القصد ، والمشهور اشتراطه ، وهو مذهب المفيد والسيد والشيخ في أحد قوليه ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في شرح المختصر ، وهو المعتمد.
ولم يشترطه الشيخ في موضع من المبسوط ، وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، ويكفي قوله إحدى نسائي طالق أو إحداهن (٣١) أو امرأتي طالق (٣٢) ، من غير قصد ، ثمَّ يعين بعد ذلك.
احتج الأولون بأن الطلاق أمر معين فلا بد من محل معين ، لاستحالة وقوع المعين في المبهم ، ولأن توابع الطلاق كالعدة لا بد له من محل معين.
واحتج الآخرون بعموم النص (٣٣) ، وان إحداهما زوجة وكل زوجة يصح طلاقها ، وفيه نظر ، لأن الكبرى ممنوعة وهي قولهم : وكل زوجة يصح طلاقها ، لأن من الزوجات ما لا يصح طلاقها كزوجة الصبي ، وزوجة الحاضر إذا كانت حائضا.
تنبيه :
على القول بوقوعه مع عدم التعيين ، هل الواقع سبب مؤثر في البينونة حالة الوقوع ، أو أثر له صلاحية التأثير عند وقوع(٣٤) التعيين؟ كلاهما محتمل.
ويتفرع على ذلك فروع :
أ ـ يجب عليه (٣٥) التعيين ويطالب به ويحبس عليه على الأول ، دون الثاني ، ويجب الإنفاق على الاحتمالين معا ، ولا فرق بين البائن والرجعي.
__________________
(٣١) في النسخ : إحداكن.
(٣٢) هذه الكلمة في «ن».
(٣٣) الطلاق : ١.
(٣٤) هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.
(٣٥) في الأصل : عليهما ، وفي «م» : (عليه).
ب ـ يجب العدة من حين التلفظ بالطلاق على الأول ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط ، ومن حين التعيين على الثاني ، وهو اختيار العلامة.
ج ـ التعيين بالقرعة على الأول ، وهو مذهب المصنف ، وباختيار المطلق على الثاني ، وهو اختيار القواعد.
د ـ يحرم عليه الجميع حتى (يعين على الأول) (٣٦) ، كما لو اشتبهت زوجته بأجنبية ، وعلى الثاني الكل زوجات يباح (٣٧) نكاحهن حتى يعين.
ه ـ لو وطئ واحدة وجب تعيين الطلاق في غيرها على الأول ، ويجوز أن يعينها على الثاني.
و ـ الفرع الذي ذكره المصنف ، وهو قوله : هذه طالق أو هذه (٣٨) فعلى اشتراط التعيين يبطل الطلاق ، وعلى القول (بعدمه يعين للطلاق من شاء) (٣٩).
قال رحمهالله : ولو قال : هذه طالق أو هذه ، وهذه ، طلقت الثالثة ويعين من شاء الأولى أو الثانية ولو مات استخرجت واحدة بالقرعة ، وربما قيل بالاحتمال في الأولى والأخيرتين جميعا ، فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا ، والاشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة.
أقول : هذه فرع على القول بعدم اشتراط التعيين والقول بطلاق الثالثة هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنها معطوفة على المطلقة (لأنه عدل من لفظ الشك الى واو العطف فلا تشاركهما الثالثة في الشك (٤٠) وقال بعضهم : الثالثة معطوفة على الثانية لقربها ، وهو ظاهر واختاره ابن إدريس ، فعلى الأول تطلق الثالثة قطعا ،
__________________
(٣٦) ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : على تعيين الأول.
(٣٧) في «ر ١» : (يباح له).
(٣٨) هذه الكلمة ليست في «ر ١».
(٣٩) في «ن» بدل ما بين القوسين : بعدم التعيين يعين من شاء.
(٤٠) من «م» و «ن».
لأنها معطوفة على المطلقة) (٤١) في نفس (٤٢) الأمر ويصير الترديد (٤٣) بين الأولى والثانية يعين منهما من شاء.
وعلى القول الثاني حكم الثالثة حكم الثانية لعطفها عليها ، فيقع الترديد (٤٤) بين الأولى وحدها وبين مجموع الثانية والثالثة ، فإن عين الأولى للطلاق كانت الثانية والثالثة زوجتين ، وإن عينهما للطلاق كانت الأولى زوجة.
قال رحمهالله : ولو نظر الى زوجته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : أردت الأجنبية ، قبل ، ولو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى ، فقال : سعدى طالق ، ثمَّ قال : أردت الجارة ، لم يقبل ، لأن إحداكما تصلح لهما ، وإيقاع الطلاق على الاسم يصرف إلى الزوجة ، وفي الفرق نظر.
أقول : لم يفرق الشيخ في المبسوط بين المسألتين ، لأنه قال : فرع : إذا نظر الى امرأته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : نويت الأجنبية ، لم يقع الطلاق على زوجته بلا خلاف ، ولو كان اسم زوجته زينب ، فقال : زينب طالق ، ثمَّ قال عنيت به جارتي وكان له جارة اسمها زينب ، عندنا يقبل وعندهم لا يقبل منه.
والفرق بينهما : أن قوله : إحداكما يصلح لكل واحدة منهما (لفظا ، فإذا أخبر أنه أراد إحداهما قبل منه ، وليس كذلك الأخرى ، لأنه إنما طلّق واحدة (وانها تشار لها) (٤٥) في هذا الاسم ، لا أن اللفظ تناولهما ، وإذا كان اللفظ لا يتناول إلا واحدة فالعادة أنه لا يطلق الا زوجته ، وعندي أنه لا فرق بين الموضعين.
__________________
(٤١) ما بين القوسين ليس في «ر ١».
(٤٢) في «ن» : تعيين.
(٤٣) في النسخ : التردد.
(٤٤) في النسخ : التردد.
(٤٥) في «ن» : (وانما تشاركها). وفي «م» : (وانما شاركها).
انتهى كلام الشيخ رحمهالله ، وقوله : (وعندهم لا يقبل منه) إشارة إلى الجمهور ، لأنهم مجمعون على الفرق بين الصورتين ، للفرق الذي ذكره الشيخ ، ووجه اختيار الشيخ أن إحداكما يصلح لكل واحدة منهما) (٤٦) ، كذلك الاسم إذا كان موضوعا لهما (٤٧) ، فالفرق بينهما لا وجه له.
__________________
(٤٦) ما بين القوسين ليس في «ر ١».
(٤٧) في «م» : لها.
في الصيغة
قال رحمهالله : لو قال : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق ، وكذا لو قال : أنت مطلقة ، وقال الشيخ رحمهالله : إنه يقع إذا نوى الطلاق ، وهو بعيد عن شبه الإنشاء.
أقول : لا شك في عدم وقوع الطلاق بقوله : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات ، وانما الشك في قوله : أنت المطلقة (٤٨) ، قال الشيخ في المبسوط : قوله (أنت مطلقة) إخبار عما مضى فقط ، فان نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن تقول إنه يقع ، ومنع في الخلاف من وقوعه ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الطلاق لفظ إنشائي وضعه الشارع لازالة قيد النكاح ، فيقتصر على موضع الوضع ، لأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم المزيل له.
قال رحمهالله : ولو قال : طلقت فلانة [فقال : نعم] قال [الشيخ] : لا يقع ، وفيه إشكال ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم.
أقول : الضمير في قوله (قال : لا يقع) عائد إلى الشيخ رحمهالله ، ومراده
__________________
(٤٨) في «ر ١» : مطلقة.
أنه (٤٩) لو قال : طلقت فلانة وقصد الإنشاء أنه (٥٠) لا يقع الطلاق عند الشيخ ، قال المصنف : وفيه إشكال ، ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم. وجه استدلاله رحمهالله أنه لو قيل له : هل طلقت امرأتك؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق عند أكثر الأصحاب ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال فكأنه قال : طلقت امرأتي ، وإذا وقع الطلاق بما يتضمن قوله (طلقت) ، فوقوعه بالتصريح أولى.
واختار العلامة عدم الوقوع ، وهو المعتمد ، والأصل الذي بنى عليه المصنف ممنوع ، وسيأتي (٥١) تحقيقه إن شاء الله تعالى.
قال رحمهالله : ويقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالة ، وفي رواية يلقي عليها القناع فيكون ذلك طلاقا ، وهي شاذة.
أقول : المشهور أن طلاق الأخرس بالإشارة المفيدة أو الكتابة (٥٢) إن عرفها ، وهو مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المتأخرون لما رواه أحد بن محمد بن أبي نصر ، «قال : سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل يكون عنده المرأة يصمت فلا يتكلم ، فقال : أخرس ، فقلت : نعم ، قال فيعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها؟ قلت : نعم ، أيجوز له أن يطلق عنه وليه؟ قال : لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت أصلحك الله لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي يعرف به من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها وبغضه لها» (٥٣) وقال ابنا (٥٤) بابويه : والأخرس إذا أراد أن يطلق ، ألقى على امرأته قناعا
__________________
(٤٩) ليست في «م».
(٥٠) ليست في «ن» و «ر ١».
(٥١) ص ٢٠٨.
(٥٢) «ر ١» : والكتابة.
(٥٣) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب مقدماته ، حديث ١.
(٥٤) في «ن» : ابن.
يرى أنها قد حرمت عليه ، فاذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى أنها قد حلت له ، واحتجا بما رواه السكوني عن الصادق عليهالسلام «قال : طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثمَّ يعتزلها» (٥٥) ، وكذا روى أبو بصير (٥٦) عن الصادق عليهالسلام ، والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : وقيل : يقع بالكتابة إذا كان غائبا عن الزوجة ، وليس بمعتمد.
أقول : قال الشيخ في النهاية : وان كان غائبا وكتب بخطه أن فلانة طالق وقع الطلاق ، وقال في الخلاف بعدم وقوعه بالكتابة مع القدرة على اللفظ ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لوجوب مراعاة اللفظ المخصوص والكتابة غير اللفظ ، ولأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم السبب المزيل ، ولم يعلم بغير اللفظ المنصوص عليه.
احتج الشيخ على مذهبه في النهاية بما رواه الثمالي في الصحيح (٥٧) عن أبي عبد الله عليهالسلام.
قال رحمهالله : ولو قال : اعتدي ، ونوى به الطلاق قيل : يصح وهي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، ومنعه كثير وهو الأشبه.
أقول : قال ابن الجنيد : يقع الطلاق بقوله (اعتدي) إذا قصد به الطلاق ، ومستنده ما ذكره المصنف ، والأكثر على عدم الوقوع وهو المعتمد ، لأصالة بقاء العقد ما لم يعلم السبب المزيل له.
قال رحمهالله : ولو خيرها وقصد الطلاق فان اختارته أو سكتت ولو لحظة
__________________
(٥٥) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب مقدماته ، حديث ٣.
(٥٦) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب مقدماته ، حديث ٥.
(٥٧) المصدر المتقدم ، باب ١٤ ، حديث ٣ ـ وكذا في المصدر و «ر ١» ، ولكن في الأصل وباقي النسخ إلا «ن» : (عبد الرحمن الثمالي) وفي «ن» : اليماني.
فلا حكم ، وإن اختارت نفسها في الحال ، قيل : تقع الفرقة بائنة ، وقيل : تقع رجعية ، وقيل : لا حكم له ، وعليه الأكثر.
أقول : البحث هنا في موضعين :
أ ـ وقوع التخيير وكونه طلاقا ، وبوقوعه قال ابن أبي عقيل وأحمد بن الجنيد بشروط ثلاثة ، وقوعه في طهر لم يقر بها فيه بجماع ، وحضور شهود ، وجوابها على الفور ، والمستند الروايات (٥٨) ، وصورة التخيير أن يقول لها : اختاري نفسك ، أو جعلت أمرك بيدك ، أو خيرتك ، أو جعلت لك الخيار ، فان قالت : اخترت نفسي ، طلقت عند القائل به ، وإن قالت : اخترتك أو سكتت ثبت النكاح.
وقال الشيخ : لا يقع به الطلاق ، وبه قال ابن إدريس واختاره المتأخرون ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء النكاح ، والروايات الواردة بالجواز معارضة بغيرها (٥٩).
ب ـ اختلف القائلون بوقوعه ، فقال بعضهم : إنه يقع طلقة واحدة رجعية ، وقال بعضهم : إنه يقع واحدة بائنة ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات (٦٠).
قال رحمهالله : ولو قيل هل طلقت فلانه؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق.
أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ، ولرواية السكوني (٦١) عن الصادق عليهالسلام ، (والباقر عليهالسلام) (٦٢) ، وقال ابن
__________________
(٥٨) الوسائل ، كتاب الطلاق ، لا حظ أحاديث الباب ٤١ من أبواب مقدماته وشرائطه.
(٥٩) المصدر المتقدم.
(٦٠) المصدر المتقدم.
(٦١) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٦ من أبواب مقدماته حديث ٦.
(٦٢) ما بين القوسين ليس في «ن».
إدريس : إذا قيل للرجل : هل طلقت فلانة؟ فيقول : نعم ، كان ذلك إقرارا بطلاق شرعي ، وظاهره أنه إن قصد الإنشاء لا يكون طلاقا ، واختاره العلامة في المختلف وهو المعتمد ، لأصالة البقاء ما لم يعلم المزيل وهو غير معلوم بدون اللفظ المتفق عليه وهو لفظ طالق.
قال رحمهالله : ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث قيل : يبطل الطلاق ، وقيل : تقع واحدة بقوله طالق ، ويلغى التفسير وهو أشهر الروايتين.
أقول : تفسير الطلقة بواحدة أو اثنين مثل أن يقول : أنت طالق ثلاثا ، أو اثنين ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس : تقع واحدة وتلغوا (٦٣) الضميمة واختاره المصنف (٦٤) والعلامة في المختلف والإرشاد ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد لوجود المقتضي ، ـ وهو قوله : أنت طالق ـ وانتفاء المانع ، لأنه ليس إلا الضميمة وهي مؤكدة غير منافية ، فلا يؤثر البطلان ، ولرواية جميل بن دراج في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام ، «قال : سألته عن الذي يطلق في حالة طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : هي واحدة» (٦٥).
وقال السيد المرتضى وابن ابي عقيل وابن حمزة بالبطلان ، لأن الواحدة المنفردة المقيدة بقيد الوحدة غير مرادة ، فلا يقع لاشتراط القصد في الطلاق ، ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليهالسلام ، «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء» (٦٦).
(وأجاب العلامة بالقول بالموجب ، فإن الثلاثة لا تقع ، فهو ليس بشيء
__________________
(٦٣) في الأصل : تلغى وما أثبتناه فمن النسخ.
(٦٤) هذه الكلمة ليست في «ر ١».
(٦٥) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٩ من أبواب مقدماته حديث ٣.
(٦٦) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٩ من أبواب مقدماته حديث ٨.
فوجب ما قصده) (٦٧) وهو تأويل حسن.
قال رحمهالله : ولو قال أنت طالق للسنة صح إذا كانت طاهرا ، وكذا لو قال للبدعة ، ولو قيل : لا يقع ، كان حسنا ، لأن البدعي لا يقع عندنا والآخر غير مراد.
أقول : قال الشيخ في الخلاف : لو قال لها في طهر لم يجامعها فيه : أنت طالق للبدعة ، وقع طلاقه ، وقوله للبدعة لغوا (٦٨) ، واستحسن المصنف عدم وقوعه واختاره العلامة وابنه ، لأن البدعي لا يقع بل ولا يتصور ثبوته هنا ، لانتفاء المانع من الطلاق من الحيض وغيره ، وغير البدعي غير مقصود والطلاق من (شرط صحته) (٦٩) القصد ، وهو مفقود فيكون باطلا وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو قال : أنت طالق قبل طلقة أو بعدها أو قبلها أو معها لم يقع شيء ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن ، ولو قيل : تقع طلقة واحدة بقوله (طالق) مع طلقة أو بعدها أو عليها ، ولا يقع لو قال : قبلها طلقة أو بعد طلقة ، كان حسنا.
أقول : قال بعض علمائنا لا يقع شيء من هذا الطلاق الموصوف بهذه الصفات ، لأنه طلاق معلق بما قبله أو ما بعده ، ولم يقصد طلاقا مطلقا ، بل قصده موصوفا بهذه الصفات فلا يقع الموصوف من حيث أنه موصوف ، ولا غير الموصوف ، لأنه غير مقصود.
وفصل المصنف بين قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (٧٠) أو عليها ، وبين قوله
__________________
(٦٧) ما بين القوسين ليس في «م».
(٦٨) هكذا وردت هذه الكلمة في النسخ إلا «ر ١» فلم ترد فيها.
(٦٩) كذا في النسخ وفي الأصل : شرطه صحة العقد.
(٧٠) هذه الكلمة ليست في النسخ.
قبلها طلقة (٧١) أو بعد طلقة ، واستحسن الصحة في الأول والبطلان في الثاني.
ووجه الصحة في الأول : وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (٧٢) أو عليها ، لأنه قصد لفظ طلقة أخرى منضمة إلى الطلقة الواقعة ، فتصح المنجزة ، وتبطل المنضمة.
ووجه البطلان في الثاني : لأنه قصد طلقة بعد طلقة لم تقع ، فلا تقع المشروط بها.
قال رحمهالله : ولو قال : [أنت] طالق نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث ، قال الشيخ رحمهالله : لا يقع ، ولو قيل : يقع [واحدة] بقوله أنت طالق ويلغوا الضمائم إذ ليست رافعة للقصد : كان حسنا.
أقول : قال الشيخ في المبسوط بعدم الوقوع ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأنه قصد طلاقا ينتصف (٧٣) ، وهو غير جائز ، وظاهر المصنف وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو الضمائم ، واستقربه العلامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد.
__________________
(٧١) هذه الكلمة ليست في الأصل وإن كانت في هامش وفي باقي النسخ.
(٧٢) هذه الكلمة ليست في النسخ.
(٧٣) في «ر ١» : بتنصيف.
في الإشهاد
قال رحمهالله : بل لا بد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة ، ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ، والأول أظهر.
أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار ظاهر العدالة ، لقوله تعالى (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٧٤) ، وقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٧٥).
والشيخ رحمهالله اقتصر في النهاية على اعتبار الإسلام ، والأول هو المعتمد.
فروع :
الأول : لا يشترط في صحة الطلاق العدالة الباطنة بل الظاهر ، فلو طلقها بحضرة شاهدين ظاهرهما العدالة وكانا فاسقين في الباطن ، صح طلاقها وحلت على غيرهما إجماعا.
__________________
(٧٤) البقرة : ٢٣١.
(٧٥) الطلاق : ٢.
وهل تحل لهما؟ يحتمل ذلك لصحة طلاقها وبينونتها من زوجها في ظاهر الشرع ، فيجوز لكل أحد نكاحها لكونها مطلقة غير ذات بعل ، ويحتمل العدم ، لأن الظاهر إنما حكم بالنسبة إلى غيرهما (٧٦) لعدم اطلاعه على باطن غيره ، فلو كلفناه بالباطن لزم تكليف ما لا يطاق وهو باطل ، واما بالنسبة إليهما أنفسهما فلا يحكم لهما بالظاهر لعلمهما بأنفسهما ضرورة ، وقد علما عدم حصول شرط الطلاق فلا يكون صحيحا بالنسبة إليهما فلا تباح لهما وهو المعتمد ، ولا يلزم من إباحتها لغيرهما إباحتها لهما.
الثاني : لو كان أحدهما فاسقا بالباطن دون صاحبه حرمت عليه خاصة على المختار ، ولو كان العدل عالما بفسق صاحبه حرمت عليهما.
الثالث : لو كان الزوج مطلعا على فسقهما ، هل يصح الطلاق أم لا؟ يحتمل عدم الصحة ، لأن الآية (٧٧) تضمنت أمر الأزواج بإشهاد عدلين ولم يحصل ، لأنهما غير عدلين عنده فلا يحصل امتثال الأمر ، فلا يصح الطلاق وهو المعتمد.
ويحتمل الصحة ، لأن الشرط إشهاد من ظاهرهما العدالة وقد فعل ، لأن ظاهرهما العدالة عند غيره ، فلهذا يجوز للغير نكاحها ، وكان الطلاق صحيحا.
وعلى عدم الصحة لو ادعى علمه بفسقهما بعد إيقاع الطلاق لم يؤثر في إبطاله ما لم يقم البينة على فسقهما قبل الإيقاع ، ولو لم يقم بينة وصدقه الشاهدان لم يؤثر البطلان أيضا في حق الزوجة.
الرابع : لو علمت المطلقة بفسق الشاهدين دون المطلق ، احتمل صحة الطلاق ، لأن الزوج هو المأمور بإشهاد عدلين (٧٨) وقد فعل ، فيقع الطلاق صحيحا
__________________
(٧٦) في «ر ١» : الجاهل.
(٧٧) الطلاق : ٢.
(٧٨) في النسخ : العدلين.
لامتثال الأمر ، ويحتمل عدم الصحة بالنسبة إلى المرأة ، لعلمها بفساد شرط الصحة ، وهو عدالة الشاهدين ، ولا يؤثر (٧٩) قولها بفساد الطلاق بالنسبة إلى الزوج وإن صدقها ، ويحرم عليها الأزواج ما دام حيا ، ولا يجب عليه طلاقها ثانيا بل يستحب له ، فان لم يفعل احتمل جواز فسخ الحاكم إن كان ، وإلا فسخت هي دفعا للضرر المنفي بقوله عليهالسلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (٨٠) ، وهو قوي ، ويحتمل الصبر حتى يموت أحدهما.
__________________
(٧٩) «م» و «ر ١» : ولو تواتر.
(٨٠) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ٧ ، حديث ٢ ـ وكتاب المواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث ١٢.
أقسام الطلاق
قال رحمهالله : إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها في الثانية للعدة إجماعا ، وقيل : لا يجوز للسنة ، والجواز أشبه.
أقول : هذه المسألة من مشكلات هذا الفن ، وتحقيقها يفتقر إلى معرفة أقسام الطلاق ، فنقول :
الطلاق ينقسم الى قسمين : سني ، وبدعي.
فالبدعي : ما نهي عنه ، كطلاق الحائض المدخول بها ، الحاضر زوجها عندها ، وطلاق النفساء قبل طهرها ، والطلاق في طهر المواقعة فبهذا بدعة عندنا غير صحيح ، وعند العامة يقع صحيحا وإن أثم فاعله.
والسني : هو الطلاق المأذون به شرعا ، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
طلاق عدة : وهو أن يطلقها على الشرائط ثمَّ يراجعها في العدة ويطأها فيها.
وطلاق سنة بالمعنى الأخص : وهو أن يطلقها على الشرائط ، ثمَّ يتركها حتى تنقضي عدتها ، ثمَّ يراجعها بعقد جديد ومهر جديد إن شاءت.
وطلاق سنة بالمعنى الأعم : وهو الذي يقابل البدعي ، سمي طلاق سنة (بالمعنى الأعم) (٨١) لأنه شامل للسني والعدي والبائن والرجعي وجميع أنواع الطلاق المباحة.
إذا عرفت هذا فإنه لا خلاف في جواز طلاق الحامل المستبين حملها ، فاذا طلقها فلا (٨٢) خلاف في جواز الرجوع فيها قبل الوضع ، فإذا أراد أن يطلقها ثانيا ، فان كان واقعها بعد المراجعة جاز طلاقها إجماعا وكان طلاق العدة ، وإن لم يكن واقعها ، هل يجوز طلاقها ثانيا قبل المواقعة وقبل الوضع؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة ، لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام ، «قال : الحلبي تطلق تطليقة واحدة» (٨٣) ، ومثلها صحيحة إسماعيل الجعفي (٨٤) عن أبي جعفر عليهالسلام ، وصحيحة الحلبي (٨٥) عن أبي عبد الله عليهالسلام ، فهذه الروايات تضمنت وحدة طلاق الحبلى ، ففسر الشيخ رحمهالله ومن تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، أي لا يقع بها الا نوع واحد من أنواع الطلاق وهو العدي خاصة.
وقال ابن إدريس يجوز طلاقها للسنة كما يجوز (٨٦) للعدة ، واختاره المتأخرون ، لعموم الروايات (٨٧).
قال المصنف في نكت النهاية : وهذا التأويل بعيد ، يعني تأويل الشيخ ومن
__________________
(٨١) ما بين القوسين ليس في الأصل.
(٨٢) في النسخ : لا.
(٨٣) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٠ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ٤.
(٨٤) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٢٠ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث ١.
(٨٥) المصدر السابق ، حديث ٢.
(٨٦) في نسخة من الأصل : يصح.
(٨٧) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، قال : لأن (٨٨) الطلاق واحد ، وانما يصير للسنة بترك الرجعة والمواقعة ، وللعدة بالمواقعة بعد الرجعة ، ولا ريب أنه إذا طلقها طلقة كان له مراجعتها ومواقعتها ، وله طلاقها من دون المواقعة عملا بإطلاق الاذن ، ومثله قال العلامة في المختلف.
والمراد بطلان السنة هنا السنة بالمعنى الأعم ، لأنه لا يتصور بالمعنى الأخص.
قال رحمهالله : إذا طلق الحائل ثمَّ راجعها فان واقعها وطلقها في طهر آخر صح إجماعا ، وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة ، فيه روايتان : إحداهما لا يقع الثاني أصلا ، والأخرى يقع ، وهو الأصح ، ثمَّ لو راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه ، ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنة والمنع على طلاق العدة ، وهو تحكم.
أقول : البحث هنا في موضعين :
الأول : في وقوع الطلاق وعدمه ، وقد وردت فيه روايتان إحداهما تتضمن الصحة ، وهي رواية محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامعها ثمَّ طلق في طهر آخر على السنة؟ أتثبت التطليقة الثانية بغير إجماع؟ قال : نعم إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة» (٨٩) ، وعلى هذه الرواية عمل جمهور الأصحاب ، ويعضدها رواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر) (٩٠) في الصحيح «قال : سألت الرضا عليهالسلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين (ثمَّ راجعها ولم
__________________
(٨٨) في الأصل : إن.
(٨٩) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق ، حديث ١.
(٩٠) «ن» : ابي بصير.
يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثمَّ طلقها على طهر بشاهدين) (٩١) ، أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال : نعم» (٩٢) ، والرواية الأخرى تتضمن عدم الصحة ، وهي رواية أبي بصير عن الصادق عليهالسلام : «المراجعة في الجماع ، والا فإنما هي واحدة» (٩٣) ، وبمضمونها أفتى ابن أبي عقيل والأول هو المعتمد.
الثاني : في حمل الجواز على طلاق السنة ، والمنع على طلاق العدة ، وقد حمله بعض الأصحاب على ذلك ، ووجه هذا الحمل : أن لفظ الطلاق مشترك بين السني والعدي وغير ذلك من أنواع الطلاق ، فلا يلزم من ورود النفي والإثبات عليه تناقض ، لجواز اختلاف المعنيين ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار من غير مناقضة كان أولى من إبطال بعضها ، فتحمل رواية الجواز على الطلاق السني ، لعدم اشتراط الوطي فيه ، ورواية المنع على (الطلاق العدي لاشتراط الوطي فيه) (٩٤) لئلا تتناقض الأخبار ، وقال المصنف : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، لأن الأخبار وردت مطلقة ، فتخصيص خبر الجواز بطلاق السنة ، وتخصيص خبر المنع بطلاق العدة ، لا مخصص له فكان تحكما.
وفخر الدين جعل الاعتراض (أي قول المصنف) (٩٥) غير هذا ، قال : لأن شرط العدي الوطي بعده وبعد الرجعة منه في العدة ، فهنا شرط سبق الوطي ، وليس بشرط في طلاق العدة ، فيلزم هذا القائل أنه أخذ غير الشرط مكانه ، هذا آخر كلامه رحمهالله.
__________________
(٩١) ما بين القوسين ليس في «م».
(٩٢) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق ، حديث ٢.
(٩٣) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ١٧ من أبواب أقسام الطلاق ، حديث ١.
(٩٤) ما بين القوسين ليس في «ن».
(٩٥) ما بين القوسين ليس في النسخ.