟ فعلى الأول يشترط الإسلام عند من اشترطه في العتق (١٢) ، وعلى الثاني لا يشترط الإسلام ، لأنها نوع معاملة فلا يشترط فيها الإسلام ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، هذا إذا كان السيد والعبد كافرين أما لو كان السيد كافرا والعبد مسلما ، فالمعتمد وجوب البيع على الكافر و (لا) (١٣) يصح (له) (١٤) مكاتبة العبد المسلم ، لعموم النص (١٥) بوجوب البيع وليست الكتابة بيعا ، ولوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر على الفور ، ولحصول السبيل بالتسلط على المسلم بالاستيفاء وهو منفي (١٦) ، ويحتمل الجواز لقطع السلطنة.
قال رحمهالله : ويجوز لولي اليتيم مكاتبة مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه ، وفيه قول بالمنع.
أقول : للشيخ في هذه المسألة قولان : أحدهما الجواز ، قاله في الخلاف ، لأن للولي التصرف بجميع ما فيه غبطة ، فإذا حصلت الغبطة في الكتابة جاز له ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، والثاني عدم الجواز ، قاله في
__________________
(١٢) في «م» و «ر ١» : المعتق.
(١٣) ليست في «ر ١».
(١٤) ليست في الأصل.
(١٥) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ٧٣ ، حديث ١.
(١٦) إشارة إلى قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) النساء : ١٤١.
المبسوط ، لأنها نوع (من أنواع التبرعات ، لأنها) (١٧) معاملة على ماله بماله ، وليس للولي أن يتبرع بشيء من مال الطفل.
قال رحمهالله : ويعتبر في المملوك البلوغ ، وكمال العقل ، لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول ، وفي كتابة الكافر تردد أظهره المنع ، لقوله تعالى (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (١٨).
أقول : منع السيد المرتضى والشيخ في المبسوط من كتابة العبد الكافر ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وظاهر المختلف الجواز وقواه أبو العباس في المهذب.
والخلاف مبني على تفسير الخير (١٩) المذكور في الآية (٢٠) ، قال السيد : إنه الدين والأمانة ، فعلى هذا لا يصح كتابة الكافر ، لأنه على هذا التفسير لا خير فيه أصلا ، وقال الشيخ : إنه الكسب والامانة فعلى هذا لا يصح أيضا ، لأن الكافر لا أمانة له ، وقال الحسن البصري والثوري : هو الاكتساب حسب ، فعلى هذا لا يصح (٢١) كتابة الكافر ، ولا شك أن الخير ورد في القرآن بمعنى المال ، مثل قوله تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٢٢) ومثل قوله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٢٣) ، ولا شك ، ان المراد بالخير هنا المال ، وورد بمعنى العمل الصالح في قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٢٤) ، وهو مناسب
__________________
(١٧) ما بين القوسين ليس في «ن».
(١٨) النور : ٣٣.
(١٩) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ١ من أبواب المكاتبة ، حديث ١.
(٢٠) النور : ٣٣.
(٢١) في النسخ : يصح.
(٢٢) العاديات : ٨.
(٢٣) البقرة : ١٨٠.
(٢٤) الزلزلة : ٧.
للدين ، لأن عمل الكافر لا خير فيه ، وورد بمعنى الثواب في قوله تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) (٢٥) ، يعنى ثوابا ، وهذا مناسب للدين أيضا ، لأن الثواب مترتب على الايمان فغير المؤمن لا ثواب له.
قال رحمهالله : وأما الأجل ففي اشتراطه خلاف.
أقول : مضى ذكر الخلاف فيه (٢٦).
قال رحمهالله : وفي اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد.
أقول : منشؤه من أصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، وهو غير معلوم مع عدم اتصال الأجل بالعقد. وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن أصالة الصحة وحصول شرائطها من ذكر الأجل وضبطه ، وذكر المال ، وصدور الصيغة من أهلها ، وهو اختيار العلامة وابنه.
قال رحمهالله : ولو قال : على خدمة شهر بعد هذا الشهر ، قيل : يبطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد.
أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط وهو تفريع على اتصال المدة بالعقد ، وفيه التردد المذكور في المسألة الاولى ، وقد مضى البحث فيه (٢٧).
قال رحمهالله : ولو كاتبه ثمَّ حبسه مدة ، قيل : يجب أن يؤجله مثل تلك المدة ، وقيل : لا يجب ، بل تجب أجرته لمدة احتباسه ، وهو أشبه.
أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ثمَّ قواهما معا الا أن الأول عنده أرجح ، واستحسنه فخر الدين ، لأن المدة لا قيمة لها فيضمنها بمثلها ، واختار المصنف والعلامة الثاني ، لأن منافع الأيام إنما تضمن بالقيمة ، وهي
__________________
(٢٥) الحج : ٣٦.
(٢٦) ص ٤٠١.
(٢٧) في الحاشية السابقة.
مثل (٢٨) أجرة ذلك الزمان وهو المعتمد.
__________________
(٢٨) ليست في الأصل.
في الأحكام
قال رحمهالله : إذا مات المكاتب ، وكان مشروطا بطلت الكتابة ، وكان ما تركه لمولاه ، وأولاده رقا ، وإن لم يكن مشروطا تحرر منه بقدر ما أداه ، وكان الباقي رقا ، ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ، ولورثته بقدر ما فيه من حرية ، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة ، وإن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم ، ومع الأداء ينعتق الأولاد. وهل للمولى إجبارهم على الأداء؟ فيه تردد ، وفيه رواية أخرى (٢٩) ، تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة ، ويتحرر الأولاد ، وما بقي لهم ، والأول أشبه.
أقول : إذا كان الأولاد أحرارا كان لهم مما تركه أبوهم بقدر ما تحرر (من أبيهم) (٣٠) ، وللسيد بقدر ما فيه من الرقية ولا سعي عليهم ، وإن كانوا أرقاقا وولدوا (٣١) بعد الكتابة كان ما قابل نصيب الرقية منهم مكاتبا ، وكان عليهم أن
__________________
(٢٩) الوسائل ، كتاب الإرث ، باب ٢٣ من أبواب موانع الإرث ، حديث ٦ ـ ٨.
(٣٠) في النسخ بدل ما بين القوسين : منه.
(٣١) في النسخ : ولدوا.
يؤدوا (٣٢) ما بقي على أبيهم من مال الكتابة ، لا (٣٣) ما يساوي قيمتهم.
فاذا لم يف نصيبهم بما بقي على أبيهم وامتنعوا من السعي بالباقي ، هل يجبرون عليه؟ تردد المصنف في ذلك من أصالة البراءة ، وكون الاخبار (٣٤) على خلاف الأصل ، ومن أن الشارع جعل السعي عوضا عن رقية الأولاد وقطع تصرفه عن ملكه مقابل هذا العوض ، فلا يجوز لهم الامتناع منه (٣٥) ، وهو اختيار العلامة في القواعد. والرواية المتضمنة لأداء ما عليه من أصل التركة كالدين ، واختصاص الورثة بالباقي هي رواية جميل ، عن الصادق عليهالسلام «قال : سألته عن مكاتب يؤدي بعض مكاتبته ثمَّ يموت وترك أبناء له من جارية له؟ فقال : إن كان اشترط عليه إن عجز فهو رق رجع ابنه منها مملوكا وان لم يشترط عليه صار ابنه حرا ورد على المولى بقية المكاتبة وورث ابنه ما بقي» (٣٦) ، ومثلها صحيحة ابن سنان (٣٧) ، عن الصادق عليهالسلام ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد ، والمعتمد مذهب المصنف وهو المشهور بين الأصحاب.
فرع : إذا كان وارث المكاتب جماعة انعتق من كل واحد منهم بقدر ما انعتق من أبيهم ، ومع عدم وفاء نصيبهم من ميراث أبيهم بالباقي من مال الكتابة يتعلق الباقي بكل واحد بعينه وبالجميع كواجب الكفاية ، فإذا أداه بعضهم انعتقوا أجمع ، وإن أدى بعضهم بعضه انعتق من الجميع بقدره ، ولا يختص المؤدي بالعتق ،
__________________
(٣٢) في «ن» : يردوا.
(٣٣) في «م» : إلا.
(٣٤) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ١٩ من أبواب المكاتبة.
(٣٥) في النسخ إضافة : ولأنه عوض اقتضته المعاوضة الشرعية اللازمة فلا يجوز لهم الامتناع منه. وفي «ن» سقطت (منه) الاولى.
(٣٦) التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب المكاتب ، حديث ٢٥ ، وفي الوسائل اشارة اليه في كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ١٩ من أبواب المكاتبة ، حديث ٣.
(٣٧) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب ١٩ من أبواب المكاتبة ، حديث ٣.
لأن الجميع كواحد وهو المورث.
قال رحمهالله : ولو كان المولى أذن له ، قيل : لم يجزه ، لأنه كفّر بما لم يجب عليه.
أقول : إذا كفّر المكاتب بغير الصوم بغير إذن مولاه لم يجزه قطعا ، لأنه محجور عليه في التصرفات المتضمنة لإخراج المال بغير عوض بقدره أو أزيد منه ، ويكفر بالصيام سواء كانت مخيرة أو مرتبة.
ولو أذن له السيد بالعتق أو الإطعام ، هل يجزيه أم لا؟ قيل : لا يجزيه ، لأن فرضه الصيام فاذا كفّر بغيره كان قد كفر بغير الواجب عليه فلا يجزيه ، والمعتمد الاجزاء ، لأنه بالغ عاقل مالك ، وانما لم يجزه مع عدم الإذن ، لأنه محجور عليه لحق السيد ، فإذا أذن السيد زال المانع ، ويمتنع انحصار فرضه في الصيام بل حكمه حكم العاجز عن غير (٣٨) الصوم ، ومع الاذن لا يتحتم عليه العتق في المرتبة بل تصير مخيرة.
قال رحمهالله : إذا ملك المملوك نصف نفسه ، كان كسبه بينه وبين مولاه ، وهو طلب أحدهما المهاياة أجبر الممتنع ، وقيل : لا يجبر ، وهو أشبه.
أقول : وجه الإجبار أن لكل منهما الانفراد بحصته ولا يلزمه مشاركة صاحبه ، (ولا يمكنه من) (٣٩) الانفراد إلا بالمهاياة فيجبر الممتنع عليها ، ووجه عدم الإجبار كون المهاياة جارية مجرى قسمة ما لا يمكن قسمته ، لأن المشترك بينهما اما الرقبة وهي لا يمكن قسمتها أو المنافع طول حياته وذلك غير معلوم المقدار فيكون مجهولا ، وقسمة المجهول غير ممكنة فلا يجبر الممتنع ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.
__________________
(٣٨) ليست في «م» و «ر ١».
(٣٩) في النسخ : ولا يمكن.
قال رحمهالله : إذا اختلف السيد والمكاتب في مال الكتابة ، أو في المدة ، أو في النجوم ، فالقول قول السيد مع يمينه ، ولو قيل : القول قول المنكر زيادة المدة والمال ، كان حسنا.
أقول : إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة مثل أن يقول السيد : هو خمسون ، ويقول العبد : هو أربعون ، أو اتفقا على قدر المال واختلفا في المدة ، مثل أن قال السيد : المدة شهر ، وقال العبد : إنها شهران ، أو اتفقا على المدة واختلفا في النجوم ، مثل ان قال السيد : هي نجمان وقال العبد : هي ثلاثة.
قيل : القول قول السيد (في هذه الصور (٤٠) كلها ، لأن العبد وكسبه لسيده ، والمكاتبة معاملة على مال السيد) (٤١) بماله ، فالمدعي بالحقيقة هو العبد ، لأنه يدعي العتق بأداء ما اعترف به من المال ، والسيد هو المنكر فيكون القول قوله ، ولا شك في أن القول قوله في إنكار زيادة المدة وزيادة النجوم ، لأن الأصل عدم الزيادة ، ولأن العبد هو المدعي فيهما قطعا ، فيصير القول قوله في الجميع.
واستحسن المصنف أن القول قول منكر الزيادة منهما ، لأن السيد قد اعترف بالكتابة وادعى على (٤٢) العبد مالا زائدا عما اعترف به ، والعبد ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله فيها ، والقول قول السيد في إنكار زيادة المدة والنجوم ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته ، فبان العوض معيبا ، فإن رضي المولى فلا كلام ، وإن رده بطل العتق المحكوم به ، لأنه مشروط بالعوض ، ولو تجدد بالعوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش
__________________
(٤٠) من «ر ١» وفي الأصل وباقي النسخ : الصورة.
(٤١) ما بين القوسين ليس في «م».
(٤٢) في «ر ١» : عليه.
الحادث ، وقال الشيخ : يمنع ، وهو بعيد.
أقول : البحث هنا في موضعين :
الأول : في بطلان العتق مع رد العوض بالعيب ، وبالبطلان قال الشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة في الإرشاد والتحرير ، وفي موضع من القواعد ، وبه قال الشهيد وهو المعتمد ، لان العتق مشروط بدفع العوض الذي وقع عليه العقد وهو الصحيح السليم ، فلما ظهر العوض معيبا ظهر أنه غير العوض المذكور في العقد ، ومع عدم دفع العوض يتحقق عدم العتق.
واستشكل العلامة بطلان العتق في موضع من القواعد ، ثمَّ كتب عليه حاشية بخطه وهذه صورتها : منشأ الاشكال أن يقال : العتق إتلاف واستهلاك فاذا حكم بوقوعه لم يبطل كالخلع ، وأن يقال العتق انما يستقر باستقرار الأداء ، وقد ارتفع الأداء فيرتفع العتق. هذا آخر ما كتبه العلامة نقله عنه فخر الدين في إيضاحه.
الثاني : إذا تجدد بالعوض عيب عند السيد ، هل يجوز له رده بالعيب السابق مع أرش الحادث؟ منع منه الشيخ في المبسوط كما في البيع ، واختار المصنف والعلامة الرد مع الأرش.
قال رحمهالله : يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا أو رقا له ، ومنعه الشيخ ، ولو كان الباقي لغيره فأذن صح ، وإن لم يأذن بطلت الكتابة ، لأنها تتضمن ضرر الشريك ، لأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يمكن من التصرف.
أقول : إذا كاتب بعوض بعض عبده لا يخلو البعض الأخر من كونه حرا أو رقا ، له أو لغيره ، فان كان البعض الآخر حرا صحت الكتابة إجماعا ،
لاستغراق الكتابة للرق (٤٣) ، فلا مانع حينئذ ، وان كان بعضه رقا لنفسه منع الشيخ في المبسوط من كتابة البعض ، قال : لأن المقصود من الكتابة : وقوع العتق بالأداء ، وهذا مفقود هنا ، لأنه لا يتمكن من التصرف ، لأن السيد يمنعه من التصرف بما فيه من الرق ، ولا يأخذ من الصدقات وإذا أخذ اقتضى أنه يقاسمه السيد عليها ، وإن كان الباقي رقا لغيره اشترط الشيخ في صحة كتابة حصته إذن الشريك واختاره المصنف ، وقد ذكر المصنف الوجه في ذلك.
وذهب في الخلاف الى الجواز مطلقا واختاره العلامة وهو المعتمد لقوله عليهالسلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (٤٤) ، ولأنه يجوز بيع النصيب وعتقه فيجوز كتابته ، لأنها لا تنفك عنهما وتمنع ضرر (٤٥) الشريك بالكتابة فإن السعي الثابت قبل الكتابة ثابت بعدها أقصى ما في الباب أن الشريك يقاسم شريكه وهنا يقاسم العبد ، ويمنع مشاركته فيما يأخذه من الصدقات ، لأنه انما يأخذ بجزئه المكاتب ما يصرفه في الكتابة ، ولا يجوز له صرفه في غيرها فلا يشاركه السيد في ذلك.
__________________
(٤٣) في نسخة في الأصل : بالعتق.
(٤٤) البحار ، ج ٢ ، ص ٢٧٢.
(٤٥) في الأصل : شرر.
في اللواحق
قال رحمهالله : إذا كان للمكاتب على مولاه مال ، وحل نجم ، فان كان المالان متساويين جنسا ووصفا تهاترا ، ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل ، وان كانا مختلفين لم يحصل التقاص إلا برضاهما ، وهكذا حكم كل غريمين ، وإذا تراضيا كفى ذلك ، وإن لم يقبض الذي له لم يعده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا ، وفيه قول آخر بالتفصيل.
أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شيء من النجوم ، فان كان الحقان من جنس واحد من النقود تقاصا ، وان اختلف الجنس أو كان من غير النقود فإن أحدهما لا يصير قصاصا عن الأخر ، ثمَّ إن كان المالان نقدين لم يحتج الى قبض الحقين (معا بل) (٤٦) يقبض أحدهما ما عليه من صاحبه ، ثمَّ يرده عليه عوضا عما له في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز ، وإن كانا عرضين فلا بد أن يقبض كل واحد منهما ماله على صاحبه ، ولا يجوز أن يقبض أحدهما ثمَّ يرد ما قبضه على الآخر
__________________
(٤٦) في «ر ١» و «ن» : مقابل.
عوضا عما له عليه ، لأن هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الجنسين (عن سلم) (٤٧) فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض عما في ذمته من المال ، وأخذ المال الثابت عن كتابة لو (٤٨) سلم غير جائز ، وإن كان أحدهما نقدا والآخر عرضا فإنه إن قبض صاحب النقد حقه لم يجز أن يدفعه عوضا عن العرض الذي في ذمته بل عليه تسليمه وإقباضه ، وإن قبض صاحب العرض حقه جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، الى هنا كلام الشيخ ، وهو الذي أشار إليه المصنف بالتفصيل والمعتمد مذهب المصنف وهو اختيار العلامة ، لأن التقاص نوع من الإبراء فلا يفتقر الى القبض.
قال رحمهالله : إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له فكه بالأرش ، إلا أن يكون فيه الغبطة له ، وكذا لو كان المملوك أبا المكاتب لم يكن له انفكاكه بالأرش ، ولو قصر عن قيمة الأب ، لأنه يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقي مالا ينتفع به ، لأنه لم يتصرف في أبيه ، وفي هذا تردد.
أقول : هذا التردد مبني على جواز شراء المكاتب لقريبه الذي ينعتق عليه ، فنقول أما مع إذن السيد فلا خلاف في جوازه ، ومع عدم الاذن فيه إشكال ، من حيث أنه تصرف يستلزم نقص المال ، لأن المكاتب إذا اشترى من ينعتق عليه كان موقوفا إن أدى (٤٩) المكاتب مال الكتابة (والعتق ، العتق القريب) (٥٠) ، وإن عجز المكاتب واسترق استرق القريب ، فيلزم من شراء القريب نقص المال ، لانقطاع تصرفه بقيمته ، وكل تصرف يشتمل على نقص المال فهو ممنوع منه بغير
__________________
(٤٧) في الأصل : غير مسلم ، وما أثبتناه من النسخ.
(٤٨) في النسخ : أو
(٤٩) في «ر ١» : نوى.
(٥٠) ما بين القوسين من «م» و «ر ١» وفي الأصل : انعتق العتق القريب وفي «ن» : انعتق القريب.
إذن السيد ، ومن حيث أنه أشترى مملوكا لا ضرر فيه (٥١) على السيد بشرائه ، لأنه يأخذ كسبهما ومع العجز يسترقهما ، فلا ضرر عليه في ذلك.
والمعتمد الأول وهو مذهب الشيخ والعلامة فخر الدين ، فعلى هذا لو أذن السيد لمكاتبه بشراء أبيه فجنى الأب ، لم يجز له (افتكاكه الا مع) (٥٢) الإذن أيضا ، وإن كان في ذلك (٥٣) غبطة ، ولو قلنا بجواز الشراء مع عدم (٥٤) الاذن جاز الافتكاك مع الغبطة من غير اذن.
__________________
(٥١) ليست هذه الكلمة في «ر ١».
(٥٢) في «ر ١» بدل ما بين القوسين : إنكار.
(٥٣) في نسخة من الأصل : فيه.
(٥٤) هذه الكلمة ليست في الأصل وهي في النسخ.
في أحكام المكاتب
قال رحمهالله : إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه فان كان فيها أوسط عددا ، أو قدرا انصرف اليه ، وإن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاؤوا ، وقيل : تستعمل القرعة ، وهو حسن.
أقول : إذا قال : ضعوا عنه أوسط نجومه ، فاما أن يكون فيها وسط بحسب العدد لا غير ، أو بحسب القدر لا غير ، أو بحسب الأجل لا غير ، أو بحسب العدد والقدر ، أو بحسب العدد والقدر والأجل ، أو لا يكون لها وسط بحسب شيء ، فالأقسام ستة :
الأول : أن يكون لها وسط بحسب العدد لا غير ، كما إذا كان مال الكتابة ثلاثة دنانير في ثلاثة نجوم ، أجل كل نجم شهر ، قسط كل نجم دينار ، فان الوسط هنا بحسب (٥٥) العدد لا غير ، لأنه لا تفاوت في المال ولا في الأجل ، ومع عدم التفاوت لا يتقدر الوسط فيهما ، فلم يبق غير العدد.
الثاني : أن يكون لها وسط بحسب القدر لا غير ، كسبعة دنانير في أربعة نجوم
__________________
(٥٥) في الأصل : بسبب.
أجل كل نجم منها شهر ، قسط الأول ديناران والثاني دينار ، والثالث دينار أيضا ، والرابع ثلاثة دنانير ، فالوسط هنا (الديناران ، لأن أقل ما فيها من المقادير دينار ، والأكثر الثلاثة ، وأوسط المقادير الديناران ، لأنه لا وسط لها) (٥٦) بحسب عدد النجوم ، لأنه أربعة ، ولا بحسب الأجل ، لأنه أربعة أشهر ، فلم يبق غير القدر.
الثالث : أن يكون لها وسط بحسب الأجل لا غير ، كأربعة دنانير في أربعة نجوم ، قسط كل نجم دينار ، وأجل الأول شهر ، والثاني شهران ، والثالث ثلاثة ، والرابع ثلاثة أيضا ، فالأوسط الشهران (٥٧) ، لأنهما بين الأقل والأكثر.
الرابع : أن يكون لها وسط بحسب العدد والقدر دون الأجل ، كستة دنانير في ثلاثة نجوم أجل كل نجم شهر ، وقسط الأول ديناران ، والثاني قسطه دينار ، وقسط الثالث ثلاثة ، فالثاني أوسط بحسب العدد ، والأول أوسط بحسب القدر ، لأنه بين الأقل والأكثر ، فلا أوسط لها بحسب الأجل لتساويهما.
الخامس : أن يكون لها وسط بحسب العدد والأجل والقدر ، كما إذا كان عدد النجوم ثلاثة ، ومال الكتابة ستة ، وأجل النجم الأول شهر وقسطه دينار ، وأجل الثاني شهران وقسطه ديناران ، وأجل الثالث ثلاثة أشهر وقسطه ثلاثة دنانير ، فالثاني وسط بحسب العدد والقدر والأجل.
السادس : أن لا يكون لها وسط بحسب شيء كما إذا كانت النجوم أربعة ومال الكتابة أربعة ، والآجال أربعة ، فهنا لم يحصل الوسط بحسب شيء.
إذا عرفت هذا رجعنا الى الحكم فمع وجود الوسط وكونه واحدا يتعين ، لعدم وجود ما يحمل عليه لفظ الموصي غيره ، ومع تعدد الوسط يتخير الوارث ،
__________________
(٥٦) ما بين القوسين من نسخة في هامش الأصل.
(٥٧) في نسخة من الأصل إضافة كلمة : الثلاثة.