غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

قال : لا بأس بأن تعتق ولد الزنا» (٩٢) وهو عام في الكفارات (٩٣) وغيرها.

ومنع المرتضى وابن الجنيد من عتقه في الكفارات (٩٤) ، لقوله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (٩٥) ، وولد الزنا خبيث ، لما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا خير في ولد الزنا ، لا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في جلده ، ولا في عظمه ، ولا في شعره ، ولا في بشره ، ولا في شي‌ء منه» (٩٦) واجزاؤه في الكفارات (٩٧) ، وإسقاط الحكم به عن الجاني ضرب من الخير ، وقد نفاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدل على أنه لا يجزي.

والمعتمد المشهور وهو الأجزاء ، قال الشهيد : ويتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ ، وتبعية السابي ، وفي تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر ، من انتفائه عنه شرعا ، ومن تولده عنه حقيقة ، فلا يقصر عن السابي ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : فلا يجزي المدبر ما لم ينقض تدبيره ، وقال في الخلاف والمبسوط : يجزي ، وهو أشبه ، ولا المكاتب المطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا ، ولو لم يؤد أو كان مشروطا ، قال في الخلاف : لا يجزي ، ولعله نظر الى نقصان الرق لتحقق الكتابة ، وظاهر كلامه في النهاية أنه يجزي ، ولعله أشبه من حيث تحقق الرق.

__________________

(٩٢) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ١٦ ، حديث ١.

(٩٣) في النسخ : (الكفارة).

(٩٤) في النسخ : (الكفارة).

(٩٥) البقرة : ٢٦٧.

(٩٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٧ باختلاف يسير.

(٩٧) في النسخ : الكفارة.

٣٠١

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز عتق المدبر في الكفارات (٩٨) قبل نقض تدبيره ، قال الشيخ في النهاية : لا يصح الا بعد نقض تدبيره ، ورده الى محض الرق ، لما رواه عبد الرحمن في الموثق ، «قال : سألته عن رجل قال لعبده : إن حدث بي حدث فهو حر ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، إله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة ملك اليمين؟ قال : لا يجوز (للذي جعل) له ذلك» (٩٩) ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه : يصح ، ويكون ذلك إبطالا لتدبيره ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط وهو المعتمد ، لأن التدبير وصية يجوز الرجوع فيها قولا وفعلا.

الثانية : في جواز عتق المكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا ، والمشروط الذي لم يوف جميع كتابته في الكفارة ، قال الشيخ : لا يصح ، واختاره (العلامة في المختلف) (١٠٠) ، لأن الملك غير تام ، وقال ابن إدريس : يجوز ، لأنه مملوك ، وكل مملوك يصح عتقه عن الكفارة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن ، وقال الشيخ : يصح مطلقا إذا كان موسرا ، ويكلف أداء المال ان كان حالا ، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا ، وهو بعيد.

أقول : المعتمد عدم صحة عتق المرهون بدون إجازة المرتهن مطلقا سواء كان الراهن معسرا أو موسرا ، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، وسواء وضع رهنا غيره أو لا ، لأن الراهن ممنوع من جميع التصرفات المقتضية لنقض المال من

__________________

(٩٨) في النسخ : الكفارة.

(٩٩) الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة ، باب ١٢ من أبواب التدبير ، حديث ١ ـ وما بين القوسين ليس في «ر ١».

(١٠٠) في «ن» بدل ما بين القوسين : فخر الدين.

٣٠٢

دون إذن المرتهن ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه‌الله : ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة ، فللشيخ قولان ، والأشبه المنع وان قتل خطأ ، قال في المبسوط : لم يجز عتقه ، لتعلق حق المجني عليه برقبته ، وفي النهاية ، يصح ويضمن السيد دية المقتول ، وهو حسن.

أقول : اختلف الفقهاء في جواز عتق العبد الجاني ، قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن الجناية إن كانت عمدا نفذ العتق ، لأن حق المجني عليه من القود لا يبطل بصيرورته حرا ، وإن كانت الجناية خطأ لم ينفذ ، لأنها تعلقت برقبته ، والعتق يمنع من الاسترقاق ، وقال في النهاية : يجوز عتقه إذا كانت خطأ ، ويلزم المعتق الدية ، لأنه عاقلة العبد ، وابن إدريس قوّى مذهب المبسوط.

وقال العلامة في المختلف : المعتمد أن تقول : إن كانت عمدا لم يصح عتقه ، الا أن يجيزوا أولياء المقتول ، وإن كانت خطأ وكان موسرا جاز وإلا فلا ، وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين : إما دفع الدية قبل العتق أو يضمنها (ويرضى الولي) (١٠١) بالضمان لا بدونهما ، وهو يدل على عدم جواز عتقه في العمد (والخطأ معا ، لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ، لزوال تعلق الجناية برقبة العبد) (١٠٢) ، اما مع أداء المال فظاهر ، وأما مع الضمان فلان الضمان مع رضي الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، ولا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين ، وهذا هو المعتمد ، أما عدم جوازه في العمد ، فلأنه يؤدي الى إسقاط حق المجني عليه ، لأنه مخير بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق (١٠٣) وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل ، وأما عدم

__________________

(١٠١) في الأصل بدل ما بين القوسين : المولى.

(١٠٢) ما بين القوسين ليس في «م».

(١٠٣) في «ر ١» : والاشتراط.

٣٠٣

جوازه في الخطأ ، فلان الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك (١٠٤) المولى (١٠٥) فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك ، فيكون باطلا ، وهو مذهب الدروس ، لأنه قال : ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية ، ولا يخرج من عهدة الجناية إلا (١٠٦) بأحد الشرطين المذكورين.

قال رحمه‌الله : ولو تبرع بالعتق عنه ، قال الشيخ : نفذ العتق عن المعتق دون من أعتق عنه ، سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا ، ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا تبرع أجنبي بالعتق عنه من غير مسألة ، قال الشيخ في المبسوط : يقع عن المالك المعتق لا عن المعتق عنه ، لأن العتق مبني على التغليب ، وهو لم يقع عن المعتق عنه فيقع عن المالك ، قال فخر الدين : والأصح انه لا يصح ، لأنه نوى العتق عن الغير بغير إذنه ، (وهو لا ولاية) (١٠٧) له ، فلا يصح عن الغير ولا عنه ، لأنه لم يقصده. واللفظ إنما هو تابع للإرادة ، وهو لم يقصد إزالة الرق (١٠٨) عن نفسه.

الثانية : إذا أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح وفرق بين الوارث والأجنبي ، لأن الوارث قائم مقام الموروث في كثير من الأحكام ، لأن الوارث يملك ما كان يملكه الموروث ، ويقبل قوله فيما كان يقبل

__________________

(١٠٤) في النسخ : انفكاك.

(١٠٥) في «ن» : المنع.

(١٠٦) من النسخ ، وفي الأصل غير مقروء.

(١٠٧) في «م» : ولا ولاته.

(١٠٨) ليست في «م».

٣٠٤

قوله فيه كالإقرار (بالمجهول) (١٠٩) ، وتعيين المطلقة ، والمعتق وقضاء ما كان عليه من صيام أو صلاة ، وليس كذلك الأجنبي ، فحصل الفرق بينهما ، وهو ظاهر فخر الدين ، لأنه قال : وقال شيخنا ابن سعيد في شرائعه : والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع والجواز ، وضعفه ظاهر. حكم بضعف قول ابن سعيد في شرائعه ، وجزم في الدروس باجزاء نية المتبرع إن كان وارثا ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وإذا قال أعتق عبدك عني فقال : أعتقت عنك ، فقد وقع الاتفاق على الأجزاء ، ولكن متى ينتقل الى الآمر ، قال الشيخ رحمه‌الله : ينتقل بعد قول المعتق أعتقت عنك ثمَّ ينعتق بعده وهو تحكم ، والوجه الاقتصار على الثمرة ، وهو صحة العتق وبراءة ذمة الآمر ، وما عداه تخمين ، ومثله إذا قال له : كل هذا الطعام فقد اختلف أيضا في الوقت الذي يملكه الآكل ، والوجه عندي أنه يكون إباحة للتناول ، ولا ينتقل الى ملك الأكل.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قال أعتق عبدك عني ففعل صح العتق ووقع عن الأمر إجماعا ، والنية هنا من الوكيل وهو المأمور بالعتق ، ولا بد من دخوله في ملك الآمر ضمنا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا عتق إلا في ملك» (١١٠) ، وفي وقت انتقاله الى ملكه إشكال ، نقل المصنف عن الشيخ انتقاله بعد قول المعتق (أعتقت عنك) ثمَّ ينعتق بعده (١١١) ، قال : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، ووجه قول الشيخ : أن العلة في ملكه والعتق قوله أعتقت عنك ، فهو علة في أمرين : أحدهما سابق على الآخر ،

__________________

(١٠٩) في «ن» و «ر ١» : المجهول.

(١١٠) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ٥ والعوالي.

(١١١) في النسخ : (عنده).

٣٠٥

وهو انتقال الملك اليه ثمَّ العتق واقتضاء (١١٢) العلة الواحدة بسببين بالترتيب (١١٣) بينهما ممكن.

ونقل فخر الدين قولا بانتقاله بالأمر ، وبكونه قوله (أعتقت عنك) كاشفا عن سبق الملك بالأمر ، لأن ملك المعتق شرط في صحة العتق ، ومقدم عليه بالزمان ، ولا واسطة بين قوله (أعتق عبدك عني) وبين قوله (أعتقت) (١١٤) ، لأنه لو تخلل زمان لم يصح العتق ، لأنه بمنزلة إيجاب وقبول.

قال فخر الدين والأصح أن قوله (أعتقت) عقيب قوله (أعتق عني) مركب بأول جزء يحصل الملك للآمر ، والمجموع علة في انعتاقه عنه ، وهو اختيار المفيد.

(قلت : وهذا) (١١٥) معنى قول الشيخ : وإن اختلف بعض اللفظ.

الثانية : إذا قال : كل هذا الطعام ، قيل : (يأكله مملوكا له) (١١٦) ، واختلف في وقت ملكه ، قيل : يملكه بأخذه بيده ، وقيل : بوضعه (١١٧) في فيه ، وقيل : بابتلاعه ، والأقوال الثلاثة حكاها الشيخ في المبسوط.

واختار المصنف كون ذلك إباحة للتناول ولا يدخل في ملك الآكل ، لأنه لا ضرورة هنا الى دخوله في ملكه بخلاف العتق ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح وهو المعتمد.

وعلى القول بالملك بالأخذ يجوز إعطاؤه لغيره ، ولو نبت من غائطه شجرة

__________________

(١١٢) من النسخ وفي الأصل : (فإنها).

(١١٣) في نسخة من الأصل : (والترتيب).

(١١٤) في «ن» : (أعتقت عنك).

(١١٥) في «م» : (وهذا هو).

(١١٦) في الأصل بدل ما بين القوسين : (يأكله يكون مملوكا).

(١١٧) في «ن» : (بمضغه).

٣٠٦

كالبطيخ وغيره يكون للآكل على القول بالملك بأحد الأقوال الثلاثة ، وعلى القول بعدم الملك يكون لصاحب الطعام ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ويعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على الأشبه ، ولو كانت الكفارات من جنس واحد ، قال الشيخ : يجزي نية التكفير مع القربة ، ولا يفتقر الى التعيين ، وفيه إشكال ، أما الصوم فالأشبه بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين ، ويجوز تجديدها إلى الزوال.

أقول : يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه والقربة والتكفير ، فلو نوى الوجه والقربة ولم ينو عن الكفارة لم يجز ، وهذه الشروط مجمع عليها.

وهل يشترط التعيين؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط لم يشترط التعيين مطلقا سواء اتحد الجنس كما لو كان الجميع للظهار أو القتل أو النذر ، أو تعدد الجنس كما لو كان للظهار والقتل والنذر وغير ذلك ، ويكفي قوله : أنت حر ، عن الكفارة وإن لم يعين سببها.

وقال في الخلاف (١١٨) : وإن اتحد الجنس كفى نية التكفير من غير افتقار إلى نية التعيين ، (وان تعدد الجنس أفتقر إلى نية التعيين ، واختاره ابن إدريس والعلامة في القواعد والتحرير.

وفصل في المختلف ، فقال : إن كانت الكفارة من جنس واحد كالحنث إذا تكرر منه فلا يفتقر الى التعيين) (١١٩) فيها ، وإن كانت من أجناس مختلفة ، فإن اتفقت في الحكم كقتل الخطأ والظهار أجزأ الإطلاق أيضا ، لأن حكمهما واحد ، وهو العتق عينا ، فان عجز فالصوم ، وإن اختلف الحكم كالظهار والإفطار ، فلا بد من تعيين السبب ، لأنه إذا أعتق ونوى مطلق التكفير لم يكن صرفه إلى أحدهما

__________________

(١١٨) «م» : المختلف.

(١١٩) ما بين القوسين ليس في «ن».

٣٠٧

أولى من الآخر ، فان صرفه الى الظهار بقي التخيير بين العتق والصيام والإطعام ، وإن صرفه إلى الإفطار تعين عليه العتق في الأخرى ، وليس إحداهما أولى من الأخرى ، فلا بد من التعيين.

والمصنف اختار هنا وجوب التعيين مع الاختلاف ، واستشكل وجوبه مع الاتفاق ، من أن التكفير جنس شامل يدخل فيه جميع جزئياته ، ومن أن كل واحد من الكفارات عمل ، وكل عمل يفتقر إلى نية ، فيشترط التعيين ليحصل التمييز.

والشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوب نية التعيين مع اتحاد السبب ، ومذهب العلامة في الإرشاد وجوب التعيين وإن اتحد السبب.

قال الشهيد في شرح الإرشاد : لم أعرف هذا القول لأحد من العلماء.

ومذهبه في الدروس وجوب التعيين اتحدت الكفارات (١٢٠) أو تعددت ، اختلف الجنس أو اتحد ، وهو ظاهر المصنف في المختصر ، لأنه أطلق وجوب التعيين وهو المعتمد ، لحصول تعين البراءة به ، ولأنه أحوط ، والمراد بالتعيين تعيين السبب لا تعيين شخص الكفارة ، فلا يجب أن يقول قتل زيد أو عمرو ، ولا النذر الفلاني.

وإنما كان الأشبه عند المصنف وجوب التعيين في الصوم ، لإطلاق الأصحاب وجوب التعيين في صوم غير رمضان والنذر المعين ، وليس الكفارة منهما ، فيجب في صومها التعيين قطعا ، ويحتمل مساواة الصوم للعتق ، لاتحاد العلة فيتحد الحكم.

قال رحمه‌الله : ولو قال له قائل أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا ، فأعتقه لم يجز عن الكفارة [لأنه قصد العوض] ، وفي وقوع العتق تردد ، ولو قيل

__________________

(١٢٠) في النسخ : الكفارة.

٣٠٨

بوقوعه ، هل يلزم العوض؟ قال الشيخ : نعم ، وهو حسن.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وقوع العتق عن (١٢١) غير الكفارة ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، لأنه أوقعه عن أمرين : الكفارة والعوض ، وإذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الآخر ، لأن العتق مبني على التغليب.

وتردد المصنف مما قال الشيخ ، ومن أن المعتق لم ينو (١٢٢) بالعتق غير (١٢٣) الكفارة ، وهو لم يقع عنها ، لأنه (لو وقع عن غيرها) (١٢٤) لزم وقوعه بغير نية وهو باطل.

واستشكل العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد من غير ترجيح ، وكذلك فخر الدين لم يرجح شيئا ، واستقرب الشهيد في دروسه عدم الوقوع ، وذهب في شرح الإرشاد إلى الوقوع.

الثانية : على القول بوقوع العتق لا عن الكفارة ، هل يلزم الباذل العوض؟ قال الشيخ : نعم ، واستحسنه المصنف ، وبه قال العلامة والشهيد تفريعا على الوقوع ، لأن المعتق لم يتبرع بالعتق ، بل جعله مقابله (١٢٥) عوض بذله الغير (١٢٦) فيكون لازما للباذل ، ويحتمل العدم ، لأن الجعل مقابل العتق المجزي عن الكفارة ، وهو لم يحصل ، ولا يلزم (١٢٧) البذل كما لو لم يعتق ، إذ لا فرق بين عدم

__________________

(١٢١) «ر ١» : من.

(١٢٢) في «ن» : (ينف).

(١٢٣) في النسخ : (بالعتق عن غير).

(١٢٤) في «م» بدل ما بين القوسين : (أوقع عن غيرهما).

(١٢٥) في «ر ١» : (معاملة).

(١٢٦) في «م» : (للغير).

(١٢٧) في النسخ : (فلا يلزم).

٣٠٩

العتق ، وعتق لا يجزي عن الكفارة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : وان صام من الثاني ولو يوما أتمّ ، وهل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردد ، أشبهه عدم الإثم.

أقول : منشؤه من أن التتابع في الشهرين إنما يحصل بكمالهما ، فاذا لم يحصل تحقق الإثم ، ومن أصالة براءة الذمة وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد ، وقال أبو الصلاح وابن إدريس : يأثم ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع ، ولو أفطرتا خوفا على الولد ، قال في المبسوط : ينقطع ، وفي الخلاف لا ينقطع ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في جواز الإفطار مع الخوف على الولد ، وإنما الخلاف في انقطاع (١٢٨) التتابع وعدمه ، بالانقطاع قال في المبسوط ، وهو ظاهر ابن إدريس ، لأنه حصر الذي يقطع التتابع بالمرض والحيض لا غير.

والمشهور مذهب الخلاف ، لأن فيه حفظ نفس الغير وهو واجب فلا يوجب عقوبة وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع سواء كان إجبارا كمن وجر في حلقه ، أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وفي المبسوط قال بالفرق.

أقول : الإكراه على قسمين ، أحدهما : أن (١٢٩) يبلغ حد الإلجاء ، وهو الذي

__________________

(١٢٨) هذه الكلمة ليست في «ن».

(١٢٩) من النسخ ، وفي الأصل : (أنه).

٣١٠

لا يبقى للمكره (١٣٠) معه قصد النية (١٣١) ، ولا يمكنه الامتناع منه ، والآخر : لا يدفع القصد بالكلية ، ويمكن معه الترك وذلك مثل من يضرب حتى يأكل ، فهذا كان يمكنه ترك الأكل ، فقد حصل الفرق بينهما فيفترقان في الحكم أيضا.

والمشهور عدم الفرق وهو المعتمد ، لان دفع الضرر عن النفس واجب ، وهو لا يتم إلا بالإفطار فيكون واجبا ، وفاعل الواجب لا عقوبة عليه ، والاستئناف عقوبة فيكون منفيا.

قال رحمه‌الله : ويجب إطعام العدد [المعتبر] لكل واحد مد ، وقيل : مدان ، ومع العجز مد ، والأول أشبه.

أقول : المكفر مخير بين إطعام المساكين ، وبين التسليم إليهم ، والبحث في موضعين

الأول : التسليم إليهم ، وهل يجزي المد الواحد اختيارا؟ قال ابنا بابويه : نعم ، وبه قال المفيد وسلار ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس وهو المعتمد ، لما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، الى أن قال : «فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا» (١٣٢) ، ولأن الواجب في الآية (١٣٣) الإطعام من غير تقييد ، والأصل براءة الذمة مما زاد عن المد.

وأوجب الشيخ مدين مع القدرة مستدلا بإجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط.

والواجب دفع الحب ، ولا يجب مئونة الطحن والخبز والأدم ، وأوجبه ابن الجنيد ، ولا فرق هنا بين الصغير والكبير إلا أن الدفع إلى ولي الصغير ، فان فقده فالى من يعني بحاله.

__________________

(١٣٠) «م» و «ر ١» ، وفي الباقي غير مقروة.

(١٣١) «م» : البتة ، وهو محتمل في الأصل أيضا.

(١٣٢) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ١٠ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

(١٣٣) المائدة : ٨٩.

٣١١

ونية الدفع إلى ولي الصغير : أخرج هذا القدر من الكفارة إلى فلان ليقبضه عن فلان ، لوجوبه قربة الى الله ، وكذلك في الزكاة والخمس ، ولو لم يجد غير واحد دفع اليه يوما فيوما الى تمام ستين يوما ، ولا يجوز الدفع دفعة لجواز التمكن من العدد.

الثاني : الإطعام ، والواجب شبعه مرة واحدة على المشهور بين الأصحاب ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن البراج بوجوب شبعه في يومه ، وأوجب ابن الجنيد العشاء والغداء ، والأول هو المعتمد.

ولا يتقدر الشبع بمقدار ، سواء زاد شبعه عن المد أو نقص.

ولا يشترط إذن الولي في إطعام الطفل.

ومحل النية عند الشروع في الأكل ، فيقول : أطعم هؤلاء المساكين أو هذا المسكين عن كفارة كذا لوجوبه قربة الى الله ، وجوز الشيخ في النهاية دفعها الى المستضعف من المخالفين مع تعذر المؤمنين وأطفالهم وهو ظاهر المصنف ، لأنه لم يستثن غير الكافر والناصب ، واختاره العلامة (١٣٤) في المختلف ، ومنع ابن البراج وابن إدريس من إعطاء غير المؤمنين وأطفالهم ، ومع التعذر يتوقع وجودهم ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة فإذا كسا الفقير وجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة ، ومع العجز ثوبا واحدا ، وقيل : يجزي الثوب الواحد مع الاختيار ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الثوبين مع القدرة مذهب الشيخ (في النهاية ، وتبعه ابن البراج. وقال محمد بن بابويه : لكل رجل ثوبان ، وروي ثوب ، والاقتصار على

__________________

(١٣٤) في «ن» : (المصنف والعلامة).

٣١٢

الثوب الواحد مطلقا مذهب الشيخ) (١٣٥) في المبسوط ، واختاره المصنف وهو المعتمد.

والمشهور عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، وفرق بينهما ابن الجنيد وأوجب للمرأة ما يصح فيه صلاتها ، وهو درع وخمار ، والمعتمد عدم الفرق ودليل الجميع الروايات (١٣٦) ، والمجزي قميص أو سراويل أو مئزر ، وكذلك للمرأة مقنعة أو إزار أو قميص أو سراويل أو مئزر ، ولا يشترط الجديد بل يكفي الغسيل ما لم يتخرق ، فلا يجزي حينئذ وان رقع ، ويكفي ما يواري الطفل وإن كان رضيعا إذا قبل (١٣٧) الولي عنه.

قال رحمه‌الله : من وجب عليه شهران [متتابعان] فان صام هلالين فقد أجزأه ولو كانا ناقصين ، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا ، وأكمل الأول ثلاثين ، وقيل : يتم ما فات من الأول ، والأول أشبه.

أقول : مضى البحث في هذه في باب العدة وباب السلف (١٣٨) ، فليطلب من هناك.

قال رحمه‌الله : إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه ، بل يجب الصبر ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار ، وفي الظهار تردد.

أقول : ما قاله المصنف من أول المسألة إلى قوله (كالظهار) حكاية قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ تردد المصنف في الظهار ، ومنشؤه من أن الصبر حتى يصل المال يتضمن ضررا وحرجا على المظاهر لتحريم الوطي عليه قبل التكفير ،

__________________

(١٣٥) ما بين القوسين ليس في «ر ١».

(١٣٦) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ١٢ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ١٧.

(١٣٧) في النسخ : (قبض).

(١٣٨) ص ٢٤٠ وج ٢ ، ص ١١٨ (باب السلف).

٣١٣

والضرر والحرج منفيان بالآية (١٣٩) والرواية (١٤٠) ، فينتقل فرضه الى الصيام ، ولا يجب عليه الصبر لما يتضمن من الضرر ، ومن عموم عدم جواز الانتقال في المرتبة من الخصلة العليا الى ما دونها الا مع تحقق العجز عن العليا ، وهو غير عاجز في ثاني الحال ، فيجب عليه الصبر الى حين القدرة ، لأنه حق (١٤١) لا يفوت بالتأخير ، وكما يجب عليه الصبر في غير كفارة الظهار ، فكذلك فيها للمشاركة في العلة وهي الترتيب ، والمعتمد : الانتقال إن حصل في الصبر مشقة ، كما لو كان ذا شهوة ولا زوجة له غير المظاهر منها ، ومع عدم الانتقال ووجوب الصبر مع عدم المشقة (١٤٢).

قال رحمه‌الله : لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار ، قال الشيخ : لا يجزيه ، لأنه كفر قبل الوجوب ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأن الكفارة إنما تجب بنية العود وقبلها لا يجب ، فاذا كفر قبل النية لم يأت بالواجب عليه ، فلا يخرج من العهدة. وإنما لم يجزم المصنف به (١٤٣) لاحتمال الاجزاء ، لأن الكفارة هنا سبب في اباحة الوطي وشرط في تسويغه ، فالمعتبر تقديم الشرط على مشروطه ، ولا يعتبر تقديم غير الشرط عليه ، ولأن السبب الموجب للتكفير هو الظهار الموجب للتحريم بدون التكفير ، لأن إرادة الوطي من دون الظهار لا توجب التكفير وكان (١٤٤) الظهار هو السبب أو جزء السبب الموجب للتكفير ، فيصدق عليه أنه كفر بعد الوجوب فيكون مجزيا ، والأول هو المعتمد.

__________________

(١٣٩) المائدة : ٦.

(١٤٠) الوسائل ، كتاب احياء الموات باب ٧ ، حديث ٢ وكتاب المواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث ١.

(١٤١) من «م» و «ن».

(١٤٢) كذا.

(١٤٣) من النسخ.

(١٤٤) في «ر ١» : (فكان).

٣١٤

كتاب الإيلاء

٣١٥
٣١٦

في الصيغة

قال رحمه‌الله : أما لو قال : لا أجمع رأسي ورأسك في بيت أو مخدة ، أو لا ساقفتك ، قال الشيخ في الخلاف : لا يقع به إيلاء ، وقال في المبسوط : يقع مع القصد ، وهو حسن.

أقول : معنى قوله (لا ساقفتك) : أي لا اجتمعت أنا وأنت تحت سقف ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف ، واستقربه العلامة في التحرير (١) ، واختاره في المختلف ، لأنه (لفظ يستعمل) (٢) عرفا فيما نواه وقصده ، فيحمل على ما نواه كغيره من الألفاظ ، وللأخبار (٣) الدالة عليه ، وقال الشيخ في الخلاف : لا يقع وإن قصد ، واختاره ابن إدريس ، والعلامة في الإرشاد ، وفخر الدين في شرح القواعد ، لأصالة بقاء الحل ما لم يتحقق السبب المحرم ، وهو غير متحقق مع احتمال الألفاظ ، فلا يتحقق الا باللفظ الصريح.

__________________

(١) في «ن» : (النهاية).

(٢) في «ر ١» بدل ما بين القوسين : (مستعمل).

(٣) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٨ و ١٠.

٣١٧

قال رحمه‌الله : وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ [فيه] قولان ، أظهرهما اشتراطه.

أقول : مذهب الشيخ في الخلاف اشتراط تجريده عن الشرط ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (٤) ، وبأصالة الإباحة ، وتابعه ابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد وفخر الدين ، وقال في المبسوط : يقع معلقا على الشرط والصفة ، واختاره العلامة في المختلف ، لعموم القرآن (٥) ، والأول هو المعتمد.

__________________

(٤) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ٨ ، حديث ١ ـ ٩ ، وباب ٩. لاحظ الجواهر ج ٣٣ ص ٣٠١.

(٥) البقرة : ٢٢٧.

٣١٨

في المؤلي

قال رحمه‌الله : وفي صحته من المجبوب تردد ، أشبهه الجواز وتكون فئته كفئة العاجز.

أقول : منشؤه من عموم الآية (٦) فيصح من المجبوب وغيره من الأزواج ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، ومن أنه حلف على فعل ممتنع فلا يقع ، كما لو حلف ليصعدن الى السماء ، وأيضا الإيلاء لا يقع إلا في إضرار ، وهو لا يتصور (٧) من المجبوب لعدم قدرته على الوطي ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وبه قال فخر الدين.

ولو بقي للمجبوب ما يمكنه معه الوطي صح ايلاؤه إجماعا.

__________________

(٦) البقرة : ٢٢٦.

(٧) في «ن» و «ر ١» : (لا يقع).

٣١٩
٣٢٠